عبده دهب حسنين

عبده دهب حسنين


08-15-2010, 00:48 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=300&msg=1281829688&rn=2


Post: #1
Title: عبده دهب حسنين
Author: Al-Mansour Jaafar
Date: 08-15-2010, 00:48 AM
Parent: #0

نقاط في تحرير القيمة التاريخية لعَبدُه دهب




1- كيف يُؤرَخ "عبده دهب"؟

يسطع إسم النوبي المزارع والعامل والمثقف الثوري والمنظِم الحزبي والمناضل الأممي عبده دهب حسنين في التاريخ كأحد المكونات الأساس لوجود ومستقبل السودان. جاء هذا التثبيت نتيجة من فحص قيمة الأعمال والشخصيات التي أثر عبده دهب في بناءها، حيث قامت بتشكيل أجزاء واسعة من وجود وتاريخ السودان الحديث ومستقبله الناتج من هذا التشكيل. كان أول الوصول إلى النتيجة أعلاه السؤآل عن النهج الأكثر موضوعية لتأريخ شخصية عبده دهب؟ وقد كان إشراق السؤآل كالآتي:

هل بالإمكان الوصول إلى معرفة شخصية فرد ما بنهج يلحظ التقادح الفكري بمثالية ما ينبغي أن يكون عليه "الفكر الصحيح"؟

أبالإمكان تحديد القيمة الموضوعية لفرد ما في بلاده والعالم بنهج لاهوتي يبحث ويأول ما إعتقده ذاك الشخص في نفسه في كل لحظة من لحظات حياته ومقارنتها بما جرى عليه فقه كل فرقة ؟

أتُعرف جملة معاني إنسان بمجرد تحليل نمط لغة وسمات الخطاب الذي كان يتكلمه أو يكتبه في وقت صرف فيه الرجل حياته بصمت في العمل وقل ما سجل له ؟

أتتضح قيمة "الزول" الإجتماعية بنهج منقصر على تناول معالم شخصيته وتقويم أفعالها وردود أفعالها طيبةً وصرامة بعزلة عن الظروف العامة التي نبت أو عاش فيها بكل ما فيها من مصالح وصراعات حياة محيطة به بأشكال ثقافية وفكرية وإقتصادية إجتماعية وسياسية محلية كانت أو عالمية؟

الأسئلة السابقة تنتج حالة جدل وموازنة بين منطق الجزء الواحد ومنطق تنوع الشخصية وتنوع ظروفها وشمولها عدداً كبيراً من الموضوعات والمعاني، ونتيجة من هذا الجدل بين النظر الجزئي والنظر الشمولي تبلور الجواب عليها في مفردة ومعنى النفي "لا"، وذلك لأن أي نهج من النُهج المتسآئل عنها أعلاه لا يسمح ببحث موضوعي لمعرفة بيئات ونشأة وحياة وأعمال عبده دهب والصدقات الجاريات التي تركها للناس وطبيعة السرد المألوف لقيمته بين بعضهم قبل وفاته وبعدها.

قوامةً ضد جزئية تلك النُهج الظالمة طبيعة تنوع الموضوع وشمول حياة الرجل عدداً من المواقف والمعاني والأعمال التاريخية السابقة والحاضرة وأثارها في المستقبل يبقى النهج الجدلي لقراءة حركة المجتمعات وتاريخها بما فيه من أعمال وشخصيات قراءة موضوعية تنظر إلى أهم العناصر المادية لحياة المجتمعات في العمل والإنتاج وطبيعة تقسيم موارده وجهوده وخيراته، وموقف شخصيات الناس منها نهجاً قميناً بإمكان توليده جوابا متناسقاً على أسئلة متنوعة. وهو، جدةً للخير، ذات النهج الذي قدمه جهد عبده دهب مع آخرين قبل 70 سنة تقريباً إلى السودان بمسميات "المادية الجدلية" و"المادية التاريخية"، وبخواص هذا النهج بقى وحده النهج الكفيل بتعيين وتعديد العناصر الرئيسة لحياة المجتمعات ووصف تفاعلاتها وسيرورات طبيعتها وإرتقاءها أطواراً ،مفيداً بذلك في عملية معرفة العلامات الكبرى لتطور وإرتقاء كينونة وموضوعيةً عبده دهب ضمن تطور وإرتقاء الأوضاع العامة في السودان والعالم، وبالتالي تحديد قيمة عبده دهب التاريخية فيها وتحريرها من خطل التفريد الماحق والنزعات الجزئية. وبذا النهج الذي يتناول التاريخ من خلال معالمه المادية الموضوعية في الإقتصاد والسياسة والبلورة الإجتماعية الثقافية لهما تجلت معالم شخصية عبده دهب بالنحو الآتي:



2- كنز المعرفة والعمل:

نشأ "عبده دهب" على الزراعة في ضفاف النيل الضيقة في شريط الأرض النوبية التي بقيت مسكونة بأهلها وبشيء من ثقافتها القديمة بقى مقاوماً في القديم عقوق حفدته فراعنة الشمال وتمدد الإنتقاصات البدوية من جهة الشرق ومن جهة الغرب، وإن تحنط ذلك الشيء في الكلام والأكل والغناء فإن الشريط النوبي الممتد حاضراً مع النيل بين مثلث كوبانية- إسوان- فيلة في مصر ومثلث جبل البركل - كرمة – دنقلا في السودان الذي تأسست فيه الزراعة وأول حضارات البشر بقى مقاوماً تمدد إقطاع الخلافة الإسلامية العثمانية من الشمال ثم تجنب إضطرام المهدية ثم إحتفظ بكيانه أمام تمدد رأسمالية الإنجليز ومن تركوهم حكاماً حتى داهمته السدود واحداً تلو آخر في المآئة سنة الأخيرة..

الضيق الزمني لفيض النيل والضيق الجغرافي للقرى النوبية والتصحر المحيط بها رملاً وثقافة وزيادة أسعار، وقلة كسب المال من الزراعة الضيقة وضُعف التمول من النخيل في بداية القرن العشرين مع إنتشار صناعة وتجارة السكر، إضافة إلى تيسر السفر بالقاطرات والسفن البخارية ونفوذ الخدمات البريدية وإتساع وضغط الأمور المالية، كل ذلك دفع كثير من النوبيين إلى الهجرة من أرضهم وقراهم نافذين إلى المراكز الرأسمالية المهمشة لهم جادين في العمل والعلم. وكانت هجرة أكثرهم إلى مصر المحاذية لهم أولاً وكذا بما يقل عدداً عن ذلك كانت هجرة بعضهم إلى داخل السودان، لكن بهجرة "عبده دهب" إلى المركز الشمالي المصري وما قام به فيها أضحى واحداً من أعظم مهاجري النوبة والسودان إن لم يك أعظمهم فعلاً وهو القادم من بلاد السواد Khem الخصب التي هاجر إليها العرب والعجم.

بين زينة المستعمرين والسادة في الخرطوم ذات الضفاف الستة، وأضواء المحلات الجاهرة والقصور المنيفة التي أثقلت مصر زمن إقطاع الخلافة الإسلامية العثمانية ثم أسرتها الألبانية المالكة والفقر المدقع للشعب فلاحين وكسبة وعمال وقفت حياة العامل عبده دهب على أسس ونتائج الظلم والإستغلال وقفة تلاها برفضه وإختياره الثورة نهجاً لحياته.

في السودان وفي مصر تعلم عبده دهب بخبرته النوبية الزراعية وبخبرته كعامل أمور الإنتظام والتنظيم ولعل الجمعيات النوبية زادته نظاماً وصقلته ممثلة لبنة قومية مبكرة في تبلور حركة التحرر الثوري والإتجاهات الوطنية مستقبلاً في ثلاثينيات القرن العشرين، وقت كانت الثقافة السائدة في عوالم مصر والسودان وشيجة كريهة من ثقافين: ثقافة القعود القدرية، وثقافة الإنمساخ في النمط الإستعماري لحياة الأوربيين، حين لم يك لدهب أول أمره ولكادحي زمانه الأول معرفة مرتبة عن كيفية تكون الثقافتين من إقتصاد الإستغلال وسياسته.



3- المدرسة:

يسرد الأستاذ "محسن محمد" عمدة صحيفة "الجمهورية" المصرية طيلة عهد السادات في كتابه القيم: "التاريخ السري لمصر" عن أحداث ثورة الـ1919 ضداً لإئتلاف الرأسمالية الأوربية والإقطاع الكبير، وهو الإئتلاف الذي نشا عياناً بين الإنجليز والملك فؤآد الأول أن (الجهاز السري) لتلك الثورة التي تحالفت فيها جماهير الشعب وصغار ومتوسطي الطبقة العليا ضد صفورة مصر الحاكمة كان أكثر عناصره من العمال النوبيين الذين قاموا بالجهد الأعظم في نقل التبليغات والقرارات والمنشورات وتأمين المطاردين وكشف العملاء المأجورين في ظروف كان السجن أو الإعدام هو جزاء هذه الأعمال .

كذلك كانت ثورة 1924 المدنية-العسكرية في السودان ونضالها الضاري ضد الإستعمار الإنجليزي بوعي سوداني ضد العنصرية العربية، وبوعي قومي يميل إلى مصر (في كينونة عثمانية) قد صفيت حينذاك ونزع جناحها المصري وقتلت في السودان بالحديد والنار مع دفن الخلافة الإسلامية العثمانية وحملات القمع والإعدام التي رجت المدن والأذهان السودانية خاصة مع رشوة الإنجليز وجهاء الدين والإقطاع وتقنين أعمال الشركات والبنوك في رسملة متكاملة للسودان بلغت شأوها بإصدار قانون الشركات سنة 1925. .

تركت هذه الثورات المعمدة بالدم وآثارها السالبة وآثارها الموجبة دروسها نابضة في كينونات الكفاح المشترك لشعبي وادي النيل، تتبلور في المجالس والأحاديث والجمعيات بإختلاف في رواية وسرد أحداثها وبتنوع إشتغال المتحدثين في الرواية والسرد بالتركيز على بعض عناصرها دون غيرها من العناصر وبإختلاف في الخلاصات المسنمدة منها وإجمالها في هذا التعليق أو ذاك مما مثل كوحدة من الأراء المتنوعة مدرسة فلسفية تتجلى دروسها ذخيرة فقط للشخص الفطن.



4- معارف ودروس وعبر:

كانت دروس المعارف والمجالس منعقدة بأحداث تلك الثورات وبشيء كثير مما تلاها من أحداث ملأت نيل التفكير في الامور العامة حتى فاض بخيرها ولعل أهمها :

1- إنقلاب الباشا سعد زغلول (الإبن البكر لسيدة سودانية) على قيم الثورة والعدل الإجتماعي وتضحيات العمال والنقابات لأجل نصر المبادئي التي تزعمها إبان ثورة 1919 حيث كان إنقلابه أكثر رجعية من باشويته نفسها بحجة ضمان إستقلال مصر من الإستعمار الإنجليزي فبهذه الحجة الحقانية الشكل فإن وزارته العلية الراعية شؤون الخلافة الإسلامية وملكها في مصر والسودان قامت بمصادمة نقابات العمال وتحريم العمل النقابي والإضرابات وبقمع الحزب الشيوعي المصري (الأول) .

2- ظهور كتب الإستنارة العربية عن الإسلام وأصول الحكم، و الشعر الجاهلي، وحرية المرأة، وما هي الإشتراكية؟..إلخ ، إضافة إلى إتقاد حركة أدبية وفنية متنوعة تبحث في أصول ومشروعية الاوضاع والأفكار السائدة وتنتقد الأشكال التقليدية للفنون حينذاك وإنتشار هذه الحركة بين الشباب المتعلم بفعل إنتشار الصحافة و...المقاهي والراديو.

3- تدهور الحالة السياسية الإقتصادية الإجتماعية في مصر بإختلاف أركان وزارة سعد زغلول (الثورية) وتضعضعها ثم إسقاطها وتمدد سيطرة حلف الإنجليز والملك إلى مجالات العمل والتجارة والصحف، وسيادة الفقر والمرض والجهل حياة الناس، وتأزم العلاقات بين الباشاوات القدامى مجموعات متناحرة فيهم خدم العثمانيين وخدم الإنجليز وخدم الملك، تتوطح سياستهم جمعاً برشى الملك ومناصبه وبالإعفاءات الجمركية والرخص التجارية والقروض المصرفية وبتعيين الأقارب والمحاسيب، وبتوصيات المندوب السامي البريطاني، وقد إنتشر فيهم -وسط فقر الناس- الإسراف والترف وحفلات الجنون والمجون والبذخ. تناقضاً يؤلم النفوس الطيبة ويرهف الضمائر اليقظة ويشعل الذهن بالأسئلة.

4- تطلع الجيل الشاب في مصر التي هاجر إليها عبده دهب إلى الحرية والخلاص من الإقطاع والإستغلال والإستعمار متقداً برؤى بسيطة عن معاني العقلانية والحرية والمساواة تؤججها طموحاته مرة في شكل أفكار إعتداد قومي بلورته حيناً جماعة "مصر الفتاة" ضد نظام الخلافة الإسلامية ثم حناً إليها، ومرة تتأجج تلك المعاني الثرية بنزعة البرجوازي النبيل وعطفه على حاجات الكادحين وتوقهم إلى العمل وكرامة العيش والعدل في تقسيم موارد وجهود العمل وخيراته في المجتمع مما عبر عنه تيار "شباب الوفد" كتلة يسارية من شباب المدن الساخط على الباشاوات وسنينهم الطامح إلى تغيير جذري وشامل.

5- زيادة التبابين في السودان بين حالتين: الحالة الأولى هي: إنحسار نشاط حركة التجمعات الأدبية والثقافية في السودان وترسبها في عملية تأسيس مؤتمر لخريجي المدارس والمعاهد وإلى تأسيس شكل أهلي من التعليم النظامي مستقل عن سيطرة الإنجليز إنحصر بضغط الظروف الإقتصادية والمالية في تأسيس بضعة مدارس ومعاهد متنوعة لم تزل منيرة، والحالة الثانية هي: زيادة حاجة المجتمع السوداني في مختلف مناطقه إلى قيادات فعالة حاجة لم يك بالإمكان تلبيتها في رمضاء القهر الإستعماري في مؤسسات التعليم والعمل البريطانية آنذاك في سودان نذر الحرب العالمية الثانية.


من تراكم الأسباب السابقة وجدل الحالتين أصبح التطلع إلى الإستقلال والليبرالية في وادي النيل سمة عامة للحركتين الثقافية والسياسية في السودان ومصر بعد موجة القمع والإحتكار الإستعماري الإنجليزي والإقطاعي ولتأثر الناس في البلدين بثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى (الروسية-الأممية) ووأد الثورات المتبلورة منها، وبداية ظهور موضوع "السودان" في سياسة المصريين متأثرين في جهة بالنزعة العثمانية في دوائر الإقطاع أو بالفكر القومي في دوائر الشباب الثائر، بينما أضحت مصر نفسها مادة رئيسة في النقاش السياسي السوداني بين طرفين: طرف آمل فيها لكفاح ضد الإنجليز أو في الإتحاد معها حناً إلى آيام الخلافة أو إنبهاراً، وطرف قانع من خير فيها.

من تتابع هذه الدروس إنتقلت ذهنية عبده دهب بمعاملته اليومية مع بعض عناصرها من حالة الرجاء الآمل والدعم المنتظِر إلى حال الإرتقاء إلى إسهام مباشر في حل الأزمات العامة بالفعل النظري والعمل.


5- تجلي عبده دهب في الحركة السياسية:

أول ظهور لإسم "عبده دهب" وتجليه عَلمَاً في السياسة السودانية بعد قمع ثورة 1924 وتضعضع الحركة الثقافية وتهالك مؤتمر الخريجين وإنسداد التعليم الأهلي، إرتبط بعملية قديمة لإستقدام الطلاب السودانيين من السودان والمؤسسات البريطانية الطاغية فيه وإخراجهم إلى رحاب التعليم والمناخ السياسي المصري.

من هؤلاء الطلاب طلائع الجيل الثالث من التنظيمات الماركسية والحركة الشيوعية السودانية منهم المناضل بن المناضل الطبيب لاحقاً عبدالوهاب زين العابدين عبد التام أول قيادي (شيوعي)، والمُنظِر وعلم القانون فيما بعد محمد أحمد داؤود، كذلك أمين محمد حسين مؤسس جريدة أم درمان السودانية في مصر، والقيادي الطالب الشهيد –فيما بعد- صلاح بشرى الذي أستشهد في التعذيب في سجن الحضرة في الإسكندرية في الأربعينيات، والنابغة الشهيد -فيما بعد- عبدالخالق محجوب القائد النضير للحزب الشيوعي السوداني، وزميله وغريمه القائد الشيوعي وعضو اللجنة المركزية ثم الإسلامي السياسي إلى حين: أحمد سليمان، والأستاذ التيجاني الطيب بابكر القائد الشيوعي السوداني المعروف حبر جريدة "الميدان" واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، وعبد القيوم محمد سعد (علام) الشاعر والأديب، والنابغة المفصول من كلية الطب عبد الغفار عبد الرحيم، وكذلك قلم الميدان وعضو اللجنة المركزية فيما بعد عبدالرحمن عبدالرحيم عثمان (الوسيلة)، كذلك عضو مركزية الحزب الشيوعي فيما بعد: عزالدين علي عامر (الياس) الذي تولى إبان إتقاد نضال الأربعينيات في مصر جانباً من سكرتارية جبهة الطلبة والعمال والفلاحين والجيش ضمن كفاح الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ضد الإستغلال والإستعمار وهي سكرتارية لمعت رفيقه الدكتور -فيما بعد- فؤأد محي الدين أحد رؤساء الوزارة في مصر السادات. كذلك كان ضمن من تقدموا لمواجهة قضايا المجتمع بجهد عبده دهب قاضي العدالة وترجمان الضمير والسياسة والأدب الجنيد علي عمر وكلهم إما دخل بالإنتخاب برلمان السودان أو تولى في المجتمع مهمة ألوفية العناصر والأبعاد معمدين أسماءهم بالنضال ضد كافة أشكال القهر والإستغلال وبالكفاح لأجل حقوق الناس.

بيد إنه مع سرد كفاح عبده دهب لا يجوز قصره على تكوين كثير من قيادات الحركة الشيوعية والقومية في السودان فحسب حيث تحضر بسرد معالمه أسماء تقدمية فذة في تاريخ السودان السياسي من أهل العلم والقانون والسياسة الإتحادية ذات البعد الوطني والإجتماعي مثل الهرم النوبي الراحل أحمد السيد حمد (وزير)، والنوبي القومي العربي رائد اليونسكو محي الدين صابر (وزير)، ومعلم الشيوعية القدير عبدالماجد أبو حسبو (وزير)، وزيادة حمور (علم في القانون)، وحسين عثمان وني(وزير)، ومحمد سعيد معروف (علم في الصحافة السودانية) وأستاذ المحامين أحمد زين العابدين أحد رواد الحركة الإتحادية مع مصر ..إلخ قائمة أسماء قد تفوق المآئة عداً من القادة والأعلام الحزبيين والمثقفين أنبتهم في مصر، وقد تضم القائمة مئآت الأسماء إذ شملت كبار المهنيين المحترفين الذين سهلوا وأناروا الحياة السودانية.

ومن ذا العدد الكبير وتأثيراتهم يجيب سؤآل على نفسه كيف لمن أسهم في تكوين كل هؤلاء القادة السودانين الأجلاء أن لا يكون أحد مؤسسي السودان الحديث؟

الميزة الرئيسة في هؤلاء في ظروف زمانهم وحياتهم الصعبة طلاباً مهاجرين أنهم بفضل قدرات التنظيم والمعارف والكتب التي حملها لهم "عبده دهب" وجريدته التي أسسها "الشعوب" واشجو جملة قضايا وظروف موضوعية شكلت التفكير السياسي السوداني الحديث منها قضايا: 1- التعليم والمعرفة وإجتماعيتهما، 2- رفض النزعة القبيلية والطائفية، 3- حرية العمل النقابي، 4- حريات التفكير والإعتقاد والتعبير والتنظيم، 5- التنظيم السياسي الحديث، 6- الصراع الطبقي، 7- التعاونيات، 8- حقوق المناطق المتخلفة، 9- حرية الصحافة، 10- الأجر المتساوي للعمل المتساوي، 11- حقوق المرأة في التعليم والعمل، 12- الحرية من الإستعمار، 13- السلم العالمي، 14- النضال الشعبي المسلح، 15- التنمية وهي أفكار خاضوا بها ضد الخمول الفكري والإستغلال والإستعمار معارك ضارية مخرجين بها قضايا الشعب وحقوقه وحرياته من حالة التداول المُرَكز في ردهات الصالونات والمكتبات الهادئة إلى حال تداول شعبي بعضه يضطرم وبعضه يشتعل في ساحات الجامعات وفي المقاهي وفي المجلات والصحف وفي كل إذ يتداول الناس عامة هذه الأفكار فإن وعيهم ونشاطهم يرقى بها وبطبيعة وجودهم من حالة القنوع والإستهلاك إلى حال الفعل التحرري السياسي.

كان الجرح الرئيس في إخراج هذه الأفكار وتداولها هو بدايته وإنحصاره فى المدن ذات الحياة التفكيكية والتسليعية الإستهلاكية، محدوداً فيها في فئة من الشباب الذكور من الشرائح الصغرى في الطبقة الوسطى ذات التعليم والحياة الذهنية والفكرية إلا قليلاً، كما إنه أرتبط بحضور قوي لشباب المستوطنين الأوربيين الأثرياء في مصر المفقرة، عائقاً نفسياً أمام بعض الناس ودافعاً نفسياً لبعض المبهورين بتاريخ وحياة الخواجات، مما لم تكن معرفته صعبة على نوبي مهاجر مثل عبده دهب خبير بصنوف الناس وحياتهم مهما بدت صورتها ضعيفة إذ يرى بلح النخيل وخيره في الماء والطين، ويوعى بالفيضان معنى التراكم.


6- بعض الصراعات التي شكلت بداية تأثير "عبده دهب":

كانت بعض التيارات الثورية في مصر تمارس السياسة ككيانات لشباب حزب الوفد مستهلكة بريق (الثورة) التي تبلور فيها سنة 1919 وجود ذلك الحزب حتى قتلها سياسةً، وبعضها يعمل خارجه، والكل مجتهد سراً وعلانية في تركيب قطار للثورة والوطنية والديمقراطية يقل عدداً زيادة حاجات الناس لحياة حرة كريمة، وإن كان ذلك بتفاوت مديني بين هذه التيارات في جذب الناس وإقناعهم بصلاحية هذا القطار أو ذاك، فقد كان الحال حقيقة مجرد سكة حديد وقاطرة للحداثة الصناعية وما بعدها كان جدل التاريخ العالمي قد رَكَبَها، وما جهودهم فيها إلا مجرد تحديد وتجهيز شاق العمل وعالي التضحيات لسكك ذاك القطار ومحركه وتجديده الحياة البشرية قاطبة بما يتيحه من قدرات إنتاج وما يفتحه من إمكانات إستهلاك، مما لم يكن ممكناً دون كفاح يشد عضله بهدف بعيد المرام لتغيير علاقات العمل والإنتاج والسياسة المقوية للمجتمع تنظف الأرض من بقايا النظام الإقطاعي المتهالك ومن حضور النظام الإستعماري القديم الهالك لأصوله ولوجود المجتمعات.

من هذه الجهود بقضها وقضيضها جاء إسهام دهب في بناء الجيل الثالث من الحركة الشيوعية في مصر والسودان (الثلاثينيات) ضمن تيار قاده بين المثقفين من شباب المدن المناضل الأممي الشاب هنري كورييل وهو شاب مصري ذو أصول فرنسية يهودية وكان تياره تياراً مندغماً بالحركة الطلابية والحركة الثقافية وبتأجيج نزعة الوطنية والتمصير ضد هيمنة الأجانب! مما كان مختلفاً عن التيار الشيوعي الآخر بين شباب المدن المصرية الذي قاده المتمصر ذو الأصل الفرنسي اليهودي مارسيل إسرائيل الذي إهتم بالمحتوى الديمقراطي الثوري البروليتاري للتنظيمات والأعمال التقدمية راكزاً إلى العمل السري في النقابات وفي الجيش، وقليل من الطباعة السرية، وكان التيار الأول والتيار الثاني ضدان عنيفان لتحرك الصهيونية جهة الشباب المصري اليهودي في تيار قاده إبراهام كاسترو[ف] منادياً بتوال إلى عزل وعزلة الشباب المصري اليهودي من قضايا (الأغيار) وخروجهم من ضيق الأعمال الحرفية والحواري المنعزلة والعنصرية الشعبية إلى فلسطين كخروج موسى وإسرائيل من تسلط فرعون.

من جدل الجهود الشيوعية وصراع تياريها في خضم نهاية الحرب العالمية الثانية ونشاطهما ضداً للملكية والإستعمار والصهيونية بدأ بنهاية الحرب إرتفاع مد الفكر الوطني في شكله القومي وعمومياته المضادة للأجانب مرتفعاً ومتفوقاً في أذهان الناس على مد الفكر الوطني في شكله الطبقي، لكن من النهرين والبحرين السياسيين جاء إسهام "عبده دهب" بقوة ونشاط مع النوبيين محمد خليل قاسم، زكي مراد، ومبارك عبده فضل، ومع إبن رئيس وزراء مصر أحمد نبيل نجيب الهلالي، وآخرين إسهاماً عظيماً في بلورة: "الحركة المصرية للتحرر الوطني" (ح م ت و) جبهةً شعبية مختلفة عن التيار البروليتاري الصلد في فكر وفي كيان تيار الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (ح د ت و) وإن إختلفت طبيعة تمثل (حمتو) لأضواء الفكر الثوري عن طبيعة تمثلها في (حدتو) فإختلاف النباتات بذرة ومناخاً وإختلاف الحروف رسماً عن صوتها لا عن لغتها.


7- أسس الصراعات التي واشجت نضاله وطبيعة تأثره بها:

بتوجيه النظر إلى طبيعة بعض صراعات جمعيات (أحزاب) المثقفين السودانية القديمة التي كونوها بعد ثورة 1924 بإسم "الشوقيين" و"الفيليين" أو "المورداب" و"الهاشماب" وبالنظر في طبيعة بعض صراعات التنظيمات اليسارية المصرية يسهل معرفة تكرر جدل طبقي وفكري سياسي قديم نشأ في ثورات شمال أوربا بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلادي وفي نزاعات بريطانيا الثورية والجمهورية والملكية بين سنوات 1600-1707 وتطور ذلك الجدل الطبقي الفكري في تخوم الثورة الأمريكية 1775-1812 وفي آتونها، وظهر بعدها بوضوح وئيد في فرنسا قبل بدايات الثورة الفرنسية (1789) في آتون الصراعات الفلسفية بين "الطبيعيين" و"الماديين" وتجلى بالصراع بين التكنوقراط والثوريين والكادحين البروليتاريا في جهة والبرجوازيين وبقايا الإقطاع في جهة ضد (قبل تفكك تحالفاتهم): بداية من إستيلاء البرجواز على مقاليد أمور الثورة وأمور الدولة هذه بتلك، حيلةً ناجحة بإضعافهم ووقفهم تمثيل النقابات "السنديكات" في "الجمعية التشريعية" بحلها وتبديلها بـ"الجمعية الوطنية" مما تفصلت معالمه الكبرى بين الأغلبية البروليتارية (الشعبية) الفقيرة المعارف والتنظيم، والأقلية البرجوازية (الوطنية) ذات المعارف والتنظيم وفق إختلاف تخديم كل كتلة طبقية منهما لإصطلاحات "الشعب" و "الوطنية" فيما ظهر بعد ذلك في كل أوربا بإسم المسألة القومية، ولكنه إحتدم فرنسية في كيفية بلورة شعارات : "الحرية"، و"الإخاء"، "المساواة" ؟ أبنسبها وتقعيدها إلى فرد من الناس ؟ أو بنسبها وتقعيدها إلى الناس جماعة والمجتمع؟ وبإحتداد الصراع الطبقي توقف حلف الثوريين والتكنوقراط والعسكريين في الثورة الفرنسية وتفتت من طبقة الكادحين البروليتاريا لصالح البرجوازية بإنقلاب القناصل ثم إنقلاب نابليون عليهم، وقد تبلور ذلك الجدل في ثلاثة مسائل رئيسة هي:

1- مسألة تملك أفراد أو عدم تملكهم موارد حياة المجتمع

2- مسألة الحرية المساواة أبين كل أفراد "الشعب" وكانت كلمة الشعب إصطلاحاً يعني الكادحين البروليتاريا أو بين كل أفراد "الأمة" يستوي فيه المُستَغّل والمستغِل في كل الحقوق التصويت والإنتخاب وسرى الخلاف لتنظيم هذه الإنتخابات إما بقسطسة طبقية أو بتقييدها بقدرات ضريبية ومالية تضمن توازي قوة الفعل السياسي مع قوة الإسهام الـ(رأسـ)ـمالي في أعمال الدولة!؟.

3- مسألة الأقاليم وتفاوت حجمها وتأثيرها الإقتصادي السياسي وفق نوع تنظيم الملكية فيها وتفاوتها في عدد وإمكانات قراها ومدنها وطبيعة تمثيلها في الجمعية التشريعية أو الوطنية بإعتبار لطبيعة وجود الهيئات النقابية أو عدمه وقت كانت تلك الهيئات تحوز أغلبية المجالس الشعبية بإعتبار أهميتها في الحياة الإقتصادية.

وهي مسآئل كان شأنها -ولم يزل- متعلقاً بالمواضعة الطبقية لمفردة "الحق العام" في السلطة وموارد الحياة ووسائلها إما بشكل فردي يقرره ما لكل فرد من مال ورأسمال، أو بشكل إجتماعي لتعين هذه الحقوق في حياة الناس ومعيشتهم تفرضه إرادة الشعب ثورة ثم تقرره سياسة: حيث تبلور ذلك الخلاف الطبقي فكرياً بإنفطار معاني مواثيق الحقوق بإنفتاح مفردة "الأمة" Nation حالة تنفرز بها الحقوق مالاًً ورأسمالاً كما سبق القول، أو بإنضباط مفردات "الحرية" و"الملكية" لموارد ووسائل الحياة بمفردة "الشعب" بمعنى الكادحين وإقتصار السيادة السياسية عليه وفق الأصل اللاتيني People لمفردة الشعب الذي إستقرت عليه اللغة الفرنسية حينذاك.


هذه المسآئل إضافة إلى بطش الدين العلمي للدولة بحرية الأديان في عهد نابليون قبل أن يهاجم نابليون نفسه بعد ذلك أباء العلم الحديث وفقه تصانيفه ونواهجه (الآيديولوجيا) مطلقا
ًعليها نعوت الخيال والتعقيد والهلامية والتحجر والبساطة المخلة معاً كانت أساً للخلافات التي حولت ثورة الحرية وجمهوريتها إلى إمبراطورية وسعها نابليون حتى إنقلبت عليه "اليهودية السياسية" في أوربا وأفريقيا وآسيا وأمريكا حين قرر ربط عملة البلاد بالإسهام الشعبي والتخلص من إعتمادها على ذهب البنوك الخاصة بل وإتجاهه إلى تأميم مناجم الذهب ومصرفه الكبير في بريطانيا.

كذلك كانت هذه المسآئل أيضاً أظهر خلافات الإشتراكيين والشيوعيين في النصف الأخير من القرن التاسع عشر خاصة منذ قيام ماركس بإنتقاد برنامج غوتا للبرلة ألمانيا إصلاحاً زائفاً لإمبراطوريتها قائم بنشاط بروسيا الشمال الألماني ورأسماليته اليهودية السياسية إلى إجراء (تحول ديمقراطي) مدعوم بالقوة العسكرية والبروتستانتية للإمبراطور وتحالفاته الخارجية تحولاً يهدم مخلفات الإقطاع القديم في السياسة الراكز لبافاريا الجنوب الكاثوليكي الزراعي المتعصب قومياً مبدلاً إستغلال البيوت القديم في ألمانيا بإستغلال جديد تسوسه البنوك من الداخل ومن الخارج.

كذلك أيضاً تجلت هذه المسآئل لتوزيع السلطة والثروة بين الطبقات والأقوام والأقاليم في القرن العشرين قبل إنطلاق الثورة (الإشتراكية العظمى) في كافة أقاليم روسيا القيصرية 1917 وفي خضم ثورتها وما بعدها في الخلافات المتصلة إلى الآن بين "المنشفيك" و "البلشفيك" حيث كان المنشفيك (= الأقلية) وأكثرهم من أهل العاصمة والتعليم والثقافة واليهودية السياسية مناصرين لحرية تملك الأفراد موارد المجتمع، وكان أشهرهم كاوتسكي وتروتسكي، أما البلشفيك (= الأغلبية) فأكثرهم كان من أهل الأقاليم والعمل والإنضباط ويرون أهمية سيطرة المجتمع السوفييتي ودولته على موارد حياته، وأشتهر منهم لينين وستالين. وقد إنطفأ ذلك الخلاف إلى حد ما بين وفاة لينين 1923 بعد تسممه الطويل برصاص اليهودية السياسية التي أطلقه حزب لها عليه وتسميم ستالين 1953 بواسطة قوى "اليهودية السياسية" أيضاً: ففي الثلاثة عقود بين التاريخين قام إبن الأقاليم البلشفي يوسف ستالين الذي تشتمه إلى الآن كل الدعايات الإمبريالية والصهيونية وكثير من الشيوعيين الرافلين في مجده قام بشكل وئيد بتولي أربعة مهمات حسوماً هي:

1- مهمة قيادة بناء إتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية مادةً وسياسة وثقافة ونجح في تلك المهمة.

2- مهمة الدفاع عن وجود الإتحاد السوفييتي والقيام بتدمير النازية ونجح في هذه المهمة إلى حد إنتصاره على النازية في عقر دارها ورفع علم الكادحين الأحمر على الريخستاغ الألماني في ا مايو 1945 بعد تحرير كثير من دول العالم من وجودها حرر العالم كله من خطرها.

3- مهمة إعادة تعمير الإتحاد السوفييتي وكل أوربا الشرقية والصين من جديد بعد الحرب، ونجح فيها حداً مذهلاً دون عون خارجي .

4- تحضير العالم للإنتقال من طبيعة الحكم الإستعماري للأمم إلى التعامل السلمي بينها وفي ذا دعم تأسيس الأمم المتحدة وحركات التحرر الوطني وبلغ الإتحاد السوفييتي في عهده بتنظيم المعارف والموارد والأعمال الحال الأعلى إقتصاداً وثقافة بين دول العالم وإن كان معه في القمة إتحاد الواحد وخمسون دولة امريكية إلا أن السوفييت يتفوقون عليها بأنهم بنوا دولتهم بإستقلالية وإحترام لحقوق دول العالم دون أن يمارسوا الإستعمار القديم أو الحديث.

خارج أوربا الثورية وخارج السوفييت بتاريخهم القومي المثلث (الروس، قوميات المسلمين، قوميات اليهود) تجلى خلاف "البرجوازية" و"الشعب" في ثورة 1919 في مصر نفسها حيث إختصرت بقايا الإقطاع والبرجوازية الصاعدة كل قضايا الثورة في مسألة قانونية وتفويضات وفد محامين للسفر إلى مؤتمر باريس عقب الحرب العالمية الأولى مما إنتهى مع إستيلاء صندوق الدين على أكثر موارد مصر وتوزيعها على أحباره وباشاوته إلى منح مصر حق إعلان دستور ملكي (1923) واكب دفن الخلافة الإسلامية العثمانية أكثر مما وكب عزة مصر وسيادتها الحقيقية على مواردها حيث أدام حكم المستغلين والمستعمرين الإنجليز وقهرهم البشع حياة الشعب المصري ثلاثين سنة اخرى.

كذلك كان الحال في السودان: ففي سنة 1919 قام "السادة" زعماء الطوائف والقبائل بإهداء سيف الإمام المهدي الذي إنتصر به على الخلافة الإسلامية العثمانية وقتل جيشها وقائدها الإنجليزي الجنرال غوردون في الخرطوم قاموا بأهداءه ذلك السيف الشريف إلى ملك بريطانيا مقروناً بـ"سفر الولاء" في وقت كانت الموجة الأولى من الحركة الثورية في السودان تضطرم بين المدنيين والعسكريين في مدن السودان! كذلك في خضم ثورة 1924 أعلن "السادة" إختلافتهم الطبقية والسياسية وحتى العرقية عن السودانيين في السودان واقفين مع نشاط الإستعمار الإنجليزي ضد الثورة منتقلين في ذات السنة 1924 ومابعدها إلى مرحلة التوثيق المالي والتجاري لحلفهم مع الإستعمار ضد سواد الناس، متجهين بعد عقدين من ترسيخ ذلك الحلف الإقتصادي بين شبه الإقطاع والرأسمالية إلى تقنين التفاوت الطبقي والسياسي في المجتمع السوداني بأمرين متواشجين: جمعية تشريعية تحكر القرار الإقتصادي والسياسي بيد السادة والمستعمرين، وإلى تأسيس حكم مركزي رأسمالي بثقافة واحدة لشعب كادح وبلد متنوع الثقافات!!.


من فحص الطبيعة الطبقية لنوع القيادة السياسية وإتجاهاتها في الحرب والسلام لتكييف المسائل الطبقية والقومية ثقافة وسياسة وتمثيلها في التشريع والعمل والتنفيذ والتقويم تظهر أكبر عوامل بناء وفناء الدول، وأكبر عوامل قوة وضعف حركات التحرر الوطني التي تأثرت بشكل متفاوت في تأسيسها وفي نشأطها وفي تأزمها بما جرى في الدولة الإشتراكية الأولى في التاريخ والعالم.


فمن النواحي الموجبة لمسآئل توزيع السلطة والثروة كان تشكل الجزء العالي المشهور من نشاط عبده دهب ومن الجزء السلب في هذه الأمور خاصة كان تشكل جزء مهم من أزمة التحرر الوطني وإنخفاض الإحتفاء برواده الذين إنتبهوا مبكراً لخطر قوة العامل الخارجي.

.
وبالحكم المنطقي لوحدة قوانين الفكر الإنساني والطبيعة الإجتماعية وتشابه مفاعيلهما في ظروف متقاربة يمكن تصور العلاقة اللامباشرة واللا بعيدة بين ما جرى بشكل عام في تاريخ حركة التحرر العالمي وما جرى في الدولة السوفييتية الرائدة في التحرر، وما جرى في حركات التحرر الوطني المصرية والسودانية خاصة.

في صراعات بلورة حركة التحرر الوطني في السودان يلاحظ تحول مكانة "عبده دهب" بين منزلتين هما :

1- منزلة تأجج البلاشفة والإتحاد السوفييتي في الأربعينيات ومعها تأجج الحركة السودانية للتحرر الوطني بعد سنة 1946 وإرتفاع إسهام "عبده دهب" السابق في تكوينها ورعايتها.

2- منزلة تبدل السوفييت بعد المؤتمر العشرين وإنخفاض وتيرة ثوريتهم وصدامهم مراعاة لمقتضيات السلم العالمي في ظروف توسع الإمبريالية في التسلح النووي ونشاطها في الإغتيال والإنقلابات والغزو وتخريب الوحدة الوطنية لكثير من الدول في آسيا من الملايو إلى كوريا وفيتنام وفي أمريكا الجنوبية ثم في أفريقيا، والتحول الرديف في نشاط حركة التحرر وفق (مقتضيات) السلام العالمي من أسلوب وأمور الصدام والثورة إلى أمور الدولة وأساليب السياسة والأحزاب في آخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، وهي منزلة تحدد إسهام دهب فيها خارجاً بنفسه من ضيق بيروقراطيا الحزب الشيوعي إلى مجال التأسيس والتفعيل التقدمي البسيط المباشر الذي ألفه وكون به التنظيم الحديد للأفكار والإرادات والأعمال.


من هذه النقطة والتأثير الوارد فيها ينشأ سؤأل عما الذي جعل الإتحاد السوفييتي نهاية في سنوات الخمسينيات ومابعدها تلك مختلفاً بشدة عن حاله في سنوات الأربعينيات وأول الخمسينيات؟

يكمن الجواب على ذا السؤآل في طبيعة وجود الدولة المجتمع وفي طبيعة تقديرهما الإقتصادي والسياسي لكينوناتهما وتجديد حيويتهما: ففي أيام بناء الإتحاد السوفييتي وتحريره العالم من خطر أكبر دولة رأسمالية (حينذاك) كانت طبيعة وزن قيمة الفرد والمجتمع في الدولة بالعمل حسب المستوى العام للإنتاج والإستهلاك والممارسة السياسية لتطوير العمل والثقافة وزناً فاق في إجتماعيته الوزن النقودي والمالي القديم لقيمة الإنسان قبل الثورة، وهو تفوق ظهر في تحقيق أفكار مونتيسكو القديمة قبل الثورة الفرنسية حول معنى مواشجة الدولة مجتمعها منه وفيه بتوفيرها إلى حد كبير مجانية السكن والأكل والماء والكهرباء والتعليم والعلاج والمواصلات والسفر والثقافة صورة لصيغة تبادل المنافع (عمل مقابل عمل) معاملات محسوبة للفرد ولأسرته بوثيقة أو كرت أو بطاقة العمل وما تلده من البطاقات البنات والأولاد.

إختلف هذا الحساب بعد تسميم إستالين 1953 وتولي المنشفيك أمور عقد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي (فبراير 1956) حيث بدأ ميزان جديد للحياة يتكون في إتحاد السوفييت بأثر عاملين خارجي وداخلي عامل الضغط الخارجي على الإتحاد وحصاره، وعامل تبلوره في الداخل بسيطرة عناصر وسياسات المنشفيك على الإتحاد والحزب والدولة.

كانت طبيعة الميزان الجديد ماثلة في وزن قيمة عمل الفرد والمجتمع وإستهلاكه لا بالعمل بل بنقود صرفة، والنقود بطبيعتها والثقافة التاريخية لإستعمالها يقل تداولها في مجال العمل والإنتاج وتقويمه الإداري البطيئ قِلةً متزايدة عن زيادة الطلب عليها في مجال الإستهلاك، مما وخم أثره مع التغاضي عن بدايات التملك الفردي لموارد حياة الناس بداية من تجارة بعض الكماليات بأسعاراً عالية تغاضياً متأثراً بنشاف الحياة آيام الحرب، وصولاً في آيام أندروبوف وجورباتشوف الى السماح بتملك بعض الأفراد الممولين وشركاتهم بعض الوسائل الكبرى لحياة المجتمع تحت شعارات "الشراكة" ثم "المساهمة الشعبية" و"إشتراكية السوق" وحريته (عشواءه) المناقضة بطبيعتها لطبيعة الإشتراكية التي تم تشييدها قبل ذلك فتسمم الإتحاد من ذلك التحول في طبيعة حساب القيمة من الحساب القائم على الكينونة التاريخية للأعمال الإجتماعية وفوائدها العينية المستمرة لأجيال إلى الحساب القائم على الكينونة الإستهلاكية بعاملين هما:

1-عامل التفاوت الطبقي وإختلاف مصالحه حزباً وأقاليم وسياسة وسط ثقافة إلتباس كينونتي الدولة والمجتمع وإلفة تعبير الدولة الشيوعية عن مصالح المجتمع وإعلامها المشِل التفكير، و

2-عامل السموم الخارجية،

من هذين العاملين وسمومهما قتلت إرادة الإتحاد وإنفض.


كان ظهور الجدل القديم في تاريخ المجتمعات والثورات بين أهل التحديد والإنجاز، وأهل التوسع والتأني، ظهوراً قوياً في آيام عبده دهب حسنين وإسهامه في تنظيم الحركة الثورية وكان ذلك الظهور في صور متنوعة شملت كافة الحركات المصرية والسودانية للتحرر الوطني سواء في صورة جدل بين أولوية إتجاه الثورة ضد الإستغلال أو ضد الإستعمار أي ضد العدو الداخلي (الملكية الفردية لوسائل حياة المجتمع وملكية الملك والإقطاع) أو ضد العدو الخارجي (الإنجليزي) وكينونته الإستعمارية الإقتصادية والعسكرية وقد كان إتجاه العالم قبل الحرب العالمية الثانية هو مصادمة العدو الخارجي أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد كان الإتجاه هو مصادمة العدو الداخلي أولاً عدا الصين وفيتنام وإلى حد ما جنوب أفريقيا حيث توافق فيهم نوعي النضال إلى حد كبير.



8- حروف الثورة:

إسهام العامل النوبي عبده دهب في جمع وتنظيم كثير من الطلاب السودانيين في مصر الثلاثينيات والأربعينيات إرتبط بتعليمه إياهم أن حضورهم مصرا جزء من كفاح مشترك قديم بين السودانيين والمصريين وغيرهم هدفه الحرية من الإستعمار الإنجليزي ومن الإستغلال الإقطاعي القائم في كنفه مواصلةً لثورات 1917 و1919 1924 وحركات الإحتجاج والإضراب في عقد سنوات 1930 مشكلاً بذلك التعليم الصعب واحدة من أرقى الوشائج بين أبناء النيل بعد آلاف السنين من إنفصال حكم السودان الشمالي عن أصوله النوبية وإختلاط ذا الشمال المصري بالعناصر الثقافية والبشرية الآسيوية والأوربية التي إستهلكته وأحلت نفسها فيه.

ومثلما كانت النوبة هي الأرض البكر لحضور البشر حضارةً في تاريخ الحياة قبل أن تأكلها عناصر القهر والتفكك الداخلي وتغلبها تحالفات العناصر المهمشة كان النوبي "عبده دهب" هو من أسطع جديداً هذا المجد القديم بفتحه العملي باب تطور تلك الحضارة في شكل علمي – ثوري للدخول وعياً إلى أبناء النيل.

ولكن لأن كل أماني المرء ليست مُدركُة فقد زاد الجدل في مصر وفي السودان: زاد في مصر حول غربة المستوطنين عن البلاد وأهلها وسياستهم كما زاد بين السودانيين حول غربة المصريين عنهم، جدلاً ربط بالنفي والمباعدة والفصل غربة المستوطنين والمصريين والمتمصرين الثقافية بحرمة خصوص قومي للقضايا الوطنية على أهل البلدين وقوميتهم السائدة وفق الثقافة الشعبية السائدة في البلدين!

ولكن في خضم ذلك الإستغراب والتعصب القومي الذي يناقش صدق النضال لحرية الناس بمسألة جنسيتهم الأصلية لتحديد وضعهم في قضية التحرر الطبقي البروليتارية الأممية! جاء إسهام "عبده دهب" في مصر مع كوريل وصفوة العباقرة السودانيين الدارسين في مصر في تكوين الحركة المصرية للتحرر الوطني (حمتو) والبعد بها عن التيار الثوري الآخر الأممي الطبيعة ذي الكينونة العسكرية والنقابية الإستالينية، وقد سار دهب أبعد من ذلك في بلورة كيان جديد في السودان مثلث الأسماء متواشج الكينونات للحرية قومية ووطنية وطبقية وهو الكيان الذي عرف بتجلياته الثلاثة: "الحركة السودانية للتحرر الوطني" (حستو) و"الجبهة المعادية للإستعمار" و"الحزب الشيوعي السوداني".

كان إسهام عبده دهب في تأسيس ذلك الكيان إسهاماً قوياً وفعالاً رغم خلافه مع (تسرع الشباب) وميله إلى الروية والتأني، ولعل هذا التأني من حكم علمه الأوفر بدقائق الأوضاع الدولية، أو بحكم صلاته مع المركز الثوري في السودان، أو بتفوق عدد أو نوعية معارفه من أهل التدبير الحزبي والسياسي في خضم العمل السري بما فيه من مواطنين ومستوطنين! وفي هذا الخضم كانت رسالة من منظمة الشيوعيين السودانيين إلى الشيوعيين السودانيين في مصر مؤرخة في سنة 1946 قد حذرت من الشطط التنظيمي والخطط والأعمال الجماهيرية الطموحة والمغامرة على حد تعبير الرسالة المحافظ، بينما كانت الحركة الشيوعية في السودان وفق رأي البطل الشهيد عبدالخالق محجوب في حالة حلقية ضيقة ضعيفة التنظيم والجماهير، إذ رأها بعيدة عن المرونة والصلابة في التنظيم، وبعيدة عن المرونة والصلابة في العمل الجماهيري، وإن كانت هذه رؤية طموحة لأنه لا يمكن جمع المرونة والصلابة في كل الأوقات ومختلف الظروف، إلا إنه بطموحه هذا فتح الأفاق لتحول الحركة الشيوعية في السودان من حالة الحلقات الطلابية والجماهيرية الشديدة السرية العاملة -أحياناً- ضمن واجهات السياسة التقليدية كأساس في تثبيت ونشر الوعي الثوري في مجتمعات السودان إلى حال الحزب (نصف العلني) المعتد بكينونته النظرية وقدرته على الجهر بقادته وفكره وأعماله وحمايتهم ونشاطه ككل ضد الإحتكارات الإقتصادية-الإجتماعية والثقافية السياسية القائمة في السودان بقيادة الطائفتين المميزتين في الوسط وبعض الشمال.


كان ذلك التحول الكبير من صيغة إلى صيغة مما قاد خلال سنوات قليلة إلى إعتزال وإلى عزل زعماء الحركة الشيوعية الأوائل واحداً تلو الأخر أحمد زين العابدين، وعبد الوهاب زين العابدين، وعوض عبد الرازق، وتولي الشهيد عبد الخالق محجوب مسؤولية قيادة الحزب حتى إنقسامه في السنوات الممتدة من 1968 إلى 1970 ثم إعدام قادته في يوليو 1971 بعد إنقلاب الضباط الشيوعيين والديمقراطيين على تسلط النميري وشيعته بين الناصريين-الساداتيين.

من هذه النقطة المهمة في تاريخ تبلور السودان والعالم الحاضر ووضعه الإقليمي ومستقبله فإن السؤآل الجواب يكرر سطوعه بقيمة النجم المنير: كيف لمن خاض كل هذه الصراعات والمعارك وأسهم في تكوين هذه النجوم ألا يكون من مؤسسي السودان الحديث؟



9- زارع النخيل:

كان نضال عبده دهب لأجل التحرر والتقدم الإجتماعي مرتبطاً بتحرير النوبة وتقدمها من حالة الجهل والفقر والمرض مواشجاً أهمية التعليم بأهمية الثقافة وضمن آخرين أنتجت مآثره الاولى في تنظيم النوبيين وتوجيه عنايتهم إلى الرقي بأوضاعهم رائعتين من روائع الأدب الأولى هي رواية "الشمندورة" التي كتبها في المعتقل المناضل حضرة الناظر المعتقل، محمد خليل قاسم (ناظر مدرسة شيوعية لمحو أمية سجانيهم، داخل المعتقل) ناثراً فيها جمال الحياة في قرية "الشمندورة" النوبية، والثانية كانت من روائع الأدب في السودان كتبها السفير المنير جمال محمد أحمد بعنوان "سرة شرق" وكانت عن جمال الحياة في القرية النوبية "سرة شرق"، فإنظر في تاريخ وجمال النيل قريتين نوبييتين كيف سمقتا نخلتين للقص النوبي الذي شجعه دهب وبهما زادت ضروب الجمال الأدبي في البلدين.

إضافة إلى إسهامه في تعليم الطلاب التقدميين السودانيين في مصر التنظيم والطباعة وتزويدهم بكتب التفكير الثوري أسهم عبده دهب في إصدار أربعة صحف ثورية حفت بالحقائق الموضوعية والتحليل العلمي لأمور السياسة والمجتمع وبالتحريض ضد الإستعمار والرجعية وهي صحيفة "الشعوب" وصحيفة "حضارة السودان" (مع طه علي) و "أم درمان" (مع الأمين محمد حسين) وصحيفة "الهدف" في الخمسينيات.



10 - راعي الثورة:

إضافة إلى زرعه النخيل في السياسة والأدب أسهم عبده دهب في تشكيل إتجاهات مقاومة عسكرية ضد الإحتكارات ولعله كسب ذلك من نضال الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (ح . د. ت. و) في مصر التي نظمت القسم الأكبر من الضباط الأحرار فمن خلال تاثيره المباشر واللا مباشر أسهم في تكوين حركة الضباط الأحرار التي نقلت شكل الحكم في السودان في 25 مايو 1969 من خانة حكم تحالف الإقطاع والرأسمالية إلى خانة حكم تحالف البرجوازية الصغيرة والرأسمالية، ومع تبدد طاقات نظام 25 مايو أسهم عبده دهب مع جهد الراحل بشار الكتبي في تحريض وتكوين جماعات "الجيفاريين" التي ترى تخديم قوة الحرب الشعبية في النضال ضد الإحتكارات. والبصير قد يرى أثر إسهام أنصار أسلوب ماو وجيفارا وفلسفتهم في النضال الشعبي المسلح في نضالات المجتمعات السودانية المهمشة في جنوب وفي شرق وفي غرب السودان وفي شماله، فأنظر إلى النار محررة الدهب: كيف توهجت بها رؤآه وكيف إتقدت بها من جديد أفكاره في ضرورة تقسيم السلطة والثروة.



11- الشيوعي الشمس:

كان عبده دهب بطبيعته النوبة ومعاناة أهلها محباً للعدل والسلام وفي خضم نضاله لأجل العدل والسلام كان من الذين كشفوا خيانة محاسيب الملك لدماء الجيش المصري بصفقات الأسلحة الفاسدة، ومن الذين واشجوا سفر جيش المتطوعين السودانيين بالقطار إلى فلسطين بقيادة الضابط العظيم زاهر سرور السادات، وقد عاين دهب مباشرة سنوات 1947-1948 طبيعة قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين لمناطق حكم ذاتي لعربها وليهودها (يهود فلسطين لا بين عربها ويهود العالم) وقد عاد دهب من فلسطين بتقرير ضاف عن المآسي التي تلت قرار التقسيم والتي ستأتي منه، وكشف بصراحة عجز التخلف والتمزق العربي وحكامه التبع عن مواجهة التنظيم اليهودي الدقيق في فلسطين والعالم، مقترحاً تثبيت القرار حتى لا يفقد عرب فلسطين المَهَمَلين ما ضمنته لهم هيئة الأمم المتحدة الوليدة، وقد قبل المصريين تقريره وكلامه، أما السودانيين فقد قبلوا تقريره ورفضوا إقتراحه رفضاً منظماً (نشرته باحثة فلسطينية ضمن بحث علمي قيم لها ثم كررت الميدان نشره في الإنترنت في سنة من العقد المنصرم)

كان دهب أممياً حقاًأوضح ما يكون في تجاوزه العصبية العرقية متعاملاً في مسيرته الثورية مع كافة أعراق البشر التي قاربت نضاله بناحية أو بأخرى من الفرنسيين والصينيين وأهل الهند الصينية والروس والمصريين والمتمصرين ثم الجزائريين والأثيوبيين والأرتريين وثوار غينيا وثوار الكنغو وثوار أنجولاً فكان بكل هذا مناضلاً أممياً حقاً شمسي الأصول والمعاني شيوعي الدهب في معدنه وصهره وسبكه وصكه وفائدته.

وإذ تم إكرام إسم الراحل عبده دهب في تخوم عيد العمال سنة 1998 في ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض في قلب الخرطوم ذات الحكم الإسلامي فقد مثل ذاك الإكرام مجموعة صدف تاريخية كل واحدة منها تتعلق بدور ما لعبده دهب واكب فيها هذا الشأن أو ذاك: فصاحب إسم الميدان الشهيد عبد المنعم رياض الذي كان قائداً للجيش المصري إستشهد بقذف إسرائيلي كان عضواً قديماً في حركة "الضباط الأحرار" المصرية التي كان زعيمها جمال عبد الناصر وأكثر أعضاءها مواشجين للتنظيم الثوري الآخر شديد السرية والنضال في مصر وهو تنظيم "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو).

كان أبرز أعضاء "حدتو" تلك في تنظيم "الضباط الأحرار" تلامذة في الأربعينيات لبعض المعلمين السودانيين الذين يُدرسون أو يُدربون في الكلية الحربية المصرية وبعض هؤلاء المعلمين والمدربين كانوا منتظمين بصورة ثورية مواشجة لعبده دهب ومن هؤلاء الضباط أعضاء (حدتو): جمال عبد الناصر [إسمه الحركي "مورس" = شفرة الإتصال بالتلغراف]، والبطل يوسف صديق، وخالد محي الدين، وأحمد حمروش. ورغم غالبية أعضاء "حدتو" عددا داخل تنظيم "الضباط الأحرار" منذ سنة 1950 فإنه وفق مقتضيات السلم والتحول من الصدام والثورة إلى السياسة والدولة، المذكورة سابقاً، آثروا في سنة 1952 أن يكونوا قلة قليلة في مجلس قيادة "ثورة الجيش" التي بداية من التاريخ الشهير 23 يوليو 1952 أطاحت بالحكم الملكي وبنظام الإقطاع وبالرأسمالية الأجنبية بنوكاً ومؤسسات (آنذاك) وحررت مصر من قوات الإحتلال البريطاني، وردت العدوان البريطاني الإسرائيلي الفرنسي سنة 1956 وفتحت الباب لبناء مصر الحديثة بتعليمها وحقولها ومصانعها وجيشها بداية من "الإجراءات الإشتراكية" سنة 1961 حتى قام السادات بتصفية مابقى من رجال تلك الثورة ومن الإستقلال الإقتصادي والنهوض الوطني الذي حققته، تصفية شاملة جذرية بداية من مايو سنة 1971.



12- ختام:

أسهم عبده دهب بصورة متقدمة في تحديث الحياة السياسية السودانية بعناصر أفضل تعليماً ذات مبادئي موضوعية وذهنية حسابية، وبأفكار أكثر علمية ووضوحاً، وبتنظيمات أكثر دقة وترتيباً، وبأساليب نضال ومقاومة مدنية وعسكرية جديدة، وكان حلقة وسطى بين الجيل الثاني للحركة الشيوعية في السودان ومصر في العشرينات والثلاثينينات والجيل الثالث الذي تولى مقاليدها منذ الاربعينيات والخمسينيات وحتى الآن، كما حدث عبده دهب بجهوده وجهود الطلاب الذين رعاهم الثقافة والتعليم في السودان ، وإرتقى قبل وبعد إستقراره في السودان بتنظيم الحياة الإقتصادية والإجتماعية من حال المشروع الكبير الواحد والريع الوحيد إلى المشاريع المتنوعة، وقد قام بذلك النضال بجهد بطولي واجه فيه محن الهجرة والإعتقال بمعرفة نيرة وعزيمة جبارة ونفس مطمئنة بجمال الهدف عزيزة بالإقدام إليه والثبات على المكاره لنيله، كل ذلك والنكتة النوبية السلسة ساطعة منه.

Post: #2
Title: Re: عبده دهب حسنين
Author: Sidgi Kaballo
Date: 08-15-2010, 01:11 AM
Parent: #1

سلام يا ذا النون
التحية لذكرى عبده دهب حسنين
الموقع لم يفتح! أنقل لنا لو تفضلت المادة الأساسية من الموقع.

Post: #3
Title: Re: عبده دهب حسنين
Author: Al-Mansour Jaafar
Date: 08-15-2010, 05:04 AM

64 عاما من نضال الشيوعيين السودانيين

Post: #4
Title: Re: عبده دهب حسنين
Author: Al-Mansour Jaafar
Date: 08-15-2010, 05:13 AM
Parent: #3

19 يوليو 1971 معركة من معارك الحرب ضد الإستغلال والتهميش في السودان

Post: #5
Title: Re: عبده دهب حسنين
Author: Al-Mansour Jaafar
Date: 08-15-2010, 06:06 AM
Parent: #4

هل من حوجة لتكوين ( وعاء ) شعبي بالشمال لحماية ما يقرره...نوبي ) في الاستفتاء