بوستي رقم ألفين ... مشروع الجزيرة لنا فقط..

خصصت بوستي الألفين لموضوع الساعة.. وهو فكرة بيع أو إيجار مشروع الجزيرة . الموضوع الذي أثار لغط كثير وجدل أكثر. أُريق مداد غزير وصُفّت كلمات كثيرة من مؤيدين لفكرة البيع وهم أقلية وبعضم مشاكسون ليس إلا، وتعرف ذلك من مداخلاتهم والتي يبين منها واضح أنهم لا يعنون غير مكايدة البعض دون سبب مقبول. وعارض المعارضون الفكرة من أساسها دون معرفة تفاصيلها. لأنهم كما يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل.
المعارضون للفكرة ينقسمون لقسمين. القسم الأول وهو الذي نحسبه جادّاً في معارضته وهم أبناء الجزيرة .. أبناء المزارعين الأصليين المكتوين بنار المشروع كابراً عن كابر ومعهم الغرّابة العاملين في المشروع منذ زمن سحيق، وصار لهم بفضل تدخلهم المباشر في عملية الإنتاج مثل حق المزارعين، بل أصبحوا هم العمود الفقري للمشروع. إن أعضاء هذه المجموعة يعتبرون أنفسهم وأسلافهم هم لحمة وسداد اقتصاد السودان إلى زمن قريب. ويرون أنهم قد أُصيبوا في مقتل وتنكّر لهم أقرب الأقربين ممن كانوا المستفيدين الأوائل من المشروع وخيره الذي كان لا ينضب. أما القسم الثاني المُعارِض فهو يتكوّن من معارضي الحكومة سياسياً، ويرى من وجهة نظرة أنّ كلما تفعله الحكومة خطأ ولا يستحق النظر إليه بل يجب معارضته دون تفكير. وهؤلاء يصعُب التداخل معهم. والنقاش معهم لا يُسمن ولا يُغني من جوع. ولهذا سنتجاوز رأيهم مع إحترامنا له ونحاول الحوار مع القابضين على الجمر من أبناء الجزيرة وأهلي الغرّابة.
المؤيدون للفكرة وهم أقلية مطلقة ينقسمون إلى قسمين: قسم المشاكسين والذين يعملون بنظرية خالِف تُعرف، وهم في الحقيقة لا في نفير الحق ولا في عير الباطل. بعضهم يتسلّى بتمضية الوقت ومعاكسة الذين يكتبون بصدق بتداخلات تعكس سطحية تفكيرهم وجهلهم المدقِع. مع أنهم أقلية بل شرذمة، إلا إنّ صوتهم عالياً كصوت الإناء الفارغ بلا مردود يُستفاد منه. القسم الثاني من المؤيدين للفكرة هم مناصري الحكومة. يؤيدون كلما صدحت به الحكومة لأنهم ملتزمين أخلاقياً وتنظيمياً بألا يعارضوا ما تقوله الحكومة مهما كانت تلك الأقوال أو الأفعال، لكن دائماً تجد أن حمار شيخهم يقف في عقبة الحق ولذلك تجدهم ينسحبون بأقلّ خسائر ممكنة.
نعم للإستثمار بكل أنواعه .. لكن كيف ومتى وأين يكون ذلك الإستثمار؟ لنحصر أمرنا في الإستثمار الزراعي المعني بالأمر. نُرحب بالإستثمار الزراعي في الأراضي البور، استصلاحاً وري وزراعة وفتح مجال لعمالة جديدة تستفيد وتفيد من المستثمر. لا يمكن أن يُؤيِّد عاقل فكرة مشروع بيع مشروع الجزيرة لأيّ جهة كانت. أسباب الرفض بدهية ولا تحتاج لشرح. ومما فهمناه من الخبر أن المقصود ليس بيع الأرض ولكن تمويل المزارعين وحصر نشاطهم في سلع ضرورية لمصر. مع إحتكار بيع تلك المحاصيل المنتجة لمصر بأسعار تحديدها يدخل في خانة الإحتكار المركّب. والذي يتفاوض نيابة عن المزارعين إتحادهم المشكوك في ولائه للمزارعين. هذه كلها فيها 60 إنّة .. واللبيب بالإشارة يفهم.
لقد خلط كثيرون بين هذه الإتفاقية واستيراد 5 ملايين مزارع مصري للإستقرار والعمل بالسودان. ولكن حتى بدون الخلط بين الأمرين فإن هذه الإتفاقية تشبه كثيراً إن لم تكن مطابقة لإتفاقية الحصرية لتصدير اللحوم لمصر. فقد إتفق في حينها الوزير كاشا مع المصريين على توريد لحوم أبقار بسعر محدد. لم يستشر التجار المصدرين ولم يعرف كم تكلفتهم ولكن إتفق مع المصريين والسلام. وكانت مشاكلها أكثر من فائدتها، ولم يتم تصدير كل الكمية المتفق عليها وذلك لإحجام المصدرين السودانيين في الدخول في العملية منذ البداية. بالرغم من أننا لم نقرأ الإتفاقية بعد ولكن ما ورد في الخبر عنها معيب في كثير من أجزائه إن لم نقل كلها معيبة.
معيبات الإتفاقية:-
1- تُلزم الإتفاقية أن يُموِّل البنك الزراعي السوداني مدخلات الإنتاج المصرية.
2- تُلزم الإتفاقية المزارع السوداني بقبول مدخلات الإنتاج المصرية بغض النظر عن صلاحيتها أو إرتفاع أسعارها مقارنة بالأسعار العالمية.
3- تُلزم الإتفاقية المزارع بزراعة ما يطلبه المصريون.
4- تُلزم الإتفاقية المزارع بتسليم كل إنتاجه للمشتري المصري بالسعر المتفق عليه مع إتحاد مزارعي الجزيرة.
5- تُلزم الإتفاقية المزارع السوداني بتحمُّل خسارة المصريين في حالة عدم تسليمهم المحصول وهي أن يدفع للمصريين قيمة الإنتاج بالسعر العالمي وليس السعر المتفق عليه زائداً 25% كتعويض.
البدائل:
1- على المصريين الإتيان بتمويلهم إن كانوا مستثمرين حقّاً لا أن يتمولوا بأموال دافع الضريبة السوداني.
2- يُموِّل البنك الزراعي السوداني مدخلات الإنتاج العالمية حسب الأسعار والمواصفات التي يحددها ذوي الإختصاص من الخبراء الزراعيين السودانيين للمزارع مباشرة دون الحوجة للوسيط المصري.
3- يزرع المزارع ما يتناسب وطبيعة الطقس السوداني، وما يعرفه المزارع من محصولات.
4- على المشتري المصري الشراء من المزارع بسعر السوق العالمي.
5- لماذا هذا الشرط . وهو سيُلغى تلقائياً في حالة تطبيق البدائل الأربعة أعلاه.
هنالك نقطة أساسية أهملها المفاوض السوداني عن جهل أو قصد لا ندري: المياه التي تروي تلك المحاصيل هي من حصة السودان في مياه النيل، فلو جيّرناها للمصريين حتى بدون سبب وجيه، فماذا سيحدث لو حدث نقص في الري وتلفت المحاصيل المزروعة؟ هل سيتحمل المزارع نتيجة هذا العامل الخارج عن إرادته؟ وهو واجب الحكومة وعليها توفيره أو تتحمل الخسارة نيابة عن المزارع.
لماذا لم يرد ذكر عن صيانة الترع جميعها؟ والحكومة تعلم أنّ أسّ مشكلة الجزيرة هي الري. وسبب هذه المشكلة هو إنسداد قنوات الري بالحشائش الطفيلية والطمي. فما لم تعالج هذه المشكلة فلا أظن أنّ المشروع سيعود بفائدة لأيِّ من الأطراف الداخلة فيه. وربما سببت مشاكل للمزراعين هم في غنى عنها.

كبـــّـاشي الصـــّافي

(العوج راي والعديل راي)