ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة

ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة


07-31-2010, 10:27 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=300&msg=1280568461&rn=47


Post: #1
Title: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 10:27 AM
Parent: #0







!!..



بقلم/ آدم جمال أحمد – سدنى



تبدو ملكية الأرض ذات أهمية قصوى ، وسبب مباشر فى إنفجار النزاع والصراع فى جبال النوبة ، والتى تتمثل فى إنتهاك الزراعة الآلية لحرمة الملكيات الصغيرة من الأراضى فى المنطقة ، مما أدى ذلك الى إحداث تأثير بليغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للتركيبة السكانية للنوبة ، والتى قادت فى نهاية المطاف الى تحطيم وتدمير أواصر التعايش السلمى ما بين النوبة وقبائل عرب البقارة.

لقد أنشئت الزراعة الآلية عام ١۹٦٨ م بتمويل من البنك الدولى ، للإشراف على نشر الزراعة بمناطق عديدة من السودان ، ولم تشذ عن ذلك إمتداداتها الواسعة النطاق لمشاريعها فى منطقة هبيلا شمال الدلنج منذ أواخر العقد السادس من القرن العشرين ، وإمتداداتها فى أم لوبيا – البيضاء – كركندى – القردود – الفوس – كركراية – كرتالا ...إلخ ، وقد قارب عددها ( 650 ) مشروعاً ، يبلغ متوسط مساحة الواحد منها حوالى ( 422 ) هكتار أى ( ألف فدان ) .. تم التصديق بها على أثر نزع هذه الأراضى من أصحابها ، فلم تراع فى توزيعها أدنى أى معايير للعدالة ، كما أنها لم تساهم بأى قدر يذكر فى تنمية المنطقة ، بل أن كل عائداتها يتم تحويله الى خارج نطاق المنطقة ، حتى أن مؤسسة تنمية جبال النوبة التى أنشئت فى عام ١۹۷۰ م ، للمساهمة بشكل مباشر فى تطوير القدرة الآجتماعية لطرق زراعة النوبة التقليدية ، لم تخصص إلا ( 37% ) من مساحة الأرض وخدماتها الى قبائل النوبة ، وخصصت ما يقارب اﻠ ( 45 % ) منها للقبائل العربية ، و ( 18 % ) الباقية تقاسمتها قبائل الفلاتة والهوسا والبرقو الوافدة الى منطقة جبال النوبة من غرب السودان.

توجد حوالى ( 200 ) مشروعاً للزراعة الآلية تمت مراجعتها بمنطقة هبيلا ، والتى أنشئت بتمويل من البنك الدولى ويدعمها البنك الزراعى التابع للدولة ، ولقد منحت الحكومة عقود إيجار أربع مشاريع تعاونية محلية ، وأربع مشاريع لتجار محليين .. ومنح مشروع إيجار واحد لمجموعة من تجار هبيلا ، أما البقية والتى تبلغ ( 191 ) مشروعاً لقد منحت لأفراد من غير أهل منطقة جبال النوبة ، معظمهم من تجار وموظفون حكوميون وجنرالات متقاعدون من القوات النظامية من شمال السودان والجزيرة.



ولا بد من توضيح الحقائق للقارئ ومواطنى جبال النوبة والمهتمين بالشأن النوبى ، حتى نستطيع أن نقف على الحقيقة الغائبة ، بأن للزراعة الآلية فى سلب أراضى النوبة سببان هما:



١- هناك مشاريع التى تخططها الحكومة وتمنحها من الخرطوم عن طريق وزارة الزراعة ، ودون وضع أى إعتبار لحقيقة الوضع فى المنطقة ، تمنح الأرض لبعض الأشخاص الذين هم بصورة عامة جنرالات متقاعدون أو موظفون فى الخدمة المدنية أو تجار أثرياء من شمال السودان ، كما تمنح لجلابة محليين ظلوا يقيمون فى المنطقة لفترة طويلة تمكنوا فيها من جمع ثروات كبيرة ، ولهؤلاء علاقة وثيقة بالخرطوم وبدوائر الحكومة المركزية ، بحكم أنهم أصلاً من الشمال ، ولقد حاز هؤلاء أراضى لأنفسهم ، ثم أوعوزوا الى ذويهم بأنهم أيضاً يستطيعون الحصول على حيازة أراضى من خلال وزارة الزراعة ، وهكذا تحالفوا من أجل الحصول على مزيد من الأراضى ، ولأن النوبة لا يملكون شيئاً ولا حتى نفوذاً سياسياً لهم فى مجالات إتخاذ القرارات ، وكذلك ليس بينهم سوى نفر قليل من ذوى الصلة بمجال توزيع الأراضى ، أما الحكومة فإنها تقوم برسم الحدود بين المشاريع دون إعتبار لواقع المنطقة ، وحتى السلطات الحكومية لا تضع أى إعتبار إذا كانت هناك قرى على هذه الأراضى أم لا ... مما جعلت الزراعة الآلية فى منطقة هبيلا أحاطت بالعديد من القرى ، ولم تبقى هناك أرض للنوبة .. لا أرض للزراعة ولا للرعى ، ولقد أطبق الخناق على النوبة ، وصار عليهم أن يختاروا إحدى الخيارين أما أن يتركوا المنطقة ويذهبوا للعمل فى الحكومة كجنود ، أو يصيروا عمالاً زراعيين فى مشاريع الزراعة الآلية.

٢- هناك الحيازة غير المخططة ( العشوائية ) للأرض ، إذ تجد شخصاً متنفذاً وثرياً أتى لتوه وأزال الأعشاب عن قطعة أرض يملكها أهل المنطقة بصورة جماعية ، وبحكم أن الوافد الجديد مسنود فإنه يزيل الأعشاب ويحضر جراراته وعماله ويبدأ فى الزراعة ، وإذا إعترضته أى مقاومة فإنه يذهب للسلطات محتجاً ومطالباً بتوفير الحماية له ، ولأنه يستطيع رشوة السلطات فيمكنه أن يدفع ثم يفعل ما يشاء ، ومن لم يفعل ذلك يكون له صديق من السياسيين أو آخر من ضباط الجيش يملك من السطوة ما يجعله يرسل أوامره لكى يحصل صديقه على الأرض ، وهناك طرق أخرى للحصول على الأرض مثلاً أن تحرق قرية ما ويجبر سكانها على الذهاب الى مكان آخر.

فليس هناك أى خطة أو نية من الحكومة للإحتفاظ ببعض الأراضى للنوبة ، فالأرض إما أن تمنح للعرب الرحل بغرض الرعى ، أو يستولى عليها الإقطاعيون الأثرياء من الشمال ، ولا يبقى للنوبة سوى الكفاح ضد هذه التصرفات أو البحث عن وسيلة لحماية أنفسهم ، وبالفعل لقد بدأوا فى بناء منظماتهم السياسية وإحياء منظماتهم القديمة .



وسوف نقوم بذكر بعض من النماذج الإستفزازية الصارخة الجديرة بالتسجيل منها:



♦ فى عام ١۹۷٨ م تم سجن المك حسين الأحيمر من منطقة ريفى دلامى ، وذلك لرفضه مصادرة أراضى المواطنين لصالح مشاريع الزراعة الالية المملوكة لتجار الجلابة.

♦ ما حدث لقرية ( فايو ) فى منطقة ريفى دلامى فى عام ١۹٨١ م حينما تم محاصرتها بمشاريع الزراعة الآلية من جميع الجهات عائدة لأحد تجار الجلابة ، الذى لم يكلف نفسه بزيارة المنطقة حتى ولو مرة واحدة ، وبنهاية عام ١۹٨٤ م كانت كل أراضى القرية تحت سيطرته ، وعند إحتجاج الأهالى تم إستخدام قوة القانون والشرطة لإبعادهم عن نطاق المشاريع الزراعية.

♦ لقد تضافرت عوامل أخرى ساعدت على زيادة حدة التوتر والإستقطاب فى المنطقة ، من أهمها هو تقلص منسوب الأمطار فى غرب السودان منذ العام ١۹٦۷ م الى أقل من نصف معدله السنوى ، ونتيجة لذلك نزح الى المنطقة رعاة من القبائل العربية من غير سكانها ، بحثاً عن مكان إقامة لفترة طويلة الأمد أو دائمة فى منطقة جبال النوبة المطيرة ذات الأراضى الخصبة ، ولكن بإستمرار الجفاف فى أوائل الثمانيات صاحبتها زيادة كبيرة فى أعداد السكان والحيوانات فى المنطقة ، وكانت أيضاً أحد الأسباب الرئيسية للنزاع.

ولكن لقد تسارعت الأحداث بتأسيس الجلابة أصحاب مشاريع الزراعة اآلية والبقارة الرعاة حلفاً مؤقتاً يستند الى قوة السلاح ، والتى كانت ممثلة فى ( مليشيات المراحيل والفرسان ) التى إندمجت فيما بعد لتكون ( كتائب الدفاع الشعبى ) لتشريد سكان المنطقة والإستيلاء على أرضهم ، فلذلك أن من أخطر إفرازات الحرب الأهلية فى منطقة جبال النوبة هو هيمنة قيادات المليشيات الميدانية على المجالس الإدارية وسيطرتها على إنتخابات المؤسسات السياسية والتشريعية ( المحلية والإقليمية والقومية ) ، لقد كانت هذه التغيرات نقطة تحول أخرى فى سلسلة إختلال ميزان القوى بين قبائل النوبة وعرب البقارة ، والتى حدثت تحت تأثير قانون الحكم الشعبى المحلى الصادر عام ١۹۷١ م ، وإعادة بناء الهياكل الإدارية فى المنطقة وتأسيس وحدات الإتحاد الإشتراكى خلال حقبة حكم الرئيس الأسبق جعفر نميرى ( ١۹٦- ١۹٨٥ م ) ، وهى نقطة التحول الأخرى التى تمكنت فيها القبائل العربية فى المنطقة لأول مرة من ترجمة وجودها الى وحدات إدارية معترف بها من قبل السلطات المركزية ، وتنظيم نفسها سياسياً فى المنطقة بشكل رسمى.

طفت بوادر هذا الصراع والذى جاهدت الحكومة بأن لا يسفر عن وجهه كاملاً الى السطح ، وذلك عندما أعلنت حكومة ولاية كردفان فى الربع الأول من العام ١۹۹۲ م عن كشف تلاعبات وتجاوزات خطيرة فى تصديقات أراضى الزراعة الآلية بجنوب كردفان ، وقد قامت بنزع ( ۷١٢ ) مشروعاً زراعياً فى مناطق كرتالا وهبيلا الجديدة والقديمة والبيضاء ورشاد وأبوجبيهة ، بحجة أن بعضها كان ممنوحاً لأطفال ، وأن بعضه تم بيعه أو تأجيره من الباطن مخالفة للقوانين ، غير أن مصادر الجلابة تؤكد أن ما تم كان بغرض إعادة توزيعها لقيادات المليشيات ومشائخ قبائل البقارة ، مكافأة لهم لمشاركتهم فى عمليات دحر ( التمرد ) عن المنطقة ، وهى محاولة مكشوفة من الحكومة لخلق قواعد موالية لها فى المنطقة ، وبعض الدلائل تشير بوضوح الى أن مجموعات الجلابة الأقوياء ذوى النفوذ السياسى والاقتصادى الكبير فى مركز السلطة ، سيتخدمون قبائل البقارة لضمان تحقيق أهدافهم ثم يحرمونهم لاحقاً من السيطرة على أجود الأراضى.

فالسلام بالنسبة للنوبة يتعلق بالأرض والمحافظة عليها ، وهذا يوضح أن أفضل حارس للأرض هم السكان الأصليون أنفسهم ، وليست المجموعة الصفوية التى إكتسبت وسيطرت عبى مساحات واسعة من الأراضى عبر المحاباة السياسية ، مما أدى الى إجبار مزارعو النوبة على التحول الى عمال زراعيين بلا أرض فى المشاريع الزراعية الكبيرة ، والتى تنتهك الحقوق الإنسانية والإقتصادية والأرض الخصبة التى تعتمد عليها البلاد.

إن إستغلال الزراعة الآلية لقد أدى الى تدمير التربة الهشة العالية الخصوبة فى جنوب كردفان ، ولقد إستمر ذلك لوقت طويل بواسطة ملاك غائبين ، وبعض الهيئات الدولية التى تلعب دور الشريك فى الجرم ، وذلك من خلال مضاعفة الأرباح ، بينما تتصاعد الكارثة البيئية ، والتى تحتاج لوقفة من الحكومة الولائية بجنوب كردفان وبممارسة ضغوط على المركز بتوقف هذا العبث الذى يضيف من عملية وقود النزاع ، ويجب أن يكون هناك إحترام لخبرة المزارعيين المحليين حيث إن من الغالب الأعم أن تؤدى تقنياتهم الى تنمية زراعية مستدامة ، والتى تتطلب الى إتخاذ قرار شجاع بإنتزاع كل هذه المشاريع وإعادة النظر فيها بإرجاعها لملاكها وأصحابها الحقيقيين من أبناء المنطقة الذين ورثوها كابر عن جد ، ولكن لجهلهم وعدم درايتهم بالإجراءات والمسوحات والتخطيط وإستخراج الأوراق الثبوتية منذ فترة الحكم الإنجليزى ، أدت الى إستغلالهم من قبل الدولة وأصحاب النفوذ والسلطة والمال ، ولا بد من تجميد فورى لكل التسجيلات التى تمت ، وإقرار قانون بأعراف الأراضى وبالطبيعة العادلة للحقوق العرفية الخاصة بالأرض من خلال الآتى:



١- إنشاء لجنة أراضى للتحقيق وإصدار توصيات تضمين أعراف الأرض فى تشريعات الأراضى.

٢- مراجعة تسجيلات ما بعد ١۹٨۹م فى المناطق الريفية بغرض تحديد التسجيلات المشروعة وغير المشروعة ، وفى حالة النزاع حول الملكية فإن الإفتراض ينبغى ان يكون التسجيل غير شرعى ويقع عبء إثبات العكس على المالك الجديد.

۳- إعادة توزيع الأراضى التى تم الإستيلاء عليها بشكل غير مشروع بعد حقبة ١۹٨۹ م.

٤- وضع سياسة تتعلق بحقوق أراضى المرعى.

٥- المساواة بين النساء والرجال فى حقوق الأراضى.



سدنى – استراليا ٢٥ يوليو ٢۰١۰ م


Post: #2
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 11:29 AM
Parent: #1

هناك كثير من الانتهاك
علي شعبنا العزل

Post: #3
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 11:39 AM
Parent: #2



: العالمي الدائم لشعب جبال النوبة الأصلي - الـــســـودان


الـمــنـتــدى

العالمي الدائم لشعب جبال النوبة الأصلي - الـــســـودان



"المقدمة – التأسيس – العهود و المواثيق الدولية بشأن حقوق الشعوب الأصلية - الأهداف العامة – الرؤية – الدستور"



أغسطس 2009

مقدمة

مــن نــحــن ؟ ؟ ؟

"نحن احفاد ملوك كوش العظماء الذين حكموا وادى النيل منذ سبعة آلاف سنة قبل الميلاد وأسسوا ممالك النوبة القوية ذات الحضارات العريقة … نستلهم من أمجادها ومن ذكرى اجدادنا الملوك… بعنخى وشبتاكا وكشتا و تهراقا …روحا جديدة لاعادة بناء امة ظلت فى هامش الزمان منسية… نحن نبت وتبر …من بلاد النوبة نحن " السودان " …أرض السود … تاريخنا حملته ذرات مياه النيلين الأزرق و الأبيض الى البحار والمحيطات… وتقف الأهرامات شامخة على امتداد الوادى الذهبى لنهر النيل العظيم …ودونكم الآثار الملكية والمومياءات…كلها تحكى قصة شعوب سادت بالأمس هاهنا…نقرع اليوم أجراس عودة مجدها من جديد … ونعلن إشراق شمس صبح بهى … بميلاد:

" المنتدى العالمى الدائم لشعب جبال النوبة الأصلي- السودان "



خلفية تاريخية

تضعضعت أمجاد النوبة وكادت أن تندثر بعد ان كانوا ملوك الزمان وسادته وخاصة بعد إنهيار آخر الممالك النوبية المسيحية ألوديا ومكوريا (علوة – و المغرة) فى حوالى العام "1505م"على يد الغزاة العرب المسلمين وهجرة أغلب شعوبها إلى كردفان " منطقة أقليم جبال النوبة " الحالية ... وهم أول من سكنها من الشعوب فنسبت الجبال إليهم.

تعرض شعب النوبة لمخاطر عديدة فى مواطنهم منها الخارجية و الداخلية تمثلت فى تجارة الرقيق و تبعات إتفاقية البقط و التجنيد القسرى و الزج بهم فى حروبات خارجية و داخلية حيث شارك النوبة فى الحرب العالمية الأولى والثانية فى كثير من الدول منها المكسيك و ليبيا ومصر والحبشة ومصوع . مرورآ بقانون المناطق المقفولة الذى فرضه الإستعمار الإنكليزى فى العام 1922م حتى العام 1947 م أى تم عزل شعب النوبة من الإتصال بالعالم الخارجى تماما لربع قرن من الزمان؟؟!! بل الأدهى والأمر أنه كان يتم إستخدام جبال النوبة كحظيرة ومورد للعبيد والجنود ؟؟!! ... تعرض شعب النوبة للظلم و التهميش والاضطهاد الإقتصادى و الإجتماعى والثقافى المستمر و الأقصاء من مناطق إتخاذ القرار على مر الأنظمة التى حكمت السودان ومن ثم تم عزل شعب جبال النوبة للمرة الثانية من عام 1984م حتى عام 2002 وإعلان الحرب المقدسة ضد شعب النوبة فيما يعرف( بالجهاد) فى عام 1992م خلال تلك الفترة.

و حتى نبدأ أولى خطوات العودة إلى أمجادنا و تاريخنا ....... و التوجه نحو المستقبل بخطوات ثابتة و نظرة ثاقبة... آلينا على أنفسنا تنظيم شعبنا فى كيان يجمعنا و يوحدنا ... و هو:

"المنتدى العالمى الدائم لشعب جبال النوبة الأصلى- السودان".

لبث روح المبادرة و إلتماس أسباب القوة و التغيير للمضى قدماً إلى الأمام.



العهود والمواثيق الدولية بشأن حقوق الشعوب الأصلية

• إتفاقية و توصية حماية السكان الأصليين و القبليين 1957م.

• الأعلان العالمى لحقوق الأنسان.

• العهد الدولى الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية.

• العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.

• الصكوك الدولية العديدة المتعلقة بمنع التمييز.

• الإتفاقية رقم 169 بشأن الشعوب الأصلية و القبلية فى البلدان المستقلة . إعتمدته منظمة العمل الدولية فى 27 يوليو 1989م.

• إتفاقية الشعوب الأصلية و القبلية1989م.

إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية

والذى إعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 7/9/2007 م.

• الإعلان العالمى لمنظمة الشعوب غير الممثلة
UNPO – لاهاى.





التأسيس:

وفقاً لإعلان الأُمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية المؤرخ 20 دسيمبر 2006 و الذى جاء فيه :

" ترحب الأمم المتحدة بتنظيم الشعوب الأصلية لنفسها من أجل تحسين أوضاعها على المستويات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و من أجل وضع حدً لجميع أشكال التمييز و القمع حيثما وجدت..."

فنحن شعب جبال النوبة الأصلي - السودان نعلن عن ميلاد و تكوين :

" المنتدى العالمى الدائم لشعب جبال النوبة الأصلي- السودان "

و تنظيم أنفسنا فى هذا الكيان الجامع... إيماناً منا بأن شعب جبال النوبة من أقدم الشعوب الأصلية فى العالم ... و قد ساهم و مازال يساهم فى تنوع و إثراء الحضارات و الثقافات التى شكلت تراث الإنسانية المشترك.

و نؤمن بحقنا فى الحياة الجماعية و العيش فى حرٌية و سلام بوصفنا شعب مميز و ألا نتعرض لأى عمل من أعمال الإبادة الجماعية أو أى عمل اخر من أعمال العنف بما فيها نقل أطفال المجموعة عنوة إلى مجموعة أُخرى...

و نؤكد أننا من أقدم الشعوب الأصلية فى العالم وينبغى لنا ممارسة حقوقنا كاملة و التحرر التام من التمييز أياً كان نوعه، خاصة أن شعب جبال النوبة قد عانى من شتى أنواع المظالم التاريخية والحديثة والتي نجمت عن إستعماره وإستغلاله و سلب حيازته لأراضيه و إقليمه وموارده و منعه من ممارسة خصوصيته الثقافية وحقه فى التنمية و فقاً لإحتياجاته و مصالحه.





الـــــرؤية:

• إن التخطيط السليم للشعوب الأصلية فى العالم إنطلاقاً من تاريخها وثقافاتها يحقق تطلعاتها وآمالها.

• إن حق شعب النوبة فى الملكية الحرة على أراضيه دون تدخل الأنظمة و الحكومات لهو أساس حقوقى لممارسة الخصوصيات الثقافية و السياسية و الأجتماعية والاقتصادية و يجب تضمين ذلك فى كل الدساتير و القوانين.

• إن حق الشعوب الأصلية فى التمتع بالحكم الذاتى و السيطرة على مواردها و إدارة أقاليمها و تقديم الحماية لها واجب محتم على الدولة و المنظمات الدولية؛ و لذلك نعمل على بقاء الشعوب الأصلية فى كياناتها متماسكة لمواجهة المهددات و تنمية ثقافتها و تراثها و التمتع بتقرير مصيرها فى كافة النواحى و حمايتها من الإخلاء القسرى و الإزاحات من أراضيها و أعمال الخصخصة و الإحلال و التغيير الديموغرافي و طمس الهوية و التعرض للحروب الأهلية المدمرة و الإبادة الجماعية و سيظل شعب جبال النوبة على الدوام يثرى التراث و الثقافة الانسانية العالمية بإبداعه المميز.

المبادئ العامة :

• الحقوق لا تتجزاء ولا تمنح .

• للشعوب الحق فى تحقيق تقرير المصير.

• تبنى معايير حقوق الإنسان.

• إعتماد مبدأ القيادة الجماعية والشفافية فى كافة أعمال المنتدى.

• تبنى الديمقراطية و رفض الإستبداد و اللاتسامح .

• التشجيع على اللاعنف و رفض الإرهاب كوسيلة لتحقيق الأهداف.

• حماية البيئة.

• الحوار مبدأ أساسى فى اتخاذ القرار وخاصة فيما يتعلق بالقرارات المصيرية.

• المنتدى كيان مستقل لايمثل ولا يتبع لأى جهة كما أنه لا يُلغى أى كيان أو جسم يخص شعب جبال النوبة.

• ضرورة المعرفة التامة بآدبيات المنتدى (الدستور – اللائحة – القواعد السلوكية العامة- و كافة المواثيق الإقليمية والدولية الخاصة بالشعوب الأصلية).

• ممارسة النقد والنقد الذاتى فى كافة أجهزة المنتدى.



للـمــنـتــدى العالمي

الدائم لشعب جبال النوبة الأصلي

الـــســـودان



أغسطس 2009



الفصل الاول

أحكام تمهيدية

المادة (1)

الإسم و السريان :-

1. يسمى هذا الدستور:

دستور المنتدى العالمى الدائم لشعب جبال النوبة الأصلي السودان.

2. تسرى أحكام هذا الدستور من تاريخ إجازته بواسطة المؤتمر العام للمنتدى.

المادة (2) تفسيرات:-

فى هذا الدستور، مالم يقتضى السياق معنى اخراً، يكون تعريف الكلما ت و العبارات كمايلى :

المنتدى:- و يقصد به المنتدى العالمى الدائم لشعب جبال النوبة الاصلى- السودان.

1. شعب جبال النوبة :- يقصد به شعب النوبة الذي يسكن فى جبال النوبة المعروفة فى السودان و خارجه.

2. الشعب الأصلى: هو شعب عريق فى التاريخ له ثقافة ولغة وحضارة مختلفة تماماً عن الثقافة واللغة المهيمنة ويثبت الاستمرارية التاريخية بإثبات وجوده قبل المجتمعات المستعمرة أو المستوطنة.

3. إقليم جبال النوبة :- وهو الإقليم الجغرافى الذى كان يعرف بإسم مديرية جبال النوبة بحدوده فى الأعوام (1905م-1928م).

4. الدستور :- يقصد به القوانين و المبادئ و الأُسس و الأحكام التى تحكم و تسير أعمال المنتدى.

5. الأصلية :- و هى المُقابلة لكلمة ( (INDIGENOUS, و هى مجموعة بشرية معينة إرتبطت برقعة جغرافية محددة منذ القدم و لها خصوصية تأريخية و ثقافية و إجتماعية وسياسية.

6. اللائحة:- يقصد بها لائحة تنظيم أعمال أجهزة المنتدى.

7. اللجنة المركزية :- يقصد بها اللجنة التى يناط بها تنفيذ و تسيير البرامج و المشاريع المجازة بواسطة المؤتمر العام و مجلس الحكماء.

8. مجلس الحكماء:- يقصد به المجلس المنتخب بواسطة المؤتمر العام.

9. المجلس الإستشارى يقصد به: المجلس الذى يقدم الإستشارات الفنية والمتخصصة لأجهزة المنتدى.

10. المؤتمر العام:- يقصد به الجمعية العمومية للمنتدي

11. المنتديات الفرعية:- يقصد بها المنتديات التي تتكون علي مستوي الأقاليم داخل السودان وعلى مستوى الدول بالخارج.

12. ملوك النوبة :- ويقصد به الملوك المنتخبون بواسطة المنتديات الأسرية للمجموعات اللغوية العشرة المكونة لشعب النوبة.

13. المجموعات اللغوية :- ويقصد بها المجموعات اللغوية العشرة المكونة لشعب جبال النوبة.

الفــــصل الثاني

المادة: (3)

الأهداف:-

الأهداف العامة:-

1. العمل علي تشجيع وتحقيق العدالة الإجتماعية والرفاهية لكل الشعوب الاصلية

في العالم مع مجتمعاتها ونيل كافة حقوقها والتضامن معها ومناصرة قضاياها

العادلة بكل الوسائل السلمية المتاحة.

2. العمل علي نشر الوعي بالعهود والمواثيق الدولية بشأن الشعوب الأصلية

وخاصة الأعلان العالمي للأمم المتحدة بشأن الشعوب الأصلية الصادر في ديسمبر 2007م والمواثيق الأخري ذات الصلة.

3. العمل علي خلق قنوات التواصل مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية

والتعاون معها بشأن حقوق الشعوب الأصلية.

4. تشبيك المنتدى ضمن أعضاء المنتدى الدائم للأمم المتحدة بشأن الشعوب الأصلية فى نيويورك و جنيف, و المنتدى الدائم للشعوب الاصلية الافريقية بجنوب أفريقيا ومنظمة الشعوب الغير ممثلة UNPO فى لاهاى بهولاندا, والتحالف الدولى للموئل HIC , شبكة حقوق الأرض والسكن LHRN وشبكة حقوق الانسان وكل الجهات ذات الصلة.

5. حث الشعوب الأصلية على المحافظة على تراثها وثقافتها ولغاتها وتنظيم أنفسها ونيل حقوقها المشروعة.

6. إنشاء وزارة تعنى بشئون الشعوب الأصلية على المستوى القومى والاقليمى.

المادة: (4)

الأهداف الخاصة:-

1.العمل علي توحيد وربط المنظمات الثقافية والإجتماعية ومنظمات المجتمع

المدني لشعب النوبة وإيجاد منبرمشترك للوصول إلي الغايات السامية.

2. العمل علي ممارسة شعب جبال النوبة لتقرير مصيره الإقتصادي والإجتماعي

والثقافي و السياسى وأن يمارس حكم نفسه دون وصاية من خلال الاستقلال التام أو الحكم الكونفدرالى او الحكم الذاتى أوأى نظام يختاره شعب النوبة .

3.العمل على تسجيل كافة الأراضي التي يملكها شعب النوبة والعمل علي إسترداد

الأراضي التي تم ضمها لأقاليم أخري بقرارات إدارية جائرة والتأكد من تمتعه بكل

حقوقه فى الأرض والسكن .

4- فتح قنوات التواصل مع المجتمع الدولى والأمم المتحده والمنظمات الإنسانية

والتعاون معها فى مجالات دعم وتنمية الإقليم .

5- تشجيع المواطنين على السيطرة التامة على موارد الإقليم الظاهرة والكامنة و

إستغلالها من أجل الرفاهية .

6- تطوير وربط المجتمع بالمعلومات وترقية الأجهزة الإعلامية والعمل على إنشاء

فضائية تلفزيونية ( Nuba T.V channel (ومحطة إذاعية (Nuba Radio)

إصدار مجلة دورية و صحيفة يومية وإنشاء موقع إلكترونى www.nubaindigenous.com

يعمل على تضمين كل المواقع الإلكترونية الخاصة بشعوب النوبة لتوفير قاعدة بيانات موحدة تصبح مرجعية أساسية

للباحثين والمهتمين بشأن شعب النوبة.

7. العمل علي تحقيق كل ما من شأنه تطويرالشعوب الأصلية ودورها المميز في

بناء التراث الإنساني.

8. التعاون والتنسيق مع كل الشعوب السودانية الاخرى على وجه العموم و التى تقطن فى إقليم جبال النوبة على وجه الخصوص على أساس العدالة و المواطنة والاحترام المتبادل وفق المصالح المشتركة.

9. العودة إلى الجذور وتسمية الأسماء بمسمياتها النوبية الأصلية.

الفصل الثالث

العضوية :- الحقوق والواجبات

المادة(5)

العضوية :- عضوية المنتدى حق مكفول لكل شعب النوبة إلا لمن لا يؤمن بمبادئ وأهداف المنتدى

هنالك نوعان من العضوية :

أ- عضوية كاملة

ب- عضوية جزئية

أ‌) العضوية الكاملة :

شروط العضوية الكاملة:

1. أن يكون الشخص منتمياً إلي شعب النوبة الأصلي من جهة الأب أو الأم أو الأثنين معاً.

2. أن يكون عمره 18عاماً.

3. أن يكون مؤمناً بأهداف ومبادئ وبرامج المنتدي.

4. يكون طلب العضوية الكاملة عن طريق ملئ إستمارة العضوية الخاصة بذلك

وإرسالها إلي الجهة المسئولة.

5. أن يدفع العضو رسوم العضوية الشهرية والبطاقة.

ب) العضوية الجزئية :-

يعتبر الفرد جزئى العضوية في الحالات التالية:

1- أن يكون منتمياً إلي شعب النوبة الأصلي وتقدم بطلب للإنضمام للمنتدي إلا أنه غير ملتزمً بدفع الإشتراكات بصورة منتظمة .

2- الأعضاء دون 18 عام يتمتعون بعضوية جزئية.

3- أن يدفع العضو أية تبرعات إلا أنه غير مشاركاً فى تنفيذ برامج وأهداف المنتدي.

ج) العضوية الفخرية:

1- تمنح العضوية الفخرية لأفراد وشخصيات من خارج شعب جبال النوبة بالإضافة إلى هيئات ومنظمات التى ساهمت فى تحقيق أهداف المنتدى.

د) سقوط العضوية

تسقط العضوية الكاملة والجزئية في الحالات الاَتية:

1- الموت

2- الإستقالة كتابة من المنتدى ووضع بصمة وتوقيع عليها.

3- يتم سحب العضوية الكاملة تلقائيا بموجب مخالفة الفقرة (3) و(5) من شروط العضوية وفي هذه الحالة يتم تلقائيا تحويل العضو الي العضوية الجزئية.

المادة (6): الإلتزامات و الواجبات:-

لأعضاء المنتدى الإلتزامات والواجبات التالية :-

1. التمسك و الوفاء بمبادئ و أهداف و برامج و نظم المنتدى و العمل على تحقيقها.

2. العمل على نشر الأهداف و البرامج بالوسائل السلمية و المدنية.

3. يدفع الأعضاء داخل السودان رسوم تسجيل وبطاقة سنويا و قدرها عشرة (10) جنيهات سودانية وإشتراك شهرى قدره خمسة (5) جنيهات سودانية أو ما يعادلها.

4. لفرعيات المنتدى بدول المهجر الحق فى تحديد رسوم تسجيل ورسوم بطاقة العضوية والإشتراك الشهرى حسب مقتضيات الظروف وبعملة تلك الدولة.

5. يجب أن يكون العضو منتمياً إلى أحد المنتديات الفرعية بالداخل أو الخارج.

6. يعمل العضو بتضحية ونكران ذات و يكون مثالاً للسلوك القويم واعياً ومدركاً بحقوق الشعوب الأصلية وعليه الدفاع بتفانى عن المنتدى ومكتسباته.

7. العمل على نبذ الخلافات السياسية و الفكرية و الدينية والقبلية بين أعضاء المنتدى و الدعوة للوحدة و المصير الـمشترك .

8. ترقية و ممارسة النقد و النقد الذاتى للتخلص من الأخطاء و حماية أسرار المنتدى عن الأشخاص غير المصرح لهم بذلك.

المادة (7): حقوق العضو:-

(أ) يتمتع أى عضو كامل العضوية بالحقوق الاتية:-

1- الترشيح و الإنتخاب فى مختلف مستويات المنتدى.

2- المشاركة فى النقاش و صنع القرار .

3- المشاركة فى أنشطة المنتدى.

4- حرية التعبير و الفكر أثناء الإجتماعات الرسمية.

5- معرفة معلومات و سياسات و أنشطة المنتدى.

6- الإخطار بحضور الإجتماعات قبل وقت كافى.

7- حيازة بطاقة المنتدى سارية المفعول.

8- المطالبة بتطبيق أحكام هذا الدستور و القرارات و التوجيهات و إتفاقات المنتدى.

9- المشاركة فى إجتماعات أجهزة المنتدى و مناقشة سياسات و أنشطة المنتدى بحرية تامة

10- الإقتراح و الدفاع عن الرأى قبل إجازة الموضوع تحت النقاش.

11- التصويت فى الإجتماعات لإتخاذ القرار و إجازته.

12- طرح الموضوعات و توجيه الأسئلة و رفع الإلتماس و المقترحات

إلى الأجهزة المناسبة.

13- إستلام الإجابات الواقعية و المناسبة للأسئلة و إستفساراتها.



(ب) العضوية الجزئية :-

1- لايتمتع بحق الدخول أو المشاركة فى الإجتماعات الرسمية أو معرفة أسرار المنتدى.

2- لايحق له التصويت أو الترشيح و الترشح لأى منصب فى أى مستوى من مستويات المنتدى.

3- له الحق فى الحصول على تنوير عام من أجهزة المنتدى حول الأداء و الخطط و السياسات العامة.

4- له حق المطالبة بالحصول على العضوية الكاملة بمقابلة الدائرة المختصة و إكمال الإجراءات اللازمة لذلك.

الفصل الرابع

المادة (8) أجهزة المنتدى:

الهيكل التنظيمى للمنتدى:-

يكون الهيكل التنظيمى للمنتدى كالآتى :-

أجهزة مركزية :-

(أ) المؤتمر العام المركزى .

(ب) مجلس الحكماء المركزى.

(ج) المجلس الإستشارى المركزى .

( د) اللجنة المركزية .

الأجهزة الفرعية :-

1- المؤتمر العام الفرعى.

2 - مجلس الحكماء الفرعى.

3- المكتب التنفيذى الفرعى.

أجهزة (فئوية):-

1- المؤتمر العام (فئوى )

2 – مجلس الحكماء (فئوى)

3- المكتب التنفيذى (فئوى) .

أحكام عامة للأجهزة :-

1- أعضاء اللجنة المركزية الانتقالية ومجلس الحكماء الإنتقالى لهم الحق فى العضوية الدائمة فى المؤتمر العام دون الإنتخاب ويجب دعوة أعضاء المجلس الإستشارى لكل المؤتمرات العامة.

2- لا بد أن يتم تمثيل المجموعات اللغوية العشرة داخل مجلس الحكماء واللجنة المركزية للمنتدى فى اى من المستويات ما عدا منتدى الملوك.

3- لملوك المجموعات اللغوية العشرة الحق فى العضوية الدائمة فى المؤتمر العام المركزى دون إنتخاب.

الفصل الخامس

المادة: (9) اللجنة المركزية للمنتدى

(أ) رئيس اللجنة المركزية:

1. يمثل المنتدى فى كافة المحافل المحلية و الإقليمية و الدولية أو يفوض من يقوم بذلك.

2. يترأس اجتماعات اللجنة المركزية للمنتدى و يدعو لإجتماعتها.

3. متابعة وتطبيق سياسات و برامج المنتدى.

4. يقوم بعرض برنامج و خطط اللجنة المركزية على مجلس الحكماء لاجازتها

5. يقوم بتقديم خطاب الدورة أمام المؤتمر العام للمنتدى.

6. يقوم بالتصديقات المالية واعتماد الصرف كتوقيع أول.

7. القيام بأى مهام أخرى تسهام فى تطوير المنتدى.

(ب) نائب الرئيس :-

1- مساعدة الرئيس فى أداء مهامه.

2- القيام بأى مهام توكل إليه.

3- ترأس اجتماعات المنتدى فى حالة غياب الرئيس.

4- فى حالة خلو منصب الرئيس يقوم بأعباء الرئيس الى حين إنتخاب رئيس جديد بواسطة المؤتمر العام.

(ج أ) السكرتير العام للجنة المركزية للمنتدى:

1. يقوم بكل الأعمال الإدارية و المكتبية للمنتدى.

2. يقوم بحفظ المسنتدات و الخطابات الرسمية الصادرة و الواردة و حفظ دفتر وقائع الإجتماعات.

3. وضع أجندة الإجتماعات بالتشاور مع الرئيس.

4. متابعة وتوجيه السكرتاريات وأعضاء اللجنة المركزية.

5. إستلام خطط و برامج و تقارير السكرتاريات والمنتديات الفرعية وعرضها على اللجنة المركزية.

6. القيام باعداد التقرير العام لدورة اللجنة المركزية و عرضه لمجلس الحكماء متى ما طلب منه ذلك.

7. يقوم بالتوقيع فى التصديقات المالية كتوقيع أول وذلك فى حالة غياب الرئيس.

8. القيام بأى مهام اخرى توكل له.

(ج ب) نائب السكرتير العام:-

1- مساعدة السكرتير العام فى أداء مهامه.

2- فى حالة خلو منصب السكرتير العام يقوم بأعباء السكرتير الى حين إنتخاب سكرتير عام جديد بواسطة المؤتمر العام.

3- القيام بأى مهام توكل إليه.





(د-أ) سكرتير الشئون المالية:-

1. يقوم بحفظ مالية المنتدى و فتح حسابات فى البنوك بإسم المنتدى ويعتمد توقيعه كتوقيع ثانى.

2. لا يحق له القيام بصرف أموال من حساب المنتدى إلا بإعتماد توقيع الرئيس أو السكرتير العام.

3. يقوم بإستلام رسوم العضوية و البطاقات والتبرعات من الاعضاء.

4. يقوم بوضع الخطط اللازمة لإستقطاب الدعم المالى للمنتدى و وضع خطط لإستقطاب المالية و تقديمها فى إجتماع اللجنة المركزية لإجازتها.

5. تقديم تقارير دورية شهرية للمالية و عرضها أمام إجتماعات اللجنة المركزية للمنتدى.

6. القيام بأعداد التقرير المالى لدورة اللجنة المركزية و تقديمه أمام مجلس الحكماء متى ما طلب منه ذلك.

7. تتكون مالية المنتدى من 50% من الإشتراكات الشهرية والهبات والتبرعات ورسوم البطاقات بالمنتديات الفرعية وتحول شهرياً للجنة المركزية.

8. تقديم التقرير المالى العام لنهاية دورة اللجنة المركزية للمنتدى أمام المؤتمر العام للمنتدى.

(د-ب) نائب سكرتير الشئون المالية:-

1- مساعدة سكرتير الشئون المالية فى أداء مهامه.

2- فى حالة خلو منصب سكرتير الشئون المالية يقوم بأعباء السكرتير المالى الى حين إنتخاب سكرتير مالى جديد بواسطة المؤتمر العام.

3- القيام بأى مهام توكل إليه من اللجنة المركزية.



(هـ) سكرتير العلاقات الخارجية والاتصال:-

1. يقوم بالإتصال بالجهات الخارجية و السياسية و الدبلوماسية.

2. التنسيق مع الرئيس و السكرتير العام لتحقيق أهداف المنتدى.

3. ربط اللجنة المركزية بالمنتديات الفرعية.

4. نشر ثقافة وآدبيات المنتدى فى كافة المحافل المحلية والإقليمية والدولية.

5. أى مهام أخرى توكل أليه.

(و) سكرتير الإعلام والناطق الرسمى:-

1. يقوم بوضع الخطط و البرامج الخاصة بتطوير الإعلام و يكون مسئولأ عن تنفيذها.

2. الناطق الرسمى بإسم المنتدى فى كل المحافل و يقوم بإصدار البيانات و ذلك بالتنسيق مع الرئيس و السكرتير العام.

3. الإشراف على الوسائط الإعلامية وإنشائها (صحيفة – مجلة- راديو- تلفزيون موقع إالكترونى).

4. يقوم بأى مهام أخرى توكل له.

(ز) سكرتير الإحصاء والتأمين:-

1. يقوم بعمل الإحصاءات الدقيقة و العلمية لعضوية المنتدى وتصميم الاستمارات واصدار البطاقات والتى يجب ان تكون كلها مركزية و موحدة .

2. إنشاء قاعدة بيانات معلوماتية عن المنتدى و له الحق فى الإطلاع على جميع خطط و برامج عمل المنتدى لحفظها و تأمينها بالتنسيق مع الرئيس والسكرتير العام.

3. تأمين المعلومات الخاصة بالمنتدى و تصنيفها و حفظها و تقديم تقارير متى ما طلب ذلك.

4. القيام بأى مهام توكل له.

(ح) سكرتير الزراعة و الصحة:

1. يقوم بوضع الخطط و البرامج لمشاريع تطوير الزراعة والمياه و الصحة و البيئة و تنفيذها.

2. يقوم بالتعاون و الإتصال بالجهات ذات الصلة.

3. يقوم بإعداد التقارير ورفعها للسكرتير العام متى ماطلب منه ذلك.

4. يقوم بتشكيل اللجان الفنية المتخصصة.

(ط) سكرتير الثقافة والتراث والآثار:

1- المحافظة على الهوية وتأصيل ثقافة وتراث شعب النوبة.

2- العودة إلى تسمية الأسماء النوبية بمسمياتها الأصلية (الأشخاص – أماكن – جبال- مدن وقرى)

3- التنسيق مع الملوك للمحافظة وتطوير الموروثات والعادات والتقاليد.

4- إنشاء المهرجان الملكى السنوى لشعب جبال النوبة وبصفة دورية والتناوب فى عواصم الممالك العشرة.

5- الإشراف على إحتفالات اليوم العالمى للشعوب الأصلية الموافق 9/ أغسطس من كل عام.

6- البحث والتنقيب وإسترجاع كل الآثار التى تم سلبها من شعب النوبة.

7- تأسيس متحف شعب جبال النوبة.

8- أى مهام أخرى يكلف بها بذات الصلة.

9- انشاء محمية طبيعية بالاقليم وحدائق حيوان بالمدن الرئيسية.

(ظ) سكرتير الشئون القانونية وحقوق الانسان:

1- يقوم بتقديم الاستشارات و الدراسات القانونية للمنتدى.

2- العمل على حماية و مراقبة حقوق الانسان ووضع البرامج والخطط و تنفيذها والتنسيق مع الجهات ذات الصلة.

3- الدفاع عن المنتدى وأعضائه أمام كافة الجهات القانونية.

4- رصد كل الإنتهاكات وعرضها على الرأي العام.

5- التعاون والتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية.

6- يقوم باى مهام اخرى توكل له.

(ع) سكرتير الأرض والطاقة والتعدين:

1- وضع سياسات ملكية اراضى شعب جبال النوبة.

2- تثبيت حق حيازات الأرض.

3- إنشاء السكن الملائم لكل شعب النوبة (قرى نموذجية).

4- تخصيص أراضى لتشييد المقرات المنتدى المركزى وفرعياته.

5- وضع سياسات وخطط استغلال الموارد المعدنية المتاحة فى أراضى جبال النوبة.

6- الإستعانة ببيوتات الخبرة لوضع الخرائط الإستثمارية والتعاقد مع الشركات لتنفيذ المشاريع الخاصة بالمنتدى.

7- أى مهام أخرى يكلف بها.

(ي) سكر تير التخطيط و التعليم و التأهيل:-

4- كتابة لغات المجموعات العشرة.

5- يقوم بوضع الخطط و البرامج اللازمة لتطوير التربية التعليم و البحوث الاستراتيجية و انشاء مركز متخصص لذلك.

6- يقوم بتنفيذ البرامج و الاتصال و التنسيق بالجهات ذات الصلة.

7- الإهتمام بالعلوم النوعية ووضع برنامج شامل لمحو الأمية.

8- العمل الجاد لإيجاد لغة رسمية موحدة تدرس لشعب النوبة.

9- السعى للحصول على منح دراسية من كافة جامعات العالم والمعاهد فى كل التخصصات والدرجات العلمية.

10- رعاية النوابغ والمتفوقين والمبرزين.

11- يقوم بأى مهام اخرى توكل له

(ك) سكرتيرة المرآة والطفل:-

1- تأسيس منتديات المرآة والطفل النوبية.

2- يقوم بتصميم البرامج و الخطط الخاصة بتطوير و حفظ حقوق المراة و الطفل و تنظيمها.

3- الاتصال و التنسيق مع الجهات ذات الصلة.

4- الإهتمام بالصحة الإنجابية للأم وصحة الطفل.

5- محاربة العادات الضارة الوافدة.

6- القيام باى مهام اخرى توكل له

(ل) سكرتير الرياضة و الشباب:-

1. يقوم بوضع الخطط و البرامج لتنظيم الرياضة وشئون الشباب و الطلاب وتقديم المساعدات لهم وتطوير المصارعة النوبية و المناشط الرياضية النوبية الاخرى.

2. الإتصال بالجهات ذات الصلة و التعاون معها في تنفيذ هذه البرامج.

3. تأسيس البنية التحتية لجميع المناشط الرياضية (كرة قدم – كرة سلة- ألعاب القوة- .............. ألخ).

4. رعاية المواهب وإقامة المنافسات والمهرجانات الرياضية.

5. القيام بأى مهام أخرى توكل له.

(م) سكرتير الاقتصاد والاستثمار:-

1- وضع خطط اقتصادية واستثمارية لإقليم جبال النوبة قصيرة وطويلة الأمد.

2- عمل خطط خاصة بالتعاون مع منتدى الملوك لتنفيذها في المجتمعات المحلية للمجموعات اللغوية العشرة.

3- العمل على إنشاء مؤسسات اقتصادية وشركات خاصة ومشاريع استثمارية في كافة المجالات مع التركيز على المشروعات الريفية.

4- الاستعانة ببيوتات الخبرة والبنوك (خاصة بنك جبال النوبة) لاستقطاب رؤوس واستثمارها في تنمية الاقليم.

5- اى مهام أخرى توكل إليه

الفصل السادس

المادة (10)

ا-المؤتمر العام المركزي:-

ينعقد المؤتمر المركزي العام كل ثلاث سنوات أو في الحالات الطا رئة

1- المؤتمرالعام أعلي سلطة في أجهزة المنتدي ويقوم بإجازة أو تعديل الدستور.

‌أ- يتكون المؤتمر من الممثلين المصعدين من المنتديات الفرعية التالية:-

1- فرعيات داخل السودان وفرعيات خارج السودان

مهام المؤتمر العام المركزى:

1- يقوم المؤتمر العام بإنتخاب أعضاء اللجنة المركزية ومن ثم يقوم الأعضاء المنتخبون بتشكيل مكتب اللجنة المركزية بالتوافق أو الإنتخاب.

2- يقوم المؤتمر العام بإنتخاب أعضاء مجلس الحكماء ويقوم الأعضاء المنتخبون بتشكيل اللجان الفنية المتخصصة.

3- يقوم المؤتمر العام بإجازة خطابات الدورة.

4- تقديم توصيات وتوجيهات وإجازة الميزانية العامة للمنتدى.

(ب) مجلس الحكماء

1- بعد إنتخاب مجلس الحكماء من قبل المؤتمر العام يكون بمثابة مجلس تشريعي ورقابي علي اللجنة المركزية للمنتدي .

2- يتكون مجلس الحكماء من 15 عضواً أو أكثر، مع مراعاة تمثيل المجموعات اللغوية العشرة.

3- يقوم بإستدعاء الرئيس أو أي سكرتير للمثول أمامه وتقديم التقارير المطلوبة.

4- له الحق في دعوة المؤتمر العام للإنعقاد وتقديم التوصية له بحل اللجنة المركزية للمنتدي وإنتخاب لجنة مركزية جديدة متى ما ثبت عدم قيامهم بتنفيذ ما يوكل إليهم.

5- يقوم بالمصادقة وإجازة البرامج المقدمة له بواسطة اللجنة المركزية و له الحق بالتعديل المناسب فى البرامج.

6- تكون مدة دورة مجلس الحكماء ثلاث سنوات ثم يتم إنتخاب مجلس جديد بواسطة المؤتمر العام للمنتدى.

7- معالجة وحل المشكلات التى ترفع بواسطة اللجنة المركزية للمنتدى.

8- المصادقة على القرارات المصيرية.

(ج) المجلس الإستشارى:-

1- تقوم اللجنة المركزية بتقديم قائمة بأسماء أعضاء المجلس الإ ستشارى لمجلس الحكماء لإجازتها و المصادقة عليها.

2- يتكون المجلس الإستشاري من سبعة أعضاء أو أكثر.

3- الإستشارات التى تقدم بواسطة المجلس الإستشارى ملزمة.

4- يقوم المجلس الإستشاري بتقديم الإستشارات الفنية والمتخصصة في كافة الأمورمتي ما طلب ذلك بواسطة اللجنة المركزية أو مجلس الحكماء .

5- يقوم المجلس الإستشاري بتقديم الخطط اللازمة لتطوير المنتدى أمام المؤتمر العام.

6- تكون مدة عمل المجلس الإستشاري ثلاث سنوات الي حين تعيين مجلس إستشاري جديد.

الفصل السابع:

المادة(11)

تعديل الدستور:

ا- يعدل هذا الدستور بقرار من ثلاثة أرباع أعضاء المؤتمر العام المركزي.

تدابير مؤقتة :

6- تقوم اللجنة العليا لصياغة الدستور وأعضاء اللجنة المركزية الإنتقالية و الأعضاء المصعدين من المنتديات الفرعية بالتوافق على تكوين الأجهزة المؤقتة التالية:-

‌أ- رئيس وأعضاء اللجنة المركزية للمنتدي.

‌ب- مجلس الحكماء.

‌ج- المجلس الإستشاري.

7- تكون المكاتب المؤقتة مسئولة عن إدارة أعمال المنتدي والترتيب للمؤتمر العام المركزي الأول وتنتهي مهامها بإنتخاب أجهزة المنتدي ويقوم بتسليم كافة المستندات والملفات للمجالس المنتخبة.

8- بإنتهاء أعمال المؤتمر العام الأول المركزى تسقط المادة "11" من الدستور تلقائياً.

المادة (12)

العلم: - يرمز إلى العزة والكرامة لشعب جبال النوبة الأصلى.

ألوان العلم:

• اللون الأسود: يرمز إلى الأرض وشعب جبال النوبة الأصلي.

• اللون الأبيض: يرمز إلى السلام والتسامح والمحبة.

• اللون الأحمر: يرمز إلى دماء الشهداء والمناضلين.

• اللون الأخضر: يرمز إلى الزرع والنماء والطبيعة.

• اللون الأزرق: يرمز إلى المياه.

• اللون الأصفر: يرمز إلى الموارد و الثروة.

• النجوم: ترمز إلى العلا والمجموعات اللغوية العشرة.

• الأهرامات: ترمز إلى حضارة شعب النوبة وجبالها.

الـــــــخــــــاتــمــــــة:

اللجنة المركزية الإنتقالية للمنتدى يشرفها تقديم هذا الجهد المتواضع للدستور الإنتقالى كخطوة أولى لخطوات لاحقة نحو تأسيس وضعاً حقوقياً ومنطلقاً لشعب جبال النوبة يمكنه من تحقيق أماله وطموحاته فى إدارة شئونه بخصوصية وإستقلالية لتقرير مصيره الثقافى والإجتماعى والاقتصادى والسياسي.

نآملُ صادقين بأهمية مساهمة الجميع فى تطوير هذا الدستور وإحترامه والإلتزام بما جاء فيه والعمل على ترجمة نصوصه إلى واقع ملموس وحركة مجتمعية شاملة نحو غدٍ مشرق.

بالصبر والتضامن والتضحية نحقق أغلى الغايات والأهداف المبتغاة.

وبالله التوفيق

Post: #4
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 11:53 AM
Parent: #3

أطلقت الحركة الشعبية لتحرير السودان بولاية جنوب كردفان .. ( نداء الجبال ) ، فى الآيام القليلة السابقة ، وذلك بناءاً على قرار رئيس الحركة الشعبية بالولاية الفريق عبدالعزيز آدم الحلو المؤرخ بتاريخ ٦ مايو ٢۰١۰ م ، والخاص بتكليف لجنة فرعية لإستقطاب الدعم المالى وتكوين لجان فرعية لتعبئة الموارد ، وإستقطاب الدعم اللازم لتمويل عمليات الإحصاء والمراحل الخاصة بالإنتخابات الولائية من أبناء جبال النوبة وولاية جنوب كردفان عامة بالداخل ودول المهجر وذلك عبر الآتى:

♦ التبرعات والمساهمات المالية والعينية.

♦ الدعم الإعلامى.

♦ الدعم الفكرى.

♦ مطالبة الأهالى المتواجدون والمنتشرون بأقاليم السودان بالعودة الطوعية.

♦ الحضور الشخصى لمن يرغب بالمشاركة الشخصية فى المعركة المصيرية القادمة.



بالرغم أن نداء الجبال يعتبر صرخة وصحوة متأخرة من إخوتنا بالحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان ، والتى كنا نأمل أن تأتى مبكراً وخاصة من خلال كتاباتنا ومقالاتنا ونداءاتنا منذ توقيع اليوم الأول لإتفاقية نيفاشا ، ومطالبتنا المتكررة لأخواننا أبناء جبال النوبة بالحركة الشعبية لتقييم تجربتهم وسنوات نضالهم بالحركة الشعبية للوقوف على السلبيات والإيجابيات ومعالجة أخطاء الماضى ، حتى تتمكن الحركة من تطوير أدوات خطابها وأدائها ، وكذلك مطالبتها بإقامة مؤتمر حوار ( نوبى – نوبى ) .. للتصالح وقبول الآخر والإعتراف بالراى الآخر .. ومؤتمر حوار ( نوبى – غير نوبى ) .. وذلك من أجل الجلوس للتفاكر والتشاور لجمع الصف ووحدة الكلمة ومستقبل جبال النوبة ومن أجل التعايش السلمى مع الأطراف الأخرى بالإقليم.



ولكن رغم كل الإختلاف فى الرؤى والمواقف والتناقضات التى بيننا ، سوف نلبى هذا النداء ونقف سنداً قوياً لصرخة .. نداء الجبال ، ونحث الآخرين عليه وبل سوف نقوم بدورنا الطليعى والإعلامى والتنويرى وسط قواعد أبناء النوبة وأبناء جنوب كردفان لأننا فى مركبة وسفينة واحدة وسط تلاطم من الأمواج ، ولا نود أن نلتفت لصغائر وسفاسف الأمور الشكلية والإجرائية .. حول الجهة التى أطلقت النداء أو الجهات أو الأشخاص الذين تم تكليفهم بالنداء ، لأنها شكليات لا تفيد ، لأننا أمام مرحلة مفصلية ومفترق طرق ، وهناك خارطة سياسية جديدة بدأت تتشكل فى الساحة السياسية السودانية وهناك تغيرات بدأت تحدث فى الساحة النوبية وصارت فصولها تتشكل ، فأين نحن أبناء جبال النوبة منها وأين موقعنا من هذه الخارطة الجديدة ، ولا ننسى نحن أهل السودان الأصليون وهذا السودان هو بلدنا ووطنا قبل الآخرين ولنا تاريخ حافل بالبطولات والأمجاد وحضارة عريقة ، ولا بد من تذكير الآخرين بأن هذه البلاد كانت تسمى ﺑ ( بلاد النوبة ) على مر التاريخ قبل أن تتحول الى الدولة السودانية الحديثة وتحمل إسم السودان.

فلذلك لا بد من أن نعى وندرك نحن أبناء جبال النوبة وأبناء جنوب كردفان تلك المخاطر والظروف التى تمر بها منطقة جبال النوبة من إهمال وتهميش بهدف إضعاف الكيان النوبى والمنطقة والقضية النوبية ، من بعض الأطراف ، تستوجب منا وقفة صادقة مع النفس ونكران للذات ، ومراعاة للمصلحة العليا لمنطقة جبال النوبة وأهلها واحتراماً لقيمة الأرض ولقياداتها من الرعيل الأول وتقديراً لمجهوداتهم وتضحياتهم وحرصاً منا علي وحدة الصف وتوحيد الكلمة فى ظل هذه الظروف الحرجة والعصيبة التى يمر به إقليم جبال النوبة وسكان المنطقة بمختلف أعراقهم وبطونهم من نوبة وعرب وغيرهم يتطلب منا جمعياً الوقوف مع نداء الجبال ، والتلاحم والتعاضد والعمل سوياً والسعى بهمة والتحرك بفعالية كل منا على حسب طاقته وظروفه أين يجد نفسه ومساهمته من خلال .. الدعم المالى أو العينى .. أو الإعلامى أو الفكرى أو الشخصى .. وذلك لشحذ الهمم والدعوة الي إسترداد حقوقنا الدستورية والسياسية والادارية والاجتماعية والاقتصادية للنهوض بالمنطقة تنموياً وتعليمياً وصحياً وخدمياً ، وهذا يتطلب من جميع أبناء النوبة على إختلاف ألوان طيفهم السياسى وإتجاهاتهم الفكرية تجاوز الخلافات والجلوس معاً حول مائدة واحدة للحوار والتفاكر والتشاور حول كافة القضايا التى تهم النوبة وتعانى منها المنطقة.

ومن هذا المنطلق نحن ندعو كافة أبناء النوبة وأبناء جنوب كردفان الوقوف مع نداء الجبال ، وكذلك نوجه دعوة لهم جمعياً للتواصل مع منبر تجمع شباب جبال النوبة الإلكترونى بالإسكاى بى بالداخل والخارج ، والذى أصبح قبلة ومنارة لحوار الصراحة والمكاشفة فى تناول قضايا النوبة متجاوزاً الأطر التنظيمية الضيقة ، ولقد تناول المنبر فى جلسة حواره ورقة نداء الجبال بصورة مستفيضة وإستمع لكل الأراء من كافة دول المهجر والسودان ، وهذه دعوة خاصة أقدمها لقيادات الحركة الشعبية بجنوب كردفان بأن المنبر شكل لجنة عليا لإقامة مؤتمر حوار جامع لأبناء النوبة بالداخل ودول المهجر فى شكل وعاء أتفق عليه ، ونحتاج لوقفتكم وتشجيعكم حتى يتثنى للجميع المشاركة لبلورة رؤية موحدة ، وخاصة إننا مقبلين على فترة مليئة بالتحديات تواجه أبناء النوبة وتحدق بهم من كل صوب وتعيق مسيرتهم ، وخاصة فى ظل هذه التحولات والمتغيرات السياسية السريعة والمتلاحقة التى يمر بها السودان ومنطقة جبال النوبة على وجه الخصوص يتطلب منا جميعاً توحيد جهودنا وترتيب صفوفنا وجمع شتاتنا مستهلين بذلك العبر والدروس المستفادة من الماضى والسعى بها لتحقيق غاياتنا وأهدافنا لإبراز دورنا الريادى والقيادى فى جبال النوبة والسودان ، والعمل على تنمية قدراتنا الفكرية والعلمية والمادية والاجتماعية عبر خطط مدروسة ، لأن تقدم أى أمة لا يمكن أن يكون إلا بإرتفاع نسبة الوعى والمستوى الثقافى والعلمى لأبنائها وتنظيم صفوفها وترتيب أولياتها ، لذلك جاءت فكرة ( نداء الجبال ) .. وفكرة إقامة مؤتمر الحوار النوبى الجامع الأول بدول المهجر لتحقيق الربط الاجتماعى والإنسجام فى إرادة ذاتية عبر قوة وعزيمة ، والإيمان بأننا أصحاب قضية نحتاج فيها لمعالجة أخطاء الماضى وسلبياته ، فلذا نأمل أن يشارك فيه كل أبناء النوبة دون تمييز. ونحن من هذا المنطلق نناشد كافة أبناء النوبة في داخل الوطن الحبيب وفي دول المهجر والحادبين على مستقبل المنطقة ومصلحة شعبها لتلبية هذا النداء الخالص .. ( نداء الجبال ) .. وذلك من خلال المشاركة فكرياً والمساهمة فعلياً لإنجاح هذا النداء ، للخروج بقضيتنا من النفق الضيق لمواجهه التحديات والتفاكر والحوار حول مستقبل المنطقة وأبنائها.



يهدف نداء الجبال الى إستنهاض همم أبناء جبال النوبة من خلال حشدهم وراء أهدافهم بالتماسك والتكاتف والعمل قدر الإمكان على توحيد الخطاب السياسى والاعلامى ، وتجاوز العمل فى الإطار القبلى والحزبى الضيق والإستعداد للحوار فيما بينهم ومع الإثنيات الأخرى التى تشاركنا المسكن والمشرب بالإقليم .. وذلك من خلال الآتى:



١- العمل على توحيد الصف والكلمة وجمع شمل أبناء النوبة عن طريق التواصل الاجتماعى والثقافى.

٢- توحيد الخطاب الإعلامى والسياسى والعمل على توظيفه لخدمة مصلحة قضايا منطقة جبال النوبة والعمل على تهيئة أرضية مشتركة لتفعيل الإجماع بين كافة أبناء النوبة حول القضايا المصيرية والعمل على معالجة الخلل الإجتماعى بين كافة فئات المجتمع بمنطقة جبال النوبة.

۳- الإلتفاف حول القيادات المؤهلة لقيادة دفة العمل فى المرحلة الحالية والقادمة والقادرة على حفاظ الحقوق المكتسبة والثوابت لأبناء النوبة.

٤- العمل على إعادة صياغة وتصحيح العلاقة ما بين الولاية والمركز والتى كانت وما زالت مبنية ومؤسسة على سياسة عدم التوازن والسياسة القائمة على الظلم والتهميش.

٥- التصدى لسياسة المركز وممارسته للإختراقات التى تهدف الى إضعاف كيان جبال النوبة .

٦- الحفاظ على السلام والإستقرار والأمن والتأكيد على مبدأ الديمقراطية داخل مجتمعات منطقة جبال النوبة.

۷- رؤية أبناء جبال النوبة حول ما حققته إتفاقية السلام للإقليم خلال السنوات الماضية من عمر الإتفاقية ، بالتفاكر والتشاور والنقاش حول ممارسة المشورة الشعبية ومآلاتها فى المستقبل ومدى إستعدادهم للمرحلة القادمة من تاريخ السودان فى ظل الاحتملات الآتية ( إنفصال الجنوب - تحول السودان من الشمولية الى الديمقراطية ).

٨- العمل على وضع أسس وقواعد للتعايش السلمى والإحترام المتبادل مع مختلف القبائل والإثنيات التى تقطن الإقليم والعمل على تقويتها والإتفاق على ميثاق بين كآفة أبناء إقليم جبال النوبة.

۹-. تأهيل إنسان جبال النوبة الذى فقد مقومات الحياة بسبب الحرب والتشرد مما أدى الى عدم إستقراره وذلك بتبنى برامج تساعد فى تأهيله حتى يواكب ما يدور ويجرى على الساحة النوبية والسودانية من أحداث.

١۰- المحافظة على تراث المنطقة وثقافتها وحقوقها التاريخية والعمل على تنمية منطقة جبال النوبة على مستوى البنية التحتية من خدمات تعليمية وصحية ومياه ومشاريع تنموية.



لذا يجب أن نحاول إستخدام كل ما من شأنه أن يؤدى الى توحيد الصف والرؤى .. وتجاوز كل الخلافات والإنقسامات التي أصابت كل التنظيمات النوبية منذ تأسيسها وحتي الآن بالإضافة الي إنقسامات النوبة حول أنفسهم في كل لحظة .. والصراعات التى ساهمت في زرع الفتن والصدع بين جدران تنظيمات أبناء الإقليم وتفتيت نسيجهم الإجتماعي وتمزيق عواصر الأخاء والصداقات بينهم والعمل على إعادة بناء الثقة فيما بينهم .. فلذلك لا بد من السعي بكل جدية في رأب الصدع بين الأطراف والدعوة الي الحوار والتسامح وإحترام أراء الأطراف الأخري وتحمل الآخر ، والذى نأمل أن تكون بداية الإنطلاق بالإلتفاف حول ( نداء الجبال ).



وهذه بعض الموجهات والنصائح نقدمها لقيادات الحركة الشعبية بجنوب كردفان ونأمل منهم ومن إخوتنا أبناء النوبة بالحركة الشعبية ، أن تكون محاور للنقاش تخضع للدراسة المستفيضة والإستجابة لها .. وذلك من خلال الآتى:



■ يجب أن يكون هناك توجيه رسمى من رئيس الحركة الشعبية بجنوب كردفان عبدالعزيز الحلو ، وأن يبدأ بنفسه والقيادات الدستورية والتنفيذية بالحركة الشعبية أن يتبرع كل منهم بمرتب ثلاثة شهور من باب الإيثار والقيادة القدوة ، ولا سيما نحن نعلم بأن مرتبات القيادات التنفيذية والدستورية بالحركة بجنوب كردفان ما تعادل ( ٤۰۰ ) مليون دولار سنوياً ، فنريد فقط مرتبات ثلاثة أشهر حتى يكون هناك مبلغ متوفر فى صندوق رئيس اللجنة التنسيقية لدعم الإحصاء والإنتخابات بولاية جنوب كردفان ( رمضان ابراهيم شميلا ) ما يعادل قدره ( ١۰۰ ) مليون دولار ، بالإضافة أن يكون هناك توجيه لمكاتب الحركة ورؤسائها والمسئوليين عنها بدول المهجر فى أمريكا وكندا واستراليا والإتحاد الأوربى إلزام عضوية الحركة الشعبية بأن يدفع كل عضو ما يعادل (١۰۰ ) دولار أمريكى ، أما بقية ابناء النوبة وابناء جنوب كردفان غير الحركة الشعبية بهذه الدول مناشدتهم بأن يدفع كل شخص مبلغ ( ٥۰ ) دولار أمريكى.

■ وضع منهج حول إدارة الحملات الإنتخابية والتى أصبحت من أهم أسباب نجاح المرشحين فى مختلف أنواع الإنتخابات والعمل النقابى ، والتى تحتاج لذوى الخبرة فى مهارات الإتصال ( كوادر الحزب القومى وكومولو والمؤهلين من النوبة وقطاع الطلاب ) للعملية الإنتخابية والتخطيط وإدارة الحملات الدعائية ، حيث لم يعد خوض الحملات الإنتخابية مجرد إجتهاد شخصي أو خبرة موروثة ، وإنما أصبحت علماً يدرس في الجامعات وفناً تطبيقياً تجوز تسميته تكنولوجيا إدارة الحملات الإنتخابية بإعتبارها أحد أنشطة التسويق السياسي والإجتماعي.

■ التحرك الفورى والدعوة الخالصة الي فتح حوار جاد من أجل التواصل مع أبناء جبال النوبة خارج معسكر الحركة الشعبية من كتاب وصحفيين ومثقفين للإستفادة من مقدراتهم الإعلامية وتوجيه أقلامهم للدفاع عن النوبة ومكتسباتهم ، لأن المخاطر تحيط بنا من كل جانب وهناك فقدان الثقة بين الأطراف وعدم الإعتراف بالأخر والنفور والتباعد وعدم التشاور ، تحتاج منا لنبذ الفرقة والشتات والإعتراف بالطرف الأخر وإحترام رأى بعضنا البعض والجلوس كأطراف للوصول الي وفاق بيننا ، فلذلك نحن مع أى خطوة جادة لتوحيد فكرنا وترتيب وضعنا كنوبة وتوحيد كلمتنا وصفنا نرحب بها.

■ العمل على إزالة أزمة الثقة بين قادة النوبة فى الحركة الشعبية التى لا حدود لها ، لتوحيد أبناء الولاية والخروج برؤية مشتركة وموقف موحد تأهباً في المرحلة المقبلة التي تتطلب التماسك وتوحيد الجهود لمصلحة شعب الولاية بدءًا بالعمل لإطلاق سراح اللواء تلفون كوكو المعتقل بجوبا ، وذلك تمهيداً للمصالحة التاريخية لقيادات جبال النوبة السياسية والعسكرية بين الفريق عبدالعزيز الحلو واللواء تلفون كوكو واللواء دانيال كودي واللواء إسماعيل خميس جلاب واللواء يوسف كرة من الجيل الأول للحركة الشعبية لتدارك الفشل الواضح للحركة الشعبية قطاع جبال النوبة الذي يمكن التوصل إليه عبر إنتخابات دوائر المجلس التشريعى بالولاية.

■ توجيه خطاب ونداء لكل الأطراف لتهيئة الأجواء المناسبة للحوار من خلال تفعيل العلاقات الاجتماعية ووقف المهاترات والتراشقات عبر الأنترنت وغيره على كآفة المستويات القيادية والقاعدية ، ووقف العدائيات وتبادل الإتهامات ، وخاصة النخبة القابضة على قنوات الخطاب النوبى والتى تسعى دوماً الى تلغيم أى علاقة إيجابية أو صحية بين أبناء جبال النوبة وتطفىء كل شموع الأمل فى نفق الإنقسام المظلم وبل تمادت الى درجة الإستهانة ، لعل ذلك يجسده التحذير من قبل البعض بعدم الخوض فى قضية إعتقال اللواء تلفون كوكو والتى أصبحت قضية رأى عام وحريات عامة ، وهو مسعى يؤيده أصحاب بعض المصلح الذاتية وهذا ما يجب وقفه.

■ فتح باب للحوار والتواصل مع كافة أبناء النوبة المثقفين من كتاب وصحفيين وإعلامين وطلاب وشباب لضمان المشاركة الفاعلة في عملية التنمية الشاملة بأبعادها السياسية والإعلامية والإجتماعية من خلال توصيل رسالة شعب جبال النوبة ، وإذكاء الإعتزاز والإنتماء النوبى الوطني لديهم وتمكينهم من المعرفة المنافسة الكفيلة بمحاربة ثقافة الخوف والتردد والحياد ، وكذلك ثقافة الغلوْ والتطرف ، وإستبدالها بالثقافة الإيجابية المنتمية للحس والولاء الوطنى والنوبى.

■ العمل على إعادة كل القيادات المفصولة عن الحركة الشعبية ومراجعة حالات الفصل الجماعى لكل المطالبين بالإصلاح داخل الحركة التي أصبحت تدار بالقوانين العسكرية والإستخباراتية والتي تحجم دور التفاعل المؤسسي لحياة التنظيم التي عطلت عبر إسقاط التوجيهات في شكل تعليمات للتنفيذ دون الإبداء بالرأى والتصرف فى شئون الولاية بفردية أشبه بالممالك والسلطنات دون إشراك الشعب فى شئونه ومصيره المجهول أصلاً .. ويجب أن تهتم الحركة الشعبية بقاعدتها العريضة والعمل على إستنفار كل الكوادر والمتعلمين وذوى الخبرات والتخصصات المختلفة بالخارج للعمل بالولاية والإهتمام بهم ، حتى لا يعكس فهم تفريط الحركة لقاعدتها العريضة وأبناء النوبة الآخرين بالإقصاء المتعمق والتهميش.



■ الإعتراف بالآخر وعدم ممارسة الإقصاء مهما إختلفت الرؤى حول أى قضية أو موضوع ما ، وتوفر الشفافية ووضوح الرؤية حول القضايا والموضوعات المطروحة للنقاش دون حجر أو حكر لأحد ، وإحترام الرأى والرأى الآخر والتباين فى وجهات النظر وعدم التكتلات القبلية الضيقه أو الحزبية والإستقطاب.

■ تقييم تجربة أبناء النوبة بالحركة الشعبية طيلة سنوات نضالهم ومناقشة كل الإخفاقات والسلبيات والإيجابيات وطرح أراؤهم بكل شفافية وصراحة تامة للخرج برؤى وقرارات واضحة بعد أن فشل السلام في تحقيق أهدافهم ، مستهلين بذلك العبر والدروس المستفادة من الماضي لأن ليس من العيب أن تخطئ ولكن من العيب أن تتمادى في الخطأ ، حتي تتم معالجة الأخطاء وسلبيات الماضى والعلل ووجه القصور.

■ ضرورة توصيف وتحديد مفهوم المشورة الشعبية الخاصة بجبال النوبة وإخراجها من نفق الضبابية والهلامية ، والتفاكر حول كيفية تطويرها وتعديل الفقرات الخاصة بوضعية أبناء الاقليم المقاتلين بالجيش الشعبى ، سواء المتواجدين فيما يسمى بحدود ستة وخمسين أو المتواجدين فى جنوب السودان خاصة فى ضوء إحتمال إنفصال الجنوب بحيث يحفظ لهؤلاء حقوقهم كما يجب أن تكون ضمن إقليمهم الذى قاتلوا من أجله.

■ جبال النوبة إقليم قائم بذاته له خصوصيته الجغرافية والديموغرافية وتراكماته التأريخية والسياسية المتباينة عن جنوب السودان مما يجعل الإلتصاق ( التناسخى ) لهذا الإقليم بالجنوب فى تفاصيل قضاياه شيئاً غير منطقى ومتناقض للواقع ، فلذا نرجو من قيادات الحركة الشعبية بجنوب كردفان فك إرتباط قضية جبال النوبة بالجنوب.



وفى الختام هذه مساهمة ورؤية متواضعة نطرحها لكم ولقيادات الحركة الشعبية بجنوب كردفان لدراستها والتشاور والتفاكر حول ما تحتويه وتهدف اليه كفرصة أخيرة لنا جميعاً كأبناء وسكان منطقة جبال النوبة ونأمل ان تجد منكم الإستجابة والإجماع حولها للخروج برؤى رغم الإختلاف بيننا فى المواقف والمنطلقات إلا إننا نحتاج لفرد مساحة لإدارة حوار بين كافة أبناء منطقة جبال النوبة حول مستقبل المنطقة ، حتى نتفق على الحد الأدنى بيننا فى المقاصد والأهداف الجوهرية لصالح شعب جبال النوبة لأنه أصبح جائز وأن نسعى له وإن إختلفت الوسائل لتحقيق ذلك لأن لكل منا طريقته ووسيلته ، للخروج بجبال النوبة من المأزق التاريخي والموقف الحرج بإعتبار أن نكون أو لا نكون ، حتى نعمل لتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة والمهازل فى جبال النوبة ، وذلك بخلق ثورة فكرية لتغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة حول النوبة وقضيتهم وحقوقهم المسلوبة ، يحركنا الشعور بالمسئولية الأخلاقية تجاه جبال النوبة الشعب والأرض والعرض ، ودفاعاً عن حقوقنا التى سلبت بواسطة المركز شمالاً وأختزلت بواسطة الجنوبيين جنوباً.



سدنى – استراليا ٢٥ يوليو ٢۰١۰ م

Post: #5
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: عثمان نواي
Date: 07-31-2010, 12:07 PM
Parent: #4

اااة

Post: #6
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 12:56 PM
Parent: #5

شكرا
اخي عثمان علي
المرور

Post: #7
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 02:19 PM
Parent: #6

الخاتمة الذي استلهم بة الدكتور عمر شريكان كتابة

كل مااملك هو صوتي
لكي بة ادحض الكذب البواح
الكذب الرومانسي في الدماغ
للرجل العادي في الشارع العام
وكذبة السلطة
التي بها يناطح عمرانها السماء
ليس هناك شئ اسمة الدولة
ولا يمكن ان يحيا الانسان وحدة
الجوع لايعطي الخيار
للمواطن او رجل الشرطة
ينبغي علينا ان نحب بعضنا بعضا او نفني

Post: #8
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 02:39 PM
Parent: #7

جبال النوبة ...الاثنيات واللغات
ادي تفاعل الاحداث في السنوات الاخيرة بخصوص مسالة the nuba question والتي ترمي بظلال كثيفة مشكل النزاع الدموي في السودان الي وضعها في بؤرة
الاحداث المحلية والاقليمية والدولية وكاي شعب اصيل امتلك النوبة حضارة انسانية عريقة ولعبوا دورا رائدا في النطاق الاقليمي الواسع الذي احاط بهم احاطة السوار بالمعصم
وذالك بحكم توسعهم الجغرافي حتي البحر الابيض المتوسط واتصالهم التجاري والسياسي بالامم المجاورة بيد انهم كانو حرصا علي الاشياء التي تميزهم عن غيرهم وبالتالي
حموا كيانهم الحضاري ولكن الي حين وعندما اشتدت بهم الاهوال والاوجال انتشروا في ارض السودان الشاسع وفي السودان ة وتفرقوا ايدي سبا ثم اسهموا اي اسهام في تفعيل تاريخ شرق افريقيا الحديث وعبروا المحيط الاطلسي
الي المكسيك لخوض حروب الاغيار

Post: #9
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 03:04 PM
Parent: #8

نحاول ازاحة الستار عن والقاء الضوء علي جذور وتاريخ واسرار مسالة النوبة وتدعيات ذلك علي امن واستقرار السودان فعلي الرغم من ان النوبة خاضوا حروبا ضاربة في الجبال وكل المواقع الحربية التي استبسل فيها الجيش الشعبي لتحرير السودان بما فيها جنوب السودان . الا ان الاعلام الغربي غالبا ما يختزل المشكل السوداني بانة نزاع شمالي جنوبي اذ ان مبتغي الانظمة الحاكمة في الخرطوم ضيق بحيث يتسع فقط لاعادة ارتداء اتفاق اديس ابابافي عام 1972 وزاد علية قليلا
وذالك تضيع حقوق سكان المناطق المهمشة الاخري الذين رفعوا السلاح اسوة باهل الجنوب وناضلوا معهم اي نضال وما بدلوا تبديلا .. ولكن بادي ذي بدء من هم النوبة

Post: #10
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 05:01 PM
Parent: #9

تستخدم لفظة النوبة لوصف الزنزج القاطنين في الواقعة الجغرافية المعروفة حاليا .ومن قبل بجبال النوبة في القطاع الجنوبي . الشرقي من اقليم كردفان
بجمهورية السودان . واذا استقرانا جغرافية وطبوغرافية منطقة جبال النوبة نجد انها تشتمل علي الحقائق التالية .تبلغ مساحة جبال النوبة في جنوب كردفان
حوال30000 ميلا مربعا

Post: #11
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 06:07 PM
Parent: #10

ان جمهورية جبال النوبة
تقع بين خطي 29. 31 درجة غربا وخطي طول 9.31 درجة شمالا كما انة ليس هناك تعداد سكاني للنوبة يمكن الاعتماد علية نسبة للظروف السياسية التي تمر بها البلاد والعباد
وتحدها من الشمال ولاية شمال كردفان ومن الشرق ولاية النيل الابيض والتي تشمل مناطق تابعة لجبال النوبة ومن جهة الجنوب الشرقي ولاية شمال اعالي النيل ومن جهة الجنوب الغربي
ولاية الوحدة
وتستخدم لفظ النوبيون لوصف اهل شمال السودان وحتي جنوب اسوان في مصر الذين مازالوا محافظين علي عاداتهم وتقاليدهم التليدة علي رغم من قساوة التاريخ و الجغرافيا عليهم فقد ذهب المؤرخون في تعريف كلمة النوبة
مذاهب شتي واتخذوا في سبيل ذالك طرائق قددا. فمنهم من قال ان الكلمة مشتقة من لفظة نوب nub التي تعني الذهب في اللغة الفرعونية القديمة ونحن نعرف شهرة بلاد النوبةبالذهب ابان العصور الفرعونية
اذا كان هذا المنطقة هي الوحيدة التي تغذي مصر بتلك الكميات الهائلة من الذهب فما زالت هناك اسرة في مدينة الدلنج تحمل اسم سرنوب اي سوار الذهب كما عربها النوبيون اهل الشمال ومنهم من قال ان الكلمة انحدرت
الينا عن طريق الكلمة القبطية anouba anobades بمعني يضفر وفي هذة الحالة يكون المعني نوبة ذو الشعر المضفر او المجعد ويقول بروكوبيبوس ان الامبراطور الروماني ديوكليشيان في فترة بين 284 /305
قد دعا نوباتا nobatae من الصحاري الغربية الخارجة واسكنهم في وادي النيل لكيما يوقفوا غارات البجة blemmyes والنوبة علي مصر العليا جنوب اسوان

Post: #12
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 08:39 PM
Parent: #11

غير ان هناك راي يقول ان كلمة نوباتا مشتقة من عاصمة نبتا napata يقول الدكتور عمر شريكان وانا نميل الي التكهن بان الكلمة ربما قد اشتقت من لفظة nubile التي تعني في الانجليزية
الفتاة البالغة سن الزواج ومن المعروف ان الاغريق استخدموا النوبيات

Post: #13
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 08:58 PM
Parent: #12

غير ان هناك راي يقول ان كلمة نوباتا مشتقة من عاصمة نبتا napata يقول الدكتور عمر شريكان وانا نميل الي التكهن بان الكلمة ربما قد اشتقت من لفظة nubile التي تعني في الانجليزية
الفتاة البالغة سن الزواج ومن المعروف ان الاغريق استخدموا النوبيات

Post: #14
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 07-31-2010, 10:58 PM
Parent: #13

ايا كان صوبا من هذة المشتقات غير ان الذي لا مراء فية هو ان ارض النوبيين في الشمال السودان كانت غنية بثروتها المعدنية من الذهب و الحديد وزمرد ونحاس وغيرها .فالنوبيين قوم تحدروا من
حضارات فار ضهم يفوح منها عبق التاريخ و النقوش تنطق بحضارتها كانت سائدة ثم بادت من جراء النكبات التي انتابت عالمهم في الازمنة الغابرة هاجرت مجموعات كبيرة من النوبيين من شمال
السودان نحو مناطق السودان المختلفة بما فيها جبال النوبة يواهم اللة في الارض وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا امنين الحجرات15/82

Post: #15
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 00:54 AM
Parent: #14

up

Post: #16
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 08:51 AM
Parent: #15

بيد ان اكبر هجرة جماعية حدثت لرعيا مملكة مروي في شمال السودان كانت في القرن الثالث الميلادي العام 325م بعد الحرب الشعواء والهزيمة النكراء التي سددها الملك عيزانا
ملك مملكة اكسوم الاثيوبية وفي استعراض بديع للتاريخ سجل عيزانا انتصاراتة في لوح محفوظ عثر علية الباحثون فيما بعد ودون عيزانا في سجلاتة ان النوبة الذين ناصبوة العداء كانوا نوعان
الحمروالسود ودارت جل معاركة مع اعدائة النوبيين حول نهر تاكيزي عطبرة حاليا اما الهجرة الثانية فتقول الروايات التاريخية انها بدات بعد سقوط مملكة علوة والدمار الذي اعقب الانهيار
ولعل عبداللة جماع قد قاد تجمع العرب حول الخرطوم وقام بالانقلاب علي سلطة المملكة التي طالما وفرت لهم الامن والطمانينة وسمحت لهم بممارسة شعائرهم الاسلامية علي رغم من ان المسيحية كانت ديانة
المملكة الرسمية .وقد اكتظت الطرق بجموع الفارين من سوبا عاصمة مملكتهم التي باتت هباءا منثورا حيث لم يطب بهم المقام في اربجي اي عرب بجي عرب قادمون

Post: #17
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 09:55 AM
Parent: #16

بيد ان اكبر هجرة جماعية حدثت لرعيا مملكة مروي في شمال السودان كانت في القرن الثالث الميلادي العام 325م بعد الحرب الشعواء والهزيمة النكراء التي سددها الملك عيزانا
ملك مملكة اكسوم الاثيوبية وفي استعراض بديع للتاريخ سجل عيزانا انتصاراتة في لوح محفوظ عثر علية الباحثون فيما بعد ودون عيزانا في سجلاتة ان النوبة الذين ناصبوة العداء كانوا نوعان
الحمروالسود ودارت جل معاركة مع اعدائة النوبيين حول نهر تاكيزي عطبرة حاليا اما الهجرة الثانية فتقول الروايات التاريخية انها بدات بعد سقوط مملكة علوة والدمار الذي اعقب الانهيار
ولعل عبداللة جماع قد قاد تجمع العرب حول الخرطوم وقام بالانقلاب علي سلطة المملكة التي طالما وفرت لهم الامن والطمانينة وسمحت لهم بممارسة شعائرهم الاسلامية علي رغم من ان المسيحية كانت ديانة
المملكة الرسمية .وقد اكتظت الطرق بجموع الفارين من سوبا عاصمة مملكتهم التي باتت هباءا منثورا حيث لم يطب بهم المقام في اربجي اي عرب بجي عرب قادمون

Post: #18
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 11:23 AM
Parent: #17

up

Post: #19
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 11:52 AM
Parent: #17

اتجهوا نحو الغرب وتفرقت بهم السبل وقد عثر علماء الاثار علي اثلر هذة المملكة التي اندثرتفي مناطق جبل موية

Post: #20
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 12:45 PM
Parent: #19

بين سنار وكوستي مما يعني امتداد نفوذ المملكة الي هذة المنطقة او تكون هذة الاثار قد خلفها قوم الهاربون بيد ان بعض المؤرخون يعزفون وجود النوبة في هذة الجبال الي حقب سحيقة
وحسبما ان نذكر في هذة الدراسة ان المؤرخ الاغريقي اليوناني هيرودوت تحدث ان جنود الاباق الهاربون وقد سماهم اشام وتعني التسمية في الغة اليونانية الذين يقفون سيار الملك لقد
فر هؤلا الجنود الذين بلغ تعدادهم 240000 شخصا واستقر بهم المقام في اثيوبيا السودان حاليا فلم تفلح معهم كل المحاولات التي لارجاعهم لوطنهم وزوجاتهم وابنائهم وفي غمرة هذة
المحاولات الميؤسة اشاراحدهم الي اعضائة التناسلية وقال مادام الذي هذة

Post: #21
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: عثمان نواي
Date: 08-01-2010, 01:07 PM
Parent: #20

Quote: لقد فتح الاخ ادم جمال جرحا غائرا في صدر جبال النوبة ظل ينزف علي مر العصور لم و لن يندمل باخوي و اخوك ، بالتأكيد الغصة تخنق كل ابناء جبال النوبة عند الحديث عن الارض فالمشاكل في هذا الملف علي قفا من يشيل و هذا الملف واحد من فتايل الازمة في جبال النوبة و واحد من الاسباب الحقيقية التي ادت بابناء الجبال الي حمل السلاح و لذا يجب علي مثقفي جبال النوبة النهوض بهذا الملف لحفظ حقوق ابناء جبال النوبة و ما لم يكن كوكو قبل الحرب فرق و كوكو اثناء الحرب فرق خالص و كوكو بعد الحرب فرق خالص خالص سوف لن تكون لهذا الكوكو قائمة و يا دنيا عليك سلام





كدي ناخد لي نفس لان الموضوع تراكماته كتيرة

وشكرا

ابراهيم يوسف هدو

السودان

الخرطوم

Post: #22
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 01:18 PM
Parent: #21

اخي عثمان
من عبرك اشكر الاخ ابرهيم
وكل من يغير علي ارض اجدادة
نعم اخي الصراع صراع الارض
لم نهون في ارض اجدادنا
نحن ندرك تماما بعبس الذي ينتهك ضد اهلنا
العزل ولكن نحن لهم بلمرصد لم نتهاون ابدا ياخي عثمان
شكرا علي مرورك

Post: #25
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: بريمة محمد
Date: 08-01-2010, 05:52 PM
Parent: #22

ناصر
سلامات ..
Quote: المادة (12)

العلم: - يرمز إلى العزة والكرامة لشعب جبال النوبة الأصلى.

ألوان العلم:

• اللون الأسود: يرمز إلى الأرض وشعب جبال النوبة الأصلي.

• اللون الأبيض: يرمز إلى السلام والتسامح والمحبة.

• اللون الأحمر: يرمز إلى دماء الشهداء والمناضلين.

• اللون الأخضر: يرمز إلى الزرع والنماء والطبيعة.

• اللون الأزرق: يرمز إلى المياه.

• اللون الأصفر: يرمز إلى الموارد و الثروة.

• النجوم: ترمز إلى العلا والمجموعات اللغوية العشرة.

• الأهرامات: ترمز إلى حضارة شعب النوبة وجبالها.

الـــــــخــــــاتــمــــــة:
تذكر العلم الذى (نجرته) للمنطقة وأنت علقت عليه .. ياهو الجماعة تبنوه .. إذن أنا من المؤسسيين للفكرة وبدون ما أكون حاضر ..

أدم جمال ظهر فى مقال الأرض غير داعى للتسامح فى المنطقة ..


بريمة

Post: #26
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 07:51 PM
Parent: #25

Quote: تذكر العلم الذى (نجرته) للمنطقة وأنت علقت عليه .. ياهو الجماعة تبنوه .. إذن أنا من المؤسسيين للفكرة وبدون ما أكون حاضر ..

أدم جمال ظهر فى مقال الأرض غير داعى للتسامح فى المنطقة ..


بريمة

اخي بريمة
شكرا علي مرورك
ان الحقائق الذي ذكرة الاخ ادم جمال حقئق مريرة لشعب نوبة العظيمة لكنني اخي اؤكد لك
ان شعب نوبة صاحية علي كل الانتهكات التي تمارس ضدهم
ولكننا يوم غدا لناظرة قريب

Post: #71
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-08-2010, 06:40 PM
Parent: #25

up

Post: #23
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: عثمان نواي
Date: 08-01-2010, 05:44 PM
Parent: #20

Quote: لقد فتح الاخ ادم جمال جرحا غائرا في صدر جبال النوبة ظل ينزف علي مر العصور لم و لن يندمل باخوي و اخوك ، بالتأكيد الغصة تخنق كل ابناء جبال النوبة عند الحديث عن الارض فالمشاكل في هذا الملف علي قفا من يشيل و هذا الملف واحد من فتايل الازمة في جبال النوبة و واحد من الاسباب الحقيقية التي ادت بابناء الجبال الي حمل السلاح و لذا يجب علي مثقفي جبال النوبة النهوض بهذا الملف لحفظ حقوق ابناء جبال النوبة و ما لم يكن كوكو قبل الحرب فرق و كوكو اثناء الحرب فرق خالص و كوكو بعد الحرب فرق خالص خالص سوف لن تكون لهذا الكوكو قائمة و يا دنيا عليك سلام





كدي ناخد لي نفس لان الموضوع تراكماته كتيرة

وشكرا

ابراهيم يوسف هدو

السودان

الخرطوم

Post: #72
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-09-2010, 09:20 AM
Parent: #23

up

Post: #24
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: عثمان نواي
Date: 08-01-2010, 05:44 PM
Parent: #20

Quote: لقد فتح الاخ ادم جمال جرحا غائرا في صدر جبال النوبة ظل ينزف علي مر العصور لم و لن يندمل باخوي و اخوك ، بالتأكيد الغصة تخنق كل ابناء جبال النوبة عند الحديث عن الارض فالمشاكل في هذا الملف علي قفا من يشيل و هذا الملف واحد من فتايل الازمة في جبال النوبة و واحد من الاسباب الحقيقية التي ادت بابناء الجبال الي حمل السلاح و لذا يجب علي مثقفي جبال النوبة النهوض بهذا الملف لحفظ حقوق ابناء جبال النوبة و ما لم يكن كوكو قبل الحرب فرق و كوكو اثناء الحرب فرق خالص و كوكو بعد الحرب فرق خالص خالص سوف لن تكون لهذا الكوكو قائمة و يا دنيا عليك سلام





كدي ناخد لي نفس لان الموضوع تراكماته كتيرة

وشكرا

ابراهيم يوسف هدو

السودان

الخرطوم

Post: #106
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-30-2010, 11:10 AM
Parent: #24

..............

Post: #27
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 08:36 PM
Parent: #20

فسيكون لي زوجات وابناء اينما ذهبت هذة هي الهجرات التي لها علاقة عضوية بوجود النوبة في منطقة الجبال والمجموعات اخري في شمال دارفور هي الميدوب والبرقد واخري استوطنت في شمال كردفان
فيما تعرف بالجبال البحرية وذالك قبل دخول العرب والاسلام الي السودان فما هي تلك الجبال وما الذي حدث للنوبة في هذة الديار
تضم تلك الجبال البحرية جبل حرازة ابوحديدة امدراق كاجا كاجا السروق كاجاالحفر كاجاسودري كتول ابوطبرة الاضية العفاريت العطشان وتنتمي هذة المجموعة البشرية الي قبيلة العنج
anag وتقول السيرة الشعبية في جبل حرازة ان اهل ابوكنعان الذين تربطهم صلة بالعنج قد عاشوا في ديارهم في عهد الرسل الذين سبقوا بعث الرسول ص اي قبل ظهور الاسلام وكانوا اثرياء اشداء وقد هلكوا في مساكنهم بسسب الفاقة

Post: #28
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 10:29 PM
Parent: #27

up

Post: #29
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-01-2010, 10:37 PM
Parent: #28

up

Post: #30
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 00:22 AM
Parent: #29

up

Post: #31
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 01:52 AM
Parent: #30

up

Post: #32
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ابراهيم عدلان
Date: 08-02-2010, 02:05 AM
Parent: #31

شكرا ناصر الاحيمر


جنوب كردفان

(another Darfur in the making)

Post: #33
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: cantona_1
Date: 08-02-2010, 02:57 AM
Parent: #32

Quote:
جنوب كردفان

(another Darfur in the making)


يا إبراهيم عدلان كلامك غلط.. نحن في جبال النوبة نجاهد جهاد مدني وتاني حرب مافي. حقنا بنقلعه بأخوي وأخوك وما بنخرب ديارنا بإيدنا
دي تلقوها عند الغافل... ولا أنا غلطان يا الإحيمر؟


(العوج راي والعديل راي)

Post: #34
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ابراهيم عدلان
Date: 08-02-2010, 03:04 AM
Parent: #33

Quote: يا إبراهيم عدلان كلامك غلط.. نحن في جبال النوبة نجاهد جهاد مدني وتاني حرب مافي. حقنا بنقلعه بأخوي وأخوك وما بنخرب ديارنا بإيدنا
دي تلقوها عند الغافل... ولا أنا غلطان يا الإحيمر؟



(العوج راي والعديل راي)



من هم الذين يلقونها عند الغافل و في اي رهط صنفتي يا هداك الله ؟

Post: #35
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: عثمان نواي
Date: 08-02-2010, 05:49 AM
Parent: #34

Quote: يا إبراهيم عدلان كلامك غلط.. نحن في جبال النوبة نجاهد جهاد مدني وتاني حرب مافي. حقنا بنقلعه بأخوي وأخوك وما بنخرب ديارنا بإيدنا
دي تلقوها عند الغافل... ولا أنا غلطان يا الإحيمر؟


(العوج راي والعديل راي)


كلام يا زول ...صرامه بروح مدنية عالية
نحن دعاة حوار ولسنا دعاة حرب
شكرا ليك يا صارم
غايتو... ح نتلاقي

Post: #36
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: عثمان نواي
Date: 08-02-2010, 08:03 AM
Parent: #35

شكراً الأخ .. عثمان نواى

وشكراً الأخ ناصر

الحقوق تتنزع وليست هبات تعطى

وشعب بلا أرض .. شعب بلا هوية

ونحن دعاة سلام وتعايش .. وليس دعاة حرب .. ولكن فى موضوع ملكية الأرض لا يوجد تسامح .. ولكن باب الحوار مفتوح.







شكراً الأخ ابراهيم يوسف على المداخلة .. لأن الحديث عن الأرض جرح غائر فى نفوس أبناء جبال النوبة .. وهذا فيض قليل من كثير وهناك الكثير .. والصراع حول الملف كبير وشائك والبحصل بخصوص الأرض مخطط كبير وإستهداف دولة.





شكراً الأخ بريمة .. ونحن بدورنا نرحب بيك وألف حبابك مرحباً ونعتبرك من دعاة المؤسسين للتعايش السلمى والحوار فى المنطقة .. ونعتبركم وكل المثقفين فى جبال النوبة خميرة وعى .. ونحن دعاة سلام بالرغم جوانا الكثير من المرارات .. ومسامحين كثير لكن فى موضوع ملكية الأرض صعبة شوية .. ولكن برضو باب الحوار مفتوح ..



الأخ ابراهيم عدلان

ما تشوف الخلط وتتدارى منه .. لأنو العرجاء لمراحا .. فالأحسن قول الصح وبعدين نتفق .. فجبال النوبة ليست دارفور أخرى وانت عارف كويس كده.







cantona_1 شكرا الأخ ...

والله كلامك ما غلط وده النصيحة نحن نؤكد الحقوق تتنزع ونحن نجاهد ليها جهاد مدنى .. لكن تانى حرب فى جبال النوبة ما ندورها عشان ما نحرق الباقى الفيها .. وعشرتنا لأخوانافي جبال النوبه .نثبت حقوقناوبعد ده نشوف



Post: #37
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 08:07 AM
Parent: #35

Quote: شكرا ناصر الاحيمر


جنوب كردفان

(another Darfur in the making


اخي عدلان
اشكرك علي المرور
افيدك يا اخي نحن شعب نوبة شعب الاسلام
لقد صبرنا قرون منذ منذ وصول شعوب
الي ارض اجدادنا ومازال نحن صابرين
ان حال شعوب النوبة ووضعهم الحالي تثبت ذالك
ولكن اخي لصمت حدود ولكننا سنطالب بحقوقنا بحوار
في الوقت الذي ترفض المركز الحوار
ولاندري الي اين تتجة الحوار

Post: #38
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 08:14 AM
Parent: #37

اخي canton
اشكرك علي المداخلة

حقا نحن شعب السلام
سناخذ حقوقنا بحوار
بارغم ادركنا ان المركز دائما ترفض الحوار

Post: #39
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 08:16 AM
Parent: #38

شكرا
اخي عثمان
الكل يدرك ان شعب النوبة شعب السلام

Post: #40
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 09:24 AM
Parent: #39

up

Post: #41
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 01:38 PM
Parent: #40

up

Post: #70
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-08-2010, 03:09 PM
Parent: #40

up

Post: #42
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 06:13 PM
Parent: #27

ان موطني جبل حرازة كانوا حتي العام 1857م يتكلمون لغاتهم النوباوية ويمثل لغة حرازة مع اعتبار الوضع الجغرافي الحلقة المفقودة بين لغات البرابرة في نهر النيل
والبرقد والميدوب والالسن ذات المقاربة في شمال وشمال وسط دارفور .كما انة من المعلوم ان البرقد كان يمثل العرق السائد في جبال كاجا في شمال كردفان خلال القرن السادس عشر
الميلادي واحفادهم في دارفور ويذكر ان لهم نسب وحسب مع الميدوبولغتهم ذات صلة وثيقة بلغات البرابرة في شمال السودان وفي عام 1911م خط داؤد جبارة بن سليمان مسودة تاريخية اورد فيها ان جبل
عبد الهادي الذي يقع بين دنقلا وكردفان كان عاصمة القديمة لمملكة النوبة وضمت المملكة فيما فيما ضمت النوبيين في نهر النيل ومهما يكن من امرة فقد امست المسودة مادة دسمة للنقاش لدي ماكما يكل الذي كتب تاريخ
العرب في السودان

Post: #43
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 06:24 PM
Parent: #42

كما ذهب البعض قولا ان مدينة بارا هي العاصمة الثانية للنوبة بعد دنقلا ولعل العثور علي علي النقوش في شمال جبل ابونجيلة في شمال كردفان يؤكد ماذهب علية داؤاد وقد احتوت النقوش
فيما احتوت علي رسوم الحيوانية والصلبيين من الكنيسة الارثوذكسية ومخطوطة كتبت بالغة النوبية حيث ترجمت علي نحو التالي انا انينا من كوش حينما كان هارون ملكا يبدو ان ناحت
هذة النقوش كان متعلما فخورا كان ثم متباهيا بمملكتة مروي وملكها هارونالذي ربما اتخذ هذة المنطقة ملجا لة عندما تهاوت المملكة في وجة الملك عيزانا

Post: #44
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 09:12 PM
Parent: #43

up

Post: #45
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 09:31 PM
Parent: #44

لقد فتح الاخ ادم جمال جرحا غائرا في صدر جبال النوبة ظل ينزف علي مر العصور لم و لن يندمل باخوي و اخوك ، بالتأكيد الغصة تخنق كل ابناء جبال النوبة عند الحديث عن الارض فالمشاكل في هذا الملف علي قفا من يشيل و هذا الملف واحد من فتايل الازمة في جبال النوبة و واحد من الاسباب الحقيقية التي ادت بابناء الجبال الي حمل السلاح و لذا يجب علي مثقفي جبال النوبة النهوض بهذا الملف لحفظ حقوق ابناء جبال النوبة و ما لم يكن كوكو قبل الحرب فرق و كوكو اثناء الحرب فرق خالص و كوكو بعد الحرب فرق خالص خالص سوف لن تكون لهذا الكوكو قائمة و يا دنيا عليك سلام





كدي ناخد لي نفس لان الموضوع تراكماته كتيرة

بعد ما اخدنا شوية نفس كدي نحاول نخش في الموضوع شوية شوية

اولاً :- حكاة الارض في السودان بدأن منذ عهد المستعمر بداية بعام 1905 حيث صدر قانون تنظيم الاراضي و قد اهتم هذا القنون في مجمله بمحاولة وضع حدود للمديريات و الديار امثال دار حمر و دارفور و دار جنقي

ثانيا:- صدر قانون ثاني لتنظيم لاراضي الذي قضي بالسماح لملاك الارض بتسجيل اراضيهم رسميا لدي الحكومة و كذلك قضي بتسجيل الحكومة لاراضي بور غير مأهولة بعد بالتأكد من عدم ملكيتها بواسطة احد

ثالثا:- جاء القانون قاصمة الظهر الذي بملكية الحكومة لاي اراضي غير مسجلة سواء اكان لها ملاك ام لا

رابعا :- صدر قانون اخير لتنظيم الاراضي سنة 1984

الغي قانون 70 الا الجزئي الخاصة بايلولة ملكية الارض الغير مسجلة للحكومة


و تاني ناخد نفس

ابرهيم يوسف

Post: #46
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 10:36 PM
Parent: #45

Quote:


كدي ناخد لي نفس لان الموضوع تراكماته كتيرة

بعد ما اخدنا شوية نفس كدي نحاول نخش في الموضوع شوية شوية

اولاً :- حكاة الارض في السودان بدأن منذ عهد المستعمر بداية بعام 1905 حيث صدر قانون تنظيم الاراضي و قد اهتم هذا القنون في مجمله بمحاولة وضع حدود للمديريات و الديار امثال دار حمر و دارفور و دار جنقي

ثانيا:- صدر قانون ثاني لتنظيم لاراضي الذي قضي بالسماح لملاك الارض بتسجيل اراضيهم رسميا لدي الحكومة و كذلك قضي بتسجيل الحكومة لاراضي بور غير مأهولة بعد بالتأكد من عدم ملكيتها بواسطة احد

ثالثا:- جاء القانون قاصمة الظهر الذي بملكية الحكومة لاي اراضي غير مسجلة سواء اكان لها ملاك ام لا

رابعا :- صدر قانون اخير لتنظيم الاراضي سنة 1984

الغي قانون 70 الا الجزئي الخاصة بايلولة ملكية الارض الغير مسجلة للحكومة


و تاني ناخد نفس

ابرهيم يوسف


اخي ابرهيم
حقيقا موضوع الارض من المواضيع الهامة
كل مشاكل السودان انفجرت بموضوع الارض
نتمني ان تدرك الحكومة الي حقيقة

Post: #47
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 11:32 PM
Parent: #46

اخي ابرهيم
حقيقا موضوع الارض من المواضيع الهامة
كل مشاكل السودان انفجرت بموضوع الارض
نتمني ان تدرك الحكومة الي حقيقة

Post: #48
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-02-2010, 11:57 PM

up

Post: #49
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-03-2010, 00:21 AM
Parent: #48

up

Post: #50
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-03-2010, 07:17 AM
Parent: #49

up

Post: #51
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-03-2010, 10:50 AM
Parent: #50

up

Post: #52
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-03-2010, 09:06 PM
Parent: #51

up

Post: #53
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: Kabar
Date: 08-03-2010, 11:02 PM
Parent: #52

Quote: ولكن لقد تسارعت الأحداث بتأسيس الجلابة أصحاب مشاريع الزراعة اآلية والبقارة الرعاة حلفاً مؤقتاً يستند الى قوة السلاح ، والتى كانت ممثلة فى ( مليشيات المراحيل والفرسان ) التى إندمجت فيما بعد لتكون ( كتائب الدفاع الشعبى ) لتشريد سكان المنطقة والإستيلاء على أرضهم ، فلذلك أن من أخطر إفرازات الحرب الأهلية فى منطقة جبال النوبة هو هيمنة قيادات المليشيات الميدانية على المجالس الإدارية وسيطرتها على إنتخابات المؤسسات السياسية والتشريعية ( المحلية والإقليمية والقومية ) ، لقد كانت هذه التغيرات نقطة تحول أخرى فى سلسلة إختلال ميزان القوى بين قبائل النوبة وعرب البقارة ، والتى حدثت تحت تأثير قانون الحكم الشعبى المحلى الصادر عام ١۹۷١ م ، وإعادة بناء الهياكل الإدارية فى المنطقة وتأسيس وحدات الإتحاد الإشتراكى خلال حقبة حكم الرئيس الأسبق جعفر نميرى ( ١۹٦- ١۹٨٥ م ) ، وهى نقطة التحول الأخرى التى تمكنت فيها القبائل العربية فى المنطقة لأول مرة من ترجمة وجودها الى وحدات إدارية معترف بها من قبل السلطات المركزية ، وتنظيم نفسها سياسياً فى المنطقة بشكل رسمى


صديقي ادم جمال..حبابك
توقفت عند هذه الجزئية..ووردت في خيط أخر (افتتحه الصديق ناصر و فيه مقال لك)..
اصحاب المشاريع الألية لم يكونوا في حوجة لحلف مع البقارة بقوة السلاح..و انما كانت تسندهم الدولة بكل الياتها و عتادها..و انت اعلم الناس يا صديقي.. انتزاع الأراض في اواخر الستينات و بداية السبعينات ..كانت تسنده ألية الحكومة و قواتها النظامية..و هو السبب الأساسي الذي دعى بعض الإخوة من جبال النوبة الإنضمام للحركة الشعبية..

كتائب الدفاع الشعبي لم تكن مقصورة فقط على ابناء البقارة أو ما يسمى بالقبائل العربية..و انما كانت شاملة و فيها البعض من الإخوة من جبال النوبة و كلهم كانوا مغشوشين و مخدوعين من قبل الحكومة..ولا اظن أن عاقل يصدق بأن بعض من ابناء النوبة (مليشيات الدفاع الشعبي) كان يقاتل بعض من اهله لحيازات اراضيهم..و اقتلاعها منهم..و فوق ذلك أنت اعلم الناس يا صديقي حينما تم توزيع الأراضي كمشاريع في المنطقة .. لم تكن هناك ميلشيات دفاع شعبي أو غيره.. لأن اتلك المليشيات تكونت في اواخر الثمانينات..تحديدا بعد 1989..

نعم المرارات حدثت يا صديقي..و علاجها يحتاج الصبر الكبير..و من المعالجات تسمية الأشياء باسمائها الصحيحة..
نعم تكونت المليشيات..و تكوينها خطأ فادح..و لكنها لم تكن لها علاقة بملكية الأرض..
نعم تم انتزاع بعض من اراضى اهلنا النوبة..و ذلك ظلم كبير يحتاج لمعالجة عاجلة..

صحيح في السابق لم تكن لبعض من ابناء و بنات الولاية القدرة الإقتصادية ( و هي الحيلة الكانوا بيغشونا بيها ناس الحكومة في الخرطوم)..و لكن اليوم الأوضاع تغيرت كثير..و معك نطالب بتصحيح الأوضاع القديمة..وبالنسبة للأوضاع الجديدة.. نطالب بأن يكون لأبناء الولاية و بناتها نصيب كبير في أي خطة لتوزيع الأراضي سواء بغرض الإستثمار..أو اراضي تجارية أو سكنية..
تكوين الرأي العام الإيجابي عليه أن يستهدف مؤسساتنا المحلية ( بالرغم رأينا فيها جميعا)..مثل المجلس التشريعي الولائي..و مفوضية الأراضي..و نوابنا في البرلمان القومي.. لأن مثل هذه القضية لا تحتمل التأجيل..

و دمتم جميعا..
كبر

Post: #54
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: cantona_1
Date: 08-03-2010, 11:09 PM
Parent: #53

الأخ كبر

لو أردت الكتابة لما كتبت أكثر ولا أفضل مما أوردت أنت.
نحن الفينا مكفينا.. ولا اريد أخواننا من أبناءالنوبة يفهمون الحكاية غلط ويرمون باللوم على قبائل البقارة في الجبال.
البقارة والنوبة في خندق واحد. وكلهم مظلومين.. هنا الإتحاد واجب من أجل المصلحة العليا.
لكن إن تفرقنا أيدي سبأ سنندم ندامة الكسعي.. حيث لا ساعة آت لمندم. ونكون كمن طبز عينه بأصبعه.
والعرب قالت: الضربتا أيدا ما بكى.

عليه فلنكن نحن والنوبة وكل سكان ولاية جنوب كردفان يداً واحدة لننتزع حقنا من فك الأسد بقوة القانون لا بقانون القوة.
والله الموفق.

(العوج راي والعديل راي)

Post: #55
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: Kabar
Date: 08-03-2010, 11:18 PM
Parent: #53

Quote: جنوب كردفان

(another Darfur in the making)


ابراهيم..حبابك يا صديق
كتر خيرك على هذا التنبيه..و لكن..!
انسان جنوب كردفان ، و بكل مكوناته الإثنية ، تعلم جيدا من دروس الحرب..و الجميع هناك يعلم اليوم تمام العلم أن تجربة الحرب و التي كان عمرها ربع قرن..لم يستفيد منها احد في المنطقة..و انها كانت ضد مصالح المنطقة..فلا احد هناك يرغب في تكرار الأزمة..
صحيح حدثت نزاعات دموية متفرقة منذ العام 2005..و تلك النزاعات كانت مصنوعة و ابناء و بنات المنطقة كانوا يدركون ابعادها جيدا.. فكان الإجتهاد المستمر لإحتوائها و تحجيم أثارها..
صحيح ناس المؤتمر الوطني كذابين.. لكن في المنطقة مصالح جوهرية لا يرغب احد في فقدانها أو المراهنة على ضياعها عن طريق المغامرة..!

لن تكون جنوب كردفان دارفور اخرى (مع انها كانت اظرط من دارفور في السابق)..لأن كلما تحدث ابنائها بموضوع معين.. اليوم التاني بتلقي الحكومة بتصلح في الخطأ..ولا نعتقد أن الحال اصبح مثاليا كما نبغي كمواطنين من الولاية..و لكن كحال ولاية خارجة من الحرب المباشرة .. فاننا نعتقد أن هناك الإيجابي..!
نعم سوف نتحدث في حقوق اهلنا المشروعة.. علاقات ملكية الأرض..حقنا في صناعة البترول..شوية الشوارع الغشونا بيها..المشورة الشعبية..و نغالط اولادنا و بناتنا المشوا في الإنتخابات السابقة للبرلمانات.. لكن في النهاية كلنا مقتنعين أن اي صوت يمرق مننا هو من اجل المنطقة و اهلنا.. مهما احتدينا في النقاش و المناورات.. فلن نعود لطريق الحرب.. لأننا عرفناها و عرفنا مآسيها..!
المؤتمر الوطني فرض علينا الحرب و الإقتتال من قبل..و هذا لن يتكرر..!

كتر خيرك يا ابراهيم..
كبر

Post: #56
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-04-2010, 11:15 AM
Parent: #55

اخي كبر
نحن نحترم كل الاثنيات في جبال النوبة
لم يكن يوما النوبة اعداء
كل اخونهم الاثنيات الغير نوبية
ولكن من المؤسف جدا هناك حروقات كتيرة جدا
من الاخوة العرب ضد اهلنا النوبة
في الوقت انهم لم يدركوا انهم ضحايا الجلابة
وفي الاخير كلنا ضحايا
ونتمني ان يدرك اخواننا ذالك جيدا
وكل من يعتقد بانهم سيحقون شعب نوبة هو واهم
.......التنبية التي اريد ان اركز فية ان الخروقات التي تاتي
من الاخوة المثقفين وضحايا هم الاخوة الضعفاء

Post: #57
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-04-2010, 05:07 PM
Parent: #56

up

Post: #58
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-04-2010, 08:47 PM
Parent: #57

up

Post: #59
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-05-2010, 04:42 PM
Parent: #58

up

Post: #60
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-05-2010, 10:09 PM
Parent: #57

up

Post: #61
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-06-2010, 09:07 AM
Parent: #60

up

Post: #102
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-28-2010, 02:57 PM
Parent: #60

المشورة الشعبية ... وما أدراك ما المشورة

بقلم/ الهادى قدال

المشورة الشعبية إستحقاق دستورى تم تضمينه فى الدستور الإنتقالى وهو العمود الفقرى لبرتوكول جبال النوبة / جنوب كردفان بالإضافة إلى منطقة النيل الأزرق.

لذا لا بد من ممارستها فى إطارها الزمانى والمكانى المحددين. ندرك أن المشورة الشعبية لا تلبى مطالب وتطلعات شعبى جبال النوبة والنيل الأزرق إطلاقاً. دعنا نتمعن فى العبارة أى المشورة الشعبية ، فهذه العبارة لا وجود لها لا فى مصطلحات القانون لا فى القاموس السياسى. العبارة حمالة أوجه ، يمكن أن لا تعنى أى شئ ، ويمكن أن تعنى جملة أشياء مختلفة. لاندرى لماذا هذه العبارة المبهمة بالذات. ألم يفتح الله عليهم بعيارة ذات معنى ومضمون محددين؟ أم هى فلسفة الزوغان ونقض العهود والإتفاقيات؟ العبارة أتت عن قصد ولم تات عفواً.

هنالك نقطة أخرى فى هذا الشأن. إذا كانت إتفاقية السلام الشامل ستنتهى بإنجاز أخر بند من بنود الإتفاقية وهى إجراء إستفتاء شعب جنوب السودان فى خيارى الوحدة أو الإنفصال ، فأى إتفاقية سلام سيقيمها شعب جبال النوبة. أما إذا كانت حققت تطلعاتهم ومطالبهم أم لا؟ والبرتوكول يطالب شعب جبال النوبة باللجو إلى مجلس الولايات فى الخرطوم إذا ما أختلف النوبة مع الحكومة المركزية. والسؤال هنا – ماهى سلطة مجلس الولايات؟ إنه مجلس أكل عيش لا أكثر. ولله فى خلقه شؤن.

إرث المؤتمر الوطنى أو الإسلام السياسى عامة هو نقض العهود والمواثيق والإتفاقيات. فها هم بالأمس رفضوا حكم لجنة الخبراء فى شأن منطقة أبياى ، واليوم يحالون الخروج على حكم هيئة التحكيم الدولية بعد أن قبلوه بلا أى تحفظ. المؤتمر الوطنى بعد أن تأكد بأن الجنوب ذاهب لا محال ، يحاول دفع الجنوبيين لإعلان إستقلالهم من البرلمان أى مجلس التحرير. وبعدها الشمال سوف لن يعترف بذلك الإستقلال. وستكون حجتهم هى أن إتفاقية السلام الشامل لم تنص على إعلان البرلمان بل نصت على إعلان شعب جنوب السودان لمصيره.

الغرض والقصد من كل ذلك هو حفظ ماء الوجه للسيطرة على الجزء المتبقى من الوطن شمالاً وغرباً وشرقاً. وقد تقود الأحداث إلى المربع الأول أى الحرب بالرغم من قناعتى بأن المؤتمر الوطنى أضعف من أن يحارب ، لأن المناخ السودانى والإقليمى والدولى ضد هذا المؤتمر اللا وطنى. فقد فرطوا فى وحدة تراب البلاد من أجل قوانين سيئة السمعة.

ما يسمونها بالشريعة الإسلامية هى أكبر وصمة عار على جبين السودان. كان ينبغى رميها فى مزبلة التاريخ. هذه الشريعة هى فى الحقيقة شريعة الإغتصاب ، شريعة العنصرية والتطهير العرقى ، شريعة السطو على المال العام ، شريعة سوق المواسير، أنها لشريعة الشيطان لابد لها أن تذهب لينبثق فجر الوحدة لنأتى بشريعة السلام والحرية والساواة ، شريعة دولة المواطنة وحكم القانون ، شريعة الدين لله والوطن للجميع. لنعيش شريعة أن تذهب المدينة إلى الريف لا أن ينزح الريف إلى أطراف المدينة.

مـــا هــنت يا ســـــوداننا يومــــاً عـــلينا

وأيضاً نرى فى شأن الوحدة أن بعد إلغاء قوانين الشريعة البطالة كما جاء على لسان جعفر نميرى . نرى فى شأن الوحدة الحل الناجع فى تسليم المشير الأقرع. تسليم البشير واجب وطنى لحماية وحدة التراب السودانى. مثلث عبدالرحيم حمدى هو مثلث البشير وهو مثلث المؤتمر الوطنى ، إن أتى من عبدالرحيم حمدى فذلك إن حمدى سليل الغزاء لا يعرف للوطن قيمة ، وهو لا يشبه السودان لا تراب السودان ولا أهله. والرجل لا يستحى فهكذا يكون أمثاله.

المشورة الشعبية تعنى لدينا حق شعب جبال النوبة للإختيار بين حق تقرير المصير والكونفدرالية. دماء شعب النوبة وأرواحهم لم تزهق لما يسمونه تطلعات وحقوق فى برتوكول جبال النوبة الفارغ من المعنى المضمون. ونحن مع المشورة الشعبية بفهم واسع وجامع ، إلا هو المشورة الشعبية فى الخيار بين الإنفصال والكونفدرالية أو وحدة كافة الأراضى السودانية تحت رؤية السودان الجديد بالرغم أن هذا الخيار الأخير أصبح فى حكم المستحيل ما لم يتم تسليم المشير ، فليذهب المشير وشريعته إلى الجحيم .

أما عن نداء جبال النوبة ، فى تقديرنا هو صوت العقل فى زمن المحنة. النداء بمثابة صرخة شهداء الجبال فى وجوهنا. حرب الواحد وعشرون عاماً لم تنجز المهمة على الشكل الأكمل. دماء كثيرة سالت وتضحيات غالية من الأرواح دفعت مهراً لحرية شعب جبال النوبة ، لكن أين هذه الحرية؟ أهى فى قانون المشورة الشعبية بالشكل المتداول؟ ألهذا دفعنا كل ذلك الثمن الغالى من الأرواح والدماء؟

المهمة لم تنجز بالشكل الأكمل وعلينا إنجاز المهمة ، لننجزها بشكل حاسم وكامل ونهائى هذه المرة. فلتكن هذه المعانى هى محتوى النداء ، نداء جبال النوبة - وبناءً على هذا النداء علينا الأتى :-



1) توحيد كيان النوبة وتنظيم الصفوف.

2) جمع أكبر قدر ممكن من الدعم المالى بمبداء الإعتماد على الذات.

3) تشجيع ومساعدة أخواننا وأخواتنا النازحين على العودة إلى قراهم فى الجبال.

4) التوعية والتعبية السياسية والإجتماعية والعسكرية لكافة قواعد النوبة تحوطاً للإحتمال الأسواء.

5) وضع كافة البدائل فى حالة عدم السماح بممارسة المشورة الشعبية أو عدم تلبية المشورة لمطالب شعبنا فى حق تقرير المصير أو الكونفدرالية.

أهم الخطوات المهمة والضرورية لإنجاح المشورة الشعبية بمعناها الشامل والمحدد – هو أن يقوم الرئيس البشير بسحب وإبعاد السيد أحمد هارون والى ولاية جنوب كردفان / جبال النوبة قبل أجراء المشورة الشعبية. وذلك أحتراماً لشعب ولاية جنوب كردفان / جبال النوبة ومرعاة لمشاعر أهلنا فى إقليم دارفور عامة وأسر ضحايا الإبادة الجماعية والإغتصاب الجماعى وضحايا كافة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وهذا الإعتداء وقع على مواطنين سودانيين أعزاء وشركاء فى الوطن.

دعنا نسأل سؤال – لماذا لم يعين الرئيس البشير السيد أحمد هارون والياً لولاية نهر النيل أو معتمداً لمحلية حوش ود بانقا مسقط رأس البشير؟! لماذا يرمون الزبالة فى جبال النوبة ، ولماذا يخفون الهاربين من العدالة الدولية فى جبال النوبة؟

إذا لم يسحب البشير السيد أحمد هارون من ولاية جنوب كردفان / جبال النوبة ، فعلى سكان المنطقة القبض عليه وتسليمه للعدالة الدولية.

أرى تحت الرماد وميض نار ** أخشى أن يكون لها ضرام
أن النار بالعـودين تزكى ** والحرب أولها كــلام

ولنا عودة.

الهادى قدال
[email protected]
نأسسيبسيس

Post: #62
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-06-2010, 01:23 PM
Parent: #43

ويعود التمازج العرقي في جبل حرازة الي اوائل القرن الثامن عشر الميلادي حينما هاجرت من الركابية من منديرا في النيل الازرق واستوطنوا في المنطقة بعدما
اخرجوا اهلها من ديارهم بغير حق وتزاوجوا مع بعضهم بعضا ثم جاء الفوج الثاني من الركابية الذي بلغ اكثر من 70 شخصا الي جبل حرازة بعد المعارك التي دارت رحاها
بينهم وبين الشايقية في النيل الازرق وانتهت بهزيمة نكراء للركابية.
كانت لفظة العنج تطلق علي سكان مملكة علوة القدماء

Post: #63
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-06-2010, 06:06 PM
Parent: #62

قبل دخول العرب السودان .وسكان جزيرة مرة وسكان الجبال الواقعة في شمال كردفان والعنج معناها الحاكم وهذا الفظ يستعمل ايضا في اوراق النسب السودانية
مرادفا للفظ النوبة ويظهر اذن ان العنج كانوا من النوبة واستقلوا من اصولهم الاول ومهما يكن من الامر فلقد شهدت جبال كاجا وكتول وفود غربا كثر نذكر علي سبيل المثال

Post: #64
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-07-2010, 06:20 AM
Parent: #63

up

Post: #65
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-07-2010, 01:20 PM
Parent: #64

up

Post: #66
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: بريمة محمد
Date: 08-07-2010, 01:29 PM
Parent: #65



*****


بريمة

Post: #67
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-07-2010, 01:59 PM
Parent: #66

شكرا اخي بريمة
علي المرور

Post: #68
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-08-2010, 01:21 AM
Parent: #67

up

Post: #105
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-29-2010, 09:38 PM
Parent: #66

اللحظات الاخيرة من حياة
القائد الشهيد/ يوسف كوة مكى
مقدمة :

خلفية عن التاريخ السياسى لاقليم جبال النوبة :

اقليم جبال النوبة من المناطق التى تعرضت للغزوات العسكرية والساسية والاقتصادية والثقافية قبل وما بعد الاستقلال ( التركية ، الحكم الثنائى الانجليزى المصرى ، المهدية ) غزوات الرق العسكرى والاقتصادى
التى شكلت عدد من الثورات التى قامت فى ذاك الاقليم واستمرت حملات اخمادها حتى عام 1945 ( ثورة تلشى ) وما بعدها جاءت الحكومات الوطنية 1956 وفرضت سياسات لابعاد النوبة من مراكز القرار السياسى داخل الدولة وأضعافهم أقتصاديا وفرض استمرار الدقنية على النوبة دون الاثنيات الاخرى فى الاقليم .

( أ ) اتحاد عام جبال النوبة ( عام 1964م ) :
تاسس هذا الاتحاد وعلى الصعيد السياسى استطاع ان ينجز مهام الغاء الدقنية وهذه كانت من اعظم انجازات هذا الاتحاد الذى قادة جيل الثورة والرعيل الاول ( الاب فيليب عباس غبوش ورفاقه الصادقين )
الذين ارسوا مفهوم حركة الحقوق السياسية فى جبال النوبة التى تطورت اليوم الى حركة سياسية ناضجة .

( ب ) تنظيم شباب كومولو عام ( 1972م ) :
هذا التنظيم كان يقوده عدد من الشباب الوعين بحركة الحقوق السياسية وخصوصية انسان جبال النوبة
واغلبهم من الطلاب و اساتذة فى مراحل التعليم المختلفة ويعتبر تنظيم كومولو من التنظيمات النوبية السرية التى انتظمت فى العمل السياسى بعيدا من عيون الاجهزة الامنية لفترة زمنية وحققت الكثير على صعيد تنظيم العمل السرى السياسى على نطاق اوسع وكان تنظيم نوعى فى تفكيره السياسى وهو الذى اقيم الوضع السياسى فى فترة الديمقراطية الثالثة وخرجت بقرار الكفاح المسلح وبموجبة تم الاعتراف بقضية جبال النوبة فى المحافل المختلفة
والقائد الشهيد كوة كان احد مهندسى هذا التنظيم الذى يشكل نقطة التحول فى تاريخ جبال النوبة السياسى

( ج ) الحزب القومى السودانى عام ( 1986) :
هذا الحزب أمتداد طبيعى لمفاهيم واهاف التنظيمات اعلاه ولعب دورا هاما فى مسيرة قضايا جبال النوبة وقاد الانتخابات فى الفترات السابقة وله ارث تاريخى فى تاريخ جبال النوبة السياسى وايضا الاب الروحى المناضل
( فيليب غبوش ) قائد هذا التنظيم الذى التف حوله أغلبية ابناء النوبة ( فى الريف والمدن ) .

هذا التراكم التاريخى لمسيرة نضال شعب جبال النوبة يؤكد عظمة هذا الشعب الرافض لكل معانى الظلم وباحث عن الحرية والاستقلال الذاتى فى تفكيره السياسى والثقافى لهويته النوبية الافريقىية كمبدا فى مسيرة تواصل الاجيال من خلال انتظام والاستمرار داخل هذه التنظيمات التى لعبت دورا مباشرا فى مسالة حقوق النوبة

( د ) الحركة الشعبية لتحرير السودان : 1984م
خاتم التنظيمات النضالية المطلبية بحقوق شعب جبال النوبة الذى انجزت مهام وقف اطلاق النار فى اقليم جبال النوبة عام 2002 م بنضالاتها الحربية وفوضت الحكومة المركزية عام 2004 مشاكوس حتى عام 2005م حسمت جزء من النزاع السياسى فى الاقليم وسيكتمل ما تبقى من التفاوض عبر المشورة الشعبية التى تنتظرة شعب جبال النوبة كاخطر مرحلة تمر به هذا الشعب فى حصاد نضالاته الطويلة اكثر من 36عام ما بعد الاستقلال الذى عانا منه انسان جبال النوبة من الاستهداف المنظم الذى شمل الابادة والتشرد والاستيلاء على الارضى وغيرها من النهب المنظم وغير الاسلحة المحرمة دوليا التى استخدمت ضد هذا الشعب ، ومن هنا كانت نقطة انطلاقة مفاهيم ثورة القائد يوسف كوة مكى نحو التحرير .


الحديث عن مسيرة وبطولات قائد الثورة أعلاه ضرورة حتمية للاشارة الى بعض المحطات فى ذاكرة التاريخ لعكس مفاهيم وتفكير كان يدور فى عقل القائد كوة ويتطلع بثورتة الصاددقة لتحقيق رسالته الانسانية من اجل كرامة الانسان السودانى ، وإلا ان حياة القادة وأصحاب الرسالة العدلية لم تمهلهم الحياة كثيرا ورحل الى جوار ربه وراضيا بحكم الله وترك خلفه مدرسة نضالية تحمل معانى التحرير وتخرج منها عدد من الاجيال الملتزمين بمبادئ هذه المدرسة التى شكلت تواصل الاجيال فى مسيرة نضالات شعب جبال النوبة التى لا يمكن ان تنهار هذه المفاهيم الذى أرساء قواعد استمراريتها القائد الشهيد يوسف كوة مكى ( ابو اجيال الثورة فى جبال النوبة )

القائد الشهيد/ اخير لحظات حياتة فى لندن وانا كنت من المحظوظين المرافقين له فى ( البيت والمستشفى ) بالرغم لم يكن هنالك معرفة لصيقة من زمان لان انزاك وهو كان يصارع مرض السرطان بروستا تا وكان جل تفكيره رغم المرض يتجه نحو حال مستقبل شعبه الذى ضحى من اجلة وكان يقول بالنص ( نسال الله يطول فى عمرى لاستكمال رسالة النضال ) وكأن يرى فى نفسة قدرة لمعالجة عدد من القضايا الوطنية الهامة المتصلة بالوحدة والتعايش السلمى وخاصة بين النوبة والاثنيات الاخرى فى أقليم جبال النوبة ---- وان موقف كوة من الاثنيات انه قال ( ان هؤلاء ليس هم ضد النوبة ولا النوبة ضد هؤلاء ) ولكن المركز هو الذى يعمل على تدمير أركان التعايش وتحريض العرب ضد نوبة وكان يوصى بعدم المعاداة بل فتح مؤتمرات حوارية لبناء الثقة والاستقرار فيما بين كل سكان المنطقة .
وكما تحدث كثيرا وهو على فراش الموت متاثرا بالتصفيات التى حدثت لخيرة كؤادر ابناء النوبة التابعين لمنظومة كومولو فى فترة الديمقراطية الثالثة ( 1986 – 1989م ) واكد بقولة ( بان هذه التصفيات سوف تخلق أزمة كادر فى المستقبل و قال انه سيتحمل بعض الاخطأ التى وقعت فى جبال النوبة أثناء الحرب ويتحدث كثيرا عن ضرورة قبول النقد والنقد الذاتى والتفكير التسامحى من اجل القضية ، وايام اقامته فى لندن انا اتذكر ان هناك احد أصدقائى من الشباب السودانيين الذين جمعتنى معهم الغرباء هو يدعو الصادق احمد عبدالله وهو محامى من ابناء كوستى قرية (الملاحة ) كان دائما يجادل القائد كوة فى القضايا الوطنية وأستراتيجية الحركة الشعبية وغيرها من المسارات وكان كوة يستمتع ويستمع جيدا لهذا الرجل الذى يجيد الكلام ويسرد ابعاد المشكلة السودانية وكان الشهيد كوة يرد بكل مسؤلية ويوكد على ضرورة استماع راى الاخر والنقاش بعقل مفتوح والاعتراف بالقصور ، وهذه شهادة لتاريخ وأمانه اقدمة لجيل هذه المدرسة التحررية ان القائد الشهيد يوسف كوة عاصرتة فى اللحظات الاخيرة من حياتة وتاثرت بفكرة واخلاقة ووجدته شخصية ومفكر انسانى ويتمتع بطول البال وقوى الشخصية والثقة فى النفس واحترام الاخرين والتمسك بالمبدا ----------- نواصل الحلقة القادمة )



كمال كمبال – لندن
EMAIL : KAMBAL [email protected]

Post: #74
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-20-2010, 07:38 PM
Parent: #63

الكنجارة البرقد والكيراويات من جهة دارفور والبديات من وسط كردفان واستوطنوا وتزاوجوا مع المواطنين
الاصليين في مراحل مختلفة من التاريخ وجاءت البديرية الي هذة المنطقة في منتصف القرن الثامن وقطع طريق
امداداتهم وقتل اهلهم وباع البعض الاخر في سوق النخاسة ومن ثم ذعب الي جبل كاجا وشق عددا من الابار في صخور سودري وغيرها من الجبال
المجاورة وهي فوجا مزروب كتول كوم والمقنص وقد اعتبر المواطنون هذى الصناعة عملا خارقا لم ياتي بة احد من قبلهم

Post: #96
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-25-2010, 07:04 AM
Parent: #62

.......

Post: #107
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-31-2010, 00:36 AM
Parent: #62

.................

Post: #69
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-08-2010, 01:41 PM
Parent: #12

up

Post: #101
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-28-2010, 00:44 AM
Parent: #4

up

Post: #104
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-29-2010, 09:25 PM
Parent: #3

ارسل الموضوع لصديق
نسخة سهلة الطبع
Share
Follow sudanesewebtalk on Twitter



تقرير هام حول مستقبل جبال النوبه/جنوب كردفان السياسى

ترجمة و إعداد: أ. ميرا مللى

تعكف عدد من مراكز البحوث و المنظمات العالمية فى اصدار تقرير لدراسة متكاملة بدأ الاعداد لها منذ العام 2005م، أى بعد التوقيع على اتفاق نيفاشا و الى الوقت الراهن، وهى عبارة عن رصد يومى للاحداث و تحليلها، و سيصدر التقرير المتكامل بعد انفصال جنوب السودان فى 2011م حسب توقعات الباحثين.

و يشير التقرير الى اجراء دراسة تاريخية لأصل النوبة باعتبارهم من الشعوب الاصليه ذات الحضارة الممتدة الجذور الى آلاف السنين، و اعتبر التقرير ان الخصائص التى يتميز بها مجتمع جبال النوبة/ جنوب كردفان من هدوء و حكمة و شجاعة و صبر على تحمل الشدائد و رد الظلم و عدم نسيان المرارات و المقدرة على التغلب على المصلحة الذاتية على حساب المصلحة العامة و الوعى الشعبى التلقائى و القدرة على احترام الغير و التعايش معه و حرية الاختيار الدينى ...الخ هى صفات لا يضاهيه فيها الا مجتمعات قليلة فى بعض مناطق الصين و امريكا اللاتينية. كما اشار التقرير الى ان هذه الخصائص المميزة لشعب جبال النوبة تفسر فى احيان كثيرة من اناس ينتمون الى ثقافات اخرى تفسيرات مغايرة لذلك يتم التعامل معهم بزوايا مختلفة تماما مما سيقود الى صراع عنيف اذا لم تدرك النخب و التنظيمات الحاكمة فى شمال السودان و عاصمتها الخرطوم لمعطيات التعامل مع شعب النوبة.

تطرق التقرير لممالك النوبة القديمة و امتدادتها الى العديد من الدول الافريقية لاسيما السودان و اثيوبيا و يوغندا و كينيا و غانا، و ذهب التقرير الى وجود اعداد كبيرة من البشر ذات الاصول النوبية فى المكسيك و البرازيل و لم يغفل التقرير العلاقات التاريخية بين ممالك النوبة القديمة و شعب اسرائيل الذى اشار الى ان احدى زوجات النبى ابراهيم كانت من النوبة و أن شعب كوش الذى ذكر فى الانجيل و الذى كان يتدين بالمسيحية لالف عام يمثل النوبة الحاليين امتداد طبيعى لأنقى تلك المجموعاتنقى.

و كشف التقرير عن حقائق تاريخية حديثة فى القرن التاسع عشر عن ان النوبة هم الذين حموا المهدى فى كركور او كهف يسمى بطن أمك فى منطقة قدير فى جبال تقلى رغم ان غالبيتهم لا تدين بالاسلام و لكنهم كانوا يرون فى المهدى شخص وطنى يحارب المستعمر آنذاك، الا ان المهدى بعد ان استغل قوة شعب جبال النوبة فى الاختفاء و الحماية و من ثم تحرير الابيض فى موقعة شيكان حاول استعبادهم و بيعهم فى اسواق الرقيق من اجل المال و العمل كسخرة اى بدون مقابل مما قاد النوبة الى العصيان و الثورة، ليعين المهدى حمدان ابوعنجة و بمساعدة بعض المجموعات العربية للقيام بحملات تاديبية كما كان يسميها و جلب الرقيق الذى باعه المهدى داخليا و خارجيا و استخدام الرجال و النساء كخدم و عبيد، ويذكر التقرير احياء الموردة و العباسية و ابوعنجة و ود نوباوى كمواقع لسكان النوبة الذين تم اسرهم بواسطة المهدية.

التقرير اشار ايضا الى ان جبال النوبة قامت بها اكثر من عشرين ثورة اشهرها ثورة السلطان عجببنا و بنته مندى و ثورة الفكى على الميراوى و الثورة ضد ابو رفاس فى تالودى و ثورة الحركة الشعبية بقيادة يوسف كوه مكى و لم يغفل التقرير ثورة 1924 بقيادة البطل على عبد اللطيف الذى ينتمى لاب من جبال النوبة من منطقة كوفا و ام من الدينكا، و ذكر التقرير ان الوعى الشمالى فى عام 1924 كان الافضل طيلة التاريخ السودانى مشيرا الى ان العامل النفسى المريض للتعالى الشمالى الاثنى و الدينى و الجهوى و اللغوى الذى ادار به الشماليين السودان لاحقا لم يكن موجودا آنذاك مستشهدا بعبيد حاج الامين و مواقفه الى ان توفى بمدينة واو بجنوب السودان و آخرين كانوا زراعا يمينا لعلى عبد اللطيف. و وقف التقرير فى أكثر من موقع على ان تجربة على عبد اللطيف لم يكررها الا الدكتور جون قرنق و الذى التف حوله اناس من كافة مناطق السودان المختلفة، و ذكر التقرير الاستقبال المليونى للدكتور قرنق بالساحة الخضراء مشيرا الى ان الشعب السودانى بعد ان عانى طويلا و خاصة من جبروت حكومة الانقاذ الوطنى كان يرى ان الدكتور قرنق و طرحه لرؤية السودان الجديد هو الخلاص لبناء سودان باسس جديده تحترم تنوعه و تحقق نوعا من المساواة و العدالة و الحريات فى كافة المستويات، و ذكر التقرير ان موت قرنق و تفاصيله سوف تلعن بعد انفصال جنوب السودان.

حلل التقرير وضعية شعب جنوب كردفان بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل و تطرق الى ان الحكومة المركزية بقيادة المؤتمر الوطنى حاولت خداع و استقلال المجموعات العربية لتجيج الصراع بالوكالة باسم الجهاد و الدين و تخويف المجموعات العربية بان ثورة النوبة من خلال الحركة الشعبية هى ضدهم، ولكن المجموعات العربية فطنت اخيرا لمخطط المركز التفكيكى و الاستهدافى لامن المنطقة و بالتالى عدم الاستقرار الامنى و التعليمى و الصحى و الخدمى و التنموى و السياسى مما قاد مجموعات كبيرة من القبائل العربية بتذويد جيش الحركة الشعبية بالمؤن اثناء الحرب و الانضمام بكميات كبيرة بعد وقف اطلاق النار و اتفاقية نيفاشا و تطرق التقرير الى حركة شهامة و شباب الفولة وحركات دارفور وكردفان التحررية .

كما تطرق التقرير الى مماطلة المؤتمر الوطنى الواضح فى تنفيذ بنود اتفاق برتكول جبال النوبة/جنوب كردفان حيث لم يحسم امر الخدمة المدنية الاقليمية و فى العاصمة الخرطوم و المشاركة فى كل المستويات بما فيها السلك الدبلوماسى بالاضافة الى بند الترتيبات الامنية و انسحاب فائض القوات الحكومية واعادة الانتشار والتناوب على منصب الوالى وإ نشاء صندوق التنمية و مفوضية الاراضى و الاجهزة القضائية بالاضافة الى 4 دوائر برلمانية اتفق حولها كمعالجة سياسية للتعداد السكانى الاول و غيرها.

اشار التقرير ايضا الى الاساليب الفاسدة التى استخدمها المؤتمر الوطنى لاستقطاب بعض المجموعات خاصة فى الانتخابات السابقة. و اشار التقرير الى التهديد و اغتيال رئيس الحركة الشعبية و سكرتيرها فى منطقة الدبكر فى عام 2006م، و محاولات اغتيال مستشار الحركة الشعبية السياسى بالاقليم فى عام 2006م، و قد ذكر التقرير المؤسسات و الاشخاص الذين كانوا وراء ذلك. و شمل التقرير ما تعرضت له مناطق المندل و الصبى و ابو جنوق ودابرى و الفيض و ابو كرشولا وغيرها من اغتيالات بواسطة ايادى فى المؤتمر الوطنى ترى ان استقرار الاوضاع الامنية يعنى توحد الرؤى الجماعية للمجموعات الاثنية حول الاهداف العليا للاقليم مما يفقدها وضعيتها الذاتية، حيث قاموا بتوزيع الاسلحة لمجموعات اثنية معينة مما قاد مجموعة الازمات الدولية ان تتنبأ بان جنوب كردفان ستكون دارفور اخرى، و لكن التقرير يشير الى عكس ذلك بتوقعه توحد شعب الاقليم بمختلف اثنياته بعد الوعى الكبير الذى حققته الحركة الشعبية باهمية التوحد و النضال عبر المشورة الشعبية لتحقيق المكتسبات الكبيرة للاقليم حتى تعيش الاجيال القادمة فى وضع افضل.

فى احدى نقاطه تطرق التقرير الى موضوع تلفون كوكو الضابط بالحركة الشعبية، ذاكرا ان المؤتمر الوطنى يعتقد ان كوكو يمكن ان يساهم فى تشتيت الاجماع حول الحركة الشعبية كما فعلت بعض العناصر الجنوبية التى خرجت من الحركة الشعبية و مولت من المؤتمر الوطنى لخلق زعزعة امنية بجنوب السودان، و تساءل التقرير من اين جاء تلفون كوكو بوسائل الحركة و الاسلحة ومن يمول سكنه ومنصرفاته و تحركه ومرتبه و مرتبات المجموعة العسكرية التى حوله وكذلك المكتب الذى يتواجد فيه فى قلب العاصمة الخرطوم و سكرتاريته و طباعة مقالاته ..الخ، لماذا سمحت اجهزة اعلام المؤتمر الوطنى والاجهزة الامنية بافراد مساحات يومية للاساءة للحركة الشعبية و قياداتها مع مساحة تمويهيه لنقد مخفف للمؤتمر الوطنى، من هو الذى مول طباعة و توزيع كتيبه الذى حوى على مقالاته ومن الذى يقوم بتمويل قيام ندوات كوكو و سفره لاقاليم السودان المختلفة؟ وكما ان العمل بالجيوش له من الضوابط التى تختلف عن العمل السياسي، أشار التقرير الى ان المؤتمر الوطنى دفع الى مجموعات لخلق جسم يسمى مناصرة اللواء تلفون كوكو ولكن التقرير اشار الى ان العديد من هذه المجموعات ركبت الموجة منها بعدم المعرفة و اخرى بدوافع حزبية معادية للحركة الشعبية و بعضها للفراغ السياسى، و لكنهم فى خاتمة المطاف يخدمون اهداف المؤتمر الوطنى الذى آثر الصمت، بل يسجل مكالمات تلفون كوكو الداخلية و الخارجية ويحلل مدى نجاح طبخته الامنية وتحريك آخرين لتنفيذها.

اما فيما يتعلق برؤية المؤتمر الوطنى الذى يديره الشماليين حول قيادات النوبه و البقارة المنضويين تحت لوائه، اشار التقرير ان المؤتمر الوطنى لديه شكوك كبيرة فى ولاء النوبه مهما كان تاريخ انضمامهم للحركة الاسلامية او المؤتمر الوطنى فيما يسمى فى ادبياتهم بقبل و بعد الفتح و يعتبر كثير منهم طابورا خامسا او اناس يسعون الى المعاش ويدرك فشلهم فى اقناع مواطنيهم فى قراهم، و يرى المؤتمر الوطنى ان وجودهم الشكلى يساعده اعلاميا فى ظل قبضته الامنيه و لكن لا يجب ان يكون لهم وجود فى مواقع طبخ المؤامرات و القرارات السياسية الخطيرة، اما قيادات المؤتمر الوطنى من البقارة فينظر اليهم المؤتمر الوطنى الى انهم اناس فاقدى الشعبية فى ظل تعليم و ثورة الشباب فى مناطقهم و يعتبر ان اشباعات نزواتهم و نزعاتهم الذاتية و الشخصية هو السقف الاعلى لهم من خلال الوظائف و المال لذا زج بهم فى البرلمان و الوزارات حتى لا يفكروا فى القضايا الجوهرية لمناطقهم وان يكونوا خميرة عكننة لهز النسيج الاجتماعى و العلاقات القبلية اذا دعت الضرورة الى ذلك.جيججيججج

أشار التقرير ان اصرار الحركة الشعبية فى ولاية جنوب كردفان الى اعادة الاحصاء السكانى ليس لهدف آنى يتعلق بالانتخابات فقط رغم التزوير الكبير الذى نفذه المؤتمر الوطنى فى انتخابات ابريل 2010 وتوزيعه للدوائر وفقا لنتائج التعداد السكانى الذى بنى على اهمال النوبة كمجموعات اثنية عن قصد لاشعال فتنة اثنية فطنت لها القيادات الواعية من المجموعات الاثنية المختلفة، و بالتالى كانت ضغوط اعادة التعداد السكانى كهدف استراتيجى يتعلق بحقوق شعب الولاية من الخدمات و التنمية و المشاركة فى السلطة المركزية بكافة مستوياتها، و قد اشار التقرير ان تقدير سكان الولاية سابقا بمليون و اربعمائة نسمة دحضة التعداد الجديد الذى اكد ان العدد الحقيقى لسكان الولاية ما يقارب خمسة مليون نسمة و بالتالى ان اجهزة المؤتمر الوطنى اخرت الاعلان لكى تخرج من ورطة الخطأ التاريخى الذى وقعت فيه بحق شعب الولاية بمختلف اثنياتهم و توجهاتهم السياسية.

توقع التقرير ان المشورة الشعبية ان لم تدار بشفافية فان وضعية جبال النوبة/جنوب كردفان ستجد تجاوبا وسندا دوليا اكبر مما وجده جنوب السودان و قد اشار التقرير الى التحركات الماكوكية التى يقوم بها فى صمت بعض ابناء جبال النوبة فى امريكا وكندا و اروبا واستراليا و افريقيا و العالم العربى و المتواجدين ايضا فى اسرائيل لتحريك ملفات مستقبل جبال النوبة تجد تجاوب كبير من المجتمع الدولى الذى ينظر اليه باعتباره من المجتمعات الاصليه التى تعرضت لمحاولات طمس الهوية و الابدال و التهجير السكانى و الاسلمة و التعريب القسرى و الابادة العرقية و الاهمال التنموى و الخدمى و السياسى، و ذهب التقرير ان المجتمع الدولى يراقب عن كثب عبر تقارير يوميه تأتيه من السودان العقلية غير الرشيدة التى يدير بها المؤتمر الوطنى ملف جبال النوبة من الخرطوم ذاكرا التصريحات الاخير للدكتور غندور طبيب الاسنان حول المشورة الشعبية و تبادل منصب الوالى الذى نص برتكول جنوب كردفان الى تبادلة مناصفة كل عام و نصف، حيث التزمت الحركة الشعبية بمدتها عام و نصف و استمر المؤتمر الوطنى لاكثر من ثلاثة سنوات، فغندور الذى خلع النقابات السودانية حل محل الطيب مصطفى الانفصالى الذى بدوره سيخلع جنوب السودان و جبال النوبة و النيل الازرق و دارفور.

ذهب التقرير ان خيارات شعب الاقليم عبر المشورة الشعبية ان لم يتعامل معها بموضوعية فان مطالبة شعب الاقليم بقيام دولة منفصلة قد تجد مؤازرة عبر حملة دولية غير مسبوقة مستندة الى قوانيين الامم المتحدة لحماية الشعوب الاصلية باعتباره ارثا انسانيا يجب المحافظة عليه، وتطرق التقرير الى ان خيارات ابناء الاقليم الانيه تتمثل فى حكم ذاتى واسع الصلاحيات اقليميا و مشاركة فاعلة على كافة المستويات مركزيا مستندة على تمييز ايجابى باثر تاريخى لمجموعات النوبه بجانب المجموعات الاثنية الاخرى، و تحقيق تنمية و خدمات كبيرة ليلحق الاقليم بالاقاليم الاخرى و تخصيص نسبة 75% من عائدات بترول الاقليم و الموارد الاخرى لصالح الاقليم و توظيف ابناء الاقليم فى جميع مستويات و مؤسسات الدولة و البترول بالعاصمة و الاقليم، على ان تتضمن هذه الحقوق فى دستور دائم للسودان بشهادة المجتمع الدولى مبنيا على حجم الاقليم سكانا و مساحة و تمييزا ايجابيا باثر رجعى باعتباره من الاقاليم الاكثر تهميشا فى السودان. الخيار الثانى هو المطالبة بحق تقرير المصير فى حالة شعورهم بعدم جدية المؤتمر الوطنى فى تحقيق تطلعات شعب الاقليم و قد يتضمن قيام دولة مستقلة او نظام كنفدرالى او الانضمام الى دولة جنوب السودان فى حالة الانفصال. الخيار الاخير و هو اعلان دولة غرب السودان التى تضم فى داخلها دارفور و كردفان، و فى هذا الامر اشار التقرير الى ان ابناء جبال النوبة فى الخارج و خاصة فى الولايات المتحدة الامريكية قد قطعوا شوطا طويلا منذ العام 2003م فى اجراء اتصالات مع حركات دارفور وكردفان، و قد اشار التقرير الى الترتيبات التى اعدتها رابطة جبال النوبة العالمية فى العام 2003 و ما بعده لعدد من قيادات دارفور بالتنسيق مع مركز مكافحة الابادة العرقية و معهد الدبلوماسية المتنوعة، و قد شملت هذه القيادات الدكتور التجانى السيسى فى عام 2003م الذى مهد له لمقابلة العديد من مؤسسات صنع القرار فى واشنطون بما فيها مقابلة الدكتورة قوندليزا رايس مستشارة الامن القومى آنذاك، بعد نصح الدكتور التجانى سيسى بخلع جلابيته الانصارية و التحدث عن قضايا الابادة العرقية بدارفور باعتبار ان تناول قضايا الاقليم بفهم احزاب المركز لن يجدى و قد نجح سيسى حينها فى ابراز القضية بشكل جيد، الا انه لعوامل غير معروفه لم يسعى لتكملة مشواره الذى نصحته فيه الرابطة العالمية بوضع يده مع حركة تحرير السودان برئاسة الاستاذ عبد الواحد نور و امينها العام منى اركو مناوى آنذاك، و اشار التقرير ان التجانى سيسى اختفى من حينها و ظهرت ارهاصات فى الانتخابات السودانية الاخيرة الى محاولة انتخابه واليا فى احدى ولايات دارفور فاعتزر عن ذلك، ليظهر بعد ذلك فى مفاوضات الدوحة من خلال عمله فى احدى المنظمات الدولية و سرعان ما تحول الى رئيسا لحركة التحرير و العدالة، و يشير التقرير الى ان السيسى ان لم يعلن موقفه الواضح من حزبه القديم سيجعل العديد من الشكوك تحوم حوله و ربما انفضت منه مجموعات المحاربيين الميدانيين قريبا و بالتالى تتفك تلك الحركة التى يرى مراقبون انها خدمت المؤتمر الوطنى اعلاميا فى حملته الانتخابيه فى ابريل 2010م وباعدت بين اتفاق الحركات التحررية و لاسيما حركة العدل و المساواة التى انسحبت من مفاوضات الدوحة و ابتعاد عبد الواحد نور و مجموعة جوبا وغيرها، و بالتالى تعزرت امكانية قيام رؤية موحدة من خلال اختلاف رؤى الحركات و تعدد المنابر كالدوحة و اثيوبيا و ليبيا وغيرها مع التهميش الكبير الذى يجده منى اركو مناوى الان فى السودان من قبل المؤتمر الوطنى.

التقرير اشار الى ان شعب جنوب كردفان يرى ان توحد هذه الحركات فى دارفور سيدفعة لتنسيق المواقف السياسية المستقبلية الخاصة بغرب السودان بصفة عامة. كما دعى شعب جبال النوبة من خلال التقرير قبائل المسيرية و الرزيقات وجميع القبائل فى دارفور و كردفان الى نبذ الخلافات و التوحد مع المهمشين فى دارفور وكردفان للضغط على المركز لتحقيق مكتسبات اكبر، و فى حالة تعذر تجاوب المركز لتحقيق تطلعات شعب غرب السودان فإن إعلان دولة غرب السودان سيكون الخيار المطروح الذى يتطلب اجماع الجميع.

التقرير اشار الى نجاح فكرة بنك الجبال للتجارة و التنمية ذاكرا بان هنالك عوامل توفرت لانجاحه اختصرها فى الوعى الثورى و النضالى و وجود العزيمة الشعبية للحراك الذاتى من اجل التغيير ومشروع وحدوى تم العمل فيه بصمت و تخطيط والاعتماد على خبراء و مفكريين من المنطقة و الاستفادة من الخبرات الدولية و التسهيلات الادارية و القانونية وغيرها التى وفرتها حكومة جنوب السودان، التى اشارت الى ان الجنوب فى حالة الوحدة او الانفصال سوف لن يتخلى عن دعم جبال النوبة فى المجالات التنموية و الخدمية و الطرق و التجارة و التعليم ...الخ، و اشار التقرير الى ان شعب جبال النوبة/ جنوب كردفان سيكون اول الشعوب التى ستأخذ الجنسية المذدوجة من حكومة جنوب السودان فى حالة الانفصال وسيكون لهم حقوق الحريات الاربعة بما فيها المشاركة النسبية فى الادارة و السلك الدبلوماسى و حرية تحركات الرعاة وغيرها لما ساهموا فيه فى حرب التحرير، وقد تخصص لهم نسبة من عائد بترول جنوب السودان الذى تمر انابيب بتروله الغنى لاسيما فى ولاية الوحدة و أبيي باراضى جبال النوبه، كما ان الحركة التجارية سوف تنتعش بين اقليم جنوب كردفان و جنوب السودان عبر خمسة ولايات جنوبية تحد ولاية جنوب كردفان. كما اشار التقرير الى انه فى حالة عبرت المشورة الشعبية عن التطلعات الحقيقية لشعب جبال النوبة/جنوب كردفان ايا كانت فان الجنوب سيفتح آفاقا لقروض لجبال النوبة بضماناته. و تضمن التقرير نداء جبال النوبة الاخير الذى ألتف حوله جميع ابناء الاقليم فى مختلف دول العالم، و اعتبر هذا التوحد هو نهاية المطاف لكل الايادى العابثة بوحدة و مصير شعب جنوب كردفان.

اختتم التقرير ببروفايل وسيرة ذاتية وتحليل نفسى لأحمد محمد هارون والى ولاية جنوب كردفان الحالى الذى أشار التقرير الى انه أول سودانى فى تاريخ السودان القديم و الحديث يطلب دوليا للعدالة العالمية لما اقترفه من جرائم إبادة عرقية و تهجير فى دارفور وقبلها فى جنوب كردفان حينما كان مديرا لادارة السلام و هى ادارة امنية و من ثم وزيرا للرعاية الاجتماعية و نائبا للوالى بجنوب كردفان ثم مديرا للشرطة الشعبية فوزيرا للدولة بوزارة الداخلية ثم وزيرا للدولة بالشئون الانسانية. و اشار التقرير ان صقور المؤتمر الوطنى بعدما رضخوا للضغوطات الدولية بعزل هارون من وزارة الشئون الانسانية اختلفوا حول كيفية التعامل معه و خاصة ان موضوع الرئيس البشير لم يصل الى التعقيدات التى وصل اليها الان، حيث رأت مجموعة متطرفة نيلية بالمؤتمر الوطنى تسليم هارون كعربون لصفقة دولية باعتبار ان هارون تصرف فى دارفور من تلقاء نفسه من دون توجهات مركزية، خاصة ان هارون القاضى و السياسى كان يوجه شفهيا لتنفيذ مخططات المركز فى دارفور، و بالتالى قد لا تكون لديه المستندات الرسمية لتوريط الدولة فى حالة تسليمه، مجموعة أخرى ترى أهمية التخلص منه بطريقة او باخرى كما فعلت بقيادات اخرى لنفاذ المهمة التى أوكلت اليه و التخلص من الضغوطات الدولية، بينما رأت مجموعة أخرى اغراقه بمبالغ مالية كبيرة و تسهيلات فى العمل التجارى و الاختفاء عن العمل السياسي نهائيا، الا ان هذه المجموعه تخوفت من احتمال القاء القبض عليه كما انها تعلم طموحاته السياسية الذائدة. و كان رأى المجموعة الاخيرة هو تعيينه واليا لجنوب كردفان ، و هذه المجموعة ترى ان وجود هارون فى تلك الولاية سيبعد عنه الانظار الدولية، كما انها فرصة تصحيح اخطائه التاريخية فى دارفور و جنوب كردفان، و فى حالة نشوب أى خلافات او حرب فأن هارون سيسلم من الدولة للمحكمة الجنائية كصفقة باعتباره كرر نفس الاخطاء من دون توجيهات عليا، و ذكر التقرير ان شعب جبال النوبة و دارفور سيوجهون دعوة لهارون ليكون شاهد ملك فى المحكمة الجنائية. التقرير اشار الى ان هارون يدرك كل السناريوهات و لكنه اطمان قليلا بعد اعلان امر قبض الرئيس من قبل المحكمة الدولية، رغم من انه يعلم ان وضعية الرئيس تختلف تماما عنه، فهارون الذى رفضت ان تعطيه السعودية تأشيرة اداء الحج و العمرة يزورها البشير اكثر من مرة فى السنة كما يزور عدد من الدول العربية و الافريقية التى لا يتجرأ هارون للذهاب الى سفاراتها. وبالتالى يرى التقرير ان هارون محاصر دوليا و لا يصلح لقيادة اقليم جبال النوبة/ جنوب كردفان لتحقيق تطلعات شعب الاقليم فيما يتعلق بالمشورة الشعبية التى تطلب تواصلا اقليميا و دوليا من اجل الدعم و التنمية و الخدمات و المنح و البعثات الدولية و توقيع القروض و المعاهدات ...الخ. ولكن التقرير اشار الى ان هارون رغم الاختلاف حوله داخل المؤتمر الوطنى الا انه يعرف كيف يبعد خصومة من دوائر المنافسة الداخلية بالمؤتمر الوطنى، حيث استطاع هارون بذكاء ابعاد أحمد الصالح صلوحه الذى كان من التيار الذى وقف ضد ترشيح هارون للانتخابات القادمة لمنصب الوالى، و كان صلوحة رغم فشلة فى ادارة صندوق تنمية غرب كردفان الذى انشأئه المؤتمر الوطنى و تناسى الصندوق القومى للتنمية وفقا لاتفاق السلام فى محاولة لاستفزاز النوبة و خلق عداءات بين المسيرية و النوبة و خاصة الحركة الشعبية، الا ان الحركة الشعبية تعاملت بحكمة كبيرة فى هذا الامر ذاكرة بانه اذا تمت تنمية جزء من الولاية فى المنطقة الغربية فهو عامل جيد لازالة التهميش فى جزء عزيز و يتيح مجالا فى حالة توفر دعومات اخرى لمناطق مهمشة اخرى من الولاية، الا ان صندوق غرب كردفان اصبح ماكله و وسيلة للمعاش فثار ضده سكان غرب كردفان أنفسهم. فلذا فان هارون بعد ان تأكد له ان صلوحة يعقد اجتماعات لبعض قيادات المؤتمر الوطنى من جنوب كردفان فى مناطق كمدينة بارا بشمال كردفان لابعاده من منصب الوالى و الترشيح مستقبلا، عمل هارون على ابعاد صلوحة بزجه فى قائمة حزبية بالخرطوم مضمونة التزوير لركنه فى الجهاز التشريعى و تحطيم طموحاته فى الاجهزة التنفيذية بما فيها صندوقه السابق، و استطاع هارون التخلص من الدكتور عيسى بشرى بنفس الطريقة حيث فاز فى دائرة الازهرى و دخل البرلمان، الا ان هارون يعلم خبث عيسى بشرى فرفع من وزير دولة فى وزارة التقانة الى وزير لنفس الوزارة بعد تعيين وزيرها السابق ابراهيم احمد عمر مستشارا للرئيس. فى جانب تحليلى نفسى لهارون اشار التقرير الى ان هارون يعيش حالة نفسية صعبة، ربما لشعوره بالذنب فى قتل الابرياء و تشريدهم من قراهم فى دارفور و جبال النوبة وخاصة بعد منعه من السفر الى السعودية للحج الذى كان يعتقد ان ذلك سيكفر من سيئاته، كما انه يعيش حالة خوف من مستقبله السياسي و مواجهة المجتمع الدولى بجانب ان هارون يعانى العديد من الامراض، ورغم ذلك اشار التقرير ان هارون يتميز بعقلية حربائية متلونة يستطيع ان يوهم كل من لا يعرفه بانه ملاك و له دهاء سياسى و روح انتقامية حتى من اقرب الناس اليه و يوصف باللئم احيانا .

التقرير أشار الى ان شعب الولاية حول العالم يترقب اصدار قرارات رئاسية مهمة قبل نهاية سبتمبر 2010 فيما يتعلق بإعلان نتائج التعداد السكانى و توزيع الدوائر الانتخابية بصورة عادلة و أيلولة منصب الوالى للفترة المتبقية للحركة الشعبية وترتيبات المشورة الشعبية. و قد تم تحديد قيام الحملة الدولية العلنية لحسم مستقبل جبال النوبة/ جنوب كردفان السياسي فى بداية أكتوبر 2010.

التقرير المتكامل سوف يصدر من 1500 صفحة كما اشارت المصادر بعد انفصال الجنوب فى 2011م.






Post: #73
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-10-2010, 00:03 AM
Parent: #2

up

Post: #75
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 11:22 AM
Parent: #73

بيان من منبر جبال النوبة الإلكتروني الديمقراطي بدول الم...بة بحق تقرير المصير

Post: #76
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 11:26 AM
Parent: #75

جبال النوبه تطالب (بحق تقرير المصير) بعد الجنوب ودارفور!!

Post: #77
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 11:29 AM
Parent: #76

ملكية الأرض فى ظل السياسات الإستثمارية لحكومة الإنقاذ ... على جبال النوبة!!..

Post: #78
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 01:21 PM
Parent: #77

النوبة بين الهزيمة والاستعلاء (1)



تاريخيا فقد النوبة زخمهم السياسي والاجتماعي بتحركهم غربا وجنوبا من مناطقهم الأولى إثر تلاشي دولتهم بصورة دراماتيكية أو ذوبانها أو اختلاسها، أما العامل العسكري الماحق في تلاشي السلطان السياسي فدوره ضعيف، ولا تعد حالة دولة علوة ضمن الحالات القليلة هذه لأن الفونج وهم العنصر الأكبر الذي ساهم في هزيمة دولة علوة وتلاشيها واستوى له الملك محلهم هم أنفسهم من أجناس النوبة والعنج كما تشير بذلك ما نثق به من الدراسات ،وكما يبدو لكل ذي عينين وعقل رغم أنف الرؤية الإنسدادية الأحادية التي تأبى السماع للحقائق وتستمع للأساطير والخرافات ذات النسق المضطرد في كل الحالات والتي في أفضلها تحيل القبيلة الكبيرة لنسب جديد بعد قدوم رجل واحد فقط واحد فتلحقها بنسب هذا الرجل وتنسى نسبتها الأول تماما لأن دم هذا الرجل المجيد أقوى من دماء المجموعة المسكثرة فيصبغها بصبغته , والشئ الذي يثير الأسف أنك تجد الرجل يتنطع بهذا القول دون حياء والكتب تخط هذه السخافة .

النوبة المهاجرون جنوبا وغربا لم يكن لهم اسهام منظور في تكوين قوميات السودان الشمالي الحادثة بشكل كبير لتقوقعهم في جبالهم وآجامهم ،ولمناصبتهم العداء للمجتمعات السودانية الحادثة التي نشأت بعد هجرتهم, وسبب ذلك ما أعترى العلاقات بينهم وبينها من ممارسات اجتماعية غير أخلاقية تصاحب الحروب والغزوات التي تنظم ضد النوبة آنذاك(الرق) وقد تكون تلك الممارسات الاجتماعية اللاأخلاقية هي الحافز الوكيد وراء تلك الحروب . إن إرتباط مفهوم اللون الأسود بالدناءة العرقية عند ثقافات مجتمعات العالم أمر لا سبيل إلى إنكاره ولكن لموقعنا الجغرافي قد نرى هذا الأمر قادما من ثقافات مجتمع الجزيرة العربية والذي انتقل منها إلى أرض السودان ،كما أن مفهوم استرقاق غير المسلمين عند عامة المسلمين أمر واقع في أفهام المسلمين بعامة قبل أن يتجدد الإسلام وتبرز مفاهيمه الحديثة (الأصيلة) المتصالحة مع مواثيق حقوق الأنسان , تلك المفاهيم شكلت الفلسفة التي وجهت تعامل الآخر مع النوبة تاريخيا ، وما كان يجب ألا تقرأ هذه المسائل إلا في سياقها التاريخي ليس إلا، لتجاوز الزمان لها ولأن الخطأ لا يورث وإنما لجأنا لذلك لتفسير مواقف هذا النظام المنبت زمانيا المتعامل بمفاهيم تشبه تلك المفاهيم الغابرة تجاه النوبة أما تعاملنا الحادث مع فئات السودان الأخرى خارج أطار هؤلاء الظلاميون فقائم ومتفاعل ايجابا ويمكن استدراك بعض حقوقنا بالحوار بل حتى هؤلاء إن إرعووا للحق فأهلا بطالبي الحق ، فمطلبيون نحن .

أما النوبة الذين بقوا في الشمال فيقيناً كانوا عنصرا محوريا في خلق التكوينات القبلية الحادثة ، فقد كانوا سراة الناس وأهل الحكم والضياع والمال والمنعة القبلية وإليهم يتزلف الوافد ، لكننا نجد إنكارا لهذه الحقيقة التي لا يمكن إنكارها في الروايات الشفاهية والمدونة إذ أن كل الناس تنتسب لجد واحد ليس فيه (عرق) رغم شخوص التقاسيم النوبية في أكثر الملامح ورغم وجود التقاليد ذات الجزور النوبية باقية حتى الآن ورغم ظهور الأثر النوبي في لغة الشمال، ويستثنى من ذلك القبائل النوبية في شمالي الشمال الذين لم يتنكروا لهويتهم بل كانوا أكبر المدافعين عنها والمتباهين بها.

إن العداء والتباين بين النوبة المهاجرة والمجموعات الشمالية الحادثة التكوين والتي اصطلح على تسميتها بالعربية تجاوزا رغم عدم انطابق هذا المسمى بصورة كاملة عدا مستوى اللغة والتي لا تصلح كشاهد فذ دون المستويات الأخرى التي تتساوق معها كعناصر إثبات, خلق هذا العداء حالة تحفر وأوقع هزيمة نفسية عميقة في نفوس النوبة أقوى أثرا بكثير من الهزيمة السياسية ، ومن الجانب الآخر أنجب الحال حالة استعلاء .

من أهم مظاهر الهزيمة النفسية التي لحقت بالنوبة (فوبيا الآخر) والتي تتقمص الشخصية النوبية السياسية تقمصا قهريا يصعب الانفكاك منه ، وهي ظاهرة غريبة التوصيف فبينما تجد الشخص شجاعا في نفسه تجده ########ا مع الآخر فهو تركيب جمع التضاد في نفس واحدة وهو أقرب إلى نعته بالعقدة التي تصيب الرجل من حيوان معين ربما كان حيوانا ضعيفا كالهر فينهش الهر الرجل وهو صغير فيشب الرجل ويقوى ويصارع الوحوش ولكنه ينهار ويرتجف ويصعق عندما يرى هراً ، هذه هي فوبيا الآخر التي يعيشها بعض قادتنا السياسيين بزاتها ، فالآخر عندهم هو الإنسان الكامل المثال المقدس ، وقوله لا يحتمل المراجعات ، بعض رجالنا يعتقدون ذلك بلا استحياء ، ومنهم من يرغي ويزبد أمامنا ، ويكيل السباب للآخر أمامنا ,ويلهبنا بكلامه وحماسه أمامنا، ولكنه حينما يصير مع الآخر يصبح كالعنين ، لا يستطيع حتى رفع حاجبه أمام معبوده ، إنها كامل الخشية والخضوع والخشوع التي لوتمثلها الشخص أمام خالقه الحق لرفعته مرتبة الولاية والصديقية والاحسان ‘ فهي أولى , إذن لم يكن الآخر هو السبب الوكيد لواقعنا ، إنما السبب الأول هو بعض قادتنا المصابين بفوبيا الآخر ، الذين لم يقوموا بدورهم في عكس همومنا للآخر ، وإنما عكسوا له كذبا رضانا بواقعنا وفرحتنا بما أصبغه وأناله علينا الآخر من مساواة وتنمية وخدمات ورفاهية ،كما يفعلون الآن‘ إذن إن أردنا الحياة فأول خطواتنا تحرير قاداتنا من هذه الفوبيا ، أو التحرر منهم .

إن من مظاهر هزيمتنا الفكرية و الثقافية تبرؤنا من أهلنا المسيحيين وأصحاب المعتقدات الأخرى كأنهم معرة يلزم دسها واخفائها وهذا الأمر استجابة طبيعية لما يطلبه الآخر ، إن قضيتنا لا تفرق بين مسلم ومسيحي لأنهم لم يفرقوا في إذائنا بين مسلم ومسيحي ولم يفرقوا في استدنائنا بين مسلم ومسيحي ،طالما اتفقنا في الإثنية واللون ، وهذا الأمر ليس بدعة ابتدعتها الدولة العربية في السودان ، إنما كان حاصلا في الدولة العربية الأموية ،فلم يرفع الدخول في الإسلام عن الأعاجم الجزية . لم يكن الدين هو العنصر الوحيد لتوحيد الناس تاريخيا ، ولكن المعاناة والمصير والواقع والقبيلة كانت عناصر بارزة في توحيد الكيانات ، لم يدرأ الدين وقوع الفتنة بين كبار الصحابة في واقعة الجمل التي انتهت بمقتل سبعين ألفا من خيار الصحابة، ولم يدرأ الدين وقوع واقعة صفين واقتتال علي ومعاوية رضي الله عنهما وانقسام الأمة لفرقتين كبيرتين حتى الآن ، لم يحجم الدين خروج عبد الله بن الزبير على الأمويين واتخاذ مكة عاصمة له ولم يكف الدين الأمويين عن دك الكعبة المشرفة بالمنجنيق في حربهم مع ابن الزبير . لا جرم أن الدين لم يأمر بذلك ، ولا جرم أن للدين دور كبير في تهذيب المجتمعات وتحضرها وتوحدها لكن سوء استخدامه أساء إليه . والقول لنا أن إسلامنا يشطرنا عن أهلنا غير المسلمين فيه مكر فالقصد منه اضعاف القضية بشطر الناس وإلا لِمَ يعاني المسلمون منا أيضاً، إن القضية لا علاقة لها بالدين فإنك لو سموت بالتعبد حتى صرت وليا لن يثني ذلك عن نظرهم إليك بنظرة دونية. ولكن للحقيقة فهناك دور ايجابي لعبه الدين أكون غير منصف إن تجاهلته فقد زكر تقرير أفركان رايتس أن النظام وفي زروة حربه ضد النوبة أتى بخبراء عسكريين إيرانيين مجاهدين إلى جبال تلشي ووصلوا ليلا وعند الصباح سمعوا الأذان ينطلق من معسكر المتمردين النوبة في أعلى الجبال فما كان منهم إلا أن أحتجوا لدى قائد القوة فلما لم يستطع تفسير ذلك أعادهم إلى الخرطوم ؟؟؟.

ومن أسواء هزائمنا الفكرية إلتواء مسار القضية والاضطراب في تحديد وجهتها ، فقد وهم بعضنا أن قضيتنا عند الجنوب وبصورة أخرى يعتقد في ظلم الجنوبيين لنا يود أن يقول أن كثيرين من أبناء النوبة قد قاتل مع الجنوبيين ولكن لم ينل النوبة شيئا , يمكن قبول هذا الرأي نظريا في بعض جوانبه وخاصة ممن شارك في حرب الجنوب من النوبة وهم كثر, لكن لا يمكن الأخذ به اطلاقا لأنه يخالف الواقع والحقيقة ، فالجنوب قد حارب منذ 1955 ليعتق نفسه من هيمنة المركز ، والنوبة والبجا والفونج والفور أقاموا كياناتهم المطلبية منذ أكتوبر 1964 لينالوا حقوقهم من المركز ، وكل أهل الهامش فعلوا ذلك ، وحتى بعد نيفاشا ظل الجنوب يشتكي من تلكؤ المركز في انزال بنود نيفاشا ، بل اعتقل المركز فاقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية , وعباس جمعة وزير الدولة بالداخلية عن الحركة في مسيرة الاثنين رغم أنف الدستور هل يا ترى يحدث مثل هذا فى العالم , إن النضالات التي قام بها النوبة مع الجنوبيين إنما تقرأ على أنها على سبيل النصرة لوحدانية الظلم ووحدانية أسباب الظلم , وما ينبغي للنصرة من أجر , فإنك إن رأيت ذلك كنت مرتزقا ليس ثائر ،هذا هو النظر السليم عندي بتجرد دون الخوض في ملابسات خلق نيفاشا وما كان سيكون عليه الأمر لو تمطى مشروع السودان الجديد على حساب المشروع الحضاري أو ما يمكن أن تدخره عاقبة النضالات من كسب استراتيجي عقب 2011 .

ومن مظاهر الهزيمة السياسية أصرار كثير من قادتنا على تعليب الشعب النوبي بجملته داخل أحزابهم مما يتعارض مع المنطق والقضية لأن قضيتنا بشرية في المقام الأول لذا تتجاوز الايدلوجيات حتى تحقق بشريتنا وتقضى قضيتها ثم من بعد للناس الخيار ولكن لا يمتنع التحالف مع من يرفع عنها هذا الأصر أو يقدم لنا بعض الكسب في سبيل مضيها .

إن أكبر تحول في ثقافة الجمال عندنا تفريغ عناصره وإحلال عناصر ثقافات أخرى محله بصورة طغت على الوجدان فما يرى من الجمال الأنثوي مثلا إلا ذاك الذي تجثم فيه بشكل وكيد عناصر الآخر ، ولما كان هذا ممتنعا هرب الكثيرون للتماهي مع نموذج الآخر وهجر نموذجه المهزوم ، والسبب المباشر في هذا ضمور دور اللغة المحلية عندنا بتلاشيها في الخطاب ومن ثم التفكير وبروز العربية محلها خطابا وتفكيرا فأورثتنا إيحائاتها في ثقافة الجمال وغير ذلك, فحطت تلك الايحائات في وجداننا وشكلته , ولا أريد أن أطلق على هذا هزيمة للإضطراب الكبير في تفسير هذا الأمر فقلت (تحول) وما كنت أود التطرق لهذا الأمر لكن فرضه منطق الاستقراء ، لكن مسألة بروز اللغة العربية مسألة غير معيبة بل مطلوبة مع الإحتفاظ بالوجدان والوعي النوبي لإرتباطه بتاريخنا وتكويننا وأخلاقنا وإدراكنا ونظرنا وأشواقنا وفي هذا تحدي كبير جداً

حدث تطور ايجابي في ثقافات الملبس الذي استجاب لاعراف الدين والحضارة وقد نزع نحو العربية أكثر من الأفريقية وليس هذا انهزاما لأن ما اصطلح على تعريفه بالأفريقي في الملبس ليس له مأول عندنا فإن تزيأت بالزي الأفريقي فأنت أيضا مستلف،حاشا في أمر الرياضات والفنون الراقصة فالأفريقية المنتهلة من رمزية الحيوان ملبساً أقرب مأخذا ، والمطعم الذي تطور كذلك لا عيب فيه بل هو مطلوب وإن استدعيت بعض وجباتنا ذات الفائدة الجسمانية إلى الحادثة فذاك أطيب ,ففيها إفادة لمجتمعنا السوداني الكبير .

هناك مسألتان ظلتا بارزتان رغم التطور في معاشنا هما المصارعة والرقص النوبي ,الأولى تسربت إلى المحيط الحولي ونرجوا أن تتمدد إلى مستوى البلاد لتكون أقوى مساهماتنا في وطننا الكبير بروزا ، فقوانينها أكثر حضارية من المصارعة الحرة , والثانية قد سجلت نفسها كفلكلور لكن دورها المجتمعي به بعض تناقص في حركة المجتمع . أما ثقافة الغناء فقد تنائت واختزلت رغم ثرائها بالألحان والإيقاعات لكن ما يؤسف له قرب تلاشي الغناء التراثي الذي يسجل أمجاد الأمة ويحكيها وتوقف إنتاجه ليسجل مستجدات الحوادث , إن في غنائنا التراثي مادة تارخية خصبة فقد ُسجل التاريخ والأيام فيها بصورة متقنة ، كما تعد قاموسا للغة ،إن ما يمكن فعله الآن جمع هذه الملاحم وضبطها وترجمتها .

أما مفهوم الكجور ودوره فمتسع جداً وهو من اكثر الأمور التي تحتاج لإيضاح لما أعترى فهمه من إشاهة , ولقراءته خارج سقفه الزماني، ولا يمكن استيفاء أمره هنا ولكننا نقول إنه مثل دور الرقيب الاجتماعي والأخلاقي والديني عند النوبة قبل ظهور الديانات السماوية المعروفة عندهم ، عليه يجب تناوله بمقتضاه الزماني ، سنمضي في مقالنا الثاني زكر حالة الاستعلاء عند الآخر التي أنجبتها حالة العداء والتحفز وهو موضوع جد خطير.







قاسـم نسيـم حمـاد حـربة

[email protected]


Post: #79
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 01:34 PM
Parent: #78

انتبهوا أيها النوبة ... المجلس القيادي الجديد الجهوية تمشي على قدمين





بسم الله الرحمن الرحيم

*انتبهوا أيها النوبة*

*المجلس القيادي الجديد الجهوية تمشي على قدمين*





تناولت في مقالتي السابقة أمر ال17000 نمرة عسكرية والتي خدعت بها أجهزة دولة
المؤتمر الوطني النظامية أهلنا بالحركة الشعبية وأتت بهم إلى الخرطوم ثم ألقت
بهم في الطرقات ، وتركتُ الأمر رهوا بيد الحاكمين ، إما عولج أو أمضي في غياهبه
حتى آخره ، فقد اخترت طريقي ، ولكن أريد أن أضيف إضافة بسيطة لعلها قد تكون لها
علاقة ما بمقالي هذا وهي أن هناك مجموعات من نفس ولايتنا لكن من إثنية عربية
أتت عقب المجموعة التي تحدثت عنها وتم استيعابها وأضيف أيضا أن هناك مجموعات
نوبية أتت منذ العام 2000 أو قبله مازالت تراوح مكانها ولن أتطرق إلي هذا الأمر
اليوم رغم كثرة مواضيعه، ولكني أريد أن أقول إن هذه الممارسات خليقة بالمؤتمر
الوطني على كل الصعد في تعامله مع النوبة ،فعلى سبيل المثال صار محمد هارون
كافي رئيس اللجنة المركزية للحركة الشعبية قطاع جبال النوبة الموقعة على
اتفاقية جبال النوبة 1997 والامين العام للمجلس الانتقالي والقائد يونس دومي
كالو صارا عضوين مؤسسين للمؤتمر الوطني منذ العام 1998 بفهم منهما أن الولوج
إلى داخل الحزب يعينهما على تنزيل الاتفاقية بصورة أفعل أو كما قالا ،كما انضم
بعد انتهاء أمد المجلس الانتقالي المناط به تنزيل الاتفاقية المهندس اسماعيل
على سعد الدين نائب رئيس اللجنة المركزية للحركة الشعبية والجيش الشعبي قطاع
جبال النوبة ووزير الشئون الانسانية بالمجلس انضم للمؤتمر الوطني بعد انقضاء
أجل المجلس في نوفمبر2005 على وعدٍ بتفعيله سياسيا ليقوم باتمام رسالة المجلس
الانتقالي للسلام جبال النوبة ولم يوفِ المؤتمر الوطني بإلتزامه معهم حتى الآن
ومن جانب آخر دخل المؤتمر الوطني في نفس الفترة تقريبا أحد أبناء الولاية من
اثنية غير نوبية وتم تعيينه في أمانة اتحادية بالمؤتمر الوطني ؟؟؟وبتاريخ (5
أبريل و15 يونيو 2006)، انضمت قيادات من أبناء النوبة والمتمثلة في مجموعة
الدلنج بقيادة المهندس رمضان شاويش أحد الموقعين على اتفاقية جبال النوبة 1997
ومجموعة كادقلي بقيادة الدكتور سر الختم عبد الرحيم توتو ومجموعة المورو بقيادة
المرحوم حامد طاحونة الدقر كوة والمطران بيتر برش وتنظيم الكمولو بالحركة
الشعبية بقيادة عبد الرحمن رجب ، والذين كان انضمامهم عبر التنسيق مع د.جلال
تاور رئيس شعبة جنوب كردفان والأستاذ سليمان سلمان الصافي مشرف دائرة كردفان
الكبرى ، بتشريف ومباركة د. نافع علي نافع وكان قد وعدوا بتفعيلهم سياسيا أيضا
وما زالوا يراوحون مكانهم وسنفرد لأمرهم هذا مقالا بمفرده يحكي تفاصيل أمرهم ،
ومضحكات مآلاتهم ولكن ينبغي أن نشير إلى أنهم قد تيقنوا الآن أن مصيرهم أضحى
مثل مصير من كان قبلهم من النوبة بهذا الحزب وأراهم ينشطون لتنظيم أنفسهم
خروجاً جماعيا عن المؤتمر الوطني كما دخلوه أول مرة وأرجو أن يجد مقالي هذا حظه
من النشر قبل أن يحدثوا من أمرهم شيئاً فأن أكون متنبأً صادقا خير لي من أن
أكون مخبرا ناقلا ، وإنما صدرت مقالي هذا بالحديث عنهم حتى لا يظن ظان أن محنة
النوبة تتمحور في الصعيد العسكري وحده كما خاطبني بعضهم مبررا مذهب المؤتمر
الوطني بمحازير خاصة بل في كل الصعد فهذا العنصر غير مرغوب فيه .

تناولت كل الأقلام الرصينة الحرة والمستقلة انتخابات مجلس شورى المؤتمر الوطني
والمجلس القيادي الذي عليه مناط الأمر كله، وأحاطوا تكوينه تحليلا وتنظيرا فما
وجدوا في تشكيلته كبيرة أو لمما ألا وشرحوها للناس إبانة وتوضيحا ، ولا مطعنا
إلا وأولجوا فيه حرابهم ــ وكله مطاعن ــ ثم تراخت الأقلام لتقادم
الزمان، ولتلاحق
أحداثا أخرى تغص بها الساحة السياسية السودانية المضطربة في السودان الذي زادت
فيه وتيرة حمى السياسة مع اقتراب قيام الانتخابات .

ما كنت أود أن أطرق هذا الباب ، لكني رأيت نفسي مدفوعا دفعا إلى الكتابة
عنه أيضا ، أتناوله من زاويتين ، قومية وولائية حيث أني من ولاية كانت محصلتها
صفرا كبيرا في انتخابات التصعيد للمجلس القيادى ، وهي ذات الولاية التي خدعت
الدولة أبناءها كما ذكرت في المقال السابق ورمت بهم في طرقات الخرطوم يتوسدون
الثرى ويبيتون القوى لكن قلوبهم مناطة بالثريا فقد جاء في الأثر أنه لو تعلق
قلب المرء بالثريا لنالها ، فليس من عجب أن تهمل سياسييها ولو كانوا في الحزب
الحاكم ، ولو كانوا من أهل السبق .

رغم زعم قيادة المؤتمر الوطني أن حزبها حزب ديمقراطي فبالتالي كان عليها
أن تسقط أدبيات الأمرة التنظيمية للأبد والتي كانت تكاليفها واجبة النفاذ
ممتنعة النقاش لأن طاعة الأمير من الدين ، ولأنه يعلم ما لا تعلمون ، ولأن
المعرفة على قدر الحاجة ولأن ولأن ..... وهلم جرا . ولكن القيادة الحالية كانت
قد انقلبت على شيخها ومربيها وواضع منهجها، بل رمت به في غياهب السجون وأذاقته
الأمرين وخرجت عن الطاعة التنظيمية ، ونصبت من نفسها أميرة محل تلك التي سلفت
فلا يستقيم لها أن تأمر الناس بالطاعة التي هي أول من خرج عنها ، وابتدعت سنةً
كانت قبلا تزورُّ عنها ، وترمي من خرج عنها بالموبقات ، فحاكت النظم
الديمقراطية الغربية المتبعة لتخرج من هذا الحرج ، وتبنت حزبا ديمقراطيا ليس
فيه تسلط أو كهنوت كما تزعم ، عليه ينبغي أن نفهم أن حزب المؤتمر الوطني بصورته
الحالية لا يختلف عن أي حزب ديمقراطي في العالم أو هكذا جعلوا صورتهم أن تبدو .
ورغم أن الولاية الشمالية الكبرى تاتي في مرتبة متواضعة من حيث السكان مضاهاة
بباقي الولايات أو قل لا تأتي في المرتبة الأولى على الأقل ‘خذ ولاية الجزيرة
الكبرى أو دارفور الكبرى معيارا إن شئت ،ورغم الوجود الكبير للحزب الاتحادي
الديمقراطي في الولاية الشمالية ، ورغم ولوج كل أهل السودان شمال خط 1956 في
هذا الحزب العملاق ،كذبا كان ذلك أم صدقا ، رياءً أم حقيقة ،قناعةً أم مواربة ،
رغبة أو رهبة رغم كل ذلك لم تستطع جماهير ولايات السودان الأخرى أن تدفع
بقياداتها لسدة قيادة المؤتمر الوطني.

لم تستطع دارفور الكبرى أن تدفع ولو بواحد فقط يمثلها لم تستطع النيل
الأزرق والشرق والجنوب ، لم تستطع كردفان سوى شمالها الذي مثل برجلين أما جنوب
وغرب كردفان فالمحصلة صفرا كبيرا قبل الاستكمال. لا نفسر هذه الصورة إلا بتفسير
واحد هو أن القيادة العليا النافذة في الحزب أرادت ذلك ، ولكن لماذا أرادت ذلك
والحزب يواجه انتخابات قومية أصبحت على الأبواب ، إنه لسؤال محير ومربك حقا ،
صحيح انها لن تكون نزيهة وحرة ولكن من باب التأدب كان يجب علي المجلس القيادي
أن يسفر عن وجهه وهو يحمل جميع صور الطيف السوداني ، بل من باب النفاق السياسي
كان ينبغي عليه أن يفعل ذلك عسى أنه حينما يفوز الرئيس بأكثر من 80% من الأصوات
يكون الأمر مبرراً لكنه لم يفعل ذلك لماذا لا أرى إلا الصلف والعنجهية والكهنوت
.

لكأنهم يريدون أن يدجنوا الناس على أن هذه الجهة هي التي يجب أن تحكم
هذا الحزب ومن ثم هذا البلد لأنهم أشرف الناس نسبا ، وأقربهم إلى الرسول رحما
ولعلهم توهموا وأرادوا أن يوهموا أن دماءهم دماءً مقدسة أتت من السماء تصافح
الأرض لتضع النطفة
بقلم حماد حربة

Post: #80
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 01:36 PM
Parent: #79

النوبة بين الهزيمة والإستعلاء ( 2)



قاسم نسيم حماد حربة



عددنا في مقالنا السابق أنماط الهزائم النفسية عند النوبة ،وسبقنا ذلك بسرد وتحليل الأسباب التي أدت إلى تلك الهزائم واجتهدنا في الاحاطة بها , وسنحاول في هذا المقال تناول ظاهرة الاستعلاء والتهميش عند الآخر كموجب طبيعي لظاهرة الانهزام السالبة .
إن وقوع التهميش على النوبة حقيقة لا سبيل إلى إنكارها ، فعلى مدار التاريخ المنظور اشتكى النوبة منه ، ففي التاريخ المنظور كان وصول الأتراك لحكم السودان أكبر إيذانا بتكثيف عملية استرقاق السود ومن بينهم النوبة ، حيث كانوا يستوعبون في الجيش المصري كجهادية وآخرون يستوعبون في العمل المنزلي كخدم في الشمال وكرد فعل رافض للاستعلاء الذي يسلبهم آدميتهم قاموا بعدة ثورات طلبا للحرية أهمها ثورة كسلا (1864-1865 م) وقد استسلموا بخديعة لقاء وعدهم بالحرية لكنهم أعدموا أما قائدهم الصاغقول أغوس فقد صلب في المشنقة أربعة وعشرين ساعة ثم قضى ،وقد وعد الأمام المهدي الرقيق السود الذين يدخلون الجهادية بالعتق وتعويض مالكيهم لكنه لم يفعل ذلك لكثرتهم لكن صارت شهادة الجهادية تقبل في المحاكم كتطور ايجابي في إنسانيتهم في المهدية حسب مقياس ذلك الزمان. أما النساء فكن يبعن في الأسواق . نتيجة للنزوع نحو التحرر قام الجهادية السود في عام( 85-1887 م) بثورة في الأبيض شارك فيها حتى عبيد المنازل والنساء واحتلوا الأبيض وساروا نحو جبال النوبة حيث كونوا جمهورية هناك , ألا أن حمدان أبو عنجة تعقيهم هناك وقتل ثلاثة من قوادهم وجز رؤوسهم وأرسلها للخليفة عبد الله في أمدرمان الذي أمر بتعليقها في المساجد ثم أمر بدفنها في الخرطوم مع رمم الكفار. كان عدد الجهادية في المهدية مساويا لعدد جيش المهدية من الشماليين أو يذيد وكان عدد الرقيق في أمدرمان يساوي عدد الأحرار مما يطلعك على ضخامة عمليات الاسترقاق وعظم الفاقد من السود. وقد لعب الجهادية السود دورا كبيرا في حروب المهدية لكنهم كانوا يوضعون في الخط الأمامي بينما يبقى العرب في المؤخرة انظر Ohrwal drl,OP.Cir,P.112 .
وقعت حكومة الحكم الثنائي أول معاهدة لمنع الرق في السودان في أغسطس 1898 م وكان كتشنر يعتقد بأن الرق جزء من ثقافة العربي وعرفه برز ذلك في مذكرته السرية التي كتبها في مارس 1899 لذا ونتيجة لهذا الاعتقاد الذي أيده الواقع الشمالي من مقاومة لتحرير السود وفي عام 1905 سنت الحكومة قانون المشردين والذي حاول تحجيم ظاهرة ترك السود لأسيادهم والذي تقول أهم بنوده :إذا أتضح أن الرقيق ليس له ضامن يقنع القاضي الرقيق بالعودة لسيده . وفي عام 1924 أقرت السلطات مبدأ الفدية .كان الرق والسواد مترادفتان يؤكد ذلك مذكرة مدير مديرية النيل الأبيض للسكرتير الإداري التي يقول فيها :( ولضمان تسجيل كل الأرقاء المسترقين حديثا تقرر تسجيل كل السود ) وما جاء في فقرة من تقرير ولس سنة1926 تقول: (أصبح وضع الأرقاء أقرب إلى أنه مسألة اللون والمركز الإجتماعي منه إلى إدعاء أو دعوى يستطيع المالك أن يرفعها) .كانت القيادات الشمالية العربية السياسية والقبلية والدينية تعترض على تحرير السود ففي 6 مارس 1925 رفع السيد علي الميرغني والشريف يوسف الهندي وعبد الرحمن المهدي مذكرة لمدير المخابرات يعترضون فيها على العتق مبررين قولهم هذا بأن عملية العتق ستخلق شرا عظيما.
ظل تأجير الإماء للبغاء سنة حتى 24 أبريل 1924 حيث صدر توجيه من السكرتير الإداري دان فيه هذه الممارسة ، وقد ظل الرق مستمراً حتى الخمسينيات ففي سبتمبر 1952 أصدر قاضي القضاة منشورا يقضي بالتحري في مسألة الأمة إذا خرجت عن يد سيدها وألزم في حال أصرت الأمة على الخروج أن يعطى الولد لوالده دون اعتبار لكونها كانت زوجة أو أمة ، ثم سكتت القوانين بعد ذلك عن الإشارة لمسألة الرق ولم يصدر قانون قاطعا في هذه المسألة.
إن أهم أسباب انقسام جمعية الإتحاد السوداني وتأسيس اللواء الأبيض تعود لنظرة النخب الشمالية الاستعلائية ، فبالرغم من اتفاقهما في مفهوم وحدة وادي النيل بل دافعت اللواء الأبيض علناً عن تلك الوحدة بجعل خريطة وادي النيل في علمها ، وقد بان هذا الصراع في النداء الذي أصدرته اللواء الأبيض بعنوان ( نداء السودان إلى الأمة البريطانية) تعقيبا على وثيقة القادة الدينيين والقبليين الشماليين الذين فوضوا الإنجليز حق السودانيين فقد تضمن الفقرة الآتية (إن القادة الدينيين والقبليين لا يمثلون الشعب السوداني وليسوا مخولين للتحدث باسمه) وبين الوثيقة الشهيرة الموقعة باسم (ناصح أمين) والتي وزعت في 1920 من قبل الإتحاد السوداني فلم تهاجم القادة الدينيين والقبليين بل بررت لهم بأن أسماءهم قد استخدمت من قبل الإنجليز وكان تركيزها على استعباد الإنجليز للشماليين قالت الوثيقة: ( إن البريطانيين مدانون طالما أهانوا الناس ذوي الشأن ورفعوا الطبقات الدنيا وال########ة ) عليه فقد كانت الجمعيتان متفقتين على وحدة وادي النيل وعلى تفويض المصريين حقوقهم في المفاوضات وكانت نقطة خلافهم هي أي قسم من السودانيين يحق له التحدث باسم الشعب السوداني. ومواصلة لتعميق هذه النظرة الشمالية الاستعلائية وبروزها في صورة تجعلهم هم فقط الأسياد وما سواهم من السودانيين ليسوا مثلهم بل ليس هناك ما يسمى بشعب سوداني أصلا جمع سليمان كشة في 1923 وكجزء من أنشطة الاتحاد السوداني القصائد التي تليت في ليلة المولد ونشرها في كتاب صدرها بقوله: ( إلى شعب عربي كريم ) واعترض علي عبد اللطيف (نباوي من كادقلي قبيلة ليما وأمه من الدينكا خلافا لما يعتقده كثيرون) على هذه العبارة وقال: بل يجب أن يكتب ( إلى شعب سوداني كريم ) وأشتد الاختلاف وعلى إثره انشقت الجمعية وأسس علي عبد اللطيف جمعية اللواء الأبيض وقد كتب سليمان كشة في الصحف: ( من هو علي عبد اللطيف وابن من هو وإلى أي قبيلة ينتسب) ؟؟؟ .
في عام 1965 استطاع اتحاد عام جبال النوبة استطاع إسقاط الدقنية التي كانت مفروضة على قبائل النوبة حتى ذاك التاريخ ، في ظل حكومة جعفر نميري. سعى لإفراغ العاصمة أبناء الغرب والنوبة واستخدم أسلوب الكشات المأساوي في ربيع الثمانينات. ثم بدأت الأبادة لقبيلة النوبة من النصف الثاني لثمنينات القرن المنصرم حتى منتصف تسعينياته وقد ألمحنا لبعض تفاصيلها في مقال سابق .
إن أهم سمات تعامل المركز مع العنصر النوبي هي العقلية الأمنية التي تحل محل العقلية السياسية ، فمظهر تعامل المركز معنا هو مظهر أمني والواجهات التي يقيمها لنا المركز هي واجهات أمنية والملفات التي تخصنا أما أمنية وإما المسؤول عنها رجل أمن هذا هو أكبر خطأ وقع فيه المركز تجاهنا عليه لن تنجح سياسات الانقاذ تجاه النوبة أبدا طالما لم يتخل عن هذه العقلية الأمنية بعقلية سياسية ، وسبب انزال هذه العقلية الأمنية هو الريبة تجاه هذا الجنس ، والريبة تسببت في شيئ آخر هو اعتماد المركز على قيادات هشة ريبة في القيادات القوية وهذا خطأ آخر ضاعف من فشل المؤتمر الوطني مع النوبة. وكلا الخطأين لا يخلوان من أمرين هما أن الانقاذ أما تجهل النوبة أو أن الإنقاذ جاءت بأيدلوجية تخاصم النوبة .
من البديهي صعوبة خلق توائم مع المجموعات الأفريقية بالسودان وحكومة الإنقاذ لتقعُّد هذا النظام على فلسفة عروبية تامة في كل مناحيه وفي احتذائه لسلوك عراق صدام تجاه القوميات غير العربية كالأكراد رغم اسلاميتها ، فهناك تشابه بين واقعهم وواقع دارفور الآن وواقع جبال النوبة في تسعينات القرن المنصرم والذي نخشى تكراره، وإن كان في جبال النوبة وجود للمسيحية مما يشي بالتباين الديني بين بعض النوبة والشمال فإن دارفور أكبر مظهر فيها هو خلاوى القرآن .
إن نظام الانقاذ ذو التوجه العروبي القافز على حقائق المنطق والتاريخ والجغرافيا المتجاوز للدور النوبي فيها ودوره المشكل لقبائل شمال السودان، والمتخاصم مع أهل العربية الأصلاء الذين كانوا خرجوا عليه في شرق السودان والذين يلونهم نقاءَ في الجزيرة وكردفان ودارفور يقع في تناقض كامل في جميع مساراته بهذه الكيفية ، لأن الأعراب الأكثر قربا للعروبة لا يساكنوهم جهة، فالتوصيف الدقيق أنهم جهويون أستعاروا العربية لبوسا تتزيأ به تلك الجهة وبمفهوم المخالفة يتعرى العرب الأصلاء عن عربيتهم لكونهم لم يوجدوا في تلك البقعة المباركة بإذن الله ؟؟؟ ، إنه مفهوم معقد لا يستقيم لكل ذي لب وفكر قويم .
لذا ومهما تنطع النوبة وعَرِبوا لسانا وثقافة وفكرا فلن يعدوا في أفضل المستويات أن يكونوا في مصاف موالي الدولة الأموية ليس إلا طالما تتحكم في البلاد دولة تقفوا أثر الدولة الأموية وتتخذ من القبيلة ايدلوجية . هذا ما علمنا له التاريخ ، إنها محنة حقيقية يذيد من وقعها أننا لم نعبر إلى هذا البلد وأننا نعيش في كنف القرن الواحد وعشرين وتحزمنا حكما أدبيات القرن السادس الميلادي .لذا يصعب على النوبة التلاقي مع هذا الفكر . ولهذا حزم أهل الجنوب حالهم ليغادروا هذا البلد ويكونوا بلدا جديدا لادراكهم لهذه الحقيقة التي تجلت عندهم فهزمت عاطفة الوحدة الطفلة , فرغم مرارة هذا الخيار فهو أحكم لديهم من البقاء في دولة ينافق فكرها واقعها ، فهم يرون أنه بعد 2011 تسقط كل ميزات نيفاشا ويعودون كأول مرة تبعاً وفي هذا إهدار لأرواح ودماء آلافهم الذين قضوا في حربهم الطويلة ، ورغم تيقننا من أن الحركة الشعبية وأحزاب الشمال المعارضة كانت كفيلة بإسقاط المؤتمر الوطني إن توحدت ,لكن يبدوا أن الجنوبيين غير مستعدين لخوض مغامرة جديدة .
يصعب على النوبة التلاقي مع فكر المؤتر الوطني إلا إذا تخلى عنه نتيجة للمدافعة ولكنها قد تكون من قبل التحرف السياسي ليس إلا ولكن قد ينتج من التحرف السياسي في جدار الانقاذ الفولاذي بعض ثقب كما حدث له في نيفاشا وهو في نفسه بعض خير أما القضايا الكلية للنوبة فلا سبيل إليها إلا بذهاب الانقاذ البتة ليس سوى ذلك .
قاسـم نسيـم حمـاد حـربة
[email protected]

--
قاسم نسيم حماد حربة
[email protected]

Post: #81
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 01:39 PM
Parent: #80

انتبهوا ايها النوبة 00 المجلس القيادي الجديد الجهوية تمشي على قدمين


*قاسم نسيم حماد حربة*




انتبهوا أيها النوبة ... المجلس القيادي الجديد الجهوية تمشي على قدمين





بسم الله الرحمن الرحيم

*انتبهوا أيها النوبة*

*المجلس القيادي الجديد الجهوية تمشي على قدمين*





تناولت في مقالتي السابقة أمر ال17000 نمرة عسكرية والتي خدعت بها أجهزة دولة
المؤتمر الوطني النظامية أهلنا بالحركة الشعبية وأتت بهم إلى الخرطوم ثم ألقت
بهم في الطرقات ، وتركتُ الأمر رهوا بيد الحاكمين ، إما عولج أو أمضي في غياهبه
حتى آخره ، فقد اخترت طريقي ، ولكن أريد أن أضيف إضافة بسيطة لعلها قد تكون لها
علاقة ما بمقالي هذا وهي أن هناك مجموعات من نفس ولايتنا لكن من إثنية عربية
أتت عقب المجموعة التي تحدثت عنها وتم استيعابها وأضيف أيضا أن هناك مجموعات
نوبية أتت منذ العام 2000 أو قبله مازالت تراوح مكانها ولن أتطرق إلي هذا الأمر
اليوم رغم كثرة مواضيعه، ولكني أريد أن أقول إن هذه الممارسات خليقة بالمؤتمر
الوطني على كل الصعد في تعامله مع النوبة ،فعلى سبيل المثال صار محمد هارون
كافي رئيس اللجنة المركزية للحركة الشعبية قطاع جبال النوبة الموقعة على
اتفاقية جبال النوبة 1997 والامين العام للمجلس الانتقالي والقائد يونس دومي
كالو صارا عضوين مؤسسين للمؤتمر الوطني منذ العام 1998 بفهم منهما أن الولوج
إلى داخل الحزب يعينهما على تنزيل الاتفاقية بصورة أفعل أو كما قالا ،كما انضم
بعد انتهاء أمد المجلس الانتقالي المناط به تنزيل الاتفاقية المهندس اسماعيل
على سعد الدين نائب رئيس اللجنة المركزية للحركة الشعبية والجيش الشعبي قطاع
جبال النوبة ووزير الشئون الانسانية بالمجلس انضم للمؤتمر الوطني بعد انقضاء
أجل المجلس في نوفمبر2005 على وعدٍ بتفعيله سياسيا ليقوم باتمام رسالة المجلس
الانتقالي للسلام جبال النوبة ولم يوفِ المؤتمر الوطني بإلتزامه معهم حتى الآن
ومن جانب آخر دخل المؤتمر الوطني في نفس الفترة تقريبا أحد أبناء الولاية من
اثنية غير نوبية وتم تعيينه في أمانة اتحادية بالمؤتمر الوطني ؟؟؟وبتاريخ (5
أبريل و15 يونيو 2006)، انضمت قيادات من أبناء النوبة والمتمثلة في مجموعة
الدلنج بقيادة المهندس رمضان شاويش أحد الموقعين على اتفاقية جبال النوبة 1997
ومجموعة كادقلي بقيادة الدكتور سر الختم عبد الرحيم توتو ومجموعة المورو بقيادة
المرحوم حامد طاحونة الدقر كوة والمطران بيتر برش وتنظيم الكمولو بالحركة
الشعبية بقيادة عبد الرحمن رجب ، والذين كان انضمامهم عبر التنسيق مع د.جلال
تاور رئيس شعبة جنوب كردفان والأستاذ سليمان سلمان الصافي مشرف دائرة كردفان
الكبرى ، بتشريف ومباركة د. نافع علي نافع وكان قد وعدوا بتفعيلهم سياسيا أيضا
وما زالوا يراوحون مكانهم وسنفرد لأمرهم هذا مقالا بمفرده يحكي تفاصيل أمرهم ،
ومضحكات مآلاتهم ولكن ينبغي أن نشير إلى أنهم قد تيقنوا الآن أن مصيرهم أضحى
مثل مصير من كان قبلهم من النوبة بهذا الحزب وأراهم ينشطون لتنظيم أنفسهم
خروجاً جماعيا عن المؤتمر الوطني كما دخلوه أول مرة وأرجو أن يجد مقالي هذا حظه
من النشر قبل أن يحدثوا من أمرهم شيئاً فأن أكون متنبأً صادقا خير لي من أن
أكون مخبرا ناقلا ، وإنما صدرت مقالي هذا بالحديث عنهم حتى لا يظن ظان أن محنة
النوبة تتمحور في الصعيد العسكري وحده كما خاطبني بعضهم مبررا مذهب المؤتمر
الوطني بمحازير خاصة بل في كل الصعد فهذا العنصر غير مرغوب فيه .

تناولت كل الأقلام الرصينة الحرة والمستقلة انتخابات مجلس شورى المؤتمر الوطني
والمجلس القيادي الذي عليه مناط الأمر كله، وأحاطوا تكوينه تحليلا وتنظيرا فما
وجدوا في تشكيلته كبيرة أو لمما ألا وشرحوها للناس إبانة وتوضيحا ، ولا مطعنا
إلا وأولجوا فيه حرابهم ــ وكله مطاعن ــ ثم تراخت الأقلام لتقادم
الزمان، ولتلاحق
أحداثا أخرى تغص بها الساحة السياسية السودانية المضطربة في السودان الذي زادت
فيه وتيرة حمى السياسة مع اقتراب قيام الانتخابات .

ما كنت أود أن أطرق هذا الباب ، لكني رأيت نفسي مدفوعا دفعا إلى الكتابة
عنه أيضا ، أتناوله من زاويتين ، قومية وولائية حيث أني من ولاية كانت محصلتها
صفرا كبيرا في انتخابات التصعيد للمجلس القيادى ، وهي ذات الولاية التي خدعت
الدولة أبناءها كما ذكرت في المقال السابق ورمت بهم في طرقات الخرطوم يتوسدون
الثرى ويبيتون القوى لكن قلوبهم مناطة بالثريا فقد جاء في الأثر أنه لو تعلق
قلب المرء بالثريا لنالها ، فليس من عجب أن تهمل سياسييها ولو كانوا في الحزب
الحاكم ، ولو كانوا من أهل السبق .

رغم زعم قيادة المؤتمر الوطني أن حزبها حزب ديمقراطي فبالتالي كان عليها
أن تسقط أدبيات الأمرة التنظيمية للأبد والتي كانت تكاليفها واجبة النفاذ
ممتنعة النقاش لأن طاعة الأمير من الدين ، ولأنه يعلم ما لا تعلمون ، ولأن
المعرفة على قدر الحاجة ولأن ولأن ..... وهلم جرا . ولكن القيادة الحالية كانت
قد انقلبت على شيخها ومربيها وواضع منهجها، بل رمت به في غياهب السجون وأذاقته
الأمرين وخرجت عن الطاعة التنظيمية ، ونصبت من نفسها أميرة محل تلك التي سلفت
فلا يستقيم لها أن تأمر الناس بالطاعة التي هي أول من خرج عنها ، وابتدعت سنةً
كانت قبلا تزورُّ عنها ، وترمي من خرج عنها بالموبقات ، فحاكت النظم
الديمقراطية الغربية المتبعة لتخرج من هذا الحرج ، وتبنت حزبا ديمقراطيا ليس
فيه تسلط أو كهنوت كما تزعم ، عليه ينبغي أن نفهم أن حزب المؤتمر الوطني بصورته
الحالية لا يختلف عن أي حزب ديمقراطي في العالم أو هكذا جعلوا صورتهم أن تبدو .
ورغم أن الولاية الشمالية الكبرى تاتي في مرتبة متواضعة من حيث السكان مضاهاة
بباقي الولايات أو قل لا تأتي في المرتبة الأولى على الأقل ‘خذ ولاية الجزيرة
الكبرى أو دارفور الكبرى معيارا إن شئت ،ورغم الوجود الكبير للحزب الاتحادي
الديمقراطي في الولاية الشمالية ، ورغم ولوج كل أهل السودان شمال خط 1956 في
هذا الحزب العملاق ،كذبا كان ذلك أم صدقا ، رياءً أم حقيقة ،قناعةً أم مواربة ،
رغبة أو رهبة رغم كل ذلك لم تستطع جماهير ولايات السودان الأخرى أن تدفع
بقياداتها لسدة قيادة المؤتمر الوطني.

لم تستطع دارفور الكبرى أن تدفع ولو بواحد فقط يمثلها لم تستطع النيل
الأزرق والشرق والجنوب ، لم تستطع كردفان سوى شمالها الذي مثل برجلين أما جنوب
وغرب كردفان فالمحصلة صفرا كبيرا قبل الاستكمال. لا نفسر هذه الصورة إلا بتفسير
واحد هو أن القيادة العليا النافذة في الحزب أرادت ذلك ، ولكن لماذا أرادت ذلك
والحزب يواجه انتخابات قومية أصبحت على الأبواب ، إنه لسؤال محير ومربك حقا ،
صحيح انها لن تكون نزيهة وحرة ولكن من باب التأدب كان يجب علي المجلس القيادي
أن يسفر عن وجهه وهو يحمل جميع صور الطيف السوداني ، بل من باب النفاق السياسي
كان ينبغي عليه أن يفعل ذلك عسى أنه حينما يفوز الرئيس بأكثر من 80% من الأصوات
يكون الأمر مبرراً لكنه لم يفعل ذلك لماذا لا أرى إلا الصلف والعنجهية والكهنوت
.

لكأنهم يريدون أن يدجنوا الناس على أن هذه الجهة هي التي يجب أن تحكم
هذا الحزب ومن ثم هذا البلد لأنهم أشرف الناس نسبا ، وأقربهم إلى الرسول رحما
ولعلهم توهموا وأرادوا أن يوهموا أن دماءهم دماءً مقدسة أتت من السماء تصافح
الأرض لتضع النطفة

Post: #82
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 02:55 PM
Parent: #81

ارسل الموضوع لصديق
نسخة سهلة الطبع

جنوب كردفان.. والانتخابات في السُّودان (3)



الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان بولاية جنوب كردفان.. حيثيات مقاطعة الانتخابات التي تجري عملياتها الآن



تقرير: الدكتور أبكر آدم إسماعيل

تدقيق: الدكتور عمر مصطفى شركيان







مقدمة:

تعتبر ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة من أكثر المناطق تعرضاً للتهميش عبر تاريخ السُّودان. كما أنَّ الحرية والإرادة الشعبية للمواطنين قد تعرَّضت للتغييب بواسطة الأنظمة الشموليَّة، مما حدا بالكثير من أبنائها للانخراط في حرب التحرير منذ بداياتها في أوائل الثمانينيَّات. وهي أيضاً من أكثر المناطق التي تأثرت بالحرب والعنف والقتل، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانيَّة (تقرير كاسبر بيرو). هذا بالإضافة لتعرضها لتدمير البيئات الاجتماعية من خلال التنزيح القسري للمواطنين، مما أدى إلى تهتك النسيج الإجتماعي والثقافي بما يرقى إلى جريمة الإبادة الجماعية. وقد كافحت الحركة الشعبيَّة من أجل أن ينال مواطني المنطقة حقهم في العودة إلى مواطنهم ورتق نسيجهم الاجتماعي والثقافي، وأن ينالوا حقهم في التعبير عن إرادتهم وحقهم في التنمية والوحدة الطوعية، وذلك بطرح حق تقرير المصير لضمان تحقيق أعلى سقف للمطالب المشروعة لأهل المنطقة في الحرية والسلام والتنمية والازدهار. ولما كان هناك بعضاً من أبناء المنطقة من المنضوين تحت لواء المركزية الحاكمة فقد وقفوا ـ وللمفارقة ـ ضد مطالب أهلهم ومنطقتهم المشروعة وادعوا عكسها في أثناء المفاوضات، مما انعكس سلبا على سقف المكاسب في التنمية، وتأجيل البت في بقية المطالب المشروعة لآلية المشورة الشعبية وفق النتائج التي تفرزها الإنتخابات التي حددتها اتفاقية السلام الشامل، والتي اشترطت أن تكون حرة ونزيهة ومعبرة عن الإرادة الحقيقية لمواطني المنطقة لممارسة هذه المشورة الشعبية.



مفهوم الانتخابات

وكما هو معلوم، فالانتخابات هي آلية ابتدعتها الأنظمة الديمقراطية للتعبير عن الإرادة الشعبيَّة ولتكون وسيلة للتداول السلمي للسلطة؛ غير أن الانتخابات، كآلية، قد صارت تستخدم من قبل الأنظمة الديكتاتورية والشمولية لتزييف الارادة الشعبية وإضفاء المشروعية على النظم الديكتاتورية والشمولية كما حدث في عهد النميري، 1972م، 1974م، 1978م، 1982م، وأيضاً كما كان يحدث في الانتخابات غير الحرة وغير النزيهة التي أجرتها الإنقاذ في 1996م، وانتخابات التوالي، التي أتت بعد دستور 1998م، في 2001م.



ما هي الإنتخابات المقصودة في إتفاقية السلام الشامل؟

عندما تطرقت الاتفاقية للانتخابات، نصت على أن تكون انتخابات حرة ونزيهة لتعبر تعبيراً حقيقيَّاً عن إرادة الشعب ولا ينبغي أن تكون غير ذلك.



معايير حرية الإنتخابات:

إن أهم معايير حرية الانتخابات هي:

(1) احترام حكم القانون.

(2) احترام مبدأ التنافسية.

(3) كفالة الحريات المدنية المتمثلة في:

· حرية التعبير.

· حرية التنظيم.

· حرية النشاط السياسي.

(4) البيئة السياسية المواتية ـ وهذا ما أجملته اتفاقية السلام الشامل في "التحول الديمقراطي،" لأنه لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل بيئة سياسية شمولية.



معايير نزاهة الانتخابات:

ومن أهم معايير نزاهة الانتخابات:

أ/ نزاهة الأجهزة التي تدير العمليات الانتخابية وذلك أن تتحلى بالاستقلالية والحيادية والكفاءة.

ب/ الشفافية في إدارة العملية الانتخابية.

ج/ تكافؤ الفرص.

د/ استقلال القضاء.

هـ/ القانون العادل وسلامة تطبيقه.



الانتخابات والتعداد السكاني:

لقد ربطت الاتفاقية والدستور الانتخابات بالتعداد السكاني ليكون أساسا موضوعيا لتوزيع السلطة والثروة. وذلك بتوزيع الحصص الانتخابية على المستوى القومي والولائي. ومما لا يخفى على أحد أن التعداد المقصود هو تعداد حقيقي مبرأ من الأغراض والتزييف والمرتبط بالأحجام الحقيقي للسكان (الاتفاقية ـ ملحق رقم 1، المواد: 1-8-1، 1-8-2، 1-8-8، 1-8-9 ؛ الدستور الإنتقالي، ملحق رقم 2، المواد: 214، 215).



التعداد السكاني وأهمية العودة الطوعية:

بالنسبة لولاية جنوب كردفان، لايمكن فصم التعداد السكاني المعني في الاتفاقية عن العودة الطوعية للنازحين واللاجئين. لأن أي تعداد سكاني يجري دون مراعاة العودة الطوعية لمنطقة تعرضت للتنزيح القسري لمواطنيها يكون مضللا ـ كما سنرى لاحقاً (الاتفاقية في المادة (1ـ8ـ5)، والدستور، المادة 82ـ ز).



خصوصية الانتخابات وأهميتها بالنسبة لولاية جنوب كردفان:

بالإضافة لأهمية الانتخابات على مستوى البلاد ككل، فإن لها أهمية خاصة في ولاية جنوب كردفان، لأنها مرتبطة بالمشورة الشعبية وبالتالي سقوف المطالب المشروعة في التنمية وتوزيع الثروة وبقية الحقوق الاجتماعية والثقافية (مقارنة مع مكاسب الجنوب) ـ (المشورة الشعبية، ملحق رقم 4).



وعليه، هل يمكن أن تكون الانتخابات التي تجرى عملياتها الآن حرة ونزيهة لتعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب والأهداف التي من أجلها وقَّعت اتفاقيَّة السَّلام؟



إنَّ الانتخابات التي تجري عملياتها الآن لا يمكن أن تكون حرة ونزيهة ومعبِّرة عن إرادة الشعب. وذلك للأسباب الآتية:

1ـ عدم استيفائها متطلبات الانتخابات التي حددتها اتفاقيَّة السَّلام الشامل، وذلك من خلال:

أ/ التعطيل والتعويق المتعمد لبرامج العودة الطوعية وإغراء بعض النازحين بإعادة التوطين في المناطق التي نزحوا إليها ـ كخطوة أولى للتزوير.

ب/ إثارة القلاقل الأمنيَّة في الولاية والتي طالت حتى المناطق التي لم تكن مسرحاً للعمليات في أيام الحرب (راجع تقارير اليونيميس في الفترة من 2005م-2008م).

ج/ تعطيل الصرف على التنمية لاستغلال أموالها للدعاية الإنتخابية في السنة الأخيرة. فمثلا لم يتم رصف متر واحد في طريق الدلنج كادوقلي المتوقف في منطقة الدشول، حوالي 50 كيلومتر جنوب الدلنج، منذ العام (2004م) ولكن بقدرة قادر تم رصفه في أشهر معدودة في العام 2009م ليعقب ذلك إقامة المهرجانات الرئاسية ثم البدء في تعبيد المئات من الكيلومترات من الطرق الداخلية الولائية مصاحبة بالتحركات الاستعراضية للدعاية الانتخابية.

وقد انعكس كل ذلك سلبا على نتائج التعداد السكاني في الولاية مما أعطى حجما مضللا لعدد سكان الولاية هذا بالإضافة لعمليات التزوير التي جرت للتعداد السكاني في البلاد ككل.



تزوير التعداد السكاني:

لقد قامت أجهزة المؤتمر الوطني، المتمثلة في الجهاز المركزي للإحصاء والمفوضية القومية للاحصاء السكاني بتزوير التعداد السكاني في كل البلاد بما يتوافق مع رغبة المؤتمر الوطني كأساس أول لتزوير الانتخابات. إلا أن ولاية جنوب كردفان نالت القدر الأكبر من التزوير (أنظر تقرير التعداد السكاني) والذي تمثل في:

أ/ تقليص حجم السكان في الولاية لما يقارب النصف وبالتالي سرقة نصيبها من السلطة والثروة، على المستوى القومي (بما لا يقل عن 10 مقاعد قومية) ومنحه لمناطق أخرى. فقد كان حظ الولاية من مقاعد البرلمان القومي 6% من المقاعد، فإذا اخذنا نفس النسبة وطبقناها فكان يجب أن تنال الولاية 27 مقعدا في البرلمان القومي بدلا من المقاعد الـ17 التي حددتها مفوضية الانتخابات.

ب/ أما في داخل الولاية، وبسبب هذا التعداد المطبوخ بقصد، فقد تم تقليص حجم السكان في مناطق بعض الإثنياث وتضخيمه في مناطق إثنيات أخرى في تحيز عنصري يندى له الجبين؛ فمثلا منطقة الدائرة الجغرافية 235 أبوجبيه التي كانت دائرة قومية واحدة، في انتخابات 1986م منحت الآن 5 دوائر ولائية، بينما وريفي كادوقلي المكون من أربع محليات (أم دورين، البرام، هيبان، الكويك) منح دائرة ولائية واحدة هي الدائرة الولائية (14) التي يقول التعداد السكاني أن عدد سكانها 49,691 نسمة بينما أظهر السجل الإنتخابي أن المسجلين بهذه الدائرة قد بلغ 144,202 ناخب.

ومن جهة أخرى فإن ريف كادوقلي الذي كان قد نال 3 دوائر قومية في انتخابات 1986م، (هي الدوائر 238، 239، 240) منح الآن دائرة ولائية واحدة وأصبحت مدينة كادوقلي بالإضافة للمحليات الأربع جزء من دائرة قومية تضم كيلك التي تقع في غرب كردفان (راجع نتائج الإحصاء، وتقسيم الدوائر الجغرافية القومية والولائية، تقرير رئيس الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان 20/2/2010م).



مشكلة مفوضية الإنتخابات:

· لقد أظهرت مفوضية الإنتخابات عمليا أنها أحدى أجهزة حزب المؤتمر الوطني. فبالرغم من أن التعداد السكاني وما حدث فيه ليس من مسئولية المفوضية القومية للانتخابات إلا أن النزاهة المفترضة في المفوضية تفرض فيها الالتزام الأخلاقي، وهو ما يتجاوز شكليات القانون. فكيف لجهة تأنس في نفسها النزاهة أن تقبل باستخدام أرقام تجافي الواقع بما يخجل كل ذي بصر.

· فقد قامت المفوضية دون أي وازع نزاهة باستخدام التعداد السكاني، الذي تعلم هي أنه مزور ولا يعبر عن حقيقة حجم وواقع توزيع السكان، لتوزيع الحصص الإنتخابية ومن بينها توزيع الدوائر الجغرافية القومية (مما أفقد الولاية ما لا يقل عن 10 مقاعد قومية في تكريس واضح للظلم الواقع على الولاية. كما استعملت هذا التعداد المزور ، دون أن يوخذها ضميرها، لتقسيم الدوائر الولائية وتكريس الظلم الفادح على الإثنيات التي يعتقد المؤتمر الوطني أنها لا تسانده (لماذا يا ترى يعاقب القانون مستلم المسروق وهو ليس بسارق؟).

· لقد تجاهلت المفوضية الوقائع الدامغة التي تثبت خطل التعداد (فكيف يمكن لجهة نزيهة أو تتحرى النزاهة أن تتعامل مع 524 قرية يزيد عدد سكانها عن 60 ألف نسمة وكأنهم غير موجودين! (نتائج التعداد السكاني، تقرير رقم 5، سكرتارية الحركة الشعبية 20/12/2009م، مذكرة المجلس التشريعي الولائي لرئاسة الجمهورية ).

· لقد قامت مفوضية الانتخابات بتشكيل اللجان والأجهزة التي تدير عملية الإنتخابات في ولاية جنوب كردفان من الموالين للمؤتمر الوطني في خرق واضح لقانون الإنتخابات الذي ينص على أن يكون الذين يديرون الانتخابات من غير الحزبيين وأن يتحلوا بالنزاهة الأمر الذي حدث عكسه تماماً ـ سنرى لاحقاً.

· تجاهلت المفوضية كافة أشكال الاعتراضات والمطالب المشروعة من قبل التنظيمات السياسية والحركة الشعبية بالتحديد (سكرتارية الحركة الشعبية 27/8/2009م ـ 15/12/2009م ـ 20/12/2009م ... إلخ).



تزويز السجل الانتخابي:

· إن مفوضية الانتخابات قد مارست ممارسات متعمدة المقصود منها تزويز السجل الإنتخابي وذلك بعدم اتاحة الفرص المتساوية للذين لا ينتمون للمؤتمر الوطني وذلك في توزيع مراكز التسجيل والجداول الزمنية للتسجيل وإدارة عملية التسجيل. (راجع الجداول الزمنية لمراكز التسجيل)

· لم تقم المفوضية بنشر السجلات للطعون والمراجعة، كما ينص عليه القانون، في أماكن عدة.

· تعمد كتابة الأسماء بصورة خاطئة مع عدم نشر السجل للمراجعة والطعون مثال الدائرة 14 أكثر من 80% من الأسماء تحتوي على أخطاء فادحة ودون ان تقوم المفوضية بنشر السجل الأولي ليتمكن المواطنين من تصحيح أسمائهم.

· لقد قامت لجان مفوضية الإنتخابات بتزوير السجل الإنتخابي بخرق قانون الانتخابات من خلال إصدار بطاقات تسجيل لحاملي قوائم لأشخاص لم يحضروا للتسجيل في مواقع شتى من الولاية وتسجيل وإصدار بطاقات لأسماء مواطنين لا ينتمون إلى المنطقة محل التسجيل (سكرتارية الحركة الشعبية 22/11/2009م).

· لقد قامت المفوضية بتسجيل القوات النظامية بالقوائم وفي الأماكن على أساس مكان العمل وليس الدوائر الجغرافية كما يحدده القانون.

· تزوير السجل بإضافة أسماء وهمية في بعض المناطق مما أدى إلى تضخيم الأرقام بما يجافي أي منطق؛ فمثلا في الدائرة الولائية رقم 32 جنوب الدبب/ شمال أبيي، فكان رقم المسجلين حتى اليوم الختامي، السابع من ديسمبر 2009م هو 8,500 ناخبا، ولكن في اليوم التالي بعد نهاية فترة السجل ظهر أن المسجلين في تلك الدائرة 64,559 ناخبا، حيث من غير الممكن أن يوجد هذا العدد من الناس في تلك المنطقة التي يظهر التعداد أن عدد سكانها هو 37,583 نسمة. (أنظر: السجل الانتخابي، والفقرة 4 في تقرير رئيس الحركة الشعبية بالولاية 2/2/2010م).



مشكلة التحول الديمقراطي:

كما هو معلوم أن ولاية جنوب كردفان كانت من المناطق الأكثر تضررا من ممارسات أجهزة الأمن ـ يمكن الرجوع إلى تقرير كاسبر بيرو. وبالرغم من أن هذه الأجهزة قد ألجمت نسبيا بعد توقيع اتفاقية السلام إلا أنها ما تزال كامنة وهي ما تزال تمارس تحرشها بالمواطنين في أماكن عديدة في الولاية)، وهي بذلك تشكل مصدرا لإثارة ذعر المواطنين وتحجيم حركتهم ونشاطهم السياسي خاصة بعد إجازة قانون الأمن الأخير الذي يسمح لها بالاعتقال والاحتجاز بل ويعطي الحصانة لأفرادها والمتعاونين من تقديمهم للمحاكمة في حال ارتكابهم جرائم تصل حد القتل بحجج "حسن النية"؛ وإذا كان في ذاكرة مواطني جنوب كردفان ما هو أفظع من بيوت الأشباح: الاختفاء القسري الاعدامات الميدانية وإعدامات خور العفن، فإن هذا قد أثر سلبا على البيئة السياسية التي يفترض أن تكون ديمقراطية، التي تجرى فيها الانتخابات مما سيؤثر سلبا على نتائجها.



مشكلة القضاء السوداني:

من المعلوم أن الإنقاذ قد قامت بتسييس وحزبنة جميع أجهزة الدولة بما فيها مؤسسة القضاء. وبالرغم من إعادة هيكلة هذه الأجهزة بعد توقيع اتفاقية السلام وإجازة الدستور الانتقالي 2005م إلا أنه ثبت عمليا أن هذه هيكلة شكلية وأن هذه الأجهزة لم تغير شيئا من طرائق عملها وظلت تأتمر بأمر المؤتمر الوطني وتعمل وفق إرادته؛ وهناك الكثير من الشواهد، منها:

(1) قضية د. فاروق محمد إبراهيم ضد أفراد من جهاز أمن الدولة.

(2) قضية أسرى الحرب في أحداث أم درمان.

(3) قضية المحامين المعارضين ضد اتحاد المحامين الموالي للمؤتمر الوطني.

(4) قضية مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور مما أودى بالقضية إلى لاهاي.

(5) هناك آراء الكثير من القانونيين المرموقين التي تؤكد عدم استقلالية القضاء السوداني وعدم نزاهته في كل ما يتعارض مع مصلحة المؤتمر الوطني. (ملف القضاء السوداني)



وعليه، ترى الحركة الشعبية في ولاية جنوب كردفان إنه من المستحيل أن تكون هذه الانتخابات، وبالطريقة التي تجري بها الآن وفي الأوضاع الحالية، حرة ونزيهة لتعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب.



خطورة التزويز:

(1) تكريس الظلم الواقع على الولاية بواسطة التعداد السكاني المزور من حيث التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي.

(2) تزييف الإرادة الشعبية ونسف المطالب التي من أجلها وضع بند المشورة الشعبية.

(3) إضفاء مشروعية زائفة على مزوري الانتخابات مما يزيد الغبن ويرفع درجة التوتر.

(4) نسف مسيرة السلام.



المجهودات التي بذلتها الحركة الشعبية:

انطلاقا من موقفها الثابت من احترام الإرادة الحقيقية للشعوب السودانية، المطلب الذي ظلت تحارب من أجله لسنين طويلة، فإنها ظلت تطالب وتشدد على إقامة انتخابات حرة نزيهة طبقا لما هو متفق عليه في اتفاقية السلام الشامل. ولذلك فقد قامت الحركة الشعبية بالتحركات الآتية:

(1) إعلان رفضها المتكرر لللتعداد السكاني الذي لا يتوافق مع متطلبات الإتفاقية ورفضها لنتائجه المزور الذي أريد له أن يكون أساسا للمحاصصة الإنتخابية غير العادلة (فما أساسه باطل فهو باطل).

(2) بذلت الحركة الشعبية الجهد في اللجنة البرلمانية الولائية المشتركة مع برلمانيي المؤتمر الوطني وأوصلت الاعتراضات إلى الرئاسة والمفوضية.

(3) طالبت الحركة من خلال مجلس الحكماء بإعادة النظر في أمر التعداد السكاني الظالم.

(4) طالبت الحركة من خلال ممثل الحركة الشعبية في اللجنة الرئاسية المشتركة مشار ـ طه باعادة النظر في نتائج التعداد السكاني وبالتالي العملية الانتخابية.

(5) قدمت الحركة عددا من الطعون على المخالفات الجسيمة التي ارتكبت في السجل الإنتخابي.



ولما لم تجد الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان إلا المماحكة والمماطلة ومحاولات فرض سياسة الأمر الواقع، قامت بتقديم اقتراحها بالانتخابات المشروطة بالحرية والنزاهة، أو المقاطعة للمكتب السياسي للحركة الشعبية، الذي أمن على ذلك في اجتماعه الأخير في فبراير 2010م بجوبا.



والآن، بعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود، تعلن الحركة الشعبية مقاطعتها للمسرحية التي أعدت وتجري فصولها باسم الانتخابات وتحذر من العواقب الوخيمة للتمادي في فصول هذه المسرحية.



وفي الختام، تؤكد الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان بأنها جاهزة لأي انتخابات حرة نزيهة تعبر عن الإرادة الحقيقيَّة للشعب.



12/2/2010م


Post: #83
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 02:56 PM
Parent: #81

ارسل الموضوع لصديق
نسخة سهلة الطبع

جنوب كردفان.. والانتخابات في السُّودان (3)



الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان بولاية جنوب كردفان.. حيثيات مقاطعة الانتخابات التي تجري عملياتها الآن



تقرير: الدكتور أبكر آدم إسماعيل

تدقيق: الدكتور عمر مصطفى شركيان







مقدمة:

تعتبر ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة من أكثر المناطق تعرضاً للتهميش عبر تاريخ السُّودان. كما أنَّ الحرية والإرادة الشعبية للمواطنين قد تعرَّضت للتغييب بواسطة الأنظمة الشموليَّة، مما حدا بالكثير من أبنائها للانخراط في حرب التحرير منذ بداياتها في أوائل الثمانينيَّات. وهي أيضاً من أكثر المناطق التي تأثرت بالحرب والعنف والقتل، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانيَّة (تقرير كاسبر بيرو). هذا بالإضافة لتعرضها لتدمير البيئات الاجتماعية من خلال التنزيح القسري للمواطنين، مما أدى إلى تهتك النسيج الإجتماعي والثقافي بما يرقى إلى جريمة الإبادة الجماعية. وقد كافحت الحركة الشعبيَّة من أجل أن ينال مواطني المنطقة حقهم في العودة إلى مواطنهم ورتق نسيجهم الاجتماعي والثقافي، وأن ينالوا حقهم في التعبير عن إرادتهم وحقهم في التنمية والوحدة الطوعية، وذلك بطرح حق تقرير المصير لضمان تحقيق أعلى سقف للمطالب المشروعة لأهل المنطقة في الحرية والسلام والتنمية والازدهار. ولما كان هناك بعضاً من أبناء المنطقة من المنضوين تحت لواء المركزية الحاكمة فقد وقفوا ـ وللمفارقة ـ ضد مطالب أهلهم ومنطقتهم المشروعة وادعوا عكسها في أثناء المفاوضات، مما انعكس سلبا على سقف المكاسب في التنمية، وتأجيل البت في بقية المطالب المشروعة لآلية المشورة الشعبية وفق النتائج التي تفرزها الإنتخابات التي حددتها اتفاقية السلام الشامل، والتي اشترطت أن تكون حرة ونزيهة ومعبرة عن الإرادة الحقيقية لمواطني المنطقة لممارسة هذه المشورة الشعبية.



مفهوم الانتخابات

وكما هو معلوم، فالانتخابات هي آلية ابتدعتها الأنظمة الديمقراطية للتعبير عن الإرادة الشعبيَّة ولتكون وسيلة للتداول السلمي للسلطة؛ غير أن الانتخابات، كآلية، قد صارت تستخدم من قبل الأنظمة الديكتاتورية والشمولية لتزييف الارادة الشعبية وإضفاء المشروعية على النظم الديكتاتورية والشمولية كما حدث في عهد النميري، 1972م، 1974م، 1978م، 1982م، وأيضاً كما كان يحدث في الانتخابات غير الحرة وغير النزيهة التي أجرتها الإنقاذ في 1996م، وانتخابات التوالي، التي أتت بعد دستور 1998م، في 2001م.



ما هي الإنتخابات المقصودة في إتفاقية السلام الشامل؟

عندما تطرقت الاتفاقية للانتخابات، نصت على أن تكون انتخابات حرة ونزيهة لتعبر تعبيراً حقيقيَّاً عن إرادة الشعب ولا ينبغي أن تكون غير ذلك.



معايير حرية الإنتخابات:

إن أهم معايير حرية الانتخابات هي:

(1) احترام حكم القانون.

(2) احترام مبدأ التنافسية.

(3) كفالة الحريات المدنية المتمثلة في:

· حرية التعبير.

· حرية التنظيم.

· حرية النشاط السياسي.

(4) البيئة السياسية المواتية ـ وهذا ما أجملته اتفاقية السلام الشامل في "التحول الديمقراطي،" لأنه لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل بيئة سياسية شمولية.



معايير نزاهة الانتخابات:

ومن أهم معايير نزاهة الانتخابات:

أ/ نزاهة الأجهزة التي تدير العمليات الانتخابية وذلك أن تتحلى بالاستقلالية والحيادية والكفاءة.

ب/ الشفافية في إدارة العملية الانتخابية.

ج/ تكافؤ الفرص.

د/ استقلال القضاء.

هـ/ القانون العادل وسلامة تطبيقه.



الانتخابات والتعداد السكاني:

لقد ربطت الاتفاقية والدستور الانتخابات بالتعداد السكاني ليكون أساسا موضوعيا لتوزيع السلطة والثروة. وذلك بتوزيع الحصص الانتخابية على المستوى القومي والولائي. ومما لا يخفى على أحد أن التعداد المقصود هو تعداد حقيقي مبرأ من الأغراض والتزييف والمرتبط بالأحجام الحقيقي للسكان (الاتفاقية ـ ملحق رقم 1، المواد: 1-8-1، 1-8-2، 1-8-8، 1-8-9 ؛ الدستور الإنتقالي، ملحق رقم 2، المواد: 214، 215).



التعداد السكاني وأهمية العودة الطوعية:

بالنسبة لولاية جنوب كردفان، لايمكن فصم التعداد السكاني المعني في الاتفاقية عن العودة الطوعية للنازحين واللاجئين. لأن أي تعداد سكاني يجري دون مراعاة العودة الطوعية لمنطقة تعرضت للتنزيح القسري لمواطنيها يكون مضللا ـ كما سنرى لاحقاً (الاتفاقية في المادة (1ـ8ـ5)، والدستور، المادة 82ـ ز).



خصوصية الانتخابات وأهميتها بالنسبة لولاية جنوب كردفان:

بالإضافة لأهمية الانتخابات على مستوى البلاد ككل، فإن لها أهمية خاصة في ولاية جنوب كردفان، لأنها مرتبطة بالمشورة الشعبية وبالتالي سقوف المطالب المشروعة في التنمية وتوزيع الثروة وبقية الحقوق الاجتماعية والثقافية (مقارنة مع مكاسب الجنوب) ـ (المشورة الشعبية، ملحق رقم 4).



وعليه، هل يمكن أن تكون الانتخابات التي تجرى عملياتها الآن حرة ونزيهة لتعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب والأهداف التي من أجلها وقَّعت اتفاقيَّة السَّلام؟



إنَّ الانتخابات التي تجري عملياتها الآن لا يمكن أن تكون حرة ونزيهة ومعبِّرة عن إرادة الشعب. وذلك للأسباب الآتية:

1ـ عدم استيفائها متطلبات الانتخابات التي حددتها اتفاقيَّة السَّلام الشامل، وذلك من خلال:

أ/ التعطيل والتعويق المتعمد لبرامج العودة الطوعية وإغراء بعض النازحين بإعادة التوطين في المناطق التي نزحوا إليها ـ كخطوة أولى للتزوير.

ب/ إثارة القلاقل الأمنيَّة في الولاية والتي طالت حتى المناطق التي لم تكن مسرحاً للعمليات في أيام الحرب (راجع تقارير اليونيميس في الفترة من 2005م-2008م).

ج/ تعطيل الصرف على التنمية لاستغلال أموالها للدعاية الإنتخابية في السنة الأخيرة. فمثلا لم يتم رصف متر واحد في طريق الدلنج كادوقلي المتوقف في منطقة الدشول، حوالي 50 كيلومتر جنوب الدلنج، منذ العام (2004م) ولكن بقدرة قادر تم رصفه في أشهر معدودة في العام 2009م ليعقب ذلك إقامة المهرجانات الرئاسية ثم البدء في تعبيد المئات من الكيلومترات من الطرق الداخلية الولائية مصاحبة بالتحركات الاستعراضية للدعاية الانتخابية.

وقد انعكس كل ذلك سلبا على نتائج التعداد السكاني في الولاية مما أعطى حجما مضللا لعدد سكان الولاية هذا بالإضافة لعمليات التزوير التي جرت للتعداد السكاني في البلاد ككل.



تزوير التعداد السكاني:

لقد قامت أجهزة المؤتمر الوطني، المتمثلة في الجهاز المركزي للإحصاء والمفوضية القومية للاحصاء السكاني بتزوير التعداد السكاني في كل البلاد بما يتوافق مع رغبة المؤتمر الوطني كأساس أول لتزوير الانتخابات. إلا أن ولاية جنوب كردفان نالت القدر الأكبر من التزوير (أنظر تقرير التعداد السكاني) والذي تمثل في:

أ/ تقليص حجم السكان في الولاية لما يقارب النصف وبالتالي سرقة نصيبها من السلطة والثروة، على المستوى القومي (بما لا يقل عن 10 مقاعد قومية) ومنحه لمناطق أخرى. فقد كان حظ الولاية من مقاعد البرلمان القومي 6% من المقاعد، فإذا اخذنا نفس النسبة وطبقناها فكان يجب أن تنال الولاية 27 مقعدا في البرلمان القومي بدلا من المقاعد الـ17 التي حددتها مفوضية الانتخابات.

ب/ أما في داخل الولاية، وبسبب هذا التعداد المطبوخ بقصد، فقد تم تقليص حجم السكان في مناطق بعض الإثنياث وتضخيمه في مناطق إثنيات أخرى في تحيز عنصري يندى له الجبين؛ فمثلا منطقة الدائرة الجغرافية 235 أبوجبيه التي كانت دائرة قومية واحدة، في انتخابات 1986م منحت الآن 5 دوائر ولائية، بينما وريفي كادوقلي المكون من أربع محليات (أم دورين، البرام، هيبان، الكويك) منح دائرة ولائية واحدة هي الدائرة الولائية (14) التي يقول التعداد السكاني أن عدد سكانها 49,691 نسمة بينما أظهر السجل الإنتخابي أن المسجلين بهذه الدائرة قد بلغ 144,202 ناخب.

ومن جهة أخرى فإن ريف كادوقلي الذي كان قد نال 3 دوائر قومية في انتخابات 1986م، (هي الدوائر 238، 239، 240) منح الآن دائرة ولائية واحدة وأصبحت مدينة كادوقلي بالإضافة للمحليات الأربع جزء من دائرة قومية تضم كيلك التي تقع في غرب كردفان (راجع نتائج الإحصاء، وتقسيم الدوائر الجغرافية القومية والولائية، تقرير رئيس الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان 20/2/2010م).



مشكلة مفوضية الإنتخابات:

· لقد أظهرت مفوضية الإنتخابات عمليا أنها أحدى أجهزة حزب المؤتمر الوطني. فبالرغم من أن التعداد السكاني وما حدث فيه ليس من مسئولية المفوضية القومية للانتخابات إلا أن النزاهة المفترضة في المفوضية تفرض فيها الالتزام الأخلاقي، وهو ما يتجاوز شكليات القانون. فكيف لجهة تأنس في نفسها النزاهة أن تقبل باستخدام أرقام تجافي الواقع بما يخجل كل ذي بصر.

· فقد قامت المفوضية دون أي وازع نزاهة باستخدام التعداد السكاني، الذي تعلم هي أنه مزور ولا يعبر عن حقيقة حجم وواقع توزيع السكان، لتوزيع الحصص الإنتخابية ومن بينها توزيع الدوائر الجغرافية القومية (مما أفقد الولاية ما لا يقل عن 10 مقاعد قومية في تكريس واضح للظلم الواقع على الولاية. كما استعملت هذا التعداد المزور ، دون أن يوخذها ضميرها، لتقسيم الدوائر الولائية وتكريس الظلم الفادح على الإثنيات التي يعتقد المؤتمر الوطني أنها لا تسانده (لماذا يا ترى يعاقب القانون مستلم المسروق وهو ليس بسارق؟).

· لقد تجاهلت المفوضية الوقائع الدامغة التي تثبت خطل التعداد (فكيف يمكن لجهة نزيهة أو تتحرى النزاهة أن تتعامل مع 524 قرية يزيد عدد سكانها عن 60 ألف نسمة وكأنهم غير موجودين! (نتائج التعداد السكاني، تقرير رقم 5، سكرتارية الحركة الشعبية 20/12/2009م، مذكرة المجلس التشريعي الولائي لرئاسة الجمهورية ).

· لقد قامت مفوضية الانتخابات بتشكيل اللجان والأجهزة التي تدير عملية الإنتخابات في ولاية جنوب كردفان من الموالين للمؤتمر الوطني في خرق واضح لقانون الإنتخابات الذي ينص على أن يكون الذين يديرون الانتخابات من غير الحزبيين وأن يتحلوا بالنزاهة الأمر الذي حدث عكسه تماماً ـ سنرى لاحقاً.

· تجاهلت المفوضية كافة أشكال الاعتراضات والمطالب المشروعة من قبل التنظيمات السياسية والحركة الشعبية بالتحديد (سكرتارية الحركة الشعبية 27/8/2009م ـ 15/12/2009م ـ 20/12/2009م ... إلخ).



تزويز السجل الانتخابي:

· إن مفوضية الانتخابات قد مارست ممارسات متعمدة المقصود منها تزويز السجل الإنتخابي وذلك بعدم اتاحة الفرص المتساوية للذين لا ينتمون للمؤتمر الوطني وذلك في توزيع مراكز التسجيل والجداول الزمنية للتسجيل وإدارة عملية التسجيل. (راجع الجداول الزمنية لمراكز التسجيل)

· لم تقم المفوضية بنشر السجلات للطعون والمراجعة، كما ينص عليه القانون، في أماكن عدة.

· تعمد كتابة الأسماء بصورة خاطئة مع عدم نشر السجل للمراجعة والطعون مثال الدائرة 14 أكثر من 80% من الأسماء تحتوي على أخطاء فادحة ودون ان تقوم المفوضية بنشر السجل الأولي ليتمكن المواطنين من تصحيح أسمائهم.

· لقد قامت لجان مفوضية الإنتخابات بتزوير السجل الإنتخابي بخرق قانون الانتخابات من خلال إصدار بطاقات تسجيل لحاملي قوائم لأشخاص لم يحضروا للتسجيل في مواقع شتى من الولاية وتسجيل وإصدار بطاقات لأسماء مواطنين لا ينتمون إلى المنطقة محل التسجيل (سكرتارية الحركة الشعبية 22/11/2009م).

· لقد قامت المفوضية بتسجيل القوات النظامية بالقوائم وفي الأماكن على أساس مكان العمل وليس الدوائر الجغرافية كما يحدده القانون.

· تزوير السجل بإضافة أسماء وهمية في بعض المناطق مما أدى إلى تضخيم الأرقام بما يجافي أي منطق؛ فمثلا في الدائرة الولائية رقم 32 جنوب الدبب/ شمال أبيي، فكان رقم المسجلين حتى اليوم الختامي، السابع من ديسمبر 2009م هو 8,500 ناخبا، ولكن في اليوم التالي بعد نهاية فترة السجل ظهر أن المسجلين في تلك الدائرة 64,559 ناخبا، حيث من غير الممكن أن يوجد هذا العدد من الناس في تلك المنطقة التي يظهر التعداد أن عدد سكانها هو 37,583 نسمة. (أنظر: السجل الانتخابي، والفقرة 4 في تقرير رئيس الحركة الشعبية بالولاية 2/2/2010م).



مشكلة التحول الديمقراطي:

كما هو معلوم أن ولاية جنوب كردفان كانت من المناطق الأكثر تضررا من ممارسات أجهزة الأمن ـ يمكن الرجوع إلى تقرير كاسبر بيرو. وبالرغم من أن هذه الأجهزة قد ألجمت نسبيا بعد توقيع اتفاقية السلام إلا أنها ما تزال كامنة وهي ما تزال تمارس تحرشها بالمواطنين في أماكن عديدة في الولاية)، وهي بذلك تشكل مصدرا لإثارة ذعر المواطنين وتحجيم حركتهم ونشاطهم السياسي خاصة بعد إجازة قانون الأمن الأخير الذي يسمح لها بالاعتقال والاحتجاز بل ويعطي الحصانة لأفرادها والمتعاونين من تقديمهم للمحاكمة في حال ارتكابهم جرائم تصل حد القتل بحجج "حسن النية"؛ وإذا كان في ذاكرة مواطني جنوب كردفان ما هو أفظع من بيوت الأشباح: الاختفاء القسري الاعدامات الميدانية وإعدامات خور العفن، فإن هذا قد أثر سلبا على البيئة السياسية التي يفترض أن تكون ديمقراطية، التي تجرى فيها الانتخابات مما سيؤثر سلبا على نتائجها.



مشكلة القضاء السوداني:

من المعلوم أن الإنقاذ قد قامت بتسييس وحزبنة جميع أجهزة الدولة بما فيها مؤسسة القضاء. وبالرغم من إعادة هيكلة هذه الأجهزة بعد توقيع اتفاقية السلام وإجازة الدستور الانتقالي 2005م إلا أنه ثبت عمليا أن هذه هيكلة شكلية وأن هذه الأجهزة لم تغير شيئا من طرائق عملها وظلت تأتمر بأمر المؤتمر الوطني وتعمل وفق إرادته؛ وهناك الكثير من الشواهد، منها:

(1) قضية د. فاروق محمد إبراهيم ضد أفراد من جهاز أمن الدولة.

(2) قضية أسرى الحرب في أحداث أم درمان.

(3) قضية المحامين المعارضين ضد اتحاد المحامين الموالي للمؤتمر الوطني.

(4) قضية مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور مما أودى بالقضية إلى لاهاي.

(5) هناك آراء الكثير من القانونيين المرموقين التي تؤكد عدم استقلالية القضاء السوداني وعدم نزاهته في كل ما يتعارض مع مصلحة المؤتمر الوطني. (ملف القضاء السوداني)



وعليه، ترى الحركة الشعبية في ولاية جنوب كردفان إنه من المستحيل أن تكون هذه الانتخابات، وبالطريقة التي تجري بها الآن وفي الأوضاع الحالية، حرة ونزيهة لتعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب.



خطورة التزويز:

(1) تكريس الظلم الواقع على الولاية بواسطة التعداد السكاني المزور من حيث التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي.

(2) تزييف الإرادة الشعبية ونسف المطالب التي من أجلها وضع بند المشورة الشعبية.

(3) إضفاء مشروعية زائفة على مزوري الانتخابات مما يزيد الغبن ويرفع درجة التوتر.

(4) نسف مسيرة السلام.



المجهودات التي بذلتها الحركة الشعبية:

انطلاقا من موقفها الثابت من احترام الإرادة الحقيقية للشعوب السودانية، المطلب الذي ظلت تحارب من أجله لسنين طويلة، فإنها ظلت تطالب وتشدد على إقامة انتخابات حرة نزيهة طبقا لما هو متفق عليه في اتفاقية السلام الشامل. ولذلك فقد قامت الحركة الشعبية بالتحركات الآتية:

(1) إعلان رفضها المتكرر لللتعداد السكاني الذي لا يتوافق مع متطلبات الإتفاقية ورفضها لنتائجه المزور الذي أريد له أن يكون أساسا للمحاصصة الإنتخابية غير العادلة (فما أساسه باطل فهو باطل).

(2) بذلت الحركة الشعبية الجهد في اللجنة البرلمانية الولائية المشتركة مع برلمانيي المؤتمر الوطني وأوصلت الاعتراضات إلى الرئاسة والمفوضية.

(3) طالبت الحركة من خلال مجلس الحكماء بإعادة النظر في أمر التعداد السكاني الظالم.

(4) طالبت الحركة من خلال ممثل الحركة الشعبية في اللجنة الرئاسية المشتركة مشار ـ طه باعادة النظر في نتائج التعداد السكاني وبالتالي العملية الانتخابية.

(5) قدمت الحركة عددا من الطعون على المخالفات الجسيمة التي ارتكبت في السجل الإنتخابي.



ولما لم تجد الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان إلا المماحكة والمماطلة ومحاولات فرض سياسة الأمر الواقع، قامت بتقديم اقتراحها بالانتخابات المشروطة بالحرية والنزاهة، أو المقاطعة للمكتب السياسي للحركة الشعبية، الذي أمن على ذلك في اجتماعه الأخير في فبراير 2010م بجوبا.



والآن، بعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود، تعلن الحركة الشعبية مقاطعتها للمسرحية التي أعدت وتجري فصولها باسم الانتخابات وتحذر من العواقب الوخيمة للتمادي في فصول هذه المسرحية.



وفي الختام، تؤكد الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان بأنها جاهزة لأي انتخابات حرة نزيهة تعبر عن الإرادة الحقيقيَّة للشعب.



12/2/2010م


Post: #84
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 02:58 PM
Parent: #83

جنوب كردفان.. والانتخابات في السُّودان (2)



مطالب الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان بولاية جنوب كردفان من أجل انتخابات حرَّة ونزيهة



تقرير: الدكتور أبكر آدم إسماعيل(1)

تدقيق: الدكتور عمر مصطفى شركيان









لما كان تحقيق السلام مرهون بقيام انتخابات حرة ة نزيهة، حسب نص وروح اتفاقية السلام الشامل للعام 2005م، فان الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان قد قاطعت الانتخابات التي تجري عملياتها الآن لأنَّها لا يمكن أن تكون حرة ونزيهة لتعبِّر تعبيراً حقيقياً عن إرادة الشعب، وذلك للأسباب التالية:



أ/ التعداد السكاني المزوَّر:

(1) لم يستوف التعداد السكاني مطالب الاتفاقية بمراعاة العودة الطوعية التي نصَّت عليها الاتفاقيَّة والدستور.

(2) أُجري التعداد جزئياً بالرغم من اعتراض الحركة الشعبية لتحرير السُّودان بالولاية.

(3) التعداد الجزئي الذي أجري كان مزوراً، وذلك بتضخيم الأرقام في بعض المناطق وتقليصها في مناطق أخرى، مما كشف عنه السجل الانتخابي وسجل تلاميذ المدارس في تلك المناطق.

(4) لقد تم استخدام هذا التعداد المعيب في توزيع المقاعد القومية والولائية، مما أدَّي إلي اختلال غير مقبول.



ب/ المفوضيَّة غير النزيهة:

لم تراع المفوضية مبدأ الشفافيَّة في اختيار لجان الانتخابات وضباطها والعامليين عليها، والذين ثبت عمليَّاً أنهم منحازون للموتمر الوطني.



ج/ السجل الانتخابي المزوَّر:

(1) لقد تم التلاعب في الجداول الزمنيَّة للتسجيل بمنح بعض المناطق زمن كافي، بينما تم التضييق في المناطق الأخرى (كانت فرصة التسجيل متاحة ليوم واحد فقط في الكثير من المناطق ـ أنظر الجداول الزمنية ومراكز التسجيل الصادرة عن المفوضيَّة).

(2) خرق قانون الانتخابات بإصدار بطاقات لأشخاص لم يحضروا الي مراكز التسجيل، بل من خلال قوائم يحملها بعض الأفراد.

(3) خرق قانون الانتخابات بتسجيل القوات النظاميَّة في مناطق عملهم (التي يحددها الموتمر الوطني ـ بتوجيه من مندور المهدي وتوجيهات وزير الدفاع).

(4) تسجيل أسماء أشخاص وهميين.

(5) نشر السجل مرة واحدة فقط في بعض المناطق، وعدم نشر السجل بالمرة في مراكز عديدة.

(6) نشر بعض السجلات في المراكز الخطأ وبصورة متعمدة، مما أدَّي إلي أخطاء مهولة في السجل النهائي.

(7) تجاهل لجان المفوضية لكافة الاعتراضات والطعون التي قدمت اليها.



وعليه، فقد قاطعت الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان بالولاية جنوب كروفان هذه الانتخابات المزيَّفة مسبقاً علي كافة المستويات وتطالب بتصحيح الاوضاع وذلك بالقيام الإجراءات الآتية:

(1) إعطاء الولاية حقها العادل الكامل في المقاعد القومية، وذلك إما بتنفيذ برنامج العودة الطوعية بالحد الكافي قبل اجراء تعداد سكاني دقيق ومهني تقسم علي أساسه حصص الانتخابات، أو - إن تعذر ذلك – اعتماد النسب التاريخية التي لم تقل عن 6% من المقاعد القوميَّة في أيَّة انتخابات جرت في السابق.

(2) التمثيل العادل للسكان في البرلمان الولائي، وذلك بإجراء تعداد سكاني جديد على مستوي الولاية.

(3) إعادة تشكيل لجان المفوضيَّة علي أساس الشفافية ليتوفر فيها شروط الاستقلالية والحياد والنزاهة التي يحددها القانون، أو - علي الأقل - تتوافق عليها القوى السياسيَّة.

(4) إجراء سجل انتخابي جديد نزيه وعادل، وذلك من خلال وضع جداول زمنيَّة ونشر مراكز تسجيل تتيح لكافة الناخبين الفرص الكافية للتسجيل.

(5) نشر الكشوفات لمدة كافية، وفي المراكز التي تم فيها التسجيل، حتي يستطيع الناخبون تصحيح أي خطأ في أسمائهم وفق ما ينص عليه القانون.

(6) تجميد قوانين الأمن المخالفة للدستور لتوفير بيئة سياسية مواتية للممارسة السياسية الحرة، والتي هي شرط للانتخابات الحرة النزيهة.

(7) إجراء انتخابات حرة و نزيهة في أقرب وقت ممكن قبل نهاية الفترة الانتقاليَّة.



__________________________________________



(1) ريس لجنة الإعلام بالحركة الشعبيَّة في ولاية جنوب كردفان

© Copyright by SudaneseOnline.com

Post: #85
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 03:06 PM
Parent: #84

النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (1) بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان طباعة أرسل إلى صديق
الأحد, 15 آذار/مارس 2009 07:35

[email protected]
إنَّنا لا نعرفكم أيها القوم ولا ندين بكم، ولا نعترف لكم بسلطان على أجسامنا أو أرواحنا، ولا نريد أن نرى وجوهكم أو نسمع أصواتكم، فتواروا عنا وأذهبوا وحدكم إلى معابدكم أو مغاوركم، فإنَّا لا نستطيع أن نتبعكم إليها، ولا أن نعيش معكم فيها.
مصطفى لطفي المنف########
العبرات
مقدِّمة
حين فرغ مصطفى لطفي المنف######## من كتابه "العبرات" كتب في الإهداء: "الأشقياء في الدنيا كثير، وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو شيئاً من بؤسهم وشقائهم، فلا أقلَّ من أن أسكب بين أيديهم العبرات، علَّهم يجدون في بكائي عليهم تعزية وسلوى." ونحن نقول لا مَثُوبَة يقدِّمها المرء بين يدي ربه يوم جزائه أفضل من مواساة البائس وتفريج كربة المكروب، أو كما أنشد الشاعر محمد الفيتوري – صناجة السُّودان لأنَّه يُتغنَّى بشعره - في قصيدته "حدث في أرضي":
أنأ لا أملك شيئاً غير إيماني بشعبي..
وبتأريخ بلادي
وبلادي أرض إفريقيا البعيدة
هذه الأرض التي أحملها ملء دمائي
والتي أنشقها ملء الهواءِ
والتي أعبدها في كبرياءِ
هذه الأرض التي يعتنق العطر عليه والخمول
والخرافات وأعشاب الحقول
هذه الأسطورة الكبرى.. بلادي
عليه ارتأينا في تدوين هذه المآسي، التي صدرت ممن في صدورهم ضغائن تلك العداوة النَّابعة من ظلمات العصور الأولى، حتى لا يظن هؤلاء القوم الظالمون أنَّ هذه المآسي قد ذهبت بذهاب أمس دابر، وأصبحت صحيفة بالية في كتاب الدَّهر الغابر. ونحن مع ذلك لم نقل إلا الحق، ومهما يكن من شيء، فهذا ما حدث في أرضنا. وليس أحب إلى أنفسنا ولا أحسن موقفاً في قلوبنا أن نقدِّم هذا الكتاب إلى أهلنا وعشيرتنا في جبال النُّوبة بعد ذهاب هذه المحنة، ولا نرى في سردنا لأحداث تلك الحقب العجاف قسوة أو شيئاً يشبه القسوة، لأنَّها آفة من "الآفات السياسيَّة" الكثيرة التي تعرَّض لها النُّوبة فأثَّرت في حياتهم الدنيا تأثيراً قويَّاً. والذين سيقرأون هذه السُّطور من أهل النُّوبة على وجه خاص وأهل السُّودان بشكل عام سيرون فيها كيف ازدرى بهم أهل الحكم في الخرطوم ازدراءاً، ######ر منهم رجال النِّظام "الإنقاذي" سخريَّة، وذلك ازوراراً عن الحق وإمعاناً في الباطل. لذلك كان لا بد لنا من الإتيان بهذا العمل من أجل أن نعيد قراءة التأريخ السُّوداني المعاصر في تشابكاته الاجتماعيَّة، وصراعاته السياسيَّة، وتحدِّياته الفكريَّة، متوقِّفين عند بعض المفاصل المحوريَّة من هذا التأريخ السياسي لعلنا نصل إلى الحقيقة التي تعرِّي حالنا التي نحن عليها صرنا. لذلك كذلك، لم تنقصنا الشجاعة في المعالجة التي تناوش المردة، والجسارة في إنطاق المسكوت عنه اجتماعيَّاً وسياسيَّاً، والجرأة في نقض التراتب القمعي الذي يستبدل الظلم بالعدل، والتعصُّب بالتَّسامح، والنقل بالعقل، والتقليد بالاجتهاد، واللصوص بالشرفاء، منحازين دائماً إلى المعذَّبين في الأرض، وإلى ما يقود المجتمع إلى آفاق التقدُّم الذي لا نهاية له أو حد. هكذا عقدنا العزم على أن تكدح هذه الكلمات لتثير من الرياح العفيَّة ما يزيل الستار عن مفاسد كثيرة في المجالات التي يكف عن الكتابة فيها كتَّاب كثر، ومن ثَمَّ نكشف الأقنعة الزَّائفة للمشعوذين باسم السياسة أو باسم الدِّين أو باسم الاثنين معاً، وحتى نصبح أقدر الناس على رؤية الفساد السياسي الذي ينخر عظام المجتمع السُّوداني، واكتشاف الزيف الذي يلوِّن واجهته. أفلم يكن الماضي هو صناعة للحاضر، وتشكيل لأبعاد المستقبل، والاعتراف بأخطائه سيبقى المرتكز الأساس لحل المشكلات العالقة على الساحة السياسيَّة السُّودانيَّة من غير تلوين أو تمويه أو تدليس.
ففي المستوى السياسي-الاجتماعي عرف التشكُّل السُّوداني مع العصر الحديث تنامياً للنزعات القوميَّة في معظم أنحاء هذا القطر الشاسع والمتشاجرون أهله. فقد تمثَّلت أبرز سمات هذه التوجهات في إيلاء الأنظمة في الخرطوم حماية الأرض القوميَّة، وقدسيَّة حدودها الجغرافيَّة أهمية قصوى إلى جانب حرصها على تماثل عناصر المجتمع في الدولة، وذلك بالتضييق على هذه القوميات والتشديد على ما يمكن أن يشجع الاختلاف الممقوت والتعدد السلبي. وفي هذا السياق تمَّ التعامل مع النُّوبة – نخباً وشعباً – على أنَّهم محور إضافي للمجتمع، ولم يقيموا لهم وزناً على اعتبار أنَّهم لم يكونوا – في أفضل الحالات – إلا بوادر هامشيَّة لا أثر لهم في الحراك الرئيس العام، الذي يروا أنفسهم ممثِّلين لهم وفاعلين فيهم ولو بواسطة أناس آخرين لم يكن للنُّوبة حق اختيارهم أو مشورتهم فيما يمكن أن يقدِّموه لهم.
وهذه المنطقة التي بدت أكثر لوحات عصرها بؤسويَّة، لم تعد جبال النُّوبة من المناطق التي تعهدها القوى السياسيَّة السُّودانيَّة والحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في الخرطوم اهتماماً يُذكر حتى عهدٍ قريب. فقد ظلَّت هذه المنطقة مهمَّشة وعائشة على هامش الخارطة التنمويَّة السُّودانيَّة منذ استقلال السًّودان في الفاتح من كانون الثاني (يناير) 1956م. ولم تهتم الأنظمة المتعاقبة على السلطة بجبال النُّوبة حتى عندما انخرط بعض من أبناء المنطقة في "حركة تحرير جنوب السُّودان (أنيانيا)" (1955-1972م) – برغم من محدوديَّة عددهم - وانضمام الأب فيليب عباس غبوش إلى المعارضة في الخارج ضد نظام نميري. هكذا هُمِّشت القوى السياسيَّة، التي تمثِّل أبناء جبال النُّوبة، وأُهمِلت منطقتهم، وبقيت على تخلُّفها حتى اندلعت الحرب الأهليَّة الثانية العام 1983م. ثمَّ أصبحت جبال النُّوبة فجاءة من أهم مناطق الصراع السُّوداني بعد أن قاد يوسف كوة مكي – رحمه الله رحمة واسعة - كتيبة البركان إلى هذه المنطقة العام 1987م. كانت هذه هي ردة فعل طبيعيَّة لشعور أبناء جبال النُّوبة بالتَّهميش الثقافي والاجتماعي والسياسي في بلد وجَّه كل طاقاته لحل مشكلات الجنوب مع الشمال باستثناء جبال النُّوبة، وبرغم من كل التنازلات – أو قل الحقوق – التي قدَّمتها حكومة الخرطوم لأهل الجنوب دون سواهم حتى عهد قريب. والقائد يوسف مكي – كما كتب الدكتور صلاح آل بندر يرثيه: "منذ البداية كان يعلم وعورة الطريق الذي اختاره، وعبَّر (...) بأنَّ حمل السلاح كان مفروضاً عليه (...) وأنَّ قراره – برغم من أنَّه (كان) يدرك مشاقه قولاً وعملاً – كان وما زال هو المنارة الوحيدة في حياته وحياة قوميَّته؛ وعن طريق هذا الدرب الوعر على يقين بأنَّهم سيحصلون على الأوتاد التي تثبت وجودهم على الأرض، وتنهض قوميته وتستعيد هويَّتها واكتشاف تراثها وقيمتها." وعندما سُئل عن تجاهل مواصلة العمل السياسي ردَّ القائد كوة: "إنَّ حمل السلاح كان الخيار الوحيد بعد أن استنفدنا كل خيار. فتجربتنا كانت مريرة مع مؤسسة حاكمة غاشمة لا تؤمن إلا بسودان لا يتَّسع إلا لها وحدها، أقامت من حوله المتاريس وسلَّمته ل"هلافيت" الناس، مؤسسة باغية تحرس بالحديد والنار مصالحها، غليظة الطبع، بليدة الحس، مجافية لأبسط مطالب الإنسانيَّة، ومستهترة بكرامة الإنسان السُّوداني."(1) كان يوسف بطلاً شجاعاً كبير النَّفس، رقيق القلب، رحب الصدر كان ثم عفيفاً، وهو كان سيِّد قومه وقائد حربهم ومراد أمرهم، انتصاراً لهم وانتصافاً لحقِّهم؛ وفوق ذلك كله كان رجلاً على الأهوال جلداً، وشيمته السماحة والوفاء. وكانت الثورة تضطرم وتعتلج في نفسه منذ دخوله المدرسة الأوليَّة! ذلكم هو يوسف الذي أعلن أكثر من مرة جهاراً أنَّ النُّوبة ليسوا على استعداد للمشاركة السياسيَّة في السُّودان بشكله القديم، إلا إذا أُقيم فيه نظام سياسي يجمع شمل كل أفراد الشَّعب، ويعترف بالتنوع الثقافي، والتطلعات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لجميع السُّودانيين على اختلاف مشاربهم. فكم لمسنا ما لأنظمة الخرطوم من إستراتيجيَّة عدائيَّة ضد النُّوبة، تمثَّلت في التهكم على عاداتهم وتقاليدهم، والسخرية والاستهزاء بسلوكهم. وإنَّ الاعتراف بعادات وأعراف وتقاليد النُّوبة السائدة – التي تنعكس على علاقاتهم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة، وتتمثَّل في جميع طقوسهم الحياتيَّة، وتطرح تطلُّعاتهم السياسيَّة – هو الاعتراف بالسُّودان المتعدِّد الأعراق والديانات والثقافات.
مثلما هي الحال في أي شعب كان لا بدّ من القول إنَّ للتأريخ والجغرافيا لدوراً فعيلاً في تشكل البشريَّة وصيرورتها إلى مآل محدَّدة، ولم يكن شعب النُّوبة بمختلف عن هذا الإطار الزماني والمكاني الذي يمكن أن يخلقه هذان العاملان في حيواتهم. فالتأريخ يمثِّل سلسلة من الحقب والسنوات التي فيها يتصارع الإنسان مع نفسه ومع الآخرين من أجل الحياة والبقاء، فتنمو المجتمعات وتزدهر الحضارات وتضمحل وتتلاشى. أما الجغرافيا والعوامل البيئيَّة فلهما من الأثر الشديد على اصطناع أمزجة الناس والتحكم في أنشطتهم وقوة تحملهم. وحين تمتزج هذه العناصر مجتمعة تختلق إنساناً فريداً في طبعه وثقافته وبسالته وفي الشهامة والمروءة. ومن هنا نستطيع أن نفهم صمود أبناء النُّوبة طيلة سنوات الحرب الأهليَّة، وتحديهم لكل أنواع الصعاب والأهوال التي واجهتم. فكانت حرباً قتاليَّة وإعلاميَّة ونفسيَّة، وبالتجويع كانت الحرب واستخدام وسائل أخرى. وبرغم من شراسة الحرب، وتزايد الحملات التي كانت تشنها جيوش الحكومة وكتائب قوات الدفاع الشَّعبي، فإنَّ أبناء جبال النُّوبة قد قاتلوا بضراوة وساعدتهم في ذلك القتال طبيعة جبالهم القاسية، وكان ذلك كله من أجل نزع حقوقهم المسلوبة. إذ يعيش النُّوبة اليوم في جنوب كردفان، وبعد انقضاء أكثر من نصف قرن منذ استقلال السُّودان، نظاماً سياسيَّاً من صنع أيديهم مهما يكن من شيء، لكنهم – برغم من ذلك كله – يتمتَّعون بالحريَّة الذاتيَّة، والاعتداد بالنَّفس، وهمة عالية. فقد جدَّدوا أمجاد أسلافهم العظماء، وبرهنوا بذلك للعالم أجمع – بعد أن ورثوا السؤدد عن آبائهم - أنَّ الدم "النُّوباوي" الشريف وروح الحريَّة وحب الاستقلال، ما تزال تجري في عروقهم، فما ظنَّكم باللَّيث يحمي عرينه! ولكن كيف وصل النُّوبة إلى هذا المقام – أو قل إن شئت – إلى هذا النظام السياسي، مهما يكن من الأمر، الذي باتوا يكدحون كدحاً لتقويته أو لصونه من الضياع الذي يهدِّده؟
قبس من التأريخ القديم

لا ريب في أنَّ إقليم جبال النُّوبة يحظى بإستراتيجيَّة جغرافيَّة وموارد طبيعيَّة وبشريَّة، بحيث أمسى ملفتاً لأطماع القوى الخارجيَّة، ومثيراً للعاب القوى السياسيَّة الداخليَّة في الصراع السياسي حول الحكم، وذلك بشكل أو بآخر، ومنذ عهد سحيق. ففي فترة الاستعمار التركي-المصري في السُّودان (1821-1885م) شهدت منطقة جبال النُّوبة اضطراباً أمنيَّاً خطيراً من جراء ما اختلقته حملات النخاسة، ونهب الموارد الحيوانيَّة والنباتيَّة التي كانت تذخر بها المنطقة، حتى بات المشهد الاجتماعي سديماً من فوضى كما سماه الإغريق "العماء" – على عهدة الأسلاف الذين ترجموا كلمة (Chaos)، أي كتلة وخلائط الأشياء والعناصر المتنافرة – التي تربأ بأي نظام للأشياء معقول. ومن ثمَّ اخترع الإغريق اللوغوس (العقل) (Logos) للفرز والترتيب ليس إلا. أيَّاً كان من أمر الأغاريق وفلسفتهم واختراعاتهم للعلوم الحديثة لمناهج القياس والمقارنة، فلم نجد معياراً واحداً يمكننا أن نقيس به الواقع الاجتماعي في جبال النُّوبة في العهد التركي-المصري الأسبق. غير أنَّ أكثر ما يثير الأسى الأسيف والحزن الحزين هو ما أقدم عليه النخاسة من امتهان الاتجار بالبشر، وذلك لانتهاك هذا الفعل لحقوق الإنسان الأساسيَّة من ناحية، وما خلفه هذا الفعل في عقول ثلة من السُّودانيين، وانعكاس ذلك في علاقاتهم الاجتماعيَّة والسياسيَّة مع يعضهم بعضاً من ناحية أخرى. ومع ذلك لم تفعل الثورة المهديَّة (1881-1898م) شيئاً مذكوراً في أمر هذه التجارة، وبخاصة في شأن تداول الرقيق داخل السُّودان. ولئن كانت المهديَّة قد منعت "تصدير الرقيق" إلى خارج الوطن، إلا أنَّها لم تملك من الوسائل الماديَّة والموارد البشريَّة لتعزيز هذا الأمر، لذلك وجد تجار الرق عدداً من المنافذ والمعابر، وكثراً من المتواطئين لتهريب العبيد خارج السُّودان دون رقيب أو عتيد. وما أن رزحت البلاد تحت قوى خارجيَّة أخري، حتى شكَّل هذا الأمر مشكلاً سياسيَّا واجتماعيَّاً واقتصاديَّاً للحكام الجدد في السُّودان. هكذا، شرعت سلطات الاستعمار البريطاني-المصري (1898-1956م) في محاولات القضاء على هذه التجارة داخليَّاً وخارجيَّاً في إطار سياساتها الأولى في السُّودان.
بالطبع لم تكن سياسة الحكومة الثنائيَّة في مكافحة الرق تتم بيسر. فقد كانت هناك تقاليد وعادات بعض الشعب السُّوداني تارة والمصلحة الاقتصاديَّة للسُّودان تارة أخرى هي تلك التي أدَّت إلى الاعتراف ب"الرق المنزلي". فمثلما لاقت سياسة حكومة غردون باشا من قبل رفضاً من تجار الرق، لم تلق سياسة الحكومة الثنائيَّة ترحيباً من هؤلاء التجار وغيرهم من أصحاب المصلحة الذاتية في استمرار هذه التجارة النحسة. ولكن كان أخطر الثورات التي قامت ضد سياسة الحكومة حيال الرق هي التي نشبت في تلودي العام 1906م في جبال النُّوبة، وعُرِفت ب"ضربة أبو رفاس". والجدير بالذكر أنَّه كان يسكن تلودي في ذلك الرَّدح من الزَّمان النُّوبة على قمم الجبال وآخرون سود ممن يتحدَّثون العربيَّة من أبناء العبيد الهاربين من عرب المسيريَّة الحمر، وكان يعيش هؤلاء حول تلك التلال. وكان لهؤلاء العبيد الهاربين شهرة سيئة للغاية كلصوص ونخاسون يتاجرون بأهل النُّوبة قاطني الجبال، مما حدا بالسلطات الاستعمارية إلى إقامة مركز حكومي وحامية في تلودي لإيقاف تلك التجارة. فقد نظر هؤلاء العبيد الهاربون إلى هذا الوجود الحكومي بالعداوة، بينما – من ناحية أخرى – أحس النُّوبة بمدى ما يقدَّمه لهم هذا المركز من معونة ضد أعدائهم الأقوياء.
أيَّاً كانت رؤية كل فريق، فقد تم القبض على ثلاثة من كبار زعماء المنطقة الذين ضبطوا متلبِّسين بهذه التجارة وحُكِم عليهم بالسجن. وفي أيار (مايو) 1906م، ونتيجة لشكوى النُّوبة من استمرار عمليات استرقاقهم، فحص كل من الرائد لفسون والنقيب ويلسون – المفتش الثاني لمديرية كردفان – تلك الشكاوي، ونتج عن ذلك إعادة 120 من نساء وأطفال النُّوبة إلى مواطنهم. ولا ريب في أنَّ هذا العمل – بالإضافة إلى محاكمة الرؤساء الثلاثة – كانت من أسباب الثورة التي شرع في التدبير لها هؤلاء الرؤساء بمجرد الإفراج عنهم. وفي 25 أيار (مايو) 1906م، وهو موسم الأمطار مما يصعب تحرك النجدات، أقام مشايخ تلودي حفلة راقصة (الدلوكة) ودعوا إليها رجال الحامية. وبينما كان هؤلاء يشاهدون الرقصات هاجمهم المتآمرون بغتة وقتلوا كل رجل خارج الثكنة. ثم هاجموا المركز بعد ذلك، ولكن بقيَّة الحامية، بمعاونة النُّوبة من الجبال، استطاعوا صدهم، ولثلاثة أيام ظلَّت الحامية محاصرة تقاتل بضراوة. فقد جاء الإنقاذ من معاون المأمور – الملازم أول السيد فريد – من جبل قدير ومعه المك بوش ضو البيت ورجاله، وكذلك جمع مك جبل كادقلي ومك جبل ميري ألف رجل من رجالهم وسلحوهم بالحراب والبنادق، وهاجموا المتمرِّدين وهزموهم وطردوهم من القرية. وتحرك محافظ المديريَّة من الأبيض في يوم 3 حزيران (يونيو) 1906م بقوات متعدَّدة من الفرقة 12 السُّودانيَّة ووصلت تلودي في يوم 12 حزيران (يونيو)، إلا أنَّ المتمرِّدين كانوا قد هربوا في ذلك الوقت إلى قرية "طيرة" في الركن الشمالي-الغربي من جبل الليري، أي على بعد 21 ميلاً من تلودي. ووصلت قوات الحكومة إلى هذه القرية في صباح 14 حزيران (يونيو)، حيث اشتبكت مع المتمرِّدين ظهر نفس اليوم، وانهزم الأخير تماماً وبلغت خسائرهم حوالي 400 من القتلى والجرحي و70 أسيراً. وخلال أب (أغسطس) استسلم بقية عرب تلودي البالغ عددهم 210 رجل و305 امرأة وطفل، كما أمكن القبض على كبير زعمائهم المدعو "أحمد المدير"، واندحرت الثورة التي كانت تعتبر من أكبر الأحداث السياسيَّة التي نتجت عن سياسة تحريم الاتجار بالرقيق.(2)
ومن الواضح إزاء ما أوردناه أعلاه أنَّ لهذا الوجود العربي والخلاسيين من أهل شوابنة في المنطقة والمناطق المجاورة في الحمرة وغيرها قد شكلوا قوات الدفاع الشَّعبي (الميليشيات الحكومة المسلَّحة) لمساندة الأخيرة في حربها ضد الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان بعد أن خدعتهم الحكومة أنَّ الحركة تستهدف – فيما تستهدف – وجودهم في المنطقة. وقد أثبتت الأحداث أنَّهم كانوا براهين المدافعين عن مصالح الأنظمة في الخرطوم – طمعاً في مغنم – ضد المنافحين عن مصالح الشعوب في جبال النُّوبة. وبالطبع، للمال تأثير يفوق تأثير الدين نفسه في معظم الحالات؛ وللإرهاب كذلك سطوة تربو وعيد الآخرة؛ فإذا اجتمع التضليل الديني، والإغراء المالي، والسيف المسلَّط، فإنَّ الخطة المرسومة يواكبها النجاح لا شك في ذلك. ومع الزمن يتناسى الناس الأصول ويصبح التضليل حقيقة معربدة ومعشعشة في عقولهم. ومن ثَمَّ نجد أنَّ هذه الوراثات والخصائص البيولوجيَّة (الأحيائيَّة) والسيكولوجيَّة (النفسيَّة)، وهذه المشاعر والانفعالات المركَّبة المعقَّدة، التي انحدرت إلينا مع عذابات التأريخ هي التي تنضح بالفجائع السياسيَّة التي شهدتها المنطقة، وإنَّ بصمات عهد العبوديَّة لم تترك آثارها على الأجساد فحسب، بل أيضاً – وهذا هو الأهم – على الأرواح. مهما يكن من شيء، فقد أخذ وشرع هؤلاء المواطنون حديثي العهد بالمنطقة في تجاوز الحد والتعدِّي على مَنْ حموهم وجعلوهم بمنزلة الجار الذي تلاصق داره ديارهم، وذلك بدلاً من تعظيم حقهم والانتصار لهم. وقد علمنا أنَّ من بين هؤلاء العربان كان فيهم من هو هارب من العدالة في السُّودان النيلي، وكان منهم من سار وراء أنعامه بحثاً عن موارد الماء والمراعي الخضراء حتى وجدهما بين وديان جبال النُّوبة، أو من سعى سعياً حثيثاً في الجبال يبتغي فضل الله ومرضات النُّوبة، وكان منهم من زعم أنَّه أتى لنشر الإسلام ولئن خالط نشاطه هذا بتجارة الرق. وكان موقفهم المخزي حديثاً في جبال النُّوبة يتمثَّل في هذا البيت الشعري الذي لم يُعثَر على قائله:
أراك علقت تظلم من أجرنا وظلم الجار إذلال المجير
ومن هذا الإرث الماضوي الفروسيوي تعتبر منطقة جبال النُّوبة مصدر الأبطال الذين جادوا بأرواحهم من أجل هذا البلد، وأبلوا فيه بلاءاً شديداً. على أيَّة حال، فحين نقارن بين الثورة المهديَّة (1882-1898م) وحركة اللواء الأبيض العام 1924م نجد أنَّ حركة اللواء الأبيض تحت قيادة البطل علي عبد اللطيف لم تكن تعتمد على المفهوم القبلي أو المعتقد الديني لمجابهة المستعمرين. أفلم نتعلَّم صغاراً أنَّ علي عبد اللطيف رفض أن ينساق وراء سؤال الضابط الإنكليزي حينما سأله عن قبيلته، فما كان من علي عبد اللطيف إلا أن ردَّ أنَّه سوداني ولا يهمه كثيراً أو قليلاً أن ينتمي إلى هذه القبيلة أو تلك، ولكن هدفه هو العمل على تحرير البلاد من سيطرتهم. ولهذا نرى أنَّ حركة اللواء الأبيض هي أول ثورة في تأريخ السُّودان الحديث اعتمدت على ما يسمى في الوقت الراهن ب"القوى الحديثة" – أي الموظفين أو الضباط الإداريين (الأفنديَّة) والسكان في المدن. فقد كانت ثورة لم تعتمد على المبادئ الدينيَّة، وإنَّما ارتكزت – وبشكل جوهري – على مطالب اجتماعيَّة ملموسة، وكان لها – في الوقت نفسه – مفهومها الوطني، وهي عناصر أو علاقات تعتبر نسبيَّاً حديثة في السُّودان. لذلك كانت هذه الثورة تمثل قيادة لحركة اجتماعيَّة مهمة جداً؛ وبالإضافة إلى ذلك فقد وجدنا أنها كانت أكثر تقدميَّة في نظرتها وفي طرحها من بعض الحركات أو المواقف السياسيَّة التي ظهرت لاحقاً في الثلاثينيَّات والأربعينيَّات من القرن الميلادي الماضي.(3) وكان عماد هذه الثورة أناس من ذوي الأصول من جنوب السُّودان وجبال النُّوبة، وقد بدأوا ينبِّهون السلطات الاستعماريَّة لمطالبهم القوميَّة، ومنهم زين العابدين عبد التام الذي كان زميلاً لعلي عبد اللطيف (النوباوي-الدينكاوي) وكان لعبد التام أصولاً دينكاويَّة، وهو كان عضواً بارزاً في حركة اللواء الأبيض، وهو كان يعتبر نفسه سودانيَّاً فقط – مثلما هي الحال مع علي عبد اللطيف. فهناك مجموعات كبيرة من الناس، مثل أولئك الذين يسكنون حي الموردة والعباسيَّة في أم درمان مَنْ هم من جبال النُّوبة أو جنوب السُّودان، ولكنهم فقدوا صلاتهم مع مناطقهم منذ فترات طويلة تعود إلى أيام المهديَّة والحكم الثنائي، وتشكَّلت منهم طبقة كادحة في المدن.
بل لعلَّنا لا نعدو الحقيقة إن قلنا إنَّه كان للنُّوبة دوراً مؤثِّراً إبَّان الفترة من (1898-1947م)، وهي الفترة التي شهدت منطقة جبال النُّوبة عدة مقاومات ضد الاستعمار الأجنبي، وكانت الدوافع العميقة لهذه الحركات المناوئة للنظام الاستعماري هي رفض فرض المؤسسات والنظم الغربيَّة الغريبة في منطقة جبال النُّوبة. وجاء رفض الأهالي هذا ليس لتحصينهم ضد الاستغزاء فحسب، بل لأنَّ لهم من النظم السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي حاولوا الاحتفاظ بها، وعبروا عن هذا الاستنكار بالصراع التأريخي الذي حدث بينهم وبين الاستعمار البريطاني-المصري (1898-1956م). هذه هي نفس الفكرة القديمة التي تتمثَّل في "رفض الوصايا" أو فرض الأشياء من علٍ، وعلى اعتبار أنَّ مثل هذه المسائل يجب أن تأتي من القاعدة. فإذا كان هذا هو ديدنهم ومعدنهم في صد المؤثِّرات الخارجيَّة، فإنَّه ينطبق هذا – بالطبيعة والتطبع - على المؤثِّرات الداخليَّة أو ما نسميه ب"الاستعمار الدَّاخلي".
هذه هي الظروف السياسيَّة التي فيها برز "اتحاد عام جبال النُّوبة" العام 1957م كتنظيم اجتماعي يجمع بين أبناء المنطقة في العاصمة المثلَّثة، وكان ممن أنشأوا الاتحاد مجموعة من المتعلمين الذين تخرَّجوا من المدارس والجامعات من طلبة ومعلمين من الرعيل الأول، ومن بينهم مصطفى حماد كليدة ويوسف عبد الفتاح عبد الله وغيرهما، حيث جاء على رأس هذا التنظيم في بادئ الأمر شخصيات مثل العم بابكر علي والسنوسي عبد الله وعطرون عطيَّة. وقد ظل هذا التنظيم يمارس نشاطه في المجال الاجتماعي والثقافي حتى قيام انقلاب الفريق إبراهيم عبود وحُلَّ الاتحاد مع كافة التنظيمات السياسيَّة والاجتماعيَّة الأخرى، بما فيها "مؤتمر البجة" و"جبهة نهضة دارفور". وفي أعقاب ثورة تشرين الأول (أكتوبر) 1964م أُعيد تكوين الاتحاد، حيث جاءت اللجنة التنفيذيَّة برئاسة عطرون عطيَّة وسكرتاريَّة عبد الله حامد كوة. وكان على رأس أعمال الاتحاد ما يلي:
وضع الدستور وميثاق الاتحاد.
دراسة أسباب تخلف المنطقة، وإيجاد سبل لمعالجتها.
إقامة مؤتمر بعد عام لانتخاب لجنة تنفيذيَّة.
وقد أُقيم المؤتمر العام بعد عام، وقامت اللجنة التنفيذيَّة بوضع برنامج عمل، حيث تبنَّت اللجنة الدراسات التي قدَّمها شباب المنطقة، والتي أشارت – فيما أشارت – إلى أنَّ تخلُّف المنطقة لناجم من "الاضطهاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي." وعليه، تقرَّر دخول الاتحاد الجمعيَّة التأسيسيَّة (البرلمان) كتنظيم سياسي إقليمي. هذا وقد كان، حيث خاض هذا التنظيم الوليد الانتخابات شبه العامة العام 1965م، واستطاع الفوز ب8 مقاعد في البرلمان، وقد كان من الفائزين "بقاري" (من البقارة العرب) هو كباشي عثمان يحيي. بيد أنَّ الاتحاد واجه حملة شعواء داخل البرلمان، وتعرَّض لمؤامرات شديدة أدَّت إلى انسحاب كباشي والانضمام إلى حزب الأمة.(4)
وفي الحق، لقد كان الاتحاد وعاءاً جامعاً – بحق وحقيقة – لكل المواطنين بالمنطقة من بقارة وفلاتة والتجار "الجلابة"، بل كان تعبيراً صادقاً دل على روح الوعي السياسي الذي ساد المنطقة في وقت كانت فيه الكثير من مناطق كردفان غارقة في دياجير الجهل والظلم والمرض. وكان منبع تكوينه يعزى إلى عدم الرضا والتذمر تجاه سياسة الأحزاب السياسيَّة التقليديَّة. وقد دعا الطلبة إلى تكوينه في أول الأمر ثم مارس أعماله أعضاء برلمانيين تمَّ انتخابهم على أساس حزبي. فقد قام الاتحاد باختيار عضويته من الأهالي المسلمين وغير المسلمين، ومن العرب وغير العرب، الذين كانوا يقيمون في المنطقة، ولم يدع الاتحاد إلى الانفصال في يوم ما كما أُشيع عنه، ولم يكن عنصريَّاً في لحظة ما كما قيل عنه. وكان أول نشاط سياسي قام به "اتحاد عام جبال النُّوبة" العام 1965م هو التقدُّم بالتماس للحكومة يطلب فيه إلغاء ضريبة الرأس في المنطقة، وتعزيز خطى التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة فيها. وفي العام 1966م أبعد محمود حسيب عن رئاسة الاتحاد بعد أن اكتُشِفت توجهاته "العروبيَّة"، وجاء بعده الأب فيليب عباس غبوش في رئاسة الاتحاد عن طريق الانتخاب في المؤتمر العام للاتحاد. وخاض الاتحاد بقيادته الجديدة انتخابات العام 1968م، ولكن حدث تراجع ولم يحرز الاتحاد إلا 5 مقاعد مقابل الثمانية التي حصل عليها في الانتخابات السابقة. ومن هنا حدث الافتراق السياسي بين عقيد سلاح الإشارة محمود حسيب ذي التوجه "القومي العربي" والأب فيليب غبُّوش الذي كان يتبنَّى الخط "القومي السُّوداني". فالأول اشترك في محاولة انقلابيَّة فاشلة العام 1958/1959م، مما أدَّت إلى اعتقاله ونقله إلى سجن كتم بدارفور، حيث أُفرِج عنه العام 1964م. أما الأب غبُّوش فكان يعمل داخل "الجبهة القوميَّة السُّودانيَّة المتحدة"، كما سيأتي الحديث عنه في موضع آخر من هذا البحث. إنَّ النظريَّة القوميَّة العربيَّة لعنصريَّة، وهي ماضويَّة في سبيل قيادة المنطقة العربيَّة من الخلف، والدليل على ما نحن فيه قائلون ما يحدث الآن في بعض الدول الناطقة بالعربيَّة وتتخذ من مفاهيم القوميَّة العربيَّة شعاراً سياسيَّاً للدولة. أما نظريَّة الإسلامويين فهي نظريَّة سطحيَّة تقوم على الاستغلال النفسي للدين لأغراض السياسة، لذلك كانت لها الريادة للعقليَّة المتخلفة والضيِّقة، وقامت لطمس هُويَّة كثر من المهمَّشين في السُّودان. أفلم نرى أصحاب النفع والمصالح الذاتيَّة هم الذين يرفعون الشعارات الإسلامويَّة، ويتخفون بالعنصريَّة والفساد والظلم؟! أياً كان أمر أولئك وهؤلاء، فالجدير بالذكر أنَّ محمود حسيب قد استبدل معاشة العسكري بمبلغ نقدي اشترى به ماكينة طباعة لتنظيم الضباط الأحرار الذي جاء بانقلاب أيار (مايو) 1969م بقيادة العقيد جعفر محمد نميري، حيث عيَّنه الأخير وزيراً للمواصلات، ومحافظاً لمديريَّة كردفان، ثمَّ حاكماً لمحافظة جنوب كردفان. ولما كان للرجل مآثر جمة وفضائل شتى، لم يكن لأهل مدينتي الأبيض وكادقلي من بد سوى أن أطلقوا اسمه على حيين سكنيين في المدينتين وفاءاً وتقديراً وتخليداً لذكرى ذلكم الرجل الذي كان عفيف اليد واللسان، وكان قلبه مفتوحاً، وبيته غير مصدود، وصوته مسموعاً، وبخاصة حين يخاطب الناس ب"أهلي وعشيرتي"، حاملاً صدق الإحساس وإخلاص المشاعر، كما وصفه واصف من أهل المنطقة. وحسبه أنَّه قد قُتِل ولم يكن يملك من حطام الدنيا سوى سور قطعته الأرضيَّة عند مدخل مدينة كادقلي من الشمال. ويوم أن أقاله الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري من منصبه بعد تحرشات ومؤامرات المتآمرين ودسائس المندسين، لم يجد ما يأويه وذويه سوى ذلك المنزل المتواضع في الدرجة الثالثة، والذي آلت ملكيته إلى ابنه محجوب. ويوم كان حسيب محافظاً أنشأ وظائف محليَّة من بند "الوفورات" لاستيعاب المعدمين والأرامل، وتمَّ لاحقاً إدراجها وتثبيتها في الميزانيات المتعاقبة.
مهما يكن من أمر حسيب، فقد أيَّد اتحاد عام جبال النُّوبة خلق تسعة أقاليم في السُّودان هي:
مديريَّة كسلا ومديريَّة البحر الأحمر.
القضارف ومنطقة جنوب الفونج.
المديريات الجنوبيَّة الثلاث.
جنوب كردفان، ويشمل ذلك جبال النُّوبة.
مديريَّة جنوب وغرب دارفور.
مديريَّة شرق وشمال دارفور.
مديريَّة غرب وشمال كردفان.
الجزء الشمالي للنيل الأزرق ومديريَّة الخرطوم.
المديريَّة الشماليَّة.
وهنا نستطيع أن نؤكِّد أنَّ جميع التنظيمات الثلاث – "اتحاد عام جبال النُّوبة"، "مؤتمر البجة"، و"جبهة نهضة دارفور" - لم تدع إلى قيام دول، أو وحدات سياسيَّة منفصلة، وإنَّما أكَّدت برامجها بدرجات متفاوتة على مبدأ الحكم الإقليمي بنظام وقالب لتسيير الإدارة والمشاركة في وضع القرارات على المستويين الإقليمي والقومي. حتى "الحزب القومي السُّوداني"، الذي تأسس في 13 أيار (مايو) 1985م، لم ينج من نعت "العنصريَّة والانفصاليَّة" من خصومه. وقد كان الاقتراح في بادئ الأمر أن يكون اسم الحزب هو "حزب العمل"، حيث كانت هناك مجموعات أو جماعات ضغط من مختلف أنحاء السُّودان، وقد استجابت هذه الاتحادات أو الجماعات لفكرة "الحزب القومي السُّوداني"، وأتوا وانضموا إلى هذا اللواء الجديد، وكان عددهم حوالي 16 اتحاداً من ضمنها "اتحاد عام جبال النُّوبة"، "اتحاد العرب الرحل" الذين مثَّلهم آدم التوم حسن، "اتحاد الحسوناب" والذي كان يمثِّله غريب الله مكي حسن وحسن الماحي من شمال كردفان، "اتحاد المسيريَّة الزرق" وممثِّلهم هو كان درية شرق، وأيضاً "اتحاد البطاحين" بممثِّله إبراهيم الطيب حسن، وهناك هارون آدم من دارفور وغيرهم.(5) وظل الأب فيليب غبوش يحمل شعلة نضال النُّوبة عبر أكثر من نصف قرن، مهما قيل عنه من أقاويل، ومهما لحقت به من أوصاف وتصاوير نابعة من أضغان الأعداء. هذا وقد اعترف أحد أبناء النُّوبة الذي لا يشارك الأب غبوش في اتجاهه السياسي والديني أنَّه – أي الأب فيليب غبوش - "لا شك (في أنَّه) سياسي من الطراز الأول، ولقد حاول جاهداً النُّهوض بقضيَّة النُّوبة وعلى طريقته الخاصة، ولم يشك أحد في إخلاصه وحبه لأهله النُّوبة."(6) ويقول ابن خلدون كنو كالو عنه: "ويكفي أبناء النُّوبة فخراً بأنَّ الأب فيليب (غبوش) هو باعث نهضة الجبال بكل ما تعني الكلمة من معنى؛ فهو الذي أضاء لنا الطريق للبحث عن حقوقنا، التي لم نصل إليها بعد." ويضيف كلو: "فالأب فيليب (غبوش) لم يكن عنصريَّاً، بل كان صاحب رسالة واضحة ودون لف أو دوران، ولأنَّنا لم نعتد على مثل هذا النوع من الوضوح فلا بد من نعته بالصفة، ومشكلة الأب فيليب أنَّه وقف صامداً متحدِّياً."(7) وقد قال عنه تيه كوكو ليزو: إنَّ "الناس لينظرون إلى الأب فيليب غبوش من الناحية السياسيَّة، وكقيادي بارز في السياسة السُّودانيَّة، وكرجل له تأريخ و(قد) أثار قضايا جوهريَّة مهمة في حياة المجتمع السُّوداني (...) وله شعبيَّة عظيمة، ولقد قدَّم الكثير من الأفكار والأطروحات السياسيَّة القيِّمة، التي يتبنَّاها اليوم سياسيُّون وقادة ما كان لها وجود في الساحة السياسيَّة، مثل الفيديراليَّة وحقوق المواطنة، ورفع الظلم عمن يُعرَفون ب"الأقليات"، ويُسمَّون هذه الأيام بأبناء المناطق المهمَّشة، والكثير منها نادى بها الأب فيليب غبوش (...)."(8)
فما هو سر وسحر هذا الرجل الذي ملك قلوب النُّوبة وامتلك ناصية نضالهم في خلال نصف قرن من الزَّمان؟ إنَّ بعض الرِّجال ليصنعون تأريخ النضال في بلدانهم، وأحياناً تمتد بصماتهم إلى خارج الحدود، وبعضهم يصنعهم التأريخ النضالي لبلادهم. فالذين يصنعون التأريخ يشاركون في أحداثه.. بعضهم في دور البطل، والبعض الآخر في دور "الكمبارس"، والذين يصنعهم التأريخ يلتقي بهم بالصدفة، ويأخذهم إلى مجرى الأحداث، والأب فيليب عباس غبوش من النمط الأول.. وفي دور البطل. فقد ولد الأب فيليب عباس غبوش آدم العام 1922م بحي بانت في أم درمان، وتلقى تعليمه في مدرسة سلارا الأوليَّة (ريفي الدلنج) وكاتشا الوسطى (ريفي كادقلي)، وكلية اللاهوت في جوبا، حيث تعرف على بعض أبناء الإقليم الجنوبي الذين أصبحوا قادة نضال أهليهم فيما بعد، ومنهم بوث ديو وبولين ألير وأبيل ألير. فقد وُلد زعيمنا عباساً، أما فيليب فهو الاسم المسيحي بعد التعميد واعتناقه المسيحيَّة ديناً له. وكان يعمل والده – غبوش آدم - في الجيش في العهد البريطاني-المصري (1898-1956م)، وقد شارك والده في حركة اللواء الأبيض بقيادة البطل الملازم علي عبد اللطيف العام 1924م. وقد بدأت ملامح التمرُّد تتكشف عند الطالب فيليب عباس باكراً، وذلك حين رفض الانصياع إلى أوامر المفتش البريطاني مستر ويلسن في جوبا، والذي طلب منه ومن زميله أبيل ألير أن يقوما بدفع عربته التي استقرَّت في الوحل، ولم يستطع إخراجه بمفرده. إذ اتَّصف أسلوب تعامله مع الطالبين بشيء من الكبرياء والصلف شديد، وحين علم مستر ويلسن أنَّ هذا الشاب المشاكس من منطقة جبال النُّوبة همهم في نفسه وانفجر فيهما صائحاً: إنَّنا قلنا لهم لا تجلبوا أبناء النُّوبة إلى هنا، لأنَّهم سيؤثِّرون في أبناء الجنوب سياسيَّاً. وحينما سأل المفتش التلميذ فيليب عباس: لماذا أتيت إلى هنا ولديكم من المدارس في جبال النُّوبة؟" إلا أنَّه كانت لفيليب إجابة جاهزة، إذا رد بالقول: "إنَّنا لا نملك مثل هذا النوع من المدارس هناك." وكان البريطانيُّون يسيئون معاملة أهل الجنوب، وحين جاءت الإرساليات التبشيريَّة تحسَّنت الأوضاع قليلاً. ففي بواكير عمله السياسي في الستينيَّات من القرن المنقضي كتب الأب غبوش عدة مقالات في صحيفة "كردفان"، وقام ببعض الندوات السياسيَّة في مدينة الأبيض، حيث كانت الأبيض هي المحطة الثانية له بعد الانتهاء من الدراسة في جنوب السُّودان. وفي الأبيض سكن الأب فيليب غبوش في البان جديد وملبس، التي كان بها مك تركي يُدعى عبد الحميد، وذلك قبل الحرب العالميَّة الثانية (1939-1945م)، وقام الأب غبوش بزراعة حدائق جميلة تغنَّت لها بنات السُّودان في ذلك الحين من الزمان. ثم سكن الأب غبوش بالقرب من سوق ود عكيفة، هو والجدة خادم الله، حيث أقاما سويَّاً وهي كانت تحكي عن أيام السلطان علي دينار في دارفور. كذلك سكن الأب غبوش في حي القبة بالأبيض – أي قبة إسماعيل الولي، حيث كان يأتي الناس لزيارة القبة ويأخذون منه التراب للتبرُّك به، وكذلك سكن بالقرب من السوق وفي عدة محلات، حيث كانت تنتشر أحياء سكنيَّة للبسطاء من الناس في مدينة الأبيض. فهو إذن قامة وطنية سامقة في سماوات السياسة السودانية والدينية، وقد نشأ في منطقة جبال النُّوبة الغنية بأهلها ومواطنيها، وثرواتها ومورثاتها، وتراثها الحضاري والتأريخي، وثقافاتها المتعددة، وطبيعتها الجميلة الخلابة، وحدائقها الغناء، وجبالها الشامخات. وقد كان عضواً في الجمعيَّة التأسيسيَّة العام 1966 عن دائرة الدلنج الغربيَّة (اتحاد عام جبال النُّوبة)، وممثلاً لنفس الدائرة ولنفس الحزب في الجمعيَّة التأسيسيَّة العام 1968م، ثم تمَّ تعيينه عضواً بمجلس الشعب القومي العام 1978م، وانتخب عضواً في الجمعيَّة التأسيسيَّة العام 1986م عن دائرة الحاج يوسف بالخرطوم بحري عن الحزب القومي السُّوداني، وأخيراً تمَّ تعيينه عضواً في البرلمان ضمن مجموعة التجمع الوطني الديمقراطي ممثلاً للحزب القومي السُّوداني المتحد. ذلكم هو الأب فيليب غبوش آدم وقول الحق الذي فيه يمترون.
ولما شاخت القيادات التأريخيَّة، ورحل البعض الآخر عن دنيانا مع الحزن العظيم والأسف الشديد، استلمت مقود سفينة النضال السياسي والعسكري في جبال النُّوبة قيادات شبابيَّة للإبحار بقضايا جبال النُّوبة عبر مغارم السياسيَّة السُّودانيَّة إلى بر الحقوق المدنيَّة. وقد استدعت مرحلة الثمانينيَّات إعادة النظر في عدد من وسائل النضال منها:
النضال السياسي السلمي لم يحقق شيئاً حقوقيَّاً لصالح سكان منطقة جبال النوبة طيلة سنوات الحكم الوطني منذ الاستقلال العام 1956م.
الانقلابات العسكريَّة التي بات يشترك فيها أبناء النُّوبة تُوصف دوماً بأنَّها "حركات عنصريَّة"، وتُواجه ردعاً عسكريَّاً وسياسيَّاً وإعلاميَّاً، لإخمادها وتشويها بإلباس الباطل عليها، والتنكر عليها.
لجوء أبناء النُّوبة إلى جبالهم في ديارهم، والتحصين فيها وخوض حرب عصابات طويلة لإسماع صوتهم وتلبية حقوقهم في المشاركة في السلطة والتوزيع العادل للثروة القوميَّة والخدمات التنمويَّة والصحيَّة والتعليميَّة وهلمجراً، وهذا ما كان.

دكتور عمر شريكيان

Post: #86
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 03:07 PM
Parent: #85

صفحة الرئيسية منبر الرأي الدكتور عمر مصطفى شركيان النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (2) ..... بقلم: د. عمر مصطفى شركيان
النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (2) ..... بقلم: د. عمر مصطفى شركيان طباعة أرسل إلى صديق
الإثنين, 30 آذار/مارس 2009 09:54

النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (2)
الدكتور عمر مصطفى شركيان
[email protected]
كمولو.. صرخة بلادي الحبيبة(9)
يتفق العارفون بشؤون جنوب كردفان أنَّ كادقلي أخذت تعيش نوعاً من التمرد غير المعلن منذ العام 1972م في شكل تنظيمات سياسيَّة سريَّة تضم كل أبناء قبائل النُّوبة في مدرسة كادقلي الثانوية والمصالح والوحدات الحكوميَّة وإدارات التعليم والمثقفين في كل أنحاء السُّودان وخارج السُّودان. وكان الهدف الرئيس من تلك التنظيمات رفع المعاناة والظلم الاجتماعي الواقع على المنطقة من الحكومات المتعاقبة على مر الحقب السياسيَّة، وإيجاد السبيل للتنمية الشاملة والمتوازنة، والتقسيم العادل للثروة القوميَّة والسلطة السياسيَّة، واسترداد الحقوق الضائعة من خدمات التعليم والصحة، والبحث عن المساواة والعدل وحرية الرأي والأديان، وتلبية احتياجات الإنسان الأساسيَّة من المأكل والمشرب والمسكن والملبس والعمل. فما من مشروع دستور حزبي على رأسه أبناء النُّوبة، أو مؤتمر سياسي أقاموه، أو ندوة جماهيريَّة عُقِدت، أو مذكرة احتجاجيَّة رُفِعت إلى السلطات الحكوميَّة، إلا وقد تطرَّق أصحاب المشروع أو منظِّمو ذلك المؤتمر أو متحدِّثو النَّدوة أو رافعو المذكرة عن هذه التظلمات قليلاً أو كثيراً، تفصيلاً أو عموماً، وبالأدلة الدامغة التي لا تقبل المُراء، أو بالأرقام المثبتة التي لا يستطيع أن ينكرها عاقل، حتَّى بات معروفاً أنَّ الدافع المشترك للأحزاب الشماليَّة – برغم من اختلاف توجهاتها فيما يتعلَّق بقضايا التنمية والوحدة الوطنيَّة – أنَّ الدافع المشترك بينها هو الإبقاء على سيطرتها على السلطة السياسيَّة مع تهميش الهُويَّة الثقافيَّة والوطنيَّة للمجموعات غير العربيَّة. ولكن متى بدأ هذا التهميش حتى استغلظ الضيم؟
قبيل – وبعيد - استقلال السُّودان العام 1956م لم تتم استشارة أبناء جبال النُّوبة في مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد سار قادة الحكم الوطني بعد الاستقلال منتهجين ذات السياسية الاستعماريَّة ولم يبدلوا تبديلاً. فعلى سبيل المثال عمل المركز على تغييب التمثيل البرلماني لأبناء المنطقة في الانتخابات التي جرت بعد ثورة تشرين الأول (أكتوبر) 1964م، بمعنى أنَّه كان تمثيلاً رمزيَّاً فقط. وحين تمَّ ترشيح دانيال كودي لمجلس الشَّعب القومي العام 1982م، وفاز في هذه الانتخابات، ودخل المجلس في ظل النظام المايوي الشمولي، وجد نفسه أنَّه عضو صوري، إذ كان القرار في أيدي فئة معيَّنة. ولا شك في أنَّ أهالي جبال النُّوبة ظلَّوا أوفياءاً للسُّودان، وأخذوا يلعبون دور المواطن العاقل برغم مما لحق بهذه المنطقة منذ وقت مبكر من إهمال من قبل كل الحكومات الوطنيَّة التي تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال. ومع ذلك، لم يقد هذا الولاء إلى جني مغانمه، بل تسبَّب في مغارمهم. فلا نجد مكاناً للنُّوباوي في وزارة الثقافة والإعلام (الإذاعة والتلفزيون والمسرح)، ولئن وُجِد فتقتصر مهامه على تنفيذ البرامج السياسيَّة أو الاجتماعيَّة أو الدينيَّة أو الثقافيَّة المعدة سلفاً لتلبية رغبات الساسة الذين يرسمون السياسات العليا والدنيا للبلاد. والجدير بالذكر أنَّ جذور السلطة السياسيَّة والاستغلال الزراعي تعود إلى حقب سحيقة في منطقة جبال النُّوبة. إذ تجدنَّ أنَّ جبال النُّوبة قد "بدأت بداية استغلاليَّة بإدخال شركة أقطان جبال النُّوبة إلى المنطقة منذ العشرينيَّات (من الفرن الميلادي الماضي) لينتج النُّوبة القطن لمصانع بريطانيا، وكانت الأسعار تُحدَّد من الشركة التي كانت تدير كل شيء، وكان النُّوباوي عبارة عن آلة منتجة مستغلة (...) ومن ثَمَّ كانت الهجمة الشرسة باسم الثورة الخضراء في الستينيَّات والسبعينيَّات (من القرن الميلادي المنصرم) على أراضي هؤلاء القوم وتوزيعها بفلسفة الأرض لمن يستصلحها ويستثمرها وأُخِذت الأراضي من المالكين قسراً، وكنا نرى أهل قرى يُساقون إلى المحاكم لأنَّهم اعترضوا على مشروع التاجر الفلاني أو العلاني (...) وبعضهم كان يُحكَم عليه ويُجلَدون، ونحن نذكر أنَّ زعماء قبائل وشيوخ وعمد ورجال دين كانوا يُجلَدون أمام الناس في الأسواق بالمدن المختلفة، مثل: الدلنج، كادقلي، رشاد، تلودي، وأبوجبيهة."
وفي هذا المجال قام الدكتور عطا الحسن البطحاني بدراسة قيمة – برغم من أنَّها لم تتعرَّض بصورة مباشرة للشؤون السياسيَّة الخاصة بإقليم جبال النُّوبة في السبعينيَّات والثمانينيَّات والتسعينيات من القرن العشرين – إلا أنَّها رسمت الخلفيَّة التأريخيَّة التي لا يمكن بدونها استيعاب طبيعة الاقتصاد الزراعي في جبال النُّوبة والتركيبة الاجتماعيَّة أو النزاعات السياسيَّة أو أشكال المقاومة المتشدِّدة التي كانت سائدة حتى توقيع اتفاقيَّة جبال النُّوبة للسلام العام 1997م، وبروتوكول جنوب كردفان في إطار اتفاقيَّة السلام الشامل العام 2005م. واعتمدت هذه الدراسة على مواد أرشيفيَّة غطَّت نشاطات منظمات نوباويَّة في فترة الخمسينيَّات والستينيَّات. هذه المواد - التي لا بد منها لتقصي السياسات الزراعيَّة والقوميَّة – تتضمن مذكرات خاصة لقادة اتحاد مزارعي جبال النُّوبة في الخمسينيَّات، وقادة العديد من المنظمات الأخرى التي رفعت لواء المسألة النوباويَّة في الستينيَّات، وتتضمن وثائق حكوميَّة من الأرشيف المركزي والإقليمي، ومن أرشيف صحيفة "كردفان" الأسبوعيَّة، وأحاديث مع القادة الذين شاركوا في الأحداث السياسيَّة في الخمسينيَّات والستينيَّات، وساهموا بأساليب عدة في تشكيل الخارطة السياسيَّة على المستوى المحلي.(10)
أما من الناحية التعليميَّة، فنجد أنَّ "أهل جبال النُّوبة (...) لا يجيدون اللغة العربيَّة ولا الانكليزيَّة، ولكن عندما يذهبون إلى المدارس يُساوون بين الطلاب الذين يجيدون هاتين اللغتين وأبناء المدن دون أن تُعطى لهم خصوصيَّة، وكان ذلك هاجساً كبيراً، وهو الذي تسبَّب في تعطيل كثير من أبناء جبال النُّوبة من أخذ التَّعليم بالكم الذي يريدونه."(11) وفوق ذلك، نجد أنَّه في هذه المدارس تُدرَّس فيها اللغة العربيَّة وتُمنع لغات النُّوبة، وألا يُنادى التلاميذ بأسمائهم النوباويَّة التي سموهم بها آباؤهم، مما حدا بالأساتيذ – أو الأساتذة أو أستاذين، جمع أستاذ وهو فارسي معرَّب – تسميتهم بأسماء عربيَّة، وتكليف أحد التلاميذ (الألفة) بالإبلاغ عمن يتحدَّث بأيَّة لغة من لغات النُّوبة. وقد استشعر أبناء النُّوبة لاحقاً من التربويين هذه النظرة الفوقيَّة للأساتذة واستخفافهم بإرثهم اللغوي، وموروثاتهم الاجتماعيَّة لأنَّهم لا ينتمون إلى العرب.(12) هذا، فلم يقتصر هذا الاضطهاد اللغوي والقهر الثقافي على النُّوبة في جنوب كردفان فحسب، بل سادت الحال إياها في كل مناطق السُّودان التي يعتبر أهلها اللغة العربيَّة لغة ثانية، أي ليست بلغة الأم (Mother-tongue). ففي إحدى مدارس دارفور كان أستاذ اللغة العربيَّة يحمل معه مفتاحاً يضعه فوق رأس الذي لا يتكلَّم عربيَّة صحيحة، أي من ينطقها باللكنة المحليَّة. وهذا التلميذ بدوره يمرِّر المفتاح إلى آخر مثله. وفي صباح اليوم التالي يسأل المعلِّم عن آخر تلميذ كان يحمل المفتاح ومن سلَّمه إياه؟ وهكذا تشمل القائمة كل التلاميذ فيتم عقابهم بالجلد لأنَّهم لا يعرفون اللغة العربيَّة. هذا أسلوب لطمس الحضارات الأصليَّة في التأريخ والثقافة. وهكذا كان فرض تعليم اللغة العربيَّة على أبناء النُّوبة – أو المجموعات غير العربيَّة الأخرى في السُّودان - خصماً على اللغات المحليَّة ومنعهم من التحدث بلغاتهم القوميَّة، مما أفضى إلى تولُّد الغبن لدي مواطني المنطقة، وفي هذا المنحى تجريد للهُويَّة والتركيبة الثقافيَّة للمنطقة، حتى المنهج التعليمي فقد كان يعطي الإنسان ذا البشرة السوداء مرتبة ثانية. فلتجدنَّ في كتاب المطالعة الأوليَّة (الابتدائيَّة) قصة حسن البطل، حسن ولد العرب! وماذا إذن عن النُّوباوي كوة وكوكو وكافي وتيَّة؛ وعن البجاوي أوشيك وأدروب وأوهاج؛ وعن الدينكاوي ملوال وأروب وشول وموم؛ وهل هناك أرجل من الفوراوي آدم رجال وإساغة (اسحق) والدومة وأبو البشر؛ وماذا عن الدنقلاوي نقد الله (عبد الله)، والمحسي أوشا الله (عبد الله) وغيرهم! أليسوا هم بأبطال كذلك، ويستحقون الاحتفاء ببطولتهم؟! بلى! ومن محصلة هذه التجارب وغيرها نبع الشعور بالتَّهميش السياسي والاقتصادي والثقافي لدي مواطني جبال النُّوبة.
وكثيراً ما يختلط القهر الثقافي بالديني والعرقي والسياسي، وبرغم من أنَّ لهذا القهر سوابق ولهذا الاضطهاد قدمة، إلا أنَّه اشتد أوراهما في مطلع السبعينيَّات، وبخاصة بعد أن نشرت المصوِّرة السينمائيَّة الألمانيَّة النازيَّة – ليني رافينشتال – صوراً عن النُّوبة في كاو-نيارو، وذاع صيت البث التلفزيوني عن هذه المجموعة القبليَّة، مما أثار حفيظة حكومة جعفر محمد نميري. فقامت الحكومة بحملة اجتماعيَّة وسياسيَّة واسعة ضد العري في جبال النُّوبة. وفي هذا الإطار يقول الدكتور محمد صالح: "(إنَّ) حكومة نميري أمرت العام 1972 الدوائر الحكوميَّة في جبال النُّوبة بعدم تقديم خدمات إلى النُّوبة الذين يهتمون بتربية الخنازير، وأولئك الذين يتمسَّكون بالعيش شبه عراة، وهو تقليد نوباوي عند بعض القبائل. وقامت مجموعات البقارة المحليَّة بتطبيق القانون بنفسها، وقتلت الآلاف من الخنازير مما حُرِم النُّوبة من مورد طعام أساس، وأُجِبر أبناء النُّوبة على التكلم بالعربيَّة وكانوا يعاقبون إذا استخدموا لغاتهم المحليَّة؛ أما المدارس في المناطق غير الإسلاميَّة فكانت شبه محرومة من التمويل الحكومي."(13) وما من شك في أن سياسة منع الخدمات عن المواطنين لأنَّهم لم يلتزموا بسياسة الدولة القمعيَّة فيها هضماً بواحاً للحقوق الأساسيَّة، التي تستوجب حق العيش والتمتع بخدمات المواطنة. إذ كان الأحرى على السلطات استخدام وسائل عقلانيَّة وأخلاقيَّة أخرى لا تجنح إلى سلب المواطن من حقوقه المدنيَّة وإفقاره وإذلاله. كما أنَّ أخذ القانون بيد العرب فيه تجني صريح على الأغيار. إذ يمثل هذا الانعطاف جناية ضد القانون ذاته، وكان ينبغي على الدولة تعويض هذه المجموعة، التي سُلِبت حقوقها الماديَّة في أنعامها، قبل الإقدام على شيء من هذا القبيل. وهل دمَّرت حكومة نميري الكحول في الخرطوم ومدن الشمال العام 1983م بعد إعلان قوانين الشريعة الإسلاميَّة دون تعويض أصحاب البارات؟ فلِمَ لم يتم تعويض النُّوبة في أمر خنازيرهم؟ أما إن لم تكن هذه الخنازير ملكاً للأفراد وتابعة للدولة – أي خنازير بريَّة – فكان ينبغي أخذ أضرار البيئة والصحة العامة وحقوق الحيوان ذاته، بل كان يمكن إهدائها أو بيعها إلى أيَّة دولة تريدها.
وعن تهميش النُّوبة في جنوب كردفان يذهب البعض من غير النُّوبة مذاهب غرائبيَّة في مجادلتهم بالباطل، أو محاولاتهم الميؤوسة لإثبات غير ما هو معلوم ومعايش. فقد كتب الصافي علي أحمد من عرب الحوازمة، الذي عاش الطفولة في مدينة كادقلي ودرس في الدلنج وتطوَّع في هبيلا لحصاد سمسم الحكومة العام 1969م، كتب يقول: "وجد أبناء جبال النُّوبة اهتمام كل الحكومات – المدنيَّة والعسكريَّة – ودليلنا على ذلك وجود وزير في كل حكومة أبدأ من (حكيم النُّوبة) محمود حسيب، أمين بشير فلين، الحبيب سرنوب، إبراهيم نايل إيدام وأخيراً (الدكتور) كبشور كوكو، أي تكريم وأي شرف أكثر من هذا؟ وأيَّة قبيلة في كردفان كانت لها حظوة أبناء جبال النُّوبة؟؟"(14) هذا ما دوَّنه قلم الصافي علي أحمد من جدة بالمملكة العربيَّة السَّعوديَّة. إنَّ ما يشير إليه الصافي لا يرقي إلى الاستدلال بشيء، لأنَّ استوزار الأشخاص دون أن تكون لهم سلطة تنفيذيَّة فعليَّة لعمل شيء لا يغني من الأمر شيئاً. لكن الأهم في الأمر أنَّه لماذا لا يتفاعل هؤلاء الأعراب المتواجدين في المنطقة مع قضايا المنطقة التي استوطنوا فيها ولبثوا فيها أحقاباً، بدلاً من الولاء الأعمى لأحزاب الخرطوم وحكوماته التي لم تجود عليهم بشيء قليل أو كثير. فحين يطالب أبناء النُّوبة بتأهيل المدارس والمراكز الطبيَّة فستعود الفائدة على النُّوبة والعرب في المنطقة على السواء؛ لأنَّ الملاريا لا تفتك بالنُّوبة وحدهم، وإنَّ مشكل النساء اللائي يفقدن حياتهن في فترة الولادة لعدم وجود القابلات المدربات غير مقصور على النُّوبة فقط، والحمى الصفراء حين تضرب المنطقة يموت النُّوبة والعرب كلهم دون تمييز. أفلم تبدأ الحمى الصفراء بالعرب البدو قبل النُّوبة في جنوب كردفان في خواتيم العام 2005م! وحين يطالب النُّوبة بتحسين الخدمات البيطريَّة فلسوف تستفيد منها أنعام العرب والنُّوبة على حد سواء، ولن يحرم النُّوبة إخوتهم العرب من استخدام الطرق المعبدة والكباري المشيدَّة التي يلحون على تعبيدها وتشييدها. ولسوف يشرب العرب ومواشيهم وإبلهم وماعزهم والنوبة وحيواناتهم كذلك إن وردوا الماء من الآبار التي يسألون السلطات أن تحتفرها. ولكن مع ذلك كله تميل المجموعات العربيَّة إلى دعم السلطات المركزيَّة في الخرطوم – حكومات وأحزاب – والتماهي بهُويَّتهم التي تمتد جذورها إلى خارج الوطن، بدلاً من الوقوف يداً واحدة مع أخوتهم النُّوبة في جنوب كردفان والمطالبة بتحسين الأوضاع العامة التي لسوف تسكب عليهم الفائدة كلهم أجمعين أكتعين. فليس التهميش في المنطقة مقصوراً على النوبة فحسب، بل على كل ساكني الإقليم من نوبة وعرب وفلاتة وشوابنة وغيرهم. ويسعدنا هنا أن نضرب مثلاً ب"الفايكينغس" (The Vikings)، وهم من البحارة المكتشفين والتجار المغامرين من الدول الإسكندنافيَّة (الدينمارك والنرويج والسويد)، الذين احتلوا مساحات أوروبيَّة في أواخر القرن التاسع حتى القرن الثالث عشر الميلادي. وتعني كلمة فايكينج القراصنة، وبذلك اشتهروا بأنَّهم من المغيرين. إنَّ رجال الشمال (Norse)، الذين عُرِفوا عبر القرون باسم "الفايكينغس"، قد غزوا بريطانيا، واستوطنوا فيها، وتحوَّلوا من امتهان الإغارة إلى التجارة، وانصهروا في المجتمع البريطاني، وشاركوا المجتمع الجديد في التكنولوجيا وتبادل الأفكار، وعاشوا جنباُ إلى جنب مع السكان الأصلين لبريطانيا (سيلتيك) والمهاجرين السابقين (الأنغلو-ساكسون) والمعاصرين لهم. أما الفايكينغس، الذين لم يعودوا إلى موطنهم الأصلي في الدول الإسكندنافيَّة فقد تعلَّموا اللغات المحليَّة (الإنجليزيَّة والويلزيَّة والأيرلنديَّة واللاتينيَّة – والأخيرة كانت لغة الصفوة في بريطانيا)، واعتنقوا المسيحيَّة، وتبنوا أسماء الأنغلو-ساكسون المهاجرين الذين سبقوهم في الاستيطان في بريطانيا، وامتدحوا الأشعار التي قيلت فيهم بواسطة البريطانيين والأيرلنديين، وتفاعلوا مع المجتمع من حولهم، وتعلَّموا كيف يتواصلون ويتواصون مع بعضهم بعضاً في الفترة ما بين القرنين التاسع والثالث عشر الميلادي، وأصبحوا جزءاً من نسيج المجتمع البريطاني والأيرلندي.
مهما يكن من شأن، فقد بدأت فكرة بناء تنظيم سياسي من النُّوبة المتعلمين وطلاب مدرسة كادقلي الثانويَّة العليا (تلو) العام 1973م وكان الغرض من إنشاء هذا التنظيم، الذي أخذ اسم "كمولو"، إبراز القضيَّة السياسيَّة لمنطقة جبال النُّوبة، ولا سيما بعد فشل الأنظمة الحاكمة في تحقيق مطالب النُّوبة في الخدمات الاجتماعيَّة والصحيَّة والتعليميَّة والتمثيل السياسي العادل في جميع أجهزة الدولة المدنيَّة والعسكريَّة والسياسيَّة والديبلوماسيَّة، فضلاً عن تشتت أبناء النُّوبة أنفسهم بين اتحاد عام جبال النُّوبة بقيادة المرحوم محمد حسيب جباه، وجناح أخر تحت زعامة الأب فيليب عباس غبوش. وترأس تنظيم اتحاد الشباب – "كمولو"- المرحوم عوض الكريم كوكو تية. هكذا شرع المثقَّفون من أبناء النُّوبة في وضع خطة العمل السياسي للتنظيم الوليد الجديد، وذلك بتكوين الهيكل السياسي وإنشاء اللجان المختلفة وابتكار أسلوب العمل السري، الذي بدأ فور الانتهاء من الإجراءات التنظيميَّة. وفي بادئ الأمر عمل التنظيم الوليد على جمع شمل أبناء النُّوبة، وبث روح الوحدة بينهم، والتفاكر حول كيفيَّة وضع الخطط الإستراتيجية السليمة لتحرير أنفسهم وأهليهم من ربقة "الاستعمار الداخلي"، وتوصيل القضيَّة إلى مواطني جبال النُّوبة وإعدادهم معنويَّاً لكي يحملوا السلاح - إذا دعت الضرورة – لشن حرب عصابات طويلة المدى ضد الدولة لانتزاع حقوقهم المسلوبة. وفي فترة ليست بمديدة استطاع التنظيم أن يفوِّز دانيال كودي في انتخابات مجلس الشعب القومي، ويوسف كوة مكي في مجلس الشعب الإقليمي، وقد تمَّت هذه النجاحات بدون أيَّة موارد ماديَّة، نسبة لفقر التنظيم. بيد أنَّ التنظيم كان يتحلَّى بالإرادة العالية والتضحيات العظيمة، ومن الدعاية الإعلاميَّة التي كانت تتم بالدراجات والسير على الأقدام، وذلك في وجه منافسيهم الذين استخدموا إمكانيات ماليَّة هائلة وما كان لهم من وسائل النقل والاتصالات. برغم من ذلك كله مُني خصومهم بالفشل الذريع.
وحين تفجَّرت الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في 16 أيار (مايو) 1983م، جلس قادة تنظيم "كمولو"، وقرروا ابتعاث يوسف كوة مكي إلى إثيوبيا لمقابلة قادة الحركة الشَّعبيَّة لاستجلاء الأمر، وأن يأتيهم بالخبر اليقين. وعند انضمام يوسف كوة مكي إلى الحركة الشَّعبيَّة أرسل خطاباً إلى التنظيم في السُّودان، وفيه اختار عشرة من كوادر التنظيم من أبناء النُّوبة للالتحاق بالحركة الشَّعبيَّة، وليتم تدريبهم وتأهيلهم عسكريَّاً وسياسيَّاً في بونقا بإثيوبيا، ثم بعده يتم تكليفهم في مهمات عسكريَّة إلى جبال النُّوبة.(15) كان ممثِّل الحركة الشَّعبيَّة في الخرطوم آنذاك الدكتور لام أكول أجاوين، الذي كان يعمل محاضراً في جامعة الخرطوم، والذي بدوره سلَّم خطاب يوسف كوة إلى ممثل "كمولو" بالخرطوم عبد العزيز آدم الحلو، والذي قام هو الآخر بتكليف المرحوم أيوب أبري لتوصيل الخطاب إلى رئاسة "كمولو" في كادقلي، وقد قامت الرئاسة هي الأخرى بإخطار المعنيين في الخطاب. وبعدئذٍ عُقد الاجتماع التنويري في الخرطوم برئاسة الفكي سليمان، ممثلاً للحزب القومي السُّوداني آنذاك، وذلك لأنَّ الأب فيليب عباس غبوش كان في ذلك الحين من الزمان قد أُخرِج لتوه من السجن، وكان تحت رقابة أمنيَّة منزليَّة. وكان حضوراً في هذا الاجتماع فيليبوس أبرص والخير ونيلا وكان الغرض من هذا الاجتماع هو حث المختارين على الالتحاق بيوسف كوة مكي في إثيوبيا. وقد ذهب بعض المختارين وهم خمسة بعد ذلك لمقابلة الدكتور لام أكول أجاوين في جامعة الخرطوم للتنوير النهائي وهذا ما كان، حسبما رواه تليفون كوكو أبو جلحة.
وقبل سفر هؤلاء ذهبوا إلى الأب فيليب عباس غبوش في منزله، وأخبروه بأنَّهم جاهزون للسفر للانضمام إلى الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في إثيوبيا. وقال لهم: "أنا معكم؛ الجنوبيين خانوني في أنيانيا ون، وأنتم لو ماشين (ذاهبين) تنضموا إلى المقدَّم يعقوب إسماعيل، فأنا معكم". فردَّ عليه عوض الكريم كوكو تيه: "يا فاظر (الأب) فيليب، المقدم يعقوب إسماعيل موجود في إثيوبيا قبل الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، ولم يستطع أن يقوم بأي دور إعلامي ولا نشاطات عسكريَّة في الميدان، والحركة الشَّعبيَّة حديثة جداً من العام 1983م وحاليَّاً هي معروفة في العالم أجمع إعلاميَّاً، ونشاطاتها العسكريَّة في الميدان مستمرَّة ليلاً ونهاراً". فقال له الأب فيليب: "المهم أنتم لو ماشين لقرنق، أنا ما معاكم، ولو ماشين ليعقوب إسماعيل أنا معكم". وخرجت المجموعة وغادرت الخرطوم إلى كينيا في صبيحة 2 كانون الثاني (يناير) 1985م، ووصلت إلى قيادة الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في يوم 16 كانون الثاني (يناير) 1985م، وكان في استقبالهم في إثيوبيا اللواء قيرشوانق ألونق الذي أصبح وزير الاتصالات في حكومة الجنوب لاحقاً. تُرى لِمَ رفض الأب غبوش مباركة انضمام أبناء النُّوبة إلى الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، برغم من أنَّ مجنِّدي النُّوبة كانوا يشكِّلون القوة الثانية الضاربة في الجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان بعد الدينكا؟ عندما ذهب الأب فيليب غبوش في مستهل السبعينيَّات من القرن الماضي الميلادي إلى يوغندا لمقابلة رئيس حركة أنيانيا ون وهو كان القائد جوزيف لاقو، وذلك للتنسيق معه على تدريب 400 مستجد من أبناء النُّوبة رفض لاقو هذا الاقتراح. وحسب ما جاء في محاضرة القائد العام للحركة الشعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان الدكتور جون قرنق دي مابيور في تموز (يوليو) 2000م في مدينة ياي، قال القائد قرنق: "إنَّ اللواء جوزيف لاقو عيَّن ضابطين وثالثهما هو الضابط جون قرنق نفسه، حيث كان هو أركان حرب القائد جوزيف لاقو آنذاك وبرتبة ملازم أول، (وقد) عيَّنهم كلجنة لمقابلة الأب فيليب عباس غبوش في كمبالا. فبعد المقابلة خلصوا إلى أنَّ فيليب عباس يريد أن يدرِّبوا له 400 مقاتل من أبناء النُّوبة، وبعد المقابلة جلس ثلاثتهم لإعداد التقرير لرفعه إلى القائد جوزيف لاقو، ولكنَّهم اختلفوا فيما بينهم حيث أنَّ الاثنين من زملائه رفضا فكرة انضمام أبناء النُّوبة إلى حركة أنيانيا ون، وذلك بسبب أنَّ أبناء النُّوبة في الهجانة هم الذين يقاتلونهم ويهزمونهم ويطاردونهم في ميادين القتال من شجرة إلى أخرى. فقال لهم جون قرنق: "يا أخوانا أولاد النُّوبة في الهجانة ديل ما كويسين، ولكن أبناء النُّوبة العاوزين يتدرَّبوا معانا ويحاربوا معانا (ضد) الحكومة ديل كويسين." ولكن زملاءه رفضوا وتغلَّبوا عليه، ورفعوا تقريرهم إلى القائد جوزيف لاقو برفض أبناء النُّوبة في حركة "أنيانيا ون". ومع ذلك، لا نستطيع أن نقبل كليَّاً أو جزئيَّاً بقول إنَّ النُّوبة هم من الذين كانوا يحاربون الأنيانيا وحدهم، ولا نستطيع أن نطمئن إلى هذا الزعم قليلاً أو كثيراً. فإنَّ القوات المسلَّحة السُّودانيَّة مؤسسة قوميَّة بها النُّوباوي والفوراوي والجنوبي والبقَّاري والشايقي والدنقلاوي والجعلي والمحسي والبجاوي وغيرهم من قوميَّات السُّودان المختلفة؛ لذلك لا يستقيم التركيز على أثنيَّة واحدة بأنَّها هي التي كانت تقود حرباً عشواء ضد أهل الجنوب المتمرِّدين في صفوف أنيانيا ون. لأنَّنا نعلم علم اليقين أنَّه كان هناك 3,000 جندي جنوبي في القيادة الجنوبيَّة بجوبا، وكانوا يقومون بطلعات دوريَّة وعمليات عسكريَّة ضد أهلهم المتمرِّدين ضد الدولة في مديريات جنوب السُّودان المختلفة. ونحن نعلم علم الحق كذلك أنَّ حكومات الخرطوم حينها قد أنشأت ميليشيات جنوبيَّة، وسمتها "الحرس الوطني"، وأمدتها بالسلاح والمعلومات الاستخباراتيَّة، وشرعت تعيث في أرض الجنوب فساداً وتدميراً وقتلاً واغتصاباً لنساء الجنوب ونهباً لمواشيهم وممتلكاتهم. وفوق ذلك، نحن ندرك أنَّ قيادة الجيش – سواء في الجنوب أم في الخرطوم – من أهل الشمال العربي المسلم هي التي كانت، وما تزال، تقوم بالإشراف والإدارة في المؤسسة العسكريَّة، ولم يكن النُّوبة ممن يضعون الخطط الحربيَّة، ويشرفون على تنفيذ العمليات العسكريَّة ويموِّلون الإمداد العسكري.
ومن بعدما شهدنا من ذا الذي يستطيع أن يستنكر اختيار النُّوبة للعمل المسلَّح بعد هذا الانتظار الطويل؟ فلا مريَّة في أنَّه ليست هناك أمة أو طائفة أو جماعة يمكن أن تستكين وتستسلم إلى العمل السلمي إلى الأبد، حتى الدوخوبوريين الذين اتخذوا من الدين وسيلة في سبيل السلم لم يظلَّوا هكذا أبد الدهر. فمن هم الدوخوبوريين؟ الدوخوبوريُّون (Doukhobors) – وتعني لفظة "دوخوبور" مصارع الأرواح – هم جماعة انشقت من الكنيسة الأرثوذكسيَّة الروسيَّة بعد الإصلاحات الكنسيَّة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي بعد أن رفضوا التعبُّد الطقوسي، وبدأ الأغيار ينظرون إليهم بأنَّهم هرطوقيين، ونبذهم المجتمع الروسي وهجرهم هجراً مليَّاً. لكنهم أصروا أنَّهم يتصارعون مع – ويخافون – روح الله، وابتنوا فلسفتهم الدينيَّة على وصيَّتين من الوصايا العشر، وهما: الاعتراف وحب الله – أي القوة الروحيَّة للخير والخلق – بكل القلب والعقل والروح؛ والوصية الثانية هي حب الجار كما تحب نفسك. وكان لهم من الإيمان ما هو خليق بأنَّ قانون الله يتمظهر في السلوك الودي بين النَّاس. عليه، نجد أنَّهم مسالمين كانوا ثم ورعين، وكانوا ضد كل أنواع العنف، ويؤمنون بأن الحرب غير ملائمة مع المسيحيَّة. وفي العام 1895م رفضوا الخدمة العسكريَّة في الجيش الروسي، وحرقوا جميع أسلحتهم، وتعرَّضوا للاضطهاد بسبب معتقداتهم، وفكروا مليَّاً في الهجرة إلى الخارج. وقد وجد هؤلاء الدوخوبوريُّون تعاطفاً من الروائي الشهير الكونت ليو تولستوي - مؤلف كتاب "الحرب والسلم" – الذي رأى في اعتقاد القوم ما يتناسب تناسباً طرديَّاً مع بنات أفكاره في إدراك المعتقد الروحي والنظام الاجتماعي. ومن ثمَّ شرع تولستوي في حملة لإجبار حكومة التزار للسماح لهم بمغادرة الاتحاد السوفيتي. وبالفعل نزل حوالي 1,100 منهم قبرص العام 1898م، وبعد العام وصل حوالي 7,000 منهم إلى شواطئ شرق كندا ومنها إلى غرب البلاد. وفي كندا عاشوا حياة الجماعة الواحدة واحترفوا الزراعة، والاكتفاء الذاتي، وتعاطفت الحكومة الكنديَّة معهم ومنحتهم أراضي بلا ثمن. بيد أنَّه في العام 1906م تبنى وزير الداخليَّة الكنديَّة تغييرات جذريَّة في لوائح الأراضي، التي أمست تهدِّد مجتمع الدوخوبوريين. وفي الفترة ما بين (1908-1912م) نزح آلاف منهم صوب الغرب القصي، وكان بينهم مجموعة منشقة من المقاتلين يدعون سفوبودنيكي (Svobodniki) – أو أبناء الحريَّة. لقد رأى هؤلاء المنشقون في سياسة الحكومة الجديدة في كندا نكوصاً على العهد، فتركوا مبادئ السلام، ودخلوا في عصيان مدني، واستخدموا العنف لتحقيق أهدافهم. ولم يكتفوا بالتفجيرات وإشعال الحرائق، بل استخدموا التظاهرات العامة دون أن يرتدوا الملابس، أي عراة.(16)
ومن هنا نستطيع أن نقول ما من إنسان مهما بلغت به الدرجة من الخنوع يريد أن يقلِّب خديه يمنة ويسرة لتلقِّي الضربات والإهانات دون أن يتحرَّك لصد هذا الذل والهوان، والسعي في سبيل البحث عن المساواة والعدالة والإنصاف لدفع الظلم. هكذا امتثل النُّوبة، ولجأوا إلى حمل السِّلاح. ولكن هذا العمل المسلَّح حمل مخاطر جسيمة، والتضحيات كانت عظيمة، وقد أتت هذه العزائم على قدر أهل العزم من النُّوبة نساءاً وشيوخاً وأطفالاً ورجالاً وشباباً. وتشابكت العوامل التي غذت الحرب حتى بات من الصعوبة جداً تحديد عنصر واحد للاستعانة بها كمرجعيَّة لهذه الحرب الأهليَّة السُّودانيَّة، وتحديداً في هذه المنطقة من القطر. فكم استخدمت السلطات الحكوميَّة السياسة في هذه الحرب تارة، والدين الإسلامي تارة أخرى، والعنصريَّة البغيضة تارة ثالثة، والموارد الطبيعيَّة تارة رابعة، والتجويع تارة خامسة، ودعَّمت هذه العمليات بالإعلام الضليل والمال الغرير والترهيب والترغيب.


Post: #87
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 03:10 PM
Parent: #86

الصفحة الرئيسية منبر الرأي الدكتور عمر مصطفى شركيان النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (3) ... بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان
النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (3) ... بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان طباعة أرسل إلى صديق
الخميس, 16 نيسان/أبريل 2009 13:34

[email protected]

التطهير العرقي من خلال الرؤية الفقهيَّة وسوداويَّة العيش وسط الحرب



في بحث سابق صُدِر لنا في لندن – حاضرة المملكة المتحدة - جادلنا في أكثر ما يكون الجدال عن تجاوزات حقوق الإنسان في جبال النُّوبة في أول عهد النُّوبة بالحرب الأهليَّة في جنوب كردفان وفي غمرة الحرب وفي نهايتها، وبيَّنا رأينا فيها بياناً مجملاً، ولكن – برغم من ذلك كله – لم نوف الموضع حقه من السرد، ولا نظن أنَّنا سوف نوفي حقه هنا أيضاً، وذلك لأنَّ هول ما حدث أفجع وقعاً في النفس، ونتيجة الوقائع أوجع ألماً بكثير مما يمكن أن يتصوَّره الناس ويتخيَّله الذين لم يعيشوا هذه اللحظات العصيبة. فقد سامت زبانية النظام "الإنقاذي" أهل النُّوبة في جبال النُّوبة أشدّ أنواع الخسف، وأفظع صنوف العذاب، فكانوا يحتملونها بصبر وجلد.(17) هذا، فلم نكن وحدنا ممن بذلنا الجهد الجهيد في سبيل هذا التسجيل، بل تجاهر بالاستنكار ضد هذه التجاوزات الإنسانيَّة رؤساء حكومات أجنبيَّة ووزراؤها، وكتبت في هذا الأمر المرير الصحافة الغربيَّة ومراكز الدراسات ومنظمات حقوق الإنسان ولجان برلمانيَّة لحكومات غربيَّة تعني دوماً بحقوق الإنسان. ولكن مهما كتب المخلصون من أبناء السُّودان، أو الحادبون على مصلحة السُّودان من غير السُّودانيين، أو دعاة الإنسانيَّة كلهم أجمعون أكتعون، أو أظهره رجال الدين المسيحيُّون، أو أصحاب الضمائر الصَّادقة أو غيرهم فلم يفوا بالغرض حقه، لأنَّ ما حدث كان شيئاً أفظع مما يمكن أن يحتمله أي بشر إلا الذين أُوتوا بسطة في الشجاعة، وأشنع مما يمكن أن يُخطر على بال، وأبشع مما يمكن أن يقدم عليه إنسان يملك مثقال ذرة من الأخلاق. وبما أنَّ العدالة يمكن أن تنتظر ولو طال الدهر، فمتى تأتي هذه العدالة لأهل النُّوبة، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار بتجارب الآخرين من الأمم الأخرى؟
ففي الماضي كانت الضغوط الخارجيَّة أو الأمميَّة التي كانت تُمارس على الحكومات في سبيل كبح غلوها ضعيفة، أو تكاد تكون معدومة. ولذلك وجدت دول كثيرة الحرية في مجزرة أبنائها وبناتها، وأكبر شاهد على هذا العصر مقتل 1,7 مليون كمبودي تحت سلطة "الخمير الحمر" في الفترة ما بين (1975-1979م) – أي ربع سكان كمبوديا، وأكبر من نسبة الذين قُتِلوا بواسطة النازيَّة بعد احتلالها لأجزاء من أوربا، أو ضحايا "التطهير العرقي" من التوتسي في رواندا بواسطة الهوتو العام 1994م. وبما أنَّ العدالة تُمهَّل ولا تُعجَّل أحياناً فقد مثَّل خمسة من متهمي الإبادة الجماعيّة في كمبوديا في ذلك الحين أمام القضاء في آذار (مارس) 2009م – أي بعد ثلاثين عاماً من اقترافهم لهذه الجرائم البشعة – وعلى رأسهم الفريق دوتش، الذي كان على قيادة الشرطة السريَّة للخمير الحمر في ذلك الرَّدح من الزمان. وإنَّا لنشعر بالحاجة إلى أن نضرب مثلاً آخر قد يدهش له السُّودانيُّون؛ لأنَّهم لم يعتادوا على هذه النمطيَّة من العدالة في حيواتهم في السُّودان. ففي يوم 7 نيسان (أبريل) 2009م أدانت المحكمة رئيس بيرو السابق البيرتو فوخيموري بتهمتي الاختطاف والقتل، وحكمت عليه المحكمة بالسجن 25 عاماً. فقد وجد القضاة الثلاثة أنَّ فوخيموري – البالغ من العمر 70 عاماً – مذنباً لأنَّه أعطى أوامر لفرقة قتل عسكريَّة خلال الحقبة التي سُمِّيت ب"الحرب القذرة" ضد المتمرِّدين الماويين في التسعينيَّات. وتُعتَبر المحكمة، التي استمرَّت في الانعقاد لمدة 15 شهراً في قاعدة الشرطة الخاصة بالعاصمة ليما، انجازاً للعدالة في سبيل حقوق الإنسان ضد رئيس منتخب ديمقراطيَّاً في أمريكا اللاتينيَّة، ولكنه استغل سلطاته. مدير جامعة سابق كان وسياسي، تم ترشيح فوخيموري رئيساً لبيرو العام 1990م، وقضى على التمرد والتضخم الذي تفشي في البلاد، وحقق استقراراً في الدولة. غير أنَّ الفساد والاغتيالات السياسيَّة كانا سمة سيئة لازمت حكمه التسلطي حتى سقوطه من السلطة العام 2000م، ومن ثَمَّ هرب إلى اليابان، حيث موطن والديه، وبعث باستقالته من هناك بالفاكس. ثمَّ حاول العودة إلى السلطة حين سافر إلى شيلي العام 2005 مهيئاً نفسه لخوض الانتخابات الرئاسيَّة التي كانت تجري في ذلك الحين في بيرو، ولكنه اعتقل وسُلِّم إلى السلطة الحاكمة في بيرو العام 2007م. ففي الأحدث التي راح ضحيتها حوالي 70,000 شخص إثر تمرد "توباك أمارو" و"الطريق الساطعة" الماويَّة، قتلت العسكرتارية حوالي 37% من هؤلاء الضحايا. فقد أدانت المحكمة فوخيموري في مقتل 25 مواطن في مذبحتين واختطاف رجل أعمال وصحافي. وإنَّ هاتين المجزرتين قد قامت بهما وحدة من ضباط الاستخبارات العسكريَّة ذو التدريب الخاص، حيث أعدمت هذه الوحدة 15 شخصاً في ليما العام 1991م خطاً تحت تهمة التعاطف مع حركة التمرُّد. وفي العام التالي اختطفت هذه الوحدة 9 طلاب جامعيين وأستاذ جامعي، وأمسوا في عداد المفقودين. وبما أنَّ ليس ثمة شيئاً يستطيع أن يعوِّض الأموات، إلا أنَّ هذه العدالة قد قدَّمت تعزية لذويهم، وحقَّقت رغبة منظَّمات حقوق الإنسان، وأمست عبرة لم يعتبر.
ولكننا بعدنا عن الموضوع فيما يظهر، فلنعد إليه لنقول ما كنا نقول منذ حين في أمر النُّوبة. فالجدير بالذكر إنَّ العلاقة بين الدكتور حسن عبد الله الترابي ومنطقة جبال النُّوبة لذات خلفيَّة دراميَّة قبل الانتفاضة الشعبيَّة العام 1985م. إذ كان لا يتعدَّى أنصار الحركة الإسلاميَّة يومئذٍ الخمسمائة شخص من المثقَّفين والطلاب المقيمين في الخرطوم. وبعد الانتفاضة تعرَّض الترابي لحملة تشويش وصلت إلى مرحلة القذف بالحجارة في أبو جبيهة والدلنج وكادقلي لمجرَّد أنَّ الشيخ الترابي سعى لمخاطبة الجماهير وطرح بضاعته الكاسدة. واحتمل الرجل القذف بالحجارة والهتافات التي صنعت في الدور الحزبيَّة الاشتراكيَّة وغير الاشتراكيَّة مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب القومي السُّوداني وحزب الأمة وقليل جداً من الشيوعيين، وخاضت الحركة الإسلاميَّة الانتخابات وفشلت في الحصول على أيَّة دائرة بجنوب كردفان برغم من أنَّ مرشَّحي الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة قد حقَّقوا تقدُّماً كبيراً، وبخاصة النور كبسور أبو صليب. وبعد تشكيل الحكومة الائتلافيَّة بين حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي كانت الأوضاع الأمنيَّة في جبال النُّوبة تتدهور يوماً بعد الآخر. هذه هي الظروف السياسيَّة التي فيها تكوَّنت ما عُرِفت ب"خلايا الدفاع الذاتي" من عناصر حزب الأمة والإسلاميين (الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة)، التي تحوَّلت إلى "قوات الدفاع الشَّعبي".(18) ومن قبل كانت عملية "تمليش" القبائل العربيَّة المسلمة المجاورة لجنوب السُّودان قد بدأت. ومن هذه القبائل المسيريَّة (الحُمُر والزرق)، الرزيقات، والمعاليا التي تمَّت استمالتها لأنظمة الخرطوم كمحاولة من الأخيرة لصد تمدد الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان شمالاً. ومما ساعد على تنفيذ هذه السياسة امتلاك هذه المجموعات العربيَّة مهارات عالية في استخدام الأسلحة الحديثة، نسبة لخدمة أفرادها في الجَّيش السُّوداني. وكذلك تمَّ تسليح بعض القبائل الجنوبيَّة – مثل منداري، ديدينغا، مورلي، وباري – بواسطة الحكومة. إذ نسَّقت هذه الميليشيات الجنوبيَّة مع النوير – أي "أنيانيا تو"، وكانت الحكومة تطلق على ميليشيات النوير اسم "القوات الصديقة"! وقد عالج الدكتور محمد عبد الرحيم محمد صالح والدكتور شريف حرير العلاقة بين انتشار الميليشيات القبليَّة في جنوب كردفان والدولة السُّودانيَّة في ثلاث أفكار متداخلة هي:(19)
المفاهيم المتنافسة للحرب الحاليَّة (1985-2005م)، ومدلولاتها السياسيَّة على الأصعدة المحليَّة والوطنيَّة.
صعود الميليشيات القبليَّة باعتبارها امتداداً لذراع الدولة القمعي، وبالتَّالي إضعاف احتكار الدولة لاستخدام العنف والقهر.
أثَّر كل ذلك في عمليَّة الاندماج الوطني في السُّودان.
على أيَّة حال، فإنَّ في تأريخ الحروب الأهليَّة لعبر ودروس. ولكن لماذا فشلت الحكومات السُّودانيَّة في فهم هذه العبر والدروس والتعامل معها بإيجابيَّة؟ ومثلما هي الحال في السُّودان، فقد فشلت أنغولا وموزنبيق والكونغو وإثيوبيا ودول أخرى في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينيَّة في القضاء عسكريَّاً على صراعاتها الأهليَّة، كما فشلت الولايات المتحدة في القضاء على حرب عصابات الثوار الفيتناميين، والاستثناء الوحيد في إفريقيا هو حرب البيافرا في نيجيريا في الستينيَّات من القرن المنصرم. وبالطبع، فإنَّ حروب العصابات من الصراعات التي يكتنفها كثر من التمويه لأنَّ الحكومات لا تواجه جيشاً نظاميَّاً بها معسكرات دائمة في بعض الأحايين، بل إنَّها في حال احتراب مع جيش ذي قواعد متنقلة حسبما تقتضي الظروف، أي وحدات متنقِّلة وسريعة الحركة، وليس لها من الناقلات أو العربات المدرعة أو غيرها من الآليات الثقيلة التي لسوف تشل حركتها في حال تدمير هذه الناقلات. ثم هناك الجانب النفسي كذلك، فإنَّ الحروب الأهليَّة تنشأ بين أبناء الشعب الواحد، وفي أغلب الأحايين تجد إخوة أشقاء يقفان على جانبي الصراع، أو أبناء القبيل الواحد ذاته وقد انقسموا إلى فريقين: فريق مع الحكومة وآخر مع التمرُّد. وهناك المأجورين الذين تستأجرهم الحكومات وهم في حال الارتزاق، وهناك العقائديين الذين يرون أنَّ المذاهب السياسيَّة أو العقائد الدينيَّة تتطلَّب منهم خوض غمار حروب الآخرين تحت لواء هذا المذهب السياسي أو تلك العقيدة الدينيَّة التي هم بها يؤمنون. وعندما تجتمع مثل هذه العناصر لتمويل حرب أهليَّة، فينبغي على الحكومات – لأنَّها هي التي تقود الحملة السياسيَّة لجلب وخلط هذا الشتات – أن تأخذ الجوانب الأخلاقيَّة في الاعتبار، ولأنَّ حروب الأخوان الأشقاء، أو بني الأعمام، هي أشد وطأ من أيَّة نزاعات أخرى. لذلك كان لزاماً على الدولة السُّودانيَّة أن تأخذ العبر من التأريخ المحلي أو الإقليمي أو الدولي حول التعاطي مع مثل هذه الأنماط من الحروب، وأن تمتثل الأخلاق كذلك وتستكثر في البحث عن سبل الحلول السياسيَّة الدائمة العادلة. لأنَّ كلفة هذه الحرب عالية في الموارد الماديَّة والبشريَّة. وبما أنَّ التكاليف الماديَّة موجودة في شكل أرقام في سجلات الدولة إن هي اهتمَّت برصدها وتدوينها، إلا أنَّ الضحايا البشريَّة التي كان ينبغي الاهتمام بها أكثر فأكثر، لم تجد سبيلاً إلى ذلك الاهتمام. ولئن حصرت الدولة موتاها وجرحاها ومفقوديها في المعارك التي دارت بين قواتها من جانب، وقوات الجيش الشعبي لتحرير السُّودان من جانب آخر، إلا أنَّها لم تعر انتباهاً للمدنيين الذين وقعوا ضحايا هذا الصراع الدموي. ففي سبيل أولئك المدنيين القتلى وهؤلاء العاجزين الجرحى والأطفال اليتامى والشيوخ المرضى نورد بعضاً مما حدث لهم في جبال النُّوبة.
ونتيجة لمعاناة النُّوبة في جبال النُّوبة – كما شهدنا – قامت منظمة تضامن أبناء النُّوبة بالخارج في بريطانيا ومصر وسويسرا، ثمَّ هولندا واليمن لاحقاً وأفراد نشطاء في فرنسا. ثم شهدت كل من الولايات المتحدة الأمريكيَّة وكندا والنرويج والسويد وأستراليا الرابطة العالمية لأبناء جبال النُّوبة. فقد ورد إلينا تقرير عن إحصائيَّة الحوادث التي حصلت في بعض مناطق جنوب كردفان خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م، وكانت مأسويَّة. ففي بلاغ رقم 2479 في قسم الشرطة بالمنطقة الجنوبيَّة من جبال النُّوبة بتأريخ 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م أبلغ فضل الله عبد الرحمن كوة من قرية كيقا الخيل أنَّ مجموعة مسلَّحة من العرب بقيادة البشرى الإمام، وهو كان معلِّماً بمدرسة دميك الابتدائيَّة، وكان مقيماً في قرية درنقاس، قد هجمت على منطقة كيقا الخيل، وقتلت 14 شخصاً وجرحت 13 آخرين، ونهبت ألفين رأس من الماعز. وفي بلاغ آخر برقم 2488 والذي تمَّ تدوينه في يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م، وكان المبلِّغ عنه هو التاجر كوة جمال الدين، وهو كان يقيم في منطقة تكسوانة التابعة لشياخة أبو شنب ككي، أفاد بأنَّ العرب – أو ما يسمى ب"قوات الدِّفاع الشَّعبي" - قد هجموا على المواطنين نهاراً جهاراً في مزارعهم، وأطلقوا عليهم أعيرة ناريَّة، مما أُصِيب المواطن بخيت كوة بطلقة في راحة يده. أما في البلاغ رقم 2501 بتأريخ 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م، وكان المبلغ عنه ملازم أول بقوات الشَّعب المسلَّحة في حامية موسى مرجان، فقد أفاد البلاغ بأنَّ مجموعة من العرب في "قوات الدِّفاع الشَّعبي" قاموا بالهجوم على منطقة الروصيرص وقتلوا سبعة أشخاص وجرحوا اثنين آخرين. وفي البلاغ رقم 2505 في يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م وكان المبلغ عنه زكريا آدم إسماعيل، فيورد أنَّ مجموعة مجهولة هاجمت الرعاة في منطقة الملاحة وقتلت منهم ستة أشخاص وجرحت ثلاثة آخرين. وفي يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م هجمت جماعة من العرب المسلَّحين على قرية الدبيبات، وقتلت 14 شخصاً وجرحت اثنين آخرين. والمدهش في الأمر حقاً أنَّ هذه الأحداث ما هي إلا مشاريع مشتركة بين القوات النظاميَّة من الجَّيش والشرطة وقوات السجون من أبناء العرب في المنطقة. وبعد حدوث كل تلك الحوادث المذكورة أعلاه لم تقم الحكومة في محافظة (ولاية حاليَّاً) جنوب كردفان بأيَّة محاولة لحماية المواطنين، وكان ذلك يعني الإهمال المتعمد من قبل القيادة في المنطقة، والتي تمثَّلت في قائد الحامية في كادقلي ومدير شرطة جنوب كردفان، وانتشار السلاح وسط المواطنين العرب لدعم الحكومة التي سلَّحتهم في بادئ الأمر.(20)
وكأنَّما هذا الوضع المزري غير كافٍ حتى بدأت الأحداث المأسويَّة تتوالى بشكل أكثر فجائعيَّة. ففي تقرير عن الأحداث المؤسفة التي وقعت على قبيل أم لاوية بمناطق صبوري ولقوري وتلو في يوم 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م سالت دماء كثيرة. ففي نفس التأريخ المذكور وصلت قوة من المليشيات العربيَّة-الحكوميَّة تحملهم عربة إلى قرية الدبيبات التَّابعة لمنطقة لقوري، وكان أفراد هذه القوة يرتدون الزي العسكري، أي ما تتزيَّن به القوات المسلَّحة الحكوميَّة، وكانت حجتهم أنَّهم جاءوا إلى هذه القرية للاجتماع مع المواطنين بخصوص السَّلام. فقد انخدع رجال القرية بهذه الحيلة الماكرة، وتجمَّعوا للاستماع لحديث السَّلام، الذي له رنين، ولأنَّه حديث ذي شجون. وبعد تجمعهم غدروا بهم وربطوهم، ثمَّ أُطلق عليهم الرصاص، فمات أغلبهم ما عدا شاب واحد استطاع أن يهرب منهم وهو كان مصاباً، وجرى حتى وصل إلى حامية كادقلي، وأبلغ قائد الحامية بما جرى، وحُجز في المستشفى، حيث لم يتحرك القائد إلا في اليوم التالي، وذلك بعد أن قام جندي من أبناء المنطقة باستذكار القائد بما جرى للمرة الثانية. بعدئذٍ تحركَّت قوة عسكريَّة ومعهم الجندي البليغ. وقبل الوصول إلى مكان الحادث، قابلوا مجموعة من الميليشيات العربيَّة في الطريق، وحينما سألهم قائد القوة إلام هم متجهون؟ أدَّعوا بأنَّهم ذاهبون للبحث عن بهائمهم التي سُرقت، فتركوهم وذهبوا إلى مكان الحادث فوجدوا الضحايا الأموات. ثم مر أفراد هذه الميليشيات بقرية الدرود التَّابعة للقوري وقتلوا ما قتلوا، وأثناء مرورهم بمنطقة صبورى وجدوا فتاتين بقرية دلقو التَّابعة لصبوري، فذبحوهما، حيث لم يذكر التقرير أسماءهما. وفي طريقهم اشتبك أفراد هذه الميليشيات مع المواطنين في قرية الروصيرص التَّابعة لصبوري، فلقي أربعة من رجال القرية حتفهم وجُرح اثنان. وفي منطقة تلو – وما زال أفراد هذه الميليشيات في طريقهم إلى كادقلي – قابلوا رجلاً وهو ماضٍ في سبيله إلى مزرعته، فقتلوه وهو أنديو تية، وكذلك وجدوا طالبين ومعهما جندي فذبحوهم كلهم أجمعين أبتعين. وختم كاتب التقرير – وهو من أبناء قبيل أم لاوية المنكوبة – حديثه بالنِّداء التَّالي: باسم القبيل نرجو من الحكومة اتخاذ اللازم تجاه الجناة وإيقاف هذا العبث (بأرواح المواطنين النُّوبة).(21)
كذلك أتتنا تقارير مرعبة عن الأحداث التي وقعت في المنطقة التي يقطنها أبناء كالوقي (لوقان)، والتي رُفع إلى مستشار أمن السُّودان العميد إبراهيم نايل إيدام في يوم 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م (ملحق رقم (1)). ثم جاء الخطاب الضافي من اللجنة العليا لأبناء جبال النُّوبة للسَّلام والتعمير إلى رئيس وأعضاء مجلس قيادة ثورة "الإٌنقاذ" الوطني، ورئيس مؤتمر الحوار الوطني لقضايا السَّلام، والمشرف السياسي لإقليم كردفان، وحاكم إقليم كرفان في يوم 30 تشرين (نوفمبر) 1989م ليلخِّص ما يجري في جبال النُّوبة (ملحق رقم (2)). وفي إحدى الإغارات التعسفيَّة على النُّوبة في المناطق الواقعة شرق وجنوب كادقلي قامت الحكومة بحرق القرى في أم سردبة، تيش، العتمور، أم دورين، حمرة، وبرام. وبعدما قتل الجيش معظم القرويين قاموا باختطاف 600 طفلاً من أبناء النُّوبة وأتوا بهم إلى كادقلي، وكان بعضهم قد تم تعميدهم بواسطة قس كاثوليكي اُستقدِم من كادقلي لأداء هذه الطقوس الدينيَّة. ويحكى شاهد عيان أنَّه حينما استقدم الجَّيش الحكومي هؤلاء الأطفال المخطوفين إلى كادقلي طلبوا من مواطني المدينة أخذ من يرغبون منهم، واستنكر أهل المدينة هذا الصنع الشنيع لأطفال تبلغ أعمارهم بين 9-14 عاماً، وأغلبهم يتامى. وبعد أن قضوا بضع أيام في كادقلي، تمَّ نقلهم إلى مدينة أم روابة في شمال كردفان لأسلمتهم في خلوة الشيخ بكري وقيع الله محمد خير. وفي الفترة من 1990-1991م – وهي الفترة التي فيها شهدت مدينة كادقلي تصعيداً واضحاً في الاغتيالات الجماعيَّة، أو ما يمكن نعتها ب"الاغتيالات الدستوريَّة" (Judicial murders) – تخصَّص لها مقصلة في حي السَّما، وهو يقع على بعد بضعة كيلومترات من القيادة العسكريَّة في كادقلي باتجاه الشرق. وبعد الإعدام كان يُترك القتلى في العراء، وكانت الجثث المتحلِّلة سبباً في تلوُّث الطقس بالروائح الكريهة، وانتشار الذباب والصقور في الجو، وفي بعض الأحايين حملت الكلاب السائبة أطراف القتلى ودخلت بها إلى حي السما. ولهذه الأسباب هاجر السكان، وتقدَّم عمدة الحي بشكوى للمسؤولين، ولكن دونما جدوى.(22) وكانت تلك الأيام شبيهة بالعهد الإمبراطوري التركي-العثماني في ألبانيا، أو ما وصفه الروائي الألباني إسماعيل قدير ب"قانون سمل العيون" (The Blinding Order)، حيث كان يُوشى الجار أنَّ جاره يملك "عيون الشر"، ومن ثَمَّ تقوم زبانية الإمبراطوريَّة بسمل عيونه. إذ يعكس هذا الأمر كيف يمكن أن يتعاون الأفراد مع ماكينة الإرهاب الذي يمكن أن تمثله الدولة أيَّة دولة. وهذا – بالضبط والربط – ما حدث في التسعينيَّات في جبال النُّوبة، حيث كان يبلِّغ عملاء النظام عن جيرانهم بأنَّهم يمثِّلون "الطابور الخامس" – أي من أنصار الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، ويأتي رجال الأمن ثم يقبضون عليهم أو يُطلب مثولهم أمام قيادة الاستخبارات العسكريَّة، أو قوات الدفاع الشَّعبي، كما هو واضح في الأمر التالي، ومن ثََمَّ لم يروا النور مرة أخرى:
بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم
القيادة العامة لقوات الدِّفاع الشعبي
اللِّواء الخامس - كادقلي
بواسطة/ قائد كتيبة خالد بن الوليد
النِّمرة /ق/د/ ش
السيِّد/ حسين محمَّد مدو
المحترم
نرجو حضورك يوم الأحد الموافق 24/9/1989م أمام مكتب قوات الدِّفاع الشَّعبي السَّاعة العاشرة والنِّصف صباحاً. ونرجو الحرص على الحضور.
وشكراً
مقدَّم الاستخبارات
داؤد حماد داؤد
23/9/1989م
وكانت من النتائج الفجيعة لهذه الممارسات البشعة والحرب المستعرة ما يلي:
أمست مدينة كادقلي مدينة أشباح؛ تسكنها ثلاث فرق للموت: "القوات الصديقة"، القوات النظاميَّة، والميليشيات الشعبيَّة (قوات الدفاع الشَّعبي)، حتى بات من دخل أحد هذه المعسكرات مفقوداً، ومن خرج منها كان مولوداً.
انعدام الثقة بين المواطنين، حيث تولَّدت في النفوس أحقاد وتصفيات بين العرب والنُّوبة من جهة، والنُّوبة والنُّوبة من جهة أخرى.
تحوَّلت المنطقة إلى أكبر سوق للسلاح.
تعطَّلت الزراعة في كثير من المناطق لفقدان الأمن، وانتقل الاقتتال إلى مناطق الزراعة الآليَّة.
تهجير الأهالي من قراهم إلى ما سُمِّيت ب"قرى السَّلام".
انتشار المجاعة والفقر التَّام.
ومن القصص المأسوي ما حكاه جبير الضوء عبد الصمد من قبيل لويا في منطقة صبوري حول مدينة كادقلي. ويحكي جبير – ليس من موقع نظري تأملي، بل من منطلق ميداني - أنَّه غادر قريته العام 1991م حين هاجمت الحكومة وميليشيات العرب قريتهم في الساعة الرابعة صباحاً، وبدأ أفرادها في إطلاق النار عليهم، فمات منهم من مات حالاُ، وهرب من استطاع الهروب، ومنهم من لقي مصرعه في الغابة. وقد بلغ عدد القتلى من الذين استطعنا إحصاءهم 250 شخصاً. كذلك تم حرق جميع المنازل، وتدمير مباني الجمعيَّة التعاونيَّة وطلمبة ضخ الماء، ونهب كل الممتلكات والماشية، وتركونا بلا شيء. كذلك يحكي الأب صمويل علي عن الإغارة التي تعرَّضت لها قريتهم في الساعات الأولى من الصباح العام 1992م. هذا وقد قامت القوة المهاجمة بحرق كل الكنائس في القرية. وفي 13 كانون الثاني (يناير) 1993م قامت الحكومة بالهجوم الثاني على القرية، مستخدمة هذه المرة الدبابات والمدفعيَّة الثقيلة، وقتل المهاجمون أناساً كثراً، وحرقوا المنازل والكنيسة التي أعدنا تشييدها، وتركوا مسجداً كان يقف جوار الكنيسة، ولذنا بالهروب. كان هذا هو حديث الأب صمويل علي الذي كان يتحدَّث واقفاً مع الأب بطرس في موقع الكنيسة الأسقفيَّة المهدمة. فقد بدا محدِّقاً إلى ميراث آبائه وأجداده ولم يبق له منه إلا وقفة بين يديه كوقفة الثاكل بين أيدي الأطلال البوالي والآثار الدوارس. ثمَّ جاءت شهادة كمال توتو والتي يندهش المرء الاندهاش كله كيف يقدم الإنسان على القيام بمثل هذه الأفاعيل، التي تقشعر منه الأبدان. إذ يحكي كمال توتو في شريط وثائقي أنَّهم لفي الكنيسة العام 1992م يقيمون الصلوات إذا يحضر جيش الحكومة ويضربوا حصاراً حول الكنيسة، ثمَّ يقبضوا القس متى النور ويذبحوه كما يُذبح الشاه. أما الشمَّاس بوليس والقساوسة الآخرين وهم: مطمور، زكريا، أبو نوك والمصلين الآخرين فقد تمَّ حرقهم كلهم أجمعين أكتعين داخل الكنيسة. ويضيف كمال توتو إنَّهم ربطوني وتركوني في حر الهجيرة لأشاهد ماذا هم بغيري فاعلون، وبعد أن حرقوا الكنيسة ومن بداخلها من الناس، قاموا بقذفي في الكنيسة التي ما زالت تحترق، وغادروا المكان. وأمسى كمال توتو – البالغ من العمر يومذاك 40 عاماً – محروقاً مشوَّهاً لا يستطيع أن يفعل شيئاً بيديه المحروقتين، وباتت زوجه عائشة القوم – البالغة من العمر يومئذٍ 30 عاماً – هي التي تخدمه وتعينه على كل شيء، بما في ذلك إطعامه. هذه هي حال كمال توتو من منطقة نينجيلي ومن قبيل مورو. وفي هذه الأثناء يتحدَّث الأب بطرس عن مقتل قياداتهم بواسطة الحكومة، ومنهم القس هارون الفاضل ومتى النور، واعتقال 15 من أعيان القبيل ورجال الدين المسيحي، لأنَّهم يعلِّمون الناس المسيحيَّة. هذا، وقد تطوَّر الأمر حتى أمسى جند الحكومة لا يكتفون بحرق الكنائس فحسب، بل تعدوا ذلك إلى حرق المساجد، وكانوا يفعلون ذلك ويردِّدون: "أحرقوا مساجد العبيد!" وقد أضرمت النيران التي أشعلتها جيوش الحكومة مسجد كلكدة في شباط (فبراير) 1994م، ومسجد كومو، الذي تم تدميره ونهب ممتلكاته في شباط (فبراير) 1995م، ومسجد طرور، الذي نُهِبت ممتلكاته وتم تدنيسه في شباط (فيراير) 1995م. وأغلب سكان قرية طرور من المسلمين، ومع ذلك تمَّ الهجوم عليها في شهر رمضان، واُختطف ما لا يقل عن 250 مواطناً من القرية التي يبلغ تعدادها 1,950 شخصاً، وكذلك تمَّ قتل 12 قرويَّاً دون أدنى سبب، كما شهد على ذلك شيخ القرية محمد زين.
ثمَّ ندلف إلى شهادة الشيخ ضيفان هارون كافي، وهو كان شيخاً لقرية عطورو ثمَّ مسلماً كان. ويقول الشيخ ضيفان – الذي كان يتحدَّث بصعوبة بالغة في هذا الشريط الوثائقي السالف الذكر، لأنَّ فكه الأسفل كان مهشَّماً وفاه متورِّماً – أنَّ علاقاتهم مع المسيحيين والأغيار من غير المسلمين كانت جيِّدة حتى قامت الحكومة باستخدام سياسة التفريق بيننا. لقد سبق أن دُعينا إلى اجتماع الشيوخ بواسطة الحكومة، وحينما ذهبنا إلى مكان الاجتماع المزعوم لم نجد هناك أي اجتماع، بل تمَّ اعتقالنا جميعاً، وتمَّ ربط أيدينا من خلاف وقضينا 59 يوماً في الحبس، وكان تعدادنا 68 شخصاً من أبناء النُّوبة. وفي إحدى الليالي وحوالي الساعة التاسعة مساءاً تم أخذنا من السجن ووضعونا داخل عربة وأوقفونا صفاً واحداً، وأطلقوا علينا النار من خلاف. إذ تمَّت إصابتي خلف رأسي وخرجت الرصاصة من فمي لتحطِّم فكي، فسقطت مغشيَّاً عليَّ، ولم أدر بعدئذٍ ماذا أنا فاعل، ولما استفقت بعد ذلك بمساعدة الله، ومات الجميع وحييت أنا، وبدأت السير في الأدغال لمدة أربعة أيام حتى عثر عليَّ بعض جنود الجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان وأحضروني إلى معسكرهم، وعندما رجعت إلى قريتي وجدت أنَّ (جنود الرئيس) عمر البشير قد أحرقوا كل المحاصيل، واعتقلوا كل أعيان القرية – مسيحيين ومسلمين على السواء. وكذلك فإنَّ قصص إسماعيل عبد الله توتو وحسين هارون وعبد الرحمن موسى ليحكي الكثير المرعب عن هذه المآسي. فماذا جرى لهم كلهم أجمعين أكتعين؟ لقد تمَّ القبض على هؤلاء بواسطة قوات الحكومة بعد الإغارة في الفجر على قريتهم كلكدة وحرقها تماماً، وتمَّ اقتيادهم إلى الحامية العسكريَّة بمدينة مندي، حيث لم يتم إسعافهم من جروحهم الخطيرة. وقد توفى موسى بعد يومين من الهجوم وهارون بعد تسعة أيام. أما توتو، وكان أباً لثلاثة أطفال وفي الثلاثين من عمره كان، قد فقد رجله اليسرى بواسطة لغم منفجر، وتقطَّعت رجله اليمنى إلى أشلاء بواسطة القرنيت، وقد صُرِب ضرباً مبرحاً لأنَّه تجرَّأ بالسؤال عن الدواء. لكنه – برغم من ذلك كله – استطاع أن يعود إلى قريته هارباً بعد مضي 40 يوماً في الاعتقال، وذلك زحفاً على ركبتيه المعصوبتين باللحاء لمدة 36 ساعة. وقد اعترف بأنَّ الذي دفعه إلى الفرار هو المعاناة، وبخاصة حين تمَّ اغتصاب زوجه بواسطة جند الحكومة في معسكر مندي. وتأكيداً لمزاعم الاغتصاب، فقد أكَّدت "زينب جبريل" – غير اسمها الحقيقي، التي كانت تبلغ من العمر 16 عاماً، أنَّها و15 عضواً من أسرتها قد تم القبض عليهم وإحضارهم إلى مندي، حيث كان الجنود الحكوميُّون يغتصبونهم بالتناوب حين يسدل الليل أستاره، ولم يكن بكاؤهن ليدير عطف هؤلاء الجنود. كذلك أكَّد راشد عثمان، والذي كان يبلغ من العمر 10 سنوات وقتئذٍ، حيث اختطفهم الجنود الحكوميُّون حينما كان يرعى بغنمه، وظلَّ يخدمهم في معسكر مندي، وكان شاهداً على عمليات الاغتصاب لفتيات النُّوبة داخل هذا المعسكر وحين يجن الليل، وكان يسمع صراخهن بكاءاً شكاءاً حتى يختفي الصوت تماماً ويتلاشى.(23)
على أيَّة حال، فقد ناشد المواطنون في جبال النُّوبة الأمم المتحدة لإنقاذ النُّوبة بالأدوية، حيث توفى في ذلك الرَّدح من الزمان حوالي 2,000-3,000 شخصاً من جراء الأمراض المتفشية، وكان الأطفال من أوائل الضحايا لهذه الأوبئة، ومن جراء العوز والفاقة. إذ كان يموت حوالي 50-60 شخصاً يوميَّاً، وكان سؤال الناس لِمَ تساعد المنظمات الدوليَّة أهل الشمال والجنوب وتمتنع عن مساعدة أهل النُّوبة؟! كذلك وجه النُّوبة نداءاً إلى كل المنظَّمات الخيريَّة (المحليَّة والدوليَّة) وكل منظَّمات حقوق الإنسان، والأمم المتحدة أن يحضروا إلى كادقلي ليروا بأنفسهم ما يحدث في جبال النُّوبة. حتى مشروع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لمكافحة عمى الجور ودودة الفرنديد فهو كان مشروعاً بعيداً عن الواقع، برغم الإعلان عن موافقة وقف إطلاق النار من جانبي الصراع لمدة 60 يوماً. حيث لم يُطبَّق هذا المشروع في جبال النُّوبة، وقد أضرَّ المشروع بالحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان كثيراً لأنَّ خلال فترة وقف إطلاق النار الأولى التي استمرَّت 60 يوماً خرقت الحكومة السُّودانيَّة وقف إطلاق النار 14 مرة، فضلاً عن أنَّه تمَّ الإعلان عن وقف إطلاق النار بموجب مشروع "مبادرة كارتر" بمنطقة العمليات العسكريَّة بجنوب السُّودان فقط، وتجاهل المناطق الأخرى؛ وهذا أعطى الحكومة حركة أوسع وأشمل في مناطق جبال النُّوبة والأنقسنا، فقامت بعمليات عسكريَّة شرسة في تلك المناطق، مما ألحقت أبلغ الأضرار بالمواطنين الأبرياء. وفي هذا الصدد قال القائد دانيال كودي: "إنَّ مشروع كارتر ليمثِّل حلماً إنسانيَّاً جميلاً، ولكن في واقع النظام الحالي (الإنقاذي) فشل فشلاً ذريعاً، ومع الأسف أكسب هذا النظام بعض الانتصارات العسكريَّة."(24) هذا ما كان من أمر "مشروع كارتر" الإنساني. وعوداً إلى سرد مآسي النُّوبة، يقول يوسف هارون إنَّه حين دخل العدو (القوات المسلحة وميليشيات قوات الدفاع الشَّعبي التابعة للحكومة) منطقة كركراية في يوم 21 شباط (فبراير) 1994م قاموا بحرق الكنيسة، وتدمير المكتب التابع لها، وأخذوا ممتلكات الكنيسة – مثل الدفاتر والقروش والكراسي والكتب، فويل للمجرمين الآثمين الذين يسرقون مال الله في بيت الله – وحرقوا ما أرادوا حرقه، ونهبوا ما ابتغوا نهبه، واستاقوا أنعامنا، وسفكوا من دمائنا ما شاءوا، وسلبوا من حقوقنا ما أرادوا، وملكوا علينا مشاعرهم وعقولهم حتى لا ندين إلا بما يدينون. ثمَّ يقول سايمون مادوة توتو، وهو شيخ قرية كركراية، إنَّه عندما هاجمهم العدو في يوم 21 شباط (فبراير) 1994م حرقوا القرية وما فيها من أناس كثر؛ ومن ضمن الضحايا بنت اسمها سيما الكنامة، ورجل اسمه حسين كايسرة، وامرأة مكتهلة، وتركوا امرأة مسنة أخرى وهي مضروبة على رجليها حتى تهشَّمتا، وثالثة مجروحة في ظهرها وشارفت على الموت. إذ أمست مراسيم الدفن شيئاً عادياً في المنطقة، وهرب الناس بأولادهم الصغار، ولاذوا بالخلاء، وأصبحت الحال صعبة للغاية، وامتلك الناس الخوف، وبات البلد في مشكل، وليس هناك سبيلاً للذهاب لإحضار الماء للأولاد، ثمَّ إنَّهم دمَّروا قرية الدبيبات كذلك.
كذلك تعرَّضت منطقة الطرور لهجوم غاشم من قوات الحكومة والدفاع الشَّعبي في الفترة ما بين 23-25 شباط (فبراير) 1994م، وحرقوا المنازل ونهبوا ممتلكات المواطنين. ويضيف محمد صديق، وهو شيخ قرية الطرور التَّابعة لريفي هيبان، أنَّه جاءهم العدو من اتجاه عقب في تمام الساعة الثامنة مساءاً، وسقطوا عليهم سقوط الشهب والنيازك في جنح ليلة من ليالي الظلام، وأغاروا عليهم في القرية، وحرقوا البيوت والذرة، ولم يتركوا فيها شيئاً، وبات الأهالي يتضاغون من الجوع ويتضورون. وفي هذه الأثناء قُتِل 10 أشخاص وجُرِح 8 آخرين وأخذوا 68 شخصاً وذهبوا بهم إلى عقب، وحرقوا 2,000 منزلاُ؛ والقتلى هم: إسماعيل كوكو، كوكو كودي، حواء إدريس، فضيلة هارون، بركات عمر، زهرة طابور، منى إسماعيل، علي متلي، عمر وفرة، والنضيف تبرة. وبعد هذا الحريق الكامل والدمار الشامل لم يتركوا سوى الجامع فقط. فقد تعرَّضت جبال النُّوبة منذ العام 1987م لانتهاكات كثيرة في مجال حقوق الإنسان من قبل الحكومة السُّودانيَّة، وتمَّ حرق أكثر من 1,000 قرية، وهناك قرى أُحرِقت أكثر من مرة، وكان هناك أكثر من 500,000 مواطناً تمَّ تشريدهم، وباتوا يعيشون في ظروف قاسية جداً في التسعينيَّات من القرن الماضي الميلادي. ولم تسلم القرى في اللبة وقردود الحمير ومناطق كاودا (أ وب) وتيرا أو ريفي البرام وأرياف غرب كادقلي ولقاوة وغيرها من الحرق والتشريد. ففي أحايين كثيرة اختفت القريَّة المحروقة من السهول، وقُبِض على القوي الأمين، وذُبِح الضعيف الهزيل، وأمسى المغتصب الوحش يجر ضحاياه إلى الديار القصيَّة، إلى مناخات بعيدة، حيث يكثر الأجانب، عبر طريق وعرة، وعلى رمال محترقة، وأراضٍ خلويَّة غير مرويَّة باتوا سائرين.(25) وقد اقتنع أهل النُّوبة – بلا شك – أنَّ المجازر والمآسي التي يتعرَّضون لها ما هي إلا سياسة من سياسات حكومة الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة للقضاء عليهم كشعب، ومحو هُويَّتهم وتقاليدهم وقيمهم النُّوباويَّة.
ثم يستنكر قائل من أهل النُّوبة مندهشاً: كيف يزعم أهل "الإنقاذ" بأنَّهم يجاهدون ضد الكافرين، ونحن قوم فينا مسلمين، وليس بيننا كافرين؟! كيف يدَّعون ذلك وهم يقاتلوننا في شهر رمضان المعظَّم، ويحرقون بيوتنا ويقتلوننا ويوقفون معيشتنا وينهبون أبقارنا في شهر رمضان المبارك؟! فمن أي عالم من عوالم الأرض أو السماء أتوا بهذه العقول التي تصوِّر لهم أنَّ الشعوب تُساق إلى ما تأباه سوقاً، وإنَّ العقائد التي تُفرض على الناس فرضاً يمكنها أن تبقى. فلا نملك غير أن نطلب من الله أن يهديهم إلى الصراط المستقيم، ويعلم الله أنَّنا هنا نقاتل ليس ضد الدين، بل نقاتل من أجل حقوقنا، ولأنَّنا لم نعتد عليهم، ولم نهاجمهم في شهر رمضان، ولم ننهب ممتلكاتهم في شهر رمضان، بل كنا في شهر العبادة حين هاجمونا، وكنا نعبد الله مخلصين له الدين حنفاء. فقد استخدمت الحكومة سياسة الجهاد هذه لإلهاب مشاعر الدهماء ودفعهم إلى حرب لا تبقي ولا تذر دون تردُّد، أي كما تُقاد السائمة البلهاء بأعواد الكلأ إلى مصرعها، ثمَّ إنَّهم استغلوا هذه الفرية الجهاديَّة لإقناع الدول الإسلاميَّة والعربيَّة بأنَّهم يخوضون حرباً جهاديَّة ضد الكفار في جبال النُّوبة وجنوب النيل الأزرق وجنوب السُّودان، ومن ثَمَّ يحصلون على مساعدات مالية وعسكريَّة لخوض هذه الحرب بلا هوادة. فقد بدا هذا الدعم الإسلامي الخارجي بائناً في الدور الإيراني؛ وعن تلك العلاقة، التي لم تكن خافية على أحد، قال القائد يوسف كوة مكي: "إنَّ الحديث عن الدعم العسكري والعتادي والاستعانة بالمقاتلين والخبراء الفنيين الإيرانيين لم يدع مجالاً للشك، وكنت أتمنى في وقت سابق لو كانت الحركة (الشعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان) تحوز على كاميرا فيديو، لكانت عرضت على المجتمع الدولي الأدلة الدَّامغة بأنَّ الإيرانيين اشتركوا فعليَّاً في هذه الحرب، وأخص في هذا المجال واقعة معركة بمنطقة "تلشي" بجبال النُّوبة؛ فقد وجدنا جثث المقاتلين الإيرانيين ضمن القتلى، كما أسرنا جريحاً إيرانيَّاً لكنه مات متأثِّراً بجراحه، ولعدم توفُّر الأدوية. إنَّ مثل هذه الحقائق كان يمكن أن تسهم وسائل الإعلام في كشف النقاب عن حجم التدخُّل الإيراني وتثبت تورُّطه."(26)
ولكن أين مدافن النُّوبة إذا القبور بُعثِرت؟ على سبيل الأمثلة توجد مواقع الدفن لضحايا النُّوبة من الحرب الأهليَّة - ممن قتلتهم القوات المسلَّحة الحكوميَّة وقوات الدفاع الشَّعبي التابعة لها - في كل من أم سردبة، والتي تبعد بضع كيلومترات جنوب مدينة كادقلي، وبها مقبرة جماعيَّة لنحو 3,000 شخصاً قتلتهم هذه القوات في تشرين الثاني (نوفمبر) 1992م. كذلك استخدمت الاستخبارات العسكريَّة منطقة العفين – التي تقع على بضع كيلومترات شرق مدينة كادقلي – للإعدامات الجماعيَّة، وذلك نسبة لبعض المظاهر الطبيعيَّة، حيث توجد في هذه المنطقة مجاري مائيَّة، بحيث تستطيع المياه أخذ الجثث بعيداً عن المنطقة. وتقدَّر الضحايا الذين لقوا مصرعهم في هذه المنطقة بين 5,000-8,000 شخصاً في الفترة بين تشرين الثاني (نوفمبر) 1991م ونهاية العام 1992م. ثمَّ هناك منطقة الشعير وهي تقع في منتصف الطريق بين الدَّلنج وكادقلي، وبها غابة كثيفة ومجاري مائيَّة، حيث استخدمتها الاستخبارات العسكريَّة وجهاز الأمن كموضع لإعدام أكثر من 2,000 مواطناً نوباويَّاً بين الفترة 1990-1992م.
وفي مناطق الكواليب حدثت مجازر جماعيَّة للنُّوبة في عبري والفار، حيث تمَّ تدمير ونهب القرى وقتل النساء والأطفال بواسطة الاستخبارات العسكريَّة وقوات الدِّفاع الشَّعبي، وكان يتم التمثيل بالجثث وحرقها، ويُقدَّر عدد الضحايا في هذه المنطقة ب 3,000 مواطناً نوباويَّاً في الفترة بين 1991م ومستهل العام 1993م. أما في قرية دلو التَّابعة لريفي هيبان، فقد حدثت فيها مجزرة في كانون الأول (ديسمبر) 1992م، حيث هاجمت قوات الدِّفاع الشَّعبي هذه القرية وقتلت وأحرقت النساء والأطفال والكهول. وبعد المجزرة جُمِعت الجثث وتم دفنها في مقبرة جماعيَّة. وبعد مضي 3-4 أيَّام من الحادثة باتت تنبعث من المنطقة رائحة نتنة من الجثث المتحلِّلة المتعفنة، واقتفت قوة عسكريَّة من جيش الحكومة مصدر الرائحة حتى عثروا على الجثث وأُعيدت توريتها لمنع تسرُّب الرائحة وإخفاء آثار هذه المذبحة الوحشيَّة، وقُدِّر عدد الضحايا ب 6,000 شخصاً. أما في قرية العتمور النُقرة، التي تم حرقها وسلبها، فيُقدَّر عدد القتلى بثلاثين شخصاً، بما فيهم القس متى النور الذي تمَّ حرقه داخل منزله. أما في قرية العتمور الكراكراية، فقد تمَّ حرقها في الفترة بين 1991-1992م، وفي هذه القرية قُتِل 50 شخصاً، بما فيهم القس هارون الفاضل، الذي تمَّ التمثيل بجثَّته. وكذلك تم حرق قرية حجر الفيل بين 1991-1992م، وقُتِل في هذ الحادثة عشرة أشخاص، بما فيهم رجل الدين المسيحي كيوجي ساندوق. وحينما أحرقت القوات المسلَّحة الحكوميَّة والميليشيات التَّابعة لها قرية أم دورين بين تشرين الأول (ديسمبر) 1991م – تشرين الأول (ديسمبر) 1992م، قتلت من الناس كثراً؛ إذ نذكر منهم حسن رملة (25 سنة)، وهو كان معلِّماً في المدرسة المتوسطة بأم دورين، وزكريا حسين خميس (25 سنة) وكان أستاذاً في مدرسة أم جبر الله المتوسطة، وحسن كوكو (55 سنة)، وهو كان مساعداً طبيَّاً. وقد حدثت أكبر مجزرة في هيبان لقبيل الكواليب في عيد ميلاد المسيح في 25 كانون الأول (ديسمبر) 1992م، حيث بلغ صداها العالم الخارجي. وقد شكَّلت هذه المذبحة حديث الأمين العام لاتحاد المحامين العرب فاروق أبو عيسي في الجلسة رقم 49 لمفوضيَّة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقدة في جنيف في 9 شباط (فبراير) 1993م.(27)
وكما حدث في مناطق أخرى من الجبال، لم تخل منطقة لقاوة من أحداثها الدمويَّة. فقد تمَّ اعتقال عدد كبير من مواطني لقاوة – محافظة السَّلام – وهي المنطقة الغربيَّة من جنوب كردفان (جبال النُّوبة)، ويقطنها قبائل النُّوبة والمسيريَّة الزرق الرحل. وقد بلغ عدد الذين تمَّ اعتقالهم 22 شخصاً من مواطني قبيل الكمدا المقيمين بمدينة لقاوة، وتمَّ إعدامهم رمياً بالرصاص من قبل القوات المسلحة التَّابعة لحامية لقاوة، وذلك في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1991م، وفي الساعة الثالثة صباحاً، وعلى بعد 20 كيلومتراً من المدينة، وبعد اتِّهامهم بالتعاون مع حركة التمرد (الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان) (ملحق رقم (3)). وكان من ضمن الذين تمَّت فيهم هذه التصفيات مختار موسى صابون، الذي أُُعدم أمام المواطنين في يوم 13 آب (أغسطس) 1991م، وحمزة فرج الله، الذي أُخِذ من الفرقة الخامسة بالأبيض للتحقيق معه وأُعدِم في الطريق. وفي حادثة أخرى قامت القوات المسلَّحة بقتل ثمانية من الموطنين من قبيل تليشي تحت دعاوي تعاونهم مع الخوارج (الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان).(28) لم يستطع أهالي قبيل كمدا الصمت على هذه التجاوزات (ملحق رقم (4))، وهكذا نجدهم قد بعثوا برسالة طويلة إلى رئيس مجلس قيادة الثورة الفريق (ركن) عمر حسن أحمد البشير، وأُرسلت نسخ من هذه الرسالة إلى مستشار الأمن الوطني العميد (ركن) إبراهيم نايل إيدام، والمشرف السياسي لإقليم كردفان، والاستخبارات العسكريَّة، ووحدة لجنة الأمن الداخلي (ملحق رقم (5)). كذلك رفع مواطنو أبوجنوك شكواهم بواسطة عمدتهم دفع الله النميري بطران إلى العميد (ركن) إبراهيم نايل إيدام في يوم 30 آب (أغسطس) 1989م (ملحق رقم (6)). ومنذ العام 1990م منعت الحكومة السُّودانيَّة وصول الطعام لمناطق وقرى لقاوة وتليشي، ومنعت كذلك دخول الدواء والكساء وغير ذلك من متطلَّبات الحياة الأساسيَّة، ولم تسمح للمنظَّمات الدَّوليَّة - مثل عمليَّة شريان الحياة (Operation Lifeline Sudan) – بتقديم أيَّة مساعدات للنُّوبة في تلك المناطق ومناطق أخرى، بل منعت المواطنين من دخول المدينة في سبيل البحث عن الطعام، ونتيجة لذلك الإجراء التعسُّفي مات المئات من النُّوبة متأثرين بالجوع والمرض. والمناطق والقرى التي تأثَّرت بسياسة الحكومة هذه هي: جبال كمدا، جبال تليشي، تيما، جبال كتلا، والي، طبق، تيمين، وجبال جُلُد. وحسب رواية بعض ممن تمكَّنوا من الهروب من مناطق المجاعة تم إعداد كشفاً يحوي 192 من الموتى، مع العلم أنَّ العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. ولكن تفرساً في هذه القائمة تكشف لنا أنَّ تصنيف الضحايا كان على النحو التالي: 58 طفلاً (30%)، 34 امرأة (18%)، و100 رجلاً (52%). وكانت هذه النسبة العالية من الأطفال توضح بلا شك كيف عانى الأطفال من القيود الأمنيَّة والإغاثيَّة التي فرضتها الحكومة على الجبال. أما النسبة الصغيرة من النساء فإنَّها لا تعبِّر عن وفيات النساء في الطريق فحسب، بل إنَّ أغلب النساء قد لقين مصرعهن في قراهم قبل مغادرتها، وهناك من فضلن البقاء مع من تبقى من ذويهم في القرية التي كانوا فيها، وفضلن الموت في مناطقهم بدلاً من الترحال والموت على قارعة الطريق.
وكانت هناك نقطة تفتيش يديرها الجَّيش الحكومي في قرية الكرقل، وهي من مناطق قبيل خلفان، وتقع جنوب مدينة الدَّلنج، وتوجد مئات من الهياكل البشريَّة في الغابات التي تحيط بالمنطقة، وهي بقايا النُّوبة الذين تمَّت تصفيتهم خارج نطاق القضاء تحت تهمة الانتماء إلى الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، أو ما كان يُعرف شعبيَّاً ب"الطابور الخامس". ثمَّ هناك خور مريسة، والذي يقع غرب مدينة الدَّلنج، وعلى بعد كيلومتر واحد من المدينة، وقد استخدمه الجَّيش الحكومي وقوات الدِّفاع الشَّعبي في تصفية أبناء النُّوبة، حيث أُلقي فيه أكثر من 500 جثة. وكذلك استخدمت القوات المسلحة الحكوميَّة منطقة التُّكمة – شرق مدينة الدَّلنج – كمقابر جماعيَّة، حيث تمتاز هذه المنطقة بغابات كثيفة. ثمَّ كانت هناك حاميتان في منطقة الدَّليبة، التي تقع جنوب مدينة الدَّلنج، إحداهما للجَّيش الحكومي والثانية لقوات الدِّفاع الشَّعبي، حيث لا محتجز يُؤتى به إلى هاتين الحاميتين يستطيع أن يخرج حيَّاً. وكان من أشهر جلادي حامية الدِّفاع الشَّعبي القادة محمد إسماعيل، بيتر مكي، مهدي (؟). وتقول الإحصائيات أنَّ ضحايا هاتين الحاميتين يبلغون 1,500 مواطناً نوباويَّاً. وقد استطاع مكتب الحزب القومي السُّوداني بالقاهرة أن يحصر أسماء فرق التَّعذيب والإعدامات في جبال النُّوبة، وكذلك مهنهم وانتماءاتهم القبليَّة (ملحق رقم (7)).
مهما يكن من شيء، فقد اتهم عدد من أبناء منطقة جبال النُّوبة الحكومة السُّودانيَّة بإتباع سياسة تستهدف إبادة قبائل النُّوبة وحرق حقولها والتخلص من العنصر الزنجي في المنطقة. وناشدوا المنظمات المعنيَّة بالدفاع عن حقوق الإنسان إجراء اتصالات مع الخرطوم لمعرفة مصير 37 شاباً من مواطني مدينة كادقلي كانوا قد اعتقلوا. وإنَّ من بين الأشخاص الذين لا يُعرف مصيرهم: محمد نوار، كمال كنو كافي، التجاني محمد شكر الله، إبراهيم مرمطون، السر عبد النبي مالك، عثمان آدم علي، عبد الرحيم جاد الله، وإبراهيم قادربي. وحذَّر أبناء قبائل النُّوبة في مذكرات من أنَّ المجاعة تطحن ذويهم بينما أبلغ المحافظ السابق عبد الوهاب عبد الرَّحمن علي، الذي عُيِّن وزيراً للخدمات في إقليم كردفان، الحكومة المركزيَّة في الخرطوم بأنَّ المنطقة مكتفية غذائيَّاً ولا حاجة لتزويدها بإغاثة. وجاء في إحدى المذكرات أنَّ مواطني كادقلي باتوا يأكلون أوراق أشجار التبلدي ومخلفات العلف الحيواني. وأفاد بعض خريجي الجامعات من أبناء المنطقة أنَّهم زاروا مدنهم وقراهم أخيراً فشعروا بأنَّهم ليسوا مواطنين. وما يُمارس في جنوب كردفان لا يُمارس حتى في جنوب إفريقيا. وقالوا إنَّ سياسة الأخوان المسلمين في السُّودان تهدف إلى التخلُّص من العنصر الزنجي. وكان اتحاد أبناء جبال النُّوبة، وهو تنظيم يضم مثقفي المنطقة وخريجي الجامعات والمدارس الثانويَّة، قد وجه أكثر من 15 مذكرة إلى الفريق عمر البشير وأعضاء مجلس قيادة "ثورة الإنقاذ الوطني" منذ استيلاء الجيش على السلطة في 30 حزيران (يونيو) 1989م تحذِّر من تسليح القبائل العربيَّة. واتَّهمت المذكرات حزب الأمة، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق السيد الصَّادق المهدي، بانتهاج سياسة تسليح الميليشيات العربيَّة في جبال النُّوبة وإقليم دارفور. وندَّد الاتحاد ب"تواطؤ" الحكم مع الميليشيات العربيَّة في محافظة جنوب كردفان، حيث ارتدى أفراد الميليشيات الزي العسكري، ومُنِحوا رتباً عسكريَّة، ومارسوا سلطات أجهزة الأمن. وطالب خريجو الجامعات من أبناء النُّوبة بتدخل المنظمات الدوليَّة لإغاثة ذويهم، وإيجاد مأوى للذين اضطروا للنزوح إلى المدن والعاصمة الخرطوم، وتجريد الميليشيات القبليَّة من السلاح، وتعزيز سلطة الدولة، وبسط نفوذها.(29) كذلك أرسل اتحاد القوميات السُّودانيَّة في الخرطوم رسالة إلى مندوب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالسُّودان، شارحاً ما يجرى في جبال النُّوبة من تجاوز شنيع في حقوق الإنسان. فقد جاءت الرسالة – بعد التحية الطيِّبة – مرحبة، باسم أبناء النُّوبة واتحاد القوميات السُّودانيَّة، بالمندوب الأممي في السُّودان مع تقديرهم لمهمته الإنسانيَّة، وبادئين رغبتهم في التعاون مع سيادته في أداء مهمَّته. وكشفت الرسالة – فيما كشفت – بعض ممارسات السُّلطة ضد أبناء النُّوبة بشكل خاص والشَّعب السُّوداني بشكل عام. وقد أرفقوا مع الرسالة إحدى عشر وثيقة عن ممارسات حكومة ما يسمى ب"الإنقاذ الوطني" ضد أبناء النُّوبة وتطهيرهم عرقيَّاً. وأكَّدوا أنَّهم يملكون من الأدلَّة وشهود عيان لما يقدِّمونه، وعلى استعداد لعرضهم عليه، كما يمكن الاتِّصال بأسر الضحايا لإثبات الحقائق. وشملت الوثائق ما يلي:
وثيقة عبارة عن فتوى صُدرت عن مؤتمر علماء الدين وأئمة المساجد والخلاوي بولاية كردفان، والمنعقد بمدينة الأبيض في 27 نيسان (أبريل) 1992م حول قتال الخوارج بجنوب كردفان، وإعلان الجِّهاد على أبناء النُّوبة، وإباحة دمائهم وأموالهم وسبي نسائهم وتشتيتهم إلى خارج منطقة الجبال، وموقع على الفتوى ستة من الأئمة.
كشف بأسماء العسكريين من أبناء النُّوبة (13 فرداً) والجنوبيين (4 أفراد) وأحد أبناء دارفور المعتقلون بسجن سواكن منذ 11 نيسان (أبريل) 1992م بتهمة "المؤامرة العنصريَّة" لتقويض الدَّستور – مع العلم أنَّه لم يكن هناك دستور يومئذٍ، أي بعد تعليقه بواسطة انقلابيي "الإنقاذ" – ولم يُقدَّموا لأيَّة محاكمة، وعددهم 18 شخصاً برتب مختلفة (ملحق رقم (8)). وكان عددهم في بادئ الأمر 101 معتقلاً، حيث تمَّ إطلاق سراح 83 منهم بعد عام كامل.
كشف بأبناء النُّوبة المعتقلون من مدن الجبال المختلفة في الفترة من كانون الثاني (يناير) 1989م إلى تموز (يوليو) 1992م، وتمَّ نقلهم إلى سجن الأبيض، وبقوا في السجن حتى تموز (يوليو) 1993م بدون أيَّة محاكمة أو تقديمهم للقضاء، حيث توفى منهم تسعة أشخاص داخل السجن نتيجة التعذيب وسوء المعاملة، وكان عددهم 100 معتقلاً. والموتى هم: كُرتُبَير باشا (مك قبيل جُلُد)، أبَّشر علي قدَّال، إسماعيل سلطان، مكينة خير، إبراهيم باشا، حميدين فضل، حسن الكيفا، محمد حمَّاد، وعمر اللبان (ملحق رقم (9)).
كشف بأسماء المثقَّفين من أبناء النُّوبة بمدينة كادقلي، والذين اعتقلتهم الاستخبارات العسكريَّة وأجهزة الأمن بكادقلي ثم قامت بتصفيتهم جميعاً دون علم أسرهم، وعددهم 103 شخصاً؛ وكذلك أسماء الضباط والعسكريين الذين نفَّذوا الإعدامات (ملحق رقم (10)).
كشف بأسماء مواطني قريتي لقوري وصبوري – شرق مدينة كادقلي – الذين قامت الاستخبارات العسكريَّة بتصفيتهم في كانون الأول (ديسمبر) 1990م وآذار (مارس) 1991م، وعددهم 77 شخصاً (ملحق رقم (11)).
كشف بأسماء المواطنين الذين اعتقلتهم، ثم قامت بتصفيتهم، الاستخبارات العسكريَّة بمدينة الدلنج في 4 شباط (فبراير) 1992م، وشاهد عيان ممن هرب وقت تنفيذ الإعدامات (رمياً) بالرصاص.
كشف بأسماء المعتقلين ثم تصفيتهم بلقاوة ونمر شاقو، وأسماء من تمَّ تنفيذ الإعدام عليهم، وعددهم 38 شخصاً.
كشف عمن تم قتلهم جوعاً بجبال النُّوبة بجبال تلشي عن طريق منع إيصال الطعام لهم بواسطة (عمليَّة شريان الحياة) والمنظَّمات الدوليَّة الأخرى؛ ومنع المواطنين من الخروج (من المنطقة) للبحث عن الطعام. والجدير بالذكر أنَّ الحكومة كانت تستخدم الغذاء كسلاح لمحاربة مواطني جبال النُّوبة، ومنع أيَّة مساعدات غذائيَّة عن المنطقة، سواء كانت تحت سيطرة الحكومة أو الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، وضربت حصاراً على المنطقة إبَّان فترة القحط التي اجتاحت المنطقة، مما أدى إلى وفاة العديد من الأطفال والعجزة، وقد اضطرَّ البعض إلى أكل أوراق الشجار ومخلَّفات معاصر الزيوت (الأمباز) (ملحق رقم (12)).
أسماء الموظَّفين والفنيين من أبناء النُّوبة بمدينة كادقلي، والذين نُقِلوا إلى خارج منطقة جبال النُّوبة خلال 24 ساعة فقط على أساس أنَّهم (يمثِّلون) "الطابور الخامس" للمتمرِّدين، وعددهم 35 شخصاً.
كشف بمن تمَّت تصفيتهم – أي تسريحهم - من القوات النظاميَّة على أساس التخلص من أبناء النُّوبة داخل الجيش والشرطة والسجون (ملحق رقم (13)).
وثيقة عبارة عن جزء من محضر اجتماع المجلس الأربعيني للجبهة القوميَّة الإسلاميَّة يوضِّح خطة تصفية وطرد النُّوبة والجنوبيين من الخرطوم وأجهزة الدولة الرسميَّة (ملحق رقم (14)).
ففي رسالة بُعِثت لنا في تضامن أبناء النُّوبة بالخارج ذكر المرسل أنَّ "الوضع في جبال النُّوبة أصبح لا يُطاق بسبب الإرهاب والقهر والبطش والتَّجسُّس على النَّاس، وإلحاقهم بالشبهات"، وهناك تمييز ديني واضح في منطقة دلامي، دري، والدلنج، وإنَّ أمير الكواليب المدعو نبيل سعيد بدوي ليقوم بمحاربة المسيحيَّة بالمنطقة؛ فقد صادر منزلاً خاصاً للكنيسة الكاثوليكيَّة، ويسكن فيه الآن رجال الأمن العام الحكومي. كما تمَّ طرد المبشِّرين المسيحيين كلَّهم أجمعين أكتعين من أبناء المنطقة يوم 7 تموز (يوليو) 1995م بواسطة عناصر الأمن العام. وقد أضاف الراسل - في رسالته المدعومة بقائمة القتلى والسجناء السياسيين والمعذبين في المعتقلات من أبناء وبنات النُّوبة – أنَّه هو ذاته قد اُعتقل منذ العام 1992م لمدة إحدى عشر شهراً دون توجيه أيَّة تهمة ضده حتى أُطلِق سراحه في يوم 26 كانون الأول (ديسمبر) 1992م. وقد بلغ عدد الذين تمَّت تصفيتهم بمحافظة كادقلي في أوائل أعوام "الإنقاذ" 158 شخصاً مدنيَّاً، وقد قام بإعدام هؤلاء المواطنين الأبرياء المقدم أحمد خميس وهو أحد أبناء منطقة أبوجنوك بلقاوة في الاستخبارات العسكريَّة في الفترة 1991-1992م. وكان يعاونه في الإثم والعدوان والقتل أناس كثر. وقد علمنا أنَّ يونس الرحيمة وهو من أبناء العرب المستعربة في منطقة الحمرة جنوبي كادقلي كان يختال زهواً بهذا العمل الإجرامي، وكان يرددَّ أنَّه لن يرتاح قلبه حتى يقتل مائة على الأقل من أبناء النًّوبة المتعلِّمين. وفي نهاية الأمر أُحططنا علماً أن يونس هذا قد أمسى مخبولاً، وبات يقف في مفترق الطرق بمدينة الدبيبات، وينظر ذاهلاً مشدوهاً تارة، ويعوِّي عواء الذئب أو ال###### العقور تارة أخرى، ويجثو على الأرض جثي ال###### الذليل تحت مائدة سيِّده تارة ثالثة، أو متعلِّقاً بأهداب ثوبه تارة رابعة، إن شاء تصدَّق عليه وإن لم يشاء زجره، وأقلَّ ما نقول له ولإقرانه القتلة الجبَّارين كونوا قردة خاسئين. وكان الملازم (ميليشي) أحمد عبد الله محمود الكلس، الذي تبرع للجهاد براتبه الشهري كاملاً وبالبدلات كذلك ليتم تسليمها لرئيس لجنة الجهاد بمحافظة كادقلي حتى نهاية خدمته العسكريَّة، واحداً من هؤلاء الفجرة سافكي الدماء. والكلس جندي سابق بالقوات المسلحة، حيث أنهى خدمته العسكريَّة وعمل بالتجارة، وعند إنشاء الدفاع الشعبي، سلَّم نفسه للقوات المسلحة، وحارب في صفوف قوات الدفاع الشعبي حتى تمَّت ترقيته إلى رتبة ملازم. إذ لم يكمل الكلس شهراً، بعد تحريره رسالته المؤرَّخة في يوم 15 شباط (فبراير) 1992م، حتى قضى نحبه.(30) والكلس سفاحاً كان، ثم جباراً في الأرض؛ قصد النُّوبة المدنيين قتلاً وإرهاباً، فلربما لهذه الأسباب عجَّل الرب وأخذه أخذاً وبيلاً. فقد عاشوا عيش الآثمين، وماتوا أو سيموتون موت الآثمين المسرفين، الذين أسرفوا على أنفسهم، ومكروا مُكراً كبَّاراً.
لا ريب في أنَّ أفغانستان كان مثالاً يحتذي عند أهل "الإنقاذ". فقد أخذوا عن الأفغان شعاراتهم الجهاديَّة، وطرائقهم في سبيل دعم المجاهدين والعناية بأسرهم حين كانوا يحاربون الغزو السوفيتي في بلادهم، ثم كذلك أخذوا منهم "الأفغان العرب" وآووهم إلى حين. ونقلاً عن تجربة أفغانستان، كانت "منظمة البر" تقوم بتنفيذ إفطارات رمضانيَّة "للمجاهدين والمرابطين" في مناطق العمليات وفي عدد من الوحدات العسكريَّة بالخرطوم كما أقرَّ بذلك السيد إبراهيم عبد الحفيظ، مدير المنظمة بالسُّودان. وقد أنشات قوات الدفاع الشعبي "منظمة نداء الجهاد" لرعاية أسر المجاهدين ودعم عمليات التدريب والجهاد.(31) وحتى نتبيَّن خلل هذه الظاهرة التعيسة برمتها – وفي غالبها الأعم – تعالوا نرجع إلى نشأة هذا الصدع، ونراجع كيف تمَّت وتتم مجريات تعميقه وحشوه بمتفجِّرات الكراهيَّة مريبة المصدر خطيرة الأهداف. لا ريب في أن هؤلاء الضحايا من النُّوبة هم نتاج الفتوى التكفيري الذي صُدِر ضدهم، والمقالات الصحافيَّة التي كُتِبت تدينهم، والخطب الحكوميَّة التي كانت تُطلق لاستهجانهم، وتتكاثف في أذهان مجموعة من المواطنين وجدوا سنداً معنويَّاً وروحيَّاً وحكوميَّاً ولوجستكيَّاً للقيام بمثل هذه الأفاعيل التي ترتد منها الأبصار، وتقشعر منها الأبدان، ويشيب لها الولدان. وقد بلغت بهم حماسة الدعوة التحريضيَّة شأواً لم يستطع أن يجاريهم فيها أحد في تأريخ السُّودان الحديث؛ وأيَّم الله لقد أمسوا سيوفاً ومقاصل مشرعة على الرِّقاب! وكان أعوان النظام وأشياعه يدافعون عن حملات التطهير والتهجير في جبال النُّوبة، وقصف القرى العزلاء والقرويين العزل فيها بطائرات الأنتينوف من الجو، وحرق المساكن والمزارع، ونهب الماشية والماعز، وتجريد الفلاحين من مزارعهم وإرسالهم هاربين على الطرقات، وليس معهم سوى ما في وسعهم حمله؛ كانوا يدافعون عن ذلك كله بذرائع أكثر همجيَّة مما لا يستطيع كثر من الناس احتماله. وقد تواطأ الخاطفون والقاتلون والمدمِّرون والحارقون على أنفسهم تعابير وصفات "الإنقاذ"، كما تعارف أهل السُّودان على تسمية المراكز التي عندها تُذل الناس كالبهائم، وتُرغم على كل صنوف التعذيب لسنوات تحت رحمة الزعيف والأوامر ورصاصة الرحمة، تعارفوا على تسميتها ب"بيوت الأشباح". كل هذا الظلم هو الذي دفع كليمنت حمودة أنجلو مجولو طوبة وآخرين أن ينخرطوا في الحركة الشعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، ويصبح ضابطاً مناضلاً مقاتلاً في الحركة، وكان لسان حاله يقول: "أجمل من رائحة النِّضال لم أشم رائحة!" والبسالة التي بها صمد رجال ونساء النُّوبة كانت موضع تبجيل، وبما أنَّ الإنسان في نهاية الأمر يموت ويمسي جسده طعماً للطير حين لم يدفن، لم يقبلوا بالضيم مهابة من المنيَّة، ومات منهم مات وهو حر، وكان لسان حالهم يتمثَّل فيما قصَّده المتلمس قصيدة وعبَّر عنه شعراً في البيتين الآتيتين:
ألم تر أنَّ المرء رهن منيَّة صريعٌ لعَافِي الطيرِ أو سوف يُرْمَس
فلا تقبلنْ ضيماً مخافةَ مِتةٍ ومُوتَنْ بها حرّاً وجلدك أملس
على أيَّة حال، فقد أكَّد الملازم (شرطة) خالد عبد الكريم صالح رئيس شعبة الأمن والمتابعة في حكومة ولاية كردفان – وهو شقيق اللواء سيِّد الحسيني عبد الكريم صالح والي كردفان، وحارسه الشخصي خلال الفترة من أيار (مايو) 1992م – شباط (فبراير) 1993م – أنَّ حكومة الفريق عمر حسن أحمد البشير تقوم بانتهاج سياسة تستهدف القضاء على قبائل النُّوبة (ملحق رقم (15)). وشدَّد شقيق الوالي في بيان تلاه أمام مؤتمر صحافي في بيرن – حاضرة سويسرا - رعته المنظَّمة السُّودانيَّة لحقوق الإنسان، التي كانت تتخذ من لندن مقرَّاً لها، أنَّ نائب والي كردفان هو المسؤول الأول في حزب الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة، وهو المشرف على نشاطات جهازي الأمن العام و"أمن الثورة"، وذكر – فيما ذكر - أنَّ الأخير غير موجود من الناحية الرسميَّة، ولكنه فعَّال لما يريد.
وفي محاولتها للإدمان في التطهير العرقي للنُّوبة، وتقسيم أراضيهم، وتفتيت وحدتهم، قامت حكومة الجَّبهة القوميَّة الإسلاميَّة بتهجيرهم قسراً إلى ما يسمى ب"قرى السَّلام" لاستيعاب العائدين من مناطق الحرب بالجبال. وفي هذه المعسكرات المنتشرة في كل من كادقلي، لقاوة، حمرة الوز، حمرة الشيخ، وفي المرغنيَّة وبارا وشيكان بالقرب من الأبيض، جبل الطير، جبل الداير، خور طقت، الرهد، أم روابة، السميح، الرحمانيَّة (بين رشاد وأبو جبيهة)، والنُّهود، كان يتم حشد وحشر ضحايا الحرب الأهليَّة في ظروف قاهرة ينعدم فيها أبسط مقوِّمات الحياة من مأكل ومشرب وملبس وصحة وتعليم وغيرها، فضلاً عن أنَّها كانت تجمعات للأسلمة القسريَّة والاغتصاب والتجنيد الإجباري لقوات الدِّفاع الشَّعبي، وتوفير العمالة الرخيصة لمالكي المشاريع الزراعيَّة من التجار الجلابة، حيث كان لا يسمح لهم بمغادرة هذه المعسكرات. ففي معسكر الرحمانيَّة – وهو كان أكبر معسكر للنُّوبة، ويقع في الجبال الشرقيَّة - حيث تم فيه توطين 60,000 مواطناً أغلبهم من النساء والأطفال والعجزة العام 1992م، وبعد عامين تقلَّص العدد إلى 40,000 فقط، وذلك لانتشار الأمراض المعدية والوبائيات وسط المهجَّرين. ففي يوم 3 حزيران (يونيو) 1992م تم تحميل عدداً من اللواري والشاحنات من قرى الشات بالنساء والأطفال وتفريغهم في ضواحي الأبيض. وتكرَّر نفس المشهد في اليوم التالي، حيث تمَّ ترحيل 5,000 مواطناً، تبعتها 9 شاحنات. أما في معسكرات أم روابة، بارا، وحمرة الشيح بمحافظة شمال كردفان فكان يتراوح عدد الأطفال الذين اختطفوا من قبيلتي الشات وكورونقو عبد الله ما بين 1,300-1,500 طفلاً. وكان يقع معسكر الأطفال في أم روابة على بعد 15 كيلومتراً خارج المدينة، وتتراوح أعمار الأطفال فيه ما بين 7-12 سنة، وكان يشرف على الأطفال في معسكر حمرة الشيخ أحد عناصر الجَّبهة القوميَّة الإسلاميَّة وهو محمد إبراهيم وكان يساعده في الأشراف أحمد عبد العزيز، وتُمنع زيارتهم منعاً باتاً. وقد تمَّ نقل هؤلاء الأطفال من قراهم في سيارات مقفولة بعد أن رأى بعضهم ذويهم وهم يُقتلون أمامهم، والبعض الآخر لم يدر أماكن تواجدهم، وكان يُوجد معهم عدداً من المسنين من نفس القبيلتين. وكان كل الأطفال عراة، وقد تمَّ تغيير أسمائهم جميعاً بأسماء عربيَّة، ومُنعوا منعاً باتاً من التخاطب بلغاتهم المحليَّة، وباتوا يدرسون اللغة العربيَّة. وقد اكتظَّت هذه المعسكرات بأهل النُّوبة، وبخاصة بعد الفتوى التي صُدرت عن مؤتمر علماء الدِّين وأئمة المساجد والخلاوي بولاية كردفان، والمنعقد بمدينة الأبيض في 27 نيسان (أبريل) 1992م حول قتال الخوارج بجنوب كردفان، وإعلان الجِّهاد على أبناء النُّوبة، وإباحة دمائهم وأموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، وتشتيتهم إلى خارج منطقة الجبال، وترحيلهم إلى ما يسمَّى ب"قرى السَّلام"، وإحلال القبائل العربيَّة في مناطقهم. وقد شرعت الحكومة بالفعل في تنفيذ الفتوى بإرسال مليون مجاهد وميليشي العرب لقتل النُّوبة، وطردهم من قراهم وإخلائهم من ديارهم بغير حق، ونذكر على سبيل المثال منطقة أبو جنوك المكوَّنة من حوالي 12 قرية، وكان يسكنها حوالي ثمانيَّة آلاف شخص من النُّوبة الذين تمَّ ترحيلهم منها إلى السنط تحت تهديد السلاح وخلال 72 ساعة فقط، لتصبح هذه المنطقة لعرب المسيريَّة الرحل.
ومع ذلك، لم يقتصر التهجير القسري على شمال كردفان، بل امتدّ ليشمل أقاصي شمال-شرق السُّودان. ففي بورتسودان تم تفريغ الآلاف من المواطنين النُّوبة في خور (مجرى مائي موسمي) بالقرب من ملعب كرة القدم خلف السوق الكبير لمدة ثلاثة أيام دونما أيَّة رعاية تذكر، وبعد ذلك تمَّ "إلقاؤهم" في بطون الوديان والتلال الصحراويَّة في منطقة سوتريبا، وطالبوهم بزراعة المنطقة، ووعدوهم بتمليكهم الأرض إذا هم نجحوا في اخضرارها. وإنَّه لمن المعلوم أنَّ مياه البحر الأحمر لمالحة، وهذا ما لم يعتاده المواطنون "النوباويُّون"، فضلاً عن عدم وجود طلمبات لتنقية هذه المياه من الملوحة، وكانت النتيجة تردٍ واضح في الصحة ومات كثرٌ من النُّوبة ممن لم يقو على احتمال هذه المعيشة القاسية، وبخاصة الأطفال والعجزة. وكان للأسلوب الذي به تمَّ هذا التهجير القسري لأهالي النُّوبة أسوأ الأثر على الصحة العامة، وبخاصة نقلهم بأعداد كبيرة وشحنهم كالمواشي أو الأنعام الأخرى، وعدم إطعامهم أو توفير الماء لهم لعدة أيَّام، وافتقار هذه المعسكرات إلى كل عناصر الإقامة الآدميَّة، واختلاف الطبيعة الجغرافيَّة التي عليها اعتادوا العيش في جبال النُّوبة، وهو مناخ السافنا واعتدال الجو إلى مناخ شمال كردفان شبه الصحراوي.(32) وقد عبَّرت عن هذه التجاوزات التي يشيب لها الولدان في جبال النُّوبة "حركة التضامن مع أبناء النُّوبة بالخرطوم"، وذلك في نداء "أنقذوا قبائل النُّوبة من التَّطهير العرقي" إلى المجتمع الدولي عامة، والحكومة البريطانيَّة ومجلس العموم البريطاني، والحكومة الأمريكيَّة والكونغرس الأمريكي خاصة في بيان صادر لها في 5 أيلول (سبتمبر) 1993م، وطالبت هذه الدول – فيما طالبت - بالمزيد من كشف ممارسات الحكومة السُّودانيَّة تجاه حقوق الإنسان في جبال النُّوبة، وتعرية النظام ومحاصرته، وألا تستمع منظمات حقوق الإنسان والدول الصديقة والأمم المتحدة لبعض الأصوات النشاز من أبناء النُّوبة والجنوبيين في الداخل ممن اشترتهم الحكومة لطمس الحقائق وتزييف الواقع المزري للإنسان الأفريقي في السُّودان، فهؤلاء لا يمثِّلون إلا أنفسهم.
ومن هؤلاء المتملِّقين أنجلو بيدا، الذي كان نائباً لرئيس المجلس الوطني (البرلمان) في تموز (يوليو) 1994م، وهو كاثوليكي من أبناء الجنوب. فقد ذكر بيدا أنَّه في شباط (فبراير) 1996م ترأس لجنة من قادة سودانيين ممن أُوكِل إليهم أمر النَّظر في وضع حقوق الإنسان في إقليم جبال النُّوبة، والتدقيق حول مزاعم إساءة معاملة المستوطنين في معسكرات الحكومة، وأنفق أربعة أيام هناك. وقد زار الكنائس، السجون، مراكز الشرطة ودعا إلى حشد جماهيري لإعلان وجودهم للناس وإذاعة أسباب حضورهم إلى المنطقة في الناس، فزعم أنَّه لم يجد شيئاً، لم يجد الرِّق، ولا الاغتصاب ولا الأسلمة القسريَّة. هذا ما حاول أن يقوله أنجلو بيدا عن النظام الذي غرق فيه أكلا وشراباً، ولا يعني أهل النظام أنفسهم أكان مخلصاً لهم أو مبتغياً للحظوة والزلفى. وهذا قول أناس في قلوبهم مرض وفي أنفسهم زيغ، وهي شيمة من شيمات الانتهازيين وبعض الزعامات حسبما تمليه عليهم المصالح والأهواء الشخصيَّة بصرف النظر عن اتساقها قرباً أو بعداً مع الصالح العام للوطن. ألم تر كيف يعمل المال في أفئدة المؤلفة قلوبهم، ويبسط على نفوس هؤلاء الملفِّقين نوعاً من السلطان قويَّاً! فكيف يظن بيدا أنَّ المغتصبات من فتيات النُّوبة لسوف يأتين إليه ويقدمن أنفسهن بأنَّهن قد تم اغتصابهن بعد أن نظَّمت أجهزة أمن الحكومة الرحلة، واختارت الأماكن التي ينبغي أن تزورها اللجنة، والأفراد الذين يجب أن تتحدَّث إليهم اللجنة، والتوصيات العامة والصيغة النهائيَّة التي ينبغي أن تخرج بها اللجنة، وغيرها من أسلوب الانتقاء والحذف والنفي والتمحيص والفحص الأمني والقيود الإعلاميَّة وهلمجراً. وما أن اطمأنَّ بيدا وآخرون مثله من النظَّام من أهل النظام والمنسِّقين من أشياع النظام، حتى استقام لهم مقدار من تلفيق أولئك وتنسيق هؤلاء طبعوه بطابعهم ونفخوا فيه من روحهم وأذاعوه بين الناس. يقولون ذلك ليتقرَّبون به إلى أصحاب السلطان، ويبتغون به المثوبة عندهم، ولا سيما إذا كانت الحوادث السياسيَّة والأوضاع الاجتماعيَّة تعين على ذلك وتدني منه.
على أيَّة حال، فإنَّ سياسة حشر المواطنين في معسكرات خاصة في حال الاضطرابات السياسيَّة لهي سياسة استعماريَّة. فقد استخدم البريطانيُّون في ماليزيا هذه السياسة حين قاموا بتجميع الصينيين – الذين أحضروهم كأيدي عاملة رخيصة في بادئ الأمر – في معسكرات عرفت باسم "القرى الجديدة" (New Villages)، وذلك لأنَّهم كانوا يساندون الحركة الشيوعيَّة قائدة النضال المسلح ضد الوجود البريطاني في ماليزيا. وكانت هذه المعسكرات سيئة التجهيز في أول الأمر، ولم تستطع هذه السياسة إثناء المهجَّرين الصينيين عن دعم الثوار الشيوعيين قيد أنملة. وفي نهاية الأمر عدَّلت بريطانيا في هذه السياسة لكي تكسب قلوب وعقول هؤلاء المواطنين. فقامت السلطات البريطانيَّة بتحسين ظروف المعيشة في هذه "القرى الجديدة"، وتوصيل أنابيب المياه ومد خطوط الكهرباء، وتشييد المدارس والطرق، وتثبيت القيم الديمقراطيَّة لانتخاب ممثِّليهم بالسبل الديمقراطيَّة، ومنحهم أراض، وإثبات حقوقهم في المواطنة. وقد حقَّقت هذه الإصلاحات الاجتماعيَّة والسياسيَّة في نهاية الأمر نجاحاً أكثر مما لم تحققه العمليات العسكريَّة ضد الثوار في الأحراش. كذلك استخدم البيض في الولايات المتحدة الأمريكيَّة نفس السياسة حينما قاموا بحجز أطفال الهنود الحمر – بعد إبادة ذويهم – في معسكرات منفصلة، وذلك لتغيير الهُويَّة الثقافيَّة لهؤلاء الصغار عن طريق تدريس اللغة الإنكليزيَّة، وتعليم الديانة المسيحيَّة، وتلقين ثقافة الرجل الأبيض لانصهارهم في المجتمع الأمريكي الجديد الذي يودُّون اختلاقه. وكذلك فعل مجرمو المملكة المتحدة الذين قذفت بهم الإمبراطوريَّة البريطانيَّة في أستراليا ونيوزيلاندا، وكان هؤلاء البريطانيُّون من اللصوص الذين أبعدتهم بريطانيا إلى هذا الجزء من إمبراطوريَّتها. فبعد الإبادة العرقيَّة لسكان هاتين الجزيرتين الأصليين (Aborigines)، أي "الأروما"، تم حجز أطفالهم – وبخاصة الخلاسيين منهم، أي المولَّدين من التقاء الرجل الأبيض ونساء الأروما – في معسكرات خاصة، وذلك لمحو هُويَّتهم الثقافيَّة. وما بروس تريفورو إلا واحداً من هؤلاء "الجيل المسروق" (Stolen generation) الذي تم اختطافه من أسرته في عيد ميلاد المسيح العام 1957م وهو كان يبلغ من العمر حينئذٍ 13 شهراً، حيث أقدمت السلطات الاسترالية يومذاك بأخذ الآلاف من الأطفال من الأروما في الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن الميلادي الماضي. وفي آب (أغسطس) 2007م قضت محكمة في جنوب استراليا أن تقوم الحكومة الاستراليَّة بدفع تعويض قدره 220,000 جنيهاً إسترلينياً لبروس، لأنَّه فقد الهُويَّة الثقافيَّة، وأمسى مدمناً للخمور، ومصاباً بالاكتئاب، وبات لا يستقر في وظيفة بعينها. وطبق البريطانيون نفس السياسة في حربها ضد حركة "الماو ماو" في كينيا، ولقي الكينيُّون الذين اتهموا بانتمائهم للحركة المتمرِّدة صنوفاً من العذاب وإعدامات جماعيَّة في المعسكرات الخاصة التي فيها تمَّ تجميعهم. إذن، ما الذي يجمع بين ممارسي هذه السياسة، التي تنعدم فيها كل القيم الأخلاقيَّة وحقوق الإنسان، والتي تقضي بحجز مواطنين مدنيين في معسكرات خاصة لأنَّهم متَّهمون بمعارضة النظام، أو بغرض فرض الانصهار الإجباري في الثقافة الغالبة القاهرة (أو المفروضة)؟ إنَّ العامل المشترك في هذا كله هو الاستعمار، وإنَّ القائمين بأمر هذه السياسة لهم البريطانيُّون سواء كان ذلك في ماليزيا أو أمريكا الشمالية أو أستراليا أو نيوزيلاندا أو إفريقيا. ثم العامل العرقي الذي يضع الإنسان الأسود - أو الملوَّن – في قاعة الترتيب الاجتماعي، وقديماً – كما هو حديثاً - كان العرق ينبوع التهم، ومثار الشكوك والريب. أفلم يكن من الأجدر على قادة النظام "الإنقاذي" في السُّودان ألا يحذو حذو البريطانيين الاستعماريين! بلى! وكيف يحلو لأهل الحكم في الخرطوم أن يعاملوا شعبهم بمثل هذه الطريقة السيئة، وكان من الأجدر بهم أن يعطفوا عليهم، ويصطبغوا عليهم الرحمة لا آيات الإذلال والهوان.
برغم من هذه الصورة العنصريَّة المأسويَّة في جبال النُّوبة شرع بعض أبناء النُّوبة في تزيين وجه النظام "الإنقاذي" دون حق. فقد كتب أحدهم يقول: "إنَّ الحكومة وفَّرت (في قرى العائدين) كل مقوِّمات الحياة الصحيَّة والتعليميَّة." بل ومضى كاتب المقال ناعتاً قائد التمرُّد بالمنطقة السيِّد يوسف كوة مكي – وليس يوسف كوة عبد الله، كما جاء في المقال، ونحسبه أن يكون خطأً مطبعيَّاً لا جهل صاحب المقال بالاسم الصحيح للقائد يوسف – حيث وصفه: "أنَّه قد عمل في مجال التعليم (...) مدرِّساً بمدرسة كادقلي الثانويَّة (تلو)، ولقد شهد ضده كل من تلقَّى منه من الطلبة بعنصريَّته الظاهرة، التي لم يكن يخفيها. أما قصة تمرُّده فمعروفة، وهي مشكلة شخصيَّة بينه وبين حاكم كردفان آنذاك السيد الفاتح بشارة ووزير إسكانه السيد محمد أبو كلابيش."(33) وعن هذه العنصريَّة، التي يتحدَّث عنها أحد أبناء النُّوبة "المبرمج آلياً"، فقد جادلنا فيها في أكثر ما يكون الجدال في صفحات أخرى من هذا البحث، وفي مصادر أخرى مطبوعة وإلكترونيَّة وفي الصحف السيَّارة.(34) غير أنَّ هذا كله لم يمنعنا، في نهاية الأمر، من الزيادة هنا ليس من أجل التزيُّد والاستكثار، بل للإيضاح واستنطاق الحق. فكلمة عنصريَّة (Racism) كلمة ذات أبعاد اجتماعيَّة ونفسيَّة وسياسيَّة عميقة. إذ عرَّفها معجم أكسفورد بأنَّها: "الاعتقاد في علو عرق ما، والموقف المتميِّز ضد الأعراق الأخرى المنطلق من ذاك الاعتقاد." فالعنصريَّة كما يقول أتينيه بالبار "ليست وجوداً موضوعيَّاً لعناصر بيولوجيَّة، وإنَّما نتاج تأريخي وثقافي"، وهي ليست بالضرورة لصيقة بالطبيعة البشريَّة كما يصورها البعض. ويضيف ابن خلدون كنو كالو: "(إنَّ) كلمة عنصري لكلمة مطاطة تستعمل عند الحاجة، وتطلق على من له رأي واضح وصاحب قضيَّة مطلبيَّة في السُّودان، وبخاصة إذا كان صاحب القضيَّة من العنصر الزنجي."(35) ويكتب الدكتور أحمد عثمان سراج: "في وطننا ظلَّت تهمة العنصريَّة تلقى على عواهنها .. (إذ أنَّها) في معظم الأحيان ظلَّت تصدر من الفئات المهيمنة في مجتمعنا ضد أخرى مطحونة.. تدفع هذه الأخيرة المضطهدة بالعنصريَّة متى ما جنحت للتمرُّد، بل حتى مجرَّد الاحتجاج. أي متى ما جرؤت و"رفعت نخرتها" – (أي شمَّرت عن سواعدها) – المطلوب هو الخنوع والخنوع الدائم." وفي هذا الوطن المعروف باسم السُّودان- الذي يعني "أرض السود" – تسمع ممن فيهم بقيَّة من حمية الجاهليَّة الأولى ألفاظاً مثل "يا عب"، أو عبارة الدَّلع المخفَّضة "يا فرخ"، تلك التي تُطلق على من تبدر فيه – أو منه – نزعة تمرُّد إن كان حالك السواد، ولا تطلق على أحد الجعليين وإن كان أحلك سواداً من هذا المراد، فالجعلي "الأسود لونه" أخدر" (أخضر)"، لأنَّ للألوان في السُّودان بعدها الاجتماعي-النَّفسي. فهؤلاء – في نظر المسرفين والغلاة من أهل السُّودان – هم "أولاد البحر"، أو "أولاد قبائل"، أو "أولاد عز"، أو "أولاد عرب"، أو "من الأشراف"، أما سواهم فهم من "العبيد المناكيد"! ثم يتساءل الدكتور سراج غير مندهش: من هم العنصريُّون حقاً؟! لتأتي إجابته: إنَّ "كل من يتوهَّم في نفسه وأهله علواً عرقيَّاً، ويتعامل مع غيره بافتراض دونيَّة فيهم، ويضطهدهم بالفعل أو القول أو بوسوسة داخل قلب "أسود" فهو عنصري". ولا تخلو بعض الشرائح السياسيَّة في السُّودان من هذه "الجاهليَّة الأولى"، وفي هذا الصدد يضيف الدكتور سراج: "التقدميُّون في السُّودان غائصين في وحلتين؛ رواسب في الأعماق تطفو هنا وهناك برغم من الشعارات والهتاف بغير ذلك: أولهما الموقف من المرأة (وبخاصة الزوجة والأخت والابنة)، وثانيهما الموقف العرقي، ولا أزيد!!"(36) لذلك حين اجتمع أبناء النُّوبة بالقائد يوسف كوة مكي في لندن العام 1996م، وكان كاتب هذا الكتاب يشغل منصب الأمين العام لتضامن أبناء النُّوبة بالخارج (المملكة المتحدة) سأل يوسف: من منكم استطاع أن يقرأ مقالتي الدكتور أحمد عثمان سراج، فلما جاء ردنا له بالإيجاب طلب منا القائد أن نبعث بنسخ منها إلى صاحب المقال المذكور سابقاً من أحد أبناء النُّوبة التي فيها نعت يوسف ب"العنصريَّة". فقد شخَّص الدكتور سراج لب المشكل السياسي-الاجتماعي في السُّودان، بل وقد لامس هذه المشكلات وعايشها من قبل غلاة الأساتذة وأعضاء الحركة الإسلاميَّة ضد الطلاب الجنوبيين في مدرسة خورطقت الثانويَّة كما سردها في المقالين، وقد قرأ القائد يوسف كوة هذه المقالات كلها أيما القراءة، وهو – بلا ريب – قارئ نهم لا يشق له غبار.
كانت هذه المآسي هي التي دفعت المواطن النوباوي علي الكمين أن يصف المنطقة بأنَّها "جزيرة محاطة بكل الحقد الإنساني.. ترزح في براكين النسيان والتجاهل العالميين"، ويضيف الكمين: "في الأسبوع الماضي قذفت طائرات (الدكتور حسن عبد الله) الترابي إحدى القرى فقتلت أربعة نسوة كن يعملن في الزراعة، وشيخاً كبيراً وطفلين، وعادت تلك الطائرة مرة أخرى لترمي حقدها عندما كان أهل القرية يعملون في الزراعة لصالح ضحايا الطائرة، إنَّه لإيمان يصعب تحطيمه وتصديقه". ويؤكِّد علي الكمين للعالم: "الناس هنا أيها العالم يسيرون عراة نحو الأمل الذي خرجوا من أجله.. إنَّ أعضاءهم البارزة تذكر بقصة الخلق وقصة تجاهلكم المتوارث.. يخضعون بشكل منظم لعمليات الإبادة الثقافيَّة والتطهير العرقي والابتزاز السياسي.. إنَّهم كفروا بكم، وهذا أمر مؤسف، وازدادوا إيماناً بعدالة قضيَّتهم.. في العام 1992م مات الناس جوعاً!! هذا أمر طبيعي.. أعلم ذلك، ولكنهم لم يغادروا مقاعدهم (...) إنَّ من يغتصب سلطة بليل فهو متمرِّد.. ومن يشرِّد شعباً بأكمله فهو متمرِّد، ومن ينشئ بيوت الأشباح فهو متمرِّد.. ومن يقفز بسعر الخبز إلى 50 جنيهاً فهو متمرِّد.. ومن يقتل 28 في وقفة العيد (ضباط حركة رمضان العام 1990م) فهو متمرِّد.. ومن يستخدم القنابل العنقوديَّة المحظورة فهو متمرِّد.. ومن يدخل الآلات الحادة في عجائز الرجال فهو متمرِّد.. ومن يولي أمره للترابي فهو متمرِّد (...)."(37)
وفي يومي 26 و27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994م قامت الحكومة بحملات واسعة النطاق على مستوى العاصمة القوميَّة للحصول على أفراد لتجنيدهم قسراً في مجاهدي قوات الدفاع الشَّعبي من أجل إرسالهم إلى مناطق القتال في جبال النُّوبة وجنوب السُّودان. وكان من نتائج تلك الحملات اختطاف 3,000 طفلاً من النُّوبة والجنوبيين الذين كانت تتراوح أعمارهم بين 7-11 عاماً، وتمَّ نقلهم إلى معسكر وادي سيدنا، وكان من ضمن هؤلاء المختطفين الطفلين الأخوين: عمر إسماعيل كوكو (11 سنة)، ومحمد إسماعيل كوكو (8 سنوات). وفي يوم الثلاثاء شباط (فبراير) 2000م قامت الطائرات الحكوميَّة بقصف مدرسة للأطفال في قرية كاودا، مما أدى هذا القصف العشوائي إلى مقتل 14 تلميذاً وتلميذة ومعلمتهم وإصابة 17 خمسة منهم كانت إصاباتهم خطيرة. هذا، فقد ورد في بعض الأنباء أنَّ الجرحى بلغ عددهم أكثر من 20 شخصاً. وقد اعترفت الحكومة السُّودانيَّة لأول مرة في تأريخ الحرب الأهليَّة بقيام طائراتها بقصف بعض المواقع بجبال النُّوبة. إذ قال الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل – وزير الخارجيَّة السُّوداني يومئذٍ: "إنَّه ليس من سياسة الحكومة التعرُّض لمواقع غير عسكريَّة يحشد فيها التمرد قواته، وإن كانت المنطقة بها تجمعات للمدنيين فهذا شيء يُؤسَف له وتتمنى الحكومة ألا يتكرَّر ثانية".(38) كانت صور الأطفال الجرحى المعروضة في الإعلام المرئي مأسويَّة، ومنظر القتلى يثير الحزن والألم الشديدين، وكتب الأطفال وكراساتهم المتناثرة تبعث الاشمئزاز والسخط الشعبي ضد حكومة الخرطوم، وقد أدانت هذه العمليات البربريَّة كل الحكومات الغربيَّة والمجتمع الدولي ومنظَّمات حقوق الإنسان. وكان معظم ضحايا ذلك الاعتداء الآثم تلاميذ في الصف الأول الابتدائي الذين كانوا يجلسون تحت الشجرة يتلقون مادة اللغة الإنكليزيَّة. وكانت صورة مدير المدرسة، وهو يحاول الإمساك بإمعاء تلميذ كانت الشظايا قد بقرت بطنه، توضح بجلاء بأنَّ مثل هذه الانتهاكات الفظيعة التي تمارسها الحكومة السُّودانيَّة ضد المدنيين النُّوبة الأبرياء قد أصبحت أمراً شائعاً. ولكن يا للحسرة! لم تمض سوى دقائق معدودات وكان ذلك التلميذ قد فارق الحياة. وقامت الطائرة التابعة لسلاح الجو السُّوداني، بعد أن شنَّت هجومها على مدرسة الصليب المقدَّس بكاودا فوق، بإلقاء ثمان قنابل أخرى على قريتين قريبتين من المدرسة. وأفادت التقارير أنَّ 34 تلميذاً وتلميذة وأثنين من المعلمين قد قُتِلوا في عمليات مشابهة في الفترة ما بين تشرين الأول (أكتوبر) 1997م إلى العام 2000م في جبال النُّوبة.
ففي خواتيم شهر آب (أغسطس) 2001م خرقت صحيفة "الحياة" اللندنيَّة الجدار الأمني المفروض على جنوب كردفان بواسطة الحكومة السُّودانيَّة، ودخلت مناطق الحركة الشعبيَّة في جبال النُّوبة، وعكست سلوك "الحكومة السُّودانيَّة (التي) اعتمدت سياسة التجويع ضد شعب النُّوبة الذي لم يتلق أيَّة معونات إنسانيَّة منذ العام 1988م حتى تموز (يوليو) 2000م. إذ حملت آنذاك طائرتان تابعتان للأمم المتحدة 14 طناً من البذور والأغذية والمواد التعليميَّة من مطار لوكيتشوكيو الكيني إلى مطار الأبيض (في شمال كردفان)، ومنها إلى (جبال) النُّوبة، حيث وزَّعتها الجمعيَّة (منظمة جبال النُّوبة للإغاثة وإعادة التعمير). وكانت هذه المرة الأولى التي تأذن الحكومة السُّودانيَّة رسميَّاً بإرسال معونات دوليَّة إلى المنطقة من خلال أكثر من عقد."(39) وفي ست حلقات تحدَّث مراسل الصحيفة – يوسف خازم – عن الأمن الغذائي والتعليم وعن آخر معركة جرت في الجبال، وحاولت خلالها القوات الحكوميَّة السيطرة على مدينة كاودا الإستراتيجيَّة، كما تعرَّف على التراث "النوباوي" السُّوداني المميز، بما في ذلك طقوس الاستسقاء وجلب المطر لدي القبائل، وضرب الحبيب بالحشيش، ورقصة الكمبالا والمبارزة بالعصي، والمعالجة باستخدام طقوس إفريقيَّة، وذلك في إطار العادات والتقاليد التي تذخر بها هذه المنطقة، بما في ذلك التركيبة الاجتماعيَّة والقبليَّة والدينيَّة. وكذلك تطرَّق مراسل الصحيفة إلى تأريخ النزاع السياسي والعسكري بين النُّوبة والحكومات السُّودانيَّة المتعاقبة. وفي هذه الزيارة، حاور مراسل الصحيفة قائد قوات الحركة الشعبيَّة – حاكم جنوب كردفان – عبد العزيز آدم الحلو عن الوضع العسكري، كما سجَّل انطباعاته عن إحدى مواقع القتال وشهادات من مواطنين تعرَّضت منازلهم للحرق أكثر من مرة. ونشرت الصحيفة حديثاً كان قد أدلى به القائد يوسف كوَّة مكي - قبل وفاته – في نُمُولي إلى يوسف خازم في مطلع العام 2001م. ولا شك في أنَّ هذه الحلقات الصحافيَّة قد أثارت ردود فعل بين من هو مؤيِّد لها ومعيب عليها.(40)
أمَّا الطبقة المثقَّفة من أبناء النُّوبة في شمال السُّودان، فقد كانت تتم تصفيتهم بأسلوب مختلف. ففي هذه الحال يزج بالضحية في "بيوت الأشباح" تحت أيَّة تهمة ملفَّقة، ويُعذَّب حتى يختل عقليَّاً أو نفسيَّاً، أو تحدث له عاهة مستديمة ثمَّ يخُلى سبيله، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: المهندس الكيميائي محمد نواي حمدان، والمعلِّم عبد الباقي، وكذلك الطيب بدوي. ثمَّ كان اعتقال الأب فيليب عباس غبوش في يوم الاثنين 9 تشرين الأول (أكتوبر) 1995م، ومعه يوسف دنقير وخميس سليمان بواسطة رجال الأمن، وذلك بعد الفراغ من خطبته الجماهيريَّة في منطقة جبرونا بغرب أم درمان. فبينما كان الأب غبوش يخاطب الجماهير إذا برجال الأمن يقطعون التيَّار الكهربائي من المايكرفون، مما اضطرَّ الأب غبوش أن يكمل حديثه بدون المايكرفون. وبعد الاعتقال - الذي تمَّ بصورة عنيفة، ودون مراعاة لظروفه المرضيَّة أو عامل السن أو مكانته الروحيَّة – تعرَّض غبوش لأقصى أنواع التنكيل والضرب في الرأس والخدين والكلي، والإهانة والشتم ولاستفزاز، وقد عصبوا عينيه، وهي الطريقة الكلاسيكيَّة في التعامل مع المعتقلين السياسيين. فقد جاء اعتقال الأب غبوش في أعقاب زيارة الدكتور جورج كيري – كبير أساقفة كانتبري – للسُّودان، حيث تحدَّد في الاجتماع النهائي للجنة الاستقبال، التي كانت الحكومة ممثلة فيها بوزير الدولة بوزارة الخارجيَّة قبريال روريج، أن تكون هناك ثلاث شخصيات قوميَّة ودينيَّة لمخاطبة لقاءات الدكتور كيري بمناطق النازحين الثلاثة بولاية الخرطوم. وقد تحدَّدت الشخصيات على النحو التالي:
مولانا أبيل ألير – النائب الأول الأسبق لرئيس الجمهوريَّة – أن يخاطب الجماهير بحي الحاج يوسف في الخرطوم بحري.
المطران كوركيل خميس في الساحة الخضراء في الخرطوم.
الأب غبوش في جبرونا بأم درمان، وقد كان خطابه شاملاً وشارحاً كل الظروف التي كانت تمر بها البلاد عامة، ومناطق الحرب والنزوح من الجنوب وجبال النُّوبة والأنقسنا خاصة.
وفي يوم 5 كانون الأول (ديسمبر) 1995م كتب عمر مصطفى شركيان – الأمين العام لتضامن أبناء النُّوبة بالخارج – رسالة إلى كبير أساقفة كانتبري مبدياً اشمئزازنا عن اعتقال وسوء معاملة الأب فيليب عباس غبوش من قبل السلطات الحكوميَّة بالخرطوم. هذا، فقد رد سكرتير كبير الأساقفة – الكاهن أندرو ديوتشار – لرسالة شركيان في يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) قائلاً إنَّ كبير الأساقفة قد أشار إلى اعتقال الأب فيليب غبوش خلال زيارته، مما اضطرت السلطات الحكوميَّة إلى إطلاق سراحه، وبالطبع بعد التعذيب الجسدي والنفسي والإهانة والسباب.
مهما يكن من الشأن، فلم تتوقَّف الاعتقالات التعسفيَّة وسط المعارضين من أبناء النُّوبة. ففي هذه الأثناء اعتقلت السلطات السُّودانيَّة عدداً من أبناء جبال النُّوبة في مدينتي الدلنج والأبيض وهم: قادم حماد هنوة (معلِّم فنون جميلة)، حمدون محمد تيه (عميد كليَّة تربية الدلنج)، حسن كوة (موظف بالشؤون الدينيَّة بالأبيض)، محمد أزرق (أعمال حرة بالأبيض)، وآدم فرج الله (أحد الموقعين على مذكرة التجمع الوطني الديمقراطي في آذار (مارس) 1996م عن الحزب القومي السُّوداني). كما أقدمت السلطات الحكوميَّة على اعتقال القسيس يوحنا تيه كوكو في كانون الثاني (يناير) 1997م في كادقلي.(41)
وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ مثل هذه التعدِّيات الإنسانيَّة تمثِّل فساداً أخلاقيَّاً، والتمادي في تجاوز الحل السلمي للأخوة السُّودانيين فيما شجر بينهم يعتبر فساداً سياسيَّاً، وتدمير المجتمعات واجتثاث جذور شعوبها لا يمكن وصفها إلا في إطار الفساد الإنساني-الاجتماعي، ثم حرمان مناطق بعينها من التنمية الاقتصاديَّة والمشاريع الخدميَّة يُعَد فساداً اقتصاديَّاً. وما الفساد إلا لعنة كونيَّة أُصِيب بها ظلمة كثر في بقاع عديدة من العالم عامة والسُّودان خاصة. هؤلاء الساسة الفاسدون أيما الفساد يستحقون الغليان في نار حامية في هاوية الجحيم، والخونة ينبغي تجميدهم في الثلوج، أو كما كتب الشاعر الإيطالي دانتي الخيَّري - بتشديد الياء مع فتحها – (-1321م) في قصيدته "الكوميديا الإلهيَّة" في أوائل القرن الرَّابع عشر الميلادي. إنَّ هذه ليست بكلمات تُطلق على عواهنها، بل هذا ما حدث في التأريخ القريب، بل طلب ملحاح واضح على القوى المعيَّنة التي قامت بهذا الجرم الشنيع أن تجيب بالكلمات أمام الملأ، وأن تتبرَّأ عما اقترفت أياديهم ومما جرى ضد مصالح أبناء النُّوبة، معلنة برنامجها الحقيقي بعد التوبة النصوحة وإحقاق الحق وعودة الحقوق إلى أهلها، ومن بعد أن تعلن فسلفتها السياسيَّة شريطة الالتزام بقوانين الديمقراطيَّة والإصلاح الوطني وإعادة ترتيب البيت النوباوي فوق كل الهموم وفي مقدِّمة جميع الأولويات، وإعمار الذات النوباوي المخرَّب. أو كما قصَّد الشاعر أحمد بن يحيي البهلكي من جيزان بالمملكة العربيَّة السَّعوديَّة وهو يستهجن "أهل الإفك":
لا سامح الله من قد حلَّ العُرا وطغى وما رعاها هنا عهداً ولا ذمماً
وراح يشعلها ناراً مؤجَّجة تقتات أزكى نفوس في أعزَّ حمى
وفي الحق، لقد غصنا في بطون كتب التراث والفقه والتأريخ الإسلامي وعلم الكلام والحديث والسيرة والسنة النبويَّة وغيرها ولم نعثر على نص إسلامي يبيح التعذيب. ومع ذلك، شهدت الدولة الأمويَّة والعباسيَّة ضروباً من أنماط التعذيب على المعارضين سياسيَّاً والمختلفين مذهبيَّاً، أو الذين جاءوا بطرائق جديدة وملل مستحدثة لم يألفها الناس إذ ذاك. وقد عذَّب كثرٌ من الولاة رعاياهم بسبب ما أتوا به من جديد القول أو الفعل، وغض البعض الآخر الطرف عن التعذيب، وسعى البعض الثالث إلى استئذان الحاكم في تعذيب الخارجين عن سلطة الدولة أو دين الملة. وفي سبيل أولئك الذين تنادوا إلى الحاكم في طلب الإذن لتعذيب بعض المتهمين نورد الحديث الآتي. فقد روي الإمام ابن الجوزي رحمه الله قال: "حدَّثنا الثقاة أنَّ عدي بن أرطأة، كتب إلى عمر بن عبد العزيز: "من عدي بن أرطأة، أما بعد: أصلح الله أمير المؤمنين. إن قِبَلي أناساً من العمال قد اقتطعوا من مال الله عزَّ وجلَّ مالاً عظيماً لست أقدر على استخراجه من أيديهم، إلا أن أمسهم بشيء من العذاب. فإن رأى أمير المؤمنين - أصلحه الله - أن يأذن لي في ذلك أفعل". قال، فكتب له عمر بن عبد العزيز: "أما بعد: فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر، كأني لك جُنَّة من عذاب الله، وكأنَّ رضائي عنك ينجيك من سخط الله عزَّ وجلَّ. فانظر من قامت عليه بيِّنة عدول، فخذه بما قامت عليه به البيِّنة. ومن أقرَّ لك بشيء فخذه بما أقرَّ به. ومن أنكر فاستحلفه بالله العظيم وخل سبيله. وأيم الله عزَّ وجلَّ بخياناتهم، أحب إلى من ألقى الله بدمائهم، والسلام". كذلك روى ابن الجوزي قال: "حدَّثنا ضمرة عن ابن شوذب أنَّ صالح بن عبد الرحمن وصاحباً له، وكان عمر بن عبد العزيز قد ولاهما شيئاً من أمر العراق، كتبا إليه أنَّ الناس لا يصلحهم إلا السيف. فكتب لهما: "خبيثين من الخبث، رديئين من الردئ. تعرضان لي بدماء المسلمين؟ لعمري ما أحد من الناس إلا دماؤكما أهون عليّ من دمه." أما بعد، فإنَّ أهل "الإنقاذ" زعموا في أعظم ما يكون الزَّعم أنَّهم واصلون إلى الحق في الناس، ولكنهم خاضوا إليه بالباطل خوضاً. وإنَّها لفلسفة خاسرة، كما دلَّل التأريخ على خسرانها خسراناً مبيناً. فقد نقول ذلك ونحن نعلم أنَّ هذا الزمان قد ولَّى وهيهات أن يعود، ولكننا نقتبس ذكره ونقتفي أثره لنقيس به مزاعم الذين يجيئوننا آخر الزمان ويرفعون المصاحف على أسنة الرماح. هذا، ولم نعثر على أصدق من أبيات الشاعر غانم الروحاني، وكأنَّما لسان حاله كان يصف واقع شعب النُّوبة خاصة والشعب السُّوداني بشكل عام. وكيف يقضي الناس حيواتهم في آلام مبرحة، بينما الفاسدين يفرحون ويأخذون الزينة من آلام أمَّتهم، ويطربون لدي نزف الجراحات وويلات الفقر والجوع بعد أن استحوذ هؤلاء الفاسدون على الخيرات في نهم، وأودعوا حقوق الشعب أرصدة في بنوك الغرب. وقد انتشر هذا الفساد وحدث هذا الاستحواذ دون رادع ديني يصدهم عن غيهم أبداً، ولا ضمير أخلاقي أو بقايا من مروءات الرِّجال. أفلم تر كيف قصَّد غانم الروحاني من تعز باليمن قصيدته "سرد الإدانات"!
وواقعُ الشَّعبِ آلامٌ مبرحةٌ والفاسدون بأفراح وزيناتِ
يتراقصون على آلامِ أمتهم ويطربون لدي نزفِ الجراحاتِ
يدغدغون عواطف شعبهم كذِباً أنَّ الرّخاء والهناء في القادمِ الآتي
ولا رأينا سوى آمال خادعة والفقر والجوع مصحوباً بويلاتِ
يستحوذون على الخيراتِ في نهمٍ في البر والبحر من نفطٍ وأقواتِ
ويودعون حقوق الشعبِ أرصدة في الغربِ والشعبُ في آه وزفراتِ
لا دين يردعهم عن غيهم أبداً ولا ضمير أو بقايا من مرواتِ
وإن دعا ناصحٌ: يا قوم حسبكمُ يكفيكمُ ما مضى من نهب الأقواتِ
يستأسدون وهم للغربِ مسخَرةٌ يُنفذونَ لهم كل القراراتِ
وإنَّ أهل النظام "الإنقاذي" في السُّودان منذ العام 1989م كانوا يستخدمون نمطاً من الصحافة اتخذ من الكذب سبيلاً لهم، وكأنَّهم مؤمنين بنظرية جون غوبلز – وزير دعاية ألمانيا الهتلريَّة-النازيَّة – الشهيرة التي تقول: "أكذب.. أكذب وستجد في النهاية من يصدِّقك". ووجدناهم كانوا يرفعون شعارات، وينطقون بهتافات، وينامون ويصحون على أناشيد كتبها الصحابة ممن قُتِلوا في معركة مؤتة، وهي أول معركة بين المسلمين مع النصارى. إذ قُتِل في هذه المعركة قائد جيوش المسلمين – أي ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم – جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة. فلما رُفِع لواء القيادة لعبد الله بن أبي رواحة تردد وهو يشهد كثافة جند النصارى، ولكنه حسم تردده، وأنشد القصيدة التي كانت ترددها قوات الدِّفاع الشَّعبي في السُّودان:(42)
أقسمت يا نفسي لتنزلنَّ
لتنزلنَّ أو لتكرهنَّ
قد أجلب الناس وشدوا الرنة
مالي أراك تكرهين الجنة
يا حبَّذا الجنات واقترابها
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
على أن لاقيتها ضرابها
هذا هو الوقود السياسي والروحي الذي استخدمه نظام "الإنقاذ" لسواقة الشباب إلى أتون الحرب الأهليَّة في السودان عموماً، وجبال النُّوبة خصوصاً. وفي جبال النُّوبة كان الغلاة الإسلامويُّون وأهل "الإنقاذ" المشائيم يرون أنَّ ما يقومون به كافٍ لشفاء حقدهم وموجدتهم، وطفئ لغلتهم، فيجهزون على النُّوبة بالشتم والضرب تارة، والقتل تارة أخرى، وتشويه اللحيم (أي القتيل) حيناً، والتمثيل بالجثث حيناً آخر، ويأخذون الأبرياء بذنوب لم يقترفوها في أحايين كثيرة. وليس هذا شيئاً نفترضه نحن أو نستنبطه استنباطاً، وإنَّما هو شيء كان يقترفه أصحاب السلطان أنفسهم. وقد تمَّ هذا كلَّه من وراء ستار الفتوى الفقهيَّة التي صُدرت ضد أهل النُّوبة في مدينة الأبيض، والتي وقف عندها فقهاء السلطان وطفقوا ينادون بضرورة استبعاد واستعباد النُّوبة. وقد جادلنا ما وسعنا الجدال في أمر هذه الفتوى ورهبانها في سفر صادر لنا بلندن.(43) وبموجب هذه الفتوى تم تنفيذ الآتي:
إعلان الجهاد على النُّوبة.
إباحة أموال النُّوبة وممتلكاتهم، وسبي نسائهم وأطفالهم بين العامين 1991-1992م والعام 1993م.
رفضت الحكومة الاعتراف بأنَّ الحرب دينيَّة، برغم من استخدامها للدين في التصفية العرقيَّة للنُّوبة.
أما ما يسمَّى ب"قرى السَّلام"، فإنَّها لعبارة عن ترحيل النُّوبة من قراهم إلى مناطق بعيدة ومنح هذه الأماكن للعرب، أي إحلال العرب مكان النُّوبة بكل من منطقة كادقلي والدَّلنج والفولة، وكذلك منطقة أبوجنوك التي تمَّ ترحيل النُّوبة منها إلى السنوط لتصبح المنطقة مستوطنة لرحل المسيريَّة العرب.
وقد أمست – وستظل – هذه الفتوى تستدعي سؤالاً مندهشاً: من هم هؤلاء الجالسون على هذه المقاعد في مدينة الأبيض ليتحكَّمون في أرواح العباد وأموالهم كما يشاؤون؟ ويقسِّمون السعود والنحوس بين البشر كما يريدون؟ إنَّهم ليسوا بأنبياء معصومين، ولا بأملاك مطهرين، ولا يحملون في أيديهم عهداً من الله تعالى بالنظر في أمر عباده وتوزيع حظوظهم وأنصبتهم بينهم، فبأي حق يجلسون هذه الجلسة على هذه الصورة؟ ومن أيَّة قوة قانونيَّة يستمدون هذه السُّلطة التي بها يستأثرون من دون الناس جميعاً؟ إنَّهم قطعاً ليسوا بعقلاء القوم، والعاقل يقتدي بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قال: "لا تعرف الحق بالرجال، بل أعرف الحق تعرف أهله"، والعاقل يعرف الحق ثم ينظر في نفس القول، فإن كان حقَّاً قبله، سواء كان قائله مبطلاً أو محقاً، بل ربما يحرص على انتزاع الحق من أقاويل أهل الضلال، عالماً بأنَّ معدن الذهب الرغام – الرغام بفتح الراء، وهو التراب. ولأنَّ فتوى فقهاء السُّلطة التسلطيَّة كانت قد صدرت في مدينة الأبيض تبريراً لوضع قائم، فإنَّهم قد وقعوا في عدة تناقضات واضحة؛ فلتجدنَّهم قد أباحوا دماء المسلمين وغير المسلمين على السواء. أفلم يسمعوا بقول "النبي صلى الله عليه وسلم، يقص من نفسه، ألا لا تضربوا المسلمين فتذلُّوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفِّروهم."(44) وهكذا أدَّى التمسك بنصوص هذه الفتوى والتفريط في حقوق الأغيار إلى قيام هيكليَّة كهنوتيَّة صبر النُّوبة على مكارهها زمناً شقيَّاً.
وقد أُحططنا علماً أنَّ الدفاع عن الوطن – أو "الجهاد" – تطوُّع، وأي نظام يقوم على التطوُّع يعني عدم وجود عقوبة، والتطوُّع مع وجود عقاب دنيوي يخالف طبيعة الدين والدَّولة معاً. وعندما تخلَّف الكثيرون عن غزوة تبوك لم يجر عليهم عقاباً سوى ثلاثة أشخاص قاطعهم المسلمون لما يعرفونه من عظيم إسلامهم، وكان ضميرهم هو الذي عفا عنهم. وكان الجهاد يقوم على التطوُّع، وليس هناك قانون عقابي لمن يرفضه، وكانت الزكاة كذلك تطوُّع، وإذا رفضه أحد تركه الرسول لضميره. ولم يقاتل أبو بكر مانعي الزكاة إلا باجتهاد منه، ولو كان هناك نص من النبي لمثل هذه الحالة لما عارضه عمر بن الخطاب. وقد امتنع هؤلاء المتمرِّدون عن دفع الزكاة لا لكونها عبئاً ماديَّاً يثقل كاهلهم فحسب، وإنَّما لأنَّهم اعتبروا دفعها إتاوة قرشيَّة من المغلوب للغالب. لكن عمراً لم يعارض قتال أهل الرِّدة، وقد قيل عن حرب المرتدين – كما وثَّق الدكتور الدوري – كانت حركة قبليَّة تستهدف تمزيق وحدة الأمة. وإذا كان الأمر كذلك تبقى المسألة حرباً سياسيَّة لإبراز أنياب الدَّولة وشوكتها، حيث لم يكن للدين يد فيها، وإن كانت قد تمَّت باسم الدين. لكن أبت أنفس فقهاء السلطة التسلطيين في مدينة الأبيض إلا أن يدلِّسوا لنظام الحكم الاستبدادي باسم الدين، وأنشأ أهل هذا النظام التجنيد الإجباري، وأصدروا عقوبات رادعة على من عصى لهم أمراً، وعطَّلوا دراسة الدَّارسين منهم بعدما رفضوا أن يلبُّوا نداء هذه الدعوة الجهاديَّة. هكذا كان الأمر حريَّاً بنا توضيح غسق المعضلة السياسيَّة التي فيها أدخلنا أهل "الإنقاذ"، وأصبح من ليس له عين متبصرة، أو عقل مذكِّر، أو أذن واعية، أصبح كل من ليس له قسط من هذا أو ذاك في تيه حائراً زمناً طويلاً؛ وما تزال ترفدهم جماعة "الإنقاذ" بالمزيد من الارتباك الروحي وهم في شك منهم مريب.
مع العلم أنَّ جبال النُّوبة لم تكن تهامة ولا نجد ولا الحجاز، ولم وتكن الحرب الأهليَّة فيها شبيهة بغزوة تبوك ولا خيبر ولا يوم حنين، ولم تكن المعارك فيها بمثل ما حدث في بدر أو أحد أو القادسيَّة، ومع علمنا بهذا كله، كان المسلمون العرب في شبه الجزيرة العربيَّة يحثون قادتهم الحربيين وجيوشهم الغازية للأمصار إلى الامتثال لبعض قيم الأخلاق الحربيَّة. فعلى سبيل المقاربة – التي قد لا تقوم مقام المقارنة – وصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيش أسامة بن زيد بن حارثة بأن "لا تخونوا، ولا تعدوا، ولا تغلوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً وتحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله، وسوف تمرُّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له."(45) فهل سلم الطفل الرضيع، أو الشيخ المكتهل، أو المرأة العجوز، أو الإنسان المحايد في هذه الحرب الأهليَّة في جبال النُّوبة؟! وهل سلم أولئك الذين وقفوا أنفسهم على العبادة والتفكير في محل إقامتهم، كما نهى الإسلام عن التعرُّض لهم حفاظاً لحريَّتهم الدينيَّة؟! ثم هل سلمت ممتلكات النُّوبة وأنعامهم من النَّهب، حيث أنَّ القوات الحكوميَّة وميليشيات الدِّفاع الشَّعبي كانت تتخذ من هذه الغارات وسيلة للكسب، مهما تعدَّدت أسبابه وأشكاله. كلا! لم يسلم أولئك وهؤلاء أبداً في هذه الحرب التي استمر جيش "الإنقاذ" يقتلون بنيهم داخل الوطن الواحد، الذي صكَّوا آذاننا بأناشيد الوحدة الوطنيَّة الزائفة وآيات الإخوة المزوَّرة. وما تلك الدِّماء التي سالت في جبال النُّوبة – مثلما كانت الحال في جنوب السُّودان وجنوب النيل الأزرق – إلا إيذاناً جهيراً بفشل الوحدة الداخليَّة؛ وما تلك المظالم الاجتماعيَّة وجعل الشَّعب السُّوداني فئات ممزقة بين عرب وأفارقة، وسادة وعبيد، إلا نواحاً على جسد يتمزَّق؛ وما ذلك التمزُّق الفكري بين تكفير وتفسيق إلا تعبيراً صارخاً وحزيناً، بل باكياً على فشل الوحدة الفكريَّة وفشل الحقوق السياسيَّة والمدنيَّة معاً.
عليه، كان لزاماً علينا مراجعة فهم المنظور الفقهي الخاطئ، والتشويه التأريخي الذي لحق ببعض المفاهيم الإنسانيَّة والدلالات الاجتماعيَّة عند أهل السُّودان إبان ذلكم العهد الغيهب، وتركيز بحثنا في الخلفيَّة التأريخيَّة والبعد الواقعي، ومحاولة تجاوز الخلل أثناء تطبيقه على الواقع الراهن. كذلك كان ينبغي علينا التنكر لدور الفهوم والرؤى الخبيثة التي انبثقت من الخطاب الإعلامي الحكومي من أجل تسريع وتفعيل عمليَّة الإبادة العرقيَّة، وبخاصة أنَّ هذه الفهوم كانت تقوم على رؤية ثنائيَّة (دار حرب ودار إسلام). وقد تعدَّدت الدور التي أحدثت انسجاماُ مع واقع مفروض وظروف خاصة في حقبة تأريخيَّة بعينها وموضع جغرافي ذاته، فضلاً عن أنَّ تنوع هذه المسميات لم تكن محل اتفاق جميع الفقهاء عصرئذٍ، مما أحدثت بلبلة سياسيَّة وخلقت طبقات اجتماعيَّة تراتبيَّة لم تكن العدالة أو المساواة في الحقوق والواجبات والمواطنة جزءاً منها. فمن هذه الدور مثلاُ "دار العهد"، و"دار الأمان"، و"دار الصلح"، و"دار الهدنة"، و"دار الفسق"، و"دار الذمة"، و"دار البغي"، و"دار المؤمنين"، و"دار الشرك" وغير ذلك من المسميات التي لا حصر لها. أيَّا كان أمر هذه الدور، فإنَّها موحية بوجود علاقة يحكمها الخيار العسكري لا بين الحكومة وميليشياتها المسلحة من جهة، والحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان من جهة أخرى فحسب، بل بين الأولى ضد الأغيار الذين هم من أهل النُّوبة العزل الذين لا حول لهم ولا قوة. فلم يكن النُّوبة يتربَّصون العداء بالمسلمين لأنَّ هذا ليس بديدنهم، ولأنَّ فيهم من المسلمين الركع السجود، كما أنَّهم لم يقفوا كحجر عثرة في وجه التخالط الأثني الدائم في المنطقة منذ أمد مديد. ففي بلد متعدد القوميات والثقافات والأديان مثل السُّودان فإنَّ النظام السياسي الذي فيه يستطيع أن يتعايش أولئك وهؤلاء هو التساكن في ظل دولة علمانيَّة تدعو إلى حريَّة العقيدة تبعاً لقوله تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف 18/29)؛ وذلك لأنَّ العلمانيَّة تحرر من الكهنوتيَّة بالدرجة الأولى ورفض لكل إرهاب ديني أو أي إكراه عقدي. وهي في جوهرها – قبل أن يلتوي به الفهم العربي الناقص – لا تخرج من مفهوم الآية الكريمة السالفة الذكر.
وفي القرن الخامس عشر عاشت أوربا عصر محاكم التفتيش الكاثوليكيَّة، وكان الناس يتعرَّضون للاضطهاد، أو تحقيق تعسفي لا يقيم اعتباراً للحقوق الفرديَّة بسبب معتقدات دينيَّة مخالفة، أو آراء سياسيَّة، أو اكتشافات علميَّة لم يكد رجال الدين الكاثوليكي يستسيغونها أو يقبلونها. ولكن قد خطا العلم في الأزمنة العصريَّة خطوات واسعة. فاستُبدلت النظريات القديمة بنظريات جديدة أو المفاهيم البالية بأخرى حديثة. وما كان يُقبل كواقع في الماضي صار يُعتبر اليوم خرافة. لذلك غالباً ما يلزم تنقيح الكتب العلميَّة. فقد شاعت في الأزمنة القديمة معتقدات خاطئة كثيرة. وتفاوتت الآراء بشأن الأرض مثلاً، فمنهم من قال إنَّ الأرض لتحملها أجسام ومواد ملموسة، ومنهم من قال إنَّها لمسطحة. ففي شتاء العام 1609-1610م أدار عالم الفلك الإيطالي غاليلو غاليلي (1564-1642م) التلسكوب – الذي اكتشفه حديثاً – نحو السموات، ومن ثَمَّ اكتشف أربعة أقمار تدور حول كوكب المشترى. وكان ما رآه قد أحدث ارتباكاً في المفهوم السائد بأنَّ كل الأجسام السماويَّة ينبغي عليها أن تدور حول الأرض. ومن قبل كان عالم الفلك البولندي نيقولاوس كوبرنيكوس (1473-1543م) قد قال بأنَّ الأرض وسائر الكواكب السيارة تدور حول الشمس وحول نفسها، الشيء الذي أثبته غاليلو كحقيقة علميَّة. لكن بالنسبة لرجال الدين الكاثوليكيين فقد اعتُبِروا هذه الاكتشافات العلميَّة، التي تتعارض مع المعتقدات المسيحيَّة، هرطقة، حيث اعتقد رجال الكنيسة أنَّ الأرض هي مركز الكون، وذلك مما أُتيح لهم من الفهم حول تفسير بعض الآيات الكهنوتيَّة. وأمام محاكم التفتيش الكاثوليكيَّة، التي نشطت في روما (وبخاصة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر) مهمتها اكتشاف الهرطقة ومعاقبة الهراطقة، تعرَّض غاليلو لامتحان عسير، وأُجبر على أن يتخلى علناً عن استنتاجاته، وقضى بقيَّة حياته تحت الاعتقال المنزلي. ولم تتم تبرئة ساحة غاليلو إلا العام 1992م، حين أقرَّت الكنيسة الكاثوليكيَّة بصحة اكتشافاته العلميَّة. وكان غاليلو معترفاً بصحة الكتاب المقدس، لكنه كان يصر على أنَّ الخطأ يكمن فيما وقع فيه المفسِّرون الدينيُّون، الذين كانوا يصرون على أنَّه ينبغي أخذ التعابير الإنجيليَّة عن الأرض حرفيَّاً. ودونكم وفتوى هدم التماثيل في أفغانستان، وفتوى المطرب الكويتي عبد الله الرويشد والدعوة إلى قتله بدون استتابته، وبحث أنصار الرئيس الأندونيسي عبد الرحمن واحد في إمكانيَّة إهدار دم خصومه المتمرِّدين على نظامه، كل هذه الفتاوي تعتبر عبثاً فقهيَّاً يخلق أذى لا حدود له بالمسلمين قبل غيرهم في كل مكان وزمان. إذ يحتار المرء ما الذي يمكن أن يحدث لولا أنَّ بعضاً من علماء السعوديَّة والكويت نفوا ما نُسِب إلى الرويشد، ولم يروا فيما فعله ازدراء ولا سخريَّة، ومن ثَمَّ بُرِّئت ساحته من تهمة الزندقة، وهدأت الزوبعة التي استمرَّت تفاعلاتها مدة أسبوع تقريباً، وعاد الرَّجل إلى أهله يتمطَّى، وإلى بيته الذي ظلَّ فيه تحت الحراسة الأمنيَّة كما ذكرت الصحف. ويذكر الكاتب المصري فهمي هويدي أنَّه حين يدقِّق المرء في ملابسات تلك الفتاوي يجد أنَّ إطلاقها تأثَّر بأحد عوامل ثلاثة: قلة المعرفة بالدِّين، أو قلة المعرفة بالواقع، أو التسرع في الحكم.(46) ولولا نؤثر الإيجاز ونحرص عليه لروينا لك أمثلة كثيرة في بلاد المشرق والمغرب، ووضعنا يدك على مواضع كثيرة فيها استغلَّ رجال الدين تأويلاتهم العقديَّة وتفسيراتهم الشخصيَّة في الوقوع بالخصوم السياسيين، والعلماء المكتشفين، والفلاسفة الاجتماعيين؛ هذا التعصب الذي يرمون به أصحاب الملل الأخرى. ولكننا نكتفي بهذا القدر اليسير، فقد ضربنا المثل. ويُخيَّل إلينا أنَّا وضَّحنا وبيَّنا وأزلنا الحجاب عن كل ما نريد أن نقوله في موقفنا بإزاء استغلال الدين في الخصومة ومظاهرها وأعراضها وآثارها السياسيَّة، وفي هذا النحو من أنحاء الحياة العلميَّة.
هكذا بات استخدام الدين في السياسة آفة للدمار وخراب للديار. أفلم يعلم هؤلاء الحكام المتغطرسون وتنابلة السلطان في السُّودان، الذين وصفهم حبيب شامي ب"تجار الكهنوت والبنكنوت (Banknotes) – أي تجار الدين والعملة – والإغاثة الإجراميَّة، الذين لا يخافون الله ولا يحكمهم ضمير؟! أفلم يعلموا أنَّ غفريل (جبريل) حبيب شامي كان مسيحيَّاً وعضواً في لجنة الجامع بمدينة الدلنج؟! حيث كان يطوف مع إمام الجامع لجمع التبرعات من أجل هذا الجامع، وكان يحتفل بعيد رمضان وعيد الأضحى وعيد الفصح وعيد الميلاد وسبر اللوبيا وسبر الجداد (الدجاج) في تناغم اجتماعي حلو الألحان؛ وقد وصى أبنه حبيب قائلاً له: "أريدك أن ترثني في كل شيء إلا الدِّين، هذا أريدك أن تبحث عنه، وأن يكون خيارك واختيارك."(47) وفي الحق، اختار حبيب شامي الإسلام بعد أن غاص وتعمَّق وبحث في الأديان كلها أجمعين أكتعين. ثم نقفز إلى مصر، حيث حاول الإنكليز أن يحدثوا شرخاً في البنية السياسيَّة المصريَّة عقب الثورة المصريَّة العام 1919م، فادَّعوا أنَّهم حماة الأقليَّة القبطيَّة المسيحيَّة من تغول الأغلبيَّة المسلمة. وقد عرف أهل مصر كافة أنَّ الاستعمار يريد أن يوقع بينهم في البغضاء والضراء، وخرج المسلمون والمسيحيُّون كلهم أجمعون أبتعون يجوبون شوارع القاهرة، ويندِّدون بالاستعمار، ويتغنَّون بالوحدة. تلك كانت تظاهرة ضخمة لشعب عظيم، وقد حمل شيخ الأزهر الصليب، وحمل كبير الأساقفة القبطي الهلال، وساروا جنباً إلى جنب، وهم يردِّدون: "الهلال يقبِّل الصليب" و"معاً على الصليب (في) الطريق". وقد أنشد الشاعر المصري أحمد شوقي في هذه المناسبة:
الدِّين للديَّان جلَّ جلاله لو شاء ربُّك وحَّد الأقواما
وكما اُستغل الدين في السياسة تمَّ استغلاله في الحياة الاجتماعيَّة كذلك. أفلم تروا كيف ترَّبص عبد الرحمن بن ملجم المرادي – زعيم الخوارج – بالإمام علي بن أبي طالب، وقتله بسيف مسموم في 17 رمضان بدافع الحرص على دين الله بعد أن اتَّهم الخوارج علي بن أبي طالب بالكفر؟ بلى! فقد تم الاكتشاف فيما بعد أنَّ دافع القتل هو أنَّ عبد الرحمن وقع في عشق فتاة من تيم الرباب اسمها قطام، وكانت على مذهب الخوارج، وفقدت والدها وشقيقها وعمها في المعركة التي خاضوها ضد الإمام علي بن أبي طالب، ولذلك اشترطت على كل من يريد الزواج منها رأس علي بن أبي طالب مهراً لها. كما اشترطت ثلاثة آلاف من الذهب وخادم وجارية يخدمانها؛ وفي ذلك أنشد الشَّاعر وهو يتحدَّث عن مهر قطام:
ولم أر مهراً ساقه ذو سماحة كمهر علي من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بالحسام المسمَّم
ولا مهر أغلى من علي وإن علا ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
فإنَّ ادِّعاء عبد الرحمن بن ملجم أنَّه غيور على دين الله وهو يقتل الإمام علي من أجل مهر قطام دليل على أنَّ الدين أي الدين دوماً ما يتخذه المجرمون العتاة للحصول على مآربهم في الحياة الدنيا، وهم فيما فيهم من خطايا يتحمَّسون لتطبيق الشريعة السماويَّة على الأغيار. فقد رأينا كيف جاء موكب من أدعياء الحماس الديني لتطبيق شريعة التوراة التي نزلت على النبي موسى عليه الصلاة والسَّلام، وجاء الموكب يسوق امرأة ضعيفة ويتَّهمها بارتكاب جريمة الزنا، وطلب من المسيح عيسى بن مريم تعضيد تطبيق حد الزنا عليها، وهو القتل رجماً بالحجارة. بيد أنَّ الخطاب الديني للمسيح عليه الصلاة والسَّلام قصد إرجاع الأمر إلى نفوس أدعياء الحرص على الفضيلة فقال لرجال الموكب الحماسي: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". فبُهِت القوم، ورجعوا إلى قواعدهم وهم يتلاومون. يمكننا أن نذهب مذاهب شتى في سرد أمثلة عديدة لاستغلال أهل الدنيا للدين – أي دين – في السُّودان خاصة وفي العالمين الشرقي والغربي عامة، ولكن نكتفي بهذا القدر.
إزاء هذه التجاوزات في حقوق الإنسان في جبال النُّوبة – وبصورتها المروعة والمفزعة – قادتنا الحال إلى التساؤل الآتي: ما هو الشر، ومن أين يأتي دوماً؟ وللإجابة على هذا التساؤل اطَّلعنا على ما قام به البروفسير فيليب زيمباردو من دراسة سيكولوجيَّة مثيرة للجدل بعنوان "تجربة السجن المعياريَّة" العام 1971م. وكان الغرض من القيام بهذه الدراسة التعرُّف على المسبِّبات التي تجعل الإنسان العادي يقوم بأعمال سيئة تقشعر منها الأبدان. وقد نشر نتائج تجاربه في كتاب يحمل عنوان "عنصر الإبليس" (The Lucifer Effect). وتتلخَّص "تجربة السجن المعياريَّة" في وضع 24 طالباً جامعيَّاً هم في صحة جيِّدة في سجن صوري، وتقسيمهم إلى سجان وسجناء. إذ كان من المفترض أن تستمر التجربة لمدة أسبوعين، ولكن بعد تمرُّد السجناء، اضطرَّ السجان إلى استخدام أساليب عقابيَّة تثير الصدمة، مما أدَّى إلى توقف التجربة بعد ستة أيَّام فقط. فقد بدأ السجان في مشاكسة السجناء، وحرمانهم من الطعام والنوم، ورشهم بالمياه من خراطيش مطافئ الحريق، وكان يزداد الوضع سوءاً يوماً بعد يوم، حتى صار السجان يقبلون على ممارسات جنسيَّة منحطة. إذ بات السجان يتصرَّفون بساديَّة مفرطة، وأخذوا يستمتعون بأسلوب سحق السجناء. وفي نهاية الأمر، توصَّل البروفسير زيمباردو إلى نتائج مفادها أنَّ هذا السلوك الشرير تسبِّبه عوامل وضعيَّة، بحيث لا يستطيع البعض مقاومتها. بيد أنَّنا نحب أن نؤمن بأنَّنا نتصرَّف بعزيمة حرة، إلا أنَّ "تجربة السجن المعياريَّة" وبعض البحوث السيكولوجيَّة الأخرى يمكن أن تغيِّر سلوك الناس عن طريق الظروف، وغالباً بطرائق لم تخطر على بالهم. بيد أنَّ "تجربة السجن المعياريَّة" لم تخل من الانتقادات في نتائجها وقيمتها الأخلاقيَّة.
ومن جانب آخر، قام البروفسير ستيفين رايكر من جامعة سينت أندروز في فايف بإسكوتلاندا بتجربة مثيلة عن السجن مع البروفسير ألكس حسلام، وأُذِيعت نتاج تجربتهما في هيئة الإذاعة البريطانيَّة العام 2002م، حيث تعارضت نتائجها مع بحث "تجربة السجن المعياريَّة". إذ اقترح زيمباردو أنَّه حين تضع الناس في مجموعة وفي ظروف قاهرة، وتمنحهم سلطة، فإنَّهم سرعان ما ينحدرون إلى الدرك الأسفل، ويتصرَّفون بصورة ديكتاتوريَّة. وفي هذا نرى أنَّ النَّفس الإنسانيَّة كالغدير الراكد، لا يزال صافياً رائقاً حتى يسقط فيه حجر فإذا هو مستنقع كدر. إلا أنَّ البروفسير رايكر قد جادل أنَّه لا يفقد الناس مقدرتهم على التمييز حين يكونوا في مجموعة. وإنَّهم باستطاعتهم اتخاذ الخيارات المتاحة لهم، وليس هناك ثمة شيء يعفي الأشخاص من مسؤولياتهم الفرديَّة، لكن علينا أن ندرك كيف تتعرَّض المسؤوليَّات الفرديَّة للخطر. إذن، علينا أن نسأل أنفسنا وغيرنا: هل كان جلادو وزبانية النظام "الإنقاذي" في جبال النُّوبة يعبِّرون عن "التفاح الفاسد" (Bad apples)، أم كانوا في "برميل فاسد" (Bad barrel)، أي بأسلوب آخر – هل كانوا أفراداً فاسدين تقع عليهم المسؤوليَّة الفرديَّة فيما اقترفوا من جرائم ضد الإنسانيَّة وجرائم حرب والإبادة الجماعيَّة، "وكل نفس بما كسبت رهينة" (المدثر 74/38)، أم أنَّهم كمجموعة يتحمَّلون كلهم أجمعون أكتعون ما اقترفت أيديهم؟ وإذا دعا الأمر إلى تطبيق حكم القضاء العادل والقصاص ينبغي أخذ الأمر إلى أعلى الهرم السُّلطوي – أي الجنرالات والقيادات التي دشَّنت هذه السياسات، وسنَّت هذه القوانين، وأعطت الموافقة الضمنيَّة لتقرير "الأسلوب الأمثل" الذي ينبغي أن يتبعه أهل النُّوبة، كما زعم أولو السلطة. وإنَّ الذين لاذوا بالصَّمت – من عملاء النظام - في هذه الظروف العصيبة حفاظاً على أرواحهم لمذنبون لعدم اتخاذ أي إجراء لوقف هذا العمل غير الإنساني وسط رفقائهم الساديين. ولكي يتجرَّد الإنسان عن حب الحياة والنَّفس الأمارة بالسوء، عليه ألا يكون محوريَّاً ذاتيَّاً (Egocentric)، بل عليه أن يمسي محوريَّاً اجتماعيَّاً (Sociocentric)، بحيث يضع الأولويَّة في رفاهيَّة الآخرين، والاهتمام بالمبادئ. إذن، ما الذي يجعل الناس أشراراً؟ إنَّ الذي يجعل البشر أشراراً يمكن حصره في الآتي:
الملل والسأم.
التنكُّر، بحيث يعتقد الجاني بأنَّه لا يمكن أن يمثِّل نفسه أمام القضاء.
تجريد الأغيار من الإنسانيَّة، واعتبارهم دون البشر وإنَّهم لأعداء فقط.
تعميم المسؤوليَّة: ففي حال المجموعة يبدأ الناس في فقدان "بوصلة الأخلاق"، ويعتقدون أنَّهم سوف لا يمثِّلون أنفسهم أمام القضاء.
الطاعة: يتم تدريب أغلب النَّاس على طاعة السُّلطة طاعة عمياء، لكن علينا أن نفرِّق بين السُّلطة العادلة وأخرى جائرة.
السُّلطة: إنَّ السُّلطة لتفسد، والسُّلطة المطلقة تفسد مطلقاً؛ وللسلطان عزة لا تبالي بعهد ولا وفاء.
وفي هذه الأثناء لا نطلب من النَّاس أن يعتقدوا كما يؤمن دعاة "كنيسة العلمولوجيا أو السيانتولوجيا"، وهي حركة دينيَّة علميَّة تؤكِّد على دور الروح أو طاقة الحياة في الكون المادي. ويعتقد معتنقو هذه الديانة أنَّ البشر قد جيء بهم إلى الأرض منذ 75 مليون عاماً. وتؤكِّد تعاليمهم أنَّه كان هناك أمير حرب شرير يُدعى زينو، والذي قام بحشر 135 تريليون شخصاً من كوكب المجرَّة وقذف بهم في هاوية بركانيَّة في الأرض؛ ومن ثَمَّ بخَّرهم بالقنابل النوويَّة، ثمَّ التصقت الأرواح المشعة، أو الشياطين، بالإنسان، وهي تمثِّل جذور مشكلاتنا الخاصة والعالميَّة. ولكي ننقذ أنفسنا من الشياطين الشريرة، كما يزعم السيانتولوجيُّون، ينبغي إكمال عدة مستويات في "العمليَّة الشيطانيَّة". وقبيل أن يتم استيعابنا في حجرة "العمليَّة الشيطانيَّة" يجب علينا إكمال "العمليَّة الطهرانيَّة"، وهي عمليَّة شاقة في إزالة السموم. والجدير بالذكر أنَّ السيانتولوجيين لا يتناولون العقاقير الطبيَّة بتاتاً، ويعارضون الطب النفسي، ويؤمنون أنَّ الأطفال ينبغي أن يُولدوا دون صراخ لتجنيب تعرُّض الطفل للتعذيب. بيد أنَّ "شهود يهوه" يؤكِّدون أنَّ الإنسان يمتلك كل ما يمكن أن يجعله عطوفاً رحيماً بدلاً من أن يكون قاسياً. لكنهم يتساءلون عن مسبِّبات التجاوزات، وعمَّ يجعل الناس قساة غلاظاً؟ وهل يمكن أن يتغيَّر أولئك الذين يعاملون الناس بقسوة؟ وهل يمكن أن تنتهي القسوة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، كيف ومتى؟ إذ يزعم شهود يهوه أنَّ الأنانيَّة هي العامل الأساس لتأجيج القسوة في العالم اليوم، فهناك من يقدم على عمل أي شيء لشق طريقه، وغالباً ما تنتج عنه أعمال وحشيَّة، وينطبق هذا على الأفراد والأمم على السواء. وهناك من الأفراد من يستمتع بتعذيب الغير وبه يتلذَّذ، بادئاً بالتأثير النَّفسي. والعنف له علاقة بالثَّقافة الاجتماعيَّة، حيث يتعلَّم الناس أن يتفاعلوا بعنف حين تساعد البيئة الثقافيَّة على ذلك وتشجعه. بيد أنَّ شهود يهوه يجدون تعليلاً روحيَّاً لظاهرة العنف ومن هو وراءه. وبالطبع، كما هي الحال عند أهل الدين أي دين، يرمي شهود يهوه باللوم على الشيطان ونفوذه بعد طرد سيدنا آدم وزوجه حواء من الجنة. ثم يضيفون أنَّه قبل 16 قرناً ظهرت ملائكة متمرِّدة وقامت بعلاقات جنسيَّة مع النساء وأنتجت جنساً هجيناً يُسمى "نيفيليم"، وكما يتضح من الاسم فإنَّه يعني المصارعين – أي الذين يصرعون الآخرين، وكانوا أفراداً عنيفين وقد جلبوا الوحشيَّة وعدم الأخلاق للبشريَّة. وبما أنَّ فيضان نوح عليه الصلاة والسَّلام قد دمَّر ال"نيفيليم"، إلا أنَّ آباءهم قد مضوا إلى مملكة الروح والشياطين غير المرئيَّة. أيَّاً كان من أمرهم، فإنَّما تركت لنا هذه القصة صورة هي إلى الأساطير أقرب منها إلى أي شيء آخر.
مهما يكن من شأن أولئك وهؤلاء، فإنَّ الصراع الذي جرى في جبال النُّوبة بين الدولة – التي عجزت عن مجابهة الجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان – ووجهَّت قواها العسكريَّة ضد المواطن النُّوباوي باسم الدين لم يطل الدين كمعتقد ينظِّم العلاقة بين الله والفرد، وإنَّما جرى على أساس حظر حريَّة الآخر من ممارسة حقه السياسي والاجتماعي من قبل السُّلطة التي فرضت شكل ومضمون قهرها عن طريق الإحالة إلى المرتكزات الدينيَّة لها وإعطاء قهرها الاجتماعي طابعاً مقدَّساً باستخدام الدين كسلاح أيديولوجي لتعبئة أدواتها الهجوميَّة ضد خصومها السياسيين، وضم الرأي العام في هذه الأدوات. إنَّ تأريخ الإسلام ليبين بوضوح أنَّ الحروب الدينيَّة هي حروب سياسيَّة واجتماعيَّة ارتدت طابعاً دينيَّاً. كان ذلكم هو العهد الذي فيه ظهر أيديولوجيُّون في السُّودان ينظِّرون للاستبداد الديني، وينظِّرون للمحافظة على استمراريَّته ولتبعيَّة الحاكم العسوف وطاعته. فهل كان السُّودان على وجه العموم والنُّوبة على وجه الخصوص في حاجة إلى جهاز أيديولوجي يبرِّر استبداد الدَّولة السياسي واصطباغه بالصبغة الدينيَّة وممارسة الإرهاب الفردي والمجتمعي باسم الإسلام؟! كلا! ففي بادئ الأمر أنبتت دولة "الإنقاذ" حكومة طلعها كأنَّه رؤوس الشياطين، وفي قارعة الطريق باتت آلة حربيَّة نهمة وقودها الناس، وفي نهاية الأمر غدت معضلة سياسيَّة أصبح التخلُّص من ضراوتها أملاً بهيجاً يسعى إليه طلاب الحريَّة سعياً حثيثاً. وقد صرف أهل النُّوبة وغيرهم بالفعل سنيناً طويلة دامية لتقليم أظافرها، وخلع أنيابها، وقطع ألسنتها، ومرت سنوات قبل أن يصلوا إلى منطقة وسطى، بل - إن صح هذا القول مطرداً - إنَّهم لم ينجحوا نجاحاً مؤزَّراً، وإنَّما أفلحوا في إيجاد وضع يسمح لهم بالمشاركة في الحكم، ويضعهم في دور الشريك، لا دور المهمَّش المذلول، كما سنرى لاحقاً.

Post: #88
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 03:12 PM
Parent: #87

الدكتور عمر مصطفى شركيان النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (4) ... بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان
النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (4) ... بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان طباعة أرسل إلى صديق
الجمعة, 01 أيار/مايو 2009 13:53

[email protected]




في سبيل السَّلام في جبال النُّوبة



لا مريَّة في أنَّ لكل مآلات بدايات، إذ تعود بداية محاولات السَّلام في جبال النُّوبة إلى تأريخ اعتلاء أهل "الإنقاذ" على المسرح السياسي في السُّودان، والذي كان أول ما فعلوه - حين ظهورهم وبروز ملامحهم الانقلابيَّة - أن جمعوا أشتاتاً من أبناء النُّوبة من ضعاف النفوس، والمؤلفة قلوبهم، وممن فيه مصدر من مصادر التقاعس الذهني الذي يحرم صاحبه من ميزة المقدرة على تجريد الأمور منطقيَّاً، وجيء بهم إلى دور إذاعة أم درمان أولاً ثم إذاعة "نداء الجهاد" في كادقلي ثانياً، وشرعوا يبثون عبر الأثير أقوالاً منتقاة من أجل التأثير على إخوانهم وأبنائهم وبناتهم المنضوين تحت لواء الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، علَّهم يخلعون لبوس الحركة وينضمُّون إلى نظام "الإنقاذ". وتحت شعارات "الإنقاذ" المنادية بالتأصيل كان يرى قادة السُّودان الجدد أنَّ أيَّة محاولات للسَّلام التي يمثل فيها الأطراف الإقليميُّون دور الوسيط عبارة عن فضول من الأجانب في الشؤون الداخليَّة السُّودانيَّة، ولذلك اعتبروا هذا النمط من السَّلام قادم من الخارج، مع العلم أنَّه في نهاية الأمر جاء اتفاقيَّة السَّلام الشامل العام 2005م بعد وساطة إقليميَّة وضغوط دوليَّة كما سنبين في فصل آخر من هذا البحث. لكن، وفي الحق، فإنَّ مفهوم "السَّلام من الداخل" ومصطلحات أخرى مثل "الخوارج" و"الطابور الخامس" هي عبارات مطاطة حملت في أطيائها بواعث الفرقة والشتات، والتهم الجائرة، وتصنيف الشعب حسب أهواء الحكام كيفما حلى لهم ذلك، حتى يتم إشباع رغباتهم العنصريَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.



إذن، ما الذي يجعل مشروع "السَّلام من الدَّاخل" هراء؟ إنَّ الجدير بالذكر أنَّ مبادرات الحكومة الإعلاميَّة لم تكن نابعة عن إيمان عميق بالسَّلام نفسه. ففي بعض الأحايين كان أعضاء الوفود يُرغمون على الانخراط في هذه المهزلة عسراً، وذلك بالابتزاز في وظيفته أو أسرته، أو الإغواء والارتشاء بالمال. وفي هذا الصدد يورد السيد لينو رول - الأمين العام للمجلس الأعلى للسلام - "أنَّ هنالك طرق عديدة لتحقيق السَّلام مع المتمردين (الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان)؛ فيمكن لكل قبيل توجيه نداء لأبنائه لسحبهم من التمرُّد حتى يتجرَّد التمرُّد من المصداقيَّة".(48) ولسنا ندري أين كان داعية السلام الجديد هذا عندما حاولت حكومة "الإنقاذ"، دون جدوى، هذه اللَّعبة منذ الوهلة الأولى؛ وجاءت برجال من قبائل النُّوبة والجنوب المختلفة إلى إذاعة أم درمان الحكومية، وشرعوا في توجيه نداء، معد من قبل الحكومة، لأبنائهم في الحركة بلغاتهم المحليَّة – كم أسلفنا ذكراً – عساهم ولعلَّهم يضعون السِّلاح ويذعنون إلى أكاذيب النِّظام. مهما يكن من شأنهم، فقد كسدت هذه التجارة وحصدوا يباباً. وفي هذه الأثناء حشد النظام كذلك ثلة من أبناء النُّوبة - وبخاصة المسلمين منهم وممن توسم منهم خيراً - في اجتماعات دوريَّة انتهت إلى تكوين "هيئة جبال النُّوبة الإسلاميَّة للتنمية والإرشاد" (ملحق رقم (16))، وأمست هذه الهيئة بوقاً إعلاميَّاً للجَّبهة القوميَّة الإسلاميَّة المنحلة رسميَّاً والحاكمة فعليَّاً.



فأين نبعت فكرة "السّلام من الداخل" في السُّودان عامة وجبال النُّوبة خاصة؟ جاء النظام "الإنقاذي" بمعزوفة "السَّلام من الدَّاخل" بعد أن فشلت حملاته العسكريَّة في القضاء على الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في جبال النُّوبة. ولكن عن تداعيات وجذور هذا الشعار والسعي لتحقيقه في جنوب كردفان استعنا بتأليف العميد ركن (م) محمد الطيب فضل، أي كتاب "كادقلي ومسيرة السَّلام (1991-1992م)".(49) ولكن في الكتاب ثمة متناقضات كثيرة بين الدعوة إلى السَّلام وإعلان الجهاد، ولذلك أخذنا مما في الكتاب ما ينفع الناس وقذفنا بالباطل بعيداً بعد أن فنَّدنا أوجه الباطل فيه. فبينما ركَّزت الدعوة إلى السَّلام على إقليم جنوب كردفان فقط، ادعى المحافظ أنَّ الجهاد كان استنهاضاً للإثارة الشعبيَّة والتصعيد العسكري. ففي مؤتمر صحافي في الخرطوم يوم 8 كانون الأول (ديسمبر) 1992م قال العقيد المحافظ محمد الطيب فضل: "إنَّنا أعلنا الجهاد لأنَّ الحركة الشعبيَّة تواجه ضعفاً وانقساماً، وانتهزنا هذه الفرصة لكي نوجِّه لها ضربة قاضية." وكذلك كان من أهداف شعار "السَّلام من الداخل" محاولة الدولة تجزئة الحركة الشعبيَّة بإبعاد النُّوبة عن الحركة بهذا السلام الجزئي المنشود في الإقليم الذي كانت الحكومة تسعى إليه مهما يكن من الأمر. وفي الحين نفسه اتبعت الحركة الشعبيَّة في جنوب كردفان إستراتيجيَّة بعينها كان الهدف منها إطلاق سراح أهل النُّوبة المعتقلين في تهم الانتماء إلى الحركة الشعبيَّة "الطابور الخامس"، ووضع حد للتصفيات الجسديَّة التي كانت تتم وسطهم، والسماح لمواد الإغاثة الدوليَّة بالوصول إلى مناطق الحركة الشعبيَّة بجبال النُّوبة. هذا هو التباعد في الرؤى الذي اتصفت بها لقاءات ممثلي الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشعبيَّة في جنوب كردفان. ومن خلال سير المحادثات، كما سنرى تباعدت هذه الرؤى أكثر فأكثر، وفي نهاية الأمر فشل المشروع بأكمله.



أيَّاً كان من أمر رؤى الطرفين، فقد بدأت محافظة كادقلي تحت قيادة المقدم – حينئذٍ – محمد الطيب فضل بتحديد مشكل إنسان جنوب كردفان - والذي ادَّعى أنَّه يختلف تماماً عن إنسان جنوب السُّودان - في البحث عن التنمية الشاملة، والمساواة والعدل وحرية الأديان، والحقوق الضائعة من خدمات التعليم والصحة، والمشاركة في السلطة السياسيَّة والتوزيع العادل للثروة القوميَّة، والاحتياجات الأساسيَّة كالمأكل والمشرب والمسكن والملبس والعمل وغيرها. هذا، فقد أقرَّ المقدم فضل أنَّه "توالت أحداث كثيرة ومحافل كبيرة حاول أبناء جنوب كردفان أن يعرضوا فيها قضيَّة منطقتهم، ولكن لم يجدوا من يستمع إليهم بإمعان وذهبت كل مجهوداتهم أدراج الرِّياح؛ أو نقول بتعبير أدق، لم تجد قضيَّة جنوب كردفان المعالجة الشافية شأنها شأن كل قضايا التخلف في السُّودان." ومع ذلك، نحن لا نرى اختلافاً واحداً بين المشكلات إياها التي تواجه إنسان جبال النُّوبة وتلك التي يعاني منها الإنسان في جنوب السُّودان، بل في الغرب ومناطق السُّودان المهمَّشة الأخرى. وقد فشل سيادة المقدم في تحديد – بصورة أوضح - أوجه الاختلاف الذي أشار إليه إشارة عابرة. وكذلك اعترفت حكومة كادقلي بأنَّ استخدام عبارة "الطابور الخامس" في القاموس السياسي في السُّودان حال دون بلوغ السَّلام، ولكن الاعتراف شيء، والتطبيق شيء آخر. فلم يُوقف هذا الاعتراف أساليب الاستخبارات العسكريَّة وأجهزة الأمن الأخرى في الاعتداء على المواطنين المشتبه فيهم بدعم الحركة الشعبيَّة، ولم تطلق الحكومة سراح المعتقلين السياسيين من أبناء النُّوبة كبوادر لحسن النوايا، ولم يتوقف التعذيب والتصفيات الجسديَّة في حق أولئك وهؤلاء أبداً. ولكن أصدق عبارة سطَّرها في سفره العميد ركن (م) محمد الطيب فضل تتجلى في قوله: "جئت للحكم كمحافظ لمحافظة كادقلي في معيَّة الطبقة المسلمة من أبناء بلدي؛ وكنت اعتقد أنَّ الذين انتسبوا للإسلام من أبناء وطني هم أقرب للحق والعدل، وهم أكثر الناس مخافة من الله ويوم الحساب، ولكن التجربة العمليَّة أبانت غير ذلك بالنسبة للبعض." واستطرد سيادة العميد أنَّه "لا يجزم مطلقاً بأنَّ الذين قصدوا جنوب كردفان في ذلك الزمن كانوا على قدر من المعرفة والفهم للقضيَّة، ولا نقر أبداً بأنَّ كل الذين حكموا جنوب كردفان كانوا على قدر من الوطنيَّة والعدالة والأمانة والإخلاص؛ ولذلك ظلَّ الإحساس بوجود استعمار من نوع آخر ملازماً لأهلنا في ذلك البلد الطيب."



أما حصول السلطات الحكوميَّة على دستور تنظيم "رابطة جبال النُّوبة" ففي الأمر ألف حكاية. فقد زعم العميد فضل أنَّه في أمسيَّة 29 كانون الأول (ديسمبر) 1991م اتصلت به "مجموعة مخلصة" من أبناء كادقلي عن طريق وحدة استخبارات اللواء الثاني مشاة بقيادة ملازم أول أحمد حامد، وأفادت هذه المجموعة المخلصة – أو زعمت – بأنَّها تمثِّل قيادة التنظيم الداخلي للمتمرِّدين، وأنَّها قرَّرت أن توقف نشاطها وتحل خلاياها، وأكَّدت أنَّها مسيطرة على الذين يحملون السِّلاح من أبناء المنطقة، ويمكن أن تقرِّر عودتهم. كما ذكرت هذه المجموعة المخلصة أنَّ النظام السياسي الحالي والنظام الفيديرالي يجيبان على كثير من تساؤلاتها، لذلك تنوي العودة للوطن والمشاركة في مسيرة العمل الوطني والبناء والتعمير. ولتوفير الثقة والضمانات، إنَّها تود إعلان هذا الأمر في مؤتمر جامع، وتُبث ذلك للرأي العام، وكذلك ذكرت أنَّ قيادتها سوف تجتمع في كادقلي في أمسيَّة الجمعة 3 كانون الثاني (يناير) 1992م. ولثقتهم المتوفِّرة في شخص المقدم – وقتئذٍ - فضل، قدَّموا له الدستور المنظِّم لحركة أبناء جبال النُّوبة، وقوائم بأسماء الخلايا بكادقلي، الدلنج، الأبيض، كوستي، مدني، الخرطوم وبورتسودان، وكذلك دفاتر تحوي أسماء كل أبناء النُّوبة في الداخل والخارج والمنضوين تحت لواء هذا التنظيم "الصخرة السوداء". ولا نظن – الظن الذي يصل إلى اليقين - أنَّ هذه المعلومات قد تبرَّعت بها المجموعة المخلصة إياها طواعياً، وأكبر الظن أنَّ السلطات قد تحصَّلت عليها عبر الاختراق الأمني، ومن خلال التحقيقات والتعذيب بواسطة أفرع الأجهزة الأمنيَّة المختلفة، بما فيها الاستخبارات العسكريَّة نفسها. وكذلك هنا تجدر الإشارة إلى المصطلحات التي استُخدِمت في غمرة هذه الحرب الأهليَّة. فكيف يستقيم الحديث عن "التنظيم الداخلي للمتمرِّدين" و"العودة للوطن"! وأي وطن يعودون إليه ماداموا هم أصلاً مقيمين داخل هذا الوطن! حتى ما كان يسمى ب"الخوارج" في جنوب كردفان فلم يكونوا خارج السُّودان. ومن جانب آخر، إذا كان هذا التصنيف يعني وضع هؤلاء المتمرِّدين في فسطاط آخر فمن ذا الذي يستطيع أن يؤكِّد أنَّ الفسطاط الأول الذي يمثِّل العروبة والإسلام محل إجماع السُّودانيين كافة حتى أولئك الذين لم يخوضوا الحرب، أو أولئك الذين لم يعبِّروا عن رفضهم لهذه الهُويَّة المزعومة المفروضة بالعصيان المدني. أما مسألة إعلان أمر "المجموعة المخلصة" إياها "في مؤتمر جامع، وبث ذلك للرأي العام" فهذه فبركة "إنقاذيَّة" اعتاد النظام "الإنقاذي" عليها لإشباع رغبته في التضخيم الإعلامي. وقد اصطكت الحكومات السُّودانيَّة آذاننا بهذه الافتراءات في أي وقت فيه تعلن ما يسمى ب"المؤامرة العنصريَّة"، وتستخدم مفردات مثل: "الزنوج الأحرار"، و"نحن كادقلي"، و"الصخرة السوداء" وهلمجرَّاً، لا لشيء واقع إنَّما لإثارة الفتنة وإيقاظها من خلال الأجهزة الأمنيَّة ومؤسسات الدولة، والتصايح بأنَّ الدولة لديها من الوثائق ولسوف تكشفها للرأي العام في الوقت المناسب، دون أن نرى من هذه الوثائق شيئاً. ثم ارتأى النظام أنَّه بمثل هذه الأحاديث غير الصادقة يستطيع أن يملك ناصية الدعاية السياسيَّة، ويقود حرباً نفسيَّة ناجحة ضد الجيش الشعبي، ويوفِّر مادة للتوجيه المعنوي للقوات المسلَّحة.



وفي سبيل التصعيد العسكري والسياسي وتديين الحرب الأهليَّة في جبال النُّوبة أعلنت السلطات الحكوميَّة في محافظة كادقلي "الجهاد" في يوم الجمعة 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1991م، وسيَّرت مسيرة تأييد جماهيريَّة لهذا الإعلان في يوم الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1991م. ومن بعد، صُدِرت ثلاثة قرارات رئاسيَّة (9، 10، 11) دعماً لهذا العبث السياسي باسم الدين في يوم الخميس 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1991م، والخاصة بتكوين الهيئة العليا لدعم الجهاد بمحافظة كادقلي، وتكوين وفد إعلامي (وفد الدعوة والدعاية) لنقل إعلان الجهاد من المحافظة إلى الجهات الرسميَّة والشعبيَّة، على التوالي. إذ لم تستطع المبرِّرات، التي صاغتها الحكومة في كادقلي بأنَّها "أعلنت الجهاد لتفعيل دور المواطنين، وكسر شوكة الحرب، وإسماع صوت السَّلام قويَّاً وفاعلاً"، أن تقنع أحداً، إلا الساذجين الذين انساقوا وراء هذه الشعارات كالأنعام، أو الذين ضلوا السبيل. فأسلمة الحرب وإلباس الدين على السياسة وغيرها من القضايا الدينيَّة التي يختلف حولها السُّودانيُّون، كانت إحدى العناصر التي سببت وأزَّمت المشكل السُّوداني. ولا نرى سبباً واحداً مقنعاً يربط "المجتمع الإسلامي"، الذي هدف إليه إعلان الجهاد، و"التنمية الشاملة". فالأول شعار غوغائي ظلَّ يردَّده زعماء الأحزاب الإسلاميَّة، والثاني يتطلَّب خطة تنمويَّة مصحوبة بالتنفيذ. كذلك، فالأول شعار رفضه حاملو السِّلاح لأنَّه يكرِّس مجتمعاً أحاديَّاً عكس الواقع السُّوداني المتعدِّد الأديان والقوميات والثقافات، وغياب الثاني كان سبباً رائساً في اشتعال الحرب الأهليَّة ودوامتها. وبرغم من ذلك كله حدث صراع بين ولاية كردفان ومحافظة كادقلي. إذ لم يكن هذا الصراع نزاعاً حول الفكرة، ولكن حول تقسيم الأدوار والمهام بين الولاية والمحافظة. فقد رأى الوالي أنَّ المحافظ لم يستشر الولايَّة قبل إعلان الجهاد، وأنَّه تخطى الولايَّة للمركزيَّة. لذلك قُوبِل القرار بالرفض والتدخل، وأُمِر المحافظ بإلغاء هذا القرار. وحين لم تفلح الولاية في فرض رأيها على المحافظة، ونتيجة للغيرة والحسد تبنَّت الأبيض "الجهاد وكوَّنت لجنة عليا في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 1992م، واستولت هذه اللجنة على كل مقدرات الجهاد التي جاءت أخيراً قاصدة كادقلي، وبذلك انتقل الجهاد إلى الأبيض." ومن هنا اجتمع أئمة المساجد بالأبيض، وأصدروا فتواهم بقتال "الخوارج في جبال النُّوبة العام 1992م". وقد سبق أن قلنا رأينا ورؤيتنا في أمر هذه الفتوى في تأليف سابق وفي صفحات سابقة من هذا البحث. وقد حار بنا وبغيرنا الدليل في فهم كيف يُعلن الجهاد على من يشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله؟! وأي مذهب إسلامي يفي بذلك؟! مهما يكن من شيء، فبعد أن استولى الوالي – اللواء سيد الحسيني عبد الكريم صالح – على مجهود الجهاد قال: "إنَّ مشكل كادقلي لا يمكن أن يُحل إلا بالمجاهدين، وأضاف أنَّه اتفق مع الرئيس عمر البشير على أن يسلِّمه جنوب كردفان خالية من التمرُّد في غضون ثلاثة أشهر." وقد علَّق المحافظ محمد الطيب فضل، الذي أُصِيب بالعجب من هذا الكلام، أنَّ مثل هذا القرار يمكن أن يكون سياسيَّاً، ولكن في واقع الأمر لا يخضع للظروف الموضوعيَّة والفهم العسكري. وفي الحق، فإنَّ المجاهدين المعنيين في هذا الأمر هم أفراد قوات الدفاع الشعبي الذين تجنَّبوا مواقع الجيش الشعبي لتحرير السُّودان، واختاروا أن يهاجموا القرى ويروعوهم في ديارهم وهم جاثمين، وقد تحدَّثنا عن هؤلاء بشيء من التفصيل كثير في صفحات خلت.



أيَّاً كان من أمر هذا الجهاد، فقد تمَّ تبادل خطابات بين المقدم ركن محمد الطيب فضل والعقيد ركن محمد الأمين خليفة (عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني ورئيس دائرة السلام والعلاقات الخارجيَّة) من جانب الحكومة، وبين القائد يوسف كوة مكي (رئيس عمليات جنوب كردفان) والقائد تليفون كوكو أبوجلحة من جانب الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، حتى توصَّل الطرفان إلى تحديد الأجندة الآتية كمحاور للتفاوض:



الإغاثة.



رجوع المواطنين إلى قراهم إن شاءوا.



إطلاق سراح المعتقلين بتهم التعامل مع الخوارج.



إحاطة هذا اللقاء بالجديَّة والسريَّة التامة، وعدم استخدامه إعلاميَّاً.



وكانت هذه الأجندة بمثابة نقطة البداية في التأكد على حسن النوايا وإبراز الثقة، ومن بعد تنتقل اللقاءات إلى محادثات أخرى لحل القضايا الأساسيَّة. هكذا تقرَّر أن يُعقد الاجتماع الأول في أم سردبة بتأريخ 27 نيسان (أبريل) 1992م، والثاني في بلنجا في يوم 4 أيار (مايو) 1992م، والثالث في كادقلي – بحيث يقود وفد الحركة الشعبيَّة القائد يوسف كوة مكي – في يوم 15 أيار (مايو) 1992م. أما الحكومة فقد كانت ترى أن تشتمل أجندة المحادثات في اجتماع بلنجا على اقتسام الثروة، المشاركة في السلطة، وقضايا التنمية. وواضح من هذه الأجندة أنَّ الحكومة كانت تسعى إلى الوصول إلى سلام مع أبناء النُّوبة منفردين، وانسلاخهم من الحركة الشعبيَّة؛ وما اختيار المحادثات الجزئيَّة مع جزء من الحركة الشعبيَّة والتركيز عليها بهذه الصورة إلا تأكيداً لهذا الاستنتاج. على أي، لم تخف الحكومة هذا المسعى وهذا الغرض بحديثها عن الاختلاف المزعوم بين مسألة جنوب كردفان خاصة، وجنوب السُّودان عامة، أو ما وصفته السلطات الحكوميَّة بقضيَّة النُّوبة على وجه الخصوص وقضايا الحركة الشعبيَّة على وجه العموم.



هذا، فقد تميَّز الاجتماع الذي انعقد في بلنجا في يوم 4 أيار (مايو) 1992م – أي بعد الاجتماع التمهيدي في أم سردبة والذي وضع الأجندة – بحضور أعضاء من الحكومة الاتحاديَّة الذين كانوا في معيَّة وفد الحكومة. وقد امتازوا بالالتواء والعبث بالحقائق. وفي الحين نفسه استهدف الوفد الخرطومي في تكتيكاته إحداث وقيعة بين الحركة الشعبيَّة في جبال النُّوبة وقيادتها. وعن قضيَّة الإغاثة – مثلاً – بدأ موسى علي سليمان (المحافظ برئاسة الوزراء) حديثه مشيراً "إلى أنَّ حمل السِّلاح ودخول الغابة لم يكن من أجل عدم دخول الإغاثة، (لذلك) أري أن يكون التفاوض في النقاط الجوهريَّة." ثم استطرد سليمان كذباً وبهتاناً بأنَّ "مسألة وصول الإغاثة إليكم في الجبال لم يطرقها أحد من الحركة (الشعبيَّة)، وهذه مسؤوليَّة رئاسة الحركة، لأنَّها لم تحدِّد جبال النُّوبة كمنطقة إغاثة (...)." المهم في الأمر أنَّه صُدِر بيان ختامي لمؤتمر السَّلام الذي انعقد في بلنجا في الفترة ما بين 4-5 أيار (مايو) 1992م، حيث اشتمل على موجهات عامة والتزام - مهما يكن من أمره – من قبل الجانبين بالقيام بمهام معيَّنة، ولكن قلَّما التزم بها النظام، وفي نهاية الأمر توقَّفت استمراريَّة المحادثات، ولم يحرز الطرفان شيئاً مذكوراً. فقد شارك عز الدِّين كوكو في وفد الحكومة في محادثات بلنجا، وفاوض كذلك إلى جانب الحكومة على جلاء قوات الجيش الشعبي من مدينة برام، وقد اعترف الرَّجل وأثنى على الحركة الشَّعبيَّة، حيث وفَّرت الأخيرة الحماية للوفد الحكومي في وقت كانت تتعقَّبهم مدرعات الحكومة، وكادوا أن يصبحوا طعمة في أفواه بنادقها (Cannon fodder). وفي البعثة الثَّانية قررَّ عز الدِّين كوكو، طوعياً، الانضمام إلى الحركة الشَّعبيَّة، وانخرط في العمل مع بقية قادة الحركة الشَّعبيَّة في المشاريع الزِّراعيَّة في المناطق المحرَّرة من جبال النُّوبة.



ومع ذلك، كان أسوأ ما في الأمر الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع مبعوث الأمم المتحدة – الدكتور فرانسيس دينج – الذي أُرسِل إلى المنطقة لتقصي الحقائق حول التصفية العرقيَّة لأبناء النُّوبة وتهجيرهم إلى شمال الولاية، وتوطين القبائل العربيَّة في جنوبها، وذلك بعد قيام الولاية بترحيل العائدين. فقد زارهم المبعوث الأممي في الخرطوم، وتمَّ تحويله إلى الأبيض ومنها إلى كادقلي، ولم تكن السلطات في كادقلي على علم بهذه الزيارة. وحين وصل الدكتور دينج الأبيض لم تقابله سلطات الولاية، بل أرسلت أحد موظفيها لمرافقته – أو لنقل لمراقبته - إلى كادقلي دون إخطار السلطات الحكوميَّة في كادقلي بذلك. ونزلت طائرته بمطار كادقلي، ولم يجد أحداً في انتظاره، وما كان منه إلا أن أرسل ذلك الموظف الولائي لإخطار حكومة كادقلي بوجوده وعن مهمته، وغادر هو المطار بانطباع سيء للغاية

مهما يكن من شأن، ففي نهاية الأمر اعترف المقدم ركن محمد الطيب فضل بالمشكلات التي حدثت في جنوب كردفان، والمعوِّقات التي حالت دون علاجها واستئصالها بقوله: "إنَّ الذي حدث في كادقلي كان لا بد أن يحدث لأنَّ فهمنا للسياسة ما زال ضعيفاً، ولأنَّ إحساسنا بالوطن ما زال قاصراً، وإنَّ فهمنا للدين ما زال رياءاً، وإنَّ إحساسنا بالمسؤوليَّة ما زال هشَّاً، وإنَّ فهمنا للقضيَّة ما زال متخلِّفاً.. عشقنا الأنانيَّة وحب الذات، وضاعت أخلاقنا، وأصبحنا لا نميِّز بين الحق والباطل، واختلط الحابل بالنابل، وأبكي يا بلدي الحبيب." لقد لخَّص العميد ركن (م) محمد الطيب فضل تجربة المحافظة في سبيل السَّلام في كاتبه السالف الذكر، حيث تعرَّض لأسباب الصراع المسلَّح في جنوب كردفان وذكر دواعي السَّلام وتحدَّث عن ثقافة السَّلام. ففي محاضرة ألقاها العام 1993م شرح العميد (م) فضل كيف قاد حركة السَّلام في كادقلي. وبعد مغادرته للمنطقة ترك للذي سيخلفه في أمر محافظة كادقلي مقترحاً لمتابعة قضيَّة السلام في جنوب كردفان ذكر فيه – فيما ذكر – أهداف المشروع ونشاطه، الذي وضعه في ثلاث مراحل، بحيث يتم انجازه من خلال خمسة محاور، ويُختتم ب"المسيرة البيضاء للسَّلام" في حال تعذر الوصول إلى السَّلام من خلال المراحل المذكورة. وهذه المسيرة، التي قال عنها مقترحها بأنَّها "عبارة عن عرض حال مقدَّم للمجتمع الدولي بأسلوب جنوب كردفان لاستنهاضه للقيام بدوره نحو قضايا السَّلام والوقوف بجانب الإنسان الضعيف،" تتمثَّل في تحرُّك أهل كادقلي ليس بكل أراملها وأيتامها وعجزتها وأطفالها ونسائها فحسب، بل بكل رجالها وشبابها إلى مقر قيادة الحركة الشعبيَّة في جنوب كردفان. إلا أنَّنا لا نستطيع أن نجزم كيف كان يمكن أن تحقِّق هذه المسيرة السَّلام! وهي محاولة كانت لسوف تؤدِّي إلى التهلكة، وبخاصة إذا مرَّت هذه المسيرة بالطرق الملغمة ودون أيَّة إجراءات مسبقة لوقف إطلاق النار بين الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشعبيَّة، مما قد تتحول هذه المسيرة من بيضاء إلى حمراء في ظل الأوضاع السائدة يومئذٍ.

أما فيما يتعلَّق بأمر "لجان النفير الشعبي للسَّلام"، فقد كانت هذه اللجان عبارة عن عملاء للأجهزة الأمنيَّة بكل فروعها. وقد وضح هذا جليَّاً في التقرير الذي قدَّمه رئيس لجنة النفير الشَّعبي للسَّلام لريفي أم دورين – العمدة عبد الجليل محمد أحمد – بتأريخ 12 آذار (مارس) 1992م. ومن هنا نرى أنَّ جهود هذه النفرة الشعبيَّة لم تركِّز على السَّلام كما ادَّعى مروِّجوها، بل اُختُلِقت في الأساس لاختراق مواقع الحركة الشعبيَّة بحجة السلام ورفع تقارير استخباراتيَّة عن أوضاع معسكراتهم، ومواقعها، ومصادر الإمداد بالسِّلاح والغذاء، والنظام القضائي والمدني عندهم، والروح المعنويَّة للمقاتلين في الجيش الشعبي، وأثر الإعلام الحكومي وسطهم حتى يتم استغلال هذه المعلومات الأمنيَّة في الحرب النفسيَّة ووضع خطط عسكريَّة للقيام بالعمليات الحربيَّة من أجل القضاء على الحركة الشعبيَّة عسكريَّاً. وبعد مؤتمر بلنجا تمَّ الاتفاق على السَّماح للمواطن العادي بحرية الحركة بين المناطق التي تقع تحت نفوذ الحكومة السُّودانيَّة وتلك التي تديرها الحركة الشَّعبيَّة. وبناءاً على هاذ الاتفاق، دخل حوالي 10 آلاف من النساء والأطفال والعجزة إلى مدن كادقلي والدَّلنج وانتهزت الحكومة السُّودانيَّة هذه الفرصة، ونقلتهم إلى "معسكرات السَّلام" في شمال كردفان، ووُضعوا داخل الأسوار على أنَّهم أسارى حرب. وكان يتم استخدام النِّساء كخدم في المنازل وفي غيرها من الممارسات غير الإنسانيَّة، ووُزع أربعة آلاف طفل على مدارس تدريس القرآن الكريم لأسلمتهم، ثم كانت الحملة العالمية الشهيرة وبعدئذٍ نُقلوا إلى العاصمة، ولا يزال هؤلاء الأطفال في أعداد المفقودين حتَّى يومنا هذا. كذلك كانت الحكومة تقوم بإرسال الرجال العائدين إلى حيث أتوا، وذلك لاجتذاب أعداد كبيرة من المواطنين المتواجدين هناك، وعندما يأتوا يُضعوا في معسكرات مقفولة، وبعدئذٍ تشن الحكومة حملاتها العسكريَّة على المناطق التي أتوا منها مستخدمة المعلومات التي تحصَّلت عليها منهم، ومستغلة بعضهم كمجَّندين إلزاميين في قوات الدِّفاع الشَّعبي.

على أيَّة حال، فلربما كان العميد ركن (م) محمد الطيب فضل طيباً فاضلاً في نواياه في سبيل الوصول إلى السَّلام في جنوب كردفان وصادقاً في مسعاه، ولكن خلفيته العسكريَّة التي تضفي الطابع الحربي على المسائل السياسيَّة أمست أحد المعوقات لهذه المسيرة السلميَّة في جانب منها، ولئن كان الجانب الآخر منها حربيَّاً جهاديَّاً، كما أبنا سلفاً. كما أنَّ إضفاء الطابع الديني – أي إعلان الجهاد مثلاً – على هذه المجهود الإنساني الذي كان يطمح إلى تحقيقه قد أصبح عامل تأجيج الحرب، وليس إطفاؤها، مع العلم أنَّ المسألة الدينيَّة كانت إحدى العوامل الرئيسة في الصراع السياسي-العسكري في السُّودان بصفة عامة وجنوب كردفان بشكل خاص. كذلك فإنَّ المؤسسة السياسيَّة أي الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة – التي كان يعمل العميد ركن (م) محمد الطيب فضل تحت لوائها، هي حركة سياسيَّة قلما تُوصف بأنَّها كانت تسعى للسَّلام أو تنشد الرفاهيَّة للمواطنين والاستقرار للوطن، وذلك من خلال سياساتها وتجاربها في جنوب السُّودان وجبال النُّوبة وجنوب النيل الأزرق ومناطق العمليات الحربيَّة الأخرى في السُّودان. كما أنَّ المحاولات الدؤوبة للفصل بين قضيَّة جنوب كردفان وجنوب السُّودان، مع العلم بوحدانيَّة الحركة الشعبيَّة وخطابها السياسي لأهل السُّودان كافة، لم تكن موفَّقة.

ومع ذلك تبقى تجربة العميد ركن (م) محمد الطيب فضل من أبناء أبوزبد، والذي ولد في النهود العام 1954م وتلقى دراسته في الأبيض وخورطقت وتخرج في الكلية الحربيَّة في أيار (مايو) 1977م، تجربة تأريخيَّة جديرة بالتداول في أمرها ومقاصدها وأبعادها وأسباب فشلها، وذلك في سبيل الدروس والعبر. وبالطبع، فإنَّ الذين عاشوا في عهده كمحافظ لمحافظة كادقلي منذ تعيينه في 15 تموز (يوليو) 1991م حتى العام 1992م بعد أن كان قد عمل قاضياً لمحكمة "النظام العام" في أبوسعد بأم درمان، قد يكون لهم آراء متباينة حول هذه التجربة. فقد نجد فيهم من أيَّد هذه الجهود تأييداً مطلقاً، وهنكاك من وافق على بعض منها وتحفظ على البعض الآخر، وهناك من اعترض عليها كل الاعتراض، ثمَّ هناك من سايرها إلى حدٍ ما ثم انقلب عليها في نهاية الأمر وتنكّر عليها، وقد ظهر هذا التنكر والانقلاب في "بعض محاولات الإجهاض لعمليَّة السَّلام من بعض الأشخاص الموجودين في كادقلي بحجة أنَّ عمليَّة السَّلام كانت مجهودا فرديَّاً قام بها المحافظ وحده، ولم يشرك فيها من يتميَّزون بصفة الحركة الإسلاميَّة." هذا، وقد أقرَّ العميد ركن (م) محمد الطيب فضل أنَّ حكومة ولاية جنوب كردفان لم تكن تهتم بما كان يجري في كادقلي، علماً بأنَّ كل المعلومات كانت متوفرة لديها، والمدهش في الأمر أنَّه عندما حُوكم رئيس لجنة الأمن والنظام العام بالولاية لمجرد أنَّه أذاع بياناً عن السَّلام في كادقلي، وأُخِذت في هذه القضيَّة أقوال الوالي باليمن أنكر علمه بأي شيء عن هذه المبادرة. ومع ذلك، كان يصر الوالي "أنَّ مشكل جنوب كردفان لا يُحل إلا بالمجاهدين، وأنَّه اتفق مع الرئيس عمر البشير أنَّ يسلمه جنوب كردفان خالية من التمرُّد في غضون ثلاثة أشهر." فمثل هذا الحديث يمكن أن يكون للاستهلاك السياسي في اللقاءات الجماهيريَّة، أو عند تعبئة قوات الدفاع الشعبي والمجاهدين، ولكن في واقع الأمر لا يخضع هذا التصريح للظروف الموضوعيَّة والفهم العسكري لحرب العصابات، وبخاصة حين تكون هذه الحرب في الجبال.

لا شك في أنَّه كان معلوماً أنَّ مسألة حمل السلاح لها جوانب قوميَّة لا تُحل إلا من خلال الجلوس بين الحكومة المركزيَّة والحركة الشعبيَّة، الأمر الذي لم تتحمَّس له الحكومة المركزيَّة في الخرطوم. كما أنَّ الحكومة الاتحاديَّة بأجهزتها الأمنيَّة المختلفة حاولت أن تساير محافظة كادقلي في سبيلها للسلام من أجل اختراق الحركة الشعبيَّة والحصول على معلومات استخباراتيَّة لكي تستفيد منها في العمليات العسكريَّة من أجل القضاء على الحركة الشعبيَّة في جنوب كردفان عسكريَّاً وعودة المحاربين مهزومين مطأطأي الرؤوس إلى "حظيرة الإنقاذ". أما الحكومة الاتحادية فلم يكن لديها وفد رسمي في المباحثات التي جرت بين الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشعبيَّة في جبال النُّوبة في أم سردبة وبلنجا، "بل جاء ثلاثة أشخاص يمثلون جهة لا نعلمها،" كما قال العميد ركن (م) محمد الطيب فضل. وهؤلاء الأشخاص الثلاثة هم: موسى علي سليمان، سراج الدين عبد الغفار، وشخص ثالث لم يبين الكتاب اسمه وأمره. فقد جاء هؤلاء الأخوة – والحديث للعميد ركن (م) محمد الطيب فضل – وظلَّت المعلومات بطرفهم حتى أجهضت عمليَّة السَّلام، بل أوهمونا بأنَّهم يمثلون الحكومة الاتحاديَّة، وعندما طلب منهم يوسف كوة مكي الحضور إلى البرام لمقابلته ظلوا صامتين دون تبرير حتى خاتمة المطاف. وقد شارك هذا الوفد الحكومي المزعوم في مؤتمر السّلام بمنطقة بلنجا، وكان موسى علي سليمان أكثر الناس جدلاً، حيث امتاز بالتواء الأمور ولي الحقائق تارة، والاستفزاز والاستهتار تارة أخرى، واستغفال الناس تارة ثالثة. إنَّه إنسان يكاد يكون بلا عواطف، وإنَّ حسابات الانتهازيَّة والتملُّق لدي رؤسائه تفوق كثيراً حسابات العقل والقلب. فمن هو موسى علي سليمان إذن؟ موسى علي سليمان من أبناء النُّوبة، وهو كان قد تخرَّج من كليَّة التربية بجامعة الخرطوم، ولكن لا أحد يدري متى التحق بالحركة الإسلاميَّة – أو حوته الحركة الإسلاميَّة – حتى تعلَّق بها تعلق المحب بحبيبته ردحاً من الزمان. بيد أنَّ من المؤكَّد أنَّه اشترى نفسه بأبخس ثمن لخدمة هذه الحركة ضد مصالح أهله النُّوبة. لذلك صار يُوكل إليه المهام القذرة في جنوب كردفان وجنوب السُّودان، حتى قضى نحبه في حادث طائرة غامض في بحر الغزال هو من مكان معه في مهمة وُصِفت بأنَّها من أجل إحلال "السَّلام من الداخل" في جنوب السُّودان في مستهل التسعينيَّات من القرن الفائت. وكان من ضمن القتلى القيادي البارز في الحركة الإسلاميَّة قسم السيد أبوقصيصة.

هكذا أجهضت الحكومة الولائيَّة والاتحاديَّة مبادرة العقيد ركن محمد الطيب فضل – محافظ كادقلي السابق – الذي حاول إبرام عهد وميثاق مع الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في جبال النُّوبة حتى تتسنّى للمواطنين العاديين حرية الحركة والتنقل دون التعرُّض لهم، ولكن بطريقته ولئن اشتملت هذه الطريقة على متناقضات وجوانب عملت على تأجيج الحرب أكثر من إطفائها. فلم ترض الحكومة بهذا المسلك فأمرت العقيد محمد الطيب فضل بأن يخلو المحافظة ويسافر لقضاء فريضة الحج دون العودة إليها مرة أخرى. وبعد انهيار الجهود السياسيَّة الني شرعت محافظة كادقلي في السعي نحوها عادت الحال إلى سيرتها الأولى، وتمسَّك كل طرف بمبادئه وثوابته. والتفَّ النُّوبة حول قيمهم وتقاليدهم ومجدهم المؤثَّل أكثر من أي وقت مضى، وتحصَّنوا بجبالهم، وارتووا من ينابيع وديانها، واعتمدوا على مزارعهم ومنتجاتهم وأنعامهم في العيش الكريم على هذه الحياة الضنكة. وكانت حالهم كحال شعب كردستان في العراق، ومشكلاتهم مع العرب بسبب الأثنيَّة والهُويَّة والاستغلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد تجلَّت هذه الفروق الكرديَّة-العربيَّة في قول قائل من أهل كردستان على النحو التالي:

ما للعرب للعرب وما للأكراد للأكراد



جبالنا لنا وصحرائكم لكم



جوزنا لنا وتمركم لكم



ينابيعنا لنا وأهواركم لكم



بغالنا لنا وجمالكم لكم



شروالنا لنا وعكلكم لكم



من السما لنا وسيوفكم لكم



كركوك لنا وبغداد لكم



كوردستان لنا وعربستان لكم



ومع هذا كله كان صوت الجهاد عالياً، وأنفقت سلطات إقليم كردفان أموالاً طائلة فيما سمي ب"نفير الجهاد"، ذهب بعضها إلى جيوب المسؤولين الفاسدين المفسدين، مما يقودنا هذا إلى الحديث عن الفساد المالي في ذلكم العهد. إذ لا أحد يدري متى بدأ الفساد السياسي والمالي يدب في أجهزة الحكم في السُّودان حتى وصل قمته في نظام "الإنقاذ"، حيث أمسى الفساد من غواش الحكومة وشائبة من شوائب الدولة. بيد أنَّ الأغرب في هذا الأمر أنَّ رائحة الفساد أصبحت تزكم أنوف رجال النظام أنفسهم، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ويتحدَّثون "عن تبديد المال العام، و(أخذوا يردِّدون أنَّ) التجاوزات في المال العام في عهد "الإنقاذ" لا يحتاج إثباته إلى وثائق، وإن كانت الوثائق موجودة في إدارات الثراء الحرام، وديوان المراجع العام، وفي مخالفات النظم الماليَّة المتعارف عليها في كل وزارة أو ولاية أو مصلحة". هذه شهادة شاهد من أهلهم – أي الصحافي المرحوم محمد طه محمد أحمد، الذي أبان العلل بعلل أخرى جسيمة. فقد كتب محمد طه يقول: "إن 560 مليون جنيهاً سودانيَّاً بدَّدتها حكومة كردفان السَّابقة في الاحتفال والدَّورة المدرسيَّة"، إضافة إلى "أرقام أخرى تستحق التحقيق ومساءلة حكومة كردفان عنها."(50) وقد بدأ والي كردفان المعزول – اللواء سيِّد الحسيني عبد الكريم – يجادل بالباطل وعالقاً بأهداب الحجة الواهنة، حيث ذكر أنَّ كل المبلغ المرصود لم يتجاوز 299 مليوناُ من الجنيهات السُّودانيَّة، تم صرفها على الدورة المدرسيَّة، ونفير الجهاد، والاحتياطات الأمنيَّة، ومنشآت جامعة كردفان.(51) وبما أنَّ محمد طه محمد أحمد كان قد تعرَّض لبعض أساليب الترهيب لأنَّه يغوص في إرهاج المرهجات – أي إثارة الغبار والفتن – إلا أنَّ، ولا ريب في ذلك، كثراً من قيادات الحكومة كانوا قد تمرَّغوا في هذا الفساد المالي الذي يبيح بيع الأمانات والانخداع بالعطاء في وتغ الديانات. فمن الواضح - حسب اعتراف الوالي – أنَّ أغلب الأموال قد صُرِفت في "نفير الجهاد والاحتياطات الأمنيَّة"، التي كانت تصب في نهاية الأمر في الاعتداء على النُّوبة ونهب أموالهم في جنوب كردفان، والاتجار بممتلكاتهم المسلوبة إمعاناً في إفقارهم، وتهريب الثروات المنهوبة إلى خارج المنطقة، وحجبها عن التوظيف والاستثمار في مشاريع إنتاجيَّة ذات عائد محلي للمواطن. لم تتوقف حملات النظام الغواشم برغم من عزف رجال "الإنقاذ" على السلام الوهمي والتمادي في قرع طبول الحرب. كما لم يتوقَّف تجنيد وتدريب الميليشيات الحكوميَّة (قوات الدفاع الشَّعبي)، التي كانت تجوب مسالك الجبال في ارتياد مهالك النُّوبة. بيد أنَّ الذي أمسي يحيرنا حقاً هو دخول بعض أبناء النُّوبة – بئسما اشتروا به أنفسهم – مع النظام في دعواه عن "السَّلام من الداخل"؛ تلك دعوة حق أُريد بها باطلاً.



ومن جانب آخر، لم تتوقَّف المساعي الشعبيَّة في سبيل البحث عن السَّلام في جنوب كردفان. ففي يومي الخميس والجمعة 5-6 كانون الأول (ديسمبر) 1991م عقد أبناء جنوب كردفان بالولاية الوسطى مؤتمراً لتدارس "الصيغة المثلى لتحقيق السَّلام" في جنوب كردفان. وقد قام هذا المؤتمر تحت رعاية والي الولاية الوسطى العقيد الركن سليمان محمد سليمان عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني. وكذلك خاطب المؤتمر عضوا مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني العميد الركن إبراهيم نايل إيدام والعقيد الركن محمد الأمين خليفة. هذا، فقد تلخَّصت الأطروحات التي قُدِّمت في شكل أسئلة حائرة لم يستطع أحد من المشاركين أن يرد عليها. فقد تساءل المشاركون كيف السبيل للوصول لسلام دائم في جنوب كردفان؟ ومن يؤجِّج نار التمرُّد؟ ومن يكتوي بهذه النار؟ وعلي أي المستويات تكون الطريق إلى السَّلام؟ هل يتم الاجتماع بالمثقفين وينتهي الاتفاق بالوصول للسَّلام؟ هل يتم وضع صيغة للسَّلام وفق منظور الروابط الاجتماعيَّة كرابطة أبناء الحوازمة ورابطة أبناء المسيريَّة ورابطة أبناء النُّوبة؟ هل يتم السَّلام عبر رجال الإدارة الأهليَّة الذين لا حول لهم ولا قوة ضاغطة على أفراد القبيل؟ ومن خلال نقاش المشاركين أعلنوا أنَّه "لا بدّ من النظرة الشموليَّة لهموم الإقليم، ولا بدّ من دعوة كل أبناء الإقليم للمشاركة في عمليَّة إعادة البناء والتنمية." ودعوا في مؤتمرهم هذا – فيما دعوا – إلى تجريد الميليشيات القبليَّة من السِّلاح، ولكن قد جاءت هذه الدعوة بصورة عامة. إذ قالوا: "فإذا أردنا سلاماً بيِّناً فلنعمل على جمع السِّلاح من كافة المجموعات التي تتذرَّع بحمله دفاعاً عن نفسها، وتستغله في سحق المجموعات الأضعف منها. وإذا أردنا سلاماً كاملاً فلا بدّ من عودة إدارة أهليَّة قادرة ومؤهلة لتواكب الحدث."(52)

ومن بعد، إذا فشلت نداءات العملاء من أبناء النُّوبة الذين باتوا يتصايحون في إذاعة أم درمان أولاً وإذاعة "نداء الجهاد" بكادقلي ثانياً، وذلك إذا أغطش الليل أو تنفس الصبح. وإذا أخفقت مساعي السَّلام في جنوب كردفان بالطريقة التي ابتغتها محافظة كادقلي، ثمَّ إذا باءت الحملات العسكريَّة بالفشل السياسي، ولم تحقق من الغايات المرصودة شيئاً أبداً. وإذا لم تحرز المساعي الشعبيَّة أيَّة نجاحات في سبيل الوصول إلى سلام في المنطقة. وإذا فشل كل هذا وذاك انتظرت الحكومة السُّودانيَّة حيناً من الزمن، أو قل ركَّزت الحكومة جهودها في اتجاه إحداث انشقاق في قيادة الحركة الشعبيَّة العام 1991م. وبما أنَّ بعضاً من أبناء النُّوبة في الحركة الشعبيَّة في جنوب كردفان قد حاولوا أن يحذوا حذو جماعة الدكتور رياك مشار، إلا أنَّ محاولتهم أُحبطت في المهد، ولم تقم لها قائمة. بيد أنَّ الحكومة السُّودانيَّة وجدت ضالتها في بعض أبناء النُّوبة في كينيا وبعض دول المهجر وغرتهم بما يسيل له اللعاب دوماً، وكان لها ما أرادت العام 1996م، وجاء إخوة يوسف إلى الخرطوم عشاءاُ يبكون، كما سنرى في الصفحات القادمة

Post: #89
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 03:15 PM
Parent: #88

الصفحة الرئيسية منبر الرأي الدكتور عمر مصطفى شركيان النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (6) ... بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان
النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (6) ... بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان طباعة أرسل إلى صديق
الثلاثاء, 26 أيار/مايو 2009 06:30


[email protected]




اتفاقيَّة وقف إطلاق النار بجبال النُّوبة



كما ذكرنا في حديث سابق وفي صفحات سابقة، فإنَّ منطقة جبال النُّوبة ظلَّت خارج عمليات الأمم المتحدة الإغاثيَّة منذ اشتعال الحرب الأهليَّة فيها، أو امتداد الحرب إليها، وكانت حكومة السُّودان تهدِّد دوماً في الاجتماعات، التي كانت تُعقد لعقد صفقات محدودة بينها من جهة وبين الحركة الشعبيَّة من جهة أخرى والأمم المتحدة من جهة ثالثة للسماح بدخول مواد الإغاثة إلى المناطق المتضررة بالحرب في السُّودان، بأنَّها سوف تخرج من قاعة الاجتماع إذا تمَّ تضمين إقليم جنوب كردفان في برنامج الإغاثة. وكان ممثلو الأمم المتحدة يرون أنَّه من أوسط الأمور أن يقبلوا بهذا التهديد وإنقاذ جزء من الشَّعب السُّوداني في جنوب البلاد والتضحية بالنُّوبة في جبال النُّوبة، عملاً بسياسة من لا يدرك جله لا يترك كله. فبرغم من الاتفاق الثلاثي الذي عُقِد بين حكومة السُّودان والحركة الشَّعبيَّة والأمم المتحدة العام 1999م، التي تنص – فيما تنص – على حقوق مواطني المناطق المتأثرة بالحرب، بما فيهم النَّوبة، لم تفلح الجهود الدوليَّة في إيصال الإغاثة عبر "عمليَّة شريان الحياة" أو غيرها إلى منطقة جبال النُّوبة حتى العام 2001م. فقد طالبت المنظَّمات الدوليَّة والإقليميَّة من حكومة السُّودان أن توافق على الآتي:



السماح لهبوط طائرات المعونات في مراكز توزيع مواد الإغاثة في جبال النُّوبة.



ضمان وصول المواطنين المدنيين إلى مراكز الإغاثة.



عقد اتفاق ثلاثي بين حكومة السُّودان من ناحية والحركة الشَّعبيَّة من ناحية أخرى ووكالات الإغاثة (الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكوميَّة) من ناحية ثالثة لضمان وصول مواد الإغاثة إلى النُّوبة.



وقف كل أنواع العدوان ضد المدنيين، بما فيها القذف بالطائرات والمدفعيَّة وتدمير الأراضي الزراعيَّة والممتلكات.



السماح لمراقبي حقوق الإنسان بالعمل في منطقة جبال النُّوبة.



لذلك حين اتخذ السناتور الأمريكي جون دانفورث من منطقة جبال النُّوبة مركزاً لانطلاق عمليَّة السَّلام في السُّودان، والسعي الجاد لوقف إطلاق النار فيها، وجد قبولاً محليَّاً وإقليميَّاً ودوليَّاً. إذ جاءت اتفاقيَّة وقف إطلاق النار بجبال النُّوبة – التي وقِّعت في سويسرا في 19 كانون الثَّاني (يناير) 2002م – بعد المحادثات التي جرت بين حكومة السُّودان من جهة والحركة الشعبيَّة من جهة أخرى، تحت رقابة دوليَّة، حيث تمَّ الإشراف عليها بواسطة لجنة مشتركة بين الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشَّعبيَّة وطرف ثالث، وذلك لتنفيذ برامج الإغاثة وإعادة التوطين والتعمير في جبال النُّوبة. أما الحكومة السُّودانيَّة – من جانبها – فقد بذلت كل جهودها لتطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة؛ إذ ظنَّت أنَّ الاتفاق لسوف يبعث الروح في الحوار الثنائي بين الخرطوم وواشنطن. مهما يكن من الأمر، فقد غطَّت هذه الاتفاقيَّة، التي وقِّعت برعاية الولايات المتحدة الأمريكيَّة وسويسرا الدولة المضيفة، كل جنوب كردفان ومحافظة لقاوة في غرب كردفان، وألزمت كلا الطرفين وقف الآتي (ملحق رقم (19)):



العدوان والتحركات العسكريَّة، بما في ذلك الاستطلاع والدعم العسكري، وكذلك الأعمال العدائيَّة.



كل الهجمات الجويَّة والبريَّة، وكذلك كل الأعمال التخريبيَّة وزرع الألغام.



محاولات احتلال مواقع بريَّة جديدة، وتحركات الجنود والمعدات العسكريَّة من منطقة إلى أخرى، ما عدا الإمدادات الغذائيَّة، الملابس والدعم الطبي للقوات العسكريَّة بالميدان.



كل أعمال العنف ضد أو أي انتهاك لحقوق المواطنين المدنيين، مثل الإعدام الفوري، التعذيب، الانتهاكات، الحجز التعسفي واضطهاد المدنيين على أساس العرق أو الدين أو الانتماء السياسي، التحريض على الكراهيَّة على أساس عرقي، تسليح المدنيين، استخدام الأطفال في التجنيد العسكري، العنف الجنسي، تدريب الإرهابيين، المجازر وقصف المواطنين المدنيين.



ترحيل الذخائر والأسلحة وكل المخزونات الأخرى المتعلقة بالحرب إلى الميدان.



كل الدعاية العدائيَّة بين الأطراف، بما في ذلك بيانات لتشويه الحقيقة أو البيانات المغرضة داخل وخارج القطر.



وكما نصَّت الاتفاقيَّة على الرقابة على كل المجموعات المسلحة غير التابعة لها، والواقعة داخل نطاق سيطرتها، كذلك حثت الطرفين على ضمان الحركة الحرة للمدنيين والسلع، بما يشمل المساعدات الإنسانيَّة، ويجب عليهما تسهيل وصول المساعدات الإنسانيَّة إلى النازحين والأشخاص المتأثِّرين بالحرب. وفي تموز (يوليو) 2002م وافق الطرفان – حكومة السُّودان والحركة الشَّعبيَّة – على تمديد وقف إطلاق النار حتى 19 كانون الثني (يناير) 2003م. وقد تمَّ ذلك التمديد، وهو التمديد الثاني، بعد توصية مؤتمر الحركة الشعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في كاودا في 24 حزيران (يونيو) 2002م لقيادة الحركة. إذ قام المؤتمر بتقييم إيجابيات وسلبيات اتفاق وقف إطلاق النار (ملحق رقم (20)). وبالطبع، لم تلتزم الحكومة ببنود وروح اتفاقيَّة وقف إطلاق النار، وقد حدثت – من جانبها – خروقات هنا وهناك، وبخاصة في المناطق التي توجد بها قبائل عربيَّة مستوطنة وسط النُّوبة. وجاءت هذه الخروقات في مناطق لقاوة، حيث استغلَّت الحكومة المشكلات التي تنشب دوماً حول مصادر المياه والمراعي والمزارع بين العرب الرعاة والنُّوبة المزارعين، والتهجم على الأخير، مما أسفرت هذه الحوادث عن وقوع قتلى وجرحى وسط النُّوبة. كذلك حدثت انتهاكات مستمرة للاتفاقيَّة في مضايقة ومنع المواطنين النُّوبة من الوصول إلى مناطقهم لزيارة أهلهم، ووصل ذلك إلى حد الحجز والاعتقالات والسجون والتعذيب والترهيب والتخويف. كما استخدمت الحكومة فترة الهدوء الأمني هذه في نقل الأسلحة والمعدات الحربيَّة وتعزيز وحدات قواتها المسلَّحة، ورفض سحب قواتها من بعض المناطق المحايدة كما نصَّت على ذلك الاتفاقيَّة. وفي يوم 23 كانون الثاني (يناير) 2003م، وفي تمام الساعة الواحدة بعد الظهر في ذلك اليوم، تحرَّكت قوات الحكومة السُّودانيَّة من قاعدتها المخصَّصة لها - حسبما ورد في اتفاقيَّة وقف إطلاق النار بجبال النُّوبة - في منطقة روفو، والتي تقع بين لقاوة (مقر الحامية الحكوميَّة الرئيسة) وتُلشي، وأغارت على حامية الجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في تُلشي بغرض الاستيلاء عليها. وبعد قتال مرير تمكَّنت قوات الجيش الشعبي من صد هذا الهجوم الحكومي، حيث تكبَّد الأخير خسائر فادحة ومخلفاً وراءه 6 قتلى وكثراً من الجرحى، كما فقد الجيش الشعبي قتيلين و7 جرحى. والجدير بالذكر أنَّ مستشار الرئيس لشؤون السَّلام، الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، كان قد أدلى بتصريحات عدة لوسائل الإعلام منتقداً اتفاقيَّة وقف إطلاق النار بجبال النُّوبة، كما أنَّ كبار ضباط الجيش السُّوداني كانوا قد أعطوا الأوامر لقادة الجيش في مناطق العمليات بجبال النُّوبة بأن يحتلوا مواقع كثيرة ما استطاعوا إليه سبيلاً، ومحاولة الهجوم والسيطرة على مواقع الجيش الشعبي لتحرير السُّودان قبل وصول بعثة الرقابة الدوليَّة لمراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة.(87)



ومع ذلك، لم يكن من الأمر الغريب في شيء حين رأى مواطنو جبال النُّوبة في بعثة الرقابة المشتركة واللجنة العسكريَّة المشتركة بديلاً لسلطات الحكومة السُّودانيَّة، حيث وضعوا ثقتهم فيها وعلَّقوا آمالهم عليها، وذلك بعد السنوات الطويلة من الاضطهاد والذل والهوان تحت حكم الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة. وقد أخذ محدثي يحدِّثني أنَّه كان إذا تشاجر أحد المواطنين مع زوجه فإنَّه يشكيها إلى بعثة الرقابة المشتركة، وإذا فقد غنمه فإنَّه يسرع إلى بعثة المراقبة المشتركة لإبلاغها عن فقد أنعامه وهلمجرَّاُ.



مهما يكن من الأمر، فبعد التَّوقيع على البروتوكول الإطاري في ضاحية مشاكوس بكينيا بين ممثلي حكومة السُّودان من جهة، والحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان من جهة أخرى في 20 تموز (يوليو) 2002م بدأت آراء ممثلي أبناء النُّوبة تصل إلى الجهات الفاعلة في عمليَّة السَّلام، وهي كانت الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ومجموعة دول الإيقاد وشركاء وأصدقاء جبال النُّوبة على وجه الخصوص. ففي بيان أصدرته رابطة طلاب وخريجي جبال النُّوبة بالجامعات والمعاهد العليا بالخرطوم في آب (أغسطس) 2002م رأت الرابطة أن "تبقى جبال النُّوبة في إطارها الموحَّد مع الحركة الشَّعبيَّة لتحرير السُّودان كجزء من جنوب السُّودان خلال الفترة الانتقاليَّة (ملحق رقم (21))." وكذلك أكَّد بيان الحزب القومي السُّوداني (الأمانة العامة) بالخرطوم والصادر في 9 آب (أغسطس) 2002م "أنَّ جميع الأطراف التي حملت السِّلاح، وإن كانت تتمتَّع بخصوصياتها، إلا أنَّ عوامل وفرص الوحدة والسمات والقواسم المشتركة بينها أكثر بكثير مما يربطها بالشطر الآخر (الشمال)، حيث عبَّرت عن ذلك بوضوح بحملها للسِّلاح معاً، ونضالها المشترك وتضامنها ضد هيمنة وسيطرة الطرف الآخر (ملحق رقم (22))."



كما هو معلوم فإنَّ الحرب الأهليَّة في السُّودان كانت قد أفرز ثلاث مشكلات كان ينبغي السعي في حلها، وهي: الحل السياسي الشامل العادل الدائم، المسألة الإنسانيَّة المتمثِّلة في تنفيذ برامج الإغاثة وإعادة التوطين والتعمير لتلبية الحوائج الرئيسة للسكان المدنيين الذين عانوا في أعظم ما تكون المعاناة بسبب هذه الحرب الطويلة، وإنشاء "مناطق الهدوء" (Zones of Tranquillity) لكي تتمكَّن المنظمات الطوعيَّة من القيام بالتطعيم ضد شلل الأطفال، وذبابة عمى النهر، وطاعون الماشية، ثمَّ قضيَّة حقوق الإنسان، بما فيها حريَّة حركة تنقل المواطنين المدنيين. وكان الهدف الرائس من التوقيع على اتفاقيَّة وقف إطلاق النار بجبال النُّوبة هو العمل على توصيل مواد الإغاثة لأهل النُّوبة الذين لم يشملهم برنامج الإغاثة الدوليَّة طيلة سنوات الحرب، ثمَّ كان الهدف الثاني هو السماح لمنظمات حقوق الإنسان زيارة المنطقة وكتابة تقرير مفصَّل عن تجاوزات حقوق الإنسان في المنطقة. فلا شك في أنَّ الاتفاقيَّة قد حقَّقت هذين الهدفين الإنسانيين، ومن ثمَّ فتحت الأبواب على مصاريعها للحل السياسي الشامل ليس في جنوب كردفان فحسب، بل في جنوب السُّودان وجنوب النيل الأزرق وشرق السُّودان، وليس مع الحركة الشعبيَّة فحسب، بل مع التجمع الوطني الديمقراطي كذلك.



المؤتمر التشاوري لعموم أبناء النُّوبة في كاودا



هل من ثمة خلفيَّة سياسيَّة أو تأريخيَّة للمؤتمر التشاوري لعموم أبناء النُّوبة في كاودا العام 2002م؟ بلى! لا ريب في أنَّ هذا المؤتمر قد جاء بعد التوقيع على البروتوكول الإطاري في مشاكوس بين الحكومة السُّودانيَّة من جانب، والحركة الشعبيَّة من جانب آخر في 20 تموز (يوليو) 2002م، والذي فيه تحدَّد الأسس العامة – بعد إعلان المبادئ بواسطة الإيقاد العام 1994م – للكيفيَّة التي يمكن أن تسير عليها محادثات السَّلام بين الطرفين. وقد رأى أبناء النُّوبة أنَّه قد آن الأوان للجلوس معاً لتوحيد كلمتهم، والإدلاء برؤيتهم السياسيَّة حول قضايا السَّلام. وقد وفَّرت اتفاقيَّة وقف إطلاق النار بجبال النُّوبة الجو الأمني لعقد هذا المؤتمر في كاودا بجبال النُّوبة، حتى تمَّ تلاحم أبناء النُّوبة في مناطق الحكومة ومناطق الحركة الشعبيَّة والذين أتوا من الخارج.



ولكن بينما كان الإعداد للمؤتمر التشاوري لعموم أبناء النُّوبة في كاودا بجبال النُّوبة يسير على قدم وساق، اجتمع بعض من أبناء جبال النُّوبة وجنوب النيل الأزرق في كمبالا – حاضرة يوغندا – في الفترة بين 21 – 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002م، تحت رعاية حكومة يوغندا، وتنظيم من منظَّمة "عدالة إفريقيا"، واستضافة "حركة عموم إفريقيا"، وتمويل من وزارة التنمية الدوليَّة في الحكومة البريطانيَّة، للتفاكر حول نفس القضايا موضوع النقاش المتوقع في كاودا. وقد شاركت في نقاشات المؤتمر حكومة السُّودان، الإيقاد وشركاؤه، واللجنة العسكريَّة المشتركة بجبال النُّوبة. وتحت شعار "فلنعمل سويَّاً من أجل السَّلام الشامل العادل الدائم في السُّودان"، ناقش المؤتمرون قضايا عديدة منها دور منبر الإيقاد كمظلَّة أساس للبحث عن السَّلام في السُّودان، المشاركة في السُّلطة، التنمية وتوزيع الثروة، المبادئ الدستوريَّة، الدين والدولة، حق تقرير المصير، حدود جبال النُّوبة وجنوب النيل الأزرق، الإجراءات الأمنيَّة، ودور المجتمع المدني في عمليَّة السَّلام. وقد أصدروا بياناً ختاميَّاً – إعلان كمبالا – وأذاعوه في الناس فيه يوضِّحون ما أسفر عنه نقاشهم. والجدير بالذكر أنَّ المشاركين قد اقترحوا أن يتمتَّع كل من إقليم جبال النُّوبة وجنوب النيل الأزرق بحكم ذاتي خلال الفترة الانتقاليَّة، بحيث يستطيع سكانهما أن يديروا شؤونهم بحريَّة، وأن ينتخبوا مؤسساتهم التنفيذيَّة والتشريعيَّة. وقد قرَّروا أنَّه ينبغي أن يكون هذا الحكم الذاتي جزءاً لا يتجزأ من اتفاقيَّة السَّلام بضمانات دوليَّة، على أن يتضمَّن في الدستور الانتقالي. كذلك قرَّروا أنَّه ينبغي أن تكون هناك مشاركة متساوية لمواطني جبال النُّوبة والنيل الأزرق في المؤسسات المركزيَّة.

بغض الطرف عن توصيات ومقررات المؤتمر الختاميَّة، إلا أنَّ هناك حقيقة جوهريَّة ألا وهي إنَّ الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشعبيَّة كانتا اللاعبين الأساسيين في إطار حل المشكل السياسي في السُّودان، وكان دور منبر الإيقاد محوريَّاً في إطار هذا الحل. والشيء الذي فشل المؤتمر في مخاطبته هو كيف يمكن أن تكون توصياته ومقرراته الختاميَّة لازمة لطرفي النزاع، في الوقت الذي فيه لم تشارك الحركة الشعبيَّة، واقتصر دور الحكومة السُّودانيَّة على المشاركة في النقاش دون التزام أخلاقي أو أدبي بتبني هذه المقررات والتوصيات، أو جزءاً منها على أقل تقدير. كذلك تقلُّص دور الإيقاد في هذا المؤتمر إلى المشاركة الرمزيَّة في الحوار لم يكن ذا جدوى بتاتاً. ثمَّ ما هي القوة العسكريَّة التي كان يمكن على المؤتمرين أن يلوِّحوا بها لإجبار الحكومة السُّودانيَّة على تقديم تنازلات سياسيَّة هنا وهناك؟ كلا! غير أنَّ المهم في الأمر رفض هؤلاء الإخوان من النُّوبة الحضور للاجتماع بإخوتهم في كاودا باستثناء المرحوم الأب فيليب عباس غبوش والمرحوم محمد حماد كوة، اللذان سافرا إلى نيروبي ومنها إلى كاودا. وقد أعطى هذا المؤتمر الانعزالي رسالة سلبيَّة إلى "الإيقاد" والمجتمع الدولي أنَّه ليس هناك صوت واحد لأبناء النُّوبة، بل إنَّ لهم أصوات متفرِّقة، وهذا ما كان يبغيه النِّظام "الإنقاذي" في الخرطوم، ويكدح فيه كدحاً فملاقيه.(88)



برغم من ذلك كله، انعقد مؤتمر عموم أبناء النُّوبة في كاودا في الفترة بين 2 – 5 كانون الأول (ديسمبر) 2002م، ويعتبر انعقاد المؤتمر بالكيفيَّة والحضور في حد ذاته انتصاراً للمستضعفين من أبناء النُّوبة. وقد امتاز المؤتمر بالتنظيم الجيِّد، وتكوَّن حضور المؤتمر من 33% من الشباب دون الأربعين عاماً، 33% من حملة الشهادات العليا من الديبلوما إلى الدكتوراه، 15% من حضور المرأة، 43% من المشاركين قادمون من المناطق تحت سيطرة الحكومة، وحولي 50% من المناطق تحت سيطرة الحركة الشَّعبيَّة لتحرير السُّودان، بينما شارك 15 عضواً (4%) من الخارج ممثلين لأوروبا وأمريكا وكندا، وبلغت حصيلة الحضور الكلي 390 عضواً ممثِّلين لمختلف فئات المجتمع المدني وألوان الطيف السياسي لأبناء النُّوبة من كل أرجاء السُّودان ومن دول المهجر، في وحدة وتلاحم رائع بين الشيب والشباب، الرجال والنساء، والطلاب والمثقفين والأميين. بينما شمل الحضور القيادات السياسيَّة التأريخيَّة وزعماء الإدارة الأهليَّة ومنظَّمات المجتمع المدني في الداخل والخارج، وأبناء النُّوبة في المهجر وعدد مقدَّر من الضيوف والصحافيين السُّودانيين والأجانب. إذ يعتبر المؤتمر معلماً بارزاً في تأريخ نضال النُّوبة السياسي والعسكري، وقد اكتسب أهميَّته أيضاً لأنَّه انعقد بعد سنين عدداً من الانقطاع بين أبناء النُّوبة في الخارج من جانب، ومناطق إدارة الحركة الشَّعبيَّة من جانب آخر، وأولئك الذين كانوا تحت سيطرة الحكومة السُّودانيَّة من جانب ثالث. وقد وجد أولئك وهؤلاء جواً ديمقراطيَّاً حراً ليتحاوروا فيما بينهم ما وسعهم الحوار عن قضايا المنطقة السياسيَّة والاقتصاديَّة والتنمويَّة والاجتماعيَّة والتعليميَّة والثقافيَّة. ومن المواضيع التي فيها تمَّ النقاش (ملحق رقم (23)).



الجذور التأريخيَّة وأسباب نشوء مشكلات منطقة جبال النُّوبة.



هُويَّة النُّوبة ووحدتهم.



ملكيَّة الأرض والموارد في جبال النُّوبة.



مستقبل منطقة جبال النُّوبة (السياسي).



قضية التَّعليم والعقائد.



قضيَّة المرأة ودورها في المجتمع.



بيد أنَّ أهم حدث سياسي تمَّ في هذا المؤتمر هو توحيد فصائل الأحزاب التي نذرت أنفسها للدفاع عن قضايا النُّوبة السياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، وهي: الحزب القومي السُّوداني الحر، الحزب القومي السُّوداني (القيادة الجماعيَّة)، الحزب القومي السُّوداني، واتحاد عام جبال النُّوبة، وذلك تحت مسمى الحزب القومي السُّوداني المتحد برئاسة الزعيم الأسقف فيليب عباس غبوش (رئيس الحزب القومي السُّوداني الحر سابقاً)، وينوب عنه رؤساء الأحزاب الثلاثة السابقة المكونة للحزب وهم:



محمد حماد كوة – رئيس الحزب القومي السُّوداني (القيادة الجماعيَّة) سابقاً.



البروفسير الأمين حمودة دبيب – رئيس الحزب القومي السُّوداني سابقاً.



يوسف عبد الله جبريل – رئيس اتحاد عام جبال النُّوبة سابقاً.



وفي الماضي قد حدثت محاولات دؤوبة لتوحيد فصائل الحزب القومي السُّوداني مع اتحاد عام جبال النُّوبة، إلا أنَّها باءت بالفشل. ففي العام 1997م أصدر الحزب القومي السُّوداني بياناً إلى جماهير الشَّعب السُّوداني فيه معلناً نبأ توحيد أجنحة الحزب المتعدِّدة ورأب الصدع في صفوفه، وضم اتحاد عام جبال النُّوبة. وذكر البيان أنَّ التوحيد تمَّ على أساس ثوابت وموجهات هي:



أولاً: إشاعة الديمقراطيَّة، وتوفير الحريَّات الأساسيَّة، وإقرار التعدُّديَّة، والتمسك بوحدة التراب السُّوداني، واحترام حقوق الإنسان، وتأسيس الحكم على المواطنة، وانتهاج الفيديراليَّة والتقسيم العادل للثَّروة، والمشاركة العادلة في السلطة.



ثانياً: احترام المواثيق الدوليَّة، وإتباع سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير، وحل المشكلات بالحوار وإدانة الإرهاب ومحاربته.



ثالثاً: على مستوى الإدارة الداخلية للحزب واللوائح:



إقرار النقد الهادف والبنَّاء.



معالجة المشكلات بالمكاشفة والصراحة والوضوح.



سيادة رأي الأغلبيَّة مع احترام رأي الأقليَّة.



وعودة إلى بيان كاودا، فقد أعلن البيان تشكيل قيادة منتقاة من الفعاليات الثلاثة (الحزب القومي السُّوداني – القيادة الجماعيَّة، الحزب القومي السُّوداني – جناح الأب فيليب غبوش، واتحاد عام جبال النُّوبة) لتسيير الأمور حتى قيام المؤتمرات لاختيار القيادات بصورة ديمقراطيَّة.(89) ولا ريب في أنَّ الخلافات التي نشبت العام 1997م في الحزب القومي السُّوداني – الذي حاز على 8 مقاعد في الجمعيَّة التأسيسيَّة ليكون ثالث حزب من ناحية عدد الأصوات التي نالها في الدوائر الجغرافيَّة، ورابع حزب في الترتيب الحزبي في السُّودان في عهد الديمقراطيَّة الثالثة العام 1986م - كان سببها تنظيميَّاً، حيث انشقَّت القيادة الجماعيَّة عن الحزب، مما يعني أنَّ الخلاف لم يكن حول القضايا السياسيَّة. إذ يبين محمد أبوعنجة أبوراس - أحد أعضاء القيادة الجماعيَّة - "أنَّ الخلاف لم يكن فكريَّاً (...)، بل (كان) يتعلَّق بالطموحات الشخصيَّة (...)، (وكان وجود) الطموحات الشخصيَّة تسبب تعكيراً في أجواء الحزب في بعض الأحايين."(90) ولعل الانشطارات داخل الأحزاب السياسيَّة ظاهرة سائدة في كل مكان وزمان، وفي الأحزاب الكبيرة والصغيرة، والعقائديَّة (يمينيَّة أو يساريَّة) وغيرها، إلا أنَّ الانقسامات داخل أحزاب الهامش – أو الجهويَّة – تؤججها الأحزاب التقليديَّة والطائفيَّة والعقائديَّة في الخرطوم، والتي أدمنت الافتئات على جماهير أهل الهامش دون الاهتمام بأمرهم في حال صعودها إلى السلطة. وقد زاد الأمور سوءاً العمل وسط هذه الأحزاب بغية بعثرتها، وبخاصة بعد ظهور الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، حيث رأت وارتأت السلطات في الخرطوم أنَّ أحزاب الهامش هذه ما هي إلا امتداداً إستراتيجياً للحركة الشعبيَّة، وبخاصة بعد تطابق رؤاها مع هذه الأحزاب في إعلاء رايات الإنصاف والعدالة والمساواة والمشاركة في السلطة السياسيَّة والثروة القوميَّة والمناداة بالتنمية المتوازية وغيرها من الشعارات والمطالب التي كانت تنادي بها هذه الأحزاب حتى قبيل بروز الحركة الشعبيَّة في الساحة السياسيَّة. ثمَّ افتقار هذه الأحزاب – لسان حال أهل الهامش - من المال والموارد الماديَّة، وتطلع زعمائها إلى القيادة دون امتلاك مؤهلات القيادة جعلها طعمة سائغة عند أهل السلطة، وذلك لما لهم من نفوذ سياسي وأمني ومالي وإعلامي. وكذلك انتشار الأميَّة في السُّودان، بما في ذلك بعض القيادات السياسيَّة، وقصور تجارب البعض السياسيَّة على الشؤون المحليَّة دون الانفتاح على تجارب الأمم الأخرى للاقتداء بها، قد جعلت وضع هذه الأحزاب مهزوزة ومرتبكة، دون أن يجمعهم جامع أو يوحدهم موحِّد.



أيَّاً كان من أمر الأحزاب السياسيَّة التي تبنَّت قضايا المهمَّشين، فقد اكتسب المؤتمر التشاوري لعموم أبناء النُّوبة الأول بكاودا أهمية كبيرة لأنَّه تناول قضايا عديدة منها: الجذور التأريخيَّة للمشكل، وعمليَّة السَّلام التي كانت ترعاها دول الإيقاد، وموضوع حقوق الإنسان، وقضيَّة ملكيَّة الأرض، وإعادة التوطين والإغاثة والتنمية، ودور المرأة والشباب والطلاب، ووحدة أحزاب جبال النُّوبة العاملة في العمل السلمي الجماهيري وغيرها. وكان من أهم قرارات وتوصيات المؤتمر، كما جاء في إعلان كاودا الختامي (ملحق رقم (24))، تفويض المؤتمر الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان تفويضاً كاملاً في تمثيل شعب النُّوبة في أيَّة مفاوضات للحل السلمي للمشكل. لقد جاء هذا القرار بعد أن أمَّن المؤتمرون بأنَّ طرفي التفاوض في مباحثات الإيقاد هما الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان والحكومة السُّودانيَّة، ولما كانت الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان هي التي دافعت عن حقوق النُّوبة وكل المهمَّشين، وحارب النُّوبة في صفوفها طوعاً واختياراً، كان من الطبيعي أن يُمثَّل النُّوبة عبر الحركة الشعبيَّة. كذلك قرَّر المؤتمرون أن تُحكم جبال النُّوبة في الفترة الانتقاليَّة بتشريعات وقوانين غير دستور النظام وتشريعاته وقوانينه، وبأنَّ يكون إقليم جبال النُّوبة خلال الفترة الانتقاليَّة جزءاً لا يتجزأ من المناطق التابعة للحركة الشعبيَّة، والتي ستطبق فيها قوانين وتشريعات ديمقراطيَّة ومختلفة، وفقاً لإعلان مشاكوس العام 2002م. كما أمن المؤتمر على حق شعب النُّوبة في حكم ذاتي، تحت إدارة الحركة الشعبيَّة، وحكومة منتخبة بواسطته وتخضع لمحاسبته ورقابته، وإنَّ الحديث عن تبعيتها للشمال أو الجنوب لفي غير محله وسابق لأوانه، بل جدل بيزنطي لا يخدم هدف إنهاء الحرب، وبأنَّ تبعيَّة جبال النُّوبة للسُّودان ككل، أو لأي جزء من أجزائه، سوف يتم تحديده عبر آليات ديمقراطيَّة في نهاية الفترة الانتقاليَّة. وثمَّن المؤتمر قرار الحركة الشعبيَّة بتمثيل الحزب القومي السُّوداني المتحد في اللجنة الفنيَّة للحركة الشعبيَّة في الجولة القادمة لمفاوضات الإيقاد لإتاحة مزيد من فرص التشاور حول تفاصيل حل قضيَّة جبال النُّوبة في إطار الحل الشامل (ملحق رقم (25)).



وما أن انتهى مؤتمر كاودا حتى استعرت حملة شعواء منكرة على أبناء النُّوبة تفويضهم للحركة الشَّعبيَّة للتفاوض نيابة عنهم في منبر "الإيقاد". وقد جاءت هذه الحملة المندِّدة من بعض أبناء النُّوبة أنفسهم ومن غيرهم، ولا نرى سبباً واحداً يحرم أبناء النُّوبة من اختيار الموقف السياسي الذي فيه اعتقدوا أنَّه يدعم مصالحهم. فأبناء النُّوبة المنخرطين في الحركة الشَّعبيَّة لم يقدموا على ذلك على أساس أنَّهم حلفاء مع الحركة الشَّعبيَّة، بل هم في حقيقة الأمر جزء لا يتجزَّأ من الحركة الشعبيَّة، ثمَّ إنَّ أبناء النُّوبة في الحركة الشعبيَّة قدَّموا فيها تضحيات جسيمة، وينبغي عليهم أن يجنوا ثمار نضالهم وفوائد إعادة التوطين والتعمير والتنمية مع إخوتهم من أهل الجنوب. هذه دوافع مشروعة – بلا شك – لخدمة مصالح أبناء منطقة جبال النُّوبة. إذن، لماذا لا يستهجن هؤلاء المستنكرون وجود الحركة الشَّعبيَّة كعضو فاعل في التجمع الوطني الديمقراطي أو – قل إن شئت – تحالف الحركة الشعبيَّة مع التجمع الوطني الديمقراطي، وكان يتفاوض مع الحكومة السُّودانيَّة لحل مشكل السُّودان لا الجنوب وحده، بل اختار هؤلاء المستنكرون دون تمحيص أن يصبُّوا استهجانهم على عنصر مكوِّن من عناصر الحركة الشعبيَّة، وهم النُّوبة؟ إنَّه لعنصريَّة بعينها، والاستعلاء الذي يفرض على صاحبه أن ينصب نفسه حكماً ووصيَّاً على الأغيار لاختيار التحالفات السياسيَّة والاجتماعيَّة التي ينبغي عليهم اختيارها.



ولا نكاد نمكث كثيراً في الانتظار بعد عودة قيادات الحزب القومي السُّوداني المتحد إلى الخرطوم – عدا المرحوم الأب فيليب عباس غبوش، الذي بقي في نيروبي مشاركاً في مفاوضات السَّلام بصفة مراقب - حتى فُوجئنا وفُجعنا بالرسالة الكارثيَّة التي بعثوا بها إلى المبعوث الكيني – الجنرال لازروس سمبويو - لعمليَّة السَّلام في السُّودان في الفاتح من حزيران (يونيو) 2003م. ففي فاتحة الرسالة التي جاءت من سبع نقاط باللغة الإنكليزيَّة طلب القادة من المبعوث الكيني أنَّه ينبغي "أن تتم محادثات مشكل جبال النُّوبة والمناطق (المهمَّشة) الأخرى صراحة، بحيث يكون لمنطقة جبال النُّوبة وضع خاص يسمح لها بالتمتَّع بالحكم الذاتي، وتقع تحت السيطرة المباشرة للحكومة المركزيَّة في خلال الفترة الانتقاليَّة التي مدتها ست سنوات؛ وبنهاية الفترة الانتقاليَّة ينبغي أن يكون للنُّوبة الحق في الانضمام إلى الشمال أو أن يكوِّنوا وحدة قائمة بذاتهم في حال انقسام السُّودان على دولتين." أما النقطة الثانية في الخطاب المرسل إلى المبعوث الكيني فتقول: "إنَّ أهل النُّوبة الذين أيَّدوا السُّودان الموحَّد لسوف يقفون مع أهل السُّودان في اختيارهم لوحدة السُّودان بنهاية الفترة الانتقالية التي مدتها ست سنوات." ولا شك في أنَّ هذه المواقف المتناقضة لأبناء النُّوبة قد أثَّرت على موقفهم التفاوضي من عدة مستويات، كما عبَّر عنها خطاب اللجنة المركزيَّة العليا لرابطة جبال النُّوبة العالميَّة بالولايات المتحدة الأمريكيَّة إلى نواب رئيس الحزب القومي السُّوداني المتحد في الخرطوم في 22 حزيران (يونيو) 2003م. وهذه المستويات هي:



المستوي التفاوضي، حيث اعتُمِد رئيس الحزب القومي السُّوداني المتحد – الأب فيليب عباس غبوش – في لجنة كبار مستشاري الحركة الشعبيَّة في مفاوضات السَّلام، ولم تنجح كل التنظيمات السياسيَّة الأخرى أن تصل إلى ما وصل إليه الحزب القومي السُّوداني المتحد، بما فيها التجمع الوطني الديمقراطي، وذلك لتعنت الحكومة، وعدم وجود تفويض مكتوب (من جماهير أحزابه) على غرار تفويض مؤتمر كاودا، فضلاً عن عدم امتلاكهم لقوات عسكريَّة يضغط بها بجانب العمل السياسي. ولهذا، فإنَّ ظهور أي موقف جديد مغاير لإطار مشاكوس وتوصيات كاودا قد يعطى رسالة سلبيَّة عن ماهيَّة مواقف أبناء النُّوبة، ويؤدِّي إلى تضعضع وضعهم عند الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشعبيَّة سويَّاً.



المستوى التنموي، حيث أنَّ العالم أجمع، وبخاصة المجتمع الأوربي والأمريكي وكذلك جامعة الدول العربيَّة، قد أعدوا خططهم لدعم وتعمير وإغاثة المناطق التي تأثَّرت بالحرب خلال صناديق ليكون نصيب الأسد للحركة الشعبيَّة في الإشراف المباشر عليها، باعتبار مناطقها هي التي عانت أكثر من غيرها. لذلك فإنَّ أي موقف جديد سيفقد جبال النُّوبة أحقيَّة الامتياز في التنمية، وسيزيد من تهميشها، وكذلك المناطق الأخرى، لأنَّ الحركة الشعبيَّة ستركِّز في مناطق تأييدها، وستواصل الحكومة جهلها لتلك المناطق كما اعتادت. كما أنَّ ثروات السُّودان سيتم توجيه معظمها في الفترة الانتقاليَّة للمناطق التي تضرَّرت بالحرب وفقاً لطرح الحركة التفاوضي كمدخل جذَّاب للوحدة، لذلك فأي موقف آخر سيفقد جبال النُّوبة الاستفادة من تلك الثروات.



المستوى السياسي والأمني، حيث أنَّ وصول الحركة إلى السلطة إن تمَّ فلم يأت من العمل السياسي وحده، بل نتاج تكامل العامل السياسي والعسكري، وبدون العمل العسكري ستكون الصورة أكثر قتامة، وهو ما أفقد التجمع الوطني الديمقراطي المشاركة في وضع إطار مشاكوس. وبما أنَّ النُّوبة قوة سياسيَّة وعسكريَّة، فإنَّ وجودهم من ضمن الحركة الشعبيَّة سيضمن لها حقها في المشاركة السياسيَّة بفعاليَّة. كما أنَّ إصرار الحركة الشعبيَّة في الترتيبات الأمنيَّة، والاحتفاظ بجيوشها نابع من خلال أهميَّة العمل العسكري للوصول إلى المرامي السياسيَّة. لذلك، فإن التغييرات السياسيَّة التي ستتم أساسها العمل العسكري، والذي إن فقدنا رباطنا معه، سوف ندور في حلقة مفرغة ولن تتحقَّق مرامينا (بمعنى المجموعات المهمَّشة).



المستوى الدولي، حيث أشار المجتمع الأمريكي والأوربي إلى تناقضات مواقف أبناء جبال النُّوبة، وعدم رؤيتهم الواضحة ستجعل موقفهم مهزوزاً على المستوى التفاوضي والتنموي، مما سيعمِّق مأساتهم. وهذا الموقف يسهِّل من عمليَّة انفصال الجنوب، لأنَّ وجود مناطق مختلفة في الحركة تؤمن وحدة السُّودان على أسس جديدة وعادلة هو أحد الضمانات للتصويت لصالح الوحدة، لأنَّ هذه المجموعات ستبني تنظيماتها السياسيَّة وتتحالف أو تتوحد للمشاركة الفاعلة في النظام الديمقراطي السليم المرتجى، وحتماً سيكون لها وضعها المميز. كما أنَّ "قانون سلام السُّودان" قد شمل بالتفصيل جنوب السُّودان وجبال النُّوبة وأبيي والأنقسنا، وهو بجانب عقوباته الاقتصاديَّة على الحكومة السُّودانيَّة في حال فشل التوقيع على السَّلام، مطاردة مجرمي الحرب من الحكومة، ودعم مناطق الحركة الشعبيَّة.



المستوى الإستراتيجي للنُّوبة، حيث أنَّ الموقف التفاوضي وتدخلات الوسطاء قد تقود إلى توافق تفاوضي يعطي جبال النُّوبة ذاتيتها واستقلاليتها ومشاركتها الفاعلة في الحكومة المركزيَّة وحكمها للإقليم، وربما حق تقرير مصيرها. كما أنَّه في أسوأ الحالات إن انفصل الجنوب بعد ست سنوات، وظلَّت هيمنة الشمال على مقاليد الأمور، فإنَّ الجنوب سيكون بعداً إستراتيجيَّاً لمواصلة النضال، لذلك لا ينبغي – بأيَّة صورة من الصور – فقد حليف إستراتيجي تكتيكي في ظل حكومة الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة هذه.



وفي هذه الأثناء، قامت بعض قيادات جبال النُّوبة في الخرطوم بإبداء رأيها حول كيفيَّة حل مشكل جبال النُّوبة في وثيقة سُلِّمت لمبعوث السَّلام البريطاني السيِّد ألن قولتي. وكانت الوثيقة، التي أمست مثار الجدل أيضاً، قد تضمَّنت النقاط التالية:



التمسُّك بخيار الوحدة الوطنيَّة.



منح جبال النُّوبة حكماً ذاتيَّاً.



أن تنال المنطقة نصيبها العادل في السلطة والثروة على المستوى الاتحادي.



أن تتم مناقشة قضيَّة المنطقة في منبر "الإيقاد"، وأن يشترك أبناء المنطقة في التفاوض بصورة فاعلة.



أن يشهد المجتمع الدولي على اتفاقيَّة السَّلام التي يتم التوصُّل لها ويضمنها.



أن يُحدَّد الوضع المستقبلي للمنطقة بعد الفترة الانتقاليَّة.



ليس من الافتراء على الحق في شيء إن قلنا إنَّ مفهوم "التمسك بخيار الوحدة الوطنيَّة" لغير صائب. فمتى كانت الوحدة الوطنيَّة في السُّودان خياراً! ومتى أُعطِي السُّودانيُّون فرصة لاختبار خيار هذه الوحدة الوطنيَّة المزعومة! وإلا لما كانت هذه الحروب الأهليَّة في جنوب السُّودان، حيث كانت مسألة الوحدة الوطنيَّة إحدى إشكالاتها وتجلِّياتها الصارخة في الاستقطاب السياسي والعسكري. ومع ذلك، كانت هذه الوحدة الوطنيَّة مفروضة قهراً واقتداراً على الأغيار الذين رأوا في هذه الوحدة إقهاراً وإذلالاً. فالوحدة "غير المؤهلة"(Unqualified national unity) ليست بمقبولة؛ إذ ينبغي أن تكون هذه الوحدة الوطنيَّة مبنية على المساواة والعدالة والتنمية المتوازية والمشاركة الفعليَّة في السلطة السياسيَّة والمؤسسات الأمنيَّة (الجيش والشرطة وأجهزة الأمن المختلفة) والتمثيل الديبلوماسي والدور الإعلاميَّة. وكذلك كان ينبغي أن يسأل أصحاب المذكرة أنفسهم بأنفسهم بأنَّ أهل النُّوبة طيلة سنوات الحكم الوطني بعد استقلال السُّودان العام 1956م قد طالبوا بترتيبات سياسيَّة لمنطقة جبال النُّوبة، وذلك في إطار السُّودان الموحَّد، وقد تردَّدت مطالبتهم هذه من خلال عملهم في النشاطات السياسيَّة التي كانت تنطلق من شمال السُّودان. أفبعد هذا ألم يكن من الأجدر لهم أن يسلكوا طريقاً أخرى غير تلك التي اتبعوها في الماضي، حيث أنَّهم لم يحصدوا من خلال السبيل القديم شيئاً، إلا خسراناً مبيناً؟ بلى! وكان السبيل الجديد هو الحركة الشعبيَّة والجَّيش الشعبي لتحرير السُّودان، لأنَّها امتلكت القوة العسكريَّة والنفوذ السياسي معاً. أيَّاً كان من الأمر، فقد جلبت النقطة الأخيرة من المذكرة غضباً من الحكومة ضد موقِّعي الوثيقة. وكان تفسير أنصار النِّظام هو أنَّ هذه النقطة تحتمل تفسيراً واحداً، ألا وهو "حق تقرير المصير"، والذي يعني عندهم "الانفصال" ولا غير. إنَّه لمن الأمر الطبيعي عندما يكون هناك ترتيب لفترة انتقاليَّة كحكم ذاتي مثلاً، فمن اللازم النَّظر في الأمر بعد انتهاء تلك الفترة لتحديد الوضع المستقبلي، والذي قد يفضي إلى تمديد فترة الحكم الذاتي، أو تعديل الصلاحيات في إطاره، أو تطبيع الوضع الدستوري للمنطقة ليتَّسق مع أوضاع بقيَّة الأقاليم الأخرى، أو أي خيار آخر تراه الأطراف المعنية بالأمر مناسباً.(91)

ومن نافل القول نستطيع أن نخلص إلى أنَّه من خلال المؤتمرات والمذكرات والنداءات والسجالات والمقالات الصحفيَّة برزت ثلاث مواقف سياسيَّة لأبناء النُّوبة نحو السَّلام. فهناك فئة منهم طالبت بحكم ذاتي في الفترة الانتقاليَّة في إطار الشمال، بحيث يتحدَّد موقفهم المستقبلي بعد ممارسة حق تقرير المصير وإجراء استفتاء عام لتحديد مستقبلهم السياسي. وهناك فئة أخرى نادت بحكم ذاتي في الإقليم في الفترة الانتقاليَّة وتحت إدارة الحركة الشعبيَّة، مما فسَّره البعض بتبعيَّة جبال النُّوبة للجنوب، إذ أنَّ الحركة الشعبيَّة لم تكن حركة جنوبيَّة، بل حركة سودانيَّة لكافة أهل السُّودان. ثم هناك فئة ثالثة كانت تبغي أن يتمتَّع إقليم جبال النُّوبة بالحكم الذاتي بعيداً عن هيمنة الشمال وخارج إدارة الحركة الشعبيَّة. وبالطبع، كانت هناك الفئة الرابعة من أبناء النُّوبة أنصار الحكومة السُّودانيَّة، وكان موقفهم هو موقف المؤتمر الوطني حول مسألتي الحرب والسلم في منطقة جنوب كردفان. ومع ذلك، عدد كل فريق أسباب تبنيه لرؤيته وفق تأريخ السودان السياسي-الاجتماعي، وممارسات الحكومات المتعاقبة، والاختلافات الثقافيَّة والدينيَّة والعرقيَّة التي يذخر بها أهل السُّودان وغيرها. هذا هو التباين في الرؤى السياسيَّة تجاه عمليَّة السَّلام الذي بات يحمله أبناء النُّوبة، وتم الاستقطاب السياسي على هذا الأساس حتى قبيل التوقيع على بروتوكول جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق العام 2004م.

Post: #90
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-21-2010, 03:18 PM
Parent: #89

الصفحة الرئيسية منبر الرأي الدكتور عمر مصطفى شركيان النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (7) .. بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان
النُّوبة بين أهوال الحرب وآمال السَّلام (7) .. بقلم: الدكتور عمر مصطفى شركيان طباعة أرسل إلى صديق
الأحد, 21 حزيران/يونيو 2009 19:41


[email protected]




بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق



لا يستقيم تحليل اتفاقيَّة السَّلام الشامل عامة، وبروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق خاصة، دون النظر إلى الطريقة التي بها وضعت الحرب الأهليَّة في السُّودان أوزارها العام 2005م. فلا الحكومة السُّودانيَّة استطاعت أن تنتصر على الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، ومن ثَمَّ تفرض نفوذها على مناطق سيطرة الحركة الشَّعبيَّة، ولا الحركة الشَّعبيَّة نجحت – من جانبها – في تحقيق نصراً شمولاً على الحكومة وتنزِّل مفهوم السُّودان الجديد على بقيَّة أرجاء القطر. من هذا المنطلق النظري بدأ الطرفان يتفاوضان فجاءت اتفاقيَّة السَّلام على هذا النحو، وبخاصة الجزء الخاص بجنوب كردفان والنيل الأزرق وبشكل ما منطقة أبيي. وكذلك فإنَّ السبيل الذي سلكه الطرفان للوصول إلى هذا البروتوكول الخاص بهذه "المناطق الثلاثة" في ذلك الرَّدح من الزَّمان يعود إلى المحاولات السياسيَّة الأولى التي تناولتها القوى السياسيَّة السُّودانيَّة المختلفة، بما فيها الحركة الشَّعبيَّة ذاتها، في تحقيق السَّلام في السُّودان. وكان هذا السبيل هو تقسيم مشكل الحرب الأهليَّة في السُّودان يومئذٍ بين الجنوب والشمال والمناطق المهمَّشة الأخرى – أي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ومنطقة أبيي. فما هي الجهود السياسيَّة التي أتت بها الأحزاب السياسيَّة منفردة أو مجتمعة باسم التجمع الوطني الديمقراطي، وكانت لها دور رائس في بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي فيما بعد؟



إذن، إنَّه لمن الأمر الأساس النظر إلى الخلفيَّة التأريخيَّة التي منها انبثق بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق. ففي إعلان المبادئ الذي أطلقته دول "الإيقاد" في 20 أيار (مايو) 1994م، تقول الفقرة 2-2: "يجب التأكيد على حق تقرير المصير لجنوب السُّودان لتحديد وضعهم المستقبلي عن طريق الاستفتاء." وقد تحفَّظت الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان حول "تعريف الجنوب"، لكن التحفُّظ دوماً ما هو إلا منطقة وسطى بين القبول والاعتراض، وإذا تجاوز التحفُّظ هذه المنطقة ليصبح اعتراضاً، فإنَّه ينبغي أن يكون للاعتراض أي اعتراض أنياب وأظافر لانتزاع الحق المسلوب أي حق. أمَّا الإعلان المشترك بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الشَّعبيَّة في القاهرة في يوم 19 تموز (يوليو) 1994م فقد كان شاملاً، بحيث تحدَّث عن كل من هو متضرِّر من الوضع السياسي في السُّودان دون التركيز على الجنوب بعينه. ففي هذا الإعلان الذي وقعه الدكتور أحمد السيِّد حمد (نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي) والقائد يوسف كوة مكي (رئيس المؤتمر القومي للحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان) - وفي الفقرة السادسة منه - يقول الإعلان: "في حالة الإخلال أو العدول عن المبادئ الأساسيَّة التي يتم الاتفاق عليها في المؤتمر (القومي) الدستوري، يكون للطرف أو الأطراف المتضرِّرة الحق في تقرير مصيرها، وذلك عن طريق استفتاء للطرف المعني. ويجب الالتزام بنتيجة الاستفتاء."(92) أمَّا فيما يختص بإعلان شقدوم الموقَّع بين حزب الأمة من جهة، والحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان من جهة أخرى، في يوم 21 كانون الأول (ديسمبر) 1994م فقد اعترفت الحركة الشَّعبيَّة اعترافاً كاملاً بحق تقرير المصير للشعب في جبال النُّوبة وإقليم أبيي، وجبال الأنقسنا، على أن يُمارس هذا الحق في استفتاء حر تحت رقابة دوليَّة، بينما رفض حزب الأمة ذكر وتضمين جبال النُّوبة، إقليم أبيي، وجبال الأنقسنا في الفقرة الخاصة بحق تقرير المصير لأيَّة مجموعة خارج جنوب السُّودان.(93) إذ لم يكن موقف حزب الأمة تجاه النُّوبة وقضاياهم بجديد. فللحزب في هذا الموقف السلبي ضد النُّوبة خاصة، وأهل الهامش عامة، سابقة وقدمة، ولعلَّ سياسات الحزب في الحكومة المركزيَّة في الفترة ما بين (1986-1989م) في تمليش القبائل العربيَّة وعسكرتها ضد النُّوبة أثناء الحرب الأهليَّة أوضح مثال لسوءات حزب الأمة في جبال النُّوبة. وكانت تحالفات حزب الأمة مع الحركة الإسلاميَّة مثيرة للاشمئزاز، ولا يطمئن عليها الحادبون على مصلحة السُّودان والمنادون بإنصاف أهليهم من جور السلطة وأصحابها. لذلك حين شرعت حكومة الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة تتحدَّث عن المصالحة الوطنيَّة من باب التزيُّد هدَّد الأب فيليب عباس غبوش – رئيس الحزب القومي السُّوداني الحر – "بالدخول إلى الغابة وحمل السِّلاح وتحريض سكان جبال النُّوبة ضد السلطة إذا توصَّلت الحكومة إلى صيغة تعاون مع السيَّد الصَّادق المهدي – رئيس الوزراء الأسبق (...) لأنَّه فشل من قبل في إدارة شؤون البلاد."(94)

وفي مؤتمر القضايا المصيريَّة بأسمرا – حاضرة إريتريا – في الفترة من 15-23 حزيران (يونيو) 1995م، فقد جاءت الفقرات التي تخاطب مشكل جبال النُّوبة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قراري التجمع الوطني الديمقراطي حول قضيَّة تقرير المصير وشكل الحكم (في الفترة الانتقاليَّة). فماذا وصى التجمع في هذين القرارين؟ في البد الخامس حول قرار تقرير المصير قرَّر التجمع "الالتزام بالسَّلام العادل والديمقراطيَّة والوحدة القائمة على الإرادة الحرة لشعب السُّودان، وحل النِّزاع الرَّاهن بالوسائل السلميَّة عبر تسوية عادلة ودائمة. ولتحقيق هذه الغاية، فإنَّ التجمع الوطني الديمقراطي يدعم إعلان المبادئ الصَّادر عن مجموعة الإيقاد كأساس عملي للتسوية العادلة والدائمة." ومن ثَمَّ اعترف التجمع في البند السَّادس من هذا القرار "أنَّ حق تقرير المصير هو حق إنساني ديمقراطي أساسي للشعوب يحق لأي شعب ممارسته." وقد أكَّد التجمع في البند التَّاسع "أنَّ المناطق المتأثرة بالحرب هي جنوب السُّودان ومنطقة أبيي وجبال النُّوبة وجبال الأنقسنا." ثم أشار التجمع في البند الثاني عشر "أنَّه فيما يتعلَّق بجبال النُّوبة والأنقسنا فإنَّ الحكومة الانتقاليَّة ستسعى للتوصل إلى حل سياسي لتصحيح الظلامات التي عانى منها أهل تلك المناطق، وستنظم استفتاء لمعرفة آرائهم حول مستقبلهم السياسي والإداري خلال الفترة الانتقاليَّة." هذا الإقرار بمبادئ الإيقاد دون تحفظ على أيَّة نقطة من نقاطها يجعل منطقة جنوب كردفان والأنقسنا وأبيي خارج تعريف الجنوب الذي يحق له ممارسة حق تقرير المصير بحدوده القائمة في أول كانون الثاني (يناير) 1956م قبيل انتهاء الفترة الانتقاليَّة. ولكن عموم الفقرة التالية يعطي جبال النُّوبة الحق في ممارسة حق تقرير المصير، وذلك لأنَّه "حق إنساني ديمقراطي أساسي للشعوب يحق لأي شعب ممارسته." ومن جانب آخر، فإنَّ الإقرار بمبادئ الإيقاد ليعني أنَّ منبر الإيقاد هو الإطار السياسي الذي به يمكن حل مسألة الحرب والسلم في السُّودان، بما في ذلك النزاع في جبال النُّوبة. وفي هذا المؤتمر أصدر كذلك التجمع الوطني الديمقراطي قراراً حول شكل الحكم، حيث جاءت التعريفات على النحو التالي:(95)

الكيان الجنوبي يعني المديريات الجنوبيَّة بوضعها الذي كانت عليه في الفاتح من كانون الثاني (يناير) 1956م.



بما أنَّ للجيش الشَّعبي وجود في بعض مناطق جبال النُّوبة وجبال الأنقسنا وأبيي، وبما أنَّ المصير النهائي لهذه المناطق سيُحسم من الناحية السياسيَّة والإداريَّة وفق الفقرة 5و6 من قرار التجمع حول تقرير المصير:

يُدار مركز أبيي وبعض المناطق التي يسيطر عليها الجَّيش الشَّعبي في جبال النُّوبة خلال الفترة الانتقاليَّة وإلى حين إكمال الإجراءات المشار إليها أعلاه حول الوضع السياسي والإداري لهذه المناطق عن طريق سلطة مدنيَّة مشتركة بين حكومة إقليم كردفان والحركة الشعبيَّة.تُدار المناطق التي يسيطر عليها الجَّيش الشَّعبي في جبال الأنقسنا عن طريق سلطة مدنيَّة مشتركة بين حكومة الإقليم الأوسط والحركة الشَّعبيَّة.

هذا، فقد حددَّ المؤتمر الفترة الانتقاليَّة بأربع سنوات تبدأ منذ مباشرة الحكومة الانتقاليَّة لسلطاتها. وبما أنَّه لم يشارك أي من فصائل الحزب القومي السُّوداني في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيريَّة ولا اتحاد عام جبال النُّوبة، إلا أنَّ تمثيل شعب النُّوبة في هذا المؤتمر المصيري كان مقصوراً على الحركة الشعبيَّة، وكان من ضمن أعضاء وفد الحركة القائد دانيال كودي، وهو من أبناء النُّوبة. ولا شك في أنَّ قرارات وتوصيات التجمع حول مسألة النُّوبة كانت منصفة.

وحسبما ورد في بروتوكول مشاكوس الإطاري الموقع بين الحركة الشعبيَّة من ناحية، والحكومة السُّودانيَّة من ناحية أخرى في 20 تموز (يوليو) 2002م، فقد خصَّ البروتوكول شعب جنوب السُّودان بالذكر والتحديد في مواقع عدة. ففي الجزء الخاص بالمبادئ المتفق عليها، ورد ما يلي:

إنَّ وحدة السُّودان، التي تقوم على أساس الإرادة الحرة لشعبه والحكم الديمقراطي، والمساءلة، والمساواة، والاحترام، والعدالة لجميع مواطني السُّودان، ستظل هي الأولويَّة بالنسبة للطرفين، وأنَّه من الممكن رد مظالم شعب جنوب السُّودان وتلبية طموحاته ضمن هذا الإطار.



شعب جنوب السُّودان له الحق في رقابة وحكم شؤون إقليمه والمشاركة بصورة عادلة في الحكومة القوميَّة.



شعب جنوب السُّودان له الحق في تقرير المصير وذلك، ضمن أمور أخرى، عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلاً.



تخطيط وتنفيذ اتفاقيَّة السَّلام بغية جعل وحدة السُّودان خياراً جذَّاباً، وبصفة خاصة لشعب جنوب السُّودان.



وكما أشار البروتوكول واضحاً بأنَّ "شعب جنوب السُّودان له حق تقرير المصير، وذلك – ضمن أمور أخرى – عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلاً"، لم يعط البروتوكول هذا الحق لإقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولئن جاء وضع أبيي في مقام وسط بين الشمال والجنوب في الترتيبات النهائيَّة لاتفاقيَّة السَّلام الشامل. وقد جاءت هذه الأمور الأخرى، الواردة نصاً في البروتوكول، فيما عُرِفت بحكومة جنوب السُّودان بأجهزتها التنفيذيَّة والتشريعيَّة والقضائيَّة والعسكريَّة والأمنيَّة والماليَّة ومكاتب حكومة الجنوب بالخارج في شكل أشبه بالبعثات الديبلوماسيَّة. وفيما يختص بالجزء المخصص للدين والدولة، فقد شملت البنود الواردة فيه حقوقاً دينيَّة وثقافيَّة تسري على النُّوبة وأهل الجنوب وغيرهم ممن يعتنقون غير الإسلام ديناً ويتثاقفون بثقافة غير عربيَّة. وكذلك يمنح الجزء الخاص بهياكل الحكم حقوقاً مشروعة، مما يدخل منطقة جبال النُّوبة – إذا جاء التعداد السكاني مصدِّقاً بين أيدينا – في مجال هذه الخصوصيَّة. والبندان هما:



التشريعات التي تُسن على الصعيد القومي، المطبقة على الولايات الجنوبيَّة و/أو الإقليم الجنوبي، يكون مصدرها التوافق الشعبي، وقيم وعادات شعب السُّودان (بما في ذلك تقاليدهم ومعتقداتهم الدينيَّة، احتراماً للتنوع في السُّودان).



عندما يكون هناك تشريع قومي نافذ المفعول في الوقت الحالي، أو تمَّ سنه ومصدره قانون ديني أو عرفي، فإنَّ أيَّة ولاية أو إقليم لا تمارس أغلبيَّة السكان فيه مثل هذه الديانة أو العادات، يجوز لهم عندئذٍ:



إصدار تشريع يسمح بأعراف أو ممارسات في ذلك الإقليم، تتماشى مع دياناتهم أو عاداتهم، أويُحال القانون إلى مجلس الولايات للموافقة عليه بأغلبيَّة الثلثين أو البدء في تشريع قومي ينص على مثل هذه الأعراف البديلة اللازمة حسبما هو ملائم.



فلا ريب في أنَّ المؤتمر الوطني قد اجتهد الاجتهاد كله كي لا يستفيد النُّوبة من هذه البنود التي ضُمِّنت في دستور السُّودان الانتقالي، وبذلك بضم ولاية غرب كردفان سابقاً – بعربه المسلمين – إلى ولاية جنوب كردفان، حتى تختل المعادلة الديمغرافيَّة في التعداد السكاني والإحصاء الانتخابي وأي استفتاء عام أو أيَّة مشورة شعبيَّة.



ومن هنا تجدر الإشارة إلى أنَّ لكل الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق المحليَّة أو الإقليميَّة أو الدوليَّة مرجعيَّات، واتفاقيات السَّلام بالسُّودان ليست باستثناء. إذ كانت مرجعيَّة اتفاقيَّة أديس أبابا العام 1972م لحل مشكل جنوب السُّودان هي تلك التوصيات والقرارات التي خرج بها مؤتمر المائدة المستديرة العام 1965م، وصاغتها لجنة الأثني عشر المنبثقة من المؤتمر، وفشلت في تنفيذها حكومة الأحزاب السياسيَّة السُّودانيَّة يومئذٍ، حتى أخذهم انقلاب العقيد جعفر محمد نميري العام 1969م بغتة وهم لا يعلمون. ثم جاء قادة الانقلاب وصاغوها في اتفاقيَّة أديس أبابا. كذلك إنَّ الوضع السياسي الذي خرجت به ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق - وبشكل أو بآخر منطقة أبيي – هو المشروع السياسي الذي ارتضته القوى السياسيَّة (التجمع الوطني الديمقراطي) في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيريَّة في حزيران (يونيو) 1995م، وإن جاءت التوصيات في ذلك المؤتمر دون تحديد النسب المئويَّة، كما هو واضح أعلاه. فما هو الدَّرس الذي ينبغي تعلُّمه من هذا كله؟ إنَّ أي عمل سياسي ينبغي ألا يُبنى على جرفٍ هاو، وذلك لأنَّ ملحقاته لسوف تعتمد اعتماداً كليَّاً على هذا الأساس، فإن كان هشَّاً سوف ينهار البناء عند تعرُّضه لأول عاصفة سياسيَّة. أفلم تروا كيف آلت اتفاقيَّة أديس أبابا إلى الزوال العام 1983م لأنَّها لم تتضمَّن بنوداً هامة تجاه ضمانات الاتفاق من عسكريَّة وسياسيَّة وإقليميَّة ودوليَّة وأمميَّة؟ بلى! أفلم تروا كيف انقلب استقلال إريتريا في نيسان (أبريل) 1993م إلى تجدُّد الحرب بينها وبين إثيوبيا العام 1998م لأنَّ الاستقلال الثوري هذا لم يحسم كل القضايا المشتركة بين البلدين، بما فيها قضيَّة الحدود والأراضي المتنازعة عليها؟ بلى! أفلم تروا كيف انقلبت الوحدة بين شطري اليمن (الجنوبي والشمالي) العام 1994م إلى اندلاع الحرب الأهليَّة في ذلكم البلد لأنَّ الوحدة لم تخاطب جميع القضايا السياسيَّة والاقتصاديَّة الاجتماعيَّة وغيرها بين الشعبين السَّابقين؟ بلى!



على أي، ففي الشهادة التي أدلى بها الدكتور فرانسيس دينج أمام الكونغرس الأمريكي العام 2002م في جلسة استماع مهمة حول "تحديد الخطوة التالية في طريق السَّلام في السُّودان"، حيث تحدَّث فيها ثمانية من المسؤولين والخبراء الذين لهم صلة بملف السُّودان، قال الدكتور دينج أنَّه لا يمكن للطرفين، أي الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشَّعبيَّة، أن يكسبا الحرب في المدى القريب. وعليه يكون البديل هو التعايش داخل إطار دولة واحدة بنظامين، برغم أنَّ النُّوبة وبقيَّة المناطق المهمَّشة ترى في هذا الاقتراح إخراجاً لها عن المعادلة، مما يجعلهم يطالبون بعدة أنظمة بدلاً عن نظامين. وبما أنَّ مواطني جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وأبيي من المهمَّشين سياسيَّاً وتنمويَّاً واجتماعيَّاً وثقافيَّاً، فينبغي إيجاد صيغة لحل مشاكلهم أيضاً. لقد كانت التوصية المركزيَّة لجون دانفورث هي أنَّ جهود السَّلام يجب أن تتواصل في طريقين: أولهما برغماتيَّاً محفِّزاً، وثانيهما يتعلَّق بالسَّلام الشامل الذي يتعاطى مع القضايا الخطيرة في الصراع. وكان المدخل التدرجي هو اتفاق وقف إطلاق النار بجبال النُّوبة – كما أشرنا سلفاً، وكان يمكن أن تجري ترتيبات مشابهة في المناطق الحدوديَّة الأخرى بين الشمال والجنوب لا سيما منطقة دينكا أبيي التي تفصل بين جنوب كردفان وشمال بحر الغزال. أما المدخل الثاني فهو البحث عن سلام شامل، وذلك ببذل المزيد من الجهد طالما أنَّ الخطوات التدريجيَّة في جبال النُّوبة قد ساعدت على جلب المساعدات للمنطقة. ثم شرع الدكتور دينج يتحدَّث عن مبدأ تقرير المصير، الذي قبلته كل القوى السياسيَّة في البلاد، ولكن بدرجات متفاوتة كما رأينا، وعدَّه الدكتور دينج مساهمة فاعلة لعمليَّة سلام "الإيقاد". فلو أنَّ قيادة السُّودان في الشمال أدركت أنَّ الوحدة المستدامة لا تُفرض، ولكنها تتحقَّق إجماعاً، عليه سيكون الاعتراف بحق تقرير المصير دافعاً للراغبين في الوحدة لخلق ظروف مؤدية للوحدة، ولو فشلوا في ذلك، فينبغي أن يقر الجميع بأنَّ الوحدة ليست هدفاً في ذاتها، لكنها وسيلة للأهداف الأعلى لخير البلاد وشعبها. لكن إذا كانت الوحدة أساساً للقمع والاضطهاد والإذلال، إذن لن يمكن تبريرها.(96) ولكي لا تلجأ الشعوب دوماً إلى "حق تقرير المصير" ينبغي تطبيق مبدأ المساواة في المواطنة مقرونة بالعدالة ووحدة البلاد والوطن، وذلك بالاستناد إلى مبادئ رفض كل أشكال الظلم والتعسف والتمييز ذي الطابع القومي أو العرقي أو الطائفي. وإنَّ في إقامة ميزان عادل ومساواة مواطنيه واعتراف بالخصوصيَّة وحقوقها الثقافيَّة أو الدينيَّة أو اللغويَّة لتجنب البلاد طغيان الأغلبيَّة التي تأتي بالديمقراطيَّة، وتمارس هذه الأغلبيَّة في سن القوانين بالأكثريَّة البرلمانيَّة – كما حدث في حال حزب الأمة (1986-1989م). لذلك ينبغي أن يصبح القسط أو العدل قاعدة التأسيس. وقد يتطلَّب الوضع تشكيل نظام محاصصة، أو نظام فيديرالي حقيقي، أو حكم ذاتي، أو إتحادي كونفيديرالي، الأمر الذي يتطلب التراضي، بحيث يتم إسقاط مبدأ الانفصال، الذي ينبغي اللجوء إليه في الحالات القصوى التي يصل فيها الصِّراع إلى الاختيار بين أهون الشرين. كانت هذه التأكيدات لمبدأ تقرير المصير لشعوب جنوب السُّودان فقط تعطي إشارات سالبة لقضيَّة جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ومنطقة أبيي، وقد أصرَّت الحركة الشعبيَّة على أنَّ هذه المناطق جزء لا يتجزأ من الكيان السياسي الجنوبي، وذلك بحكم التأريخ المشترك في الظلم الاجتماعي والاضطهاد العرقي منذ عهود الرِّق السحيقة.



وحين ينفي البعض أن تكون منطقة جبال النُّوبة جزءاً من جنوب السُّودان، تجدوننا نقول – لذلك كذلك، وبذات المنظور – إنَّها ليست جزءاً من شمال السُّودان، وإلا من ذا الذي قسَّم السُّودان إلى شمال وجنوب؟ وما إذا كان هذا التقسيم مقدَّساً؟ كانت هذه المنطقة تُدار بقانون "المناطق المقفولة" حتى العام 1922م على عهد الحكم البريطاني-المصري في السُّودان (1898-1956م)، ولم تكن جزءاً من شمال السُّودان الإداري. وإنَّ تقرير المصير لحق مكفول لكل أجزاء السُّودان، وليس للجنوب وحده، ليقرِّر السُّودانيُّون بحر إرادتهم موقفهم من الوحدة والانفصال، بالتراضي الطوعي، وسلطة "الإنقاذ" التي كانت ترفض حق تقرير المصير لبعض مناطق القطر لم تكن تملك تفويض الرَّفض لأنَّها كانت مرفوضة هي في ذاتها، فضلاً عن أن تمنح شيئاً. إنَّ الوحدة لا يمكن أن تُفرض بالقوة لكي تقوم على الهيمنة والتغييب والوصاية، كما لا تقوم على الأماني والوهم العاطفي، إنَّما تقوم على مرتكزات تأخذ بعين الاعتبار تركيبة المجتمع السُّوداني المعقَّد، وتجد لها الحلول لبناء مجتمع مدني قائم على التعدُّد الثقافي والعرقي والديني. ولا نكون قد حدنا عن الحق إن قلنا إنَّ أكثر من 70% تقريباً من سكان السُّودان لمن أصل إفريقي، لهم لغاتهم الإفريقيَّة، وإنَّ اللغة العربيَّة التي يتحدَّثها الجنوبيُّون والنُّوبة وأبناء الأنقسنا، بل ومعظم سكان السُّودان من ذوي الأصول الإفريقيَّة بطريقة ركيكة، لا تعبِّر عن هويَّتهم وانتمائهم الإفريقي الذي به يعتزُّون. فكما أنَّ للذين يدَّعون العروبة الحق في التحدُّث بلغتهم العربيَّة وتبني ثقافتها، فإنَّ للذين يؤكِّدون أنَّهم من أصل إفريقي حقاً مساوياً لاختيار اللغة التي يريدونها، والتي تعبِّر عن هُويَّتهم وثقافتهم الإفريقيَّة، وما الحرب التي استعرت في السُّودان واستمرَّت ردحاً من الزَّمان إلا مصداقاً لغياب الحل الديمقراطي لقضايا السُّودان.(97)



أما بعد، فلم تكن المحادثات التي استمرَّت زهاء العامين ونصف العام – منذ التوقيع على بروتوكول مشاكوس الإطاري في تموز (يوليو) 2002م حتى لحظة التوقيع على اتفاقيَّة السَّلام الشامل في كانون الثاني (يناير) 2005م – هيِّنة ليِّنة، بل اتَّصفت بالمراوغة والمداورة، والشد والجذب بين طرفي النِّزاع (أي الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشعبيَّة)، والترهيب والترغيب، والوعيد والنذير من جانب الوسطاء، فضلاً عن خروقات وقف إطلاق النار هنا وهناك، وبخاصة من جانب الحكومة السُّودانيَّة. إزاء هذه الضغوط الدوليَّة وتعنُّت نظام الخرطوم، عجزت الحركة الشَّعبيَّة أن تمضي بمطالب هذه المناطق أكثر مما جاء به البروتوكول المعني. هذه هي الخلفيَّة التفاوضيَّة التي فيها دخل أهل النُّوبة في الحركة الشَّعبيَّة في التفاوض مع حكومة السُّودان، وخرجوا بما خرجوا به من النسب المئويَّة المدرجة في البروتوكول إياه في السلطة التنفيذيَّة والتشريعيَّة (45% للحركة الشَّعبيَّة، و55% للمؤتمر الوطني). وكما جاء في البروتوكول فإنَّه ينص على أن "يُشكَّل المجلس التشريعي للولاية من أربعة وخمسين عضواً (54)، ستة وثلاثين عضواً (36) من منطقة جنوب كردفان وثمانية عشر عضواً (18) من منطقة غرب كردفان سابقاً بما في ذلك أبيي. ومع ذلك فإنَّ تمثيل المنطقتين يخضع للتعديل وفقاً لنتيجة تعداد السكان وقرار المفوضيَّة القوميَّة للانتخابات حسب مقتضى الحال." كذلك نص البروتوكول أنَّ "كل واحدة من المنطقتين – أي جنوب كردفان وغرب كردفان سابقاً – يكون لها ممثل واحد في مجلس الولايات، إلا أنَّ ذلك الترتيب يخضع لأي تغييرات مستقبليَّة يتم الاتفاق عليها." وكذلك تستفيد منطقة غرب كردفان سابقاً من نسبة ال2% التي تشكل نصيب المسيريَّة في بترول أبيي، وفي نفس الحين تُقسَّم بالتساوي نسبة ال2% التي تُشكِّل نصيب غرب كردفان من نصيب بترول أبيي بين جزئي الولاية لكل واحد منهما 1%. تُرى كيف استحوذت منطقة غرب كردفان سابقاً على نصيب الأسد في التمثيل السياسي وميزانيَّة الولاية والتنمية برغم من أنَّها لم تتأثَّر بالحرب، وقد تتغيَّر الأوضاع لصالحها أكثر فأكثر في ظل التلاعب بالتعداد السكاني والدوائر الجغرافيَّة ونتائج الانتخابات وتزوير إرادة الشعب في منطقة جبال النُّوبة. فبينما كانت الحكومة السُّودانيَّة تفاوض الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان لحل النِّزاع المسلح في جنوب كردفان، كانت تسعى لغرس عوامل الاستثمار السياسي مستقبلاً في هذه المنطقة من خلال تذويب نسبة الحركة الشعبيَّة في السلطات التنفيذيَّة والتشريعيَّة والقضائيَّة، وذلك باستخدام المسيريَّة في غرب كردفان. إذ كان الغرض الأساس من إعادة هذه الولاية السابقة، التي تبدو ظاهراً بأنَّها مكسب سياسي للنُّوبة، هو في حقيقة الأمر لعبة سياسيَّة ماكرة قام بها المؤتمر الوطني لزيادة حجمه الانتخابي، ولاختلاق متاعب أمنيَّة ضد النُّوبة إذا دعت الضرورة. هذا، وكان قبول الحركة الشعبيَّة باستيعاب ولاية غرب كردفان سابقاً في جنوب كردفان خصماً على قضايا دستوريَّة وسياسيَّة، وهي حق تقرير المصير لشعب جبال النُّوبة واسم الإقليم – أي جنوب كردفان بديلاً ل"جبال النُّوبة". والجدير بالذكر أنَّه في الماضي انخرط شباب المسيريَّة في قوات الدفاع الشعبي التي حاربت في خندق واحد مع الجيش الحكومي ضد الجيش الشعبي لتحرير السُّودان والمواطنين المدنيين في جنوب السُّودان وجنوب كردفان. وقد شكَّل هؤلاء الشباب المدرَّبون على حمل السلاح من المسيريَّة هاجساً أمنيَّاً للنظام بعد أن وضعت الحرب الأهليَّة أوزارها في جنوب السُّودان وجنوب كردفان، وبخاصة بعد أن عجزت الدولة أن تلبي مطالبهم المتمثلة في الحوافز الماليَّة والتنمية والتعمير في مناطقهم.

وبما أنَّ هاتين القضيَّتين – أي حق تقرير المصير واسم الولاية – يمكن أن تشكلان أجندة المشورة الشعبيَّة في المستقبل، إلا أنَّه ليس هناك ضمانات يمكن أن تكون لصالح النُّوبة. فإضافة منطقة غرب كردفان بسكانها - الذين لم يتأثَّروا بالحرب الأهليَّة كما تأثَّر النُّوبة، ولم ينزحوا من ديارهم كما نزح النُّوبة – لسوف تشكِّل عاملاً ديمغرافيَّاً ضد مصائر النُّوبة، ولا شك في أنَّ التلاعب السياسي بالدوائر الجغرافيَّة والعمليَّة الانتخابيَّة والتعمد في عدم تسهيل برامج إعادة التوطين والتعمير والتنمية وتوفير الخدامات الاجتماعيَّة في مناطق جنوب كردفان ذات الكثافة النُّوباويَّة قد قصد منها التأثير السلبي على الاستقرار والعودة الطوعيَّة لمواطني جبال النُّوبة إلى قراهم لصالح المؤتمر الوطني، والحد من فرص العمليَّة العادلة في هذه المسائل، وبذلك يفقد النُّوبة مكاسب دستوريَّة وسياسيَّة وإداريَّة يومئذٍ. كذلك إدخال إقليم يقطنه العرب في آخر أغلب سكانه من النُّوبة هو امتداد لسياسة المؤتمر الوطني في اختلاق نزاعات أثنيَّة بين المجموعات القبليَّة المختلفة التي تقطن في المنطقة، وانشغالها بالاقتتال القبلي وعدم الاستقرار حتى لا تُوجد أيَّة فرصة لتوحيدهم مستقبلاً ضد السياسات الضارية التي تتبعها الحكومات المركزيَّة في الولاية.

ومع ذلك، فالواضح مما جاء في المشورة الشعبيَّة هو أنَّ بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق ليس بتسوية نهائيَّة للنزاع في هاتين المنطقتين. إذ أنَّه لسوف يخضع لآراء "ممثليهم المنتخبين بصورة ديمقراطيَّة في المجالس التشريعيَّة"، وذلك بعد تداولهما لتقارير اللجنة البرلمانيَّة للتقويم ولقياس تنفيذ اتفاقيَّة السلام الشامل في كل ولاية. كما يخضع البروتوكول لتقرير لجنة مستقلة لتقويم تنفيذ اتفاقيَّة السلام الشامل في كل ولاية من الولايتين، حيث ترفع اللجنة تقريرها إلى الحكومة القوميَّة وحكومتي الولايتين لتصحيح أي إجراء يحتاج إلى تصحيح لضمان التنفيذ المخلص للاتفاق. وعندما يعتمد الشعب هذا الاتفاق من خلال المجلس التشريعي لأي من الولايتين، ويرى أنَّه يحقِّق تطلعاته عندئذٍ يصبح الاتفاق تسوية نهائيَّة للنزاع السياسي في تلك الولاية. أما إذا قرَّرت أي من السلطتين التشريعيتين في الولايتين، بعد استعراضهما للاتفاقيَّة، أن تُصحح – في إطار الاتفاقيَّة – قصوراً في الترتيبات الدستوريَّة والسياسيَّة والإداريَّة للاتفاقيَّة – عندئذٍ تشرع السلطة التشريعيَّة في التفاوض مع الحكومة القوميَّة بغرض استكمال النقص. وكما أشرنا في سطور سابقة وفي صفحة سابقة، إذ يعتقد كثر من أبناء النُّوبة بأنَّ الحركة الشعبيَّة قد قبلت بالمشورة الشعبيَّة بديلاً لحق تقرير المصير لشعب جبال النُّوبة، ولكي تكسب موقفاً تفاوضيَّاً حول النزاع لمنطقة أبيي بشك خاص وضمان حق الجنوب لتقرير المصير بعد الاستفتاء العام 2011م على وجه العموم. هذا ما كان من أمر المشورة الشعبيَّة. ومع ذلك، فهناك الكثيرون من أبناء النُّوبة – وحتى في أوساط السياسيين – من يعتقدون بأنَّ حق المشورة هو حق الخيار في الانضمام إلى أي من الدولتين في حال انفصال جنوب السُّودان، وهناك من يظن أنَّ المشورة الشعبيَّة هي الحق في تعديل الاتفاقية بعد فترة من جانب واحد، فهذا قول يجافي الحقيقة القانونيَّة، لأنَّ حق المشورة يعني أنَّ للجان التشريعيَّة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحق في معالجة أوجه القصور والخلل الناتج من عدم تنفيذ الاتفاقيَّة، وليس التعديل لأنَّ التعديل من جانب واحد وبعدم موافقة الطرف الأخر الموقع على الاتفاقية يعني نقض الاتفاق. وقد أعدَّ المؤتمر الوطني أدواته ووسائله للتعامل مع هذا المشورة الشعبيَّة في المستقبل. فما هي إستراتيجيَّته في هذا الشأن؟ حسبما جاء في إفادات آدم الفكي – نائب رئيس المؤتمر الوطني لولاية جنوب كردفان العام 1986م – أنَّ المؤتمر الوطني يرى "أنَّ الخروج المبكر من دائرة المشورة الشَّعبيَّة والاتفاقيَّة (بروتوكول جنوب كردفان) على أن ينتخب مجلس تشريعي ولائي بعد الفترة الانتقاليَّة، وهذا المجلس هو الذي ينظر في الكيفيَّة التي تتم بها المشورة الشَّعبيَّة، ونحن كمؤتمر وطني نرى من الأهداف الإستراتيجيَّة التي يمكن العمل عليها لتقديم أو تأخير المشورة الشَّعبيَّة من خلال ثلاثة محاور، هي:(98)



المحور الأول: يجب أن يكون الوالي منتخباً حراً من الجماهير بأغلبيَّة ساحقة من المؤتمر الوطني.



المحور الثاني: يجب أن يجتهد المؤتمر الوطني في كسب تأييد أغلبيَّة أعضاء المؤتمر الوطني في المجلس الوطني والممثلين لجنوب كردفان.



المحور الثالث: كذلك على المؤتمر الوطني أن يجتهد في المجلس الولائي حتى إذا أتت المشورة الشعبيَّة يكون للمؤتمر الوطني وجوداً.



هذه هي إستراتيجيَّة المؤتمر الوطني في التعامل مع مسألة المشورة الشعبيَّة، وهي غير خافية على أحد. وبما أنَّ المشورة الشعبيَّة هي التي لسوف تعبِّر عن المستقبل السياسي والدستوري والإداري لولاية جنوب كردفان، يعتبر نصيب الولاية من الثروة القوميَّة هو الضمان الأساس في إعادة التوطين والتعمير والتنمية وتحسين الخدمات الاجتماعيَّة (صحة وتعليم وأمن غذائي) والأحوال الأمنيَّة وغيرها، حتى يشارك جميع سكان الولاية برؤاهم في هذه المشورة عن طريق انتخاب ممثليهم الشرعيين انتخاباً حرَّاً نزيهاً (Free and fair elections). لذلك كذلك خصَّص البروتوكول نسبة 2% من عائدات البترول المنتج في الولاية كما هو محدَّد في اتفاق اقتسام الثروة، وحدَّد البروتوكول أن تُمثَّل الولاية في مفوضيَّة تخصيص ومراقبة الإيرادات الماليَّة بما يكفل الشفافيَّة والعدالة فيما يختص بنصيب الولاية من الإيرادات المحققة قوميَّاً، وذلك للتأكد من أنَّ المخصصات المستحقة للولاية لا تُحتجز. وقد جاء في اتفاق الطرفين – حكومة السُّودان والحركة الشعبيَّة – أن تُخصَّص 75% من الموارد الإجمالية للصندوق القومي لإعادة الإعمار والتنمية للمناطق المتأثِّرة بالحرب، وبخاصة جنوب كردفان والنيل الأزرق، بينما يُخصَّص الباقي (25%) لأقل المناطق نمواً. بالإضافة إلى مخصصات الميزانيَّة ونصيب الولايتين من الصندوق القومي لإعادة الإعمار والتنمية، يخصص رئيس الجمهوريَّة مبلغاً من المال لكل ولاية من الولايتين. كما أنَّ لكل ولاية من الولايتين الحق في "استدانة المال من الداخل والخارج بضمان الولاية فقط في إطار الاقتصاد الكلي القومي كما تحدِّده وزارة الماليَّة." وقد استنجد مالك عقار – والي النيل الأزرق من قبل الحركة الشعبيَّة – بهذا البند وقام في نهاية العام 2007م بالتفاوض مع دول الخليج، حيث تحصَّل على أثره على قروض ميسَّرة لمشاريع التنمية في الولاية، وذلك دون تدخل من حكومة الوحدة الوطنيَّة في الخرطوم. كان هذا مما جاء في بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق فيما يختص بنصيب الولاية من الثروة القوميَّة، لكن هل باتت حكومة الوحدة الوطنيَّة، التي يتحكَّم فيها حزب المؤتمر الوطني، تنفِّذ نصوص وبنود هذا البروتوكول كما ينبغي استحقاقاً لسريان مفعول السلام؟ كلا! حتى إذا طُبِّق بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق كاملاً فسوف لا يزيل الغبن التأريخي الضارب بجذوره في وجدان شعب جبال النُّوبة تماماً، إلا أنَّه سوف يعطي إشارة موجبة أنَّ أصحاب السلطة في الخرطوم أخذوا يراعون المواثيق والعهود لأول مرة في تأريخ السُّودان. إذن، ماذا جرى لميزانيَّة واستحقاقات الولاية من المال العام؟



لا مريَّة في أنَّ غياب النوايا السليمة واعتماد التسايس أساساً للشراكة من قبل حزب المؤتمر الوطني هما اللذان حدَّدا وهدَّدا مصير السلطة في جنوب كردفان. هكذا لم يستطع حاكم الولاية من الحركة الشعبيَّة – خميس إسماعيل جلاب، ولمدة العام ونصف العام – لم يستطع تشكيل حكومة الولاية. إذ مضت سبعة أشهر قبل أن يتفق الشريكان على وزير الماليَّة. وما أن تم تعيين الأمير عبد الله كمبال وزيراً للمالية (حزب المؤتمر الوطني) حتى احتكر الوزارة ولم يكد الوالي خميس جلاب – يعلم ما يدور في الوزارة، أو حتى النفاذ إلى رؤساء المصالح الأخرى. وبالتواطؤ مع وزارة الماليَّة المركزيَّة في الخرطوم ودون إتباع الإجراءات الحكوميَّة المعهودة للعطاءات، وافق وزير الماليَّة الولائي على توقيع عقودات التشييد مع شركات ذات الصلة بحزب المؤتمر الوطني. وعندما تمَّ تعيين الوالي الجديد من المؤتمر الوطني عمر سليمان، ونائبه من الحركة الشعبيَّة دانيال كودي، استمرَّ الشلل في أجهزة الحكم التنفيذيَّة في الولاية.



ولعلَّ واحداً من هذه الشركات المشبوهة هي شركة نابكو، والتي تحوَّلت إلى نبتة، وعامل الشبهة هو أنَّها تديرها الاستخبارات العسكريَّة وجهاز الأمن، حيث حازت على عقد مقداره 32 مليون جنيه سوداني (16 مليون دولار أمريكي) العام 2007م لحفر 165 بئراً واستيراد 110 عربة للولاية. وهذا العقد لم يتم اعتماده عبر القنوات الرسميَّة التي ينبغي أن يسلكها أي عطاء حكومي. وبما أنَّ هذا العقد كان قد كُتِب على ورقة (مروسة) باسم محامي في الخرطوم على أن ينفَّذ العمل في هذه المشاريع بحلول الفاتح من آذار (مارس) 2008م، إلا أنَّه كان قد تم التوقيع على العقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007م، مما يجعل الأمر مستحيلاً لإكمال هذه المشاريع في هذه الفترة الزمنيَّة الوجيزة. ومع ذلك، لم يرد في العقد تفاصيل الدفع. وشركة نابكو هذه فرع من شركة أواب، والتي زُعم أنَّه تقع تحت إدارة وزارة الداخليَّة. كذلك تم إعطاء عقد مقداره 35,4 مليون جنيه سوداني (17,7 مليون دولار أمريكي) لشركة إثار، وهذه الأخيرة تديرها قوات الدفاع الشعبي، لحفر 100 حفير. ووقعت شركة جوهرة العطشان عقداً مع وزير الماليَّة في الخرطوم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007م لتوفير المياه قبل شهر فقط من تسجيلها لدي وزارة التجارة. وفي النصف الأول من ولاية جلاب لم يستلم المعلمون وموظفو الصحة رواتبهم الشهريَّة لمدة أربعة أشهر حسوماً. وقد تعمَّد المؤتمر الوطني عدم إرسال ميزانيَّة جنوب كردفان لإفشال إدارة الحركة الشعبيَّة في الولاية، وكذلك تأخَّر إرسال مالية التنمية حتى كانون الثاني (يناير) 2008م – أي بعد 6 أشهر من استلام الحاكم الجديد عمر سليمان (من المؤتمر الوطني) مقاليد السلطة في الولاية. ولا شك في أنَّ الحكومة الولائيَّة قد نفَّذت بعضاً من المشاريع التنمويَّة في الطرق، حفائر المياه، المراكز الصحيَّة، والمستشفيات، لكنها في المناطق التي يسكنها العرب في ولاية غرب كردفان سابقاً. هكذا لم تحظ مناطق النُّوبة في شرق وجنوب-شرق الولاية بأيَّة مشاريع تنمويَّة-خدميَّة، باستثناء 30-40% من ال115 عقداً تم توقيعه بمبادرة من إدارة جلاب، حيث تمَّ تنفيذه بعد 3 سنوات من توقيع اتفاقيَّة السَّلام الشامل العام 2005م.



ولا ريب في أنَّ أموال الولاية تعتمد اعتماداً كليَّاً على التحويلات الفيديراليَّة، لذلك تجدها عرضة للتلاعب على المستوى القومي. وحسبما جاء في تقرير البنك الدولي، فإنَّ جنوب كردفان يحصل على نصيب أقلَّ من الجنوب ومما كانت تحصل عليه ولاية غرب كردفان سابقاً، أي قبل اتفاقيَّة السلام الشامل. وإنَّ أغلب هذه الأموال لا تصل إلى الولاية أو إنَّها لتُصرف خارج الولاية. وهناك أكثر من 70% من ميزانيَّة الولاية تبقى في الخرطوم دون أن تصل إلى خزينة الولاية في كادقلي، وتُستخدم في دفع تعهدات العقودات. وإنَّ إعطاء هذه العقودات للشركات المذكورة أعلاه بواسطة الحكومة المركزيَّة – وبدون موافقة حكومة الولايًَّة – لتساعد على نمو الفساد المؤسساتي لصالح شركات حزب المؤتمر الوطني وأفراده.



وبعد تعيين حاكم من المؤتمر الوطني – عمر سليمان – حاول حزبه تقسيم مهام وزير الماليَّة، وذلك بعد أن تيقَّن أنَّ هذه الحقيبة سوف يتولاها أحد أعضاء الحركة الشعبيَّة، والذي قد يضع حداً لهذا التلاعب بأموال الولاية في الوزارة. وقد اقترح المؤتمر الوطني إنشاء وزارة جديدة للتخطيط التنموي، ولتكون مسؤولة عن إدارة ميزانيَّة التنمية. وكان أساس الفكرة لدي المؤتمر الوطني هو الإبقاء على والاحتفاظ بالأموال التي خصَّصها للشركات التابعة له، مما سيقلِّل منصب وزير المالية (من الحركة الشعبيَّة) إلى دور المحاسب فقط. لذلك رفضت الحركة الشعبيَّة هذا الاقتراح جملة وتفصيلاً. وبعد انقضاء ثمانية أشهر، توصَّل الطرفان إلى اتفاق بموجبه تمَّ إنشاء وزارتين، حيث قضى الاتفاق بإنشاء وزارة الاقتصاد والاستثمار لتخطيط مشاريع التنمية، بما فيها التشييد والأشغال العامة، فيما تدير وزارة المالية كل عمليات التنفيذ، وهي: منح العطاءات، تحويلات المال والنفقات. وكان على رأس وزارة الماليَّة الدكتور أحمد عبد الرحمن سعيد (الحركة الشعبيَّة)، ووزارة الاقتصاد والاستثمار محمد نايل (المؤتمر الوطني)، حيث منع الوالي عمر سليمان وزير المالية الدكتور أحمد سعيد من تعيين موظفيه، مما اضطر الأخير أن يعمل مع الطاقم الوزاري القديم – أي الحرس القديم (The old guard). وإزاء عدم الثقة الذي اختلقه تقسيم الوزارة الأصليَّة، لم يستطع حكومة الولاية اتخاذ القرارات التنفيذيَّة الهامة في مشاريع البناء والتعمير. وكذلك أُصيب عمل المجلس التشريعي بالشلل التام. وفي أيلول (سبتمبر) 2008م اشتد الخلاف حول إدارة الميزانيَّة بين الحاكم عمر سليمان ووزير الاقتصاد والاستثمار محمد نايل من ناحية، ووزير الماليَّة الدكتور أحمد سعيد من ناحية أخرى، مما أدَّى إلى إقالة الدكتور سعيد من منصبه وقفل وزارة المالية لعدة أسابيع في ذلكم الشهر. وكان الوالي، الذي وجد نفسه مهدَّداً بتحقيقات قام بها وزير الماليَّة لإعادة النَّظر في عقودات التشييد، قد زعم أنَّ قرار إقالة الدكتور سعيد جاء بتفويض من النائب الأول لرئيس الجمهوريَّة (ورئيس الحركة الشعبيَّة) سيلفا كير ميارديت، الأمر الذي لم يقرَّه دانيال كودي، والذي أصرَّ أنَّ القرار قد تمَّ اتخاذه دون التشاور مع الحركة الشعبيَّة.(99) وقد علمنا أنَّ الأمر كله اعتمد على المؤامرات التي أُحبِكت وأُحِيكت بين عشيَّة وضحاها ومن وراء الجدران، سواء كان من قبل المؤتمر الوطني أو أعضاء في الحركة الشعبيَّة نفسها. هذا ما كان من أمر صعوبة ضبط مالية الولاية، وذلك لما لها من الأثر المباشر على مشاريع التنمية والخدمات الاجتماعيَّة والأمن الغذائي. لقد تمت هذه التجاوزات الماليَّة برغم من وجود نص صريح في بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق. فحسبما جاء به البروتوكول في المبادئ العامة من الديباجة فإنَّ "تنمية الموارد البشريَّة والبنية التحتيَّة هو الهدف الرئيس للولاية، وينبغي تحقيقها لتلبية الاحتياجات الإنسانيَّة وفقاً لأفضل الممارسات المعروفة للتنمية المستدامة في إطار من الشفافيَّة والخضوع للمساءلة."

ومن بعد استعراض شمول، وقراءة متأنيَّة، ورؤية مستقبليَّة لبروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومن بعد أن أعطيناه حظنا من النظر لنلم بالفوائد والشوارد لتقييدها والتمعُّن فيها، ولنفحم به أكابر أهل المؤتمر الوطني، ومن بعد هذا كله التمسنا في هذا البروتوكول عنصرين في غاية الأهميَّة، هما: المشورة الشعبيَّة ونصيب الولاية من الثروة القوميَّة. فالمشورة الشعبيَّة هي التي لسوف ترسي دعائم الاستقرار النهائي في الولاية، وذلك بعد حسم القضايا الدستوريَّة والسياسيَّة والإداريَّة التي عجز البروتوكول في الإيفاء بها، أو المضي قدماً في حلها. لذلك كان البروتوكول بمثابة إجراء مؤقَّت لوقف العدائيات وإعادة نشر القوات، واستغلال السياسة وعاملي المكان والزمان لحسم هذه الأمور الشائكة، والتي استعصى على المتفاوضين والوسطاء أمر حسمها. هذا، فقد ارتبطت هذه السياسة، التي آل إليها أمر البت في القضايا المؤجَّلة، ارتباطاً وثيقاً بالانتخابات العامة ونتائجها، والعامل المكاني هو الولاية نفسها، والتي لسوف تدور فيها هذه المعركة الانتخابيَّة، "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" (المطففين 83/26). أما البعد الزماني فقد تغيَّر من ميقاته المرصود كما حدَّده البروتوكول "بحلول السنة الرابعة من التوقيع على اتفاقيَّة السلام الشامل"، أي العام 2009م، وذلك نسبة لتأجيل الانتخابات العامة من ميعادها. هكذا بات مستقبل الولاية محكوماً بما سيسفر عنه هذه المشورة الشعبيَّة، ولكن – قطعاً بلا شك - إنَّها قد لا تكون العصا السحريَّة التي سيتوقف عليها حل جميع مشكلات جنوب كردفان.أما نصيب الولاية من الثروة القوميَّة فلم تجد سبيلها إلى الولاية حسبما خُطِّط لها. فلو أنَّ النوايا السياسيَّة صلحت، وصفت القلوب من رواسب العنصريَّة البغيضة، وبخاصة من قبل حزب المؤتمر الوطني، وتمَّ الإيفاء بالالتزامات الماليَّة، ومحاربة الفساد إعلاميَّاً وتنفيذيَّاً، واتخاذ خطوات عمليَّة لتنفيذ مشاريع التنمية والتعمير وجعل الولاية جاذبة لإعادة التوطين، فلو أنَّه تمَّ كل هذا وذاك لاستطاعت المنطقة أن تخطو خطوة نحو الرفاهيَّة الاجتماعيَّة. وبما أنَّ قضيَّة التنمية المتوازية كانت أحد أسباب اشتعال الحرب الأهليَّة في السُّودان العام 1983م فعدم إعطاء أولويَّة لهذه المسألة الهامة سيظل عامل غبن لسنين عدداً، مما ينذر بكارثة وشيكة أو آجلة. وبالطبع، هناك مشكلات أخرى تهدِّد الاستقرار والسَّلام في المنطقة كما سنبين في الصفحات القادمة.

Post: #91
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: آدم جمال أحمد
Date: 08-22-2010, 05:24 AM
Parent: #90

شكراً ناصر الأحيمر .. عللى هذا البوست الرائع
وألف حمد الله على السلامة ورمضان كريم وتصوم وتفطر
على خير.
نحن متابعين ما تقوم به تجاه الارض وملكيتها وع شعب
جبال النوبة .. لأن أى شعب بلا أرض شعب بلا هوية والى الأمام

Post: #92
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-22-2010, 08:27 PM
Parent: #91



: الأب فيليب عباس غبوش..باعث نهضة الجبال





إعداد عبدالله إسماعيل

لا يذكر الجدل إلا ويذكر معه من احترف إثارته بفن وجدارة ويعود ذلك الى الطرائق والأساليب العديدة التي استطاع أن يخرج بها عن مألوف السياسي السوداني، ففجر النكتة السياسية (الحكيمة والساخرة) التي ما زالت أصداؤها تتردد في زوايا الردهات وتسير بها الركبان باختلافاتها التي ما زالت تترى أوصافها، فمنها ما وصفته بالعنصري المتعصب ومنها ما وصفته بالمسامح والكريم..

في أخر لقاءاته قال:

إن السودان الذي ننشده ونتمناه يجب أن يقوم على أساس واقعنا الموضوعي، وذلك باندماج (افريقيته في عروبته وإسلامه في مسيحيته)، ولا مجال للتملص من الواقع السياسي ولا مجال لركل الواقع الاجتماعي، ولا مجال لعدم الاعتراف بالتعدد الديني. ومن هنا يمكنني أن اقول حتى تجد كل قومية مكانها على أرض السودان الشاسعة، يجب علينا الاعتراف بكل تفاصيل أنفسنا نحن السودانيين.

إنه (الأب فيليب عباس غبوش) الذي ينتمي الى قبيلة (النيمانج) أو (حجرالسلطان)، وهي أحد أفرع قومية النوبة الأساسية التي تقطن الأجزاء الشمالية من جبال النوبة،غرب مدينة الدلنج، لتلك القبيلة اسهامات فعالة في مناهضة المستعمر الإنجليزي في المنطقة وغيرها خلال العقود الثلاثة الأولى التي أعقبت سقوط الدولة المهدية (1899)، الشيء الذي أدى الى ان يصفهم الإنجليز بالقبائل الجبلية المشاكسة، وتعتبر ثورة السلطان عجبنا التي نشبت في عام 1913م من أهم وأشهر تلك النضالات ومن قوة واحتشاد البطولات خرج الى الدنيا الأب فيليب عباس غبوش آدم) فهو سلسل ذلك الزخم التاريخي والتراثي الباهر حسب إفادات الكثير من أبناء تلك القبيلة وتلك المناطق بأن هناك صلة قرابة بينه والسلطان عجبنا، وتقول الوثائق والإفادات إن اسمه الحقيقي (عباس غبوش آدم )وترجع تسميته بـ(فيليب) الى الكنيسة وتم تعميده وهو في التاسعة من عمره على يد مبشرة انجليزية تعرف باسم (وينثروب) (winthrope، وهو من اب وأم يدينان بالإسلام.

كان ميلاده في الأول من يناير1922م بحي بانت في أم درمان عن والد كان جندياً برتبة جاويش في قوة دفاع السودان، وكان مشاركاً ضمن كتيبة النوبة في ثورة اللواء 1924م، تلقي تعليمه الأولي في مدرسة سلارا - ريفي الدلنج - والوسطى في مدرسة (كاتشا)ريفي كادوقلي ثم كلية (اللاهوت) في جوبا، سمي راعياً للكنيسة الأسقفية في الفترة ما بين 1957 ــ1962م ، ثم اسقفاً للكنائس في غرب السودان في الفترة بين 1963 ـ 1964م ، انضم للكتلة السوداء التي أسسها (أدم أدهم) في العام 1946م.

انتخب نائباً في البرلمان عن جبال النوبة في دورتي 1965 ـ 1968م.

انتخب عضوًا لمجلس الشعب في فترة الرئيس جعفر نميري في الثمانينيات، وانتخب عضواً في الجمعيَّة التأسيسيَّة العام 1986م، تمَّ تعيينه عضواً بمجلس الشعب القومي العام 1978م، وأخيراً صار عضواً في البرلمان ضمن مجموعة التجمع الوطني الديمقراطي ممثلاً للحزب القومي السُّوداني المتحد في ظل حكومة الانقاذ، ترأس اتحاد عام جبال النوبة الذي تأسس في العام 1964، انضم للمعارضة الخارجية في العام 1970م ولم يعد الى حضن الوطن إلا بعد المصالحة الوطنية عام 1977م ، ليؤسس من بعد ذلك حزب السودان الحر، اعتقله جهاز أمن الدولة في عهد حكومة نميري وحكم عليه بالإعدام في أعقاب تداعيات اشتراكه في عملية انقلابية، ترأس حزب السودان الموحد الوطني، أسس الحزب القومي السوداني في 17/مايو /1985م ، وكان رئيساً له حتى وفاته التي حدثت في العاصمة البريطانية لندن في العام 2008م. ولم يكن تمرد الأب فيليب غبوش على ما يتعارض حسب رؤيته والعدالة وليد صدفة لا بل ذلك كان جزءًا لا يتجزأ من تكوينه، والدليل على ذلك تمرده الباكر على المفتش البريطاني (مستر ويلسن) في جوبا حين رفض الانصياع إلى أوامره، إذ طلب منهما هو وزميله (أبيل ألير) أن يقوما بدفع عربته التي استقرَّت في الوحل، ولم يستطع إخراجها بمفرده. إذ اتَّصف أسلوب تعامل المفتش مع الطالبين بشيء من الكبرياء والصلف الشديد، وحين علم(مستر ويلسن) أنَّ هذا الشاب المشاكس من منطقة جبال النُّوبة همهم في نفسه وانفجر فيهما صائحاً: إنَّنا قلنا لهم لا تجلبوا أبناء النُّوبة إلى هنا، لأنَّهم سيؤثِّرون في أبناء الجنوب سياسيَّاً. وحينما سأل المفتش التلميذ فيليب عباس لماذا أتيت إلى هنا ولديكم مدارس في جبال النُّوبة؟

فكانت إجابته جاهزة، إذ رد بالقول: ( إننا لا نملك مثل هذا النوع من المدارس هناك ). ففي بواكير عمله السياسي في الستينيَّات من القرن المنقضي كتب الأب غبوش عدة مقالات في صحيفة "كردفان"، وأقام بعض الندوات السياسية في مدينة الأبيض، حيث كانت الأبيض هي المحطة الثانية له بعد الانتهاء من الدراسة في جنوب السودان. وفي الأبيض سكن في حي (البان جديد)، هذا حسب إفادات الوثائق الانجليزية والسودانية التي عنيت بتوثيق مسيرة الراحل المعروفة بالمواقف السياسية والأدوار الحياتية المحتشدة، وما زالت الوثائق تقول إنه في إحدى جلسات البرلمان في الفترة 1967 – 1968 وقف العضو فيليب عباس غبوش وهدد بمقولته الشهيرة: إذا لم يتم إلغاء ضريبة الدقنية المفروضة على النوبة فسيعترف النوبة بدولة إسرائيل الشيء الذي أقام الدنيا، وكان يريد من خلال ذلك التهديد أن يلمس على ذلك العصب الحساس في الوجدان القومي ليستدر عطف الحكومة والفاعلين فيها أو لإثارتهم وتنبيههم بأهمية الأمر حتى تلغى ضريبة الدقنية على النوبة (كرهاً أو طوعاً) خاصة وأنها تمثل البند الأول في أجندة اتحاد عام جبال النوبة والداعم الأساسي لشرعيته أمام جماهيره خاصة وهو القادم الجديد لأول مشاركة سياسية في البرلمان بعد عشر سنوات من الاستقلال، بعد حوالي اثنتي عشر عاماً من تصريح الأب فيليب غبوش هبط أنور السادات رئيس الدولة (ذات الفعالية السياسية والدولية الأعظم في المنطقة) في تل أبيب عام78 19م ضيفاً عزيزاً على حكومة إسرائيل وبارك الرئيس السوداني حينها – النميري – الزيارة علناً لتترى من بعد ذلك الاتفاقيات والصفقات السرية واحدة تلو الآخرى مع دولة إسرائيل لتتبرع الحكومة السودانية آنذاك بالدعم البشري وتقوم بترحيل الفلاشا الإثيوبيين إلى إسرائيل.

وكان خصومه في البرلمان في الديمقراطية الثالثة يعتبرونه سياسياً بارعاً وذلك نسبة لأنه يحترف إجادة اللعب على تناقضات الممارسة السياسية وألاعيبها الحزبية ومناوراتها الجماهيرية في الليالي السياسية,

كان الراحل جون قرنق يخص الأب فيليب غبوش بمكانة خاصة جدًا وذلك لكونه رفد الحركة الشعبية بأبناء النوبة الذين لعبوا أدواراً ضخمة وعظيمة في ثبات وانتصارات الحركة الشعبية ومن نواحٍ أخرى لأن الأب فيليب غبوش يتمتع بعلاقات قوية بالفاتيكان والكثير من الدول الأجنبية التي حتماً ستدعم أنشطة الحركة الشعبية لتحريرالسودان، ولا يخفى دعمه الواضح للحركة الشعبية. وأرجعت بعض الكتابات حميمية العلاقة الى كون السيد قرنق وفيليب ينتميان الى الافريقانية بينما ترى أخرى أن سر متانة العلاقة بينهما يعود الى كونهما ينتميان الى الديانة المسيحية.

وفي مقال للدكتور( عمر مصطفى شركيان) يبدأ الحديث عنه ببيت شعر يقول،

مات قوم وما ماتت مآثرهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ليتواصل الحديث عنه حسب المقال: يكفي أبناء النوبة فخرًا أن الأب (غبوش)هو باعث نهضة الجبال بكل ما تعني الكلمة من معنى فهو الذي أضاء لنا طريقًا للبحث عن حقوقنا التي لم نصل اليها بعد، فالأب (غبوش) كان متسامحاً وكريماً يحب الناس بصورة لا عادية وهو دوماً ما ينشد الخير لكل أمة السودان، ولم يكن عنصرياً، لا بل كان صاحب رسالة واضحة ظل يتحدث ويناضل من أجلها دون لف ولا دوران، ولأننا لم نعتد على مثل هذا النوع من الوضوح نعت بتلك الصفة المبغوضة سماء وأرضاً ولا مشلكلة للأب فيليب سوى انه وقف صامدًا متحدياً كل الصعاب التي حاولت ان تلجمه وتسد طريقه وظل كذلك حتى وفاته.

* يقول عنه تيه كوكو: على الناس ان ينظروا إليه كقيادي بارز في السياسة السودانية وباعتباره رجلاً صاحب تاريخ ناصع بإثارته قضايا جوهرية مهمة في حياة المجتمع السوداني، وتلك القضايا التي أثارها إذا لم يثرها هو من الذي ننتظره ليثيرها انابة عنا فهو قدم الكثير من الاطروحات والأفكار السياسية القيمة التي أخذ سياسيو اليوم يتبنونها مثل الفدرالية وحقوق المواطنة ورفع الظلم عن من يعرفون بـ(الاقليات) هذه نادى بها الأب فيليب غبوش منذ زمن بعيد لكنها ما ألفت آذاناً صاغية وليس لدي ما أقوله سوى انه مناضل من طراز فريد يعشق الناس وإلا ما سر وسحر هذا الرجل الذي ملك قلوب كل الناس وخاصة النوبة الذين امتلك ناصية نضالهم خلال نصف قرن من الزمان، إن بعض الرجال يصنعون تاريخ النضال في بلدانهم وأحيانا أخرى تمتد بصماتهم الى خارج الحدود وبعضهم يصنعهم التاريخ النضالي لبلادهم، فالذين يصنعون التاريخ يشاركون في أحداثه، بعضهم في دور البطل والبعض الآخر في دور (الكمبارس)وزعيمنا هذا ولد بطلاً ليحيا بطلاً ويموت بطلاً.

وتحرك د. حامد البشير إبراهيم على مستويات مختلفة وهو يتحدث عنه ويقول: تعرفت لأول مرة على الزعيم فيليب عباس غبوش في العام 1985م عندما كنت طالباً للدراسات العليا بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك ما جعلني انهمك بإعداد بحث تحت عنوان: (التنمية والتطور السياسي في جبال النوبة ) وذلك ما حتم علي أن أولي وجهي شطر الوطن جئت وكانت أول خطواتي على ارض الوطن قادتني الى منزل السيد فيليب غبوش بحي البوستة في ام درمان وما ان وصلته حتى رحب بي ترحيباً حارًا وفاض فمه بعبارات الإطراء والإعجاب بموضوع البحث الذي قررت أن أدون أول بياناته من إفادات الأب غبوش لأنه شاهد على عصر التحولات بمجمل اختلافاتها فغمرته سعادة عارمة ليس لكونه واحدًا من اهم الذين لعبوا أدوارًا فاعلة في ذلك الجزء من الوطن لا بل لأهمية التوثيق والتاريخ لحراك سياسي ووطني ضخم له أثره الواضح على مجمل التداعيات السياسية في السودان كما أثبتت الأيام بعد ذلك وخاصة خلال حقب الثمانينيات والتسعينيات وحتى هذه اللحظات التي ما زالت تتكشف فيها الأحداث وتتوالد التطورات.

كان الأب فيليب عباس غبوش ذا نظرة عميقة ودقيقة وبعيدة تحيط بكل زوايا المستقبل وبالطبع كان كثيراً ما يسترشد بالتاريخ أيضاً في اغلب مواقفه السياسية. من خلال ثوثيقي لتجاربه في دراساتي- اكتشفت أنه دوماً ما يقتفي أثر الزعيم ( مارتن لوثر كنج) قائد ودينمو حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية وكان الأب غبوش يرى ضرورة انشاء اتحاد عام جبال النوبة، تنظيم مطلبي غايته تحقيق المشاركة الفاعلة والاقتسام العادل لموارد البلاد السياسية والاقتصادية مع تثبيت حق (الأقليات) في قضايا الهوية واستيعاب التنوع واحترامه إن كان مالياً أو إثنياً والخطأ الكبير الذي اقترفه بعض ساستنا في حق الأب فيليب غبوش هو الترويج لكونه عنصرياً وتلك كانت اتهامات رمادية لا تشبه الزعيم غبوش وكانت محض صراعات
حول السلطة من المركز الذي أدمن ممارسة الرفض وظل يأبى على أطرافه بالعدل حتى إن ثارت عليه الأطراف ولو تمت الاستجابة الدستورية للحركات المطلبية التي ظهرت في الستينيات مثل اتحاد عام جبال النوبة ومؤتمر البجا وجبهة نهضة دارفور لكنا قد جنبنا الوطن نزيف الدم الغالي الذي سال أنهاراً في جبال النوبة وفي دارفور وفي الشرق وفي النيل الأزرق. لكن..؟؟

لقد كثر ترددي على منزل السيد فيليب غبوش خلال تلك الحقبة الزمنية بين (1985م – 86) بقصد جمع البيانات خاصة عن فترة الستينيات التي لمع فيها نجمه كأحد القادة التاريخيين الذين أسسوا اتحاد عام جبال النوبة بعد ثورة اكتوبر 1964م.
هنالك عدة صور نحتت في ذاكرتي بشدة حينما كنت أتردد على منزل السيد فيليب غبوش وأنا أتعرف عليه عن قرب أيضاً، ان السيد غبوش وبالرغم من انه زعيم سياسي لامع وذائع الصيت وعضو برلماني سابق ومتهم (كبير) ولمرات عديدة بمحاولات إنقلابية وصفت في حينها بالعنصرية رغم كل ذلك فإن هذا الزعيم (الأسطوري) يقيم في منزل مشيد من الجالوص الا انه عتيق برغم (جالوصيته) لأن البساطة فيه تغلبت على التواضع في الحين الذي يستطيع فيه السيد فيليب غبوش ان يقطن ما تتمناه نفسه لكن ذاك هو حال اصحاب القضايا العظيمة وكانت الاندهاشة الكبرى تمخضت لاحقاً عندما عرفت انه (حتى ذلك المنزل الجالوصي كان يسكنه بالإيجار) وأغلب الظن انه لم يمتلك منزلاً قط حتى مماته، ومن كثافة التواضع واحتشاد البساطة يمكنني أن اقول إنه واحد من النماذج السياسية السودانية القليلة الذين اتسمت حيواتهم بالعفة والعصامية وذلك ما يقودنا دوما الى ان نقول إن الأب فيليب دوماً يعشق الانحياز الى جماهيره لذلك دوماً ما نتناسى تفاصيل حاتهم فهو يأكل كما يأكلون ويلبس كما يلبسون ..الخ.
و كان محبوباً للحد الذي ظللت اجد فيه المنزل كلما حضرت يعج بالضيوف والزوار فضلاً عن الطلاب المقيمين معه بصورة مستديمة وبعد عدة زيارات نمت بيننا درجة عالية من الصداقة والإلفة والتقدير المشترك مما جعله يغمرني في كثير من الأحيان بقفشاته الجميلة والتي تعبر عن ذكاء (نقدي) حاد وقدر كبير من الدعابة, كما كان عاطفياً لدرجة عالية اذ كثيراً ما غلبت عليه الدموع امام جماهيره التي كان يحسن دغدغة عواطفها. ذكرت له يوماً بأنني حقاً منبهر بالكرم الشديد الذي شاهدته في منزله! فضحك ضحكة خفيفة وقال مازحاً: ( انه الكرم العربي يا ابني كما تقولون) فضحكنا طويلاًً وما ظننت ان تلك (القفشة) تمر عبرها عقود لتجد نفسها تستقر في صفحات توثق وتعزي في الراحل القسيس فيليب عباس غبوش، ودعاني الراحل فيليب غبوش ذات يوم من ايام رمضان العام 1986م لتناول الإفطار في منزله ذلك العام وقد كانت دهشتي عظيمة في بادئ الأمر خاصة أن تكون الدعوة الرمضانية من قس كبير وفي منزله وبعيداً عن الرتوش السياسية التي تقتضي ذلك في اطار العلاقات الرسمية احياناً بين الكنيسة والدولة.
وانتابني شعور لبعض الوقت أن الدعوة ربما تكون معدة لي خصيصاً ولكن سرعان ما استدركت بأن التركيبة الديمغرافية في حوش الأب فيليب يغلب عليها المسلمون أكثر من المسيحيين. في الحقيقة أن بعض أبناء عمومته وأبناء وبنات أهله الذين يشرف عليهم في التعليم ويدعمهم وضيوفه اغلبهم مسلمون وان المسيحيين فقط هو وزوجته وأولاده اسحاق ويوسف وابنته سارة, ذهبت إلى المنزل ووجدت الافطار الرمضاني معداً بكل ما لذ وطاب وجلسنا حول المائدة مع الراحل فيليب غبوش وكذلك اقاربه المسلمون وغير المسلمين.لقد كانت لحظة نادرة في تفعيل التنوع وتشكلت في الذاكرة كلوحة فنية رائعة تعبر عن قبول الاختلاف في الحياة اليومية في أروع صوره.
الأب فيليب غبوش كان رجلاًً كبير القلب والعقل وكان مستوعباً للتنوع والاختلاف بصورة حضارية ناضجة ولم يكن الأب فيليب غبوش عنصرياً كما أشيع وتلك شهادتي للتاريخ.


Post: #93
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-24-2010, 00:42 AM
Parent: #92

ردا علي مقال: الواهمون يحلمون بجبال النوبة ... شوكة في خاصرة الوطن .. بقلم: كومي كليرو-امريكا
الأحد, 07 شباط/فبراير 2010 17:55
في يوم الثلاثاء 26- يناير 2010 قرات مقالا كتبه الاخ موسي عثمان عمر علي باستراليا, بعنوان الواهمون يحملون بجبال النوبة ... شوكة في خاصرة الوطن يقول فيه ( لست ادري سر الارتباك وعدم وضوح الرؤية والملامح في الخطاب السياسي للحركة الشعبية. وان النوبة مطية الحركة الشعبية ... الي اخر الخطاب) اخي العزيز موسي عثمان عمر, التاريخ لا يكتب علي اسس الاهواء والوثائق وحدها رغم ان التاريخ ليس بريئا من كل عيب, ويعبر فقط عن راي كاتبه, لو استطعنا نحن شعب جبال النوبة ان نفهم ما عانيناه وتحملناه خلال السنوات الماضية, لاعتمدنا فقط علي المذكرات التي كتبناها ابان ايام النضال, لان هذه المذكرات هي الشاهدة الوحيدة التي تروي ما راينا وسمعنا وفوق هذا وذاك ما فعلنا. لولا قصر نظر الحكومات المتعاقبة في الخرطوم عما يمكن ان تقود اليه هذه الحروبات الاهلية اللعينة, ظنت هذه الحكومات ان المقوم الوحيد لتحديد الهوية السودانية هي الثقافة والدين والعرق, ولم تضع في حسبانها ان هذه السياسات ستؤدي الي قيام سياسات قائمة علي التفريق بين الناس حتي في حدود الولايات الشمالية, ناهيك عن جبال النوبة المتكونة اصلا من كيانات مختلفة كما ذكرت انت( الفلاته, الجلابة, البقارة, النوبة) هكذا اصبح الهوية عنصرا مفرقا في السودان بدلا ان يكون عنصرا لتوحيد للناس. لقد فشلت انت ايضا في فهم ان جبال النوبة منطقة لها ثقافتها وخصوصيتها وان فهم حكومات الشمال الشمولية لا يمكن ان تحل مشكلة جبال النوبة بثقافتها وخصويتها, لذلك ادمنت حكومات الشمال في زرع الفتن بين ابناء جبال النوبة تارة باستعمال الدين وتارة اخري باستعمال العرق, كما استعملت انت ذات الاسلوب عندما ذكرت ان ( فصل مجموعة نيرة في حجم الاخوة صديق منصور الناير, عمر منصور الناير وبقية الاخوة وخاصة ان اربعتهم من شمال الجبال( الاجانق) يثير كثير من التساؤل).مهلا لماذا لم تثور عندما فصل الاخ دانيال كودي وخميس جلاب واخرون. ألا تعتقد انك تريد زراعة فتنة قبلية؟
أخي العزيز هنالك تنظيم تعاقب كل من اخطأ وخرج عن النظام, ليس هذا زمن الاحجام والاهميات, هذا عمل جاد يراد به تربية سياسينا علي انهم يعملون لشعب جبال النوبة وليسوا اسيادا عليهم, ولن نبالي باحجامهم وقبائلهم لانهم اصلا نوبة واخطأؤا, ألاتعتقد ان هذا يدحض فريتك علي ان الحركة الشعبية بجبال النوبة علي انها عنصرية, الم تقل انت بنفسك(من حق الحركة الشعبية ان تنظم عضويتها وان تحاسب كل من يتجاوز حدوده) هذا مافعلته تنظيم الحركة الشعبية فعلا. دونما مراعاة لقبيلتهم و اهميتهم الشخصية او احجامهم. في اعتقادي هذه نقطة موجبة تسجل لصالح الحركة.
لم يخرج شعب جبال النوبة لمحاربة حكومة الخرطوم لان الجنوبيين فعلوا ذلك,ولكن رفض الحكومة انتهاج سياسات متوازنة ومتكافئة للنوبة فيما يتعلق بشئون الحكم, ورفضهم المتكرر لابناء جبال النوبة لادارة شئون اقليمهم والرفض القاطع من الحكومات المتعاقبة اعطاء جبال النوبة ثروتها المستحقة, والاستفزاز والاستهتار بمقدرات كوادر جبال النوبة, قادتهم الي الخروج من السودان, والنضال من اجل حقوقهم المهضومة, والتي تعترف بها حكومة الشمال جهرا, فكيف يكون ابناء النوبة فى الحركة مطية لتحقيق اغراض الجنوبيين وكانت اهدافهم قبل الخروج معلومة للجميع؟ وكيف فاتك انت, وانت من جبال النوبة فهم ذلك؟ وكيف تعتبر سياسات الحركة الشعبية خاطئة بمقاطعة الانتخابات, الم تري كيف قسمت الدوائر الانتخابية في اقليم جبال النوبة ام انك لم تري عملية تسجيل الناخبين في ولاية جبال النوبة؟ ولماذا نشترك في انتخابات تم تزويرها من البداية علي مرآي ومسمع الجميع, الحركة الشعبية لها الحق في ان تطلب من حكومة الخرطوم مراجعة تقسيم الدوائر الانتخابية والتسجيل. أما قولك بان الاخ دانيال كودي هو الذي اخطأ بتحريض ابناء الجبال برفض التسجيل هذه فرية وسوء ظن مقصود, وهذه ادني مراحل السقوط السياسي, وصاحب العقل يميز.
العامل الذي اتيح لنا بجانب كل المهمشين اننا بجبال النوبة استطعنا ان نلعب دورا بارزا في انجاز اتفاق السلام والتي اعطتنا جزء من حقوقنا ولن نستطع ان نقول انها اعطتنا كامل الحقوق, قولك(ان الخاسر الوحيد في هذه الاتفاقية هو جبال النوبة لاننا الحلقة الاضعف في هذا الصراع ولاننا السلم الذي استخدمته الحركة كسلم في الوصول الي غاياتها) اثبت انك لم تدرك مغزي الاتفاقية ودلالتها, ولقد فات عليك ان شعب جبال النوبة كان يستغل بواسطة حكومات الشمال منذ الاستقلال لبلوغ غايتها ورميه خارج اطار الحكم بعد وصولهم اليها. فما الفارق بين استغلال الشمال لنا واستغلال الجنوب لنا كما تدعي؟ ما اريدك ان تفهمه يا عزيزي هو ان اقليم جبال النوبة لن يعد كما كان عليه كما تقول انت ساخرا ان شعب جبال النوبة هم اقرب للشمال من الجنوب, في ماذا افادتنا صلة القربي هذه؟ نحن الان لا نتحدث كشعب جبال النوبة عن صلات القربي بيننا وبين الاخريين, انما نضع مصالح شعب جبال النوبة امامنا و نضع استراتيجاتنا حسب حوجة اقليم جبال النوبة وهكذا نكون قد اوفينا لشهدائنا والذين نكرمهم جميعا وسيكونون ذكري طيبة لا تنسي.
انت تطلب من تنظيمات جبال النوبة من عقد حوار نوبي- نوبي فهذا شئ ايجابي, ولكنك اقمت الدنيا ولم تقعدها عندما اجتمعت رابطة جبال النوبة العالمية الاجتماعية في منسوتا حتي اصبح صراخك اقرب لصراخ سوار الذهب والذي اقام فيها الدنيا ولم يقعدها في المؤامرة المسماة بالعنصرية والتي نادي فيها ابناء امدرمان والخرطوم والخرطوم بحري ليتحدوا لدحر هؤلاء الاغراب عن اهل السودان فأين صلة القربي هذه المدعاة؟ خوفك من مؤتمر رابطة جبال النوبة العالمية بمنسوتا ناتج عن خوفك بان هذه الرابطة ادركت كل الادراك المخزي الكامل للاتفاقية الشاملة التي وقعت في عام2005 ,ان هذه الرابطة لن تتساهل مع ابواق الجبهة الظلامية في اضاعة حقوق جبال النوبة, انك تدري تماما ان هذه الرابطة هي الشعلة الموقدة دائما وابدا, وانهم قد وضعوا ثقلهم وراء القائد الفذ عبد العزيز الحلو والذي لا يلين لاغراضه الشخصية, ولا لاغراءات النظام, والذي تدعي انك اقرب اليها, فانا لا اري قربة لك مع هؤلاء الا في حالتي ( الحرب وصناديق الانتخابات) يجب ان تعود الي وعيك لان هذه الرابطة عازمة علي توعية ابناء جبال النوبة لاعادة رسم الخريطة السياسية لجبال النوبة خلف قادتهم والذين تتشكك انت في مقدرتهم لقيادة جبال النوبة, وكل دور اذا ماتم ينقلب. فلتعلم ان كثيرا من هؤلاء الرجال الاشاوس في رابطة جبال النوبة العالمية ليسوا أغبياء أو أعمياء ينظرون الي قضايا جبال النوبة بعيون مغطاة, انهم يعرفون تماما العواقب المترتبة علي قرارات قادتهم في جبال النوبة وفي ذلك قوة التحدي للاساطير المصونة في العقل الشمالي واتباعهم بجبال النوبة.
شعب جبال النوبة اصحاب حق اصيل في السودان وان الحكومة الحالية قد فشلت تماما في علاج مشاكل جبال النوبة بسياسات الاسترضاء والاستيعاب وهذه التعقيدات لا يمكن حلها بارضاء طموح البعض ولفظ الاخرين.كيف نكون نحن شعب جبال النوبة اقرب للشمال وهم ينظرون الينا كأدنى مرتبة منهم في الاحياء السكنية, الاسواق, والمركبات العامة, حتي اماكن العمل والتي يفترض ان يحتلها المرء حسب تأهيله وقدراته العلمية وهذه هي الصورة الذهنية للسيد والعبد وما تراه الان هو ردود افعال طبيعية لهذه الممارسات. ولماذا نعيش عبيدا واقل مرتبة في القرن الواحد والعشرين فقط لنفي بصلة القربي؟ ليس من السهل ان يمحو الشماليين صورة ثقافة العبودية هذه عن اذهان ابناء جبال النوبة ولقد لعبت حكومة الخرطوم دورا كبيرا في استرجاع اسؤا الذكريات المتعلقة بتجارة الرقيق بهدف تعبئة ابناء جبال النوبة ضد الشمال بأكمله. لقد توفرت فرص كثيرة لنخبة الشمال لعلاج اخطائهم والتوجه بالسودان في طريق البناء في ظل التعايش السلمي بين ابنائه الا ان تعنت حكومة الجبهة الاسلامية بعدم الايفاء بحقوق الاخرين وطمس هويتهم لن ياتي بعواقب سليمة الااذا اعيدت الحقوق كاملة لمستحقيها, لن يصمت شعب جبال النوبة عن حقوقهم كما يظن سادتهم في الشمال.
لسنا واهمون بجبال النوبة ولن نيأس في قول الحق عن مظالم جبال النوبة ولن نخلي الساحة لغيرنا, لن نتعامل بردود الافعال كما يعتقدون. المشورة الشعبية والتي قلت عنه تمخض الجبل وولد فأرا مشوها, ليست هذه حقيقه ولكنها وثيقة هامة في يد ابناء جبال النوبة وتحتاج لبيئة معا فاة لينمو ويتطور ولكنه لن يتطور في بيئة تسودها التزوير وثقافة الاسترقاق ونظرات الاستهجان لغير العرب, فكلما تراه الان من مقاطعة الانتخابات وعدم التعامل مع نتائجها هو رد فعل شعب جبال النوبة للاستمساك بخصائصهم الثقافية وتباينهم الديني والعرقي كحق اصيل لاهل جبال النوبة وليس خدمة نؤديها للجنوبيين كما تدعي. لن نعيد حقوق الابطال الادبية ومكانتهم النضالية بالارتماء في احضان ذوي القربي ولكن بالاستمرار في النضال لاستعادة حقوقنا المسلوبة عمدا وجهرا, لا بنكأ الجراح القديمة ولكن بالاتجاه الصحيح لتصحيح أخطاء الماضي والذوبان في بوتقة واحدة والانسجام الكامل في النضال لكسب حقوقنا المشروعة,الهوية, الثقافية, الاقتصادية والسلطة.وهذا لايكون بزرع الافكار الانهزامية انما بالتطلع للافضل.
نضال ابناء جبال النوبة لن يكون منفصلا عن نضالات الشهداء, حماد الاحيمروعباس برشم وعبد الرحمن شامبي انما امتدادا طبيعيا لنضالاتهم, لقد كرس هؤلاء الشهداء الاماجد نضالاتهم في محاربة التفاوت الثقافي والاقتصادي والغبن الاجتماعي, فهوذا الحركة الشعبية في جبال النوبة يعيد الكرة في نفس المرمي ولكن هذه المرة بشدة اكثر وبحرص افضل, وذلك برفض مؤمرآت الجبهة الظلامية, بتشتيت مهمشي جبال النوبة وزرع الفتنة بين عناصره المتنوعة,لقد رفض ابناء جبال النوبة تنفيذ اجندتهم وانفاذ مخططهم اللعين ومساوماتهم البغيضة. فالاستحقاق الانتخابي ينبني علي نقاء ونجاح عملية التسجيل والتي لم تتم بصورة مرضية نتيجة سياسات الجبهة الهوجاء في تزوير التعداد السكانى عمدا لانجاح مخططهم, لذا كان لزاما علي الحركة الشعبية الحريصة علي مكاسب جبال النوبة مقاطعة هذه الانتخابات المزورة وهذه السياسات الخاطئة والتي لن توصلنا لغير النتائج التي تريده الجبهة ويتبلل جباههم لنيلها. فلا المزاج النفسي ولا التاريخ المشترك في ظل التزوير الباين للاعيان, ولن ينخدع ابناء جبال النوبة بهذا البريق طوال حياتهم. فلنقف وقفة واحدة لتاسيس عناصر الاستقرار والرخاء لجبال النوبة بدلا من الانزواء في قاعات الانتهازية والركوض ورائهم بدعوي صلات القربي والتاريخ المشترك, فلنقف صفا واحد خلف قيادتنا في جبال النوبة, بقيادة المناضل الجسور عبد العزيز آدم الحلو
والان يأخي العزيز موسي ان رابطة جبال النوبة العالمية فاتحة ابوابها للحوار بين ابنائها بمختلف الوان الطيف السياسي والتنظيمات الموجودة علي الساحة النوبية للوصول الي صيغة لمسقبل جبال النوبة.

Komi Kilero [[email protected]]

Post: #94
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-24-2010, 00:49 AM
Parent: #93

حكومة السودان ضد/علي أبو عنجة الموت وآخرين
[رجوع]
نمرة القضية: م ت /ق/ أ/ س م خ/ 147/خ92
المحكمة: محكمة الإستئناف
العدد: 1991

المبادئ:

# قانون جنائي – المادة 55 من القانون الجنائي 1991م شروط تطبيقها.
# قانون المحاماه – أخلاقيات المهنة – رفض المحامي الدفاع بسبب طبيعة الجريمة أو اختلاف الرأي أو المذهب السياسي أو الدين أو العقيدة ليس من أخلاقيات المهنة.
# قانون جنائي – التحريض المعاقب عليه قانوناً – كيفية حدوثه.
# قانون جنائي – التحريض – معناه القانوني – تقصير الشخص الملزم قانوناً بنفي الفعل أو الاعتراض عليه – عدم اعتباره تحريضاً.
# قانون جنائي – التحريض بالإشارة أو التلميح – وجوب ارتباطه بالفعل موضوع التحريض .

إن المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م تحرم نشر المعلومات السرية التي لا تعلمها إلا الجهات الرسمية وليست المعلومات التي يتناقلها الناس كأمر عادي.

4- من واجب المحامي أن يكون دائماً على استعداد لمساعدة ومعاونة كل من يطلب مساعدته ، ومن أخلاقيات مهنة المحاماة ألا يرفض المحامي الدفاع عن أي شخص بسبب طبيعة الجريمة التي ارتكبها أو بسبب اختلاف الرأي أو المذهب السياسي أو بسبب اختلاف الدين أو العقيدة.

3- إن التحريض الذي يعاقب عليه القانون يكون بإغراء شخص لارتكاب جريمة أو أمره بارتكابها وقد يكون بالمساعدة أو التشجيع أو الدفع وقد يكون في صورة هدية أو وعد أو وعيد أو مخادعة أو دسيسة وعلى العموم كل ما يهيج شعور الفاعل ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة.

2- إن التحريض الذي يقصده القانون بالإغراء أو الأمر هو الذي يسبق الفعل ولا يفسر تقصير الشخص حتى إذا كان ملزماً قانوناً بنفي الفعل أو الاعتراض عليه ، بأنه حرض على ارتكابه إذا لم ينفه أو يحتويه لأن النفي أو الاعتراض أمر لاحق للفعل المحرض عليه.

1- لا تكفي أي إشارة أو تلميح لإثبات جريمة التحريض ولكن يجب أن تكون الإشارة أو التلميح مرتبطاً بالفعل موضوع التحريض.

الحكم:

استئناف محاكم خاصة

حكومة السودان ضد/علي أبو عنجة الموت وآخرين

م ت /ق/ أ/ س م خ/ 147/خ92

المحامون

1/ النائب العام عن الاتهام

2/ عمار شاويش محمد عن المتهم الأول والثاني

3/ فتح الرحمن أحمد حسن عن المتهم الرابع والخامس

4/ سر الختم مكاوي عن المتهم الثالث

القرار

سعادة السيد/ رئيس القضاء جلال عي لطفى

التاريخ : 8/6/1992م

في استئناف حكم المحكمة الخاصة بالأبيض التي شكلها والي ولاية كردفان لمحاكمة المتهمين :-

1/ علي أبو عنجة الموت

2/ دلدوم الختيم أشقر

3/ الفاضل الحاج سليمان

4/ امام محمود عبد الرازق

5/محجوب علي محجوب

تحت المادة 55 من القانون الجنائي سنة 1991م والمادة 37 (ب) من لائحة الطوارئ بالنسبة للمتهم الأول . والمادة 55 من القانون الجنائي سنة 1991م مقرؤه مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ مقروءة مع الماده 25 من القانون الجنائي سنة 1991م بالنسبة لبقية المتهمين.

(1) بتاريخ 9/5/1992م بموجب خطاب من مدير أمن ولاية كردفان تم فتح بلاغ تحت رقم 149/1992م بقسم شرطة الأوسط بالأبيض ضد المتهم الأول على أبو عنجة الموت تحت المادة 55 من القانون الجنائي سنة 1991م والمادة 37(أ) من لائحة الطوارئ عدلت فيما بعد إلى المادة 37(ب) من نفس اللائحة وذلك لإذاعته بياناً في الراديو والتلفزيون تحدث فيه عن مفاوضات سلام جارية بين الدولة متمثلة في محافظها بكادقلي وبين الخارجين على القانون في جنوب كردفان ويزف فيه البشرى للمواطنين بالنتائج الإيجابية للمفاوضات ويناشد الخوارج ليسلموا أسلحتهم والعودة للعمل مع بقية المواطنين لما فيه مصلحة البلاد مما اعتبرته الجهة التنفيذية نشراً لأسرار الدولة دون عذر مقبول وإفشاء لمعلومات من شأنها الإضرار بالقوات المسلحة كما وضم إلى البلاغ المتهمون الثاني والثالث والرابع والخامس بتهمة التحريض على ما قام به المتهم الأول تحت المادة 55 من القانون الجنائي سنة 1991مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37 (ب) من لائحة الطوارئ مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي سنة 1991م.

وقد أضافت المحكمة للمتهمين الثلاث والأوائل تهمة ثالثة تحت المادة 50 من القانون الجنائي لسنة 1991م وهي التي تعاقب كل من يقوم بعمل من شأنه تقويض النظام الدستوري في البلاد والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

(2) استمعت المحكمة لشهود الاتهام وللمتهمين وشهود الدفاع وأصدرت حكمها كالآتي بعد استبعاد التهمة تحت المادة 50 من القانون الجنائي من صحيفة الاتهام.

1/ علي أبو عنجة الموت :

أدين تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات مع المعاملة الخاصة.

2/ دلدوم الختيم أشقر :

أدين تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع المعاملة الخاصة.

3/ الفاضل حاج سليمان

أدين تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع المعاملة الخاصة.

4/ امام محمود عبد الرازق

أدين تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م وحكم عليه بحسن السير والسلوك لمدة عام وفي حالة الإخلال بذلك يسجن لمدة ثلاث سنوات.

5/ محجوب علي محجوب

أدين تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م وحكم عليه بحسن السير والسلوك لمدة عام وفي حالة الإخلال بذلك يسجن لمدة ثلاث سنوات .

(3) المتهمون الثاني والثالث والرابع والخامس في هذه القضية يواجهون تهمة تحريض المهم الأول على إتيانه فعلاً وهو إذاعة بيان عن مفاوضات السلام بجنوب كردفان اعتبره الاتهام جريمة تحت المواد المشار إليها آنفاً .والذي جرى عليه العمل في هذه الحالات أن المحكمة الاستئنافية عند نظر الاستئناف تبدأ بمناقشة عناصر الجريمة التي تم ارتكابها وما قدم من بينات لإثباتها لأنه لو وصلت المحكمة الي قناعة أن البينات التي قدمت ضد المتهم الذي وقع عليه التحريض لا تشكل جريمة فإنها سوف لا تبحث في تهم التحريض ضد المحرضين لأن التهم ضدهم ستسقط تلقائياً ، ولكن بالرغم من ذلك فإنني أرى في هذه القضية أنه من الأنسب والأفضل أن أناقش التهم الخاصة بالتحريض أولاً قبل مناقشة الفعل موضوع التهمة وذلك لأنه حسب ما هو ثابت من وقائع فإن جميع المتهمين ما عدا الأول لم يشتركوا في كتابة البيان موضوع التهمة ولا يعلمون شيئاً عن تفاصيل محتواه إلا بعد إذاعته ،وعليه سأبدأ بالمتهم الثاني :
(4) المتهم اثاني دلدوم الختيم أشقر

لقد اعتمدت المحكمة في إدانتها للمتهم الثاني بالنسبة للتهم الموجهة إليه على الآتي .

أ/ أن المتهم الثاني قال للمتهم الأول عندما أخبره في منزله عن نجاح مفاوضات السلام (مرحباً بالسلام) وإن هذه العبارة كانت سبباً في تحريك المتهم الأول وحفزه على إذاعة البيان.

ب/ أن المتهم الثاني لم يتخذ أية إجراءات لنفي البيان.

ج/ أن المتهم الثاني عندما ذهب لمكاتب الأمن لم يذهب إليها لاحتواء آثار البيان بل ذهب إليها ليعاون المتهم الأول للإفلات من قبضة رجال الأمن.

د/ إن مدير الأمن بولاية كردفان قد شهد بأن المتهم الثاني كان سباقاً دائماً للدفاع عن المتهمين في قضايا التمرد والطابور الخامس بالرغم من رئاسته للجنة الأمن والنظام العام باللجنة الشعبية للولاية.

هـ/ أن مرض المتهم الثاني في اليوم الذي أذيع فيه البيان لم يكن ذلك المرض الخطير لأنه كان يباشر أعماله ويستقبل ضيوفه.

هذه هي خلاصة ما قدم من بينات ضد المتهم الثاني وسأناقش كل واحد منها على حده

أولاً :

لقد ثبت من البينات التي قدمت للمحكمة أن المتهم الأول قام بزيارة المتهم الثاني في منزله ووجده مريضاً وكان سبب الزيارة مناقشة مشكلة كنيسة بالأبيض وأن المتهم الأول عندما بدأ الحديث عن مفاوضات السلام علق المتهم الثاني على الخبر بقوله (مرحباً بالسلام) ولم يزد على ذلك كما وأن المتهم الأول لم يتمكن من الاستمرار في حديثه ونقل ما علمه عن الموضوع للمتهم الثاني نسبة لوجود أشخاص آخرين في الحجرة ولم يثبت أن المتهم الأول قد نقل أي تفاصيل عن الموضوع للمتهم الثاني كما ولم يذكر له أي شئ عن بيان سيصدره بنقل الخبر للمواطنين أو بمناشدة الخوارج للعودة للسلم.

وعليه يتضح بما هو ثابت أن المحكمة الموقرة قد قفزت إلى استنتاج لا تتفق مقدماته مع نتائجه بل أنه لا يتفق مع المنطق السليم أو القانون وهو أن عبارة (مرحباً بالسلام) هي التي حركت وحفزت المتهم الأول لإذاعة بيان في هذا الصدد ولم توضح لنا المحكمة الموقرة ما يربط هذه العبارة بما صدر من المتهم الأول من بيان وقد حاولت أن أجد مثل هذه الصلة فلم أجد ما يشير من بعيد أو قريب إلى أي نوع من الصلة أو حتى ما يشبه ذلك خاصة وأنه لم يثبت أن المتهم الثاني قد وقف على أي تفاصيل عن المفاوضات أو أن أي حديث قد دار بينه وبين المتهم الأول عن إذاعة بيان في هذا الشأن.

وبالرغم من ثبوت عدم علم المتهم الثاني بتفاصيل مفاوضات السلام فإن السيد رئيس الإدارة القانونية وممثل الاتهام الأستاذ/ عبد العزيز الكردي يورد في مرافعته الختامية التي سأتحدث عنها فيما بعد (صفحة 128 من المحضر – الفقرة الأخيرة) بأن المتهم كان يعلم محتويات البيان قبل إذاعته ، ومما هو ثابت فإن ما ذكره السيد ممثل الاتهام من علم المتهم الثاني بالبيان قبل إذاعته مجرد اختلاق وافتراء لا يسنده واقع ما استمعت إليه المحكمة من أقوال وكان الأحرى به أن يتحرى الدقة والأمانة فيما ثبت وما لم يثبت خاصة وأنه لا يمثل الدولة وحدها ولكن من واجبه أيضاً مراعاة وحماية حقوق المواطنين وإبراز الحقائق الثابتة المجردة للمحكمة الموقرة دون اختلاق أو اصطناع أو استنتاج أو اجتهاد أو انطباعات شخصية.

ثم إن التحريض وهو الذي عرفته المادة 25 من القانون الجنائي سنة 1991م بأنه إغراء الشخص لغيره بارتكاب جريمة أو أمره لشخص مكلف تحت سلطانه بارتكابها لم يتوفر في هذه الحالة لمجرد تعليق المتهم بقوله " مرحباً بالسلام" إذ م ترد أية بينة تشير إلى أن المتهم الثاني قد أغرى أو أعز أو أوحى إلى المتهم الأول بإذاعة بيان عن مفاوضات السلام أو أمره بذلك.

إن المقصود مما جاء في كتاب د. عبد الله النعيم الذي أشارت إليه المحكمة الموقرة والذي جاء فيه أن مجرد الإشارة تكفي لإثبات جريمة التحريض ليس أية إشارة أو تلميح ولكن يجب أن تكون الإشارة أو التلميح مرتبطاً بالفعل موضوع التحريض وفي هذه الحالة فإن الفعل موضوع التهمة هو إذاعة بيان على المواطنين وعبارة " مرحباً بالسلام" لا يمكن أن تكون محركاً وحافزاً لإذاعة بيان بالطريقة والصيغة التي وردت في بيان المتهم الأول لأنها لم تنم عن تحريض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للقيام بأي عمل من الأعمال سواء كان مشروعاً أو غير مشروع ناهيك عن إذاعة بيان.

ثانياً :

جاء في حيثيات المحكمة الموقرة في تسبيبها لإثبات التحريض أن المتهم الثاني عندما سع البيان استنكره ولكنه لم يتخذ أي إجراء لاحتوائه أو نفيه وفي اعتقادي أن الاتهام والمحكمة الموقرة قد فهموا جريمة التحريض فهماً خاطئاً لأن نفي البيان أو الاعتراض عليه أمر لا حق لإذاعة البيان والتحريض الذي يقصده القانون بالإغراء أو الأمر هو الذي يسبق الفعل ولا يفسر تقصير الشخص حتى إذا كان ملزماً قانوناً بأنه حرض على ارتكاب الفعل إذا لم ينفه أو يحتويه ولو صح هذا لاعتبرنا كل مسئول محرضاً لكل ما يرتكبه من أفعال لا يقرها القانون.

صحيح أن القانون في شرحه لإثبات التحريض قد أباح الأخذ بالأفعال اللاحقة لإرتكاب الفعل التي تدل على التحريض ولكن المتهم الثاني في هذه الحالة لم يقم بأي فعل يمكن أن تستدل به المحكمة على أنه كان محرضاً للمتهم الأول.

وحتى لو افترضنا أنه من واجب المتهم الثاني نفى هذا البيان الذي أذاعه المتهم الأول فهل أعطى الفرصة الكافية لذلك .؟

إن الإجابة الواضحة على هذا السؤال هي النفي .

لقد ثبت أن المتهم الثاني كان مريضاً في منزله ولم يخرج منه إلا في صبيحة اليوم التالي بعد إذاعة البيان وقد قابل المسئولين في اللجنة الشعبية وتحدث معهم عن موضوع البيان ثم ذهب لمقابلة المتهم الأول بمكاتب الأمن تلبية لرسالة بعثها إليهم المتهم الأول وقبل أن يفعل شيئاً أو يناقش آثار البيان وما يمكن عمله فوجئ بالقبض عليه ولم ير النور حتى الآن . فكيف يستطيع أن يحتوي آثار البيان أو ينفيه وهو على هذه الحالة؟

ثالثاً :

والسبب الثالث الذي ساقته المحكمة الموقرة لإثبات تهمة التحريض ضد المتهم الثاني هو ذهابه لمكاتب الأمن لمعاونة المتهم الأول من الإفلات من قبضة الأمن.

وبالرغم من امعاني النظر في هذا الدليل الذي اعتمدت عليه المحكمة في إثبات تهمة التحريض ضد المتهم الثاني فإنني لم أجد أية صلة بينه وبين الفعل موضوع التهمة كما وأنني لم أقف على وجه الغرابة في تصرفات المتهم الثاني وذهابه لمكاتب الأمن لمعرفة الأسباب التي من أجلها قبض على زميله ونائبه في لجنة الأمن – فقد ذهب أولاً بحكم منصبه كرئيس للجنة الأمن وهذا أمر طبيعي وذهب ثانياً بصفته محامياً ومن واجبه الدفاع عن كل من يطلب مساعدته ولا يرقى ذلك إلى أنه كان متآمراً ومحرضاً للمتهم الأول لإذاعة البيان.

وقد لاحظت في هذه الواقعة بالذات أي واقعة القبض على المتهم الثاني بمجرد ظهوره في مكاتب الأمن أنه بالرغم من مكانته في الولاية وتقلده مناصب رفيعة في حكومات سابقة وعمله كمحام مرموق فقد قبض عليه كغيره من السوقه وعامة الناس وحثالة المجرمين دون مراعاة لشخصه ومكانته أو المهنة التي يزاولها حالياً أو ما يقوم به تطوعاً كرئيس للجنة الأمن والنظام العام.

رابعاً :

لقد ذكرت المحكمة كسبب رابع على إثبات تهمة التحريض ضد المتهم الثاني بأنه كان سباقاً دائماً للدفاع عن المتهمين في قضايا التمرد والطابور الخامس بالرغم من رئاسته للجنة الأمن والنظام العام.

لقد لاحظت في شهادة مدير الأمن للولاية التي اعتمدت عليها المحكمة في ذكرها لهذا السبب تحاملاً شديداً ضد المتهم الثاني بالرغم من أنه أحد أعوانه في الولاية بالنسبة للمسائل الأمنية ومن الذين يلجأ إليهم لمعرفة الكثير من الحقائق إذا كانت الأمور تسير سيرها الطبيعي.

وإن ما شهد به السيد /مدير الأمن بأن المتهم الثاني يدافع عن المتمردين والطابور الخامس ولذا فإنه يعتبر محرضاً لما يرتكبونه من أفعال وبالتالي يعتبر محرضاً للمتهم الأول لإذاعة البيان مجرد رأي شخصي واستنتاج غير صحيح وفهم خاطئ لمهنة المحاماة.

إن المحاماة من أشرف المهن وأجلها وهي القضاء الواقف ومن واجب المحامي أن يكون دائماً على استعداد لمساعدة ومعاونة كل من يطلب مساعدته ومن أخلاقيات مهنة المحاماة ألا يرفض المحامي الدفاع عن أي شخص بسبب طبيعة الجريمة التي ارتكبها أو بسبب اختلاف الرأي أو المذهب السياسي أو بسبب اختلاف الدين أو العقيدة وهنالك العديد من السوابق التي دافع فيها محامون عن متهمين في قضايا تتعلق بالرأي وهم لا يشاركونهم ما يؤمنون به من آراء في السودان وفي خارج السودان .

وقد دافع المحامي الإنجليزي الشهير المستر برت عن الزعيم الراحل جومو كنياتا عندما كان رئيساً لحركة الماو ماو التي اغتالت المئات من أبناء الإنجليز وخربت مزارعهم ومصانعهم في كينيا . ولم يرفض المحامي الدفاع عن جو كنياتا عندما طلب منه ذلك ولم يستنكر الإنجليز دفاع محام إنجليزي عن عدو الإنجليز الأول في كينيا ولم يقولوا أنه محرض على الاغتيالات بل ارتفع مقامه في نظرهم وقدروه حق قدره واحترموه لأن أيمانهم بحق الدفاع عن حرية أي فرد أقوى من أي شعور سياسي حتى ولو كان المتهم عدواً لهم.

إن من الخطأ تصنيف المحامي مع من يدافع عنه من المجرمين لأن المحامين لا يدافعون في جل قضاياهم عن الشرفاء وأخيار الناس لأن الشرفاء وأخيار الناس لا يرتادون مكاتب البوليس متهمين ولا يقفون أمام محاكم الجنايات لمحاكمتهم جنائياً ولكنهم يدافعون عن كل من اتهم بارتكاب جريمة تتصل بأي نشاط من نشاطات البشر الأخلاقية والاجتماعية والسياسية وغيرها وفي كل هذه الحالات يجب ألا ينظر إلى المحامي بأنه محرض على ارتكاب الجرائم التي يمثل أمام المحاكم مدافعاً عن مرتكبيها لأن هذه نظرة ضيقة تتنافى مع المثل والقيم والمبادئ السامية وحقوق الإنسان وأخلاقيات مهنة المحاماة.

وإذا كانت المحكمة قد اعتبرت دفاع المتهم الثاني عن الخوارج والطابور الخامس مما يؤخذ عليه ويصفه بالتآمر معهم فلماذا لم تأخذ ما ثبت في صالحه بشهادة شهود دفاعه وهم من خيرة الناس بما قام به من أعمال ضد الخوارج ونشاطه المتواصل لأحباط أعمالهم بشخصه ومن ينتمون إليه من عشيرته الذين أثبتوا ولاءهم لا بالمال والكلام والخطب فحسب ولكن بالاستشهاد في سبيل الوطن.

إن المتهم الثاني من كبار المحامين في ولاية كردفان ومن القانونيين البارزين فيها وله أهله وقبيلته وعشيرته ومن الطبيعي أن يكون أول من يختارونه للدفاع عنهم سواء اتهموا تحت المادة 96 من قانون العقوبات سنة 1983م أو تحت أي مادة من أي قانون آخر ومن واجبه أن يستجيب لطلبهم بالرغم من أنه يعمل رئيساً للجنة الأمن لأن ذلك لا يتعارض مع مهنته كمحام إلا إذا ثبت أنه استغل معلوماته التي تحصل عليها في عمله في اللجنة في دفاعه عن المتهم أو المتهمين وهذا ما لم يثبت أمام المحكمة الموقرة وما لم يقل به حتى مدير أمن الولاية في شهادته.

ثم ما هي صلة عمل المتهم الثاني ودفاعه عن المتهمين من الخوارج بالتحريض على إذاعة البيان موضوع القضية ?

إن المحكمة الموقرة لم توضح ذلك كما وإنني لم أرى صلة بينهما.

خامساً :

لقد جاء في حيثيات المحكة الموقرة أنه مما يثبت تحريض المتهم الثاني للمتهم الأول ما ادعاه من مرض مع أن مرضه لم يكن ذلك المرض الذي يقعده لأنه يباشر أعماله ويستقبل ضيوفه.

لقد تجاوزت المحكمة الموقرة اختصاصاتها وأبدت رأياً في موضوع طبي لا تعلم عنه شيئاً ولم ترد شهادة طبيه عنه أمامها . أن مقابلة المتهم الثاني للمتهم الأول بمنزله لا يعني ذلك أنه كان معافاً صحيح البدن ولوادعى المتهم المرض ليثبت أنه لم يخرج في ذلك اليوم الذي أذيع فيه البيان من منزله فهل هذا يثبت تحريضاً لإذاعة البيان أو تحريضاً لإرتكاب أي جريمة أخرى؟

لم يوضح لنا الاتهام ولا المحكمة أين يكمن قصد المتهم الجنائي على التحريض كما وأنه لم توضح لنا المحكمة أو الاتهام دافع أو دوافع المتهم على هذا التحريض لإذاعة البيان لافشال محاولات الصلح.

إنني أرى أن كل ما ورد ضد المتهم الثاني دلدوم الختيم أشقر من بينات لإثبات تحريض المتهم الأول على إذاعة البيان موضوع التهمة لا يرقى حتى لمجرد الشبهة التي تبرر تقديمه لمحاكمته أمام محكمة جنائية.

وعليه آمر بإلغاء الإدانة والعقوبة الصادرة ضده تحت المادة 55 من القانون الجنائي سنة 1991م مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37 (ب) مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م.
(5) المتهم الثالث :الفاضل الحاج سليمان

لقد استندت المحكمة في إدانتها للمتهم الثالث بالتحريض تحت المادة 55 من القانون الجنائي سنة 1991م مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون والمادة 37 (ب) مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م على الآتي :-

(أ‌) اعتراف المتهم الثالث بأنه وجه المتهم الأول ليذيع مناشدة للخوارج وذلك بعد أن علم بتفاصيل المفاوضات مما يستنتج منه أنه كان يعلم أن المتهم الأول سيذيع هذه التفاصيل.

(ب‌) أنه تشاور مع المتهم في إذاعة البيان.

التهمة الموجهة ضد المتهم الثالث هو أنه بتاريخ 9/5/1992م قام بتحريض المتهم الأول لإذاعة البيان موضوع القضية والذي عن طريقه قام المتهم الأول بإفشاء معلومات سرية تتعلق بالدولة (المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م) والتي من شأنها أن تثبط همم أفراد القوات المسلحة في التعامل ضد العدو (المادة 37 (ب) من لائحة الطوارئ).

فهل قام المتهم الثالث فعلاً بتحريض المتهم الأول ليفشي أسرار الدولة مما كان سبباً في تثبيط همم أفراد قوات الشعب المسلحة؟

والتحريض الذي يعاقب عليه القانون وفقاً لنص المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م يتحدث عن أمرين يتم بهما ذلك التحريض وهما إغراء شخص لارتكاب جريمة أوأمره بارتكابها وقد فسر شراح القوانين بأن التحريض قد يكون بالمساعدة أو التشجيع أو الدفع وقد يكون في صورة هدية أو وعد أو وعيد أو مخادعة أو دسيسة على العموم كل ما يهيج شعور الفاعل ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة.

ويستلزم القانون أن يكون التحريض مباشراً على ارتكاب الفعل المكون للجريمة فلو ارتكب الشخص الذي حرض جريمة غير الجريمة التي حرض على ارتكابها لا يكون المحرض مرتكباً لجريمة التحريض.

فهل ورد في الأفعال والأقوال التي أثبتت ضد المتهم الثالث ما يشير إلى تحريضه للمتهم الأول لإذاعة البيان بصورته التي اعتبرتها الجهات التنفيذية جريمة يعاقب عليها القانون؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة ما أثبته الاتهام في هذا الشأن من حقائق حتى نتمكن أن نحكم على ضوئها عما إذا كان المتهم الثالث قد حرض المتهم الأول فعلاً أم لا.

وبمراجعة ما هو ثابت أمام المحكمة نجد أن المتهم الثالث بعد أن علم بمفاوضات السلام التي كانت جارية بين الجهاز التنفيذي في الولاية والخوارج في جنوب كردفان من المتهم الأول اقترح عليه أن يصدر مناشدة أو نداءاً كما كان يفعل دائماً داعياً الخوارج ليعودوا إلى حظيرة الوطن ويسلموا أسلحتهم وأن يشير إلى ما أصدره الفريق عمر حسن أحمد البشير من عفو عام وقد أكد ذلك المتهم الأول في أقواله ، ولم يطلب المتهم الثالث من المتهم الأو أن يذيع أية تفاصيل عن المفاوضات كما ورد في البيان وقد أقر المتهم الأول بذلك حيث جاء في أقواله بصفحة 49 من المحضر " المتهم الثالث ماقال لي تحدث عن مفاوضات فقط قال لي اعم مناشدة للمتمردين لإلقاء السلاح . وما ذكرته من مفاوضات كان تصرف فردي مني لأنني كنت فرحان.

لم يثبت أن المتهم الثالث قد صاغ البيان مع المتهم الأول ولم يثبت أنه أملى عليه شيئاً منه ولم يثبت أنه أطلع على البيان بعد صياغته وقبل إذاعته ، ولم يقدم الاتهام أية بينات لإثبات ما وجهه من تهم ضد المتهم الثالث.

ومن الوقائع الثابتة لا أرى ما يشير إلى تحريض من جانب المتهم الثالث للمتهم الأول سواء عن طريق الإغراء أو عن طريق أمره لإذاعة ما قام بإذاعته من بيان وكل الذي حدث هو أنه بصفته مقرراً للجنة الأمن والنظام العام ومن شأنه وواجبه الإلمام بما يتعلق بأمن الولاية قد اهتم بما تم من مفاوضات السلام في جنوب كردفان التي نقلها إليه المتهم الأول وحرصاً منه على رفع الروح المعنوية للمواطنين والإشادة بما تقوم به الجهات التنفيذية من مجهودات لإحلال السلام طلب من المتهم الأول أن يذيع بياناً مشيداً بما قام به المسئولون من خطوات نحو السلام ومناشداً الخوارج للعودة والاشتراك مع إخوانهم في بناء الوطن وإعماره.

وقد ثبت أن المتهم الأول قد قام في الماضي بتوجيه العديد من هذه النداءات باللغة العربية وباللهجة المحلية ولذا فلا غرابة فيما وجه به المتهم الثالث المتهم الأول لإذاعة بيان كما اعتاد ذلك في مرات سابقة.

ثم لماذا يحرض المتهم الثالث المتهم الأول ليذيع بياناً يفشي فيه أسرار الدولة ويثبط همم أفراد قوات الشعب المسلحة وهو الذي عرف بإخلاصه للدولة وإيمانه بتوجهاتها ؟ وما هي مصلحته في ذلك ؟

كنت أتوقع من الاتهام أن يوضح للمحكمة الموقرة ما يشير من قريب أو بعيد إلى قصد المتهم الجنائي ولكنني لم أجد شيئاً من ذلك كما وكنت أتوقع أن يوضح الاتهام الدافع أو الدوافع التي حركت المتهم ليضر بمصالح الدولة بنشر أسرارها ويثبط همم قوات الشعب المسلحة . لقد فشل الاتهام فشلاً واضحاً في إبراز أية بينات تشير إلى قصد المتهم الثالث الجنائي . أو تشير إلى أنه حرض المتهم الأول لكي يذيع ما اعتبرته الدولة سراً من أسرارها.

ومما تقدم فإنني أجد نفسي غير متفق مع ما وصلت إليه المحكمة الموقرة من إدانة للمتهم الثالث تحت المواد التي اتهم بموجبها وعليه آمر بإلغاء الإدانة والعقوبة التي صدرت ضده كما آمر بإطلاق سراحه فوراً.
(6) المتهم الرابع امام محمود الرازق والمتهم الخامس محجوب علي محجوب

استندت المحكمة في إدانة المتهين المذكورين بتهمة التحريض على الآتي :-

(أ‌) أنهما سمحا للمتهم الأول بإذاعة وبث البيان موضوع القضية.

(ب‌) أنهما لم يراجعا البيان قبل بثه .

أن كل ما قام به المتهمان هو أنهما سمحا للمتهم الأول على أبو عنجة الموت نائب رئيس لجنة الأمن والنظام العام بإذاعة البيان موضوع التهمة . فهل هذا يشكل تحريضاً لارتكاب جريمة تحت المادة 55 من القانون الجنائي سنة 1991م والمادة 37(ب) من قانون الطوارئ؟

بمراجعتي لما ورد من بينات اتضح لي أن الاتهام لم يورد حقيقة واحدة تثبت تحريضهما للمتهم الأول أو تشير إلى سوء قصد من جانبهما.

أن المتهم الأول وهو نائب رئيس لجنة الأمن والنظام العام بالولاية قد اعتاد التردد على مكاتب الإذاعة والتلفزيون لإذاعة بيانات ومناشدات موجهة للخوارج مما يساعد الأجهزة التنفيذية في أداء مهامها ولم يثبت أنهما قد تلقيا أية أوامر أو تحذير لمنع المتهم الأول من إذاعة تلك المناشدات . وعندما حضر المتهم الأول لدار الإذاعة والتلفزيون قد اعتقدا بحسن نية أن بيانه الذي يشيد فيه بالوالي وبمحافظ كادقلي ويدعو للسلام بيان هام يستحق تقديمه على بقية مواد البرامج الأخرى التي كانت معدة سلفاً.

وكما ذكرنا فإن القانون يستلزم أن يكون التحريض مباشراً ولم يثبت الاتهام أي فعل أو قول مباشر من المتهمين بتحريض المتهم الأول لارتكابه الفعل المكون للجريمة.

إن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه المتهمان الرابع والخامس هو أنهما لم يراجعا البيان وهذا له ما يبرره لأن ما سمعاه من مقدمات للبيان لا يثير أي شك ولا يدل على أن فيه ما يمنع إذاعته وحتى ولو راجعا البيان فإن أمر إذاعته متروك لهما وليس عليهما رقابة في ذلك سوى تقديرهما الشخصي.

لم يثبت الاتهام أي علاقة تربط بين المتهم الأول والمتهمين الرابع والخامس يستنتج منها أنهما سمحا له بإذاعة البيان لوجود تآمر بينهم كما لم يوضح الدافع الذي دفع المتهمين لكي يسمحا بسوء قصد للمتهم الأول بإذاعة البيان موضوع الاتهام.

لقد فشل الاتهام في إثبات أية تهمة ضد المتهمين سواء التي وجهها إليهما تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م مقروءة مع المادة 25 من نفس القانون أو تحت المادة 37 (ب) من لائحة الطوارئ مقروءة مع المادة 25 من القانون الجنائي لسنة 1991م.

وعليه آمر بإلغاء الإدانة والعقوبة الصادرة ضدهما.
(7) المتهم الأول : علي أبو عنجة الموت

استندت المحكمة على إدانتها للمتهم الأو تحت المادة 55 من القانون الجنائي 1991م والمادة 37 (ب) من لائحة الطوارئ على الآتي :-

أ/ اعتراف المتهم بإذاعته للبيان.

ب/ أن المتهم أذاع معلومات سرية تمس الدولة والقوات المسلحة مما يثبط همم المجاهدين وأفراد قوات الشعب المسلحة وينسف مبدأ الجهاد ويتنافى مع الفتوى التي أصدرها العلماء بالأبيض بوجوب الجهاد

لقد وجهت المحكمة الموقرة للمتهم الأول تهمة تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م نصها كالآتي :-

أنك في اليوم 7/5/1992م وبمدينة الأبيض قمت بإذاعة معلومات عن مفاوضات تجري بين حكومة الولاية ومحافظة كادقلي مع الخوارج ، ولما كانت مثل هذه المعلومات تعتبر سرية حصلت عليها ونشرتها دون إذن لذا تكون قد ارتكبت مخالفة لنص المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م.

وقد وجهت المحكمة الموقرة أيضاً تهمة ضد المتهم الأول تحت المادة 37 (ب) ونصها كالآتي :-

... أنك قمت في 7/5/1992م وبمدينة الأبيض بإذاعة بيان عبر إذاعة وتلفزيون الولاية تضمن معلومات من شأنها الإضرار بالقوات المسلحة وتثبيط همة أفرادها ودعوتهم للتراخي في مواجهة العدو خاصة وأن تلك القوات لا تزال تقاتل في جبهات القتال وبفعلك هذا تكون قد خالفت نص المادة 37(ب) من لائحة الطوارئ.

إن إثبات هاتين التهمتين يقع على عاتق الاتهام وليس على المتهم إثبات العكس ، فهل أثبت الاتهام بما لا يتطرقه الشك المعقول ما وجهه من تهم للمتهم الأول ؟

أن كل الذي قدمه الاتهام في هذا الصدد هو اعتراف المتهم القضائي بإذاعته للبيان وشهادة شاهدين من رجال الأمن وشريط الكاسيت الذي سجل فيه البيان وشريط الفيديو الذي سجل في التلفزيون لنفس البيان.

إن المتهم الأول لا ينكر إذاعته للبيان بصفته نائباً لرئيس لجنة الأمن والنظام العام باللجنة الشعبية للإنقاذ الوطني بولاية كردفان ولكنه ينكر سرية المعلومات التي تحصل عليها كما وينكر أن بيانه يتضمن ما يؤثر على الروح المعنوية للقوات المسلحة أو تثبيط هممهم ، كما ويدفع بأن إذاعة البيان المذكور كانت بحسن نية وامتداد لبياناته السابقة التي تعكس نشاطات لجنة الأمن.

ولمعرفة صحة ما دفع به المتهم الأول لا بد أولاً من تحليل عناصر المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ . وتنص المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م على الآتي :-

" من يحصل بأي طريقة على أي أمور سرية من معلومات تتعلق بشئون الدولة دون إذن ومن يفضي أو يشرع في الإفضاء بتلك المعلومات أو المستندات لأي شخص دون إذن أو عذر مقبول يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً وتكون العقوبة بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات إذا كان الجاني موظفاً عاماً"

وتنص المادة 37(ب) على الآتي :-

" أن يستعمل في العمليات الحربية أو عند نشوب المعارك ألفاظاً أو أية وسائل من شأنها تثبيط همة أفراد القوات المسلحة الخاضعين للأحكام العسكرية في التعامل ضد العدو أو تدعو للتراخي في مواجهته.."

وفي رأيي بعد مراجعة الوقائع والقانون فإن المتهم الأول لم يرتكب جريمة تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م والمادة 37(ب) من لائحة الطوارئ وذلك للأسباب الآتية :-

أولاً :

تشترط المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م أن تكون المعلومات التي تحصل عليها المتهم وقام بنشرها معلومات سرية . والمعلومات التي تحصل عليها المتهم الأول وأذاعها في بيانه معلومات عامة وشائعة يعلمها عامة الناس في جنوب كردفان وفي غير جنوب كردفان.

ولم يثبت أن المتهم قد تحصل عليها من أجهزة الأمن ولا من أي جهة رسمية ولكن أخبرها به مواطن عادي وهو الأستاذ محمد عبد الله الرضي المشهور بعياض وهو مدير المرحلة الابتدائية بمحافظة كادقلي.

ثم إن الحديث عن السلام أمر معروف يتحدث عنه الناس في مجالسهم في كردفان وفي غير كردفان وما تشترطه المادة وتحرم نشره هو تلك المعلومات السرية التي لا تعلمها إلا الجهات الرسمية وليست المعلومات التي يتناقلها الناس كأمر عادي كما هو الحال بالنسبة للمعلومات التي وردت في البيان.

وبما أن هذا الشرط وهو سرية المعلومات قد انتفى بالنسبة للمعلومات التي تمت إذاعتها فإنه بالتالي تنهار كل التهمة الموجهة للمتهم الأول تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م.

ثانياً :لقد أذاع المتهم الأول البيان من موقع مسئوليته كنائب لرئيس لجنة الأمن والنظام العام باللجنة الشعبية في الولاية . ولا غرابة في ذلك وليس هناك من الظروف والملابسات حسب ما ورد في البينات ما يدعو للشك في حسن نواياه خاصة وأنه اعتاد أن يذيع مثل هذه البيانات في الماضي وقد كان حسن النية في كل ما قام به أو على الأقل في كل ما بدر منه في الظاهر ولم يثبت الاتهام عكس ذلك وهو الذي يقع عليه عبء إثبات سوء القصد.

ثالثاً :

يقول الاتهام أن الحرب والسلام من اختصاص الحكومة الاتحادية وليس من اختصاص لجنة الأمن والنظام العام وأن المتهم قد تجاوز اختصاصه وبذا يكون قد ارتكب جريمة تحت المواد التي اتهم بموجبها . ومع احترامنا للاتهام وللمحكمة الموقرة فإن تجاوز الاختصاص لا يثبت جريمة ضد المتهم الأول خاصة وأنه لم يبرم صلحاً ولم يرفض سلاماً وكل ما ذكره في بيانه هو الإشادة بالمسئولين وبالعفو العام الذي أصدره السيد/ رئيس مجلس قيادة الثورة وناشد الخوارج في جنوب كردفان ليعودوا إلى حظيرة الوطن للعمل مع اخوتهم فيما يفيد البلاد ويفيدهم بدلاً من الحرب والتناحر . ومن يتجاوز اختصاصاته من أعضاء اللجان الشعبية لا يقدم ليحاكم جنائياً ولكن يوقف عند حده بالطرق الإدارية المعروفة.

رابعاً :

لم يثبت الاتهام أي تأثير طرأ على موقف القوات المسلحة أو المجاهدين بعد إذاعة البيان فلم يثبط البيان همة أحد منهم ولم يثبت أن أحداً منه تراخى في مواجهة المتمردين بسبب البيان . وهذا يعني أن الجريمة موضوع التحريض لم تقع وما جاء في شهادة مدير الأمن بالولاية عما قد يحدث من تأثير على معنويات القوات المسلحة والمجاهدين مجرد استنتاج ورأي شخصي لا يعول عليه في إدانة أحد في مثل هذه الجرائم الخطيرة التي يدعى الاتهام أن المتهم الأول قد اقترفها.

خامساً :

لقد استمعت إلى البيان في شريط كاسيت وشريط فيديو أكثر من ثلاث مرات محاولاً أن أجد فيه ما يمنع القانون إذاعته من معلومات وقد وصلت إلى قناعة تامة بأنه بيان عادي يمكن أن يصدر من المتهم الأول ومن غيره من المتحمسين للسلام. وقد استنتجت عكس ما استنتجته المحكمة وهو أن فحوى البيان وما جاء فيه من مناشدة وطنية مخلصة مما يستحق عليه المتهم الأول الشكر والتقدير بدلاً من القبض عليه ومحاكمته أمام محاكم الجنايات وزجه في غياهب السجون.

وعليه لما ذكرت من أسباب فإنني أرى أن المتهم الأول لم يرتكب جريمة تحت المادة 55 من القانون الجنائي لسنة 1991م أو المادة 37(ب) من لائحة الطوارئ وأمر بإلغاء الإدانة والعقوبة كما وآمر بإطلاق سراحه فوراً.

(8) وقبل ختام مذكرتي هذه رأيت من الأنسب أن أنقل ملاحظاتي عن هذه المحاكمة لمن يهمهم أمر العدالة وهي كالآتي :-

أولاً

بالرغم من إنني اختلف مع المحكمة فيما وصلت إليه بأغلبية أعضائها من إدانة للمتهمين إلا أنني أرى أنها تستحق الإشادة لإعطائها المتهمين كل الفرص المتاحة للدفاع عن أنفسهم كما وأشيد بمحضرها المرتب وإثباتها لما استمعت إليه من أقوال بلغة سليمة وخط واضح مما سهل مهمة الجهة الاستئنافية في الاطلاع على أوراق القضية دون مشقة أو عناء.

ثانياً :

لقد لاحظت بمزيد من الأسف أن الاتهام في هذه القضية كان ضعيفاً ومهزوزاً وغير ملم بالقضية التي قدمها من ناحية الوقائع والقانون والاهتمام . أما الوقائع قد ضربت لذلك مثلاً عند مناقشتي للبينات ضد المتهم الثاني وهو قوله بأن المتهم الثاني دلدوم الختيم أشقر قد استمع لتفاصيل البيان من المتهم الأول قبل إذاعته مع أن هذا لم يحدث إطلاقاً ولم ترد فيه بينة وهو مجرد افتراء من جانبه . أما بالنسبة للقانون فإنه لم يبحث في عناصر أي من الجرائم التي وجهت التهمة بمقتضاها للمتهمين وكان اعتماده كله على الاستنتاج والرأي الشخصي غير المقبول قانوناً . ولو حلل السيد مدير الإدارة القانونية عناصر كل جريمة وطبقها على الوقائع التي تتعلق بكل متهم على حده لما تقدم بهذه القضية الهزيلة وقال رأيه بشجاعة في تقديم المتهمين للمحاكمة الجنائية بدلاً من هذا الإحراج الذي تسبب فيه بالنسبة للمسئولين الذين يعتمدون اعتماداً كلياً على نصائح مستشاريهم من القانونيين.

أما من ناحية الاهتمام بإجراءات المحاكمة فإن المرافعة الختامية التي قدمها السيد / مدير الإدارة القانونية الأستاذ / عبد العزيز الكردي هي عبارة عن صورة فتوغرافية لأصل لم يقدمه للمحكمة وهي بخط يده الذي لا يقرأ إلا بصعوبة شديدة أما المحتوى والأسلوب الذي كتبت به هذه المرافعة فإنه لا يرقى حتى إلى مستوى أسلوب كتاب العرائض.

ثالثاً :

إن اللجان الشعبية تجربة جديدة في السودان والعاملون فيها متطوعون للعمل الوطني بدافع خدمة ذويهم وأحيائهم ومواطنيهم كما هو الحال في البلاد الأخرى التي تستعين بمثل هذه اللجان الشعبية أو ما يشابهها وقد تم اختيارهم بعد التأكد من سلوكهم الشخصي وخلو صحائفهم مما يعيب أو يشين وبعد الوقوف على انتماءاتهم وولائهم . وبحكم عملهم فقد يخطئون في بعض الأحيان كغيرهم من البشر وقد يتصرفون تصرفات لا تصادف رضى الجهات التنفيذية وفي هذه الحالة فإنه من المناسب إن كانت هنالك محاسبة أو مسائلة والأوفق أن تتم بنفس روح التعامل القائمة على التعاون والتشاور بين أفراد الأسرة الواحدة بما يخدم مصالح المواطنين . ولا يحاسبون على هذه الأخطاء الإدارية كما حدث في هذه القضية أمام محاكم الجنايات ويعاملون معاملة المجرمين وغير المرغوب فيهم لأن هذا في نظري علاج لخطأ بخطأ أكبر منه وبهذا التصرف قد تفقد الدولة ما كانت تتمتع به من تعاون وتعضيد وتأييد من هذه اللجان والخطأ الإداري قد يجبر بقرار من الجهات التنفيذية أو بتصحيح من الجهات المختصة ، أما الآثار النفسية والسياسية التي تتركها هذه المعاملة غير الكريمة لأفراد هذه اللجان بتقديمهم للمحاكم الجنائية فإنه يتعذر بل يستحيل جبرها.

رابعاً :

لقد ذكر المتهمون في طلبات استئنافهم خاصة المتهم الثالث الفاضل حاج سليمان بأنهم عوملوا معاملة غير كريمة وغير إنسانية وتتنافى مع القيم السامية وروح الإسلام والشرع الحنيف وذلك في القبض أولاً وفي القبض ثانياً بعد أن قبلت ضماناتهم وفي ترحيلهم بعد ساعات من محاكمتهم من سجن الأبيض إلى سجن سواكن دون مبرر لذلك وإجبارهم على الرحيل في شاحنة مكشوفة في حر شديد وتحت وهج الشمس ومنهم المريض بمرض السكري والذي أخذ بالقوة من المستشفى لترحيله ومنع حتى من أخذ الضروري من أدويته.

وإذا صح ما ذكره المتهمون من معاملة غير إنسانية لا تمت لأخلاقياتنا كمسلمين وكسودانيين بصلة فإنه أمر يدعو للقلق فعلاً كما يدعو للأسف.

خامساً :

ألاحظ أن هذا البلاغ قد تقدمت به الجهة التنفيذية في الولاية طالبة محاكمة المتهمين لما قدمته من أدلة.

وبالرغم من إنني لم أوافق المحكمة الموقرة رأيها في إدانة المتهمين وأمرت بإلغاء الإدانة والعقوبة إلا أنني أرى أنه من العدالة والإنصاف ألا ننسى عند تعليقنا على هذه المحاكمة دور الجهة التنفيذية التي تستحق كل الإشادة والتقدير ليقظتها وحذرها واهتمامها بكل ما يتعلق بأمن الولاية وعدم تفريطها في كل ما يتصل به كبيراً كان أم صغيراً مهما كانت درجة التأكد من صحته أو عدم صحته تحسباً لما قد يحدث من ضرر بسبب الاستهانة بالأمور أو الإهمال أو اللامبالاة في مثل هذه المسائل الحساسة.

وقد لاحظت أيضاً أنه واضح من ملابسات وظروف هذه القضية أن الجهة التنفيذية لم تتقدم بهذا البلاغ بسوء قصد أو لخطأ في التقدير ولكن كل ما اتخذته من إجراءات كان بناءا على نصائح قانونية غير موفقة من الإدارة القانونية بالولاية ، ولو كلفت الإدارة القانونية نفسها قليلاُ من الجهد وقامت بدراسة متأنية لكل جوانب الموضوع بأكمله وأبدت رأيها للجهة التنفيذية بوضوح وشجاعة وأصرت عليه لسلكت محاسبة المتهمين ومساءلتهم طريقاً غير طريق محاكم الجنايات.

الأمر النهائي :

وعليه لما ذكرنا من أسباب آمر بالآتي :-

(1) إلغاء الإدانة والعقوبة بالنسبة لكل المتهمين وهم :-

1/ علي أبو عنجة الموت.

2/ دلدوم الختيم أشقر.

3/ الفاضل الحاج سليمان.

4/ إمام محمود عبد الرازق.

5/ محجوب علي محجوب

(2) إطلاق سراح المتهمين علي أبو عنجة الموت ودلدوم الختيم أشقر والفاضل الحاج سليمان فوراً.

Post: #95
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-24-2010, 01:00 AM
Parent: #94

كيف يفكر أبناء جبال النوبة .. فى ظل المتغيرات السياسية الراهنة !!/بقلم / آدم جمال أحمد - سدنى
Aug 15, 2010, 01:15

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
نسخة سهلة الطبع
Share








كيف يفكر أبناء جبال النوبة .. فى ظل المتغيرات السياسية الراهنة !!



بقلم / آدم جمال أحمد - سدنى



تعيش جبال النوبة أزمة فكرية وسياسية وإجتماعية ، فهي أزمة مثقف .. وأزمة قيادة .. وأزمة مفكر سياسي .. وسياسي متحرر من التعصب الجهوي والقبلي والتفكير العشائري .. ومصلح إجتماعي .. وما يؤكد ذلك رأس الرمح للتفكير القبلي السياسي العتيق في جبال النوبة ، تلك المقالات لبعض الأخوة على صفحات الأنترنت فى الفترة الأخيرة ، ومع إحترامي وتقديري لبعض الكتاب والقيادات النوبية بالداخل والخارج وجمهور القراء إلا إنني أردت أن أوضح لهم بعض من الحقائق والملابسات ، التي تدور وتحاك خلف الكواليس .. وما يقوم به البعض من إستعراض لقوتهم من خلال كتاباتهم ، التى لا ترتقى الى مستوى المسئولية والنقد البناء والتحليل العلمى والموضوعى ، في هذا الظرف التاريخى الحرج التى تمر بها القضية النوبية ومنطقة جبال النوبة ، والتى تحتاج للتصالح وتجاوز الخلافات والصراعات والمهاترات.



ولكن يبدو أن البعض من أبناء جبال النوبة ما زال فى غيهم وضلالهم القديم ، وحتى لا يسئ البعض الفهم بأن السكوت وتجاوز الخلاف والإلتفات الى المعركة الحقيقية وتوجيه كل أسلحتنا نحو العدو الحقيقى ، بعد أن آلينا على أنفسنا بعدم توجيهها الى بعض ، لكن ما زال البعض يحاول الضغط على الزناد لإشعال وإذكاء النعرات والخصومات من جديد ، فلذلك نحن نحذرهم من مغبة ذلك بأننا على إستعداد على قلب الطاولة وكشف المستور ، فلذا نأمل منهم بأننا مدركون لكل ما يقال ويكتب بأى رمزية أو إيحائية كما يحلو لهم ، فلذلك نكرر تحذيرنا لهم حتي يقفوا علي الحقيقة المجردة ، ويكفوا عن هذا العبث الذي يتم هنا باسم القضية النوبية أو القيادة النوبية .. وأهالي جبال النوبة ، لأنهم في تناسي تام إنه من حق أي أحد في جبال النوبة أن يكتب ما يحلو له وما يراه صواباً مهما إختلفنا معه .. ما دام ذلك يعبر عن فكره ورؤيته وتساهم في دفع القضية النوبية .. ولكل طريقته في التعبير دون أملاء أو وصية من أحد .. وكل واحد منا في موقعه أن يدافع عن جبال النوبة سواء كان بالقلم أو الرأي أو الكلمة أو السلاح .. وعلي الأخرين إحترام هذا الرأي دون التقليل من شأنه أو التبخيس بقدرات وأفكار الأخرين .



أما حديثهم عن العقلية التآمرية .. فالعقلية التآمرية تتمثل فيهم فهي طريقة في التفكير الإنفعالي تغزو الحقل الثقافي والإجتماعي والسياسي لجماعة بشرية أياً كانت ( أمة .. طائفة .. قبيلة .. حزب ...إلخ ) وتسيطرعليه ، وتدفع إلي حالة من الشلل تلقي بظلالها علي مجمل نتاجات هذا الحقل وإبداعاته إن وجدت .. وهي طريقة فعالة في ( إغتيال العقل ) . وذلك عندما تتمفصل مع ضرب من العقلية السجالية ، التي تتميز بدورها بنمط من التفكير الإنفعالي ، ومن سماته تغليب الجزء علي الكل وغياب النقد الذاتي وحجب الواقع .. وغياب أرضية للحوار وسيادة حوار ( الطرشان ) والذي يظل شاهداً علي تغلغل هذه العقلية في خطابنا النقدي المعاصر وتمفصلها مع كل إشكاليات الإنغلاق ( تعصب .. تمركز .. عنف .. نفي .. إرادة تكشف عن ميل إلي إتهام الأخر ... إلخ ).



وما أعنيه بالعقلية التآمرية في صفوف أبناء النوبة المتواجدون بالديسابورا .. هي عقلية متمرتسة تقوم بتنفيذ خطط وإستراتيجيات مدروسة ومؤامرات كبيرة تستهدف القيادات الشابة التي إستطاعت أن تجد لنفسها مواقع خاصة .. دون أن تلتف أو تدور حول فلك هذه المؤسسات المحكمة قبضتها .. والعقول الناشئة التي تصدي بالقول دون مهاباتهم .. وهذه المؤامرة تحاك بشكل واع ومقصود .



إن أطراف المؤامرة هي أطراف معينة من المجتمع التقليدي والكلاسيكي وبعض ( المثقافاتية ) ، التي تتدعي المعرفة والسياسة وتوهم الأخرين بذلك .. كالسامري الذي أضل قوم سيدنا موسي . وإن هذه المؤامرة تحاك في الخفاء وتأخذ شكل الرموز والشواهد والعموميات وبث الإشاعة والترويج لتشويه صورة الأخرين وإطلاق بالونات من الإتهامات ضدهم ، وتسفيه كل كتابة نقدية من هذا النوع الذي لا يروق لهم أو أي شخص يتجرأ ويقوم بنقد هذه المؤسسات الحزبية ( المقدسة ) أو توجيه النقد لهذه القيادات والنخب السياسية .. إتهامها باللاموضوعية واللا علمية ، وتارة رميها بالكفر والخروج عن الملة النوبية .. ورميها إلي ساحات الأعداء .. ووصفهم بالمتربصين والمندسين .. والموالين للحكومة .. وهي إتهامات لقد سئمنا من سماعها . فإن هذه الإتهامات الموجهة فى شكل عموميات ندرك حقيقتها ، ولكن لعدم توفر الجراءة والشجاعة فى المواجهة ظلت تدور في إطار من العقلية السجالية المحكومة بإرادة عدم المعرفة .. وبإرادة نفي للأخر ، عقلية تحكم علي الكل من خلال الجزء وتدفع إلي الحوار من إلغاء المحاور نفسه ، والتي يجب فضحها وكشفها في الوقت المناسب وإنني أمتلك كل الأدلة والملفات السرية بالأسماء والبراهين وخاصة المتآمرين من داخل صفوف النوبة وأعوانهم سواء كانوا بالداخل أو فى دول المهجر وكل من يتعاون معهم . لأنني كصحفي لي مصادري الخاصة في إمتلاك المعلومة .



كما أسلفت فإن الذي يتجشم عناء السفر في أروقة العقلية التآمرية وفي الظلال المرعبة لثقافة الإتهامات التي أطلقوها بصورة عامة دون ذكر للأسماء .. سيعثر علي مادة بيولوغرافية مرعبة تتصدرها عبارات ومقالات للتحليل النفسي والتحليل السوسيولوجي لمنهجية وإستراتيجات هؤلاء بمعطياتهما السطحية والتي لا ترقي إلي مستوي التحليل الناجع لمشكلات وإشكاليات المجتمع النوبي والثقافة النوبية معاً . لأن غياب الموضوعية داخل أنفسهم ووسطهم الاجتماعى فقد جعلهم يغفلون بعض الجوانب المهمة وبل أهملوا بعضها الأخر .. لأنهم لا يتميزون بمنهجية ورؤية ميتافيزيقية ، حتي يروا الأمور بصورة مطلقة وواعية .. فهناك إعتباطية تحريضية تطال كل من يتجرأ لنقد القيادات النوبية والحركة الشعبية وتفكيك رموزها أو العمل علي إحداث ثورة فكرية والمناداة بالتجديد والتغيير لنمط المنهجية ورؤية الحركة وبعض القيادات والرموز التي تدور في حلقة مفرغة وهي غير قادرة علي إستيعاب الواقع السياسي بالمتغيرات الكثيرة التي طرأت علي الساحة النوبية والسودانية .. وفي الوقت الذي تعيش فيها جبال النوبة فراغ سياسي وإحباط عام ، نجد أن جماهير جبال النوبة بالداخل لقد تجاوزت هذه المؤسسات شبه الحزبية وقياداتها المتناحرة والمختلفة دوماً .



إن إكتشاف وتحليل الخلفية الفكرية لهؤلاء الشخصيات من أبناء النوبة ، وشكل عقليتهم وعدم نضوج الفكر وتعييب الوعى ، والتى تتوفر وسط وداخل هذه الفئات فمن شأنها أن تكشف الدور التآمري الذي قد يضر بالساحة الفكرية والسياسية النوبية ، وفي إطار التبريرية التي سقناها وأطلقناها فى الفترة الأخيرة بسيادة روح خطاب المصالحة وجانب الإلتماس في عدم الإساءة إلي هذه القيادات أو مس الحركة الشعبية كان منطق صوت العقل ونقطة إلتقاء للتصالح وإمكان رجوع الكل إلي حظيرة البيت النوبى .. فقد إلتزمت به وقلت رغم التناقض الذى بيننا يجب أن نتجاوز الخلافات.. ولكن يبدو المقالات الأخيرة لبعض الأخوة من أبناء النوبة بدول المهجر يرفضون ذلك ، وتعتبر كتاباتهم هذه مؤامرة منهم ودق لطبول الحرب .. فلذلك أصبحت هذه التبريرية هي ( منطق الفكر التراجيدي الشائع في الأدبيات النوبية ) ومنطق التأويل الذي يستند علي التناقض وإفتقارالمادة السياسية في حركة غياب الموضوعية بتناقض شكلي للأزمة الداخلية التي يعيشها معظم أبناء النوبة في عدم إلتزامهم بالقرارات والنداءات التي تصدر من رئاسة الحركة الشعبية بالداخل.

كما تعتبر تلك المقالات إمتداد طبيعي لتواصل حلقات التآمر والخلافات التي تطرأ كل يوم عبر خطابات فقيرة الكلمات والمحتوي والمضمون.. المشوبة بالهمز واللمز والسخرية تكشف عيوباً أساسية في المنهج الفكري الذي يؤدي إلي كل هذا القدر من النتائج والنماذج لشخصيات صارخة للرؤية المشوهة بالآمال الجوفاء التي تنتشر داخل الوسط النوبي في أزمنة الهزيمة والإحباط .



نرفض هذه العقلية التآمرية التي توضح تخلفنا السياسي والتنظيمي .. فما سر هذه الغشاوة التي تتحكم في رؤيتهم ومن يماثلة في الرؤية . إن ما يميز هذه المقالات هي السطحية والسذاجة .. ويعد هذاالنموذج من الفكر أنموذجاً صارخاً للرؤية المشوهة الجوفاء .. إن لم تكن تعبيراً عن عقدة نقص مزمنة مستعصية علي الشفاء . فلذلك يسعي إلي تعميمه تيار بأكمله .. تيار يملأ الساحة النوبية الفكرية والسياسية صخباً وضجيجاً وزبداً ( وأما الزبد فيذهب جفاء ) ، هكذا يتم الحكم علي الأخر المختلف معه دون إدارة اى حوار أوالوصول معهم إلي حوار أو لحظة إقتناع وتصالح مشترك . إن الحالة السياسية في جبال النوبة ما تزال مجهولة علي مستوي المعرفة وعلي مستوي الوعي العام بها ، ومن ثم تبدوا الحالة السياسية وتجسيداتها المؤسسية والحركية .. وتفاعلاتها وقضاياهما الخاصة .. وفلكورياتها أو بتعبير أدق ( أنثروبولوجياتها ) غائبة تعاني إضطرابات سلوكية ظاهرة تقود إلي أحوال إرتكاسية شاملة في حالة المجتمع والدولة بأسرها لا لشئ إلا للنزعة الرديكالية التي تعتبر حرب مماهاة بين الموجود والمفهوم ، ثم بين المفهوم والمقول ، وأخيراً بين المقول والمعمول في الواقع النوبي اليوم ، التي لا تفرق فيه هذه المؤسسات بين الوجود التقليدي وبين موت البجعة المحتضرة وبين السير في مواكب المتغيرات القادمة والمستقبل السياسي .. والتحولات ليست شعارات أو أمنيات.



فيجب علينا أن نسعى إلي جمع ولملمة شتات صفوفنا المتبعثرة من أجل توحيد الصف والرؤي والكلمة في هذا الظرف الصعب ، حتي تصبح وحدة النوبة قوة تهابها الأعداء للحصول علي حقوقنا ومطالبنا المشروعة في هذا المنعطف الحرج والمرحلة العصيبة من تاريخ نضالنا في جبال النوبة جنبً إلي جنب مع أخواننا فى الحركة الشعبية وبقية القوى السياسية بالإقليم لنتناسى فيها كل الظلامات والمرارات ونزيل فيها الضغائن وصغائر الأمور العالقة بالنفوس لنلتفت جميعا إلي المعركة الحقيقية والهم الأكبر والتى تتمثل فى نداء الجبال والبحث عن آلية لذلك .. والإنتخابات والمشورة الشعبية ، وما يطالب به منبر جبال النوبة ونساء النوبة بحق تقرير المصير ، ويتمثل الإنتصار الحقيقي لذلك في الوحدة علي قلب رجل واحد ، لتنال بها قضية جبال النوبة مطالبها العادلة والمشروعة .. ثم بعد الحصول علي كل الأهداف التي تتمثل للنوبة من حكم ذاتي وثروة وأرض والإعتراف بنا كشعب له مستقبله السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في حق المشاركة والتمثيل بالحجم في ظل السودان العدالة بمتغيراته في الأمن والإستقرار والعدل والمواطنة والديمقراطية ، ثم بعد ذلك يحق لنا أن نجلس كنوبة جميعاً ليكون الحساب لإزالة الضبابية وغشاوة الظلمة والمرارات بتوزيع عادل للفرص في المساواة والتفكير في كيفية إدارة جبال النوبة وتنظيماتها السياسية برؤي وأيدلوجية وفهم جديد.



وإذا عدتم عدنا .....



سدنى – أستراليا - 15 أغسطس 2010 م




Post: #97
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-25-2010, 11:56 PM
Parent: #95

up

Post: #98
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: آدم جمال أحمد
Date: 08-27-2010, 00:13 AM
Parent: #97

شكراً الأخ ناصر الاحيمر على هذا االسرد التاريخى القيم
وعلى البوست الرائع .. ونحن متابعين ..

Post: #99
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: Manal Mohamed Ali
Date: 08-27-2010, 03:30 AM
Parent: #98

http://www.nomadsed.de/en/projects/projects-2004-2008/project-d9/

حتماً لي عودة في شأن جنوب كردفان... انتمائي وشوقي في غربتي


___________



Post: #100
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-27-2010, 09:35 AM
Parent: #99

شكرا اختي منال علي المرور
نتمني ان نسمع عنك الكثير
في شان اهلنا في جبال النوبة
ربنا يرد غربتك بسلامة يارب

Post: #108
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-03-2010, 09:16 AM
Parent: #93

up

Post: #111
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-09-2010, 06:59 PM
Parent: #93

ها هو تتعزم الاحداث مع تقارب اقارب ساعة الانفصال

Post: #112
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-17-2010, 10:37 AM
Parent: #93

مقالات و تحليلات
النوبة بين الهزيمة والاستعلاء (2)/قاسم نسيم حماد حربة
By
Jan 22, 2010, 00:38






النوبة بين الهزيمة والاستعلاء (2)



عددنا في مقالنا السابق أنماط الهزائم النفسية عند النوبة ،وسبقنا ذلك بسرد وتحليل الأسباب التي أدت إلى تلك الهزائم واجتهدنا في الاحاطة بها , وسنحاول في هذا المقال تناول ظاهرة الاستعلاء والتهميش عند الآخر كموجب طبيعي لظاهرة الانهزام السالبة .

إن وقوع التهميش على النوبة حقيقة لا سبيل إلى إنكارها ، فعلى مدار التاريخ المنظور اشتكى النوبة منه ، ففي التاريخ المنظور كان وصول الأتراك لحكم السودان أكبر إيذانا بتكثيف عملية استرقاق السود ومن بينهم النوبة ، حيث كانوا يستوعبون في الجيش المصري كجهادية وآخرون يستوعبون في العمل المنزلي كخدم في الشمال وكرد فعل رافض للاستعلاء الذي يسلبهم آدميتهم قاموا بعدة ثورات طلبا للحرية أهمها ثورة كسلا (1864-1865 م) وقد استسلموا بخديعة لقاء وعدهم بالحرية لكنهم أعدموا أما قائدهم الصاغقول أغوس فقد صلب في المشنقة أربعة وعشرين ساعة ثم قضى ،وقد وعد الأمام المهدي الرقيق السود الذين يدخلون الجهادية بالعتق وتعويض مالكيهم لكنه لم يفعل ذلك لكثرتهم لكن صارت شهادة الجهادية تقبل في المحاكم كتطور ايجابي في إنسانيتهم في المهدية حسب مقياس ذلك الزمان. أما النساء فكن يبعن في الأسواق . نتيجة للنزوع نحو التحرر قام الجهادية السود في عام( 85-1887 م) بثورة في الأبيض شارك فيها حتى عبيد المنازل والنساء واحتلوا الأبيض وساروا نحو جبال النوبة حيث كونوا جمهورية هناك , ألا أن حمدان أبو عنجة تعقيهم هناك وقتل ثلاثة من قوادهم وجز رؤوسهم وأرسلها للخليفة عبد الله في أمدرمان الذي أمر بتعليقها في المساجد ثم أمر بدفنها في الخرطوم مع رمم الكفار. كان عدد الجهادية في المهدية مساويا لعدد جيش المهدية من الشماليين أو يذيد وكان عدد الرقيق في أمدرمان يساوي عدد الأحرار مما يطلعك على ضخامة عمليات الاسترقاق وعظم الفاقد من السود. وقد لعب الجهادية السود دورا كبيرا في حروب المهدية لكنهم كانوا يوضعون في الخط الأمامي بينما يبقى العرب في المؤخرة انظر Ohrwal drl,OP.Cir,P.112 .

وقعت حكومة الحكم الثنائي أول معاهدة لمنع الرق في السودان في أغسطس 1898 م وكان كتشنر يعتقد بأن الرق جزء من ثقافة العربي وعرفه برز ذلك في مذكرته السرية التي كتبها في مارس 1899 لذا ونتيجة لهذا الاعتقاد الذي أيده الواقع الشمالي من مقاومة لتحرير السود وفي عام 1905 سنت الحكومة قانون المشردين والذي حاول تحجيم ظاهرة ترك السود لأسيادهم والذي تقول أهم بنوده :إذا أتضح أن الرقيق ليس له ضامن يقنع القاضي الرقيق بالعودة لسيده . وفي عام 1924 أقرت السلطات مبدأ الفدية .كان الرق والسواد مترادفتان يؤكد ذلك مذكرة مدير مديرية النيل الأبيض للسكرتير الإداري التي يقول فيها :( ولضمان تسجيل كل الأرقاء المسترقين حديثا تقرر تسجيل كل السود ) وما جاء في فقرة من تقرير ولس سنة1926 تقول: (أصبح وضع الأرقاء أقرب إلى أنه مسألة اللون والمركز الإجتماعي منه إلى إدعاء أو دعوى يستطيع المالك أن يرفعها) .كانت القيادات الشمالية العربية السياسية والقبلية والدينية تعترض على تحرير السود ففي 6 مارس 1925 رفع السيد علي الميرغني والشريف يوسف الهندي وعبد الرحمن المهدي مذكرة لمدير المخابرات يعترضون فيها على العتق مبررين قولهم هذا بأن عملية العتق ستخلق شرا عظيما.

ظل تأجير الإماء للبغاء سنة حتى 24 أبريل 1924 حيث صدر توجيه من السكرتير الإداري دان فيه هذه الممارسة ، وقد ظل الرق مستمراً حتى الخمسينيات ففي سبتمبر 1952 أصدر قاضي القضاة منشورا يقضي بالتحري في مسألة الأمة إذا خرجت عن يد سيدها وألزم في حال أصرت الأمة على الخروج أن يعطى الولد لوالده دون اعتبار لكونها كانت زوجة أو أمة ، ثم سكتت القوانين بعد ذلك عن الإشارة لمسألة الرق ولم يصدر قانون قاطعا في هذه المسألة.

إن أهم أسباب انقسام جمعية الإتحاد السوداني وتأسيس اللواء الأبيض تعود لنظرة النخب الشمالية الاستعلائية ، فبالرغم من اتفاقهما في مفهوم وحدة وادي النيل بل دافعت اللواء الأبيض علناً عن تلك الوحدة بجعل خريطة وادي النيل في علمها ، وقد بان هذا الصراع في النداء الذي أصدرته اللواء الأبيض بعنوان ( نداء السودان إلى الأمة البريطانية) تعقيبا على وثيقة القادة الدينيين والقبليين الشماليين الذين فوضوا الإنجليز حق السودانيين فقد تضمن الفقرة الآتية (إن القادة الدينيين والقبليين لا يمثلون الشعب السوداني وليسوا مخولين للتحدث باسمه) وبين الوثيقة الشهيرة الموقعة باسم (ناصح أمين) والتي وزعت في 1920 من قبل الإتحاد السوداني فلم تهاجم القادة الدينيين والقبليين بل بررت لهم بأن أسماءهم قد استخدمت من قبل الإنجليز وكان تركيزها على استعباد الإنجليز للشماليين قالت الوثيقة: ( إن البريطانيين مدانون طالما أهانوا الناس ذوي الشأن ورفعوا الطبقات الدنيا وال########ة ) عليه فقد كانت الجمعيتان متفقتين على وحدة وادي النيل وعلى تفويض المصريين حقوقهم في المفاوضات وكانت نقطة خلافهم هي أي قسم من السودانيين يحق له التحدث باسم الشعب السوداني. ومواصلة لتعميق هذه النظرة الشمالية الاستعلائية وبروزها في صورة تجعلهم هم فقط الأسياد وما سواهم من السودانيين ليسوا مثلهم بل ليس هناك ما يسمى بشعب سوداني أصلا جمع سليمان كشة في 1923 وكجزء من أنشطة الاتحاد السوداني القصائد التي تليت في ليلة المولد ونشرها في كتاب صدرها بقوله: ( إلى شعب عربي كريم ) واعترض علي عبد اللطيف (نباوي من كادقلي قبيلة ليما وأمه من الدينكا خلافا لما يعتقده كثيرون) على هذه العبارة وقال: بل يجب أن يكتب ( إلى شعب سوداني كريم ) وأشتد الاختلاف وعلى إثره انشقت الجمعية وأسس علي عبد اللطيف جمعية اللواء الأبيض وقد كتب سليمان كشة في الصحف: ( من هو علي عبد اللطيف وابن من هو وإلى أي قبيلة ينتسب) ؟؟؟ .

في عام 1965 استطاع اتحاد عام جبال النوبة استطاع إسقاط الدقنية التي كانت مفروضة على قبائل النوبة حتى ذاك التاريخ ، في ظل حكومة جعفر نميري. سعى لإفراغ العاصمة أبناء الغرب والنوبة واستخدم أسلوب الكشات المأساوي في ربيع الثمانينات. ثم بدأت الأبادة لقبيلة النوبة من النصف الثاني لثمنينات القرن المنصرم حتى منتصف تسعينياته وقد ألمحنا لبعض تفاصيلها في مقال سابق .

إن أهم سمات تعامل المركز مع العنصر النوبي هي العقلية الأمنية التي تحل محل العقلية السياسية ، فمظهر تعامل المركز معنا هو مظهر أمني والواجهات التي يقيمها لنا المركز هي واجهات أمنية والملفات التي تخصنا أما أمنية وإما المسؤول عنها رجل أمن هذا هو أكبر خطأ وقع فيه المركز تجاهنا عليه لن تنجح سياسات الانقاذ تجاه النوبة أبدا طالما لم يتخل عن هذه العقلية الأمنية بعقلية سياسية ، وسبب انزال هذه العقلية الأمنية هو الريبة تجاه هذا الجنس ، والريبة تسببت في شيئ آخر هو اعتماد المركز على قيادات هشة ريبة في القيادات القوية وهذا خطأ آخر ضاعف من فشل المؤتمر الوطني مع النوبة. وكلا الخطأين لا يخلوان من أمرين هما أن الانقاذ أما تجهل النوبة أو أن الإنقاذ جاءت بأيدلوجية تخاصم النوبة .

من البديهي صعوبة خلق توائم مع المجموعات الأفريقية بالسودان وحكومة الإنقاذ لتقعُّد هذا النظام على فلسفة عروبية تامة في كل مناحيه وفي احتذائه لسلوك عراق صدام تجاه القوميات غير العربية كالأكراد رغم اسلاميتها ، فهناك تشابه بين واقعهم وواقع دارفور الآن وواقع جبال النوبة في تسعينات القرن المنصرم والذي نخشى تكراره، وإن كان في جبال النوبة وجود للمسيحية مما يشي بالتباين الديني بين بعض النوبة والشمال فإن دارفور أكبر مظهر فيها هو خلاوى القرآن .

إن نظام الانقاذ ذو التوجه العروبي القافز على حقائق المنطق والتاريخ والجغرافيا المتجاوز للدور النوبي فيها ودوره المشكل لقبائل شمال السودان، والمتخاصم مع أهل العربية الأصلاء الذين كانوا خرجوا عليه في شرق السودان والذين يلونهم نقاءَ في الجزيرة وكردفان ودارفور يقع في تناقض كامل في جميع مساراته بهذه الكيفية ، لأن الأعراب الأكثر قربا للعروبة لا يساكنوهم جهة، فالتوصيف الدقيق أنهم جهويون أستعاروا العربية لبوسا تتزيأ به تلك الجهة وبمفهوم المخالفة يتعرى العرب الأصلاء عن عربيتهم لكونهم لم يوجدوا في تلك البقعة المباركة بإذن الله ؟؟؟ ، إنه مفهوم معقد لا يستقيم لكل ذي لب وفكر قويم .

لذا ومهما تنطع النوبة وعَرِبوا لسانا وثقافة وفكرا فلن يعدوا في أفضل المستويات أن يكونوا في مصاف موالي الدولة الأموية ليس إلا طالما تتحكم في البلاد دولة تقفوا أثر الدولة الأموية وتتخذ من القبيلة ايدلوجية . هذا ما علمنا له التاريخ ، إنها محنة حقيقية يذيد من وقعها أننا لم نعبر إلى هذا البلد وأننا نعيش في كنف القرن الواحد وعشرين وتحزمنا حكما أدبيات القرن السادس الميلادي .لذا يصعب على النوبة التلاقي مع هذا الفكر . ولهذا حزم أهل الجنوب حالهم ليغادروا هذا البلد ويكونوا بلدا جديدا لادراكهم لهذه الحقيقة التي تجلت عندهم فهزمت عاطفة الوحدة الطفلة , فرغم مرارة هذا الخيار فهو أحكم لديهم من البقاء في دولة ينافق فكرها واقعها ، فهم يرون أنه بعد 2011 تسقط كل ميزات نيفاشا ويعودون كأول مرة تبعاً وفي هذا إهدار لأرواح ودماء آلافهم الذين قضوا في حربهم الطويلة ، ورغم تيقننا من أن الحركة الشعبية وأحزاب الشمال المعارضة كانت كفيلة بإسقاط المؤتمر الوطني إن توحدت ,لكن يبدوا أن الجنوبيين غير مستعدين لخوض مغامرة جديدة .

يصعب على النوبة التلاقي مع فكر المؤتر الوطني إلا إذا تخلى عنه نتيجة للمدافعة ولكنها قد تكون من قبل التحرف السياسي ليس إلا ولكن قد ينتج من التحرف السياسي في جدار الانقاذ الفولاذي بعض ثقب كما حدث له في نيفاشا وهو في نفسه بعض خير أما القضايا الكلية للنوبة فلا سبيل إليها إلا بذهاب الانقاذ البتة ليس سوى ذلك .


Post: #103
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 08-28-2010, 03:02 PM
Parent: #88

المشورة الشعبية ... وما أدراك ما المشورة

بقلم/ الهادى قدال

المشورة الشعبية إستحقاق دستورى تم تضمينه فى الدستور الإنتقالى وهو العمود الفقرى لبرتوكول جبال النوبة / جنوب كردفان بالإضافة إلى منطقة النيل الأزرق.

لذا لا بد من ممارستها فى إطارها الزمانى والمكانى المحددين. ندرك أن المشورة الشعبية لا تلبى مطالب وتطلعات شعبى جبال النوبة والنيل الأزرق إطلاقاً. دعنا نتمعن فى العبارة أى المشورة الشعبية ، فهذه العبارة لا وجود لها لا فى مصطلحات القانون لا فى القاموس السياسى. العبارة حمالة أوجه ، يمكن أن لا تعنى أى شئ ، ويمكن أن تعنى جملة أشياء مختلفة. لاندرى لماذا هذه العبارة المبهمة بالذات. ألم يفتح الله عليهم بعيارة ذات معنى ومضمون محددين؟ أم هى فلسفة الزوغان ونقض العهود والإتفاقيات؟ العبارة أتت عن قصد ولم تات عفواً.

هنالك نقطة أخرى فى هذا الشأن. إذا كانت إتفاقية السلام الشامل ستنتهى بإنجاز أخر بند من بنود الإتفاقية وهى إجراء إستفتاء شعب جنوب السودان فى خيارى الوحدة أو الإنفصال ، فأى إتفاقية سلام سيقيمها شعب جبال النوبة. أما إذا كانت حققت تطلعاتهم ومطالبهم أم لا؟ والبرتوكول يطالب شعب جبال النوبة باللجو إلى مجلس الولايات فى الخرطوم إذا ما أختلف النوبة مع الحكومة المركزية. والسؤال هنا – ماهى سلطة مجلس الولايات؟ إنه مجلس أكل عيش لا أكثر. ولله فى خلقه شؤن.

إرث المؤتمر الوطنى أو الإسلام السياسى عامة هو نقض العهود والمواثيق والإتفاقيات. فها هم بالأمس رفضوا حكم لجنة الخبراء فى شأن منطقة أبياى ، واليوم يحالون الخروج على حكم هيئة التحكيم الدولية بعد أن قبلوه بلا أى تحفظ. المؤتمر الوطنى بعد أن تأكد بأن الجنوب ذاهب لا محال ، يحاول دفع الجنوبيين لإعلان إستقلالهم من البرلمان أى مجلس التحرير. وبعدها الشمال سوف لن يعترف بذلك الإستقلال. وستكون حجتهم هى أن إتفاقية السلام الشامل لم تنص على إعلان البرلمان بل نصت على إعلان شعب جنوب السودان لمصيره.

الغرض والقصد من كل ذلك هو حفظ ماء الوجه للسيطرة على الجزء المتبقى من الوطن شمالاً وغرباً وشرقاً. وقد تقود الأحداث إلى المربع الأول أى الحرب بالرغم من قناعتى بأن المؤتمر الوطنى أضعف من أن يحارب ، لأن المناخ السودانى والإقليمى والدولى ضد هذا المؤتمر اللا وطنى. فقد فرطوا فى وحدة تراب البلاد من أجل قوانين سيئة السمعة.

ما يسمونها بالشريعة الإسلامية هى أكبر وصمة عار على جبين السودان. كان ينبغى رميها فى مزبلة التاريخ. هذه الشريعة هى فى الحقيقة شريعة الإغتصاب ، شريعة العنصرية والتطهير العرقى ، شريعة السطو على المال العام ، شريعة سوق المواسير، أنها لشريعة الشيطان لابد لها أن تذهب لينبثق فجر الوحدة لنأتى بشريعة السلام والحرية والساواة ، شريعة دولة المواطنة وحكم القانون ، شريعة الدين لله والوطن للجميع. لنعيش شريعة أن تذهب المدينة إلى الريف لا أن ينزح الريف إلى أطراف المدينة.

مـــا هــنت يا ســـــوداننا يومــــاً عـــلينا

وأيضاً نرى فى شأن الوحدة أن بعد إلغاء قوانين الشريعة البطالة كما جاء على لسان جعفر نميرى . نرى فى شأن الوحدة الحل الناجع فى تسليم المشير الأقرع. تسليم البشير واجب وطنى لحماية وحدة التراب السودانى. مثلث عبدالرحيم حمدى هو مثلث البشير وهو مثلث المؤتمر الوطنى ، إن أتى من عبدالرحيم حمدى فذلك إن حمدى سليل الغزاء لا يعرف للوطن قيمة ، وهو لا يشبه السودان لا تراب السودان ولا أهله. والرجل لا يستحى فهكذا يكون أمثاله.

المشورة الشعبية تعنى لدينا حق شعب جبال النوبة للإختيار بين حق تقرير المصير والكونفدرالية. دماء شعب النوبة وأرواحهم لم تزهق لما يسمونه تطلعات وحقوق فى برتوكول جبال النوبة الفارغ من المعنى المضمون. ونحن مع المشورة الشعبية بفهم واسع وجامع ، إلا هو المشورة الشعبية فى الخيار بين الإنفصال والكونفدرالية أو وحدة كافة الأراضى السودانية تحت رؤية السودان الجديد بالرغم أن هذا الخيار الأخير أصبح فى حكم المستحيل ما لم يتم تسليم المشير ، فليذهب المشير وشريعته إلى الجحيم .

أما عن نداء جبال النوبة ، فى تقديرنا هو صوت العقل فى زمن المحنة. النداء بمثابة صرخة شهداء الجبال فى وجوهنا. حرب الواحد وعشرون عاماً لم تنجز المهمة على الشكل الأكمل. دماء كثيرة سالت وتضحيات غالية من الأرواح دفعت مهراً لحرية شعب جبال النوبة ، لكن أين هذه الحرية؟ أهى فى قانون المشورة الشعبية بالشكل المتداول؟ ألهذا دفعنا كل ذلك الثمن الغالى من الأرواح والدماء؟

المهمة لم تنجز بالشكل الأكمل وعلينا إنجاز المهمة ، لننجزها بشكل حاسم وكامل ونهائى هذه المرة. فلتكن هذه المعانى هى محتوى النداء ، نداء جبال النوبة - وبناءً على هذا النداء علينا الأتى :-



1) توحيد كيان النوبة وتنظيم الصفوف.

2) جمع أكبر قدر ممكن من الدعم المالى بمبداء الإعتماد على الذات.

3) تشجيع ومساعدة أخواننا وأخواتنا النازحين على العودة إلى قراهم فى الجبال.

4) التوعية والتعبية السياسية والإجتماعية والعسكرية لكافة قواعد النوبة تحوطاً للإحتمال الأسواء.

5) وضع كافة البدائل فى حالة عدم السماح بممارسة المشورة الشعبية أو عدم تلبية المشورة لمطالب شعبنا فى حق تقرير المصير أو الكونفدرالية.

أهم الخطوات المهمة والضرورية لإنجاح المشورة الشعبية بمعناها الشامل والمحدد – هو أن يقوم الرئيس البشير بسحب وإبعاد السيد أحمد هارون والى ولاية جنوب كردفان / جبال النوبة قبل أجراء المشورة الشعبية. وذلك أحتراماً لشعب ولاية جنوب كردفان / جبال النوبة ومرعاة لمشاعر أهلنا فى إقليم دارفور عامة وأسر ضحايا الإبادة الجماعية والإغتصاب الجماعى وضحايا كافة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وهذا الإعتداء وقع على مواطنين سودانيين أعزاء وشركاء فى الوطن.

دعنا نسأل سؤال – لماذا لم يعين الرئيس البشير السيد أحمد هارون والياً لولاية نهر النيل أو معتمداً لمحلية حوش ود بانقا مسقط رأس البشير؟! لماذا يرمون الزبالة فى جبال النوبة ، ولماذا يخفون الهاربين من العدالة الدولية فى جبال النوبة؟

إذا لم يسحب البشير السيد أحمد هارون من ولاية جنوب كردفان / جبال النوبة ، فعلى سكان المنطقة القبض عليه وتسليمه للعدالة الدولية.

أرى تحت الرماد وميض نار ** أخشى أن يكون لها ضرام
أن النار بالعـودين تزكى ** والحرب أولها كــلام

ولنا عودة.

الهادى قدال
[email protected]
نأسسيبسيس

Post: #109
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-09-2010, 06:53 PM
Parent: #1

up

Post: #110
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-09-2010, 06:53 PM
Parent: #1

up

Post: #113
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: محمد ادم الحسن
Date: 09-19-2010, 11:43 AM
Parent: #110

http://www.hic-mena.org/documents/SPID%20HRAH%20-%20Sud...on%20Report%20Ar.pdf

Post: #114
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-21-2010, 06:46 PM
Parent: #113

شكرا اخي محمد ادم علي هذا التقرير
القيم المرجو افادتنا
بكل

Post: #115
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-22-2010, 07:04 AM
Parent: #114

نداء النُّوبة.. خيراً قُلتُم وأهلاً عُدْتُم!



د. النور الوكيل الزبير





خيراً قُلتم وأهلاً عُدتُّم؛ أَجلٌ هذه دعوةُ المنطقُ التي ظللنا نتوق إليها حينٌ من الدَهر لم يكن مذكوراً، وهذا نداءُ الواجبُ الذي يُهمُ كل حادبٍ على مصلحة جبال النوبة بكل ما تحمل هذه الكلمة من جملة معاني ومفاهيم وقيم، وهذه بوتقةُ التفاعل التي تندمج فيها عناصر التعقل والتدبر للخروج بمحصلة يكون نتاجها خلاصة التفاكر والتشاور والتفاهم، وهي مبدأ وأمرهم شورى بينهم.

إن مظالم جبال النوبة لم تكن وليدة اليوم ولا الأمس، ولكنها غائرة في سنين التجاهل التأريخي والسياسي المرسوم لها بدقة ومنذ زمن بعيد. فمن يطّلع على تأريخ السودان يجد أن المنطقة، وبما تحوي من خيرٍ وفير، لم تكن يوماً قِبلةً للارتقاء، ولا هدفاً للنماء، إلا ما ندر. لم يكن يُنظر لرجال جبال النوبة إلا للشدًة وقوة المراس. أنظروا الأربعجي بُلك وخمسجي بُلك وقوامهما، أنظروا لقوام جيش المهدية وقادته، ولحملات القائد حمدان أبي عنجة الذي توغل في الجبال جلباً لأقوياء رجالهم لدعم قوات الإمام المهدي المتجهة صوب الخرطوم آنذاك لمنازلة حكامها. استرجعوا التاريخ واستخلصوا أهداف غزو ملوك سنار لجبال النوبة؛ أليس ذلك من أجل الذهب والرجال­!! أنظروا لعظمة الرجال، وحكمة الفحول منهم عندما تم أسر السلطان عجبنا، وأراد الحاكم في مصر آنذاك اقتياد البطل إليه تيمناً بالحصول من صلبه على نسل قوي كمثله، فقال قولته المشهورة: لستُ حصاناً وطلب الموت عزيزاً مكرماً في أرضه السودان، وفي مدينته الدلنج تحديداً فكان له ما أراد. كل هذه الأمثلة دلالة على فحولة الإنسان النوبي حتى أضحى مثلاً (ما قولتو نوبة).

إن نظرة القوم للإنسان النوبي عادة ما تتم من زاوية الدونية والاستخفاف والعنصرية، ودونكم هذه الأمثلة:

(1) عند قيام أي تحرك أو انقلاب عسكري من قِبل أبناء جبال النوبة في القوات المسلحة فسرعان ما يوصف هذا الانقلاب ب"الحركة العنصريَّة".

(2) اضطَرّ أبناء جبال النوبة اضطراراً للالتحاق بالحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السُّودان عندما اشتدَّت عليهم وطأة التقتيل، والتنكيل، والتصفية الجسدية من الأنظمة الحاكمة، وبمعاونة عملائها داخل جبال النوبة، وذلك لحماية ما تبقى لهم من موروث، وَوُصفوا بالطابور الخامس وبالمتمردين من قِبل السلطات على خلاف ما نُعِتَ به أولئك النفر من الشماليين والذين شهِروا سلاح المقاومة في وجه الحكومة فماذا سمّوا­؟ لقد سُمّوا بالمعارضة الشمالية و"ليس بالمتمردين".

(3) الأدهى من ذلك أن الدين قد لُوِّن وأُصطُبِغ بصبغة العنصرية، وها هم القوم ملاك السلطة والجاه يفرضون الجهاد ـ أجل الجهاد ـ على إنسان جبال النوبة المسلم، على مرأى ومسمع من العالم كله بمدينة الأُبيض دون غيرهم ممن رفعوا السلاح، فيا لها من مفارقة مدهشة حقاً.

لم تقتصر المظالم في الجبال على الموارد الطبيعية فقط، بل تعدتها لتشمل مواردها البشرية كذلك. فمن يمعن النظر في الإستراتيجية التي أُتَبعت في التعليم، ليعلم يقيناً بأنها أُسست على مفهوم الطرد التلقائي للمعلم، حتى لا يكون العنصر الأساسي للعملية التعليمية التنافسية، التي بُنيَ عليها نظام القبول في السودان. خذ مثلا التعليم الجامعي، فكيف يستقيم عقلاً أن يتنافس من يفتقد لمعلم الأحياء والفيزياء والكيمياء ورشفة الماء وعواء الإمعاء جوعاً وتيهة الظلماء مع مَن يملك كل مقومات النجاح بما فيها دِثار الدروس الخصوصية!!

تعدد هذه المظالم التي أرخت بسدولها على واقع الحال قد أجبر الخُلص من أبناء الجبال على بلورة أفكارهم، وضرورة تنظيم صفوفهم لمواجهة الظلم، فشهِدنا قيام إتحاد عام جبال النوبة في منتصف الستينيَّات، وتأسيس تنظيم "الكومولو" في نهاية السبعينيَّات، والحزب القومي السوداني وغيرها من التنظيمات ذات الصلة بالعمل السياسي، وصولاً إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، والتي تتولى قيادة الهامش في هذه الظروف الصعبة.

إن الأمثلة التي سِيقت في هذه العجالة لتذكَرنا بأن إنسان جبال النوبة لم يغفل دوره ولم يدَخر جهده للدفاع عن حقوقه، بل فهو واعيٌ لمتطلبات المرحلة، ومدركٌ لثقل المهمة، وعِظم الأمانة، التي أُنيط بها على مر الأيام. الهموم التي تؤرِّق بال أبناء الجبال ليست بالقليلة، والتفات كافة العوام حولها ضرورةٌ ملحَة تقتضيها المسئولية الجسيمة، التي من أجلها قدَمنا الغالي النفيس من النعم والأنعام. إن أردنا الوصول لغاية الأهداف فعلينا أن نُبقي الراية مرفوعةً لعنان السماء، وأن نَزُود عنها بترك نقائص الأهواء، والابتعاد عن مُنغِصات النفوس، وتسميم الأجواء بالحروف والكلم الجوفاء، التي تُغري علينا وعلى تشتيتنا الأعداء. أجلٌ لن يتسنَى لنا الارتقاء بنفوسنا إلى معالي الإخاء والرضاء، إلا بتجاوزنا عن الأطر الضيَقة من التفكير، وانفتاحنا على بعضنا برحابة الصدر وعميق التدبر وبقبول التذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، ففي الإتحاد القوة والغلبة والرهبة، وعلى نقيضه المهانة والذلة.





خيراً قُلتُم وأهلاً عُدتَم:



إن المتتبَع لمسيرة جبال النوبة النضالية ليدرك أن النضال قد مر بمراحل تعقابية متباينة، تباين المتغيرات السياسية نفسها. فتارة أخذ النضال أدوار المواجهة والمطارحة والتطبيق العملي، مثل تأسيس التنظيمات العلنية؛ وتارة أخرى نحى النضال منحى السرية وتسييس أمورها في طي الكتمان؛ وكليهما أُوتي أُكلهما، ودونكم عددٌ من هؤلاء الرفاق الذين يقودون العملية السياسية والتنموية بكل فخر واعتزاز وفي كل المحافل.

ما جعل تجربتنا السياسية والتنظيمية تراوح الفشل أمداً من الدهر ليخال إليَ أن مرده جملة من المسببات والمعوقات أذكر منها:

(1) غياب المنهجية السياسية والفكرية لدى كثير من القادة، وغياب مبدأ التنبؤ المستقبلي والتهيؤ له. ففي العام 2002م، وحينما كنتُ بمدينة الرياض بالمملكة العربيَّة السعوديَّة جلستُ أتحاور مع الرفيق سعيد كومي ـ رئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان فرعية الخليج ـ حينه كانت مفاوضات السلام تتأرجح يمنة ويسرة، نتلمس نوايا نفوس المتحاورين في توجس سعياً لإيجاد أرضية صادقة تنطق منها العملية التفاوضية قدماً. في ظل تلك الظروف جلستُ أناقش رئيس المكتب عن ضرورات المرحلة القادمة تحسباً لنجاح العملية السلمية واستباقها برؤية عملية لمواكبة متطلبات جبال النوبة، التي أرهقتها الحرب المستعرة فيها لأكثر من خمس عشرة سنة خلت، أُتلفت فيها الزرع والضرع ونُهِبت منها الموارد الطبيعية ما ظهر منها وما بطن، وأُزهقت الأرواح بصنوفها ما طال منها وما قصر، واشتدت على البريَة سطوة القساة حتى قالوا متى نصر الله تعالى، وهو الذي نهى عن إزهاق الروح لأنها من أمره تعالى، وشرع ما شرع حرمة قتل النفس البريئة، مسلمة كانت أم كافرة لأنها من صنعه.

أجلٌ، جلستُ أحاور الرفيق على ضرورة تجهيز الكوادر وتعبئتهم ـ وما أكثرهم تناثراً في بقاع الأرض ـ بالتنسيق مع قيادة الحركة الشعبية، وبمساعدة الدول الصديقة أسوة بكوادر الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة والأشقاء بجنوب السودان، وضرورة تكوين لجنة مختصة توكل إليها تنفيذ هذه المهمة بالأسلوب العلمي. فلا يستقيم عقلاً أن ننهض بالمنطقة دون سابق رؤية ورويَة. إن كوادر الجبال بالداخل والخارج، ولاسيما أعضاء الحركة الشعبية، لم ينسوا يوماً دورهم الوطني وهم في خندق النضال، ولن يألون جهداً للبِ النداء.

(2) غياب الإستراتيجية المتكاملة لدى السياسيين من أبناء جبال النوبة، وتغليب الرؤية الفردية على الجماعية، ثم إن مبدأ القبول بالنتاج العقلي والفكري مرفوض من البعض، بحجة اختلاف الرؤى والميول السياسية، وكذلك الاختلاف القبلي الذي لا يزال معشعشاً في النفوس، رغم وضوح المخاطر التي تحدَقُ بنا من كل حدبٍ وصوبٍ. هذا الغياب قد غيَب عننا الكثير من الحقائق وأفقدنا كماً مقدَراً من المكاسب، بل وأفقدنا المصداقية في كثير من المحافل، وما إرهاصات عملية سلام مشاكوس ببعيدة عن الأذهان، حيث لم يعرف أصدقاؤنا من الوسطاء ما نريد تحقيقه صراحةً، وذلك لضبابية الأفكار، وغياب الرؤية الموحدة، والقيادة الحكيمة، وعليها خرجنا بالمشورة الشعبية التي نغازلها الآن، ولا ندري كم من مهرٍ سننال به رضاها وسلواها.

(3) أبناء جبال النوبة بالمهجر سلاحٌ على مر الدهر، وكاذباً من ظنَ أنَهم هانؤ البال، منعمو الأبدان، مفعمون راحةً وصحةً، وكما يقول المثل "المابعرفو يقول عدس". فإن كان الرفيقُ بالأدغال حاملاً سلاحه وضاغطاً على زناده، فإن إنسان المهجر لَتجده حاملاً قلمه، ضاغطاً على مداده، عاملاً فكره، مدافعاً عن آرائه وأفكاره، كاشفاً للمجتمعات والشعوب الأخرى ما لم يستطع زناد البندقية فعله. أنظروا إلى الروابط العالمية المنتشرة في بقاع العالم ومساهماتها، تتبعوا المداخلات الفكرية على صفحات الإنترنت، أنظروا أيضاً للاجتهادات الشخصية، والمبادرات الفردية، والمساهمات المالية والعينية هنا وهناك، أليست كلها عوامل دفعٍ لهذه المشاركة النضالية؟ إن طبيعة السلاحين المستخدمان لتكملان وجهي النضال، وهذه تدحض مقولةَ إنَ مَن حمل السلاح لأجدر وأولى بتسيير دفة الأُمور، وبِنَيل المكاسب والأُجور، والاستئثار بكامل كيكة الانتصار والحبور من ذلك الإنسان المهجري. وهذه الأنانيةُ من التفكير الخاطئ هي التي أدّت بكثير من الرفاق ببلاد المهجر للنأيَ بنفوسهم، وتفضيل متابعة ما يجري ويدور في أروقة ودهاليز السلطة بالجبال عن بعدٍ.

(4) هناك عاملٌ آخرٌ لا يقل أهميةً وتأثيراً عن سلاح البندقية والقلم، وهو الدافع النفسي الذي يؤدِّي إلى انهيار الجند في ساحات المعارك، وتجفيف مداد الأقلام على صفحات الجرائد، فما بالكم بالإنسان؟ لم يتطرَّق أحدٌ للتأثير العكسي والارتدادي للدافع النفسي لدى المناضلين. فلربما أدى هذا التجاهل ـ قصداً أو تلقائيَّاً ـ بالآخرين إلى فقدان الثقة واليأس بنفوسهم، ومِن ثمَّ الانزواء أو الانسلاخ، والبحث عن بدائل لتعويض الآثار السالبة لذلك الفعل، وكثيراً ما فقدنا كوادراً مقتدراً ينتفعُ بها خصومنا دون كدٍ أو جهدٍ والأمثلة كثيرة، فتهميش الرفاق مرفوض أياً كانت دوافعه.

(5) شطط القول وذلل الألسن دون وازع من ضمير أو تدقيق بصيرة قد أفسد الكثير من الود بين المناضلين، وعليهما أدعو الإخوة في كل ميادين الكفاح ضرورة ضبط الكلمة قُبيل إخراجها، فرب كلمةٍ شاردةٍ باستطاعتها أن تشرخ أركان الاحترام والثقة، وتهدم قواعد البناء والوحدة، وتثقل كاهل البقية من الرفاق بتبعة تركة هذه الكلمة.

وأذكر هنا مثالاً حياً وحاضراً في شخص الرفيق الفريق عبد العزيز الحلو، فإن الرفيق الحلو قد واجه من لسعات الكلمات ووخزها ما تدمي لها القلوب، وهو القائد الذي أودع فيه الرفيق الراحل المقيم يوسف كوة مكنون أسراره، وكامل ثقته داخل ساحات المعارك وخارجها، وقائد بمقام الرجل وبهذا الحجم من الأهمية لجدير باحترام الجميع وعلى اختلاف الملل. ما زاد احترامي للرجل أنه وعندما اشتدت عليه المعاداة ووطأة اللسان من الخاص والعام من أبناء الجبال هجر القوم هجراً جميلاً، لا أذية فيه، حفاظاً لمقتضيات المصلحة، وأعرض عن أقوالهم التي تؤذيه، وجادلهم بالحسنى من القول، فلم يهملهم ولكنه أمهلهم، ولم يعاديهم، ولكنه عاودهم حتى انقشعت سحابة الباطل، وتجلَّت عظمة الحقيقة. إن الرجل ليستحق وقفة إجلال وهذه هي الحقيقة المجرَّدة، لم ينشّق بجنده شاهراً سلاحه ـ كما يفعل كثيرون ـ ولم يجاهر بخصومته معلناً انفصاله، بل انزوى بركنه بتريُّث وحلمٍ، لا سباب للقوم فيه، ولا عناد، وهذه هي مَزِيّة القائد النافذ البصيرة المُحِق للقيادة. إن ما يقوم به الرفيق الحلو بصبره وإقدامه من دفعٍ لمسيرة الجبال بذكاءٍ متَّقد وإرادةٍ جلدةٍ ـ قلّما تتوفر لدى غيره من الرفاق ـ لجدير بالفخر والاعتزاز، جعل منه أن يكون رجل المرحلة بامتياز، وواجبنا هو الوقوف بجانبه ومؤازرته لاجتياز هذه المرحلة العصيبة من مراحل النضال والكفاح.

(6) من يؤمن بفرضية استسلام المؤتمر الوطني أو بنزوله لرغبة الإنسان وحقه الأبدي وبالتالي إجراء انتخابات حرة ونزيهة تتحقق معها معاني العدالة والديمقراطية فهو مخطل، فالمؤتمر الوطني كان ولا يزال خصماً في ميادين المعركة، وإنهم لم يتوانوا في استخدام كافة الأسلحة، وضروب المعرفة، والتكتيك للوصول لغاية الانتصار، ومحو العار، ورد الاعتبار لمن أسموهم بالشهداء على أشلاء الأبرياء، من الصبية كانوا أم من النساء. أُناس بهذه الإستراتيجية من الفهم لا محالة سيستخدمون كل فنونهم ومهاراتهم الفردية والجماعية لكسب ما عجزوا عن نيله في الميدان العسكري. إمكانيات المؤتمر الوطني وكفاءته على التأثير على مجريات الأحداث وتحويرها للصورة التي تروق له لا تغيب على المتتبِّع لها، وما تمخضت عنها الانتخابات من نتائج كانت متوقعة منذ زمن بعيد. إذ كيف يُعقل أن تُمنح منطقة كيلك بجنوب كردفان دائرة جغرافية كاملة ولا يتعدّى تعداد سكانها ال 3,000 نسمة في الوقت الذي تُعطى فيها مدينة كادوقلي حاضرة جنوب كردفان ذات ال36,000 نسمة دائرة واحدة فقط !!! الإجابة في غاية السهولة طبعاً، ذلك أن منطقة كيلك موالية للمؤتمر الوطني، وعلى هذا المنوال قس عليه منطقة الحمّادي والدبيبات وأُخريات كُثُر. فمَنْ كان منا لم يتوقع ما يعتمل في أذهان واضعي إستراتيجيات المؤتمر الوطني على عدم التفريط في جبال النوبة فهو واهم ولا يُحْسِن قراءة الأحداث. إن منطقة جبال النوبة لتتميّز بكونها واحدة من الفواصل الطبيعية بين جنوب السودان وشماله، وبذلك تكون منطقة عازلة عند نشوب أية مواجهة بين الشمال والجنوب لا قدّر الله، فضلاً عن ذلك وجود الموارد الطبيعية المتنوعة فيها لتجعلها منطقة استقطاب للقوى المتصارعة. أيضاً وجود القبائل العربية بتوجهاتها الإسلامية والمناصرة دوماً لمثلث الشمال قد شكَّل منها خط المواجهة لكل حكومات المركز ضد جنوب السودان، وأخيراً ضد أبناء جبال النوبة أنفسهم ناهيك عن حلم تكوين دولة قريش الكبرى.

إن تقرير مصير جبال النوبة قد أُرْتُهِن بشفافيَّة المشورة الشعبية، وهي ببساطة عبارة عن غلبة أو أكثرية المُنتخَبين من كلا الجانبين المتنافسين. إن المؤتمر الوطني، ومن ورائه جُل الساسة الآخرين ـ وإن اختلفت خطوط أفكارهم، فإنها تتقاطع عند إستراتيجياتهم ـ ليعلمون بأهمية جبال النوبة، وعليها فقد سخَّروا جُل إمكانياتهم منذ العام 2005م لإفشال المشورة الشعبية، وبكل الطرق المشروعة منها وغير المشروعة. عدم مشروعية الطرق هذه والخوف من نتائجها هي التي قادتني في الاجتماع الحافل لمناصري الحركة الشعبية بدولة النرويج في العام 2006م بتوجيه السؤال المباشر للسيد الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان باقان أموم وهو: ما هو مصير جبال النوبة إذا تلاعب المؤتمر الوطني بنتائج الانتخابات في جبال النوبة ولم تنجح المشورة الشعبية في منح إنسانها ما حارب ودفع الغالي والنفيس لأجلها؟ وها نحن موضع الامتحان الحقيقي الآن. كان رد باقان أموم: "إن قيادة الحركة الشعبية هي الموجودة على الأرض بجبال النوبة ـ بدليل وجود الأخ إسماعيل خميس جلاب والياً على جنوب كردفان ـ ونفس القيادة التي أتت بالوالي جلاب هي التي ستفرض المشورة الشعبية في جبال النوبة كذلك.

(7) إن بيت القصيد ولب الصراع الذي لم يتم التحكم في أشرعة سفينتها بغية الوصول بها لمرفأ الأمان تجاهلاً أم تغافلاً من قِبل مَنْ تولُّوا زمام الأُمور في الجبال بُعَيد اتفاقيَّة سلام نيفاشا كان المشورة الشعبية، تلك المصيدة التي أوقعتنا فيها مجموعة الدول التي رعت عملية السلام وفي ذهنها الإبحار بها قُدُماً خشية غرقها برمتها. إن نجاح المشورة الشعبية لرهين بجملة معطيات جوهرية، وثوابت أساسية يحتل المواطن مركز الثقل في إحداثياتها ونتائجها من بَعَد، وبحسب ما تمليها عليه الممارسة الديمقراطية الشريفة. إن عملية النزوح القسرية والممنهجة لمواطني جبال النوبة من قبل أجهزة الحكومة وحلفائها وتوطينهم بمناطق أُخرى بحجج واهية تعتمد على سلامتهم لم تكن لصادقة البتة، وإلا لكانت السلطات الحكومية أرجعتهم إلى أماكنهم الأصلية بعد بزوغ شمس السلام. إن الحقيقة التي لا يساور الشك فيها أحدٌ هي أن النزوح هذا ما أُريد به إلا إحداث التغيير الديموغرافي للتركيبة السكانية في المنطقة بواسطة تفريغ المواطن منها حتى يتسنى لمهندسي السياسة في المؤتمر الوطني من استحداث الدوائر الانتخابية بالصورة التي تحقق لهم الغلبة في المشورة الشعبية. ظللنا بالمهجر ننادي بضرورة تفعيل العودة الطوعية للمواطن النوبي، وتسخير كل الإمكانات المتاحة له حتى يتيسر له مقوِّم العودة ويستهويه عنصر البقاء، إلا أن الناظر لمجريات الواقع ليجد عكس ذلك. لم تكن هنالك عودة طوعية مدروسة ومدعومة كما كنا نخال ونأمل مِنْ مَنْ تولُّوا زمام الأُمور بالجبال ولو كانت رؤية المصلحة القومية للجبال هي الطاغية حينها لدى العامة لما آلت الأُمور لهذا النفق السحيق من تأزم الأوضاع. لم نتحوط للمستقبل بإجراء المعالجات الفورية وإرساء المقومات اللازمة للبنية التحتية التي تشجِّع مهجِّري الجبال للعودة طواعية، والذين بدورهم ترتكز عليهم العملية الانتخابية، وحتى لا ندفن الرؤوس في الرمال علينا أن نسأل وبتجرد: ماذا أُوْجِدَت من أرضية ثقة لهذا المواطن ليُغْرَز فيه روح التعاون والمجاهدة؟ ما الروح التفاعلية التي تنشِّطه على التفاعل الفوري عند الحاجة؟ إن الأماني والشعارات والمفردات وحدها لا تَهُم، وعلى ولاة الأمور محاسبة أنفسهم أولاً إن أرادوا أن يكونوا محل ترحيب المواطن المغلوب على أمره، ونحن نلهث وراء العودة الطوعية، والزمن لا يسعِفُ أحدٌ.

مما سبق استخلص هذه النقاط في هذه الخاتمة:

(1) أدعو الإخوة الرفاق، وخاصة القادة الأعزاء، أن تكون هذه الدعوة بداية دعوات متلاحقة لتكوين مِثْل هذه اللجان وفي شتى المجالات، وألا تقتصر هذه الدعوة على إنجاح العملية الانتخابية فقط.

(2) المنطقة في تحدٍ صعب وعلينا ضرورة التفكير اليوم، وليس غداً، في نتائج العملية الانتخابية، ماذا أعددنا لها إن فزنا فيها، وماذا علينا فعله إن لم يحالفنا التوفيق، وما الأسباب؟

(3) ضرورة إيجاد آلية فاعلة لتثبيت كوادر أبناء جبال النوبة، والاستفادة من إمكانياتهم، والعمل على استرجاع من انسلخ منهم.

(4) الاستفادة من الفاقد التعليمي، وإنشاء معاهد ذات صبغة مهنية وفنيّة لهم ولهذه المعاهد ستوفِّر، بلا شك، الكثير لهؤلاء وللمنطقة على المستويين الاقتصادي والتواجدي للعنصر البشري.

(5) المشورة هي العدالة بعينها، وتثبيتها يكون عن طريق اختيار المؤهلين لها دون أية اعتبارات شخصية أو نفوذ.

(6) إشراك المؤهلين ذوي الاختصاصات والكفاءات في عملية النهضة والبناء، ولا سيما أولئك المتواجدون داخل السودان إن أردنا حقاً المساهمة في صنع تاريخ جبال النوبة الحرَّة، إذ كيف تطالبون بحضورنا الشخصي، وتشتكون من قلة الكادر المدرَّب، وهناك نفرٌ كريم يقف على خط الاستعداد للمشاركة هناك؟!

(7) بناء الإستراتيجية المتكاملة للعملية السياسية والنهضوية بجبال النوبة لتوجيه متطلبات المراحل القادمة، والاستعانة ببيوت الخبرة في ذلك.

(8) العودة الطوعية لمواطن جبال النوبة كانت ولا زالت صلب العملية الانتخابية، لكونها حجر الأساس الذي يترتّب عليه بناء البنيات الأساسية التي تهدّمت إبان الحرب والتهجير القسري.

(9) لا خيرٌ فينا إن لم نقلها بصريح القول بأن عدم الشفافية في التصرف في الأموال العامة لا يقل خطورة عن الخيانة، ولكم قياس النتائج التي تترتب على فقدان المناصرين للقضية بعاملي القنوط واليأس الناتجين عن إهدار تلك الأموال.

أخيراً أدعو كافة الإخوة عبر هذه المساحة ضرورة الإسراع في تلبية هذا النداء الهام في تاريخ نضال أبناء جبال النوبة، لأن الصراع على الموارد بشقيها الطبيعية والبشرية قادم لا محالة، وما لم تعالج المسائل بالحكمة والاستباقية من العمل الجاد، فإن النتائج ستكون وخيمة، وهذه تتطلب تكاتف الجهود، وتلاقح الأفكار، وإعمال العقل لتدارك ما أفسدتها مطامع النفوس.

ألا هل بلّغتُ اللهم فاشهد.




Post: #116
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-23-2010, 10:50 PM
Parent: #115

نحن ابدا لم نقف مكتوفي الايادي حتي
يبعث بنا سماسرة السلطة علي ارض اجدادنا
من هنا نحن لابد ان نحمي ارضنا
من التهويد

Post: #117
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-27-2010, 09:30 PM
Parent: #116

الظلام لاتنتهي
لاتناموا وتندموا

Post: #118
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-28-2010, 10:42 AM
Parent: #117

نحن ابدا لم نقف مكتوفي الايادي حتي
يبعث بنا سماسرة السلطة علي ارض اجدادنا
من هنا نحن لابد ان نحمي ارضنا
من التهويد

Post: #119
Title: Re: ملكية الأرض وإنفجار النزاع فى جبال النوبة
Author: ناصر الاحيمر
Date: 09-29-2010, 11:12 PM
Parent: #118

نحن ابدا لم نقف مكتوفي الايادي حتي
يبعث بنا سماسرة السلطة علي ارض اجدادنا
من هنا نحن لابد ان نحمي ارضنا
من التهويد