تفتيت السودان هو النتيجة الحتمية لفرض المشروع الإسلامي بالقوة

توسل القوة لفرض المشاريع السياسية هو بداية النهاية لأي بلد مهما كانت إمكانياته، ولكم في الإتحاد السوفيتي مثلا واضحا. فالقوة قد تستطيع قهر الفرد وقهر الجماعة لكنها لا تستطيع قهر الشعوب. والكارثة وحدها هي النتاج الحتمي لتمادي العاجز في استعمال القوة لفرض مشروعه السياسي ......

كل المشاريع السياسية تظل مشروعة ومن حق أصحابها السعي لتجليها على السلطة. ومن التجارب التاريخية للشعوب، ثبت أن هناك وسيلتين لتحقيق المشاريع السياسية.

الأولى عن طريق اقناع أكير كتلة انتخابية بجدوى المشروع السياسي، ومن ثم ضمان تأييد هذه الكتلة الذي يوصل بدعاة المشروع إلى السلطة كما حدث في تركيا أردوغان.

والوسيلة الثانية هي وسيلة الإنتهازيين الثوريين من مراهقي السياسة. وتتلخص في الاستيلاء على السلطة بالإنقلاب العسكري ومن ثم فرض المشروع السياسي بالقوة. وهذه الوسيلة تتضمن بالضرورة:

1 - إقصاء المشاريع الأخرى وقهر الداعين لها بالقوة.
2 - مصادرة الحريات الأساسية للشعب.
3 - التعدي على حقوق الإنسان.
4 - استشراء الفساد.
5 - إزكاء روح الصراع الجهوي والعرقي والديني.

ونتيجة كل ذلك هي تعريض وحدة البلاد لحطر حقيقي.

في الحالة السودانية يصير فرض أحد المشاريع السياسيى بالقوة كارثة حقيقية لأن الدولة القومية لم تبنى بعد في السودان، ويقوم محلها بناء هش وعرضة لكل أنواع التفتت.

****

على مدى نصف قرن ويزيد، ظل السودان مشروع جمهورية ولم يتسنى للدولة القومية أن تبنى على أرضه الشاسعة. هذا الزعم تسنده حقيقة واحدة رئيسية وعدد من الحقائق الفرعية المرتبطة بها.

هذه الحقيقة هي فشل الحركة السياسية السودانية في إقرار دستور دائم للبلاد.

فالدول لا تقوم بمجرد رفع العلم. فعند رفع العلم السوداني لأول مرة على سارية القصر الجمهوري، كان ذلك يتم تحت ظل "دستور السودان المؤقت"

وكان من المفترض أن تعمل الهيئة التشريعية المنتخبة على وضع الدستور الدائم كمهمة رئيسية لها حتى تكتمل أركان قيام الجمهورية.

وهذا لم يحدث حتى اليوم.

نعم لقد تدخل جيشنا الباسل وأدخل البلاد في حكم العسكر المشئوم لمدة ست سنوات.

انتفض الشعب في أكتوبر 1964 على العسكر وطردهم من السلطة، فانتخبت جمعية تأسيسية مهمتها وضع الدستور الدائم.

وهذا أيضا لم يحدث لأن جيشنا البطل لا يحب ممارسة بطولته تلك إلا في الانقلابات، فوقع انقلاب نميري المشئوم وعدنا إلى مربع إنشاء الجمهورية.

ومرة ثانية انتفض الشعب ضد العسكر وطردهم، فانتخبت جمعية تأسيسية لوضع الدستور الدائم.

ومرة ثالثة يتحرك جيشنا الباسل الذي كأنما يدفع له دافع الضرائب رواتبه من أجل هدف واحد هو القيام بالانقلابات، فكان أسوأ وأخطر انقلاب يشهده السودان. كان الإنقلاب الإسلامي.

ومرة ثالثة فشل مشروع إقرار الدستور الدائم وظل السودان مشروع جمهورية على مدى نصف قرن.

نعم ... أجيز في تاريخ السودان دستوران، لكن لم يكن أي منهما هو الدستور الدائم الذي يؤسس الدولة السودانية القومية.

فقد أجازت سلطة نميري الدكتاتورية دستورا، فصلته حسب مصالحها ومصالح الفئات المؤيدة لها فكان ذاك هو دستور مايو وليس دستور السودان الدئم, والدليل أنه لم يدم يوما واحدا بعد سقوط مايو.

وأجازت سلطة الإنقاذ الدكتاتورية دستورا هو الآخر مفصل حسب مصلحة مشروع تمكين الإسلاميين من مقدرات البلاد، ولكنه لم يكن أبدا هو دستور السودان الدائم.

وفرضت اتفاقية السلام بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الدستور المؤقت الحالي. وهو أصلا مؤقت ولم يقصد به واضعوه أن يكون دائما.

وهكذا ظل السودان مشروع جمهورية لم تحسم هويتها أو نوع الحكم فيها منذ خروج الاستعمار الإنجليزي المصري.

سأواصل هذا الطرح بعد إجازة العيد وكل عام والجميع بخير

مشروع تعريب واسلمة السودان مشروع عنصري لا اكثر

***

Quote: مشروع تعريب واسلمة السودان مشروع عنصري لا اكثر

JOK BIONG
كل سنة وانت طيب. وشكرا على المرور.

نعم هو مشروع عنصري ولكن الأحطر من ذلك هو تعبير عن رفض السوداني الشمالي لهويته ولذاته.

فغالبيتنا تعيش في السودان بذهنية عرب الجزيرة العربية. حتى أن بعضهم يجعل من ضياع الأندلس هاجسا يؤرق ضميرة وكأننا كنا جزءا من الإمبراطورية العربية التي فتحت الأندلس، ناسين أن هذه الإمبراطورية لم تدخل وتتوغل في السودان إلا في العهد العثماني أو ما يطلق عليه السودانيون (التركية السابقة) في أواخر القرن التاسع عشر، وقد جاءت جيوشها من أجل استرقاق جدودنا.