العصر الذهبي المزعوم

يتباكى السودانيون كثيرا على" وهم " اسمه العصر الذهبي،يحدث ذلك بصورة مكثفة في مجالات الرياضة والفن" كفر ووتر" ولان الطرق على هذا الموضوع يتم يصورة متواصلة ومستدامة ،فقد تكونت صورة ذهنية خاطئة عند المقارنة بين الامس واليوم .وعلى ذلك نحاول فتح هذا الموضوع للنقاش عبر هذه الزاوية .
وبطبيعة الحال ،فإننا لا نستطيع حصر كل الفنون هنا ولذلك نبدأ بالاغنية باعتبارها الاكثر انتشارا وتأثيرا في الوجدان،وهنا ايضا لايمكن ان نطوف على كل الحقب والعصور لكن ندخل في العصر الذهبي المزعوم وهو فترة الستينات والسبعينات فقد تم في هذه الفترة انتاج مئات الاغاني الخالدة وحدث تطور نوعي في شكل ومضمون الاغنية ،وعندما نتحدث عن الاغنية نقصد الكلام والموسيقى مع بعض.
اعترف بان اغنيات ذلك العصر تميزت –في مجملها – بالرصانة والبناء الفني "المسبوك" وابتعدت-في مجملها ايضا- عن الركاكة والترهل والانحطاط ،ثم تطورت هذه الاغاني في الثمانينات والتسعينات ووصلت الى قمة التطور بتجربة الفنان الراحل مصطفى سيد احمد وهي تجربةلا تزال مستمرة رغم رحيل صاحبها قبل اكثر من خمسة عشر عاما،ولا اقصد بالاستمرارية الذين اتوا من بعده فقط ،بل اقصد ان هنالك اغنيات لمصطفى مارس فيها قمة التجريب تظهر للناس بين الفينة والاخرى ويستمع اليها الناس لأول مرة.
نترك مصطفى سيد أحمد قليلا حتى لا نتهم بشبهة " التقديس" ونقول إن الفنان ابوعركي البخيت لازال يقدم تجربة متقدمة مارس فيها كل اشكال التجريب الموسيقي لدرجة انه اضطر لتعطيل الكثير من البوماته لاشكالات في التنفيذ الموسيقي ،ولايمكن-بالطبع- أن نصف تجربة ابوعركي الذي نبغ في سبعينات القرن الماضي بالتراجع من العصر الذهبي ،خاصة وأنه صقل موهبته الفطرية بالدراسة الاكاديمية.
ننظر الى تجربة اخرى ولتكن تجربة الفنان محمد الامين،وهو نموذج آخر للتطور من العصر الذهبي الى مابعده فقد اضطر محمد الامين للتجديد في موسيقى اغنياته القديمة للتواكب مع "روح العصر" وقد انتج العديد من الروائع بعد العصر الذهبي المزعوم وسكب فيها خبراته وتراكمات تجربته اللحنية والغنائية ولايزال محمد الامين في القمة.
"نمسك" الهادي حامد ود الجبل ، فهو لايزل معتصما بجبل من الاغنيات "الذهبية" والتي نشأ عليها معظم الجيل الحالي من المغنيين،وقد انتج الهادي في السنوات الاخيرة من الالفية الجديدة ، مئات الاغاني "الذهبية"، وهي لشعراء من الوزن الثقيل على رأسهم قاسم ابوزيد ويحيى فضل الله وجمال حسن سعيد وغيره من فحول الشعراء .
قد يقول البعض كل هؤلاء من مبدعي العصر الذهبي" المزعوم" أين هم فنانو اليوم؟ حسنا هذا سؤال جيد.هنالك العديد من الشباب " الذهبيين" منهم الفنان محمود عبد العزيز وعصام محمد نور والطيب مدثر وعامر الجوهري وخوجلي هاشم وعمر جعفر ووليد زاكي الدين وطه سليمان والعشرات غيرهم ،كل هؤلاء هم نحتاج حقيقي لنظرية التطور التي ترتكز على" القادم أحلى".. وعلينا ان بحث عن السبب في سيطرة الغناء الركيك و اختفاء " الذهب" تحت التراب !