خريفيـــات ..

* * *
* * *



أصبحنا وأصبح الملكُ لله ؛ كما أمسى ..

كان صباحاً بليلاً ..خرج شاهقاً وزافراً وهو يخلِّل

شعره الرَّيان بأصابع النشوة فيقطر ندىً وعطرا ..

الشمسُ رغم جرْيها لم تسجِّل حضورَها ذلكـ الصباح ؛ فانَّ

دروبَ السماء الملبَّدة بالغيوم أخذت تعاكسها ؛ كلما كشفتْ

عن ساقٍ التهمتها غيمةٌ مترعةٌ بالرغبةِ مفعمةٌ بالمغازلة ..!




جايى

البقع المائية تتخلَّل حوشنا الكبير ...

هنــا وهنــاكـ ..

وبينما نحن نمارس حركة الصباح اليومية ؛ فإذا

بلسانٍ مائىٍ يعترض سبيلنا ؛ أنا من ناحية وأمى من

من الناحية الأخرى .. وضعتْ أمى - ببساطة - طوبتين

من ناحيتها وأنا بدورى طوبتين من ناحيتى ..

عبرت أمى - بسلامٍ- مثل أهل اليمين على الصراط المستقيم

ولكنى تعثَّرتُ غى الخطوة الأخيرة فانغرس قدمى فى الطين وأنا

أحاول انتزاعها ؛ انخرطتْ (السفنجة ) أو انقطعت .. فتركتُ الأخرى ومشيت ..

الله حين تلامس الأقدام العارية الأرضَ المشبَّعة بالماء والرطوبة ..

خطوكـَ الوئيد يذكِّرك أنَّ كلَّ ما تُنبتُ الأرضُ عائدٌ إليها ..

وأنَّ عودةَ البذور إلى منبتها أجدى من تطايرها أدراج الرياح ..

أصابت مغرساً خصباً أمخابت ؟ .. هتف هاتفٌ : نخب العودة أم طعم النجيع؟؟

جايى..

ابتلع ظلُّ الغمامِ ظلَّ الضحى فافترشناه..

قطَّتُنا ذات الفراء المبرقع تنكبُّ خاشعةً بجانبى

على الخبز المهروس باللبن .. لعقتْ ما شاء لها

وقفت أمامى .. تمطَّت .. تثاءبت .. لعقت شاربها

أبدت رغبةً فى التلاعب معى وجدتنى مستغرقاً فى التفكير ؛

اتخذتْ من العنقريب سقفاً لها .. تأكَّدتْ من فتك مخالبها

من خلال خربشة كراع العنقريب .. ثم أدخلت مخالبها فى

أغمادها ؛ وانطوت على نفسها وتناومت .... جايى

قهوة أمى تفوح .. نحتسى مثنى وثلاث ورباع ..

نتجاذب أطراف الحديث ، نستمتع بالطقس ؛ كيف

لا وقد صرفت (الماهية ) أمس وحشرتُها فى فاه

الدَّيْن الفاغر ثم عدتُ وأنا أحمل فى اليدين ..

فتغيرت رائحة المطبخ ؛ وأغلب الظن أننا لن

نبدأ اليومَ الدَّيْنَ من جديد ..!

تنظر أمى إلى الصلع الزاحف بشراهه نحو جمجمتى

فتتحسَّر ضاحكةً بحزنٍ على مصير (الضريرة ) مسبقاً ..

ثم تحضُّنى -وهى تصبُّ الشاى باللبن - على كثرة الأولاد

والبنات حتى يملأوا هذا البيتَ ضجيجاً ويقلبوه على وجهه الآخر ..

قلتُ وأنا أطالع شجيرات النخيل والعدسى ولسان الماء

المرصوف بالطوب :

- حتى يخوضوا مع الخائضين فى هـذا الطين !

- انهم سيأتون بالبشريات والغد الواعد انشاء الله

انت اتلحلح شويه بس..

جايى

هبطت القمرية الجميلة على شجرة العدسى ..التقطت

حبَّةً واحدةً ثم عادت إلى عشها فوق شجرة السدرة حيث

تبعث ألحانُها العذبةُ نبيَّاً يبشِّر بالحياة والتفاؤل والأمل ..

(أبو الدقيق ) وقد أنهكته حماقاتُه الليلة فى مطاردة الأضواء

وأعياه الأرق والارتطام ؛ يحاول الطيران عبثاًمستعيناً بالجدار

المبتل ؛ ولكنى أشهد له بعدم اليأس والاستسلام ..!

تنتفض القمرية الجميلة فوق عشهل وتغير موقعها ووقعها الساحر؛

فتنتبه القطة المتناومة وتنهض متحفِّزة ..
جايى

ما لعينى لا تبارح عش القمرية ؟

ما لقلبى لا يحيدعن هواها ؟

أترها حطَّت على شفة يراعتى ؛ متى همَّتْ

بالكلام لقَّنتْها سجعــاً ..؟

القطةُ تسير فى توءدة وحذر شديد نحو عش القمرية ..

القمرية ما فتئت تغنِّى والسدرة تتمايس ..!

أُذنا القطة فى خطين مستقيمين ..عيناها كسهمين مسدَّدين

ذيلها يلوِّح بالخطر ؛ ويُنذر بالانقضاض ..

تحيَّزتُ للقمرية فرميتُ القطةَ بنواة بلح ؛ تراجعتْ

ولكنى أعلم أنها لن تتخلى كثيراً عن مبتغاها ..

أبديتُ ربةً فى التلاعب معها بيد أنها كانت مستغرقةً

فى فكرتها الجهنمية ..!

جايى

يرن الهاتف المشتاق ..انهمر على حبيبتى

مطراً .. اتساقط برداً .. ولكنها تقول فى فتور :

- صباح الخير

- ما بالك حبيبتى ؟ ما خطبكـ ؟

- لا شئ..!

- كيف ذلكـ ؟وانتِ .. ، وتلفونك منذ البارحـ و ..

- أجزعتَ علىَّ ؟ هل يهمكـَ أمرى ؟

- ماذا تقولين ؟ قولى لى بربك لماذا تتهاوى كلماتى

فى قعر بئر جاف ؟

- خلاص ..( قيض الماءُ وقُضى الأمر وقيل .. )

- بالله عليك تكلمى لم يعد لى صبر ..

- هل تريد أن تصبر أكثر من هذه السنين ؟!!

- يوووووووووه

- البارحة كانت جلسة التعارف بين الأسرتين .

- ماذا؟ وأنا ؟ وأنت ؟ ؟ ونحن ؟ وما بنيناه ؟!!

- ( ما نحن أوَّلُ مَنْ بنى * وبناؤُه لم يُكملِ ) ..!

- إذن هــو خياركـ ..

فقالت بما يشبه الاستهزاء :

- لم أرد لك مواجةً قدريةً تخرج منه مدحوراً كما

خرجتً من آخر مقابلة بيننا ؛ عندما تخاذلت عن

مشوارنا الأخضر ، وتخليتَ عن أحلامِنا المشرقة ،

وتجنَّبتَ مجابهة الواقع ..! ألم ترفع يدك عنى

يوم كان الأمر طفلاً فى مهده ..؟ألم ترفع يدك عنى ؟

- هَىْ لكييين ....

- (لكييين) هذه هى قاصمةُ ظهر البعير ...!

- ألووو ...ألووو ...ألووووووو

ماذا عساى أن أفعل ؟

كلما تهيأتُ لاقتناصَ حلمٍ ؛ أصابنى حجرٌ فى أم رأسى ...!!

لماذا تفترس قطةُ الأقدار قمرية أحلامنا ؟؟!!

لماذا ..؟



وبس