الكاتبة الهام نجم في ذبيحة عدس لندن (عدوسه)

يمكنكم التعليق
كما ايضا يمكن مراسلة الكاتبة علي الايميل فلقد فقدت (باسووردها) (لونق تايم اقو)
[email protected]

دفع محمد أحمد باب منزلهم، ودلف إلى الداخل.. فأصدر باب الصفيح صريراً اشبه بأنين الجريح ...القى محمد التحية على أسرته..
- تعال حصِّل البوش دا قبل ما يكمل
- معليش يا أبوي ما بقدر، أكلت لي ساندوتش قبل شوية في المستشفى ، بس ميت تعب

نظرت له والدته بإشفاق وقالت له:
- خلاص باكر إجازة ترتاح فوقها
- وين إجازة يا أمي حتى يوم الوقفة نحن شغالين

أتجه نحو غرفة الاستقبال، التي هي غرفته أيضا، فالبيت لا يوجد فيه سوى غرفتين، خلف خلاف، وراكوبة ممتدة أمام الغرفة الخلفية أتخذت والدته جزءاً منها مطبخاً.
بعد أن بدل ثيابه، ادار جهاز التلفزيون، ارتمى على سريره، وهو في غاية الإرهاق، أمسك بالريموت وبدأ يقلب في القنوات السودانية ليتعرف على برامج العيد.
(كلو غناء في غناء ! الناس ديل بقى ما عندهم مواضيع غير الغناء؟ والكورة، وإعلانات الفرش و معارض الأثاثات)

همس محمد لنفسه!! وهو يمسك بجهاز الريموت، ويتنقل من قناة لأخرى، احس بالحسرة والضيق وهو يشاهد إعلانات معارض المفروشات المستوردة الفاخرة، التى إمتلأت بها شاشات القنوات السودانية، والتى من كثرتها يخيل للمشاهد أن السودان لا توجد به تجارة غيرها، وأن جميع بيوت أهل السودان تزدان بهذه المفروشات الراقية، لأن أسعارها في متناول ايدي الجميع،، وهذا شئ بديهي، في بلد يصدر النفط، وتحت ظل حكومة إسلامية رشيدة توفر الرخاء والرفاهية لمواطنيها!!..
وتدل أسماء معارض المفروشات على أن أصحابها يتبعون سياسة الدولة الدينية، فنجد مثلا معارض المسلم والمهيمن والجبار والشاكرين،،،، تنهد أحمد بألم، تلفت حوله ناظرا لأثاث غرفته، وهو عبارة عن سريري خشب، مازالا صامدين وبحالة جيدة على الرغم من مرور قرن من الزمان على شرائهما، و أربعة كراسي حديد قام والده بتجديد طلائها الابيض بمناسبة العيد، واستعارت والدته مبلغ عشرين جنيهاً من جارتها لكي تتمكن من تفصيل أكياس جديدة لمساند الإسفنج التي أهترأت بفعل الزمن، وكثرة الاستعمال.
رجع محمد بنظره لمشاهدة التلفزيون، والتنقل بين القنوات لعله يجد شيئاً مريحاً ، ومفيداً يختم به يومه، وقد بدأ النعاس يداعب أجفانه
تجمدت أساريره وهو يشاهد إعلاناً إستفز كل أحاسيسه !!!! مقدمة الإعلان فنانة ناشئة كانت تغني للمنتج المراد الإعلان عنه بصوت عذب، وبغنج ظاهر، وقد أدخلت مفردات إنجليزية في أغنيتها لتعطي إنطباعا بإنتماء المنتج للطبقة الراقية من المجتمع
زمجر احمد في صوت خفيض (عدس؟ عدس!! ما حرام عليكم .. حتى العدس (أكل المساكين) لمَّعتوهو وعملتو ليهو مكياج، وختيتوهو في الفترينات، عشان تبيعوهو بالغالي ؟؟؟ هسع دي دفعوا ليها كم عشان تغني ليهو بالعربي والانجليزي)
أحس بالغثيان... فقام بقفل التلفزيون واستعد للنوم .. تقلَّب في فراشه وقد أرَّقه أحساسه بالعجز والفقر .. كان يحلم باليوم الذي يصبح فيه طبيبا يمتلك مرتباً محترماً يساعد به والده الموظف البسيط ، الذي تعب وكد في سبيل توفير مصاريف دراسة الطب .. بعد أن تخرج واكمل سنتي الأمتياز والخدمة الإلزامية،،، فوجئ بالواقع المرير للأطباء الجدد، وادرك أنه يعيش في بلد تئد الأحلام في مهدها.
تناهى إلى سمعه صوت والديه وهما يتجاذبان أطراف الحديث، بعد أن تناولا طعام العشاء واستلقيا على أسرَّتهم أستعدادا للنوم. لم يكن صعباً عليه أن يسمع حديثهما بوضوح، فنافذة الغرفة تطل على الحوش الصغير جدا، والوحيد في البيت، وقد أعتاد احمد أن ينام في الغرفة، وفي أشد اوقات الصيف حرارة، حتى لا يضايق والديه واخوانه الصغار .
سمع صوت والدته تسأل والده:
- هسع قلت لي شنو يا حسين ... السنة دي ما في طريقه للخروف؟
تنهد والده وقال:
- إنتي براك عارفه الظروف يا نفيسة . الخروف السنة دي وصل لستمائة وسبعمائة . أجيبها من وين ؟ إيجار البيت مكسور علينا شهرين ،، كان في قروش ،، ندفع الإيجار وللا نشتري خروف؟
- بس عشان الضحية سنة واجبة . إن شالله حمل صغيِّر ,,,
- لا حمل ولا عتوت .. الضحية ذاتها قالوا ما واجبة ولا شيتين ..
- كيفن ما واجبة؟ عرفنا ما واجبة على المسكين.. القادر ما لو ما يضبح .
- لا لا قالوا ماواجبة على الغني ولا على الفقير.. قالوا عشان الرسول عليه افضل الصلاة والسلام اشترى خروفين كبار، ليهن قرون غليدة، قام ضبحن في يوم العيد، قال واحد منهن لأسرتي والتاني لي جميع أمة محمد، يعني خلاص الرسول ضبح نيابة عن أمته، يعني الزول كان مشتهي ليهو لحمه يضبح ساي من غير ما يتسلبط في السنة والشريعة.
- نان وكت أصلو الموضوع كدي ليه الناس دي بتضحي كل سنة ، غني على فقير ، حتى ان كان بالدين والجرورة؟
- يازولة الناس ما عندها موضوع . الضبيحة بقت عندهم عادة إجتماعية وما هي عبادة ... ياخي قالوليك كبار الصحابة ما كانو بضحوا وفيهم ناس قادرين وبيضبحوا كل يوم الا يوم العيد ، رغم دا الناس راكبة راسها زي ما انتي شايفة..
_ لكن كلام الضبيحة ما واجبة دا سمعتو من وين يا أخوي؟
_ الكلام دا قالوا لي محمود النور زميلي في الشغل قال سمعه من عالم كبير ومجدد في الإسلام
- والله بارك الله فيهو العالم دا ريح الناس كتير. هسع لمن الشارع كلو ما يضبح،، شفع المساكين الما قادرين يضبحوا ما يتحسسوا وللا خاطرهم ينكسر ،،، لكن الكلام دا ما قالوهو لينا في التفزيون ليه؟
- العلماء البيتكلموا في التلفزيون، سهلوا على المسلمين حاجات تانية من أمور دينهم.. زي الزواج سهلوه على الشباب وفكوا بورة البنيات بحكاية زواج الايثار دي،،،، دحين ما سمعتي بيها؟؟
- يطرشني ... الإيثار دا شنو كمان؟
- الإيثار يعني العروس ما تمشي من بيت أبوها. الراجل يجيها في النهار بس في بيت أبوها، وبالليل يبيت عند اهلو .. يعني الراجل كان داير يتزوج على مرته الأولى، يكون بالنهار مع الجديدة وبالليل مع القديمة
(كتم محمد صوت ضحكة خفيفة كادت أن تصدر منه وهو يتخيل تعابير وجه امه في الظلام ، وردة فعلها)
فعلا انبرت الحاجة نفيسة قائلة بسخط:
- ديل علماء أخر زمن ديل .. أكيد الفتوى دي عملوها لي رقبتهم، عشان يعرسوا فو ق نسوانُم، الرجال الشايبين العايبين.
- يا ولية خافي الله ... هسع إنتي ما كنتي مبسوطة منهم عشان فتوى الضحية ،، مالك قلبتي عليهم
- أكيد العالم القال فتوى الضحية دي ما واحد منهم... لكن ديل وحات الله.. تلاقي الواحد منهم بيضبح خروفين بدل واحد، خروف لكل واحدة من نساوينو
ديل ناس قادرين ، ما بتشوفهم في التلفزيون كيفن أشكالهم مرتاحة، وباين عليهم العز والنعمة، لازين كروشهم شبرين لي قدام. و يعلم الله دي كروش شية ومرارة ساي ..
- إستغفري ربك يا نفيسة وما تظلمي الناس، البتتكلمي عليهم في التفزيون ديل ما علماء الإسلام، ديل علماء السلطان ، يعني أتباع الحاكم ، ومستشارينو، يعني الواحد يكون عالم برتبة وزير . دا كيفن ما يضبح؟؟؟ ، اقولك شئ يا نفيسة،، اخير تنومي ، قالوا كان ما في خير النوم اخير

أستيقظ محمد من النوم متأخراً لأن عمله يبتدئ اليوم في المساء، بعد ان شرب الشاي سأل والدته وهو في طريقه للخارج إذا كانت تريد شيئا من السوق
- دايرا لي شوية خضار، ولحمة لي بكرة،، نعمل منها حبه شية لي الشُفع ، باقي ابوك قال الضبيحة ما واجبة،،،، شفت جنس المحن دي يا ولدي!؟ الفلس خلا ابوك يشرِّع في الدين
ضحك محمد وربت على كتفها قائلا:
- أيوه سمعت كلامكم أمبارح، لكن اقول ليك شئ يا أمي... سيبك من الخروف واللحمة الزفرة دي ، بكرة شدِّي ليك حلة عدس كاربه نعيّد بيها
- أجي يا اخواني ! جنيت أنت يا ولد ؟ عدس شنو البشدو في العيد، العدس دا ما يانا بناكلو السنة كلها
- لا يا أمي أنا ما بقصد عدس الدكان العادي البيقدر ياكلو اي زول، أنا بقصد العدس الفاخر البيستوردوهو من لندن . دا عدس ما بيحتاج لزيت ولا لبهارات never never
- نيفا ؟ رأس النيفا الدخله شنو في العدس ياولدي؟ كُر عليْ،،، ظنيتك ما نمت امبارح من كلام أبوك،،، قمت تهضرب بالعدس ورأس النيفا..غايتو النور زميل ابوك دا إتسلط علينا ساي
_ محمود.. يا أمي أسمه محمود النور ، بعدين كلامه دا كلام مظبوط، ومفروض كل الناس تعمل بيه
_سمح ، امش هسع قبل اللحمة ما تخلص من السوق ...... محمود ولا احمد.. قروش ذاتو لضبيحة ما عندنا

اين ادباء البورد؟

0

الأعزاء جدا...

استاذ لطفي..

والمبدعة إلهام...


صبح جميل، ورائق..


شدني النس، المكتنز بالحوار، واللمح، والصدق، وتحسس معاناة الفقة الميت، وساعودأكثر تذوقها له..



ولي عودة..

Quote: الأعزاء جدا... استاذ لطفي.. والمبدعة إلهام... صبح جميل، ورائق.. شدني النس، المكتنز بالحوار، واللمح، والصدق، وتحسس معاناة الفقة الميت، وساعودأكثر تذوقها له.. ولي عودة..

اووك معانا الكاتب الكبير عبدالغني

فهذا شرف
في انتظار عودتك و العود احمد
تحياتي لرحاب و محمود و امنة

لطفي