أنطولوجيا الجهل والغباء

أنطولوجيا الجهل والغباء


12-27-2010, 08:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=320&msg=1293521570&rn=0


Post: #1
Title: أنطولوجيا الجهل والغباء
Author: ود شاموق
Date: 12-27-2010, 08:03 PM

"حسناً، فليفعل ما يشاء، ولتكن الشريعة الإسلامية خياره الشخصي، ولا غضاضة، فقط ليته يترك لنا شيئاً لنختاره بأنفسنا"، جالت هذه الفكرة، وأخواتها، في خاطري وأنا أستمع إلى الدرر، التي ألقاها سعادة الرئيس، ذات ظهيرة قائظة، على رؤوس الناس، والدنيا عيد، عيد الحصاد!.

لعلي لا أبالغ إن قلتُ أنني لم أشعر بضيقٍ في حياتي وإحساس بالكرب والكآبة والحزن على مصير بلد في كف عفريت، بقدرما شعرت به بعد فراغ الرئيس من خطابه المرتجل، الذي ختمه بعرضة جديدة، ورقصة للحرب مبتكرة، ما أنزل الله بها من سلطان، يا سعادة الفيلدمارشال، يا أمير المؤمنين، الرحمة!

رأيته وهالني ما رأيت، صدقاً تمنيت أن لو كنت نائماً في تلك الظهيرة ...

كان واقفاً كديك أم الحسن، محاطاً بالحرس المبالغين في تقدير أهميتهم الشخصية، حرس الرئيس، ذوي الوجوه الشاحبة، والملامح الغائسة، وكان هو، في وسطهم تماماً، كما ينبغي له، في كامل بهائه، مزهواً بذاته الدكتاتورية، وبدلته الاشتراكية.

لا يكف عن الكلام، فيما يعرف، وما لا يعرف، ممسكاً بعصاه السحرية، ومايكروفونات الميديا العالمية تزدحم في يده اليمنى، الجزيرة، البي بي سي، السي إن إن، العربية، وغيرها، هم يعلمون، ونحن نعلم، فقط وحده هو لا يعلم، وكأن العالم استيقظ فجأة، على جهالاته الكبرى، وأدرك أهمية ما يقوله الرجل، ومدى التنازلات الأليمة التي يضطر السودان لتقديمها عقب كل حديث أشترٍ له، "نعم سنقطع الأيادي، والأرجل، من خلاف، وسنصلب، وسنذبح الناس ونسلخهم"، ولا غرابة!

هذا الرجل يستثمر في جهالة شعبه، حيث لم تكن المفارقة فيما قاله حينها، بقدرما كانت في صدمتي حينما أدركت تصوره المحدود لهذا العالم، والذي يظن التعدد الثقافي والإثني ترفاً ذهنياً لأقلية معارضة لسلطته المطلقة!

يا سعادة الجنرال، التعدد هو أن تلبس بزتك العسكرية، ونلبس نحن ما نشاء، التعدد أن تصوم عن الطعام، ويأكل غيرك متى ما شاء، التعدد هو أن تصلي وقتما تريد، وترقص كيفما تريد، وتترك لغيرك فسحة للأمل، التعدد يا فخامة الرئيس هو أن تطبق الشريعة في خاصة نفسك، وفي من هم حولك، لا أن تجبر الناس على فهمك الخاص لما هي الشريعة، ماهية الإسلام، وماهية الله. والتسعة مليارات، يا فخامة الدكتاتور الصغير، إني لا أشفق عليك، ولكنني أشفق على الصغار النائمين، الحالمين بغدٍ أفضل، على الفقراء والمساكين الذين هدهم الجوع والتعب، على المرضى الذي ماتوا وهم في انتظار الفرج، على من تكبد عناء السفر، ثم الوقوف لساعات طويلة، في حر تلك الهاجرة، للاستماع إلى هرائك المركّب، سيبدو حديثك غريباً لو قلت أنك ستطعم الطعام، وتكسو العرايا، وتواسى الأيامى، ولكن هيهات! لذا دعني أسألك، ياترى مالذي جد، يا ربِ، في تلك الظهيرة.

وأنا واجمٌ في هدأة الليل، أسترجع المشهد من ذاكرة النهار، بدا لي في لحظةٍ ما كشخصية خيالية لا وجود لها في العالم المحسوس، هومر سيمسونز، مثلاً، وفي لحظة أخرى ذكرني بحاكم عسكري مجنون، لجزيرة كاريبية بعيدة، قرأته في رواية ما لغارسيا ماركيز، مدججاً بالنيشانات والأنواط الوهمية، فخوراً بنفسه كأنما حيزت له الأرض من أطرافها، متناقضاً، مضطرباً، ومغروراً كطاووس صغير.

نعم إنه الرئيس، رئيسي أنا شخصياً، ومصيبتي الأبدية، بشحمه ولحمه، وذات الوجه المكرر، الذي أطل علينا لأول مرة قبل عشرين عاماً، ونيف؟! عبر شاشات التلفزة، يبشرنا بارتباط أسباب الأرض مع أسباب السماء، وبأننا على موعد مع المعجزات الإلهية، مع العزة، والكرامة، والخبز والماء، مع الوفرة، والرفاه، ودولة المشاريع الحضارية، ووعدنا بالنصر يأتينا من عند الله شخصياً.

هل يحق لي أن ألوم الذي استغل كل شيء، من أجل كل شيء، ولم يفرط منه في شيء، ثم خرج بخفي حنين، تخفره اللعنات المخيفة، أم أنحو باللوم على الذي اخترناه للا شيء، ففرط في كل شيء، وما ناله منه شيء، هل ألوم الذي مضى من الدهر، أم أصمت عل الذي مضى هو خيرٌ مما هو آت.

يارب، هذه مسؤوليتك الشخصية، أنت أتيت بهم، وأنت تأخذهم، لتعيدهم من حيث أتوا، إلى مزابل التاريخ والجغرافيا.

لا أدري لماذا يطاردني هذا الإحساس، أنني سأستيقظ ذات يوم من النوم، من منامي الشخصي، وأكتشف أنني كنت في كابوس، كابوس جماعي، ومن داخل الكابوس نمت فدخلت في كابوس آخر، ومن داخل الكابوس الآخر نمت لأجد نفسي في كابوس جديد ... هكذا، إلى عشرة كوابيس متداخلة، كلما استيقظت من واحد منها، أسأل الله أن يجعله آخر الكوابيس، وهيهات!

Post: #2
Title: Re: أنطولوجيا الجهل والغباء
Author: farda
Date: 12-27-2010, 08:10 PM
Parent: #1

...
Bashir2.JPG Hosting at Sudaneseonline.com



عمر البشير - عيد الحصاد - القضارف 19 ديسمبر

Post: #3
Title: Re: أنطولوجيا الجهل والغباء
Author: ود شاموق
Date: 12-28-2010, 10:24 AM
Parent: #2

عزيزي حافظ، شكراً جزيلاً على رفد هذا البوست، بهذه الصورة المعبرة، التي تصب مباشرةً في نهر الكلام.

Post: #4
Title: Re: أنطولوجيا الجهل والغباء
Author: ود شاموق
Date: 02-09-2011, 11:30 PM
Parent: #3

البشير يوجه بالرد على المعارضين من خلال "الفيسبوك"