مراوغات أوكامبو..!

خط الاستواء
عبد الله الشيخ
مراوغات أوكامبو..!
تواءمت مع قدري داخل فرن الحاج الفيتوري في مدينة الزاوية، بيني وبين الساحة (ميدان الشهداء) كيلو متر واحد من ضباب الشتاء!.. الساحة الآن غدت حطاماً كليالي أبوداؤود!..و (بدت كآسي على راحي بقايا من حطام)..!، و (لا تسل عني ليالينا فقد بتنا حطاماً)..! نحن أولى بالثورة من تونس ومصر..! و ( بين ليبيا والسودان والعراق واليمن، وثبة الى اللأمام فوق هامة الزمن)..!!
أنا والنجم والمسا، ضمنا الشوق والحنين..!
أنا والعتالة ، والهواجس، ونار الفرن، واستفسار غبي يردده أمامي هؤلاء ( الثوار) كلما دلفوا الى حيث يقف هذا السوداني (الأكحل)، الذي يبتاع لهم تلالاً من الخبز بينما يتضور أهله جوعاً..! هنا ، حيث الخبز على قفا من يشيل ،يسألني كل ثائر ذات السؤال: (في خبزا)..!؟ كأنه لايرى وكأنى لا أعرف غير كلمة (باهي)..! منطلقاتهم الثورية تجبرني على الإجابه بـ ( نعم) ، فأقولها (عشان أولادنا تتعلم)، وحتى لا يحيلني ربي إلى الصالح العام)..!
هناك فى الزاوية التى احترقت، كلما تفانيت في الخدمة، رماني ربي بأثقاله.. بدأت معه عتالاً، ثم أمسكني مكنسة (قدر الليلة وبكره)، وحين قرر ربي فصلي من العمل أخرجني عبداً يعرف كيف (يقطع الخميرة)! وكيف يبرع فى تدريس اشبال الثورة الخضراء، وكيف يخدم البنشر، ويحاسب ، ويُحمِّصْ (الكاكاوية) فى النار..! و(أيش مِن كاكاوية يا سوداني) ؟ الكاكاوية في اللغة الليبية هي الفول السوداني!.
سألت ربي ، غيرة على ثروة شعبنا العظيم، لماذا تقولون للفول السوداني كاكاوية؟.. وقع عليه سؤالي وقع الكروز على باب العزيزية ..!و،(لا مونى العوازل وبى حالى ازدروا)..! قال مستنكراً أن يطيح بالسؤال أجير،: (شين يقول هاي العبيد)..؟!
كلما زاد عبء الغربة رماني ربي بمهام جديدة..! كم كان يدفع لي هذا السيد ..!؟ إنه يدفع لي أربعة جنيهات بالقديم..! و كنت على علم بأن الانقاذ استضافت المؤتمر العربي الاسلامي فى الخرطوم على حسابي..! لقد كان ربي كريماً معى حين قال لي فى المبتدأ : (ياعبد الله، يا سوداني، شايف هاي الخبز؟ هاي الخبز كله بتوعك.. تاكل منه زي ما أنت عاوز بس ما تشيل معاك للبيت..!
لكم الحق فى إهانتي أيها الثوار، إن خلف صحراؤكم هذه كيزان السودان ، وكيزان السودان ( فوقهم نور شيخ عووضة القارح)..!
أعجبتني كان وأخواتها، في الماضي كنت أُحب الجمال وأتغزل فيه، أين زمان الغزل ، وهذه الشوالات أمامي، والفرن ورائي..!؟ لكننى كنت مفعماً بروح السيد المسيح ، و، (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من فم الله)!..
ها أنذا أستولف الغيوم الرواحل في سماء الزاوية المحترقة.. عند طرف الصحرا أكبر مقبرة للسيارات..! يقولون أن الأحناش تسكن سيارات موسولينى وتعشعش داخل طبلوناتها الزيتية ، الساحة التي كنت (أهدرس) فيها مع السوادنة عليهم رضوان الله أحرقها مؤسسها الثوري جداً..! أرى بوضوح شوارع الزاوية من داخل هذه الشاشة البلورية ، وأقول لنفسي: هل سيحرق الكيزان الثوريون هنا جسورهم والكباري إذا ضايقهم غداً كائن الله الضعيف ، الـ ( فيس بوك)..!؟
أتذكر ، أنني كنت أشتراكياً، أوشك على الكفر بفقه الطبقة، وأتذكر ، أن هذه الزاوية غسلتني فى صقيعة المنتجين ، وسلمت قدري للبحر..!
و لكن، كيف تمت إحالتي (للصالح العام)..! تلك قصة جديرة بالتدوين.. لكن قبل ذلك (قف تأمل) معي عجلة الأحداث يا صديقي ، لقد انتابني الحزن عندما فصلوني من وظيفتى كعتالي وفراني..! إننى كإبن الانسان، يخرج إلى الدنيا باكياً، كأنه يطلب البقاء هناك، وعندما ينخرط فى آلام الحياة يتمنى ألا يغادرها أبدا..!
من يحيل غربتي هذه إلى المحكمة الجنائية الدولية..؟! هل يستطيع أوكامبو أن ينصفني من هواجس ربي الذي يشويني كل يوم بأحاديثه عن كسلي ،و يطاردني بين أطنان الدقيق والخبز ،يمطرني بألفاظ (اشتراكية فخيمة)، من نوع :(هيا ،يا سوداني، سقد روحك، فيسا فيسا)..!؟
ماذا يريد مني هؤلاء الاشتراكيون..!؟ هل يريدون أن (أكسر رقبتي) عقاباً على إختياري اللجوء إلى دولة المفاتيح فراراً من دولة الكيزان..!؟
هل يراوغني أوكامبو إذا تقدمت إليه بملف غربتي..!؟ هل تراه يدرسه ثم يقول بعد التمحيص، أنه ليس (جهة الاختصاص)..!؟ نعم ، سيراوغني ، ماذا فعل أوكامبو بمذكراته التوقيفية السابقة حتى يصدر أخرى جديدة فى حق ملك ملوك أفريقيا..!؟

منطلقاتهم الثورية تجبرني على الإجابه بـ ( نعم) ،

وحين قرر ربي فصلي من العمل أخرجني عبداً يعرف كيف (يقطع الخميرة)!

0