مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة

مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة


05-06-2010, 06:43 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=300&msg=1277869336&rn=47


Post: #1
Title: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-06-2010, 06:43 AM
Parent: #0

مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (1) ... بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
الاثنين, 25 يناير 2010 18:42
[email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
دفعني لكتابة هذا المقال ما خطه قلم سوداني مغترب بالمدينة المنورة بالسعودية مدافعا عن سدي كجبار و دال, و بالرغم من السطحية المخلة التى اتصف بها دفاعه, فقد وجد طريقه للنشر و الانتشار عبر عدد من المنافذ. بدأت بالتصدي للمقال في المنتدى النوبي, لكني توقفت لصعوبة المعالجة المنفردة لهذه القضية المتشعبة, و التي لا تنفصل عن قضية أكبر و أشمل و هي اهدار و سوء ادارة مواردنا المائية, و سكوت الرأى العام في مواجهة هذه القضية الخطيرة .
و قد أثار دفاع المغترب في نفسى أشجان كثيرة و عادت بي الذاكرة الى بواكير طفولتي و أنا أرى أهلي أبناء مدينة حلفا يثورون و يطوفون بمظاهراتهم كل مدن و أحياء السودان رفضا لجريمة اغراق مدينتهم العريقة, و الموقف الغريب و المؤلم حقا من الشارع السوداني الذي قابل هذه الكارثة بسلبية غريبة و استخفاف شديد عكسته مجموعة النكات التي أطلقوها عن المظاهرات: " أملت الكبري يا أبود عشان نتزهلق يا أبود, يطلع د.... يا أبود".
لم يكن اغراق حلفا الا تابعا لزلزال آخر هو اتفاقية مياه النيل مع مصر, تلك الاتفاقية المجحفة و الاستغلالية و التي قامت بتوقيعها منفردة الحكومة العسكرية الأولي في العام 1959. و لو افترضنا ولع السودانيين بنظرية جحا, فان هذه الاتفاقية قد دخلت البيوت و الحجرات, و لكنها كذلك لم تحرك ساكنا.
و تواصل السلوك السلبي و شمل بناء مجموعة سدود شمال السودان, تلك السدود التي تجاوزت فيها الحكومة و طفلها الشرس المدلل (وحدة تنفيذ السدود) الخطة الشاملة لتنمية الموارد المائية, و داست على مواطنيها و استرخصت دماءهم. و لا زال مواطنو مناطق الخزانات يواصلون رفضهم و احتجاجهم بكل الوسائل, و قابلت الحكومة هذا الرفض بتكوين مليشيات للدفاع عن هذه السدود, فسقط الشهداء في كجبار و مروي و الشريك و فتحت أبواب السجون و بيوت الأشباح للتصدي للمواطنين. و لم تفلح كل الجهود المحلية و العالمية في اختراق جدار السرية المضروب على مخططات و دراسات و برامج تنفيذ هذه السدود, ناهيك عن اعتبار مواطني المنطقة شركاء في تنمية مناطقهم.
و التاريخ القريب قد سجل أيضا قيام قوات الشرطة بقتل عدد من طلبة جامعة جوبا عام 1982 عند احتجاجهم علي مشروع قناة جونقلي, و بالرغم من ادعاء الحكومة بأن المشروع يتضمن تنمية متكاملة لمنطقة السدود, فهى لم تبذل جهدا لتنوير المواطنين و اشراكهم في اتخاذ قرار له تأثير جذرى على حياتهم و علي بيئة المنطقة. و قد كان الجنوبيون محقون في رفضهم لمشروع يحرمهم من أراضيهم التي تستخدمها كثير من قبائل الجنوب في الرعى و الزراعة, و تشكل مصدر الرزق الأساسي لهم, و قد قابلت الحكومة هذا الرفض الشامل باطلاق النار على المحتجين, فأصابت المشروع في مقتل قبل أن تقتل المواطنين.
يتفق الكثيرون على أن المياه ستكون وقود الحرب العالمية القادمة, و هي فرضية تدعمها الاحصاءات و التحليلات العلمية, و تؤكدها الصراعات و النزاعات المتفرقة التي تتصاعد وتيرتها يوما بعد يوم. و السودان بالرغم من تمتعه بثروة مائية مقدرة, لكنه مرشح ليكون في قلب حرب المياه, يدفعه في ذلك وضعه المتميز و الحرج بين دول منبع النيل و مصبه, بالاضافة لسوء ادارة موارده المائية, و الذي تسببت فيه بشكل أساسى الهيمنة السياسية و طغيان الجموح السياسى و الطموح الشخصي على الحكمة الفنية و القدرة العلمية.
سبب ثالث يمنح سوء الادارة جواز المرور و يزيد من تعقيد الوضع و هو غياب الاهتمام الشعبي, و سلبية المؤسسات الشعبية في مواجهة و تصحيح الأوضاع التي ألحقت و لا زالت تلحق بالمصلحة الوطنية ضربات موجعة. اذ لم يجد المواطنون المتضررون في معظم الأحيان أى تجاوب أو دعم من الشارع السوداني و الذي شهد تجاوبا عاليا مع أحداث البوسنة و غزة و تورا بورا, و غاب تماما عن التجاوب مع كثير من القضايا المحلية. وقد استفادت كل الحكومات الشمولية في السودان من عدم وجود رأى عام فاعل, فانفردت باتخاذ أخطر القرارات و تجاهلت المتضررين.
لقد غاب التجاوب الشعبي بسبب ضعف الوعي بقضايا المياه, بالاضافة لانتشار المفاهيم الخاطئة, و كأمثلة لهذه المفاهيم و التي يتقبلها الكثيرون على أنها حقائق ثابتة, و هي ليست كذلك :
• الاعتقاد بأن اتفاقية مياه النيل مع مصر هي اتفاقية دائمة و ملزمة للسودان, لا يجوز تعديلها أو الغائها بأى حال بدعوى أن الأعراف الدولية و قوانين المياه تعترف بالحقوق المكتسبة و تمنع الاضرار بالمصالح القائمة للمواطنين في الدول التي تستفيد من الموارد المائية. و القول بأن المحكمة الدولية قد أكدت في أحد أحكامها على ضرورة الالتزام باتفاقيات المياه بين الدول, و الاعتقاد بأنها سابقة قضائية دولية تمنع السودان من امكانية العمل على تعديل الاتفاقية.
• فرضية أن بناء سدود الشمالية يتم بايعاز و دعم من مصر, بغرض توفير تخزين اضافي يساعد السد العالي في التغلب على مشكلة الاطماء المتفاقم و تناقص السعة التخزينية بسبب ذلك الاطماء.
• القول بأن انفصال الجنوب لا يؤثر علي الموارد المائية لشمال السودان لأن 80% من مياه النيل مصدرها أثيوبيا, كما أن الجنوب لا يملك القدرة أو الحاجة لاستهلاك مياه النيل الأبيض.
• التاكيد بأن مدينة وادي حلفا و التي غمرتها مياه السد العالي قد ضاعت للأبد, و أن أى حديث عن أعادة المدينة للحياة يعتبر ضربا من الخيال, تحول دونه كثير من الأهوال. و أول هذه الأهوال العصا الغليظة التي تحملها مصر و تهدد بها كل متحدث عن مياه النيل, و ثانيها هو الكميات المهولة من الطمي التي تراكمت عبر أربعين سنة من تشغيل السد العالي.
• الاعتقاد بأن التنمية هي مجرد بناء سدود و محطات كهرباء و مشروعات ري جديدة, بغض النظر عن أولويات التنمية, و مواصفات المشروعات و جدواها الفنية و الاقتصادية, و مدى تناسق هذه المشروعات مع الأهداف القومية و الغاية النهائية المتمثلة في تحقيق حياة أفضل للمواطن السوداني.
سوف أحاول في عدد من المقالات تسليط الضوء حول عدد من القضايا الهامة و, التي تسير بنا نحو مزيد من الصراع الداخلي, و تهدر مواردنا و تهدد الأجيال القادمة بالعطش و ماء النيل فوق ظهورها محمول. ستكون محطة البداية هي اتفاقية مياه النيل: ماضيها و حاضرها و مستقبلها , ثم مرورا بمحطة السدود و مفهوم التنمية و التنمية القهرية, تتبعها قضية السد العالى و وادى حلفا و ضرورة تحريرها من الاستعمار المصري, و انتهاء بانفصال الجنوب و الآثار المتوقعة على مواردنا المائية.



























. كل الحقوق محفوظة © 2010 www.sudaneseonline.com.

Post: #2
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-06-2010, 11:57 AM
Parent: #1

مياه النيل, السدود و الانفصال (2) : اتفاقية مياه النيل
مصطفى عبد الجليل مختار
[email protected]
اتفاقية مياه النيل: الافراط في التفريط
في اعتقادي أن توقيع السودان علي اتفاقية مياه النيل يعتبر ظاهرة فريدة تستحق دراسة مطولة للاجابة على كثير من الأسئلة المحيرة: لماذا فرطت حكومة عبود و ورطت البلاد في اتفاقية بهذا السوء, و لماذا سكتت عنها كل الحكومات المتعاقبة لنصف قرن من الزمان و لا زالت, و لماذا لا يوجد رأى عام قوى ضد الاتفاقية التي تفرط في حقوقنا و تهدر مواردنا و تنكس رؤسنا أمام جيراننا و العالم.
قبل توضيح عيوب الاتفاقية, أبدأ بسرد موجز عن تاريخها و ملامحها الرئيسية, و قد كانت البداية عام 1929 عندما وقع المستعمر البريطاني, نيابة عن السودان و بقية دول حوض النيل, مع مصر اتفاقية تعطيها حق استخدام 48 مليار متر مكعب من ايراد النيل السنوى, مقابل 4 مليار للسودان, بينما تذهب 32 مليار للبحر لعدم وجود امكانية لتخزينها. و أعطت الاتفاقية مصر حق بناء سد جبل أولياء لتخزين مياه لصالح مصر, و هو سد كارثى في حله و ترحاله, عندما حل هذا السد أغرق مئات الآلاف من الأفدنة تمتد لمسافة 600 كم على النيل الأبيض, و أثر سلبيا على محطات الطلمبات بكل مشاريع النيل الأبيض. انتهت الحاجة المصرية للخزان ببناء السد, و ارتحلوا عنه لكنه لا يزال يسبب نزيفا دائما و كبيرا لمواردنا.
أبدت أول حكومة وطنية بعد الاستقلال رغبتها في مراجعة الاتفاقية الظالمة, استنادا على غياب الارادة الوطنية عند توقيعها, في نفس الوقت كانت مصر تسعي لتحقيق الأمن المائي و تخطط لقيام السد العالي. اتجهت الحكومتان الى مائدة المفوضات التي استمرت أربعة أعوام من غير نتيجة بسبب رفض الحكومة السودانية القاطع للمقترحات المصرية الاستغلالية. في نوفمبر 1958 استولى العسكر على الحكم, ولم تكمل حكومة عبود عامها الأول سنة 1959 الا و الأحلام المصرية منزلة على أرض الواقع فيما يسمى ب (اتفاقية الاستغلال الكامل لمياه النيل), و الملامح الرئيسية لهذه الاتفاقية:
- تقدير متوسط ايراد النيل السنوى عند الحدود المصرية ب 84 مليار.
- تثبيت الحقوق المكتسبة حسب اتفاقية 1929.
- بناء السد العالي لتوفير 22 مليار سنويا كانت تضيع في البحر, و اقتسام الكمية المتوفرة لينال السودان منها 14,5 و مصر 7,5 مليار. بذلك يصبح نصيب السودان الكلي 18,5 و يرتفع نصيب مصر ل55,5 مليار, بينما تضيع 10 مليار بسبب التبخر في بحيرة السد.
- الموافقة على بناء السد العالي و تبعاته المتمثلة في اغراق مدينة وادي حلفا و القرى التابعة لها, و تدفع مصر تعويضا قدره 15 مليون جنيه.
- العمل على زيادة ايراد النيل بتوفير فاقد التبخر في منطقة السدود بالنيل الأبيض, و تقسيم العائد مناصفة بين البلدين.
- بما أن السودان لا يستطيع استغلال حصته كاملة, فسوف تستفيد مصر من الفائض كدين مائى الى حين اكمال السودان قدراته على استخدام كامل الحصة.
- يتخذ البلدان موقفا موحدا تجاه أى نزاعات مستقبلية مع باقي دول حوض النيل
- لمصر حق مراقبة كميات المياه في كل حوض النيل بدوله المختلفة, و حق اقامة أى مشاريع لاستغلال مياه النيل بدون موافقة دول الحوض, كما يحق لها منع أى من هذه الدول من اقامة أى مشروع مياه لا يوافق المصالح المصرية.
- تكوين اللجنة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل لمتابعة الاتفاقية و التغيرات الاقليمية, و للنظر في أى خلاف بين البلدين, و تحديد استراتيجية مشتركة لمواجهة أى نقص في ايراد النيل.
من المؤكد أن 99.99% من الشعب السوداني لم تتح له فرصة الاطلاع على تفاصيل هذه الاتفاقية و توضيح معايبها, و حتي الذين اطلعوا عليها في فمهم ماء, غير ماء النيل, يمنعهم من الحديث. فقراءة متأنية في بنود الاتفاقية تكشف ما فيها من الظلم و الاستعلاء و التبعية المذلة , و هذا بين فيما يلي :
• تقدير كمية المياه المقتسمة: من العجيب أن الجميع يتحدثون عن ايراد سنوى قدره 84 مليار , يخصص منها 55,5 لمصر و 18,5 للسودان, فأين ذهبت ال10 مليار المتبقية؟ تجيب الاتفاقية ضمنيا بأنها فاقد التبخر في بحيرة السد العالي. لا أدري كيف قبل الجانب السوداني بهذا المنطق الغريب, و تنازل بهذه السهولة عن كمية من المياه تفوق استهلاك مشاريع الجزيرة و المناقل و الرهد مجتمعة. و ما الذي يفرض على السودان تحمل فاقد التبخر في السد العالي, علما بأن السد لم يكن موجودا عند مناقشة الاتفاقية. ربما ربط البعض بين هذا الفاقد و فاقد التبخر عند مرور النيل بفروعه المختلفة داخل الأراضي السودانية, و هو يقدر ب2 مليار. لكن لا مجال للمقارنة هنا, لأن الفاقد السوداني طبيعى و لا يمكن التحكم فيه, بينما فاقد السد العالي ناتج عن مشروع مستحدث و تم بارادة مصر و لمصلحتها دون غيرها. و يقينى أن هذه الكمية من المياه المفقودة لو تم اعتبارها في حساب التكلفة التي تتحملها مصر مقابل بناء السد العالي لغيرت من حسابات السد, و لأجبرت المصريين على تصميم سد أقل حجما, و حينها كنا سننقذ حلفا من الغرق. بمعني آخر فنحن من شدة الكرم مع المصريين لم نقبل باغراق حلفا من غير مقابل فحسب, بل تبرعنا بالمياه التي ستغرقها من حصتنا.
• حساب حصة كل دولة: نالت مصر 78% من الايراد مقابل 22% فقط للسودان. أى أن مصر تنال تقريبا أربعة أضعاف ما يناله السودان, فأى منطق يجعل السودان يقبل بهذه القسمة الضيزى, فنحن الأولى بهذه المياه التي تدخل مصر عبر آلاف الكيلومترات من الأراضي السودانية, و السودان هو الذي يمتلك مساحات ضخمة من الأراضى عالية الخصوبة تزيد عن عشرة أضعاف مثيلتها بمصر, و اذا نظرنا لعدد السكان لوجدنا أن سكان مصر ضعف سكان السودان فقط, فلماذ تضاعف نصيبهم أربعة مرات.
• تشجيع الاستغلال الغير مجدي لمياه النيل: أعطت الاتفاقية مصر فوق حاجتها و قدرتها على الاستغلال المجدى للثروة المائية, فتمددت مصر في مشاريع مشكوك في جدواها, و ذلك خصما على مشاريع تفوقها أضعافا مضاعفة من ناحية الجدوى و المنفعة. آخر هذه المشاريع المصرية مشروع الوادي الجديد, و بحيرة توشكا في قلب الصحراء لرى 600 ألف فدان في منطقة شديدة التبخر و التسرب, بالاضافة لمشروع غرب الدلتا الصحراوي. يتم ذلك على حساب مشاريع سودانية لن ترى النور أبدا في ظل هذه الاتفاقية, و هي من أكثر المشاريع جدوى مثل: كنانة العظمي, الرهد, أعالى عطبرة, تأهيل و تحديث مشاريع النيل الأبيض و الأزرق و الشمالية. بل و تفكر مصر في امداد اسرائيل بمياه النيل, في الوقت الذي تتقاتل فيه القبائل و المليشيات في غرب السودان من أجل جرعة ماء.
• التنازل عن منطقة حلفا: منحت الاتفاقية مصر الحق في اغراق وادى حلفا, و تهجير مواطنيها, و تدمير أكبر منطقة لأقدم و أعرق حضارة انسانية في افريقيا. و هذه سابقة في تاريخ البشرية لا أظنها تتككر, و لا يمكن قبولها منطقيا, و مجرد تطاول مصر بالتفكير في أغراق حلفا هو استعلاء و اهانة و يمثل غزو استعمارى كان من المفترض الرد عليه بما يستحق.
• المشاركة مناصفة في زيادة الايراد: لم تكتف الاتفاقية بالظلم في الايراد الفعلي لمياه النيل, فالسخاء السوداني قد فتح شهية المصريين ليشاركونا في أى زيادة تنتج من الاستغلال الأمثل للمياه المفقودة في منطقة السدود بجنوب السودان. فالنيل الأبيض بعد دخوله السودان من يوغندا يمر بمنطقة قليلة الانحدار, فيتشعب و ينتشر في مساحات واسعة تمتد حتى أطراف مدينة ملكال و تغطى مساحة تصل الى 130,000 كم مربع في فترة الفيضان. يتسبب انتشار المياه في هذه المناطق الواسعة في ضياع كميات كبيرة تقدر ب20 مليار متر مكعب. بالاضافة لذلك هنالك أكثر من 10 مليار تفقد من بحر الغزال, و هي مياه تنبع داخل الأراضي السودانية و لم يتم تقديرها بصورة دقيقة. المياه المفقودة في هذه المنطقة تعتبر من مقوماتها البيئية, و تستفيد منها حاليا قبائل الجنوب و تشكل حياتهم و مصدر رزقهم, لذلك فأى مشروع للاستغلال الأمثل لهذه المياه يجب أن يكون سودانيا خالصا, يراعى مصلحة المواطنين في المقام الأول, و لا يسعي فقط لتجفيف المنطقة و تشريد أهلها, و هو ما سيحدث اذا شاركت مصر في هذا المشروع. كما أننى لا أري أي منطق يجعلنا نشارك المصريين مناصفة في مواردنا الداخلية, فبمقدور السودان, بدل أن يهدر المليارات في سدود تدميرية, اقامة مشروع متكامل لتنمية مناطق السدود, و من ثم الاستفادة من الفائض الكبير من المياه.
• المشاركة في تحمل أى انخفاض في الايراد: ألزمت الاتفاقية السودان بمشاركة مصر في تحمل أى انخفاض في الايراد, و ذلك بالرغم من انخفاض حصته أصلا, و كان من المفترض أن تتحمل مصر ذلك منفردة لأنها تحوز على نصيب الأسد.
• خلق عداء غير مبرر مع دول حوض النيل: قامت الاتفاقية بتخصيص كل مياه النيل لمصر و السودان, و تجاهلت تماما الدول الثمانية الأخرى, و منعتها من استخدام ما تعتبره موردا لها. أنتفضت دول حوض النيل ضد هذه الهيمنة, و صارت حكومات و شعوب هذه الدول تردد في كل مناسبة استيائها من هذا الاستغلال و سعيها بكل الوسائل لاستعادة حقها المسلوب. هذا العداء تقاسمه السودان مع مصر, بينما انفردت مصر بالغنيمة, فلبس السودان عباءة الظالم و هو المظلوم, و صار مستهدفا في أى نزاع تخوضه هذه الدول ضد مصر.
• سلب القدرة التفاوضية: ألزمت الاتفاقية السودان بموقف مشترك مع مصر في أى نزاع مع دول الحوض, لذلك سوف تعامل هذه الدول السودان كتابع لمصر و بالتالي لن يكون طرفا أصيلا في أى مفاوضات, و سيكون السودان , بصفته تابعا, القربان الذي ستذبحه مصر للوصول لاتفاق مع هذه الدول.
• الدين المائي: أعطت الاتفاقية مصر حق استخدام ما يفيض من حاجة السودان و اعتبار ذلك دين على مصر, لكن الاتفاقية لم تضع آلية لاسترداد هذا الدين و الذي بلغ في فترة 50 سنة قرابة ال500 مليار متر مكعب, و لا أدري كيف سيستطيع السودان استرداد هذه الكميات المهولة من المياه, و هي حق مثبت بالاتفاقية.
هذا هو كتاب الاتفاقية الأكثر ظلما بين كل اتفاقيات المياه في العالم, و قد انفردت بكونها الوحيدة التي أعطت دولة أسفل النهر أكثر من حاجتها, بينما حرمت دول أعلى النهر من حقها الطبيعي. كما أنها تبدو في بنودها الظالمة كاتفاقيات الحروب, و التي يمليها الطرف المنتصر لينال بقوة السلاح ما لا يستحق. و في رأيي المتواضع أن السودان اذا امتلك الارادة السياسية لتغيير هذا الواقع فمن الممكن الغاء هذه الاتفاقية, و هذا ما سوف اتطرق اليه في الحلقة القادمة بعنوان ( الغاء اتفاقية مياه النيل)
.

Post: #3
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-06-2010, 07:00 PM
Parent: #2

مياه النيل, السدود و الانفصال (3) : الغاء اتفاقية مياه النيل
مصطفى عبد الجليل مختار
[email protected]
الغاء اتفاقية مياه النيل مطلب قومي عاجل
اذا حدثتك عزيزى القارئ بأن السودان سيفقد حقه في أى قطرة من مياه النيل خلال سنوات قليلة, و أن سليل الفراديس سيتحول الى أثر تاريخي و معلم سياحى نرتاده للنزهة و السباحة, و ربما اختلسنا منه رشفة ماء بعيدا عن أعين الرقيب المصري. أظنك حينئذ سترمينى بالجنون أو الخرف المبكر, لكن هذه هي عين الحقيقة التي تفرضها علينا المادة 5,2 من الاتفاقية و التي تنص على أنه ( اذا طالبت دول حوض النيل الأخرى بحصة في مياه النيل, و اذا ما أدت المفاوضات معها الى قبول هذه المطالبة, فسوف تخصم الكمية المطلوبة من حصة البلدين بالتساوي ).
اذا قرأنا هذه الفقرة و اضعين في الاعتبار المتغيرات الحالية و المتمثلة في فاقد التبخر المتوقع من سدود الشمالية و المقدر ب 5 مليار, مما سيخفض حصتنا الى 13 مليار. و اذا عرجنا بعد ذلك على طاولة المفوضات و التي تشهد حاليا مطالبات شرسة لدول حوض النيل الأخرى, و من ثم تأملنا في الانخفاض المتوقع في الايراد بسبب التغيرات المناخية, يمكن بتقدير واقعي جدا أن تصل جملة المياه التي سيفقدها السودان و مصر الى 26 مليار, و بالتالي يخصم من نصيب السودان 13 مليار,ليصير رصيدنا من المياه صفرا كبيرا.
بغض النظر عن المظالم و السلبيات المذكورة سابقا, فان هذه الفقرة منفردة كافية لنسرع الخطى و نسابق الزمن لنتبرأ من الاتفاقية قبل أن نتورط في أخرى تلوح في الأفق و تضم اليها دول حوض النيل الأخرى بعد أن تنال حصصا في مياه النيل, فاذا ما تم هذا التعديل و السودان على ذمة اتفاقية 1959 فعلى نيل بلادنا سلام.
هذا السناريو ليس ضربا من الخيال, بل سيكون الأقرب للحقيقة اذا ما تمسكنا بالاتفاقية التي تفرض علينا توحيد الموقف التفاوضي مع مصر, لتنتهي بنا المفاوضات الى الرصيد الصفري, بينما يتراجع نصيب مصر تراجعا طفيفا الى 53 مليار, تشق طريقها عبر السهول و الوديان السودانية التي سوف يقتلها الظمأ و هي تحمل هذه المليارات لأسفل الوادي.
لقد أصبحت الاتفاقية عمليا في حكم المتوفاة, و غالبا ما تصدر شهادة الوفاة خلال الشهور القادمة بعد أن توقع دول مبادرة حوض النيل على الاتفاق الاطاري المقترح و الذي ينهى الاحتكار المصري للمياه. و قد بدأت نذر التمرد على الاتفاقية منذ ميلادها, فأثيوبيا و هى أهم مصدر لمياه النيل, لم تعترف بها أصلا. و قد سعت منذ بداية الستينات في اعداد دراسات لعدد كبير من مشاريع الرى و الكهرباء, لكن عدم الاستقرار و ضعف الامكانيات و تأثير مصر على مؤسسات التمويل الدولية قد عطل هذه المشاريع. تغير الوضع الآن اذ شهدت السنوات القليلة الماضية عودة الحياة لهذه المشاريع, و التي يمكن أن تستهلك ما يزيد عن 8 مليار. و تؤكد أثيوبيا دوما حقها في استغلال المياه لرى أراضيها الخصبة لتوفير الغذاء لتسعة مليون مواطن تأثروا بموجة الجفاف و لتطوير قدراتها الكامنة بانشاء مجموعة من السدود تهدف لتصديرالكهرباء. وفي نفس الوقت تشن الجهات الرسمية و الشعبية في أثيوبيا هجوما متواصلا على الاتفاقية التي تحرمها من مياه هي مصدرها, و تمنحها لمصر لتستغلها في مشاريع صحراوية عديمة الجدوى.
و في حوض النيل الأبيض, نجد أن تنزانيا قد أعلنت رفضها للاتفاقية بمجرد استقلالها, و اعتبرتها ارثا استعماريا غير ملزم, و تبعت ذلك بتنفيذ مشروع صغير للرى في العام 2004 من غير اخطار مصر, الشئ الذي اعتبرته مصر خرقا للقانون الدولي, لكنه كان حقيقة خرقا لجدار الاحتكار المصري للنيل, و أنبوبة الاختبار لما هو آت. وقد سارت كينيا و يوغندا في نفس المنحي, و شرعت كلاهما في اقامة عدد من المشاريع التي تؤكد حقها في استخدام مياه النيل
لقد تغيرت الأوضاع التي سمحت لمصر باحتكار المياه, فكل دول حوض النيل تواجه زيادة كبيرة في السكان, و موجات جفاف و هبوط في معدلات الأمطار, كما أن هذه الدول قد أصبحت لديها قدرات فنية و اقتصادية تمكنها من تنفيذ كثير من المشاريع و التجاوب مع الضغوط الشعبية التي لا تفهم سببا لاحتكار مصر لمواردها. و قد تعدى الأمر ذلك بعد أن قامت مجموعة من البرلمانيين من هذه الدول برفع دعوى لدى محكمة العدل الدولية ضد الحكومة المصرية تتهمها باستلاب حقوقهم و المساهمة في افقارهم بمنع مشاريع التنمية.
لقد لفت هذا الصراع الصامت انتباه العالم, و الذي أدرك خطورة الموقف و ضرورة تفادى التصعيد و عواقبه الوخيمة, فجاءت مبادرة دول حوض النيل و التي أكملت عامها العاشر قبل شهرين. نجحت المبادرة في تحقيق اطار مشترك للتعاون و بدأ العمل في عدد من المشاريع المشتركة. لكنها فشلت في إثناء 8 من أصل 10 دول عن رفض الاعتراف بالحقوق التاريخية و المكتسبة كما تسميها مصر, و سوف يشهد الشهر القادم محاولة جديدة للوصول الى اتفاق و تقريب الشقة بين دول المنبع التي تريد استخدام جزء من مياه النيل و مصر التي تسعى لمواصلة الاحتكار. أما السودان فهو يساند مصر باستحياء لأنه مكبل بقيود الاتفاقية و لأنه الأقرب من العصا المصرية الغليظة, و لأن البقاء على كراس السلطة المغتصبة يفرض أداء فروض الولاء و الطاعة و السكوت للحكومة المصرية.
قراءة الواقع الحالي توجب على السودان الشروع الفوري في الغاء الاتفاقية, و هو موقف تمليه علينا المصلحة الوطنية, و المنطق السليم و القيم الأخلاقية. و نحن , و لله الحمد, نفتخر بوطن يضم نخبة ممتازة من جهابذة القانونين, و قد خبرهم الشعب السوداني مدافعين شرسين عن حقوقه, و لا شك أنهم لن يترددوا لحظة في الاطاحة بهذه الاتفاقية اذا ما أعطتهم الحكومة الضوء الأخضر. و يؤكد ذلك وجود كثير من المؤشرات القوية على سلامة موقفنا القانوني, و التي أذكر منها بصفة عامة و غير متخصصة:
- الاتفاقية غير شرعية لأنها وقعت من قبل حكومة جاءت بانقلاب عسكرى على الديمقراطية, وقد وافقت هذه الحكومة فور تسلمها السلطة, و بتغييب كامل للارادة الشعبية, على ما ظلت ترفضه الحكومات المنتخبة لأربعة سنوات. كما استمرت الاتفاقية طوال خمسين عاما بسبب سيطرة الدكتاتوريات العسكرية على الحكم, و ظلت مصر تحتضن هذه الحكومات, و توفر لها الدعم مقابل سكوتها عن الاتفاقية.
- الاتفاقية تصرفت فيما لا تملك, من غير علم شركاء أصيلين لهم حقوق في مياه النيل, و قد أعلنت كل هذه الأطراف عدم اعترافها بالاتفاقية, لذلك فهي غير شرعية.
- الاتفاقية ظالمة و بعيدة عن روح القانون الذي يسعى لنشر قيم العدل و الحق, و لا يمكن أن يساهم في نصرة الظالم.
- عدم التكافؤ كان سببا رئيسىا في توقيع الاتفاقية وتمرير كثير من بنودها الظالمة, فالجانب السوداني لم يكن يملك القدرات المؤسسية و الخبرات المهنية القادرة على التفاوض مع الجانب المصرى المتفوق تماما في ذلك الوقت. و قد انتشرت بعد التوقيع طرفة تتلخص في أن رئيس الجانب السوداني, اللواء طلعت فريد الادارى و اللاعب السابق بفريق المريخ, رفض تماما التوقيع لأنه لا يعرف ما هو المليار, و أنقذ الموقف أحد الظرفاء عندما شرح له بأن المليار يساوى مئة مرة سعة أستاد المريخ, حينها ابتسم اللواء و أمسك بقلمه ليوقع على مصير السودان لأجيال قادمة.
- الاتفاقية سقطت بتغير الأوضاع بسبب خروج ثلاثة دول عنها هي تنزانيا و كينيا و أوغندا بعد أن نالت استقلالها, و خروج هذه الدول يجعل من غير الممكن عمليا تطبيق كثير من بنودها الأساسية
- الاتفاقية مخالفة لمبادئ القانون الدولي للمياه و الذي يضع منهجا واضحا لتقسيم المياه بين الدول التي تتشارك في مجرى نهرى واحد.
لقد استلب الاعلام المصرى ارادة الكثيرين بما خلقه من أساطير صارت حقائق مقدسة و أثرت كثيرا في اتجاهات الرأى العام, أولى هذه الأساطير أن مصر هبة النيل, و هو تضخيم مقصود للواقع, و الحقيقة أن أى دولة لديها حد أدنى من الاحتياجات لمقابلة الاستهلاك الآدمي, و ما زاد عن ذلك فهو قابل للاقتسام حسب قانون المياه العالمي و الأعراف و المنطق. فكون مصر في حاجة ماسة لمليار واحد سنويا لا يعطيها الحق في الاستيلاء على الجمل بما حمل, و لا يسمح لها باقامة 3 مشاريع كبرى في صحاري سينا و غرب الدلتا و الوادي الجديد بمساحة اجمالية قدرها مليون و نصف مليون فدان, و هي مشاريع أثبتت دراسات مكتب استشاري أمريكي متعاقد مع الحكومة المصرية أن العائد الداخلى IRR لها سالب, بعنى أنها ليست عديمة الجدوى فحسب بل تشكل استنزافا للموارد المصرية. و قد أثبتت دراسة أخرى للبنك الدولى أنه بينما تستخدم مصر 85% من مواردها المائية فى الزراعة, فهى تشكل 14% فقط من الناتج القومى الكلي, و في نفس الوقت تستخدم الصناعة 8% من المياه لتساهم ب34% من الناتج القومي. مصر يمكنها اذا أن تعيش بكميات أقل كثيرا من المياه من غير أن يؤثر ذلك على الدخل القومي و يهدد حياة المواطنين بالهلاك كما يدعى الإعلام المصرى.
أسطورة ثانية هى الحديث عن أن مياه النيل خط أحمر, تجاوزه يعتبر بمثابة اعلان حرب. لم يقتصر التهديد على الجهات الحكومية, حتى أجهزة الاعلام و المواطن العادى يرددون هذا الحديث في كل مناسبة, و آخرها تهديد وزير الري المصري لكينيا العام الماضي. و الحقيقة ان شن حرب على دول حوض النيل أمر غير قابل للتنفيذ, و اذا حدث فالجدران الزجاجية للبيت المصري ستكون أول و أكبر المتضررين, و هو ضرر لا يعرف الا الله مدى تبعاته على مستقبل الأجيال القادمة في مصر.
ثالثا أسطورة المؤامرة الاسرائيلية للسيطرة على منابع النيل, و هي محاولة لذر الرماد في العيون حتى تعميها عن رؤية الحقيقة و هي سعى لتأليب الدول العربية و الاسلامية لتدعمها في معركتها الخاسرة. كما أن الحديث عن الأيادي الاسرائيلية الخفية هو مواصلة للنظرة الاستعلائية التي تصور شعوب حوض النيل بأنها فاقدة الارادة لا تتحرك الا من خلال محرك خارجي و تنكر حقها في الحياة و في المطالبة بحقوقها.
رابعا أسطورة القيد القانوني و الادعاء بأن القانون الدولى لا يسمح بنقض اتفاقيات المياه بين الدول بدليل وجود سابقة في محكمة العدل الدولية تم الحكم فيها برفض الانسحاب الأحادي من اتفاقية مياه. و لكن السوابق القضائية لا تطبق في أى قضية الا في حالة تطابق الوقائع و الا اذا كان التطبيق يتسق مع روح القانون في توخي العدل, و هو ما لا يتوفر في حالة مياه النيل.
كل هذه الأساطير لا تعدو أن تكون صروحا من خيال ستهوى عند أول مواجهة علمية و قانونية, و حينها سوف ينعتق السودان من أسر الاتفاقية و ننشد جميعا مع أم كلثوم:
آه من قيدك أدمى معصمي .............لم أبقيه و ما أبقي على
و ما احتفاظي بعهود لم تصنها .. و الام الأسر و الدنيا لدى

Post: #4
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-07-2010, 06:56 AM
Parent: #3

مياه النيل، السدود والانفصال (4): السدود صديق أم عدو لدود...
بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار



السدود صديق أم عدو لدود
بحكم تخصصي المهني وعملي السابق بادارات الخزانات، التخطيط والبحوث بوزارة الرى، وعملي الحإلى في مجال هندسة الموارد المائية، أجد نفسي من أكثر الناس نصرة لبناء السدود، فهى من البنيات الأساسية الهامة التي ساهمت في تنمية المجتمعات البشرية منذ القدم. ولولا مساهماتها الايجابية في حياة الناس لما انتشر بناء السدود حتى بنى منها ما يزيد عن 45,000 سد خلال قرن من الزمان.
لكن السدود، كغيرها من الأشياء، لها متطلبات وشروط صحة لو لم تتوافر لأثر ذلك سلبا في أدائها، وكثيرا ما تتضخم هذه السلبيات لتحول السدود من صديق الى عدو لدود. والتجربة المحلية والعالمية ثرية وتحمل في طياتها كثير من نماذج النجاح والفشل، وقد أدت السلبيات لارتفاع الشكاوى من المتأثرين بقيام السدود فى مختلف أركان الدنيا، مما حدى بالبنك الدولى، وهو أكبر الممولين لبناء السدود، في العام 1997 لتشكيل اللجنة العالمية للسدود لتقوم باعداد دراسة شاملة لتجربة السدود في العالم، وتقييم أدائها، ومن ثم وضع توصيات واطار عام للعمل يكون بمثابة موجه أساسي لتشييد السدود في المستقبل، وبذلك تتمكن الدول من الإستفادة من التجارب السابقة وتضمن أداء ايجابى للسدود المقترحة.
أكد التقرير النهائي للهيئة العالمية للسدود على الفوائد المتعاظمة والدور الايجابي الهام الذي لعبته السدود، لكنه أثبت بالاحصاءات والتحليل العلمى أن كثير من هذه السدود فشلت في تحقيق أهدافها وأن الشعوب قد دفعت ثمنا باهظا وغير مبرر نتيجة للعيوب التي صاحبت بناءها وأكد التقرير على نقطة جوهرية وهي أن هذه السلبيات كان من الممكن تفاديها وتجنب التبعات المدمرة لها. واختتمت الهيئة تقريرها بوضع موجهات عامة لبناء السدود لضمان عدم تكرار تجارب الفشل المريرة، وقامت بارسال التقرير لمختلف الحكومات والجمعيات المهنية العالمية. دار نقاش مطول حول الدراسة وتباينت وجهات النظر في كثير من التفاصيل، لكن الجميع اتفقوا على سلامة التوصيات والموجهات وضرورة الالتزام بها والتأكد من استيفائها قبل البدء في تشييد أي سد، وتتلخص أهم هذه الموجهات في:

· التأكد من وجود حاجة حقيقية لأقامة السد، وأن يكون بناءه هو الحل الأمثل لتحقيق هذه الحاجة.
· اجراء دراسات مفصلة وتقييم شامل لكل البدائل المتاحة لتحقيق أهداف المشروع.
· الشفافية في كل مراحل المشروع وكسب القبول العام لقيام السد عن طريق اتاحة المعلومات لكل المتأثرين والمهتمين واشراكهم في اتخاذ القرار.
· ضرورة الاهتمام بالدراسات البيئية والاجتماعية وتقييمها على قدم المساواة مع الدراسات الفنية والاقتصادية.
· وضع مصلحة المتأثرين وانتفاع مواطني المنطقة ضمن أولويات المشروع.
بالاضافة للتجربة العالمية، فالسودان له تجربته الخاصة والتي بدأت قبل نحو قرن من الزمان ببناء سد سنار، تبعه جبل أولياء عام 1937، ثم الرصيرص وخشم القربة عام 1963، ولا ننسي السد العالى الذي تمدد داخل الأراضي السودانية منذ 1964. ولقد ساهمت بعض هذه السدود بقوة في تطوير الاقتصاد السوداني، ووفرت المياه لرى 3 مليون فدان بالجزيرة والمناقل، حلفا الجديدة، والرهد وساهمت بنسبة كبيرة من الانتاج الكهربائي. هذه السدود بايجابياتها وسلبياتها، تشكل تجربة غنية وخبرة لا غنى عنها لضمان الاستفادة العظمى من مواردنا، ولتجنب الآثار التدميرية للاقتصاد والمجتمعات المحلية. كما أنها تتسق مع التجربة العالمية وتساهم في توطينها وتمكن من اعداد موجهات سودانية لبناء السدود.
الأخطاء والسلبيات هي درر وجواهر كامنة في أعماق العمل كما تعلمنا من ثقافة الانتاج اليابانية، ويرى اليابانيون ضرورة الغوص في أعماق العمل لاكتشاف هذه الأخطاء ودراستها والاستفادة منها في تطوير الانتاج. كان ذلك بداية منهج الادارة الشاملة للجودة والذى ابتدعه اليابانيون فغزوا الدنيا بمنتجاتهم عالية الجودة، واستمرت مناهج الادارة الحديثة تتطور وتشكل الفارق الأساسي بين النجاح والفشل، وهي في تطورها انتقلت من مرحلة اكتشاف الأخطاء الى تفاديها وتحقيق الأخطاء الصفرية بتطبيق مناهج استباقية تخطط لأداء العمل بصورة صحيحة من أول مرة وكل مرة.
لكن الاستفادة من التجارب وتحويل أخطاء الماضى الى خبرات تطور العمل يتطلب توافر مقومات أساسية تتمثل في وجود مؤسسات خدمة مدنية متميزة بأدائها ومستقلة بقرارها، ووجود مناهج وسياسات وخطط وأهداف عامة توجه العمل وتضمن سلامة الأداء، ووجود كوادر متخصصة ذات كفاءة وخبرة على رأس العمل. وقد ورث السودان عن المستعمر نظام خدمة مدنية كان يعتبر الأكثر تقدما في الدول النامية، وكانت وزارة الرى كغيرها من مؤسسات الخدمة المدنية، تعمل باستقلالية ولا تألو جهدا ليكون عملها مبنيا على مناهج وخطط علمية، فأعدت الوزارة في منتصف السبعينات الخطة الشاملة لاستغلال مياه النيل، وهي دراسة شاملة، ومتكاملة قامت باعدادها مجموعة متميزة من بيوت الخبرة العالمية المتخصصة في مجالات الموارد المائية، الكهرباء، الزراعة والاقتصاد. وقد بدأت الدراسة بمسح كامل لكل المشاريع الممكنة لاستغلال مياه النيل ببدائلها المختلفة، ثم أعدت تصاميم مبدئية وتقديرات لتكلفة وعائدات هذه المشاريع، أعقبت ذلك بالتحليل المالى والاقتصادي لكل مشروع، وتم ربط كل ذلك بنموذج رياضي لمياه النيل لدراسة السيناريوهات المختلفة وتوافر الموارد لها، ومن ثم قامت بترتيب هذه المشاريع حسب قوة المؤشر الاقتصاديى لكل مشروع، وانتهت بتوصيات لأولويات التنمية، تم اعتمادها من مجلس الوزراء وصارت تمثل المشاريع المقترحة للاستغلال الأمثل لمواردنا المائية.
تقدمت وزارة الرى خطوة أكبر بتأسيس ادارة للتخطيط في منتصف التمانينات، استمرت في العمل لسنوات قليلة ثم وئدت في مهدها، واذا المؤودة سئلت لأجابت بالصوت العالي، أنها قبرت ومعها وزارة الأشغال الاتحادية والادارة الهندسية بوزارة الزراعة والنقل الميكانيكي، وغيرها من مؤسسات الدولة المسؤولة عن وضع السياسات والمواصفات وتحديد أولويات التنمية وفقا للخطط الشاملة، والرقابة على الأداء. قبرت لأنها تعمل لتحقيق هدف نهائي واحد هو مصلحة الوطن والمواطن، وهذا الهدف يتقاطع مع المصالح الفردية والحزبية بأهدافها الغير معلنة، ولا يعيش معها تحت سقف واحد.
بالرغم من أننا نستظل بظلال المشروع الحضاري، لكن المرء يندهش كيف تم ركل كل منهج حضارى في التعامل مع مشاريع السدود بالشمالية، وطويت كل الملفات والخبرات السابقة واستبدلت بقرارات عشوائية تم طبخها في دهاليز مغلقة وبمناهج عمل حولى لا ترى الا من خلال منظور فردي وحزبي. وكانت النتيجة اصرار ادارة السدود على اجترار الأخطاء وتعميق السلبيات، من غير الاستفادة من خبرات السدود القائمة والمتمثلة في الآتي:
· التبخر:
يفقد السودان 5 مليار من نصيبه من مياه النيل بسبب التبخر في بحيرة السد العالي، اذا أضفنا اليها الكميات المفقودة في بحيرة جبل أولياء والرصيرص تتجاوز جملة الفاقد 6 مليار. هذه كميات كبيرة توازى تقريبا المياه المستخدمة لري مشروع الجزيرة والمناقل. لقد انتهى الزمن الذي كان فيه الماء يفيض عن الحاجة، فنستهلكه من غير حساب، اليوم صار سوء استغلال المياه تهمة فادحة يمكن أن تثير أعقد المشاكل مع دول حوض النيل وتعطيها مبررا قويا للمطالبة بمزيد من الحقوق في مياه النيل على حساب حصتنا المتضائلة.
بالرغم من أن التبخر لا يمكن تفاديه عند قيام أى سد، لكن في الامكان خفض كمياته الى حد كبير جدا اذا تم التعامل مع هذا الفاقد بجدية تتناسب مع خطورته وبصورة علمية يمكن أن تتيح خيارات كثيرة تحقق الهدف بأقل أضرار ممكنة، وهذا ما سوف أفصله عند الحديث عن سدود الشمالية.
· الإطماء:
يحمل النيل سنويا أثناء اندفاعه كميات كبيرة من الطمي، تقوم السدود بحجز المياه ووقف اندفاعها مما يفقدها القدرة على حمل الطمي الذي يترسب في قاع الخزان. لذلك تتضمن السدود المقامة على النيل ما يعرف بالتخزين الميت، وهو جزء من بحيرة السد لا يمكن الاستفادة منه في التخزين بسبب تراكم الطمي. خزان خشم القربة يمثل نموذجا صارخا لهذه المشكلة، فقد تدهورت سعته التخزينية بمعدلات سريعة، حتى بلغت حوإلى 30% فقط من حجم الخزان. وقد أدى ذلك الى تدهور الانتاج بصورة كبيرة جدا تكاد تصل درجة التوقف النهائي. نفس المشكلة يعاني منها خزان الرصيرص الذي فقد 30% من سعته، بالاضافة الى أن الطمي يتسبب في اغلاق مداخل التربينات وبالتإلى انخفاض التوليد الكهربائى بشكل حاد خلال موسم الفيضان.
· فقدان الخصوبة:
الطمى له وجه آخر مشرق، فهو يعطى الأراضى النيلية شهادة التميز بما يحمله اليها سنويا من كميات كبيرة من أجود أنواع السماد، وهو سماد عضوى، طبيعى، متجدد ومجاني. لذلك نجد أن الأرض الواقعة على ضفة النيل انتاجها أوفر، أعلي جودة، وأقل تكلفة، ويمكن أن يكون سعره مضاعفا اذا وجد التسويق المناسب، وذلك وفقا للأسعار العالمية للمنتجات العضوية. وقد سبقتنا مصر، بالرغم من محدودية الطمي عندها، باقامة مزرعة كبرى للمنتجات العضوية من مياه النيل في صحراء سناء، وتقوم بتسويق انتاجها بأسعار عالية جدا في الأسواق الغربية.
· التغيرات المورفولجية:
تستجيب الأنهار لأى تغيير في عناصرها الأساسية مثل كمية المياه والتغير اليومي والموسمي في هذه الكميات وحجم ما يحمله النهر من طمي، وتظهر هذه الاستجابة في شكل هدام في بعض المناطق، وترسيب في مناطق أخرى. وقد عانى سكان النيل كثيرا من التغيير الناتج عن بناء سدود الرصيرص والقربة ومشاريع الرى المصاحبة لها، فتزايدت ظاهرة الهدام وأطاحت بكثير من الأراضى الزراعية ومنشآت الرى والمباني، وانتشرت كذلك ظاهرة الاطماء فأضافت أراضى جديدة لم تكن موجودة، وابتعد مجرى النهر في كثير من المشاريع بمسافات تزيد عن كيلومتر من مضارب الطلمبات. هذه الظاهرة معقدة من الناحية الهندسية وتحتاج لأبحاث ودراسات جادة وطويلة للقضاء عليها، وقد بدأت محطة البحوث دراسة لها في مطلع الثمانينات، لكنها لم تتواصل لضعف الميزانيات المخصصة. وقد خصصت وزارة المالية ميزانيات محدودة لاقامة مشاريع لحماية المنطقة من أخطار الهدام والأطماء، ولم يكتب لهذه المشاريع النجاح بسبب ضعف الدراسات الهندسية وشح الميزانيات. ولو وجه جزء يسير من ميزانيات السدود لحل مثل هذه المشاكل لفاض انتاج الشمالية.
· تهجير السكان:
تعتبر تجربة تهجير أهإلى حلفا من أكثر التجارب المؤلمة، وتضاهى في آثارها السيئة الحروب الأهلية، لأن الأخيرة تنتهي بنهاية الحرب، في مقابل فقدان المهجرين لأراضيهم ومجتمعهم بصورة دائمة. تعتبر تجربة حلفا من أوائل التجارب العالمية للتهجير، فاستن السودان بذلك أسوأ سنة، طالت من بعدنا 40 مليون انسان تأثروا بمشاريع التهجير في كل أنحاء العالم. والآن، بعد أكثر من 40 سنة لا تجد أى محاولات جادة لدراسة هذه المشكلة وآثارها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وباستمرار هذا الموقف السلبي من غير المستغرب أن تتكرر التجربة مرات عديدة.

· اغراق الأراضي:
أغرقت سدود جبل أولياء والسد العإلى كميات كبيرة من الأراضى الزراعية والسكنية المتاخمة للنيل، وهي من أحسن الأراضي وأعلاها انتاجا، وفقد السودان موردا متميزا لا يمكن مقارنته بالأراضي الأقل قيمة في المناطق البعيدة عن النيل.
· تدمير الآثار التاريخية:
كانت حلفا من أغني بلاد الدنيا بآثارها، وكانت قبلة السياح من كل بلاد العالم، وتميزت بأنها المدينة الوحيدة، عدا العاصمة، التي بها مطار دولي، وفرع لفندق السودان الفاخر. منطقة حلفا كانت مستودع كبير لآثار مملكة النوبة، أبدت منها على سطح الأرض معبد بوهين وكميات كبيرة من التماثيل والآثار التي تم نقل جزء منها على عجل الى متحف السودان القومي، وما خفى منها في باطن الأرض كان أعظم. ومعروف أن السودان لم يول الآثار الاهتمام اللازم، ولم يسع بجدية للكشف عن آثار الحضارة النوبية والتي أثبتت المحاولات البسيطة التي قامت بمبادرات خارجية أو فردية، أثبتت علو همة هذ الحضارة وأكدت أنها أقدم وأعرق الحضارات الأفريقية، وأنها كانت في كثير من الأحيان ندا للحضارة المصرية القديمة، ومتفوقة عليها في أحيان أخرى. وتدل كل الاستكشافات والدراسات الحديثة على أن ماتم اكتشافه من الآثار النوبية لا يمثل سوى القمة الجبل الجليدي، وتبقي الكتلة الأساسية للجبل خافية عن الأنظار. ونحن لم نكتف باهمال هذه الثروة القومية، بل وصل الحد بوزير الثقافة عبد الله محمد أحمد، أن يأمر بتكسير آثار المتحف القومي لأنها أصنام ورجس من عمل الشيطان، ولو أن هذا الأمر صدر من وزير الشئون الدينية لتفهمنا الدوافع، لكن أن يأتي من المؤتمن على تاريخنا الثقافى، فهذه واحدة من محن الزمان.
المقال القادم سوف يتناول باذن الله تقييم سدود الشمالية من منظور تجارب السدود العالمية والمحلية، ويقارن بين ايجابيات هذه المشاريع وسلبياتها، وهل هي مشاريع تنمية وتعمير أم سدود افقار وتدمير.

Post: #5
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: بدر الدين اسحاق احمد
Date: 05-07-2010, 09:03 AM
Parent: #4

مقال جدير بالاطلاع علية من قبل كل سودانى ...

ليعرف اين يقيف مستقبلنا المائى فى الحقبة القادمة ..


هل هى حرب المستقبل التى تنتظر ابنائنا ؟

شكرا مدحــت .


Quote: بحكم تخصصي المهني وعملي السابق بادارات الخزانات، التخطيط والبحوث بوزارة الرى، وعملي الحإلى في مجال هندسة الموارد المائية، أجد نفسي من أكثر الناس نصرة لبناء السدود، فهى من البنيات الأساسية الهامة التي ساهمت في تنمية المجتمعات البشرية منذ القدم. ولولا مساهماتها الايجابية في حياة الناس لما انتشر بناء السدود حتى بنى منها ما يزيد عن 45,000 سد خلال قرن من الزمان.
لكن السدود، كغيرها من الأشياء، لها متطلبات وشروط صحة لو لم تتوافر لأثر ذلك سلبا في أدائها، وكثيرا ما تتضخم هذه السلبيات لتحول السدود من صديق الى عدو لدود

Post: #6
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: GamarBoBa
Date: 05-07-2010, 11:50 AM
Parent: #5

الأخ بدرالدين اسحق
تحياتي وجمعتك مباركة
Quote: مقال جدير بالاطلاع علية من قبل كل سودانى ...
ليعرف اين يقيف مستقبلنا المائى فى الحقبة القادمة ..
هل هى حرب المستقبل التى تنتظر ابنائنا ؟
شكرا مدحــت .

البعرفه انك زول نظام
وعشمان فيك ياخي تناقشنا في المستقبل المائي وجزء من الاقتباس الانت جبته
Quote: لكن السدود، كغيرها من الأشياء، لها متطلبات وشروط صحة لو لم تتوافر لأثر ذلك سلبا في أدائها، وكثيرا ما تتضخم هذه السلبيات لتحول السدود من صديق الى عدو لدود

بهمنا جدا انت كزل حكومة انك يا تغير رأينا يا نغير رأيك
وبالتالي كأهالي لو غيرت فينا وجهة النظر صدقني مافي حاجة بتمنع انو نقتنع ونقنع المعانا وكذلك انت كزول حكومة مافي ما يمنع انك تقتنع بالكلام الحنقوله مادام حيستند علي ارقام واحصائيات وما كلام نظري ساي وممكن نديك فرقة تقرا الموضوع كويس وترجع لينا لو ما ملم باطرافه وفوق ده ممكن نفيدك بمصادر ممكن تقرا منها.

اها قلت شنو؟؟

Post: #7
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: بدر الدين اسحاق احمد
Date: 05-07-2010, 04:53 PM
Parent: #6

صدقنى انا قبال ما اكون زول حكومة


انــا ( مسلم / سودانى / منتمى حزبيا / وبعاين لمستقبل بلادى / ومؤمن بمشروع نهضوى )

ومشارك فى كل الحراك السياسي والثقافى فى بلادى ..

وعندى كمان نصف شــق فى كرمــة البلد عشان ديل برضهم اهــلى ومتاثرين وسيتاثرون باى

مشروع ولا فكرة ســـد ..

قلت حبابك .. عــلا امرق ليــه من الهتاف السياسي ..


Quote: اها قلت شنو؟؟

Post: #8
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-08-2010, 08:23 AM
Parent: #7

مياه النيل, السدود والانفصال (5): جدوى سدود الشمال في الميزان
مارس 2nd, 2010 كتبها hana bdr نشر في , التطور,

لا يوجد تعليق,

بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار

جدوى سدود الشمال في الميزان


تنوي الحكومة انشاء 4 سدود في المنطقة الممتمدة من بربر جنوبا و حتى حلفا شمالا, منها سد مروى و الذي اكتمل تشييده عام 2008, سد دال جنوب وادي حلفا, سد كجبار و سد الشريك على الشلالات الثالث و الخامس. تهدف هذه السدود لتوليد الكهرباء كهدف أساسي, و التنمية الزراعية كهدف ثانوي, و تنمية المنطقة بصورة عامة عن طريق اقامة عدد من المشاريع المصاحبة للسدود, و تشتمل على طرق و كبارى و مساكن, و تتولى هيئة تنفيذ السدود اختيار و دراسة و تمويل و تنفيذ هذه المشاريع. و قد دفعت الحكومة و ستدفع بسخاء غير معهود أكثر من 10 مليار دولار في فترة قصيرة نسبيا, و في مساحة صغيرة جدا من وطن المليون ميل مربع.

وجدت فكرة بناء السدود معارضة قوية من أهالى المناطق المتأثرة, قابلتها الحكومة بتكوين كتائب أمنية للدفاع عن السدود¸ فسقط عدد من الشهداء في أمرى, كجبار و الشريك, و تم اعتقال أعداد كبيرة من المواطنين. و قد أدى ذلك ليتساءل الناس عن حقيقة هذه السدود و ما الجدوى من قيامها, و لماذا يرفضها البعض حتي يبذل روحه و ماله و سكينته, و يصر عليها آخرون حتى و لو على جثث الأبرياء. لمعرفة الحقيقة يلجأ المرء أول ما يلجأ لنتائج دراسات الجدوى, و قد صرح المسؤولون باكتمال دراسات مشاريع السدود المقترحة, و أنها قد أثبتت جدواها, و بالتالي تأمل الحكومة أن يكون ذلك كافيا لتخرس المعارضين للمشروع و تبرئ ذمتها .

لو أن المسؤولين تحروا الصدق فيما قالوا فقد أوفوا و زادوا, و لأدت نتائج هذه الدراسات لاخراس المعارضين, بل أن الجميع كان سيقف خلفهم و يبايعهم, فما أجمل أن يكون اقتصادنا القومى قويا معافي, ونرى أحلامنا الوردية في وطن شامخ عزيز تتحقق. و لكن واقع الحال يقول أن هذه الدراسات لا يعول عليها لأنها فاقدة المصداقية, و بعيدة عن المنهج العلمي القويم.

لا شك أن دراسات الجدوى من الأدوات الهامة جدا و خطوة حتمية لأى مشروع, بل أن المشاريع الكبرى تتطلب أكثر من مرحلة من دراسات الجدوى. لكن هذه الدراسات تعتمد الى حد كبير على مدخلاتها و ينطبق عليها القول garbage in, garbage out . فعدم صحة مدخلات و فرضيات الدراسة الأساسية يمكن أن يغير تماما من نتائجها, و قد يحدث ذلك عن حسن نية, و لكن أيضا من الشائع حدوثه عمدا بقصد توجيه الدراسة لخدمة أهداف مسبقة. و دراسات الجدوى مطية سهلة القياد اذا ما ساءت النوايا, و حل القرار الفردي محل القرار المؤسسي الذي يتسق مع الخطط الشاملة, و يعتمد على المنهجية و تضمنه الشفافية و يحرسه مبدأ محاسبة المسؤولين.

و لكي تصح دراسة الجدوى فلا بد أن يسبقها جهد فني شاق, و عمل متكامل يجمع بين مؤسسات الدولة المتخصصة, و ذلك حتى تتوفر المعلومات الصحيحة و الفرضيات الأساسية للدراسة. و كمثال لذلك فقد تقدمت الحكومة سنة 1987 بطلب للبنك الدولى لتمويل تعلية خزان الرصيرص, و كان الطلب مصحوبا بدراسة جدوى رصينة قام بها مكتب استشاري معتمد هو الاكساندر جب, لكن عند مراجعة خبراء البنك للدراسة لفت نظرهم أن معدل العائد الداخلى IRR يساوى 22% و هي نسبة عالية جدا لمشاريع السدود. كون البنك لجنة من الخبراء لمراجعة الدراسة بمشاركة الحكومة و المكتب الاستشاري, و انتهت المراجعة الى أن بعض المعلومات الأساسية عن كفاءة استخدام المياه و بالتالي العائد المادي لمشاريع الري غير دقيقة و لا تستند على خلفية علمية كافية, و اتفق الجميع على ضرورة تحديد هذه المدخلات من خلال دراسات مساعدة, يتم بعدها مراجعة جدوى المشروع و تعديلها وفقا لنتائج الدراسة.

أوردت هذه الحادثة لأدلل على أن دراسة الجدوى, حتى و ان خلصت النوايا, يمكن أن تؤدى لنتائج خاطئة اذا لم يبذل الجهد الكافي لتوفير أرضية صلبة من المعلومات الأساسية. وهنالك مثال شبيه آخر من مصر الشقيقة, لكنه محفوف بسوء النية, فقد قامت الحكومة المصرية باستصلاح أكثر من مليون فدان في الصحارى المصرية, و اتفقت مع مكتب استشارى أمريكى لتقييم جدوى هذه المشاريع, و جاءت الدراسة ايجابية, لكن المكتب الاستشاري أوضح أن الدراسة تمت بفرضية أن سعر المتر المكعب للمياه .0.05 جنيه و هو السعر التشجيعى, بينما يبلغ السعر الحقيقى 4 أضعاف ذلك المبلغ. أكدت الدراسة أنه بافتراض السعر الحقيقي للمياه فإن معدل العائد الداخلي يتغير الى سالب, بمعني أن المشروع خاسر ماديا, و أن الحكومة المصرية تدفع مبالغ طائلة سنويا لابقاء المشروع على قيد الحياة . هكذا تحول المشروع من خاسر كبير الى رابح, و السبب محاولة الحكومة التأثير على النتائج بوضع فرضيات غير حقيقية.

و قد بدأت الانقاذ عهدها و هي منكرة تماما لفكرة دراسات الجدوى, ففي عام 1991

Post: #9
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: GamarBoBa
Date: 05-08-2010, 10:15 AM
Parent: #8

Quote: قلت حبابك .. عــلا امرق ليــه من الهتاف السياسي ..

حبابك انت يا بدر
تشتيت كورة من قولة تيت يا بدر
هسة الهتاف السياسي وين
قلت ليك انا مواطن وصاحب واطة والحكومة عايزة تغرقني وانا ما مقتنع لوجود بدائل تانية
ولوجود موارد سياحية لو تم تأهيلهابعشر تكلفة سد ممكن اشتري اضعاف الكهرباء الممكن تتولد

Post: #10
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-08-2010, 02:39 PM
Parent: #9

مياه النيل, السدود والانفصال (6) : جدوى سدود الشمال في الميزان .. بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
الجمعة, 12 مارس 2010 18:38
[email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
جدوى سدود الشمال في الميزان 2
السدود منشآت عظيمة, فادت البشرية كثيرا, لكن لأنها تتطلب استثمارات مالية ضخمة و تتسبب في دمار واسع , و آثار بيئية و اجتماعية عميقة, فلا بد أن تسبقها دراسات متميزة و مفصلة لضمان تحقيق الفوائد المرتجاة منها, و لتفادى السلبيات التي تحيط بها من كل جانب. و هذا القول ينطبق أيضا على سدود الشمال, فلا يمكن لأحد أن ينكر أنها ستقوم بتوليد كميات كبيرة من الطاقة, و سوف تدخل هذه الطاقة بكاملها الشبكة القومية قبل أن يلج الجمل سم الخياط, و ذلك خلافا لما قيل على لسان المدير السابق للهيئة القومية للكهرباء, و سوف تخضر مساحات مقدرة من صحاري الشمال بمياه هذه السدود. لكن مثل هذه المشاريع تدخل في عمق النسيج الاقتصادى و الاجتماعي و البيئ, و لا يمكن النظر اليها الا من خلال هذا الترابط النسيجى, و من خلال التقييم الشامل لجدواها بموزانة هذه الفوائد مع السلبيات, و هي في مشاريع السدود كثيرة و متشعبة و معقدة.
جدوى أى مشروع تعني قابليته للتنفيذ من الناحية الفنية, و تأكيد تفوقه علي غيره من الخيارات الممكنة لتحقيق الأهداف المعلنة, و أن تكون تكلفته في حدود الميزانية المعتمدة له, و أن يثبت تحليل عناصر التكلفة و العائد فائدة المشروع اقتصاديا و ربحيته ماليا. و تعتمد جدوى المشروع أول ما تعتمد علي صحة و دقة دراسات المشروع, و ثانيا على ادارة تنفيذ المشروع و ضبط تكلفته على مستوى عالى من المهنية و الكفاءة, و أخيرا على كفاءة عمليات تشغيله بعد نهاية التنفيذ.
العامل الأهم في تحقيق جدوى المشروع هو مدى صحة و دقة دراسات المشروع, لذلك كان لابد لدراسات السدود أن تأتي على مستوى التحدى و على قدر المسؤولية, و أن تتسم بالصدق و التجرد حتى تنجح في تحقيق الأهداف القومية, و تتفادي السلبيات الخطيرة. ليتحقق ذلك كان من الضروري بدءا أن تتولى أمرهذه الدراسات الجهات المؤهلة لذلك بحكم تكوينها و وفقا لقوانين الدولة التي تنص على أن دراسة و تنفيذ و تشغيل السدود مسؤولية مشتركة بين وزارة الرى و الهيئة القومية للكهرباء, و هي قوانين موجودة و معتمدة و فاعلة, لكنها تقف عاجزة أمام التعدي اللامنطقى من قبل وحدة تنفيذ السدود التي استولت عل كل شئ فهي التي تختار المشاريع و تقوم بالدراسات و التصميمات و التعويضات و التنفيذ و التشغيل. انها مسؤولية تنوء بحملها أعتي المؤسسات مجتمعة, وحملتها وحدة تنفيذ السدود ظلما و جهلا. لقد جمعت الهيئة سلطات وزارات الرى, الكهرباء, الطرق و الكباري, الأشغال و المالية, و تمركزت هذه السلطات لدى شخص واحد يتبع مباشرة لرئيس الجمهورية, الذى هو نفسه لا يخضع للمساءلة, و بذلك تنال وحدة السدود سلطات مالية و ادارية غير محدودة, و في نفس الوقت تحجب عنها المساءلة الادارية و القانونية.
ان مبدأ فصل السلطات الذي توافقت عليه البشرية منذ الثورة الفرنسية ينطبق بنفس القوة على المشاريع الهندسية, و نفس الفقه التشريعي الذي ينص علي ضرورة الفصل بين السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية, ينص هندسيا على الفصل بين ادارة المشروع و التصميم و التنفيذ. العالم الآن ينقسم بين دول متقدمة و دول نامية و أخرى دون ذلك, وبحكم وجودنا في الفئة الأخيرة فدائما ما يقفز للأذهان السؤال الجوهري: ما الذي يميز بين هذه الفئات من الدول؟ الاجابة في نظري و ببساطة هي: انه العمل المؤسسي المبني على تنظيم متين و مناهج فاعلة و قوانين نافذة , و يقوم على مبدأ المحاسبة و احترام القانون و الفصل بين السلطات. و ما تقوم به ادارة السدود هو بمثابة معول ضخم يهدم القليل الذي ورثناه من عمل مؤسسي, و يسبب خرابا وطنيا عظيما لا تبنيه سدود و لا كباري.
دراسات مشاريع السدود يجب أن تتوافق مع المواصفات العالمية و تأخذ التجارب المحلية السابقة في الاعتبار, و من أكثر المواصفات شمولا و قبولا هو ما قدمته اللجنة العالمية للسدود بعد بحث شامل لتجارب السدود في العالم خلال قرن من الزمان, و قد أصدرت اللجنة تقريرها في العام 2000, متضمنا خلاصة التجربة العالمية تم صياغتها فى شكل عدد من الموجهات, و أوصت باتباعها عند القيام بدراسة أى مشروع لضمان نجاحه. و هذه الموجهات في مجملها بسيطة جدا, خالية من التعقيدات و تتسق مع المنهج الهندسي السليم و المنطق القويم, لذلك وجدت القبول عند معظم الدول و المؤسسات العلمية. و اذا نظرنا للدراسات التي سبقت قيام سدود الشمال من منظور هذه الموجهات نخلص للآتي:
• الموجه الأول يتطلب التأكد من وجود حاجة حقيقية لقيام السدود, و أن يكون قيام السد هو الحل الأمثل: تقييم هذا الأمر يتطلب الرجوع الى الخطة الشاملة لتنمية الموارد المائية, هذه الخطة تضع سد مروي وحده كمشروع عاجل, و بقية المشاريع موجودة لكن في مؤخرة قائمة المشاريع المقترحة, و حتى سد مروى لا يوجد بالكيفية التي نفذ بها كما سيتم تفصيله لاحقا. و كان من حرص مؤسسة الدولة آنذاك ( في الثمانينات) أنها وضعت شروط لدراسات السد تطابق الى حد كبير موجهات اللجنة العالمية للسدود, بالرغم من أن اللجنة لم تكن موجودة في ذلك الوقت.
الهدف من هذه السدود هو توليد الكهرباء و زيادة الرقعة الزراعية, و هي من غير شك تحقق هذه الأهداف, لكن ليست هي الحل الأمثل, و ليست هنالك دراسات بديلة للخطة الشاملة تبرر قيام هذه السدود و تضعها في مقدمة أولويات الدولة, لذلك فهي مخالفة للموجه الأول اذ أن الثمن الذي سيدفعه الوطن و المواطن أكبر بما لا يقاس من العائد, و حتي لا يكون القول جزافا, سوف أعود لتفصيل هذا الأمر في مقالات فوائد السدود و سلبياتها.
الحاجة الوحيد التي أراها ليست هي حاجة السودان للسدود, و انما حاجة وحدة تنفيذ السدود لها, و المثل يقول:
When all you have is a hammer, everything begins to look like a nail
و ترجمة المثل اذا كان كل ما تملكه مطرقة فحسب, فسوف يتراءى لك كل شئ كأنه مسمار. صاحب امبراطورية السدود بنفاذه السياسي لا يملك من مواهب الدنيا سوي سطوة السلطان و امبراطوريته, فصار يري الدنيا من خلال هذه الامبراطورية و يستغل نفاذه و ضعف خصومه في وزارة الرى في توجيه كل امكانات الدولة الحالية و المستقبلية في طرق مساميره أو خوازيقه المسماة بالسدود.
• الموجه الثاني يقول بضرورة اجراء دراسات مفصلة و تقييم شامل لكل البدائل المتاحة لتحقيق أهداف المشروع: بدءا هيئة السدود ليست مؤهلة لاجراء هذه الدراسات و هذا التقييم, فهي تقوم بعمل وزارات الرى, الكهرباء, الزراعة, الطرق و الكباري, التخطيط الاقتصادي و المالية, من غير أن يكون لها الكوادر الكافية و الخبرة للقيام بهذه الدراسات بالكفاءة المطلوبة.
من المفترض أن تتم دراسة بدائل و سيناريوهات تبدأ على المستوى القومى لتحديد أولويات تنفيذ المشاريع في القطاعات و الأقاليم المختلفة. بعد ذلك تنزل الدراسات الى مستوى القطاعات, فتدرس البدائل المختلفة لسد الفجوة في توليد الطاقة, و بدائل الاستغلال الأمثل لمياه النيل في رى المشروعات الزراعية. ثم تنزل الدراسات مستوى آخر لتنظر في بدائل و سيناريوهات السدود من حيث السعة التخزينية, المواقع, الأراضى المغمورة, حجم التوليد, المساحات المروية وفاقد التبخر.
صحة هذه الدراسات مربوطة بأن تتصف الجهة المشرفة عليها بالحيادية, و الخبرة و التأهيل الفني, و هذا ما لايتوفر لدى وحدة السدود. و يقيني أن الدراسات لو تمت بهذه الكيفية لتساقطت مشاريع سدود الشمال في الطريق, الواحد تلو الآخر, و ما سيتبقي منها سيكون مختلفا تماما في ملامحه عما يتم تنفيذه حاليا.
• الموجه الثالث يؤكد ضرورة الشفافية في كل مراحل المشروع: و الشفافية تعني تمليك معلومات المشروع, و تداولها مع كل الجهات المتأثرة بالمشروع سلبا و ايجابا stakeholders . و تشمل هذه الجهات أول ما تشمل مواطني المنطقة, ثم المؤسسات الحكومية و من بعدها وسائل الاعلام و عامة المواطنين. المعلومات التي يفترض تمليكها تشمل منسوب الخزان, الأراضي المعرضة للغرق,الدراسات البيئية, برنامج انقاذ الآثار التاريخية, دراسات الجدوى, دراسات البدائل, برنامج اعادة التوطين, منصرفات المشروع.
مراجعة قائمة المعلومات أعلاه يوضح بعد الهوة بين ما هو مطلوب لتحقيق الشفافية و ما هو متوفر, فحتى الجهات الرسمية خارج الدائرة الضيقة بهيئة السدود, لا تملك الحد الأدنى من المعلومة. أما مواطني المنطقة فتتقاذفهم أمواج الشائعات, و تقتلهم الحيرة و القلق على مستقبلهم المجهول و ماضيهم العريق المهدد بالدمار.
• الموجه الرابع هو كسب القبول العام لقيام السد: و هذا لا يتحقق من غير شفافية, و احترام للمواطنين و الرأى العام, و التواصل المستمر معهم و النقاش الهادف وصولا للمصلحة العامة. لم تجد السدود القبول لأن السلطات لم تسع لذلك بتمليك الحقائق و مشاركة مواطني المنطقة و المؤسسات العامة و الشعبية ذات الصلة. و لازالت الهوة ممتدة بين الطرفين لا سبيل لردمها اذا لم تسع السلطات بجدية لكسب القبول, و هو أمر لا يمكن حدوثه لأنها عندئذ ستضطر لكشف سلبيات و ممارسات مهنية و مؤسسية غير سليمة.
• الموجه الخامس هو الاهتمام بالدراسات البيئية و الاجتماعية على قدم المساواة مع الدراسات الفنية و الاقتصادية: قامت مؤسسة ايواق السويسرية الحكومية المتخصصة في مجال أبحاث البيئة و المياه, قامت بمراجعة تقرير الدراسات البيئية لسد مروى و الذى أعدته شركة لامير, و قد قامت بهذه المراجعة بمبادرة ذاتية كجزء من اهتماماتها العلمية و البحثية. و قد لخصت مؤسسة ايواق نتائج مراجعتها في الآتي:
* الدراسات البيئية التي قامت بها لامير بعيدة تماما عن تحقيق المستوى المطلوب لمثل هذه الدراسات حسب المواصفات الأوربية و العالمية, و تشتمل على كثير من العيوب.
* ركزت دراسة لامير على جانب اعادة التوطين فقط و أهملت الجوانب الأخرى من الدراسة.
* فشلت الدراسة في الاستفادة من المراجع العلمية الحديثة و التجارب المماثلة في هذا المجال.
* لم توضح الدراسة كيفية ادارة مشاكل الاطماء و استخدمت فرضيات مبهمة لا تستند على تحليل علمي لكميات الطمى و كيفية الحد من آثاره السلبية.
* لم تقدم الدراسة أى تحليل علمي للتأثيرات المورفولجية ( طبيعة النهر), المتوقعة نتيجة للتغيرات اليومية و الموسمية الكبيرة في مناسيب النهر أسفل السد, أوتقوم بتقدير حجم هذه المشكلة و لم تقدم حلولا لكيفية التعامل معها.
* لم تبذل الدراسة جهدا علميا في بحث الآثار الصحية على مياه بحيرة السد, و انبعاث الغازات الحرارية.
* لم تقوم الدراسة ببحث أثر قيام السد على حركة الأحياء المائية و كيفية الحد من الآثار السلبية.
بالاضافة لذلك فالدراسات أهملت تماما واحد من أهم أركانها و هو دراسات الآثار التاريخية, و القليل الذي تم كان نتيجة لضغوط خارجية و مبادرات فردية. و قد شاركت كثير من المؤسسات الأجنبية في حملة انقاذ ما يمكن انقاذه, وسابقت الزمن لاكمال عملها قبل غمر الأراضي بالمياه, لكن الزمن كان هو الأسبق حسب ما روته بحسرة المصادر المشاركة في هذه الدراسات, و التي صرحت بأنها لم تتمكن الا من انقاذ جزء يسير جدا من الثروة التاريخية الموجودة في هذه المناطق ذات التاريخ العريق. و المصيبة أن نفس السيناريو سوف يتكرر مرة بعد الأخرى مع باقي السدود.
• الموجه السادس هو أن يضع المسؤولون مصلحة المتأثرين وانتفاع مواطني المنطقة ضمن أولويات المشروع: المتأثرون أدرى بمصلحتهم, و قد قالوا كلمتهم و أعلنوا رفضهم و وقفوا في وجه السلطة بكل جبروتها, و بذلوا أرواحهم فداء لمنطقتهم, فهل هنالك رد أكثر بلاغة من ذلك على القائل بأن السدود راعت مصلحة مواطنى المنطقى و انتفاعهم.

العامل الثاني لضمان جدوى مشاريع السدود هو ادارة المشروع أثناء مرحلة التشييد و ضبط تكلفته على مستوى عالى من المهنية و الكفاءة, فجدوى المشروع هو عملية مفاضلة بين المنصرف و العائد, و قد تضخم الصرف على سد مروى بصورة كبيرة نتيجة للسلطات المالية غير المحدودة الممنوحة للوحدة مع غياب المحاسبة, بالاضافة للاستغلال المضخم للسد في الدعاية السياسية, و سيل الوفود القادمة من كل فج عميق محمولة على ظهور الطائرات الخاصة و البصات المكيفة, و الدعاية الضخمة التي صاحبت السد منذ بدء تنفيذه.
كذلك زادت التكلفة زيادة كبيرة نتيجة لابعاد الهيئة القومية للكهرباء من متابعة العمل , و الذي هو في الأصل من صميم مسؤولياتها, و قد نتج عن ذلك عبأ كبير على تكلفة السد بسبب التعديلات و الاصلاحات التي ما تزال جارية لتفاديى الأخطاء الغير المبررة و التي ستكلف دافع الضرائب مئات الملايين من الدولارات, و المصيبة أن الهيئة القومية للكهرباء قد تنبأت بحدوث ذلك الخطأ قبل سنوات من افتتاح المشروع, و قدمت مذكرة قبل 3 أعوام تنذر و تؤكد عدم امكانية دخول كهرباء مروي في الشبكة القومية, و تنادي بضرورة تفادي هذه الكارثة, و اقترحت الحلول لذلك, و لكن قد أسمعت لو ناديت حيا, و لا حياة لمن هو محصن من المحاسبة الادارية و المساءلة القانونية.
بالاضافة للتكلفة المباشرة لمشكلة عدم دخول كهرباء مرو للشبكة القومية, فهنالك تكلفة تجميد رأس مال المشروع لفترة سنة كاملة كان من المفترض و حسب دراسات الجدوى أن يتم فيها انتاج الكهرباء, و بحسابات بسيطة نجد أن هذه التكلفة تبلغ عشرات الملايين من الدولارات.
العامل الثالث في تحديد مدى جدوى السدود هو تشغيل السدود بعد الانتهاء من تشييدها, و هي المسؤولية التي آلت بكاملها لوحدة تنفيذ السدود, و ذلك في تناقض واضح حتى مع اسمها و الذي بدأ صغيرا تحت لافتة وحدة تنفيذ سد مروي التابعة لوزارة الري, ثم كبرت و صارت وحدة تنفيذ السدود و انتقلت تبعيتها لرئاسة الجمهورية, و تمددت بعد ذلك في صمت و اصرار لتستولى على المسؤوليات في كل اتجاه, و من ضمن هذه المسؤوليات ادارة و تشغيل السدود و محطات توليد الكهرباء و المشروعات الزراعية. و من المؤكد أن ذلك التوسع أكبر بكثير من قدرة وحدة تنفيذ السدود و لا يمكنها من ادارة و تشغيل هذه المنشآت بالكفاءة المطلوبة وبالتالي يضعف كثيرا من قيمة العائدات المتوقعة لهذه السدود, و يؤثر سلبا على معادلة الجدوى التي تسعى لخفض المنصرفات في احدى كفتيها و الى زيادة العائد في الكفة الأخرى.
و لكى تكتمل الصورة لا بد من تقييم فوائد السدود و سلبياتها و هذا ما سوف أتناوله في المقالات القادمة باذن الله.

Post: #11
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-09-2010, 10:40 AM
Parent: #10

مياه النيل، السدود والانفصال (7): فوائد سدود الشمال في الميزان ..
بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار


فوائد سدود الشمال في الميزان
لا شك أن لسدود الشمال فوائد كبيرة تحققها من خلال الهدف الأساسي وهو توليد الطاقة الكهربائية، وبصفتي مهندس سابق في وزارة الرى فقد شاركت في دراسات سد مروي وكنت أشد الناس حماسا لقيام هذا السد. كان ذلك في النصف الثاني من الثمانينات، وكان مخططا وقتها أن يقوم السد بتمويل من البنك الدولي، الذى تكفل بدراسة الجدوى والتي أعدتها شركة مونينكو الاستشارية الكندية، وأبدى موافقته المبدئية على تمويل السد، بشرط اجراء دراسات بيئية واجتماعية مفصلة. ولو قدر لسد مروى أن يقوم وفقا للمواصفات التي وضعت في دراساته الأولية ، وبناءا على الرؤيا الفنية وحدها، بعيدا عن التدخلات السياسية، لاختلف الحال تماما ولوجد الدعم من الجميع.
أبدأ بتقييم الفائدة الأساسية وهي التوليد الكهربائي، فسدود الشمال سوف تحتوي على محطات بسعة اجمالية تقدر ب 2350 ميقاوات، منها 1250 من مروى، 300 من كجبار، 400 من دال و400 من الشريك. سوف تعمل هذه المحطات في المتوسط ب 50% من طاقتها القصوي ليكون جملة انتاجها السنوي 10,000 قيقاوات ساعة في السنة.
تبلغ سعة محطات توليد الكهرباء بالشبكة القومية، من غير هذه السدود، 1700 ميقاوات، منها 340 من السدود القائمة، والباقي من محطات حرارية، غازية وديزل. بعد اكتمال السدود سترتفع السعة الاجمالية الى 4050 ميقاوات، أى أن هذه السدود سوف تضاعف السعة الاجمالية لمحطات التوليد. بالاضافة لذلك تقول الدراسات أن التوليد الكهربائي من هذه السدود له ميزات تجعله يتفوق على غيره من البدائل، ويتلخص ذلك في الآتي:
· أقل تكلفة: تفيد دراسات السدود بأن تكلفة توليد ونقل الكهرباء تقل كثيرا عن غيرها من البدائل مثل التوليد الحرارى، الطاقة الشمسة وطاقة الرياح.
· تحقق ربحية عالية، اذ تشير الدراسات الى أن التوليد الكهربائى من سد مروى مثلا يحقق معدل عائد داخلي 31%، صافي ربح 57 مليار دولار لفترة العمر الافتراضي للسد وهى 50 سنة، وهى مؤشرات ربحية عالية جدا وجاذبة لأى مستثمر.
· أقل أعطالا من المحطات الحرارية، لذلك فهي توفر الثبات والاعتمادية المطلوبة في محطات الكهرباء بصورة أكبر.
· أقل اضرارا بالبيئة وتتسبب في توليد كميات أقل بكثير من الغازات المدمرة للبيئة.
هذه صورة وردية فعلا تجعل كل من ينظر اليها نظرة أحادية قصيرة المدي يعجب بجمال اللوحة ويتعجب من وجود معارضين لهذا المشروع الضخم. لكن تمعن النظر، وتجميع الأجزاء المخفية من اللوحة يغير الرؤيا تماما، وسيتضح هذا بعد تقييم السلبيات، لكن قبل ذلك أود أن ألقي الضوء على مجموعة نقاط جوهرية، أرى أن تقييم فوائد التوليد الكهربائى لا يكتمل من غير وجود هذه النقاط في الخلفية الذهنية للمتمعن في فوائد السدود:
· التوليد الكهربائي من سدود النيل يتميز بضعف استغلال السعة التصميمية للمولدات، وذلك للطبيعة الهايدرولوجية للنهر الذي يتميز بفيضان عالى جدا مصحوب بكميات كبيرة من الطمي، يتسبب ذلك في انخفاض كبير جدا في التوليد في فترة الفيضان، لذلك نجد أن متوسط تشغيل المحطات السنوى هو 50% من سعتها القصوى.
· الدراسة أغفلت أو قللت من أهمية كثير من الجوانب التي تزيد التكلفة وتقلل من العائد وبالتإلى تؤثر سلبا على المؤشرات الربحية الواردة أعلاه، أهم هذه الجوانب هى التعويضات واعادة التوطين، الفاقد المائى، تكلفة ترويض النهر لتفادى الهدام وتغيرات المناسيب ومجرى النهر، انقاذ الآثار التاريخية، بالاضافة للعوامل الأخرى المفصلة أدناه.
· بسبب الانخفاض الكبير والذي يمكن أن يصل الى 80% في فترة الفيضان لا بد من وجود احتياطي من التوليد الحرارى لمقابلة الاستهلاك العإلى في هذه الفترة وسد الفجوة التي تمتد لأكثر من شهرين. هذا يعني وجود بديل أو بناء محطة حرارية ضخمة لا تعمل الا خلال أشهر الفيضان مما يزيد تكلفة التوليد الكهربائي. هذه الظاهرة معروفة تماما حينما كانت الشبكة القومية تعتمد على سد الرصيرص، فتحدث القطوعات المستمرة في الفترة من يونيو الى سبتمبر.
· تكلفة فاقد المياه في بحيرات السدود، ويقدر الفاقد ب5 مليار متر مكعب سنويا، واذا اعتبرنا فرضا أن هذه المياه كانت ستستخدم لزراعة القمح، فانها تكفي لزراعة حوإلى 1,7 مليون فدان، تنتج أكثر من 3 مليون طن سعرها الاجمإلى 600 مليون دولار، واذا اعتبرنا تكلفة الانتاج 50%، يصبح صافي عائد المياه المفقودة 300 مليون دولار سنويا تضيع بسبب تبخر المياه من السدود.
· فاقد المياه لا ينحصر عند التكلفة المالية بل يتجاوزها الى مردود خطير جدا هو التأثير السلبي في علاقة السودان بدول حوض النيل، فبالنظر للحرب التفاوضية الساخنة التي تدور بين دول منابع حوض النيل من جهة والسودان ومصر من جهة أخري، نجد أن هذا الفاقد بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة بين الفريقين، لأن دول المنبع ستعتبره اهدارا غير منطقي لمواردها، وذلك يعطيها مبررا اضافيا لتزيد من صلابة موقفها التفاوضى والذي ينذر بنقص كبير في نصيب السودان من هذه المياه، والشهور القادمة حبلي بالكثير في هذه القضية المحورية.
· بالرغم من أن الطاقة المنتجة من السدود هي الأقل ضررا للبيئة، لكن الدراسات التي قامت بها [لامير] حاولت تجميل صورة السد فقللت كثيرا من كميات الغازات الضارة بالبيئة الناتجة من بحيرة السد، وهي محاولة منحازة وليست مبررة وتدل على انحياز الاستشارى حتى في الأمور الثانوية، لأن جملة الغازات الضارة بالبيئة التي تنبعث من السودان تعادل 0.3 طن، وهي أقل كثيرا جدا من المعدل العالمى، وبالتإلى فالسودان لا يزال لديه هامش كبير للمناورة في هذا المجال.
· دراسات ما قبل الجدوى التي قامت بها شركة سويكو الاستشارية السويدية عام 1983 درست ثلاثة بدائل لسد مروى، الأول هو اقامة سد واحد كبير، وهو المشابه للذي تم تنفيذه الآن، البديل الثاني هو اقامة سدين أقل حجما، والثالث هو اقامة ثلاثة سدود صغيرة بتخزين منخفض جدا على نمط ما يعرف بسدود جريان النهر، run of the river dams، وهي السدود التي تعمل على الاستفادة من الفارق الطبيعي في مناسيب النهر، وعلى وجود مرتفات جبلية تساعد على الحد من الانتشار الأفقي لبحيرة السد. وقد خلصت الدراسة الى أن الخيار الأخير هو الأفضل، يليه الثاني، أما الأول فهو غير مقبول على الاطلاق، وقد أمن خبراء البنك الدولى على ذلك واعتمدت وزارة الرى الدراسة. ويتميز البديل الثالث على الأول بلتالي:

o يوفر كميات المياه الكبيرة التى تفقد بواسطة التبخر في السدود الحالية، وذلك لعدم وجود بحيرة ضخمة.
o تجنب الآثار الكارثية المتمثلة في تهجير السكان، اغراق الأراضى، تدمير الآثار التاريخية.
o تجنب كل مشاكل الاطماء من ترسيب في بحيرة السد وهدام علي الشواطئ والمنشآت وفقدان للسماد الطبيعي.
o الاستفادة السريعة من رأس المال الابتدائي وذلك لقصر الفترة التي يتم فيها بناء السد مقارنة بالخيار الأول، وبالتإلى دخول الكهرباء المنتجة للشبكة خلال فترة وجيزة.
قبل 3 عقود بدأ عمل مشترك بين أثيوبيا والسودان، وبتمويل ودعم فني من الحكومة الفنلندية، يهدف هذا العمل الى التنسيق بين الدولتين لاقامة عدد من السدود الضخمة للتوليد الكهربائى في أثيوبيا، وتصدير الكهرباء عبر السودان مقابل أن يستهلك جزءا منها. توقف المشروع لأسباب سياسية، ولو قدر لهذا العمل الاستمرار لأسهم في التخفيف كثيرا من أزمة سدود الشمال.
الطاقة الانتاجة الحالية للكهرباء تتيح للمواطن السوداني 100 كيلوات ساعة سنويا من الطاقة الكهربائية، وهذه الكمية تكفي فقط لانارة لمبة صغيرة,40 شمعة، 6 ساعات في اليوم لمدة سنة. بعد اكتمال سدود الشمال سيرتفع الرقم الى 220 كيلوات ساعة في السنة، أى أن المواطن سيكون موعود بانارة لمبة أخرى.
الانتاج الحالى من الكهرباء يجعل الفرد في السودان من أكثر الناس في العالم افتقارا للطاقة الكهربائية، فمصر مثلا نصيب الفرد فيها يقدر ب (1,300)، ويرتفع ذلك في السعودية الى (6,600)، قطر (16,600,) ، وآيسلندا (28,000)، ويبلغ متوسط استهلاك الفرد في العالم (4,000) كيلو وات ساعة، أى 40 ضعف نصيب المواطن السوداني.
هذه الأرقام توضح بعد الهوة بين واقع انتاج الكهرباء في السودان والمتوسط العالمي، أو حتى الاقليمي، فلكي نماثل مصر نحتاج ل4 أمثال سدود الشمال مجتمعة، ولكي نصير مثل السعودية نحتاج الى سدود تساوى سدود الشمال مجتمعة 25 مرة، اما اذا تطلعنا الى المعدل القطرى فسوف نحتاج الى بناء سد في كل قرية ومزرعة في المساحة الممتدة من الخرطوم الى حلفا، وهذا غير ممكن علميا وعمليا وماديا.
من ناحية أخرى نجد أن نسبة الكهرباء المنتجة من سدود الشمال عند اكتمالها جميعا تساوى حوالى 20% من مجموع الطاقة الكهربائية المنتجة سنويا، سوف تتناقص هذه النسبة لأن التوليد من سدود الشمال ثابت على المدي القصير ومتناقص على المدي الطويل ليتلاشى بانتهاء العمر الافتراضي للسدود والمقدر ب50 سنة، بينما التوليد من البدائل الأخرى متزايد ولا تحده حدود. فاذا افترضنا أن السودان سوف يحقق متوسط الاستهلاك العالمي في الكهرباء وهو 4,000 كيلوات ساعة، كما تخطط الهيئة القومية للكهرباء في العام 2030، فسوف تساهم سدود الشمال بأقل من 5% من الكهرباء المنتجة. أى أن هذه السدود سوف تحقق انجازا مؤقتا تتلاشى أهميته مع الزمن، بينما تبقي آثاره التدميرية مدى الحياة.
في المقابل يمكن النظر الى المشروع الذي أكملته شركة بهارات الهندية مؤخرا بمدينة ربك بتمويل من الحكومة الهندية يبلغ 350 مليون دولار بسعة انتاجية 500 ميجا وات، والتأمل في هذا الخيار المتاح مع غيره من الخيارات الكثيرة التي مهما كانت آثارها السلبية، فهي لا تقارن مع سلبيات سدود الشمال.
بالرغم من كل ذلك، فمن ناحية مالية سوف تحقق الكهرباء المنتجة من السدود عائدا ماليا أكبر بكثير من منصرفاتها، وتساهم في توفير الطاقة الكهربائية. لكن كان من الممكن تجنب كل السلبيات التي حولت هذه المشاريع التنموية الى مشاريع تدمير، والذي يدعو للحسرة أن العمل كان يسير في الاتجاه الصحيح، حتى أمالته الأهواء السياسية.
الهدف الثاني للسدود هو توفير المياه لرى حوالى 230 ألف فدان، منها تقريبا 150,000 في مروي، 20,000 في كجبار، 30,000 في دال و30,000 في الشريك. وهو في نظري هدف لا مكان له في خانة الفوائد، اذ تقوم السدود باستصلاح هذه المساحات من الأراضي الصحراوية وتدمر أكثر من 30,000 فدان من الأاراضي النيلية، وهي بحساب القدرة الانتاجية والعائد المادي أفضل من الأراضي الجديدة، فالفدان النيلي يساوي، على أقل تقدير، عشرة أضعاف مثيله في الصحراء، ويمكن ايجاز الفارق الكمى بين الاثنين في الآتي:
o انتاجية الفدان على النيل أعلى بكثير، فالقمح مثلا انتاجه في الشمالية يزيد على 1.5 طن للفدان، بينما تنتج الجزيرة 0.5 طن، أما الأراضي الصحراوية فانتاجها أقل من ذلك.
o الأراضى النيلية تصلح لزراعة قائمة كبيرة جدا من النباتات، بينما الخيارات فيى أراضى الصحراء محدودة جدا.
o الأرض النيلية تستمد سمادها من الطمي الذي ينتشر عليها بهبة ربانية مع ماء النيل، بينما تحتاج الأراضي الصحراوية الى كميات كبيرة من الأسمدة تزيد كثيرا من تكلفة الانتاج.
o المنتجات النيليىة أعلى جودة وأكثر قيمة سوقية، بالاضافة الى انها منتجات عضوية يمكن أن تجد طريقها بسهولة للأسواق العالمية وبأسعار عالية جدا.
o الأراضي الصحراوية تستخدم مياه أكثر من الأراضي النيلية بسبب الفاقد الكبير في التسرب وفي الكميات التي يستهلكها النبات.
o الأراضي على النيل تزرع بكثافة 200%، بينما لا تصل في المشاريع الصحراوية الى 70%، أى أن الفدان في الشمالية يزرع مرتين في السنة، بينما لا يزرع سنويا الا نسبة 70% من الأراضي الصحراوية مرة واحدة في السنة وتترك البقية بورا.
o الأراضي النيلية تمتاز بانتشار أشجار النخيل والفواكه من أجود الأنواع وهي تشكل جزء أساسي من الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
o تكلفة رى الأراضي الصحراوية عالىة جدا مقارنة بالأراضي النيلية لأن المياه تنقل بالطلمبات لمسافات بعيدة وبفارق ضغط كبير.
لكل هذه الأسباب مجتمعة أرى أن استغلال سدود الشمال في الري غير مجد، وهو بمثابة استبدال ما هو أعلى بما هو أدنى، لذلك تم استبعاد خيار الري من الدراسات الأولية، لكن عاد الخيار مرة أخرى بضغوط سياسية. ولو قدر لتكلفة هذه المشاريع الجديدة أن تذهب في وجهتها الصحيحة نحو حل مشاكل الري والزراعة بالشمالية لساهمت حقيقة في اسعاد مواطني المنطقى ودعم الاقتصاد السوداني
.

Post: #12
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-09-2010, 09:58 PM
Parent: #11

مياه النيل، السدود والانفصال (8): سلبيات سدود الشمال في الميزان
بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
السدود كغيرها من منشآت البنية التحتية لها آثارها السلبية التي تتفاوت في حدتها واتساع تأثيرها، من هذه الآثار السلبية ما هو كامن في طبيعة السدود كمنشآت ضخمة تجثم بصدورها على الأنهار فتحدث بالضرورة تغييرات في المنظومة الطبيعية للأنهار والمناطق المحيطة بها. ومنها ما ينتج بسبب السياسات الخاطئة التي تهدف لتحقيق اقصى ربح وتتجاهل كثير من عناصر نجاح المشروع لتتحول الى فواتير مؤجلة يتم دفع فواتيرها في صمت وتجاهل بواسطة مواطني المنطقة والوطن عامة.
هذه السلبيات يمكن تصنيفها من ناحية القيمة المادية الى عدة فئات، فمن الآثار السالبة ما يمكن تقدير قيمتها المادية بسهولة وبالتإلى التعامل معها مباشرة بحساب الربح والخسارة، مثال لذلك فاقد التبخر، ومنها ما يحتاج الى مجهود علمي ودراسات مطولة قبل البدء في تقدير المقابل المادي لها، مثل التغيرات التي تحدث في طبيعة النهر وما يصحبها من هدام وتفاوت في المناسيب. هنالك فئة ثالثة لا يمكن تقدير قيمتها المادية، وبالتإلى يجب أن توضع أسس وموجهات عامة للتعامل معها حسب قيمتها التاريخية والثقافية والروحية، ومن غير وجود مثل هذه الأسس والموجهات فسوف يكون هذا التراث عرضة للضياع والتدمير عمدا أو جهلا.
ذكرت هذه التفاصيل لأوضح أن سلبيات السدود بخلاف فوائدها، في كثير من الأحيان لا تقفز على السطح بمجرد تشغيل السدود، بل تمكث في الخفاء وتظل باستمرار تنخر في وظائف السدود وتحيلها إلى مشاريع فاشلة. أى أن السدود قد تبدو في عنفوان شبابها وصحتها بينما الورم السرطاني الكامن فيها يهدد حياتها في صمت ومثابرة .
كل هذه السلبيات، ما ظهر منها وما بطن، لا بد من تقييمها وتقدير آثارها قبل الاقدام على تنفيذ السدود، ويجب أن تأخذ طريقها الى دراسات الجدوى في خانة تكاليف انشاء السد لتتم مقارنتها مع الفوائد وادراجها ضمن التحليلات المالية والاقتصادية للمشروع حتى تعكس هذه الدراسات الصورة الحقيقية، ويتملك الناس الحقائق كاملة قبل أن يقولوا كلمتهم مع أو ضد السدود. لكن مشاريع سدود الشمال أغفلت بعض هذه السلبيات تماما، وقللت من شأن البعض الآخر، وهي في الحالين لم تبذل الجهد العلمي الصادق ولم توف أمانة المسؤولية حقها في ابراز هذه السلبيات ومعالجتها كما ينبغى في مثل هذه المشاريع الضخمة، وسوف أتناول فيما يلي بشئ من التحليل هذه السلبيات:
Öاغراق الأراضي وتهجير السكان:
سدود الشمال سوف تغرق معظم الأراضي السكنية والزراعية في المنطقة من حلفا وحتى بربر، وسوف تترك جزرا سكانية متقطعة على طول النيل في مسافة تمتد مئات الكيلومترات. سيتم تهجير مئات القرى في مناطق المناصير والدناقلة والسكوت والمحس من قراهم النيلية التى سكنوها على مدى آلاف السنين الى قرى في قلب الصحراء¸و ستلتحم المناطق المهجرة حديثا مع حلفا المهجرة قديما بلا فواصل.
أثبتت التجربة العالمية للسدود، كما أكدت التجارب السودانية كلها أن الحكومات لا تفي بمسؤولياتها تجاه السكان المهجرين. بدأت التجربة السودانية بسد جبل الأولياء عام 1921، بالرغم من أن السودان لا حاجة له لهذا السد، فقد بنته واستفادت منه مصر، ولم تراعي أى شئ خلاف مصلحتها المباشرة، فعاني السودان عامة وسكان منطقة النيل الأبيض خاصة من هذا السد في كل أحواله، ولا تزال المعاناة مستمرة بالرغم من مضي أربعون عاما على استغناء مصر عنه ، وما زال السودان وسيظل طويلا يدفع في فواتير سلبيات هذا السد. سكان المنطقة لم تنصفهم الحكومة الاستعمارية ولا الحكومة المصرية التي شيدت السد، ولم يجد السكان تعويضا مناسبا ولا اهتماما بأوضاعهم، ولا زالت مشاريعهم وطلمباتهم وبيئتهم تعاني ولا تجد أدني اهتمام. ولو توقف ذو الألباب لحظات لأخذ العبر من هذا السد مبكرا لتفادينا كثير من السلبيات اللاحقة.
تكررت التجربة في مأساة وادي حلفا بعد بناء السد العالي، فبالرغم من أن تقديرات تعويض وتهجير أهالى حلفا كانت 50 مليون جنيها، الا أن الحكومة المصرية قد أصرت على دفع 10 مليون فقط، ارتفعت ل15 مليون بعد تدخل الرئيس عبود ومناشدته للرئيس المصرى، مؤكدة أن قيمة حلفا لا تزيد على ذلك !!!! وحتى هذا المبلغ ضاع جزء كبير منه في التعاملات بين البلدين.
حقيقة خاب ظن الشاعر الذى قال أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا، فأى هوان أكثر من أن تقرر مصر اغراق حلفا دون مشورة السودان وأهإلى حلفا، وتقرر قيمة التعويض بما يساوي خمس التقديرات الحقيقية، وحتي هذه لا تشمل أهم بند وهو الآثار التاريخية، وتصر علي ذلك المبلغ ولا تتراجع، وتظل الوفود السودانية تسافر الى القاهرة تستجدي زيادة المبلغ الى عشرين مليون....و أخيرا يتدخل الرئيس المصرى شخصيا وبمكرمة منه يرفع المبلغ ل15 مليون !!!!! كيف يكون الهوان اذن؟؟؟؟؟؟؟؟
نتيجة للتعويض المجحف تنكرت الحكومة لمعظم التزاماتها لأهإلى حلفا وتركتهم بشقيهم المهاجر والمتمسك بأرضه يواجهون اقسي الظروف، بل قطعت كل الخدمات الحيوية عن وادي حلفا وتركت السكان يهيمون في الصحارى والجبال لسنوات طويلة قبل أن يستقر بهم الحال في أعلى الجبال لينشؤوا بعزيمة وقوة من غير دعم حكومى أو دعوة لمنظمات اغاثة أو غيرها، أنشأوا في صمت وتميز حضارى مدينة تتفوق في تخطيطها وعمرانها على معظم المدن السودانية ذات الكثافة السكانية المشابهة، لكن استمرت الحكومة في حربها على السكان وذلك ما سوف أفصله في المقالات الخاصة بمأساة وادي حلفا.
تواصل التنكر الحكومي عند بناء سد مروى، فالحكومة لم تضع ميزانية كافية لتهجير السكان، وبينما سكان المنطقة يعانون في الصحراء، يصرح رئيس وحدة السدود بأن الوحدة لا تملك ميزانية للتهجير، فهى التي تملك أكبر ميزانية في السودان، بعد الأمن، وتوفر الأموال بالملايين للدعاية والزيارات السياحية ولأنشاء مشاريع لا علاقة لها بالسد، تفشل في توفير مبلغ لا يمثل قطرة في محيط ميزانية الوحدة، تصرفه لتوفر للسكان المهجرين حياة كريمة، بل تعدى الأمر ذلك فهاجمت الحكومة أهالى المنطقة وقتلت وجرحت واعتقلت المئات.
لقد أثبتت كل التجارب، العالمية والمحلية، أن السكان المحليين هم ضحايا بناء السدود، وأنهم يدفعون ثمنا غاليا ليستفيد الآخرين. وهذا ماسوف يتكرر في كل سدود الشمال لأن وحدة السدود تصر على اجترار الأخطاء، فهي لا زالت لا تحترم مواطني المنطقي ولا تتعامل معهم بشفافية ولا تملكهم المعلومات، ولم تشركهم في أى مرحلة من مراحل المشروع، ولذلك فهي تسير في نفس الطريق الذي خلق المعاناة في السدود السابقة، والذي ينذر بمعاناة أكبر.
Ö القضاء على ثقافة شعب:
لم يحدث في تاريخ العالم أن تم تهجير شعب بكامله واغراق كل أراضيه التي تمتد مئات الكيلومترات في ما هو أشبه بحرب الابادة الثقافية، بل هو حقيقة لا يمن تفسيره الا في هذا الاطار. يحدث هذا من 50 عاما خلت ولايزال للشعب النوبي، وهو شعب عريق له جذور ضاربة في عمق النيل، وله ثقافة متميزة تعبر عنها لغة من أقدم لغات العالم، وفن أصيل تغني به كل السودانيين وهم لا يتبينون طلاسمه " اك أى جل اكا مشكا"، وعادات ساهمت في بناء ثقافة المجتمع السوداني وتجذرت فيه فمارسها السوداني وهو لا يدرى انه يمارس طقوس نوبية موغلة في القدم، والنماذج في ذلك كثر .
الشعب النوبي تميز بالذكاء الفطرى والسلوك الحضارى الذي يسئ البعض تفسيره بالجبن ويغفل عن كونهم رماة أحداق ومحاربين أشداء كانوا أسود جبهة الشمال منذ الفراعنة، مرورا بالهكسوس وعبد الله بن السرح وبوقفتهم ضد حكومة عبود العسكرية وتنظيمهم لأول مظاهرات شعبية اجتاحت أرجاء الوطن وهزت أركان الحكم العسكري وكسرت هيبته، لقد وصلت بهم الشجاعة الى حد اعتقال حصار الوفد الوزاري بما فيهم أعضاء المجلس العسكري داخل الفندق عند زيارتهم لحلفا عام 1960 في أول وأكبر تحدي شعبي للحكومة العسكرية، وتم اطلاق سراحهم تهريب العسكر متخفين بعد وساطة داود عبداللطيف ليعادروا في اليوم التإلى في جنح الظلام، وقد كانت مقاوتهم لحكومة عبود بمثابة الوثبة التي كسرت شوكة العسكر ومهدت لثورة اكتوبر. ولازال صمودهم يتوإلى في ملحمة دال وكجبار التي لم تكتمل فصولها الدامية بعد.
الانسان النوبي عرفه السودان بصفاته المتفردة، وهي نتاج هذه الحضارة والثقافة، من هذه الصفات التي انفرد بها قدرته على الجمع بين الشئ وضده في تناغم مستحيل، فهو صاحب الطرفة والابتسامة، وهو الصارم الذي لا يسكت عن قول الحق ولا يخشي فيه لومة لائم. والنوبي هو ذلك البسيط الذى يفترش الأرض ، وهو الممتلئ عزة وفخار لا يملأ عينه الا التراب، لكل مقام مقال ولكل حادثة حديث. فماهي قيمة الكهرباء المتولدة من هذه السدود، وما قيمة أى مشروع آخر اذا ما قورن بما يدفعه أهل المنطقة من ثمن نتج عنه كسر شموخ وعزة هذا المواطن العزيز المسالم، والقضاء الكامل على ثقافته العريقة المتميزة، وتشريده بين القبائل، ليتحول إلى غريب مكسور الجناح تتناوشه سهام أصحاب الأرض التي هاجر اليها.
Ö تدمير الحضارات التاريخية:
كل شعوب العالم تقدر الحضارات القديمة وتتعامل مع الآثار التاريخية بكثير من الاحترام والتقديس، وبلاد الحضارات القديمة تفتخر بحضاراتها وتعتبرها من أكبر الثروات القومية عندها، فمتى ذكرت مصر قفزت للذهن الاهرامات وأبو الهول ورمسيس وآمون، واليونان ارتبطت في الأذهان بامبراطوريتها القديمة وأباطرتها العظام وحكمائها وآلهتها، الاسكندر وديجون وسقراط وباخوس وفيرودت، ولا أحد في ايطاليا يتخيل دولته من غير آثار الامبراطورية الرومانية بمسارحها ومعابدها وقصورها ومدنها وقياصرتها ونيرون ويوليوس ومايكل أنجلو وميكافيللي ، وايطاليا تدفع مئات الملايين من الدولارات من أجل هدف بسيط جدا وهو الحفاظ على ميلان برج بيزا، ومثلها لكي لا تغرق البندقية. هذا هو الحال في كل بلاد الحضارات القديمة مثل الصين والهند والعراق وسوريا والمكسيك، تجد كل هذه البلاد تهتم بحضاراتها القديمة وتفتخر بها وتبذل الجهد والمال والوقت لحمايتها والمحافظة عليها مهما تطلب ذلك.
نحن في السودان حبانا الله بواحدة من أقدم وأعظم الحضارات، بل هي في رأى كثير من الباحثين أم الحضارات، ويؤكد كثير من العلماء أن حضارة النوبة سبقت الحضارة المصرية وكانت هى الأصل الذي انطلقت منه تلك الحضارة، بل أن كثير من ملوكها من أصل نوبي، وظلت الممالك النوبية تتفاعل مع جارتها المصرية على مدى آلاف السنين، وتتفوق عليها في كثير من الآحيان. لكن الآن شتان ما بين الحضارتين، فالحضارة المصرية على كل لسان، ينظر اليها العالم بتقدير واعجاب وينعم عليها بلقب أم الدنيا، بينما الأم الحقيقية للحضارة تتعرض للاغتيال البدني والمعنوي من قبل أبنائها، وقد بلغ الجحود بهم أنهم صموا آذانهم عن صرخات الغرباء الذين هبوا من كل صوب لانقاذ أم الدنيا، وواصلوا عملية الاغتيال التي استمرت لأكثر من خمسين عاما ولا زالت في اصرار غريب على محو كل أثر لهذه الحضارة. انها جريمة كبرى لا يمكن أن تخفيها انجازات وقتية، فمنشآت السدود التي لن تعمر أكثر من خمسين عاما ستمحو الى الأبد حضارة سبعة آلاف عام، فأى منطق يمكن أن يسمى هذا انجازا؟؟
Ö فاقد التبخر:
كما أشرت في المقالات السابقة فان من السلبيات الأساسية لهذه السدود فاقد التبخر، والذي يصل في مجمله من السدود الأربعة ما يزيد على 5 مليار متر مكعب سنويا. هذه الكمية من المياه يمكن تقييم قيمتها المادية بحوالى 300 مليون دولار سنويا ولكن ذلك يمثل الجانب الأصغر من المشكلة، أما الجانب الأهم فهو أن فاقد المياه هذا لا يمكن تعويضه، كما انه يشكل طعنة في خاصرة المفاوض السوداني الذي يجد صعوبة كبيرة في رفض طلب دول حوض النيل بالحصول على حصة من مياه النيل، فاذا كانت المياه لا تشكل أهمية بالغة للسودان بدليل أنه يعرض 5 مليار متر مكعب سنويا للتبخر من غير مبررات قوية، فدول منابع النيل أولي بهذه المياه والتي تحتاجها ولا تجد اليها سبيلا.
ربما لا يشعر الناس حاليا بحجم المشكلة لأسباب عديدة منها أن السدود لم تكتمل، ولأن السودان لم يستغل كامل حصته من مياه النيل، ولأن المفاوضات مع دول حوض النيل لم تصل نهايتها والتي ستنتهي حتما بتخفيض حصة السودان من مياه النيل. لكن الأحداث تتسارع بشدة نحو أزمة حقيقية، فالرئيس السوداني لا يزال يصرح بأنهم ماضون في بناء السدود رغم أنف المعارضين، والسودان يفتح أبوابه للمستثمرين في مجال الزراعة المروية ويوزع اراضيه بسخاء غير عادي على كل الجنسيات، وبشروط استثمار متساهلة جدا تجعل كثير من الأجانب يسعون لنيل عائدات الاستثمار في السودان بالرغم من المخاطر الكبيرة. كما أن دول حوض النيل تزيد كل يوم في اصرارها على نيل حصتها وحقها المشروع في مياه النيل، وبذلك فان الأزمة تطبق علينا من جميع الجهات ونحن عنها شاغلون.
بالاضافة لهذه السلبيات، هنالك ما فصلته في المقالات السابقة ويتمثل في:

o فقدان الطمى
o تغير مناسيب النهر
o تغير مجرى النهر والهدام
o الغازات الضارة بالبيئة وصلاحية المياه
هذه السلبيات مجتمعة ولاشك تفوق بحجمها الفوائد المرجوة من السدود، ولكن الاعلام الحكومى أخفي هذه العيوب باستخدام كل أدوات التجميل والمساحيق، وضخم من حجم الفوائد وبالغ في الاحتفاء بها وارسال الوفود الرسمية والشعبية واصدار الدوريات والملصقات فصار الناس ينظروا للسدود فلا يروا الا ما تريد لهم الحكومة أن يرونه. وكما أسلفت فان الحكومة لم تبذل حتى أقل الجهد في دراسة وتقييم السلبيات حتى يتسني لها وضعها في ميزان واحد مع الفوائد، فمن غير الممكن مثلا وضع 100 ميقاوات في كفة وتغير مجرى النهر وظاهرة الهدام في كفة أخرى لأن أى معادلة لا تصح الا بتساوي وحدات قياس الطرفين. كما أنها لم تحاول وضع منهج لقياس السلبيات التي لا توجد لها قيمة مالية مباشرة مثل التدمير الثقافي والحضارى والبيئي، ولم تتضمن الدراسات والتحليلات المالية صورة كاملة وعلمية لحجم السلبيات، فطففت في الكيل اذ صارت تستوفى في كيل الفوائد وتخسر في كيل السلبيات.
لكل ما ورد في هذا المقال والمقالات السابقة لا بد أن يتساءل المرء، اذا كانت هذه السدود بهذا الحجم من السوء، وتكلف خزينة الدولة مليارت الدولارات جلها ديون ستتراكم مع فوائدها كأعباء على أجيال لم تر النور بعد، لماذا اذن الاصرار على اقامتها رغم الدماء الطاهرة التي سالت رفضا لها، لماذ تتجاوز الحكومة قوانينها وتحول كل المسؤوليات والسلطات من الوزارات المركزية الى وحدة السدود، لماذا مزقت الحكومة الخطة الشاملة لادارة الموارد المائية ارضاء لعيون وحدة السدود، لماذا جعلت الوحدة فوق المساءلة المالية والادارية والرقابة البرلمانية وتبعتها لرئيس الجمهورية؟؟؟؟؟؟؟؟ (هذا ما سوف أناقشه في الحلقة القادمة).

Post: #13
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-10-2010, 09:05 PM
Parent: #12

مياه النيل، السدود والانفصال (9) : سدود الشمال لماذا؟؟؟


بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
تقييم الاحتمالات الخمس
سدود الشمال ستكلف الدولة أموالا طائلة، وسوف تدمر مناطق عزيزة من الوطن وتترك آثارا عميقة على المواطنين والبيئة، فلماذ اذا الاصرار على قيام هذه السدود؟ في ظل الانعدام التام للشفافية، وتغييب المعلومات
وتوجيهها لا توجد اجابة رسمية يمكن الركون اليها، لذلك لا بد من الغوص في أعماق هذه المشاريع وتحليل وتقيييم كل احتمال يمكن أن يشكل تبريرا لبناء هذه السدود.
في رأيى أن هنالك 5 احتمالات قابلة لأن تكون مبررات لقيام هذه السدود، أولها أن تكون لها فوائد عظيمة تتفوق علي سلبياتـها، الاحتمال الثاني أنـها تساهم بقوة في تحقيق الأمن المائي في ظل المهددات الخطيرة التي تواجه السودان، الاحتمال الثالث هو ما يتردد لدى الكثيرين بأن السودان يقوم بتشييد هذه السدود بالوكالة عن مصر وبضغط منها لانقاذ السد العالي، الاحتمال الرابع هو أن الحكومة تسعي لخدمة توجهها السياسي والفكري وتسعي لتعليب السودان في وعاء الثقافة العربية الاسلامية ونفي أى توجه خلاف ذلك بتدمير الحضارة والثقافة النوبية، الاحتمال الخامس والأخير هو أن هذه السدود تقوم بدافع تحقيق مصالح خاصة فردية وحزبية.
بالنسبة للاحتمال الأول فقد أوضحت رأيى في المقالات الخاصة بجدوى، فوائد وسلبيات السدود، وأوضحت أن هذه السدود تأتي بفوائد مادية في مجال توليد الكهرباء لكنـها فوائد وقتية تتلاشى أهميتها مع الزمن لتنخفض نسبة مساهمتها في التوليد الكهربائي في السودان في خلال عقدين الى أقل من 5%، بينما تتولد 95% من الكهرباء من مصادر غير مائية، وحتى هذه النسبة الضئيلة سوف تتلاشى نهائيا عند انتهاء العمر الافتراضي للسدود والمقدر ب50 عاما.
مقابل هذا التوليد الكهربائي المتناقص تتعرض معظم مناطق شمال السودان من ملتقي نـهر عطبرة وحتى الحدود المصرية للتدمير والتهجير، ويتم تـهجير شعب كامل وتدمير كل أثر للحضارة النوبية التي تعتبر من أقدم وأرقى الحضارات الانسانية، كما أن البلاد ستفقد كميات ضخمة من ثروتـها المائية نتيجة للتبخر، مما يؤجج الصراع مع بقية دول حوض النيل ويقوى من فرص تخفيض حصة السودان.
هذه السدود لا يمكن أبدا اعتبارها مشاريع تنمية قومية، لأن المشاريع القومية لتنمية الموارد المائية يتم اختيارها وفق لدراسات متكاملة ومتناسقة مع الخطة الشاملة للموارد المائية، فإذا ما ثبت جدواها وتفوقها علي غيرها من مشاريع هذا القطاع تدخل مرحلة أخرى من المنافسة مع مشاريع القطاعات الأخرى من طرق وصحة وتعليم وأمن وغيرها.
بالنظر لقطاع الموارد المائية نجد أن هنالك الكثير من المشاريع التي تتفوق على سدود الشمال من حيث الجدوى والأهمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي مشاريع ايجابية لا تتسبب في دمار حضارى أو ثقافي أو اجتماعي أو بيئي، من هذه المشاريع زيادة الكثافة الزراعية لمشروع الجزيرة واعادة تأهيله، سد ستيت ومشروع أعالى عطبرة وتأهيل مشروع حلفا الجديدة، تحديث وتأهيل مشاريع النيل البيض والنيل الأزرق والشمالية، مشروع كنانة الكبري وامتداد الرهد. وحتى هذه المشاريع تتنافس مع مشاريع القطاعات الأخري والتي تنمي هذه القطاع مثل الصناعات والمشاريع الخدمية والتي يفتقدها المواطن تماما حيث تتردى الخدمات الصحية وتنتشر الأمراض الوبائية ولا يجد المواطن علاج أبسط الأمراض وتتلوث البيئة فينتشر الذباب والبعوض وتفقد المدارس معظم مقوماتها من مباني وأثاثات ومعامل وكتب وتتأخر رواتب المعلمين بالشهور، هنالك الصناعات المتعطلة منذ سنوات وأهمها صناعة النسيج رائدة الصناعات التي شيعت الى مثواها، وهنالك خدمات الصرف الصحي المتدنية وتلوث مياه الشرب بالعاصمة وانتشار الأمراض الناتجة عن تلوث المياه في كل مدن وقري السودان لتصبح المياه الملوثة القاتل الأول متقدمة في ذلك على الحروب الأهلية، هنالك الانتشار المخيف للأمراض الخطيرة مثل السرطانات والفشل الكلوى والايدز وأمراض القلب، فما من بيت سوداني لا يعاني فرد منه من هذه الأمراض، هنالك العطالة التي طالت معظم شبابنا وحولت أصحاب المؤهلات الى "أمة الأمجاد" حسب تسمية د. حيدر أبراهيم. هنالك الجامعات التي تفتقر الى أبسط المتطلبات حتي صارت أقل امكانيات من المدارس الثانوية... القائمة كثيرة وكلها تتنافس على كل جنيه وكل دولار وتشكل منظومة متكاملة تعمل كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلا بد من خطط علمية سليمة لتوزيع الميزانيات المحدودة بتوازن وحكمة على هذه القطاعات والمشاريع لتحقيق أقصي فائدة للوطن والمواطن.
الدول المتقدمة يقاس تقدمها بتكامل وكفاءة ومقدرة كل مواطن على الحصول على خدماتها من صحة ومياه شرب نقية وتعليم وكهرباء ومواصلات ومسكن، أما مشاريع التنمية فلا تعدو أن تكون وسائل لتحقيق هذه الأهداف، وليست هي هدفا في ذاتها. فلا معنى لبناء عشرة سدود وأطفال المدارس يجلسون على الأرض والملاريا تفتك بأجسادهم.
مشاريع السدود تجاوزت كل نظم ومناهج وسياسات الدولة وكل منطق سليم، فلو أنها مشاريع مجدية وداعمة للاقتصاد لما احتاجت الحكومة لكل هذه التجاوزات والتخطيات وتغييب المعلومات، ولما قتلت وسجنت وشردت وتجاهلت مواطني المنطقة، لذلك ففرضية أن هذه السدود يتم تشييدها خدمة للاقتصاد السودانى وتحقيقا للمصلحة العامة هي فرضية لا يسندها منطق وبذلك يتم اسبعادها من قائمة الاحتمالات.
الاحتمال الثاني هو أن هذه السدود تساهم في تعزيز الأمن المائي، وهو مطلب عزيز تهون أمامه كل الصعاب، فأيامنا القادمة حبلي بصراع سوف يعبث بكل الأوراق المائية ويتجاوز كل المقدسات والخطوط الحمراء السابقة، وما أحوجنا لكل ما يثبت من عزمنا لمواجهة ذلك. لكن الواقع أن سدود الشمال ستشارك في توجيه الضربات الموجعة للأمن المائي، فهي تقضى على ما تبقي لنا من نصيب في مياه النيل وتتجاوز ذلك بأكثر من مليارين، كما أنها تمثل وثيقة ادانة دامغة ضد السودان تتهمه بسوء استغلال الموارد المائية المشتركة لدول حوض النيل، وتعطى مبررات قوية لهذه الدول للمضي لنهاية مطاف مطالبتها بتقسيم عادل للمياه وخفض نصيب السودان ومصر، وهذا حديث لا أمل تكراره لأنه يشكل خطر كبير لا على مستقبل الأجيال القادمة فحسب بل على حاضرنا، وما تم في اجتماعات شرم الشيخ لدول حوض النيل الأسبوع الماضي، واصرار دول منابع النيل على توقيع اتفاق يلغي كل اتفاق سابق هو الانذار الأخير للسودان والفرصة الأخيرة لاعادة كثير من الحسابات والمواقف، ولا يتأتي ذلك الا من خلال اعادة صياغة كاملة لسياسات ادارة الموارد المائية واحداث تغيير جذرى في الموقف التفاوضي.
لهذه الأسباب أستبعد تماما أن تكون سدود الشمال وسيلة لتعزيز الأمن المائي، فهى بعكس ذلك تزعزع الأمن المائي في وقت نحن أحوج فيه لركائز اضافية تدعم موقفنا المهزوز وتخرجنا من دور الكمبارس للبطل المصرى.

الاحتمال الثالث هو ما يتردد كثيرا من أن ضغوط مصرية تقف وراء مشاريع السدود بغرض انقاذ السد العإلى وتدارك آثاره السالبة. لتقييم هذا الاحتمال لا بد من الاجابة على سؤال محورى هو هل تستفيد مصر فعلا من بناء هذه السدود؟
الاجابة تتطلب بدءا توضيح حقيقة هامة وهي الفرق بين السد العإلى وسدود الشمال، فالسد العالى هو سد تخزين قرني، بينما سدود الشمال هى سدود تخزين موسمي. معني ذلك أن السد العإلى يـهدف لحماية مصر من سنوات الجفاف التي يقل فيها ايراد النيل عن المعدل السنوى الذى يقدر ب 84 مليار متر مكعب، ويتأرجح الايراد فيزيد في بعض السنوات ليتجاوز 100 مليار، وينخفض في أخرى الى ما دون ال 50 مليارا، ويقوم السد العإلى بخلق الموازنة بين الايراد المتذبذب والاستهلاك الثابت عن طريق تخزين الكميات الزائدة عن الحاجة في السنوات التي يجود فيها النيل بأكثر من المعدل واستمرار التخزين سنويا حتي تمتلئ بحيرة السد، ويخلق هذا المخزون الكبير رصيدا للحماية من الجفاف وتعويض أى نقص قد يتسبب في خفض الانتاج.
لقد قام السد العإلى عمليا بحماية مصر لفترة امتدت لأكثر من 5 سنوات في ما بين عامي 1978 و1983 وهي فترة الجفاف والتصحر المعروفة والتي أثرت على كل دول حوض النيل وانتشرت فيها المجاعة علي نطاق واسع بما في ذلك أجزاء كبيرة من السودان، في هذه السنوات العجاف كانت مصر تتمتع بحماية كاملة وتسحب من رصيدها الكبير في السد العالي.
سدود الشمال تختلف نوعيا اذ أن موازنتها موسمية تنتهي بانتهاء العام ويتم تفريغ الخزان تماما عند نهاية الموسم ليبدأ التخزين في العام الجديد من نقطة الصفر. وهي كسدود موسمية لا يمكن أن توفر دعما للسد العإلى لأنه قرني لا يتأثر بتوزيع المياه على مدار السنة وانما بالكمية الاجمالية للمياه الواردة، وسدود الشمال يمكنها التحكم في المياه خلال نفس العام لكنها لا يمكنها أن تغير من الكمية الاجمالية التي تنطلق منها إلى مصر. ولذلك فان مصر وحسب اتفاقية مياه النيل لا تهتم كثيرا للتوزيع الزمني للمياه الواردة اليها من السودان، بل تتطلب فقط أن يصلها نصيبها السنوي كاملا، وللسودان حرية استخدام نصيبه من المياه في أى وقت خلال السنة.
مصر لا تحتاج الى سدود في شمال السودان وانما تحتاج لتخزين قرني آخر شبيه بالسد العإلى لكن في منطقة أكثر اعتدالا حتي تتفادي فاقد التبخر، وهذا الحل لا يتوفر داخل السودان وانما في الهضبة الأثيوبية، لذلك نجد أن الحكومة المصرية ، وحتى قبل بناء السد العالي، فكرت في بناء سدود للتخزين القرني في أثيوبيا، لكنها تراجعت بسبب المخاطر الأمنية والسياسية. حاليا الأمن المائي المصري أصبح هاجسا في مصر أكثر من أى وقت مضي، لذلك عاد التفكير مجددا في السد الأثيوبي فكل الخيارات صارت مرة، وهذا الخيار يبدو الأقل مرارة.
بالاضافة للسعة التخزينية فالشكوك أيضا تراود الكثيرين بخصوص دور مفترض لسدود الشمال في انقاذ السد العإلى من تراكم الطمي، وهو أيضا افتراض غير صحيح لعدة أسباب أولها أن تصميم السد العإلى يحتوي على 35 مليار متر مكعب من التخزين الميت، وهو الجزء السفلي من بحيرة السد والذي يتم تخصيصه لمقابلة عمليات تراكم الطمي، وهو مصمم بحيث لا تتأثر عمليات السد ما دام مستوى الاطماء دون مستوي التخزين الميت، وهذا ما سوف يكون عليه الحال خلال 300 عام قادمة، بعدها يبدأ الطمي في الصعود فوق مستوى التخزين الحي ويبدأ تأثيره التدريجي في وظائف السد من توليد كهربائي وحماية من الجفاف وتوفير مياه الرى، لكن هذا التأثير التدريجي بطئ جدا ويستمر حتى يتوقف السد نـهائيا عن العمل بعد 1,000 عام هي العمر الافتراضي له. في المقابل العمر الافتراضي لسدود الشمال هو 50 عاما، ويحتوى سد مروي مثلا على 2,5 مليار م.م. تخزين ميت مقارنة ب35 للسد العإلى مما يعني أن السد العإلى سيكون في عنفوان الصبا حين تشيخ سدود الشمال وتحال للمعاش.
السبب الثاني لعدم قبول تبرير الاطماء هذا هو أن سدود الشمال تختلف نوعيا كما أسلفت عن السد العالي، وبحكم أنها موسمية وصغيرة نسبيا فهي تقوم بتمرير ما لا يقل عن 70% من كميات الطمي الواردة اليـها وذلك بفتح بوابات المفيض كاملة عند بداية موسم الفيضان وحتى بداية انحسار النيل، لذلك فهذه السدود يتراكم فيها سنويا حوإلى 30% فقط من الطمي بينما تواصل 70% طريقها أسفل النهر الى مصر، ولا يمكن لهذه السدود أن تحجز كميات أكبر من الطمي لأن ذلك سوف يؤثر على عمرها الافتراضي وتشغيلها بصورة خطيرة.

فى الواقع لا يشكل تراكم الطمى في السد العإلى مشكلة كبيرة للسد، بل أن المشكلة الحقيقية هى أن هذا التراكم يحرم النهر أسفل السد من الطمى، ويتسبب ذلك في عدد من المشاكل الخطيرة مثل التأثير السلبي على خصوبة الأرض، وتنشيط عمليات النحر والهدام وتآكل المنشآت النيلية، والمشكلة الأكثر خطورة والتي تؤرق المصريين حقيقة هى مشكلة تراجع الدلتا، ويعتبر تناقص الطمى واحد من أهم أسباب هذه المشكلة والتي تهدد بغرق أجزاء من الدلتا والتي تعتبر مركز الثقل السكاني والاقتصادي لمصر. لذلك فمصر لا تسعي لخفض كميات الطمي الوارد اليها بقدر ما تسعى لتحويل هذه الكميات لتصب مباشرة في النيل أسفل النهر متخطية مصيدة الطمي في السد العالي، وهذا واحد من المشاريع المتداولة في الأوساط المصرية التي تقترح حفر مجرى موازى للنيل في شمال السودان لتحويل جزء من نصيب مصر من المياه مباشرة الى شمال أسوان وبذلك تعود للنيل طبيعته التي افتقدها خلال فترة تشغيل السد العالي.
أعود مرة أخرى للسؤال عن مدي استفادة مصر من سدود الشمال وأعيد صياغة السؤال كالآتي: هل تتضرر مصر من اقامة هذه السدود، والاجابة قطعا تتضرر. السبب في ذلك هو أن السودان سيفقد من خلال هذه السدود 5 مليار متر مكعب، وسوف يؤثر ذلك على مصر من عدة جهات، أولا مصر كانت تستفيد من المياه التي تفيض من نصيب السودان والآن ستفقد هذه الميزة ولا تستطيع الاحتجاج على ذلك لأن هذه المياه ليست من نصيبها.
ثانيا السودان بعد بناء هذه السدود سوف يتجاوز نصيبه في مياه النيل، وسوف تكون كل الخيارات أمامه صعبة فهل يوقف السودان بعض مشاريعه الزراعية كمشروع الرهد مثلا أم يبدأ التفكير في التنصل عن اتفاقية مياه النيل، ولا شك أن الخيار الثاني سيكون الأرجح وان طال الزمن، ومصر تسعى لتجنب المشاكل مع السودان ليدعمها السودان في معركتها مع دول منابع النيل، ولكن هذه السدود ستضطر السودان لتغيير موقفه والتفكير بجدية لتجاوز اتفاقية مياه النيل، ولو أراد السودان التحايل على الاتفاقية لما أعيته الحيلة، فهنالك أكثر من ثغرة يمكن من خلالها العبور الى الجانب الآخر من الاتفاقية وهذا ما يقلق مصر.
ثالثا مصر والسودان بحكم اتفاقية مياه النيل يشكلان موقفا تفاوضيا مشتركا في صراعهم مع بقية دول حوض النيل، واهدار مياه النيل بـهذه الكيفية سيضعف كثيرا من القوة التفاوضية ويشكل نقطة ضعف يمكن أن تنفذ من خلالها هذه الدول لتنال نصيبا من مياه النيل.
الخلاصة أن مصر لا يمكن أن تمثل القوة الخفية التي تدفع الحكومة السودانية لركوب الصعب وتنفيذ هذه السدود، فهي بكل المقاييس ضد مصلحة مصر وتشكل مصدر قلق كبير لها.
الاحتمال الرابع هو أن الحكومة في سعيـها لخدمة توجهها السياسي والفكري تسعي لتعليب السودان في وعاء الثقافة العربية الاسلامية ونفي أى توجه خلاف ذلك، والحضارة النوبية بلا شك هي العمق الحضارى والثقافي الذي يعطى للسودان تميزا ووجودا متفردا علي الساحة العالمية، فكثير من الجامعات العالمية مثل جامعة شيكاغو لها قسم كبير خاص بالحضارة النوبية، وتنتشر المتاحف النوبية في مختلف مدن العالم في بوسطن ووارسو وفينا ، وجمعيات الحضارة النوبية التي تتمدد في كل بلاد الدنيا والمؤتمرات الدورية عن الحضارة النوبية وأحدثها الذي سيعقد في لندن صيف العام الحالي.
الحضارة النوبية بعمقها التاريخي وقوتـها الثقافية وانتشارها الجغرافي تشكل هاجسا للتنظيمات التي تسعي لكي تقف عجلة التاريخ عند دخول العرب السودان، لذلك فهذه الحضارة تشكل هدف غير معلن لهجمات منظمة تسعى في صمت دؤوب لتدميرها. يؤكد هذا الأمر ما حوته مناهج التعليم المعدلة لمختلف المراحل، وهي مناهج وتوجهات تقلل كثيرا من قيمة تاريخ السودان قبل الممالك الاسلامية. ويدعم ذلك التوجه الاعلام الحكومي الذي لا يوفر للحضارة النوبية مكانا ولو في أحد الأركان القصية للآلة الإعلامية المترهلة. كما أن الحكومة قد سعت بجد لاعادة صياغة الشارع السوداني واستبدال كل ما له صلة بتاريخ السودان القديم، حتى داخلية تهراقا بكلية الهندسية استبدل اسمها بعبيد ختم.
و سارت وحدة السدود في نفس الاتجاه فلم تسع لانقاذ الآثار النوبية، بل لم تعترف حتى بوجودها، وكل المجهودات التي بذلت لانقاذ ما يمكن انقاذه تمت بمبادرات أجنبية وفردية، ولم تتكرم وحدة السدود بمنح هذه المبادارات الوقت اللازم لاكمال مهمتها رغم صرخات الاستجداء والنداءت المتكررة.
من المؤكد أن فرضية سعي الحكومة لتدمير أي أثر للحضارة والثقافة النوبية هي فرضية صحيحة، لكنها وحدها غير كافية لتبرير قيام كل هذه السدود وبهذه السرعة.
يتبقى الاحتمال الخامس والأخير وهو أن هذه السدود مطية لأغراض حزبية وشخصية، وفي رأيي أن هذه الفرضية تشكل مع الاحتمال السابق الدافع الأكثر قبولا والأقدر على الاجابة على الكم الكبير من الأسئلة الحائرة، فكلما تأمل الانسان في أى من هذه الأسئلة قاده التأمل الى مسار واحد يجمع بين كل الأسئلة والاجابات، كل الخيوط تتناثر في مختلف الاتجاهات لتتجمع حول بؤرة واحدة أرى أنها المفتاح لفك الشفرة ولا أجد وسيلة للتعبير عنها الا بتهجين مصطلح موازى لغسيل الأموال وهو غسيل الفساد أو Corruption Laundering وهذا ما سوف أتناوله في المقال القادم باذن الله
.

Post: #14
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-11-2010, 01:47 PM
Parent: #13

مياه النيل, السدود و الانفصال (10) سدود الشمال لماذا ؟؟؟؟ ... بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
الخميس, 06 مايو 2010 05:05
[email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
الشمال و الوطن هما الخاسر دوما
بعد تقييم الاحتمالات الأربعة التي يمكن ان تفسر حماس الحكومة و تعجلها لبناء سدود الشمال, نصل الى الاحتمال الخامس أن بناء السدود يأتي بغرض تحقيق أغراض و مصالح حزبية و شخصية, هذه الفرضية هي الأكثر قبولا و الأقدر على الاجابة على كثير من الأسئلة الحائرة, فكلما تأمل الانسان أى من هذه السدود قاده التأمل الى مسار واحد يجمع بين كل الأسئلة و الاجابات, كل الخيوط تتناثر في مختلف الاتجاهات لتتجمع حول نقطة واحدة أرى أنها المفتاح لفك الشفرة و لا أجد وسيلة للتعبير عنها الا بتهجين مصطلح جديد هو غسيل الفساد أو Corruption Laundering.
بدأت هذه الظاهرة و التي انتهت الى تحويل الملكية العامة الى ملكية خاصة بحزب الجبهة و أفراده و مؤسساته مع بداية الانقاذ و رفع شعار التمكين, بدأ ذلك بالسيطرة على الخدمة المدنية و القضاء و أجهزة الأمن, و استبدال كل القيادات بقيادات من التنظيم, و سارت حكومة الجبهة في عملية تصفية طويلة المدي باحلال كوادرها تدريجيا في كل مستويات التوظيف, و ساقت ما تبقي من الكوادر القديمة الى الاستكانة في محرقة الدفاع الشعبي و مهانة يوم الخدمة المدنية حتى دان جهاز الدولة لهم تماما.
بعد ذلك قامت الحكومة باستغلال أجهزة الدولة و مؤسساتها و قوانيننها من ضرائب و جمارك و زكاة و أمن و بنوك و قوانين مالية, استغلت ذلك في تدمير مؤسسات القطاع الخاص القديمة و استبدالها بمؤسسات مستحدثة تابعة لتنظيم و أفراد الجبهة. كانت هذه المؤسسات المستحدثة حتي دخول البترول في الدورة الاقتصادية, محدودة العدد و الحجم, بعد ذلك تزايدت كما و حجما بمعدلات سريعة و صارت اللاعب الأساسي و الذي لا يمكن تخطيه في سوق العمل السوداني, و كل ما عداها يتصارع على فتات موائدها.
بدخول عصر البترول صار للدولة امكانية ذاتية و مقدرة على الاستدانة من المؤسسات المالية الاقليمية و العالمية, فبرزمشروع سد مروى للوجود مرة أخرى و كان قد توارى بعد اكتمال التصميمات الهندسية عام 1992 لعدم توفر التمويل, و بدأ العمل الاعدادي للتنفيذ عن طريق هيئة تنفيذ سد مروي التابعة لوزارة الري.
مشاريع البنية التحتية عموما تثير شهية الطامعين باستثماراتها الضخمة, و قد كانت أول محاولة لاستغلال مشروع سد مروي عام 1993 عندما فشلت الحكومة في توفير التمويل اللازم بسبب سوء علاقاتها الخارجية, هنا برزت جهة غير معروفة سمت نفسها بيت الاستثمار يملكها اثنان من أساتذة كلية الهندسة و قادة تنظيم الجبهة, قام بيت الاستثمار بحملة اعلامية واسعة للترويج لتنفيذ سد مروى عن طريق الاكتتاب العام. و طبعا من الاستحالة ماليا و هندسيا و اقتصاديا تمويل مشروع بهذا الحجم بجمع الأموال من المواطنين, فمن المستحيل جمع حتى عشر المبلغ المطلوب بمثل هذا النفير الفطير, كما أن هذه المشاريع تتم ادارتها بناء علي برامج عمل صارمة ومناهج لادارة الجودة و ضبط التكلفة تعتمد كلها علي برنامج سريان الكتلة النقدية, و أى أختلال في هذا البرنامج يؤثر على جودة العمل و يهدد سلامة المنشآت و هذا غير مقبول اطلاقا في السدود لأن معايير السلامة و الجودة بالنسبة لها عالية جدا, بالاضافة لذلك فان برنامج العمل المتسيب سوف يزيد التكلفة النهائية زيادة كبيرة و يقضي تماما على جدوى المشروع. لذلك تصدى مدير الهيئة القومية للكهرباء, الشهيد محمود شريف, بقوة لحملة بيت الاستثمار و أوقفها مبررا ذلك بأن السدود مشاريع قومية لا يمكن أن تؤول للقطاع الخاص بهذه الكيفية, و ماتت الفكرة لكن ظل صداها عالق بالأذهان يذكر الناس بأن استثمارات السدود تثير دوما شهية الطامعين.
مع استمرار العمل الاعدادي و بدء تدفق الأموال تم تحويل هيئة تنفيذ مروى الى وحدة تنفيذ السدود, ثم صارت الوحدة تتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة, و تطورت طموحات الوحدة فلم تعد تكتف بتنفيذ السدود بل قررت توسيع أعمالها لتشمل اختيار و دراسة و تصميم السدود, فجمعت من السلطات ما لا يمكن جمعه حسب الأعراف و القيم الهندسية. ثم صارت مسؤولة عن التمويل, و توسعت أكثر فضمت الى مسؤولياتها تشغيل السدود من ناحيتي المياه و الكهرباء, و لا زالت الوحدة تتضخم فاستحدثت ما عرف بالمشاريع المصاحبة للسدود من طرق و كبارى و مشاريع زراعية و انتاج حيواني. هكذا تضخمت هيئة تنفيذ سد مروى في سنوات قليلة لتصبح أكبر امبراطورية في السودان, و شابهت في ذلك جواد امرؤ القيس الذي وصفه الشاعر بأن له أيطلا ظبي و ساقا نعامة و ارخاء سرحان و تقريب تتفل, فقد وضعت مائدة المؤسسات الحكومية أمام وحدة السدود فاختارت الزبدة من كل وعاء, و شكلت هذه المنظومة المترهلة التي لا تشبه أى مؤسسة حكومية أخرى.
صارت الوحدة من أكبر و أسخى أصحاب العمل, و ضمت قائمة المتعاملين معها كل أنواع الشركات الأجنبية و المحلية, و تخطت الصرفيات الشهرية التي تدفعها الوحدة لهذه الشركات عشرات الملايين من الدولارات, و بالنظر الى المؤسسات و الأفراد المستفيدين من هذه المشاريع نلاحظ الآتي:
• كل المديرين و رؤساء الأقسام و العاملين في وحدة السدود بجميع الأقسام و المواقع و المستويات من المنتسيبين للجبهة الاسلامية أو المقربين اليها و المرضي عنهم, و هم يتقاضون أعلى المرتبات و أحسن الامتيازات.
• كل الشركات المحلية العاملة بالمشروع تقريبا من شركات مقاولات و مكاتب استشارية تابعة لأفراد أو جماعات اسلامية, و كذلك مديريها و كبار موظفيها و معظم العاملين فيها. مثال لهذه الشركات دان فوديو , الدار الاستشارية لتطوير الخرطوم, شركة النصر للإسكان والتشييد شركة A & A للهندسة والإنشاءات, شركة هجليج, شركة قصر اللؤلؤ, شركة مام، شركة زادنا و شركة شريان الشمال.
• حتى الشركات الحكومية العريقة تم تهميشها عمدا, فمؤسسة أعمال الرى بالرغم من أنها تقدمت بأقل عطاء لتشييد المدينة السكنية, و بالرغم من أنها كانت و لوقت قريب أعرق و أكبر شركة في السودان متخصصة في أعمال المقاولات الخاصة بالسدود و الرى و المشاريع ذات الصلة, و هي شركة حكومية 100% و تابعة لوزارة الرى, لكن تم اقصاءها و ترسية المشروع على دان فوديو بالرغم من أن أن السعر الذي تقدمت به دان فوديو يزيد بأكثر من مليار جنيه, و لم تنجح محاولات المؤسسة في تغيير هذا القرار غير العادل.
• تم اختيار شركة الستوم الفرنسية لتصنيع المولدات و التوربينات, و معروف أن هذه الشركة العريقة كانت قد تعرضت لهزة مالية كبيرة و انهارت و أوشكت على اعلان افلاسها لولا تدخل الحكومة الفرنسية, و هذه الحادثة معروفة لكل من له علاقة بهذا المجال, و حدثت قبل فترة بسيطة من تعميدها للعمل في مشروع سد مروى, فلماذا تتم دعوة شركة على حافة الافلاس للتقديم لمثل هذا المشروع, و كيف تمت ترسية العطاء عليها في الوقت الذي كانت هذه الشركة تستجدى الحكومة الفرنسية و الاتحاد الأوربي لانقاذها من التصفية.
• كما ذكرت في السابق فان معظم الدراسات الهندسية لوحدة السدود تقوم بها شركة لامير الألمانية و قد تم التعاقد مع لامير في نفس الوقت الذي أصدرت محكمة في جنوب افريقيا حكما ضدها بسبب الرشوة, و أصدر البنك الدولى قرارا بتجميد التعامل مع لامير لنفس الأسباب, فما الذي يجعل وحدة السدود تفضل هذا الراشي على كل الشركات الهندسية العالمية. لا شك أن التركيز على الشركات المشبوهة يرفع كثير من علامات الاستفهام و التعجب.
• الشركات الصينية لها اهدافها و أجندتها الخاصة و في سبيل تحقيق ذلك ترفع شعار لا أرى, لا أسمع و لا أتكلم, لذلك هي لا عب مهم في كل مشاريع السدود لأنها تؤدي الدور المطلوب منها و لا تتجاوزه أبدا و لا حتى بدافع الفضول. و هي تؤدي نفس الدور في كثير من الدول بالرغم من اختلاف الأوضاع و الظروف.
واضح مما سبق أن المستفيد الأول من هذه السدود ليس هو الاقتصاد الوطني, و لا المواطن السوداني و لا السكان المتأثرين, بل المستفيد الأكبر هو تنظيم الجبهة الاسلامية بموؤسساته و أفراده, و ما كان يمكن أن تتم هذه الفائدة الكبرى من غير هذا الزخم و هذه المشاريع التي قامت و هدفها الأساسي الغير معلن هو تحقيق هذه الفائدة, و ما عداها من أهداف فهو ثانوي, بالرغم من أنه يحتل الواجهة. لذلك غابت الشفافية و لف الضباب كل خطوات العمل و تم تهميش مواطني المنطقة و تغييب المعلومات, فلا صوت يعلو فوق صوت اقامة السدود التي لا بد أن تقام و لو على أجساد أبناء المنطقة و تاريخها.
لا يمكن وصف ما يحدث بأنه فساد سياسي و لا بعمليات غسيل الأموال, فهو ظاهرة مستحدثة على مستوى العالم و تحتاج لمصطلح مستحدث لوصفها, يمكن مثلا أن نسميها بعملية غسيل الفساد Corruption Laundering . فغسيل الأموال هو عملية اكساب الشرعية لأموال تم الحصول عليها بطرق غير شرعية و ذلك بتحويلها سرا الى مصارف و مؤسسات شرعية ثم اعادتها الى أصحابها و قد تغيرت مصادرها و تحولت الى أموال شرعية غير قابلة للمساءلة القانونية و الأخلاقية. أما الفساد فيمكن تعريفه بانه إساءة استخدام السلطة العامة و استغلالها لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية.
ما يحدث فى سدود الشمال يختلف عن غسيل الأموال بأن مصادر أمواله شرعية, بل هي من الدولة نفسها التي تملك أو تستدين هذه الأموال. و هو يختلف عن الفساد المعرف أعلاه لأن استغلال النفوذ لا يتم بطرق فردية و بعيدا عن أجهزة الرقابة الحكومية, بل أن المحركين لهذه العملية هم كبار المسؤولين عن ادارة أجهزة الدولة, يقومون و بشكل جماعي و منظم و مدروس باستغلال نفوذ الدولة و تحويل جزء كبير من هذه الأموال الى جهات بعينها تمتلك مؤسسات خاصة و تقوم بتقديم خدمات للدولة, و تأخذ هذه الأموال عن طريق القنوات المالية الشرعية للدولة.
الذي يحدث هو بكل المقاييس الدينية و الدنيوية, المحلية و العالمية و الرسمية و الشعبية هو فساد و استغلال لسلطان الدولة في الحصول على أموال ضخمة, و هو فساد جماعي منظم و من خلال أجهزة السلطة المختطفة من قبل تنظيم الجبهة, و تقوم نفس الأجهزة بمحو آثار هذا الفساد و غسله و تزيينه بثوب الانجاز و اطلاق يد الآلة الاعلامية للحكومة لتدير العقول و تسحر القلوب بصور و أفلام و تقارير الانجازات و المعجزات, ليكمل الرئيس الصورة بالرقص و الهتاف و من خلفه صفوف المستفيدين ممزوجين بمجموعات الغبش تردد " الرد..الرد كبارى و سد" ليظل الشمال و الوطن هما الخاسر دوما.





.

Post: #15
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-12-2010, 07:38 AM
Parent: #14

Quote: مياه النيل والسدود وخاصة سدود الشمالية الاربعة مروي وكجبار ودال والشريك يخلص الدراسة الى ترجيح فرضيتين لقيام السدود الاولى سعي الحكومة لتدمير اي اثر للحضارة والثقافة النوبية والفرضية الثانية ان هذة السدود مطية لأغراض حزبية وشخصية والمدهش انها تنفي عن مصر بأنها القوة الخفية التي تدفع الحكومة السودانية لركوب الصعب و تنفيذ هذة السدود

Post: #16
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-12-2010, 09:29 PM
Parent: #15

لمزيد من الاطلاع

Post: #17
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-13-2010, 09:30 AM
Parent: #16

kajbar11.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

Post: #18
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-13-2010, 07:26 PM
Parent: #17

::::::::::

Post: #19
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-14-2010, 01:13 PM
Parent: #18

النوبيون وحق البقاء
عرفت بلاد النوبة عراقة ضاربة الجذور امتدت حدودها داخل مصر عند الشلال الاول وحتى تخوم ممالك اكسوم في الجنوب الشرقي والغابات الاستوائية جنوبا وممالك الغرب الافريقي.
الحضارة النوبية حضارة متميزة ذات ثقافة ولغة وتراث استمرت الاف السنين اثرت في الحضارة الانسانية روحيا ودينيا وتنظيميا كما في مجالات الفنون والمعمار والزراعة والصناعة واستخراج المعادن والذهب.
وكل ذلك اثر في شخصية الانسان النوبي الذي ظل يقدم التضحيات والمثل في التعامل السلمي والتعايش مع كافة القبائل التي حلت بارضهم سواء كانت عربية او غير عربية وقد ادى ذلك إلى اندماج الكثيرين من القبائل غير النوبية في المجتمعات النوبية واستقروا بها.
وبالرغم من المواقف السلمية للنوبيين تجاه الشعوب الاخرى عبر العصور الا ان ارض النوبة بثرائها وثرواتها المتمثلة في انسانها الراقي القوي الطموح واراضيها الخصبة المنبسطة ومياهها العذبة الغزيرة ومعادنها النفيسة كالذهب هذا اضافة لكونها مستودع اثارات الدولة السودانية، كل ذلك قاد إلى الاستهداف والتربص فكان النيل شريان حياة النوبيين وهو نفسه الذي استخدم كمصدر لتعاستهم وذلك بحجة منح الامان الغذائي والمائي للشقيقة مصر فبدأ مشوار اغراق النوبة الاول 1902، والثاني 1912 والثالث 1933 و الرابع 1964، ادى ذلك إلى اغراق 150 كيلومتراً جنوب وادي حلفا وترتب عليه تشريد الاف الاسر النوبية الاصليين إلى سهول البطانة وذلك دون اعتبار لبيئتهم وتقاليدهم وعاداتهم وخيارهم في الموطن البديل المشابه للذي اغرق فكان الشتات وكانت القرى المرقمة كبديل للقرى التي تحمل مسميات تدل على ثقافة اهلها وكان الظلم في التعويضات عن الممتلكات الزراعية والعينية والاراضي والمساكن التي لم تراع للاجيال القادمة واللاحقة وكانت لعنات النوبيين التي شيعت من خططوا ونفذوا لهذه المأساة فلم يهنأوا بالحكم الا عاما وبعض عام ثم إلى مزبلة التاريخ.
وحتى لا يفوت اهل الانقاذ لعنة النوبيين فقد خططوا إلى عملية اغراق خامسة للمنطقة النوبية ببناء سد كجبار عند الشلال الثالث من النوبة الوسطى وحتى جزيرة بدين وباغراق جديد يطال ثلاثة عشر قرية نوبية وكانت الفكرة منذ 1992، مما عطل مشاريع التنمية وبناء البنيات التحتية المنعدمة اصلا بالمنطقة وتدهورت الخدمات الصحية فصارت المنطقة مستوطنا لامراض الفشل الكلوي والسل والسرطانات بانواعها، وتدهورت الخدمات التعليمية وصارت المدارس طاردة للتلاميذ وهجر السكان المنطقة وعطلت الحكومة بناء الطرق المعبدة والمطارات ومد الكهرباء والمياه النقية، وزاد الطين بلة بناء خزان مروي وما يترتب عليه من اثار بيئية تتمثل في زيادة وتائر الهدام واغراق بعض الجزر واضمحلال منسوب المياه مما يؤثر على المساحات المزروعة وعلى اشجار النخيل، الثروة الرئيسية للاهالي.
مثلث الحوض النوبي:
كنتيجة مباشرة لقيام السد العالي ظهر مثلث ما بين العوينات ووادي حلفا ودنقلا يحتوي على خزان يعرف بخزان الحوض النوبي المقدر احتوائه على ملايين الامتار المكعبة من المياه الصالحة للشرب والزراعة على مسافات قريبة من سطح الارض وهذه المياه تتجدد باستمرار من النيل النوبي ونهر عطبرة وتحتوي على ملايين الافدنة من الاراضي عالية الخصوبة الصالحة للزراعة وهي تمثل الضمانة للاجيال النوبية القادمة، هذه الارض النوبية المتجددة كانت ايضا هدفاً جديداً للاستهداف والتربص فكانت اتفاقية الحريات الاربع بين الحكومة المصرية والسودانية تهدف إلى منحها للمصريين للتوسع الزراعي فيها وذلك دون اي اعتبار لرأي النوبيين وتنظيماتهم وخبراتهم العالية في مجالات الزراعة المختلفة.
ما جاء اعلاه يوضح كيف ان الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال لم تدخر وسعا لايذاء النوبيين الا دعمته وزادت عليه.
هذا رغم كل الدساتير المتعاقبة منذ الاستقلال تدعم حقوق مثل هذه الاقليات واخرها دستور السودان الانتقالي للعام 2005م، في المادة (1) ينص على: (ان تكون جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة وهي دولة ديمقراطية لا مركزية تتعدد فيها الثقافات واللغات والاعراف والاديان)، كما ان التنوع الثقافي والاجتماعي لشعب السودان هو اساس التماسك القومي ولا يجوز استغلاله لاحداث الفرقة. المادة 8-1 تنص على ان: جميع اللغات الاصلية السودانية لغات قومية يجب احترامها وتطويرها وترقيتها.
اذن حسب الدستور: السودان دولة تحترم تعدد الثقافات واللغات وان التنوع الثقافي والاجتماعي هو اساس التماسك القومي للدولة. وهذا يحتم على الحكومة ان تدعم ذلك وان تبدأ التقوية من الاطراف حتى يحدث التماسك لا ان تزيد الهامش تهميشا على تهميش.
ما جاء اعلاه يدعم النوبيين في السلطة والثروة والارض وقد اكدته المواثيق الدولية ومواثيق حقوق الانسان باعتبار ان الشعب النوبي من الشعوب ذات الاصول القديمة والعريقة والمتجددة لكل ذلك نجمل حق النوبيين في الاتي:
- قيام اقليم نوبي ذو خصوصية بالمنطقة الجغرافية المحددة بوادي حلفا شمالا حتى مدينة الغدار جنوبا وهي المنطقة التي يقطنها النوبيون حاليا وفي ذلك نؤكد ان النوبيين بمدن السودان المختلفة وبالمهاجر لا زالوا يواصلون اهليهم ويزرعون البلح ودونكم ومواسم الحصاد واعداد اللواري التي تذهب وتأتي محملة باطايب ارض النوبة فالانسان النوبي من اكثر المتمسكين بارضه ومواصلة لصلة الرحم.
- حق النوبيين في الثروة والسلطة فاتفاقيات نيفاشا والدستور الانتقالي اعطت الولايات الحق في ممارسة السلطة ونصيب من الثروات الموجودة بمناطقهم ويصبح بذلك من العدل ان يمنح النوبيون الحق في ممارسة السلطة والحق في نصيبهم من ثروات مناطقهم بعد تطويرها واستخراجها بواسطة الحكومة القومية كما هو الحال في بقية الولايات.
- حق النوبيين في الاحتفاظ بلغتهم وتدريسها رسميا داخل الاقليم وممارسة فنونهم وعاداتهم وتقاليدهم بالطريقة التي يرونها وهذا كما اوضحنا سابقا يتطابق مع نصوص الدستور الانتقالي للعام 2005م، ويتطابق مع كافة المؤتمرات التي عقدتها الانقاذ في مجالات التعليم والثقافات والفنون والتي نادت باحتفاظ كل قومية بلغاتها وثقافاتها بل وتطويرها ولا يغيب عن نظر القارئ ان النوبيين لا زالوا يحتفظون بلغاتهم الاصلية كلغة تخاطب وكلغة فنون حتى ان بعض الاغنيات النوبية صارت ضمن الاغاني الشائعة والتي تلقى رواجا بين غير النوبيين.
- يعتبر النوبيون ان مثلث الحوض النوبي هو التعويض البيئي للتضحيات التي قدمها النوبيون في سبيل تنمية الدولة السودانية والدولة المصرية وبالتالي فلديهم الحق الكامل في استشارتهم في كيفية الاستثمار في ذلك المثلث بما يحفظ حقوقهم التاريخية في الاراضي والمياه.
- اتفاقية الحريات الاربع التي ابرمت مع المصريين (حرية العمل والتنقل والتملك والاقامة) لدى النوبيين يقين كامل من خلال تصريحات بعض المتنفذين بالدولة من ان الغرض منها استهداف المنطقة النوبية وهذا الامر يتطلب اعادة النظر من الحكومة ومشاورة اولي الامر قبل البدء في التنفيذ.
- المنطقة النوبية هي المنطقة الوحيدة في السودان التي لا يوجد بها طريق واحد معبد او مصنع او منجم او بئر بترول او متحف رغم ثراء المنطقة بالاثارات او مستشفى تخصصي فهل يعقل ان يكون ذلك كذلك بالصدفة المحضة.
- وقف اي خطط انية او مستقبلية لبناء خزانات او سدود على مجرى النيل في جزئه النوبي فبدائل استخراج الطاقة صارت متاحة وبتكلفة اقتصادية واجتماعية اقل كما يجب الغاء القرار الجمهوري رقم 2006م، والقاضي بنزع ارض بالولاية الشمالية وضمها إلى ادارة سد مروي.
اخيرا لقد ظل النوبيون على امتداد تاريخ السودان رسل علم وحضارة ودين ولم يكونوا يوما دعاة للتشرذم والتفرقة كما انهم لم يلجأوا يوما لاستخدام العنف ليس عن ضعف فصاحب العلم والحضارة لا تعجزه الوسيلة لاستخدامها في نيل مطالبه بأي وسيلة اخرى اذا حس بأن ظهره صار على الحائط وانه لا مفر من ان يدافع عن مستقبله ومستقبل ابنائه اخيرا لقد ظل النوبيون على امتداد تاريخ السودان رسل علم وحضارة ودين ولم يكونوا يوما دعاة للتشرذم والتفرقة كما انهم لم يلجأووا يوما لاستخدام العنف ليس عن ضعف فصاحب العلم والحضارة لا تعجزه الوسيلة لاستخدامها في نيل مطالبه بأي وسيلة اخرى اذا حس بأن ظهره صار على الحائط وانه لا مفر من ان يدافع عن مستقبله ومستقبل ابنائه.
فهلا استمعنا،،،


المياه الجوفية السودانية : الحوض النوبي Nubian Aquifer

Post: #20
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-14-2010, 09:30 PM
Parent: #19

دوريكن

Post: #21
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-15-2010, 08:04 AM
Parent: #20

:::::

Post: #22
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-17-2010, 07:05 AM
Parent: #21


Post: #23
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-17-2010, 02:11 PM
Parent: #22

بشري سارة للنوبين :لا يمكن ان نغرق في شبر موية...افتتاح...نيل بإثيوبيا...فيديو

Post: #24
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-20-2010, 06:30 AM
Parent: #23


Post: #25
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-20-2010, 12:30 PM
Parent: #24

...............

Post: #26
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: مدثر محمد عمر
Date: 05-20-2010, 05:05 PM
Parent: #25

أهم مقال قرأته في المنبر منذ إنضمامي له لكونه يتحدث عن عصب حاضرنا وعصب مستقل أجيالنا القادمة بوعي ومعرفة مهنية وحدب مقدر على المصلحة العامة .

لأسباب كثيرة غير نظرتي وتقييمي لمشاركاتي هنا.

Post: #27
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-20-2010, 10:03 PM
Parent: #26

خبر مهم جدا

Post: #28
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-21-2010, 02:28 PM
Parent: #27


Post: #29
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-22-2010, 09:01 PM
Parent: #28

:::::::

Post: #30
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-23-2010, 11:27 AM
Parent: #29


Post: #31
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-23-2010, 06:28 PM
Parent: #30

مجزرة كجبـار " الأربعاء الأسود في تاريخ النوبة " (فيديوالمجزره )

Post: #32
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-24-2010, 06:42 AM
Parent: #31


Post: #33
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-24-2010, 11:06 AM
Parent: #32

دوركين

Post: #34
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-24-2010, 07:50 PM
Parent: #33

.........

Post: #35
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-25-2010, 09:45 AM
Parent: #34

...

Post: #36
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-26-2010, 06:37 PM
Parent: #35

.......

Post: #37
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-27-2010, 06:27 AM
Parent: #36


Post: #38
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: إسماعيل حسن
Date: 05-27-2010, 09:46 AM
Parent: #37

الاخ الكريم مدحت عثمان
احييك بشدة وأشكرك على الموضوع القيم والثمين وهذه من الاشراقات الممتازة فى المنبر .
تعرف يا مدحت حينما تستعرض مصائبنا وقضايانا المصيرية تندهش لحالة اللامبالاة التي تسم تناول الجهات الرسمية والشعبية لها. واتفاقية مياه النيل 1929 والمعدلة فى 1959 مصيبة من المصائب التي لا يمكن لبشر عاقلين راشدين قض الطرف عنها . والاعجب عندما تقرأ تصريحات لمسؤولين بان السودان لن يتاثر باي اتفاقية محاصصة بين دول حوض النيل الاخري بمعزل عن السودان ومصر ( ومالنا نحن ومصر حتي نربط مصيرنا بها ونكون ذيلاً لها ولكنه عدم الوعي والادراك وقصر النظر والادعاءات الجوفاء) ، وهي اشبه بتصريحات وزير المالية بان السودان لن يتاثر بالانهيار الذى حدث فى الاقتصاد العالمي نتيجة لازمة وول ستريت التي مازالت تداعياتها ماثلة وكثير من التصريحات التي يمكن ان تفسر على انها عدم دراية أو للاستهلاك واهو كله كلام والسلام. والاخطاء القاتلة فى السودان كثيرة ولنا فى ما أقدم عليه الرئيس عبود من بيع لحلفا مثال صارخ ومخجل ومهين ودوننا حلايب الآن والتي تشيد فيها مصر المدارس والمباني بل وتعتقل فيها السودانيين وكأن شئ لم يكن ولا من رغيب وحسيب.
ومايمر بنا من مصائب أخي مدحت نتاج ليس لغياب الوعي او ندرة اهل الدراية كل فى مجال تخصصه ولكن قل لي بربك كيف لاهل الدراية المقصودين فى اي مجال التاثير على الجهات الرسمية ايأ كانت لتصدر قراراتها او توقع على اتفاقيات او تضع خطط للتنمية وفق مناهج علمية مدروسة بعيدا عن الاهواء الحزبية والمكاسب الانية الضيقة والمحدودة .. خذ مثلاً نميري انشأ هيئة البحوث والاستشارات الصناعية وشيد لها مقر محترم نهاية شمبات وعلى مشارف الحلفاية (لا ادري أتم بيع المبني ام مازال قائما؟) ووظف بها عدد مقدر من حملة الدرجات العلمية الرفيعة واصحاب الخبرات المميزة ومع ذلك تم تجاوز هذه المؤسسة من قبل نظام مايو نفسه .. مثال آخر فى جامعة الخرطوم يوجد معهد لبحوث البناء والطرق هل سمعت فى يوم من الايام وعلى مر السنين ان هذا المعهد تم تكليفه باعداد دراسات والاشراف على مدخلات البناء او رصف الطرق ؟ آه ما ذا اقول عن العقدين الاخيرين من زماننا هذا ؟ ثورة الانقاذ , وما ادراك ما ثورة الانقاذ، عشرون عاما وعجلة التقهقر والعشوائية تسير بسرعة جنونية يكفى انها فى بداياتها كان المسؤول عن المال والاداء الاقتصادي عبد الرحيم حمدي وسياسات التحرير التي ابتدعها فى بلد كل وسائل ومدخلات الانتاج تعترضها سياسات الحكومة والصناعات الموجودة فيه لو انصفتها لو صفتها بالبدائية ، وعن التعليم صاحب نظرية ثورة التعليم العالي ابراهيم احمد عمر فاصبحت شهادات جامعاتنا لا تساوي المداد الذى كتبت والعجيب ايضاً بلد بها وزارة للري يتم اسبعادها تماماً ولا تكون لها اي علاقية حتي ولو صورية بالسدود ويتم اسناد المهمة لنبتة عشوائية اسمها وحدة ادارة السدود بجيشها الجرار من الموظفين اصحاب الولاء والطاعة العمياء فاقدي الخبرة والدراية والحقت برئاسة الجمهورية .. وما يثيرني حقا هو ان مصروفات هذه الهيئة من رواتب وسيارات وخلافه كان يمكن تجنبها لان هنالك مؤسسات عامة موجودة اصلاً (وزارة الري والهيئة القومية للكهرباء ) و المخصصات الضخمة التي ينالها العاملون فى هذه الهئية التي لا رقيب عليها هي من اصل القروض التي دفعت من جهات خارجية دول او مؤسسات وعاجلا او اجلا سيحين سدادها وسيدفعها الشعب السوداني المغيب وهو صاغر.
يا اخي اوجاعنا لا يمكن حصرها والعجيب انها تشير الى ان هؤلاء البشر المتواجدون فى البقعة التي تسمي السودان من طينة عجيبة خالص خالص .
والله مرات كثيرة اعتقد جازما اننا مصابون بخلل جيني لا يمكن علاجه يحجب ادمغتنا عن تبين الصواب واتباعه ويزين لنا الخطأ والعشوائية وقصر النظر.
لك التحية والاحترام

Post: #39
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-27-2010, 04:20 PM
Parent: #38

Quote: الموظفين اصحاب الولاء والطاعة العمياء فاقدي الخبرة والدراية والحقت برئاسة الجمهورية .. وما يثيرني حقا هو ان مصروفات هذه الهيئة من رواتب وسيارات وخلافه كان يمكن تجنبها لان هنالك مؤسسات عامة موجودة اصلاً (وزارة الري والهيئة القومية للكهرباء ) و المخصصات الضخمة التي ينالها العاملون فى هذه الهئية التي لا رقيب عليها هي من اصل القروض التي دفعت من جهات خارجية دول او مؤسسات وعاجلا او اجلا سيحين سدادها وسيدفعها الشعب السوداني المغيب وهو صاغر.



استاذ اسماعيل حسن...
تحياتي
وشكرا جزيلا علي مداخلتك القيمة...
بلدنا منكوب وكلما نقول اننا نسير نحو الافضل نجد انفسنا نسير الي الوراء في كل مناحي الحياة...
الله كريم...

Post: #40
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-28-2010, 09:38 AM
Parent: #39

.........

Post: #41
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: إسماعيل حسن
Date: 05-29-2010, 07:30 AM
Parent: #40

الاخ مدحت سلام
رأيت ان اضيف هذا المقال عن سد مروي فى هذا البوست المهم ولك احترامي.

مخاوف حقيقية من إنهيار وشيك لسد مروى

محمد عبد الله سيد أحمد

يتخوف بعض المراقبين من من إنهيار وشيك لسد مروى لأسباب موضوعية ومبررات تتمثل فيما يلى :

أولا :
سبق لصحيفة الأيام أن نشرت فى عددها بتاريخ 16 / 5 / 2007م (صفحة 6) مقالا للبروفسور: جعفر أحمد زرقانى تحت عنوان : (سد مروى .. لمن تقرع الأجراس ؟)، أورد فيه أن دراسة أجريت عام 1984 م بواسطة فريق سوفيتى يقوده الأكاديمى أ . س بتروفسكى أشارت تلك الدراسة الى إن التفكير فى إقامة سد فى موقع سد مروى الحالى ( الشلال الرابع ) يجب أن تسبقه دراسات جيولوجية وهندسية مكثفة لطبقات الأرض السفلى التى سيقام عليها السد ، لأنها طبقات تتميز بعدم التجانس الأمر الذى سيعرض بناء السد للهزات الإرتجاجية .
وأشار الكاتب الى أن هذه الدراسة منشورة فى مجلة الهندسة والجيولوجيا – المجلد (30) – العدد (12) ديسمبر 1996م .
كما أورد الكاتب فى نفس المقال أن صحيفة تايببي تايمز نشرت فى مارس 2006م وبعد أقل من اسبوعين من افتتاح المرحلة الأولى لبناء سد مروى تقريرا مفاده أن ثمانين شرخا قد ظهرت فى الجسم الخرسانى لسد مروى.
وما أثار مخاوف أولئك المراقبين ، أنه لا إدارة سد مروى و لا غيرها من المختصين والفنيين فى هذا الجال لم يعقبوا على ما أورده كاتب المقال من معلومات خطيرة . لا بالتأكيد على صحتها ، ولا بتكذيبها .
ثانيا :
فى منتصف أبريل 2007م إحتفلت إدارة سد مروى بما اسمته بدء تشييد الحائط اللدن بجسم سد مروى، وأوردت فى مجلتها ( سد مروى ) بعددها رقم ( 45 ) / مايو 2007م تقريرا بهذه المناسبة قالت فيه إنه وبعد أربعة أعوام من عمر مشروع السد فإن المشروع قد أحتفل بالبدء في تشييد الحائط الخرسانى اللدن المانع لتسرب المياه بعمق أربعين مترا . وأن ذلك يعد يوما تاريخيا فى برنامج بناء السد ، ويعبر عن الدخول فى مرحلة جديدة من عمر المشروع عبر التعامل مع التقنية المتطورة .

وقد أوضح د. أحمد الطيب المهندس المقيم بمشروع سد مروى فى التقرير بالمجلة أن التقنية المستخدمة فى حفر وتشييد الحائط اللدن تعتبر من أحدث التقنيات المعروفة فى العالم والتى يضاف الى محتوياتها مادة (البنتونايت) وهي مادة تجعل هذا النوع من الحوائط الخرسانية يتميز بالمرونة والإستجابة لضغوطات ما تحت الأساس دون حدوث أي تشققات حيث يتم استخدام هذه التقنية لأول مرة بالسودان .
وأشار الى أن الحائط يبلغ سمكه 120 سم وطوله 381 مترا . ويقوم بتنفيذه مقاول فرعى لشركة ( باور) الألمانية التى استجلبت معدات وآليات خاصة بالحفر لأعماق تصل الى 55 مترا حتى وصولها الى صخور الأساس وتتجاوزها بأربعة أمتار أخرى تأمينية . وقال إن بداية العمل فى الحائط الخرسانى اللدن يمثل مرحلة مفصلية فى مسيرة سد مروى .
وأضافت المهندسة غادة عامر ، وهي مهندسة ( جيوتقنية ) بمشروع سد مروى فى نفس التقرير بالمجلة أن العمل الحالى يجرى فى الحائط الخرسانى المكون من الخرسانة اللدنة لمنع تسرب المياه من اسفل السد بعد إقامته . أي من المكان الذى يوجد فيه الرمال ، وأن الماكينة المستخدمة تعتبر أكبر ماكينة ضخمة للحفر فى العالم .
هذا ، وقد انتقد البروفسور جعفر الزرقانى فى مقاله بصحيفة الأيام الإحتفال المسمى ببدء تشييد الحائط الخرسانى اللدن بجسم السد على أنه ليس مناسبة جديرة بالإحتفال، لأنه قصد به أن يخفى عن الشعب السودانى ظاهرة التشققات والصدوع التى ظهرت بجسم السد وهو لا يزال فى مرحلته الأولى من التشييد بسبب خطأ فني كبير تشير الدلائل الى أنه مرتبط بعدم إجراء الدراسات الجيولجية والهندسية المكثفة لطبقات الأرض السفلى للسد . وهي ما أوصت بها دراسة الأكاديمى الروسى أ . س بتروفسكى وفريقه .
كما أن الخبراء يؤكدون أن تلك التقنية الجديدة التى إحتفلت إدارة السد بإستخدامها ، هي فى حقيقة الأمر لا تستخدم إلا لمعالجة التصدعات والشقوق التى تظهر فى السدود الجديدة نتيجة لأخطاء فنية ولبعض السدود القديمة التى شاخت وظهرت عليها شقوق أو تسريبات كحالات استثنائية ، لأن معظم السدود القديمة خالية من تلك العيوب والأخطاء الفنية . ويكفى مثالا على ذلك خزانى سنار والرصيرص فى السودان .
وإن استخدام هذه التقنية لأول مرة بالسودان وفى سد مروى كما جاء على لسان المسئولين بسد مروى لايعتبر مفخرة ولا إنجازا و إنما معالجة لخطأ فنى كبير ومعيب وهو يزيد من تكلفة السد وينذر بشر مستطير .
هذا ، وقد أشار البروفسور جعفر زرقانى فى مقاله بصحيفة الأيام الى أنه قد لفت نظره قصور الدعوة فى ذلك الإحتفال على د. أمين حسن عمر مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون ونائبه وعدد محدود للغاية من الصحافيين هم على العتبانى ومحمد أحمد كرار وعبد الرحمن الزومة مع غياب كامل ومتعمد للمهندسين من أصحاب الخبرة والإختصاص الذين كان ينبغى أن تخضع هذه التقنية لمداولاتهم .

بل وأن يكون هناك مجلس هندسى قومى موسع يتحمل مسئولية ألا تكون هناك أخطاء فنية فى هذا السد ويتحمل مسئولية حدوثها وكيفية معالجتها لا أن تترك المسئولية هكذا مبنية على المجهول أو على عقلية واحدة يمكن أن يؤدى خطأها الى إزهاق أرواح الملايين من البشر .
بل وتلاحظ كذلك الغياب التام والدائم لوزارتي الري والكهرباء رغم ما تتحدث عنه إدارة السد عن ترع ضخمة جانبية تبدأ من السد وتجرى انسيابيا حتى أقصى شمال السودان وعن توليد كهرباء يبلغ مقداره 1250 ميقاوات بدأت إدارة السد تتنصل عن كميته فى عد تنازلى، وتتنصل كذلك عن مواعيدها التى تحددها بنفسها من وقت لآخر لإنتاج الكهرباء عاما بعد عام ، بينما الحكومة تلهث خلف الإستدانة من الخارج لشراء محطات توليد كهرباء حرارية لمدن السودان المختلفة ومن بينها مدن ولايتي الشمالية ونهر النيل حيث يوجد مشروع السد .
وهذا المشروع ومنذ مراحل تنفيذه الأولى ظل محاطا بالسرية والتعتيم فى كافة نواحيه الإدارية والمالية والفنية ، والأخيرة ترك شأنها حكرا علي الشركات المنفذة بينما انشغلت إدارة السد بالدعاية وحرق البخور لنفسها وبتفويج الرحلات السياحية المجانية لزيارة السد لكل من أقبل وأدبر من غير ذوى الإختصاص فى محاولة ساذجة منها للكسب الإعلامى .

ثالثا :
فى المرحلة الأولى من تنفيذ تشييد السد تحدث كثيرون عن مشاهدتهم لنبع ماء صافى منبثق من أسفل السد الى فوق مستوى ماء النهر. وقال البعض أن مصدره مياه جوفية تحت أسفل السد، وزعم بعض آخر أن مصدره غير ذلك . ولم تتبين حقيقته لمن شاهدوه ولمن سمعوا عنه لأن الإعلام سكت عنه فلم تستبين حقيقته حتى اختفى كظاهرة مع إكتمال بناء السد .
واليوم تتحدث قلة ممن اتيحت لها فرصة الصعود على سطح السد بعد إكتمال بنائه وتكوين بحيرته عن احساسهم بوجود هزات ارتجاجية على سطحه شبيهة بالإرتجاجات التى يحس بها المسافر على قطار . إنها إذن نفس الهزات الإرتجاجية التى أشارت اليها وحذرت منها دراسات العالم الإكاديمى الروسى أ . س بتروفسكى وفريقه حيث ذكرت إن عدم تجانس طبقات الأرض السفلى للسد ستحدث فى بناء السد هزات ارتجاجية ما لم يسبق بناء السد دراس ات جيولجية وهندسية مكثفة .
وليت إدارة السد تسمح لمن تفوجهم لزيارة السد بالصعود على سطحه لتأكد لهم عدم وجود هزات . ومهما يكن من أمر اسباب هذه الهزات الإرتجاجية فإن ظاهرة تواجدها واستمرارها قد زادت من مخاوف أولئك المراقبين ومن احتمال انهيار وشيك لهذا السد .

رابعا :
بالرجوع الى السدود التى انهارت فى العالم وأسباب انهيارها وحجم ما خلفته من خسائر فى الأرواح والممتلكات تبين أن أهم أسباب انهيارها ينحصر فيما يلي من أسباب :
1 / الخطأ فى التصميم الصحيح للسد بسبب عدم الكفاءة أو الإهمال أو الفساد إضافة الى عدم إجراء الدراسات الكافية والتحاليل الصحيحة واستخدام المواد الصحيحة . وهناك لغط كثير عن استعمال أنواع مختلفة من الأسمنت فى بناء السد و أن بعضا منه فاسد .
2 / ارتفاع منسوب المياه فوق جسم السد بسبب الفيضانات الكبرى التى لا يستطيع السد تصريفها نتيجة لعدم التقدير الصحيح لتوقعات حجمها وكذلك بفعل العواصف القوية .
3 / النحت الداخلى حيث تتسرب المياه من داخل السد محدثة تجاويف داخلية تتسع فى كل مرة حتى تؤدى الى انهيار السد .
4 / حدوث هزات ارضية تفوق تحمل السد .
5 / الإنهيار بفعل الانسان كالتفجير فى الحروب .
6 / تأخر بناء السد عن البرنامج الزمنى الموضوع له يؤدى الى تداخل توقيت برامج العمل فى بعضها البعض واحتمال عدم توافق ذلك مع الإستعداد لإستقبال الفيضان الذى ربما يتسبب فى انهيار السد .
7 / عدم التقيد بتعليمات التشغيل ولو كانت غير مقصودة يعتبر من الاخطاء الفادحة التى تعرض السد وملحقاته للانهيار .
فالخبراء على سبيل المثال يعتبرون أن تخزين أو تعبئة بحيرة السد بالمياه لأول مرة ، هي مرحلة هامة وخطيرة وحاسمة . ولذلك يتوجب أن تكون تحت السيطرة الكاملة والمراقبة الدقيقة . وأن يتم التخزين فى بطء وتدرج شديدين وعلى مراحل متباعدة ، قد تصل الى أكثر من أربعة سنوات وأن يتم عقب كل مرحلة تفقد كامل لجسم السد وأساساته وجوانبه وجميع ملحقاته إضافة الى ملاحظة ومراقبة عوامل أخرى عديدة .
ولكن وكما هو معلوم فإن إدارة سد مروى ورغم تأخر برنامج عملها فى إنشاء السد لأمد طويل لم تتقيد بتعليمات التشغيل تلك ، واختارت أن يتم التخزين ببحيرة السد دفعة واحدة ومن غير مراحل وفى أقصر وقت .
بل واختارت موسم الفيضان لهذا العام 2008م ليكون بداية للتخزين والتعبئة وكان هد فها فى المقام الأول إغراق المناصير وبقية من أهالى أمرى لأنهم لم يستجيبوا لمخططها الرامى الى إجلائهم جميعا من أراضيهم حول البحيرة وإعادة توطينهم فى مواقع صحراوية بعيدة عن النيل لكي تستولى على أراضيهم لأغراض أو أهداف لم تفصح عنها . ولذلك لم تبال بإغراق جزرهم وقراهم وزروعهم وقبل أن يحصدوا ثمار نخيلهم ومحصولاتهم ، ومن قبل أن يتم إحصاء لها أو تعويض .
و لا يزال إغراقها مستمرا ومتواصلا حتى خلال شهر رمضان المنصرم وعطلة عيد الفطر المبارك . وسوف لن يتوقف غمرها حتى يبلغ منسوب البحيرة أعلى مستوى له ( كنتور 300 متر ) خلال موسم فيضان واحد .
فما قامت به إدارة السد مخالف لبرنامج تشغيل البحيرة حتى فى تاريخ ملئها وبالتالى تفريغها .

فحسب إفادة الخبراء فإن قفل أبواب السد لبداية التخزين فى هذه البحيرة لا يكون فى موسم الفيضان المشبع بالطمي تحاشيا لتراكم ترسب الطمى وغيره من رسوبيات فى قاع السد وضغطها على جدرانه ، وكذلك على طول البحيرة وعرضها فيقلل بذلك من سعتها التخزينية فى وقت وجيز .
وإنما يبدأ فى منتصف أكتوبر من كل عام حتى منتصف يونيو من كل عام حيث تكون البحيرة خلال هذه الفترة فى أعلى منسوب لها من دون ترسبات طمي ليبدأ تفريغها مع بداية وخلال موسم الفيضان التالى لتحاشى تراكم الطمي . ولكن ها هي إدارة السد تفعل العكس .
حكى لى أحد شباب المناصير الذى كان عائدا لتوه من معسكر عمل تطوعى فى قرية برتى بمنطقة المناصير التى تبعد حوالى أربعين كيلومترا من السد حيث كانوا يقومون بعمل الطوب خلال شهر رمضان لبناء منازل جديدة للمتأثرين – حكى لى ذلك الشاب بأنهم عندما يذهبون للسباحة فى البحيرة عصر كل يوم يكاد الطمي المترسب فى قاعها أن يبتلعهم إن هم حاولوا التوغل أو التقدم لبضعة أمتار من شاطئ البحيرة . وللمرء بعد ذلك أن يعجب إذا كان تراكم الطمي هو بتلك الصورة من على بعد أربعين كيلومترا من السد ، ومن أول بداية فيضان وتخزين فكيف حاله أسفل السد ؟ !
من المؤكد أن تطور العلم قد أوجد تقنية تمنع تراكم الطمي فى أسفل السد وتقيه من مخاطره ولكن تراكمه بتلك الصورة وبذلك الحجم نتيجة لخطأ التخزين فى غير موعده لا بد من أن يترك آثارا سالبة وضارة بالسد ولكنها من جهة أخرى تصب فى مصلحة المتأثرين المناصير الذين أصروا على البقاء بأطراف البحيرة حيث سيوفر لهم جروفا زراعية شاسعة وظهور جزر زراعية جديدة وخيران ووديان من أول عام عوضا عن انتظارها لعدة أعوام . وهي ثروة ما كانوا يتوقعونها فى الأحلام .
ورغم ما ارتكبته إدارة السد من أخطاء وجرم فى إغراقها للمناصير ، فإن المناصير وغيرهم قد يجدون لها المبرر والعذر فى إغراقها المتعجل والمتعمد لهم بإعتبار أنها فى سباق مع الزمن لتعجل للشعب السودانى انتاج نسبة من الكهرباء طال انتظارهم لها وبنوا عليها آمالا عراضا .
ولكنى لا أدرى الى أي مدى ستصيب الشعب السودانى خيبة أمل كبرى وماذا تكون ردود أفعاله إن فاجأته إدارة السد بأنها وبعد كل تأخيرها فى بناء السد وبعد كل وعودها المؤجلة وبعد كل ما أحدثته من إغراق كارثى ومتعمد للمناصير ليس لها ما تقدمه للشعب من كهرباء أيا كانت قلة نسبتها ، لا فى منتصف أكتوبر الجارى (2008م) كآخر موعد كانت قد أعلنته ، ولا فى نهاية العام الحالى كما سبق أن أجلته ، ثم الى أجل غير مسمى كما صار يتردد فى بعض الأوساط ، ومن دون أن تقدم تفسيرا لهذا التأخير والتأجيل المتواصل وبلا نهاية ؟!! .

ويبقى من حق الشعب السودانى بعد ذلك أن يحاول بنفسه البحث ليجد تفسير لهذا التأجيل اللامتناهى ويذهب فى ذلك مذاهب شتى ، بحيث يعتقد بعضهم أن السد قد واجه مشاكل فنية معقدة ولا علاج لها وفشل بذلك فشلا ذريعا فى انتاج أي نسبة من الكهرباء .
وقد يتساءل آخرون : وإذا كانت إدارة السد تعلم سلفا بفشل سدها فى انتاج الكهرباء على الأقل حتى نهاية هذا العام ( 2008م ) أو الى أجل غير مسمى ، فلماذا إذن إصرارها على إغراق المناصير وبتلك الصورة المأساوية البشعة وكأنها صاحبة ثأر معهم وتتشفى بالإنتقام منهم ؟
ويجيب هذا السؤال آخرون بقولهم : إن إدارة السد عندما استيأست من انتاج الكهرباء من سدها رأت أن تصب جام غضبها على المناصير وكأنها تحملهم نتائج فشلها ، أو ربما تكون هي محاولة أخيرة يائسة منها لإجبارهم على مغادرة أراضيهم حول البحيرة لتستولى عليها للإستثمار فيها بدلا عن الكهرباء ولذلك لم تبال بإغراقهم بتلك الصورة العدوانية السادية حتى ولو تسببت فى انهيار السد أو جأر القاطنون أسفل السد من العطش كما فعل أهالى الحامداب وأمرى الجديدة وغيرهم .
أو أنها بعد أن أدركت فشل مشروعها وانتاجه من الكهرباء عملت على رأي المثل الإنهزامى القائل :( إن غلبك سدها وسع قدها ) . وإلا فهل يوجد تفسير آخر ؟ وفشلها سيكون مضاعفا إن لم تستطع إغراق جزيرة شرى ( رمز الصمود لأصح اب الخيارالمحلى ) والتى هب كل المناصير لوقايتها بالمتاريس من الغرق فى ملحمة لا تزال مستمرة.
خامسا وأخيرا :
لقد أصيب الذين يعرفون شركة لا همير العالمية ( الألمانية ) باليأس والقنوط من أي خير أو فائدة ترتجى من سد مروى بعد أن علموا أن إدارة سد مروى قد اختارت هذه الشركة مستشارة لها لتنفيذ هذا السد .
فشركة لامير هذه ذات سمعة سيئة معروفة فى كافة أنحاء العالم وأدينت قضائيا فى عدد من القضايا المتعلقة بالفساد فى بناء السدود فى عدد من الدول . وقد وضعها البنك الدولى والبنك الأوربى فى قائمتهما السوداء ، ولا يسمح لها بالعمل فى أي سدود يقومان بتمويلها.
وحتى الدراسة التى قامت بها هذه الشركة لمعرفة تأثير سد مروى على البيئة تم انتقادها بواسطة خبراء ووصفت بأنها قاصرة ومعيبة ، ولم تلتزم فيها بالمعايير الدولية لإعداد مثل تلك الدراسات . وأنها ما كان ينبغى لها أن تقوم بمثل هذه الدراسة لأنها صاحبة مصلحة فى قيام هذا السد . وأن بالسودان علماء أكفاء كان من الممكن أن يقوموا بمثل هذه الدراسة على خير وجه . وهناك لغط فى أن المجلس الأعلى للبيئة لم يجز دراسة شركة لامير فى أي جلسة من جلساته .
وشر كة لاهمير العالمية الألمانية كما أظهرت لى مواقع البحث بالإنترنت مشاركة فى إنشاء سد فى الأرجنتين يعرف بإسم سد ( ياسريتا ) مضى على إنشائه أكثر من عشرين عاما ولم يكتمل حتى الآن وارتفعت تكلفته من مليار ونصف مليار دولار الى أكثر من عشرين مليار دولار ولم ينتج كهرباء حتى الآن !!
وأخيرا ، فمن المؤكد أنه لا إدارة السد ولا أحدا غيرها من المختصين سوف يعقب على ما جاء فى هذا المقال من مخاوف حقيقية بإحتمال انهيار السد ولا عن اسباب تأخيره لإنتاج الكهرباء ...

فلمن يا ترى تقرع الأجراس ؟

Post: #42
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-29-2010, 12:29 PM
Parent: #41

شكرا اخي
اسماعيل حسن...
والرحمة والمغفرة للمرحوم محمد عبد الله سيد احمد

Post: #43
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-30-2010, 06:15 AM
Parent: #42


Post: #44
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-30-2010, 05:46 PM
Parent: #43

:::::::::::::::

Post: #45
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-31-2010, 06:53 AM
Parent: #44


Post: #46
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: إسماعيل حسن
Date: 05-31-2010, 09:53 AM
Parent: #45

الاخ مدحت سلام
( رحمة الله تغشاه وتتغمده)
تعرف يا اخي من كثرة الامثلة والوقائع التي تدل على تعامل ولاة الامر بالعشوائية المفرطة تجدني وكثر غيرى وانت منهم فى حالة إن جملنا وصفها لقلنا عنها غاية الدهشة .. والانقاذ يسهل كشف زيف ادعائها بالعمل على تنمية السودان والنهوض به من القاع الذى يكمن فيه وهي تفعل العكس تماما جهلاً ام قصداً فى معظم اطروحاتها ووحدة السدود خير مثال على ذلك .. إذ كيف يتم خلق مؤسسة بصورة عشوائية واتباعها لرئيس الجمهورية بصورة مباشرة ويقال ان أسامة عبد الله قد انيط به انشاء جسور فى الجنوب ايام كان القتال مستعراً ونجح فى تنفيذ ما اوكل اليه وبهذا صار موضع ثقة وبالتالي نال المباركة البشيرية واصبح كل من يعترض طريقه يطاح به و كيف لا ؟ وقد نجحت وحدة السدود هذه فى إبعاد وزارة الري تماما عن صميم عملها والحقت بها وزارة المالية ووزارة الزراعة و الهئية القومية للكهرباء واصبحت الوحدة هى المصمم والمقاول والمتحكم فى التمويل والمنفذ .. اضافة الى المشروعات المصاحبة لاقامة السدود . وقس على هذا كثير من التخبط فى مجالات مختلفة فى السودان.

Post: #47
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 05-31-2010, 10:52 PM
Parent: #46

Quote: أسامة عبد الله قد انيط به انشاء جسور فى الجنوب ايام كان القتال مستعراً ونجح فى تنفيذ ما اوكل اليه وبهذا صار موضع ثقة وبالتالي نال المباركة البشيرية واصبح كل من يعترض طريقه يطاح به و كيف لا ؟


نعم اخي اسماعيل امبراطور السدود اسامة عبد الله اطاحوا من اجله وزير الكهرباء مكاوي ووالي الشمالية ميرغني صالح ووو
من يطيح باسامة عبد الله سبب الكوارث ...؟؟؟!!
الله اعلم؟؟!!!

Post: #48
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-01-2010, 11:41 AM

:::::::::::::

Post: #49
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-01-2010, 06:58 PM
Parent: #48

:::::

Post: #50
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-02-2010, 09:04 AM
Parent: #49


Post: #52
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-03-2010, 07:19 AM
Parent: #46

:::::

Post: #86
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-12-2010, 00:05 AM
Parent: #45

:::::::::::::::::::

Post: #95
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-22-2010, 09:01 AM
Parent: #42

doorekin

Post: #84
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-10-2010, 06:53 AM
Parent: #41

:::::::::::

Post: #57
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-11-2010, 01:19 PM
Parent: #40

:::::

Post: #73
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-05-2010, 02:15 PM
Parent: #37

:::::

Post: #71
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-04-2010, 01:57 PM
Parent: #30

doorekin

Post: #89
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-14-2010, 01:24 AM
Parent: #26

::::::::::

Post: #51
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-02-2010, 06:46 PM
Parent: #24

:::::

Post: #53
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-03-2010, 03:50 PM
Parent: #19

فوووووووووووق

Post: #54
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-04-2010, 06:45 AM
Parent: #53


Post: #55
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-04-2010, 05:08 PM
Parent: #54

"ذي تايمز" اللندنية: غيوم الحرب تتلبد فيما تتنافس دول حوض النيل على مياه اطول انهار العالم
الجمعة يونيو 4 2010
نهر النيل وتاريخ من النزاعات
نيروبي، أديس ابابا – – نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية اليوم تحقيقاً لمراسلها تريستان ماكونيل بدأه بالقول انه لولا النيل لكادت مصر أن تكون صحراء يندر ان يسكنها احد، ولكان السودان ارضا برية عطشى.

ويقول ان اطول نهر في العالم يقطع مسافة تزيد عن 4 آلاف ميل عبر شمال شرقي أفريقيا، ليروي المزارع ويوفر المياه للشرب ولتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية.

ويكاد يكون النيل هو المصدر الرئيس لتوفير المياه الصالحة للشرب في مصر وفي ثلاثة ارباع السودان. وتطالب الدولتان بحقوقهما التاريخية فيه، الا ان ايا منهما لا تتحكم في مصادره. وقد دافعت مصر بقوة لالاف السنين عن حقها في استخدام مياه النيل حسب ما تراه مناسبا.

اما الان فان ميزان القوى بدأ في التغير وسط انذارات بصراع وتدهور في المحاصيل، حيث ان دولا اخرى تقدمت بمطالب جديدة للحصول على حصص في مياه النهر.

وفي الشهر الماضي وقعت غالبية الدول التي تشمل رقعتها منابع النيل على اتفاق منحت نفسها بموجبه مزيداً من السيطرة على النهر وازالت حق الاعتراض المصري لاكثر من خمسين عاما منذ الفترة الاستعمارية على كيفية استخدام مياه النهر. ووقعت اثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا واوغندا على الاتفاق من دون اي اعتبار لرفض مصر وحليفتها السودان في التعاون معها. ومن المتوقع ان تحذو حذوها جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي.

اما مصر فقد هددت باتخاذ اجراء قانوني وقالت انها لن تتخلى عن ذرة من حقوقها التاريخية. غير ان سدا لتوليد الطاقة الكهربائية افتتح الشهر الماضي في اثيوبيا يؤكد مرة اخرى تهاوي سيطرة مصر على النهر الذي يعتبر شريان حياتها.

وقد استغرق اعداد اتفاق مبادرة حوض النيل الجديدة التي تحظى بمساندة البنك الدولي حوالي عقد من الزمن. والهدف منها ان تحل محل اتفاقيتي النيل الحاليتين اللتين تتجاهلان دول المصب.

وكانت بريطانيا قد وقعت اتفاقا باسم مستعمراتها في العام 1929 بصفتها الدولة المستعمرة سمحت فيه لمصر باستخدام كل مياه النيل تقريبا وبحق الفيتو على استخدامها في دول المصب. وفي العام 1959 منحت اتفاقية معدلة مصر ثلاثة ارباع مياه النيل والباقي للسودان.

الا ان دول جنوب النيل بدأت تعلي صوتها في السنوات الاخيرة مطالبة بحصة اكبر في المياه ونهاية لحق الفيتو المصري الذي (تقول انه) يمنع مشاريع توليد الطاقة والري التي يمكن ان تعطل تدفق مياه النهر.

وتقترح مبادرة حوض النيل تشكيل لجنة اقليمية جديدة لتقرير مشاريع توليد الطاقة والري على النيل. واصبحت بؤرة توتر في المنطقة ما يزيد من الخشية في قيام حرب المياه.

وكان الرئيس المصري السابق انور السادات قد صرح قبل ثلاثين عاما بان "الشيء الوحيد الذي يمكن ان يدفع مصر الى الحرب مرة اخرى هو المياه". ففي خلال المجاعة التي اصابت هذا الجزء من افريقيا في الثمانينات، قال بطرس بطرس غالي، وزير خارجية مصر الذي تبوأ منصب الامين العام الامم المتحدة، محذرا ان "الحرب القادمة في اقليمنا ستكون بسبب المياه وليس السياسة".

ومنذ توقيع الاتفاق الشهر الفائت، ردد المسؤولون المصريون الغاضبون هذا الموقف. ووصف وزير الخارجية المصري

خارطة نهر النيل
احمد ابو الغيط مياه النيل بانها مسألة أمن قومي و"خط أحمر" لا يجوز تخطيه. بل ان بعض الصحف المصرية تدارس التكتيكات التي يمكن ان تكون فاعلة في حال نشوب حرب.

اما في اعالي جبال اثيوبيا فان ديرا قديما يقوم بمراقبة ينبوع "غيش أباي" المقدس. فالمياه المتصاعدة من التربة تغذي "بحيرة تانا" ومن ثم تصب في ممر ضيق لتصبح "النيل الازرق". وتلتقي في العاصمة السودانية الخرطوم مع "النيل الابيض" الذي يندفع شمالا من "بحيرة فيكتوريا" ويتدفقان سوية عبر مصر الى البحر الابيض المتوسط.

الا ان معظم مياه "النيل الابيض" تتبخر في مستنقعات "سد" الواسعة في السودان، ما يجعل مياه "النيل الازرق" الاكثر اهمية. ويتخذ رئيس وزراء اثيوبيا ملس زيناوي موقفا متعنتا في الدفاع عن حقه في استخدام هذه المياه لتطوير التنمية في بلاده.

وفي مقابلة اجريت مباشرة بعد افتتاح سد "تانا بيليس" الجديد لتوليد الطاقة المثير للجدل على "النهر الازرق" الشهر الماضي، رفض ملس الشكاوى المصرية بان تلك الخطوة كانت استفزازية. وقال ان "البعض في مصر يتمسك بافكار قديمة تقوم على اساس يفترض ان مصر تملك مياه النيل وان مصر لها الحق في تحديد من يحصل على ماذا".

واضاف ان "لدى اثيوبيا الموارد الضرورية لبناء اي بنية تحتية وسدود ترغب بها على مياه النيل. والطريق الى الامام لا تتمثل في محاولة مصر وقف ما لا يمكن وقفه".

الا انه ليس واضحا كيف امكن تمول "تانا بيليس". فالصين تستثمر بلايين الجنيهات في الدول الافريقية الكبرى، بما فيها بعض افقر دول العالم. وفي العام الماضي اكملت شركة صينية "سد تيكيزي" على احد فروع النيل في غرب اثيوبيا، الذي يعتبر اكبر السدود الافريقية.

وقد ذكر بيتر غليك، رئيس معهد الباسيفيك وهو مركز ابحاث اقتصادية وبيئية في كاليفورنيا، ان "العامل الصيني هو احد اكثر ما يثير القلق في النقاش الجديد حول المياه في افريقيا. فهم يعملون في مشاريع تطوير مائية من جانب واحد يمكن ان تؤثر على دول مجرى النيل والسياسات الاقليمية".

ان ما يكمن وراء التنافس المتزايد هو النمو السكاني السريع البالغ ما بين 2 و 3 في المئة في بلدان حوض النيل. ويعني هذا ان المياه التي لا تكاد تكفي 200 مليون نسمة اليوم يجب ان تلبي حاجات نصف مليار شخص خلال جيل من الآن. وقد خرج مزارعون في شمال مصر الى الشوارع هذا الاسبوع للاحتجاج على نقص المياه لمحاصيلهم لكن نقص المياه الموسمي لديهم لا يثير تعاطفاً من جانب بلد مثل اثيوبيا حيث يواجه الملايين الجفاف والقحط.

ان المعاهدات القديمة ينبغي اعادة التفاوض عليها. واذا لم يحدث ذلك، او اذا لم يمكن فض النزاعات، فان محللين يحذرون من اندلاع الصراع سيكون امراً في حكم المؤكد. وقال الدكتور غليك: "من دون اتفاق من نوع ما متفاوض عليه بشأن كيفية اقتسام المياه، يزداد خطر اندلاع صراعات، وهذه الصراعات ستكون عنيفة".

ويتجلى التنافس على المياه في اوضح صوره في مناطق شمال شرقي افريقيا الفقيرة والقاحلة ولكنه لا يقتصر على افريقيا.

ويشير الخبراء الى نقاط ساخنة بين الهند وباكستان بشأن الاندوز، وفي الشرق الاوسط بشأن دجلة والفرات، وفي جنوب شرقي آسيا على نهر ميكونغ. وقال ستيفين سولومون مؤلف كتاب "المياه: الصراع الملحمي على الثروة والقوة والمدنية": "لقد صار الصراع على المياه قضية كبرى عالمياً".

ومع ذلك يقول معظم المحللين بان لا مصر ولا اثيوبيا تريد الدخول في حرب بشأن المياه. ويقول الدكتور كليغ: "الحروب على المياه ليست حروباً لا مفر منها. انني متفائل بان بلدان حوض النيل ما زالت تتفاوض بالرغم من الكلام الطنان".



Post: #56
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-08-2010, 11:32 AM
Parent: #55

:::::::::::

Post: #58
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-13-2010, 08:38 AM
Parent: #56


Post: #59
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-13-2010, 01:58 PM
Parent: #58

..........

Post: #82
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-06-2010, 06:53 AM
Parent: #19

..........

Post: #63
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-24-2010, 05:12 PM
Parent: #13

http://news.bbc.co.uk/2/hi/in_depth/7384678.stm

Post: #88
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-13-2010, 11:29 AM
Parent: #63

دوريكن

Post: #66
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-25-2010, 03:53 PM
Parent: #12


Post: #87
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-12-2010, 11:18 PM
Parent: #12


Post: #81
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-05-2010, 05:54 PM
Parent: #4

علي خطي الفراعنة السود: فيلم وثائقي عن جهود 45 عام للب...ي منطقة كرمة...فيديو

Post: #60
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-18-2010, 02:25 PM
Parent: #2

اهداااااء للبشير.... صور

Post: #61
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-24-2010, 06:07 AM
Parent: #60

doorekkin

Post: #62
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-24-2010, 12:00 PM
Parent: #61

........

Post: #64
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: jini
Date: 06-24-2010, 06:43 PM
Parent: #62

لاهمية هذا البوست فى هذا المنعطف التاريخى لبلادنا اتمنى من الاخ مدحت المطالبةبعدم ارشفة البوست ونقله للربع الثالث
لا يفوتنى ان احى صديق العمر الباشمهندس و الاكاديمى النابه والوطنى الغيور والذى فصلته الانقاذ للصالح العام وهو من خبراء الرى المعدودين فى عالمنا!مصطفى من متفوقى السودان فى الشهادة المتوسطة والشهادة السودانية نال دراسات عليا فى هولندا وكندا!
فتامل حجم الماساة اكاديمى تتقاصر قامة وزير الرى عنه ويفصل للصالح العام!
اتمنى من الاخ مصطفى مختار وهو عضو فى هذا المنبر ان لا يحرمنا من اسهامه
جنى

Post: #65
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-25-2010, 07:07 AM
Parent: #64

شكرا
جني.
طلبت نقل البوست للربع الثالث.

Post: #67
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-26-2010, 07:51 AM
Parent: #65

معا من اجل حماية الارض النوبية والتاريخ والثراث ..
معا من اجل مقاضاة القتلة مرتكبى مذبحة كجبار

Post: #68
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-26-2010, 03:23 PM
Parent: #67

::::::::::::::

Post: #69
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 06-27-2010, 06:30 PM
Parent: #68

.....

Post: #70
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-02-2010, 12:00 PM
Parent: #69

.........

Post: #72
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-05-2010, 10:31 AM
Parent: #70

Irkonga Fa Mogmo

Post: #74
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-05-2010, 06:52 PM
Parent: #72

::::::::::::::::::::

Post: #75
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-07-2010, 08:34 AM
Parent: #74

:::::::::::::

Post: #76
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-20-2010, 09:18 AM
Parent: #75

علي خطي الفراعنة السود: فيلم وثائقي عن جهود 45 عام للب...ي منطقة كرمة...فيديو

Post: #77
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-21-2010, 10:33 AM
Parent: #76

دعوة للانضمام لمجموعة نوبة اركنين في الفيس بوك.

http://www.facebook.com/group.php?gid=126895700687512&v=wall

Post: #78
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-22-2010, 09:58 AM
Parent: #77

doorekin

Post: #79
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 07-30-2010, 09:20 AM
Parent: #78

فوق لمزيد من الاطلاع

Post: #80
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-03-2010, 07:23 AM
Parent: #79


Post: #83
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-09-2010, 10:21 PM
Parent: #80

................

Post: #85
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-10-2010, 06:08 PM
Parent: #83

رمضان كريم

Post: #90
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 08-29-2010, 05:29 PM
Parent: #85

انها ارث بلادي انها اصل الحضارة

Post: #91
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-21-2010, 07:20 AM
Parent: #90

ⲇⲟⲩⲣⲉⲕⲓⲛ

Post: #92
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-21-2010, 12:13 PM
Parent: #91

................

Post: #93
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-21-2010, 06:15 PM
Parent: #92

ⲇⲟⲩⲣⲉⲕⲓⲛ

Post: #94
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-22-2010, 00:48 AM
Parent: #93

shohdakajb.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

Post: #96
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-22-2010, 04:37 PM
Parent: #94

معا من اجل حماية الارض النوبية والتاريخ والثراث ..
معا من اجل مقاضاة القتلة مرتكبى مذبحة كجبار

Post: #97
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-22-2010, 09:52 PM
Parent: #96

ⲇⲟⲣⲉⲕⲓⲛ

Post: #98
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-23-2010, 09:13 PM
Parent: #97

كجبار يا وطني

Post: #99
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-24-2010, 07:04 AM
Parent: #98

doorekin

Post: #100
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-24-2010, 10:59 PM
Parent: #99

ⲕⲁⳝⲃⲁⲣ

Post: #101
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-25-2010, 12:48 PM
Parent: #100

تطورات خطيرة في قضية السدود في المنطقة النوبية .... بيان هام

Post: #102
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-25-2010, 02:34 PM
Parent: #101

مأساة عبود لن تعود.


Post: #103
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-25-2010, 05:24 PM
Parent: #102


Post: #104
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-26-2010, 01:14 AM
Parent: #103

ارقينقا اسيقي مشكيلة...فاليق بنجناني

Post: #105
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-26-2010, 08:13 AM
Parent: #104

seged.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

Post: #106
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-26-2010, 06:01 PM
Parent: #105

محاضرة الدكتور صلاح علي محجوب في جمعية التراث والثقافة النوبية تحت عنوان (السدود ما لها وما عليها)

السادة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الحمد لله نحمده على حِلمه بعد عِلمه ، وعلى عفوه بعد قدرته، فإنّه رضيَ الحمد شكراً لجزيل نعمائه، وكثير آلائه، وجعله مفتاح رحمته وكفاء نعمته، ونصلي ونسلم على نبيه الكريم الشافع المقرّب، جعلنا من أهل طاعته وعتقاء شفاعته ، وعلى آله وصحبه والتابعين.
قال تعالى:
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنّ الشيطان ينزغ بينهم. إنّ الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً. (53 الإسراء).
وبعد
فإننا نجلس الآن كأهلٍ نتفاكر ونتدارس ما يصلح شأننا وشأن أهلنا ... نقارع الحجة بالحجة لا يخوّنُ أحدُنا الآخر، ولا يسخر أخٌ من أخيه.
إن كانت الحقيقة هي ضالتنا فلا شك أننا إليها واصلون.... فقط لنصلح النوايا ونجعل أمام أعيننا صلاح أهلنا.
إن عارض السدَّ أحدُنا وهو يعلم أنّ فيه خيراً، فإنّه يخونُ نفسَه ويخونَ أهله ويكون رائداً يكذبُ أهله.
وإن أيّدَ وأعان أحدُنا على قيام السد وهو يعلم أنّ ضره أكثر من نفعه، فإنّه يخون نفسه ويخون أهله، ويكونُ أيضا رائداً يكذبُ أهله... وكلاهما قد فرّط في الأمانة، ولن يكون عقابُ التاريخ شيئاً ذا بال أمام عقاب الديّان، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
هو إذن حوار عقلي هادئ يتحمل كلٌّ منّا رأي الآخر وإن جاء على غير هواه.

كان بودنا أن يتسع المنبر اليوم ليشمل أصحاب الرأي، والرأي الآخر. { فالضدُّ يُظهر حُسنَه الضدُّ}.
ولكن لعلّ الدعوة لم تصل إلى أصحاب الرأي الآخر في وقت مناسب. ولقد طمأننا القائمون على أمر جمعية التراث أنهم سيتيحون هذه الفرصة في وقت لاحق.

موضوع الندوة:

مقدمة:
لاشك أن السدود قد لعبت دورا كبيرا في السودان، وكلنا يعلم أنّ إنشاء خزان سنّار الذي تم افتتاحه عام 1925م بعد ثلاثة عشر عاما منذ وضع حجر أساسه، والذي عطلت بناءه الحربُ العالمية الأولى، هذا الخزان هو الذي جعل إنشاء مشروع الجزيرة ممكناً... مليون فدان تمت زراعتها لتصبح أكبر مزرعة في العالم تحت إدارة واحدة، وجاء امتداد المناقل ليضيف مليون فدان أخرى.

ثم إنّ خزان خشم القربة هو الذي جعل إنشاء مشروع حلفا الجديدة ممكناً بغض النظر عما آلت إليه الحال في هذه المشاريع المروية.
ثم إنّ كهرباء السدود كانت هي الركيزة الأساسية في السودان لوقت طويل، ويمكنُ أن تدبّج الصفحات في مزايا التوليد الكهربائي المائي. ولكن ظهور مستجدات في عالم اليوم تجعل الصورة الوردية للخزانات تهتز. أهمّ هذه المستجدات أن صارت المياه سلعة نادرة وستظل قيمة المياه ترتفع إلى ما لا نهاية بتفاقم أزمة مياه الشرب في العالم.

يقول تقرير الأمم المتحدة عن مصادر المياه ( الصادر 2006م ) أنّ 20% من سكان الأرض ( أكثر من مليار ) يفتقرون الآن إلى موارد عذبة للمياه، وستزيد هذه النسبة لتبلغ 30% في عام 2025م.
هناك حدّ فاصل بين الأغنياء والفقراء في المياه المتاحة، بينما يستهلك الفرد في المتوسط 400 لتر في اليوم في أمريكا الشمالية، فإنّه في أوروبا يستهلك 200 لتر في اليوم، أما في الدول النامية فإنّ نصيب الفرد لا يتجاوز 10 لترات وتكلفهُ أكثر مما تكلفُ أهلَِ البلاد الغنية.

نقص المياه ليس هو المشكلة الوحيدة، ولكن ظاهرة التلوث بسبب اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي والمخلفات الأخرى يزيد المر سوءاً في العالم الثالث.

تعدُّ منطقة الشرق الوسط من أكثر المناطق افتقاراً للماء إذ أنّ تعداد المنطقة 5% من سكان العالم وبها 1% فقط من المخزون العالمي للمياه.
أمّا أوروبا فهي ليست بعيدة عن هذا المصير، إذ ستواجه هذا الشح أيضا، إذ أعربت المفوضية الأوروبية عن قلقها الشديد إزاء النقص المستمر في مصادر الماء في أوروبا، ولقد أظهرت دراساتها أنّ غالبية الدول الأوروبية تستهلك كميات من الماء لا تتناسب ومخزونها مما ينذر بانخفاض المياه الجوفية بها.

حرب المياه القادمة:
الحديث عن حرب المياه الذي يتم تداوله كثيراً ليس من الخيال العلمي، بل هو خطر حقيقي يتهدد أفريقيا على وجه الخصوص. لقد حذرت تقارير الأمم المتحدة في مارس 2007م من أنّ أكثر من مليار شخص في 43 بلداً يعانون ندرة المياه وأنّ أكثر من نصف هذه القائمة من أفريقيا. وهناك قائمة أخرى تسمي أسوأ ثلاثة عشر (13) دولة في هذا المضمار ومنها جيراننا أثيوبيا، والصومال، وأريتريا، وجيبوتي، وأوغندا، وتنزانيا.
و حروبُ المياه المتوقعة ليس مصدرها عدم الحصول على مياه صالحة للشرب فقط بل تمتد إلى خطر المجاعات الحقيقية الناجمة عن تراجع الزراعة بسبب ندرة المياه.

أنهار العالم في خطر:
يقول تقرير الصندوق العالمي لحماية الطبيعة الصادر في عام 2007م في جنيف "إنّ أنهار رئيسية كثيرة في العالم تواجه خطر الجفاف بسبب بناء السدود والذي من شأنه أن يؤثر على تدفق مياه الأنهار والحياة البحرية. بينما يمكن أن يؤدي تغيير المناخ إلى تغيير القواعد التي عاشت في ظلها الأنهار لآلاف السنين".
ولقد حدد التقرير 10 أنهار من بينها نهر النيل، والريوغراند والدانوب بوصفها أسوأ ضحايا سوء التخطيط وعدم كفاية الحماية. ويضيف مديرُ برنامج المياه في الصندوق العالمي لحماية الطبيعة قائلا " إنّ الأنهار لم تعد تصل بانتظام إلى البحار مثل نهر الهندوس في باكستان ونهر النيل في أفريقيا والريوغراند، وهناك ملايين الأشخاص يتعرّضُ مصدر رزقهم للخطر" - انتهى كلامه-
وعرّج التقرير على أثر شح المياه على الثروة السمكية مما سيزيد أزمة توفر الغذاء سوءاً.

المياه المتاحة للسودان من المصادر الداخلية والخارجية:
المصادر الداخلية هي ما يسكنُ في الأرض من مياه الأمطار والمخزون من المياه الجوفية، والمصادر الخارجية هي ما يحمله النيل والأنهار الأخرى من خارج البلاد.
أما الوارد من المصادر الداخلية في السودان ( بما فيها الأنهار التي لا تصب في النيل مثل بركة والقاش ) والمياه الجوفية المتجددة فإنّه يتأرجحُ بسبب اختلاف كمية الأمطار من عام لعام، ولكنّها في المتوسط قد تصل إلى، أو تقل عن 10 مليار متر مكعب.
أما المياه الواردة من المصادر الخارجية فهي في حدود 20 مليار متر مكعب ( وهي كما نعلم لا تُستغل بالكامل) مما يجعل الجملة في حدود 30 مليار متر مكعب.
سنعلم عن عدد سكان السودان قريبا عند اكتمال التعداد نهاية الشهر، ولكن على افتراض أنّه في حدود 35 مليون نسمة فإنّ نصيب الفرد يصير
أي أقل من 1000 متر مكعب في العام.
تُحدّد وكالات الأمم المتحدة خط الفقر المائي ( water stress limit ) بأنّه 1000 متر مكعب للفرد في العام.
وفي السودان، وبنسبة زيادة سكانية تبلغ 2.8% في العام نجد أن السودان الآن تحت خط الفقر المائي، وسيظل كذلك بتفاقم الوضع عبر السنين.

كيف يمكن لمياه النيل أن تزيد أو تنقص؟

1. أفضل الجهود لزيادة واردات الماء هي تقليل التبخّر. كلنا قد سمع بالمشروع القديم مشروع شق قناة جونقلي في جنوب السودان، والذي اهتمت به مصر والسودان منذ أمدٍ بعيد، وكاد العمل في المشروع أن يستقيم لولا اندلاع الحرب في الجنوب في أوائل الثمانينات. الفكرة أنّ منطقة السدود تنتشر فيها مياه النهر على مساحات واسعة وتُفقد فيها كميات كبيرة من الماء بالتبخر (رغم أنّ الرطوبة النسبية عالية هناك) لذا فإنّ مشروع جونقلي هو شق قناة لضبط مسار النهر في حدود معلومة، وبذلك يتم توفير 12 مليار متر مكعب كانت تُهدد بالتبخر. مازال هذا الشروع حلماً.
2. هناك توصيات بعمل خزانات على الأنهار الموسمية ( مثل القاش) وليس على مجرى النيل الرئيسي. إذ أنّ الأنهار الموسمية تضيع مياهها في زمن الفيضان دون الاستفادة الكاملة منها، لذا فان السّد وإن خلّف بحيرةً خلفه فإنّه يوجّه الماء إلى حيث يُستفاد منه، وبعد أن تجفّ البحيرة خلفه تصير مصدراً للخير.

أما إهدار المياه:
فإن {أفضل} وسائلها هي إنشاء الخزانات والسدود على مجرى النيل. إذ أنّ اتساع رقعة البحيرة جنوب السد تزيد من التبخر.
وفيما يخص خزانات الولاية الشماليّة الثلاثة فإن أكثر التقديرات محافظة تقولُ بتبخر المياه بما يقارب 3 مليار متر مكعب ، أكثر من نصفها من سد مروي ( ولقد أفادنا السيد وزير الدفاع أنّ بحيرة سد مروي تمتد لـ 180 كيلومتراً بعرض 18 كيلومتر ).
إذن فيما يخص ضياع الماء فإن قيام الخزانات هو سبب رئيسي في هدرها.

المياه الجوفية
تتراوح أعماق المياه الجوفية في السودان بين 40 - 400 متر، وكثير منها يصعب الوصول إليه أو أنها بعيدة عن البنيات التحتية التي تجعل الاستفادة منها ممكنة. أمّا المياه الجوفية السهلة في دلتا القاش وحوض نيالا فقد استهلكت لحد كبير { كمّاً وكيفاً}.
أمّا الحوض النوبي الذي كثر الحديث عنه مؤخراً فإنه ينتشر في أربعة بلاد مصر والسودان وليبيا وتشاد. والمساحة التي ينتشر فيها في السودان في حدود 800 ألف فدان أو نحوها، وكذلك مساحته في مصر، وتقل قليلا في ليبيا، أما في تشاد فهو يمتد في مساحة 10 آلاف فدان، ولقد بدأت ليبيا كما تعلمون في استغلال مياه ذلك الحوض عبر حفر عدد كبير من الآبار وضخ المياه ونقلها عبر مواسير عملاقة من جنوب ليبيا إلى شمال البلاد شرقا ( بنغازي ) وغربا ( طرابلس ).
أكدّ المصريون أن سحب ليبيا لهذه المياه لا يمسُّ المخزون الموجود في الحدود المصرية، ولكن ليس هناك دراسة أو تأكيد من الجانب السوداني بأثر نهر ليبيا العظيم على مخزون الحوض النوبي في الحدود السودانية.

الزراعة في السودان وحاجتها لمياه الري

تقدر الأراضي الصالحة للزراعة في السودان بمساحة 84 مليون هكتار أو 200 مليون فدان، وفي أحد تقارير الأمم المتحدة الحديثة فإن التقدير يصل لـ 105 مليون هكتار أي أكثر من 220 مليون فدان.
سبق وأن أشرنا لحجم المياه المتاحة للسودان من المصادر الداخلية والخارجية وهي حوالي 30 مليار متر مكعب وهذه تكفي لزراعة حوالي 6 - 8 مليون فدان.. تعادل جزءاً يسيراً من الأراضي الصالحة للزراعة بالسودان. وهذه المساحة تقل في حال زراعة أكثر من عروة واحدة في العام أو بزراعة المحاصيل الدائمة.

المياه التي تذهب للزراعة المرويّة من جملة المياه المتاحة تصل نسبتها لـ94% في السودان ( في البلاد الأوروبية وفي أمريكا تذهب 70% من المياه للزراعة وتبقى نسبة 30% للاستخدامات المدنية الأخرى ).

أهم المشاريع المروية في السودان كما تعلمون هو مشروع الجزيرة ومشاريع الرهد والسوكي وحلفا الجديدة وهي في مجملها تشكل أكثر من 50% من الأراضي المروية في السودان.

تعلمون أنّ حصة السودان من مياه النيل تبلغ 18.5 مليار متر مكعب في العام، ونسبة ما تم استهلاكه في العشرين سنة الماضية كان في المتوسط 15 – 16 مليار متر مكعب، وهناك فائض ينساب إلى مصر.

زراعة القمح بالسودان ( الإحصاءات من السيّد وزير الدولة للزراعة، عبد الرحيم علي حمد) في لقاء إذاعي في نهاية مارس 2008م).
استهلاك السودان السنوي من القمح هو 2.100.000 طن. المحصول المتوقع للعام 2007- 2008م (يكتمل الحصاد تقريبا في هذه الأيّام) هو 800.000 طن وهناك زيادة مضطردة في إنتاج القمح من 2004 (400.000 طن) حتى تاريخه، أمّا بقيّة احتياج السودان يتم استيرادها في الغالب من القطاع الخاص الذي أنشأ صوامع ومطاحن للقمح.

المساحة الكلية التي ستتم زراعتها في الموسم 2008- 2009م هي 1.200.000 فدان في مشروع الجزيرة ومشروع السوكي ومشاريع النيل الأبيض ، وحلفا الجديدة ، إضافة للزراعات الصغيرة في الولاية الشمالية وغيرها .

متوسط إنتاج الفدان في مشروع الجزيرة 9 جوال (0.9 طن) وفي مشاريع النيل الأبيض 16 جوال (1.6طن ) والسوكي 12 جوال (1.2طن ) هذه الإحصاءات نأخذها بتحفظ رغم صدورها عن وزير الدولة بالزراعة قبل أسبوعين.

تتحدث وزارة الزراعة عن إعادة تأهيل مشاريع زراعية قائمة وإنشاء مشاريع أخري في الشمالية جملتها مساحة 500.000 فدان حسب إفادة منسق القمح بوزارة الزراعة مؤخراً ،وذلك بتكلفة مليار جنيه لتأهيل كل 1000 فدان ولا ندري كيف ستوفر لها مياه الري .

للمقارنة فقط
تزرع مصر الآن 3.4 مليون فدان بالقمح وهي بالطبع لا تكفي نسبة للزيادة السكانية لذا يريدون زراعة المزيد. ولقد كانت بعض الشركات المصرية تزرع القمح في كندا وكازاخستان. وفي محاورة مع السيد وزير الزراعة المصري في القناة المصرية يقول إنّ فكرة زراعة القمح في السودان فكرة قديمة، منذ 30 عاماً ولكنّ نجاح الفكرة كان مرتبطاً بعلاقة حكومات البلدين، ولكنّ الآن - الحديث للسيد الوزير- فإنّ الحكومة السودانية تشجع الشركات المصرية لزراعة القمح في السودان . ولقد قمت بزيارة السودان 6 مرات خلال العامين الأخيرين. وزراعة القمح في السودان لن تكون عن طريق الحكومة المصرية بل عن طريق شركات مصرية.

نعود لنربط بين أمرين
زراعة القمح والمياه المتاحة
يقول خبراء الزراعة إنّ القمح يحتاج لكمية من الماء تساوي ارتفاع متر من الأرض المزروعة قمحاً حتى نهاية الموسم .
أي أنّ الفدان وهو 4200 متر مربع يحتاج 4200 متر مكعب من الماء
أي أن مليون فدان تحتاج 4.2 مليار متر مكعب هذه الكمية تكفي لزراعة القمح لعروة واحدة.
بعملية حسابية يسيرة نجد أنّ فائض نصيب السودان من مياه النيل والذي يقدر( دون بناء سدود ) بـ 3 مليار متر مكعب تكفي لزراعة 700.000 فدان إضافية لعروة واحدة، فإن أضفنا عروة صيفية فإنّ الماء يكفي لمساحة أقل قد تصل 350 – 450 ألف فدان.

ثم نعود لنربط بين زراعة الأرض والمياه المتاحة وإنشاء السدود.
ذكرنا من قبل أنّ إنشاء السدود في مروي وكجبار ودال قد يزيد من التبخر بمقدار ( 2.8- 3) مليار متر مكعب من الماء في منطقة هي الأكثر جفافا والأكثر حرارة في الصيف في السودان.
إذن الخزانات تستهلك فائض المياه غير المستغل ولن يكون بالإمكان زراعة قمح أو غيره بمستوي كبير في الولاية الشمالية لأنّنا ببساطة لا نملك الماء اللازم للرِّي .
ومهما كان الغرض من إنشاء الخزانات في شمال السودان فإنّ التبخر الناتج عنها مخصوم من نصيب السودان من مياه النيل.
إذن المنطق يقول أنّ بناء الخزانات لن يُحدث تنمية زراعية في الولاية الشمالية، وليس ذلك فحسب بل أن التوسع في زراعة القمح في الولاية الشمالية والذي كان ممكنا من الناحية النظرية باستغلال الفائض من نصيب السودان من مياه النيل فإنّ مجرّد قيام الخزانات يجعل ذاك الحلم غير ممكن.
فأين هي التنمية المرتبطة بالسدود إذن إن لم تكن في الزراعة، وفي زراعة القمح على وجه الخصوص .
عفوا إننا نحمل الأمر أكثر مما يحتمل فإنّ السدود لا تبنى للتنمية الزراعية والري ولكنها تبني كما هو معلن من أجل الكهرباء فقط. وهذا الأمر لا يحتاج لإقامة البيّنة عليه فقد صرح به وزير الري السوداني وصرح به وزير الري المصري بأّن الاتفاق أن تنشأ الخزانات على النيل في السودان لإنتاج الكهرباء فقط.

إذن خلاصة القول:
بناءُ السدود في الولاية الشمالية أهدر ويُهدر فائض الماء غير المستغل من نصيب السودان في نهر النيل.
وبناء السدود - والحال هذه - يمنعُ أيّ إمكانيّة لتنمية زراعية حقيقية من مياه النيل في الولاية، وإن كان هذا ممكناً بالأمس القريب.
إذن فإنّ الحديث عن زراعة 6 مليون فدان أو 14 مليون فدان في بعض الروايات، هو حديث لا يرتبط بمياه النيل ولا بالخزانات المقامة عليه.
أما إن كان الخيار هو زراعة الحوض النوبي بالمياه الجوفية على بعد 40 كلم غرب النيل في منطقة أرقين، فإنّ هذا لا يكون ذا علاقةٍ بالسكان المقيمين في ظل خزان دال أو كجبار ( إن بقيت لهم إقامة هناك)، وفي نهاية الأمر تبقى الآثار السيئة المترتبة من بناء السدود من نزوح وتهجير وفقدان للممتلكات والموروثات وغير ذلك هو حصاد هذه السدود لأهل المنطقة المتأثرة.

الآثار والسدود
غني عن القول أنّ الولاية الشمالية، مهد الحضارات، بها من الآثار ما يجعلها محور اهتمام عالمي. ولكن لم نفعل شيئاً ذا بال لاستكشافها أو استغلالها للسياحة. وما يحدث في مصر من أثر السياحة على الاقتصاد وغيره غنيٌّ عن التنويه.

عندما أعلن عن إنشاء السد العالي تدافعت البعثات الأثريّة عند نداء اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة وقضت بضع سنوات تنقب وتنقل آثار المناطق المهدّدة بالغرق . ولكن لم يكن هذا كافياً. ولدى جمعية الدراسات النوبية بالسودان وثيقة تاريخية هي عبارة عن محاضرة ألقاها البروفسير نجم الدين محمد شريف رحمه الله والتي تتشرف هذه القاعة بحمل اسمه، ألقاها في مؤتمر{ الإنسان والإبداع في بلاد النوبة } عام 1985م تحت اسم { الصراع مع النيل لإنقاذ آثار النوبة} يحكي فيها عن تلك التجربة.
ولكن الآثار التي غرقت وعلى رأسها الجزء الأكبر من كنيسة فرص وكنسية دبيرة الأثريّة وتماثيل سمنه وبوهين وآثار جزيرة مينارتي وآلاف المناطق الأثرية ذهبت بلا رجعة رغم الجهود التي توفرت بمشاركة معظم البعثات الأثرية المهتمّة بالتراث النوبي في العالم وقتها. وما يُلخّص هذه المأساة ما قاله عام 1956م أستاذ التاريخ الشهير بكلية الآداب بجامعة الخرطوم دكتور هيكوك الذي قال: (حتى لا نُفاجأ بإقامة سدٍّ آخر علينا أن نعمل من اليوم استعداداً لذلك ).
لكنّ شيئاً كهذا لم يحدث.
آثار منطقة الحامداب:
في عجالة حدّدت مسوحات سدّ الحامداب 762 موقعاً اثرياً إلا أنّهم لم يتمكنوا من إنقاذ أكثر من 38 موقعاً ( والمواقع التي لم يتم اكتشافها لابد أعظم. أمّا الآثار الواقعة تحت مقصلة كجبار ودال فهي بلا شك أعظم بكثير.
هل سمعنا - فيما يُثار عن هذه السدود- يوماً من يتحدّث عن آثار صاي؟ .. أو آثار مسيدة، أو عن أهميّة دراسة أو إنقاذ هذه الآثار في الولاية الشمالية؟

أنّ إغراق هذه الآثار التي بقيت لاف السنين، ستكونُ جريمة نكراء ليس في حقّ المنطقة النوبية أو الولاية الشمالية أو السودان فحسب، بل جريمة في حق الإنسانية.

Post: #107
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-27-2010, 09:48 AM
Parent: #106

ماكتبه الدكتور محمد جلال هاشم عن زيارة الوفد الحكومي للرياض برئاسة الفريق عبد الرحيم محمد حسين وبرفقة عدد من الصحفيين .. وقد تناول بحرفية التغطية الاعلامية ..والاخفاقات ...


لقاء الرّياض، وما أدراك ما الرّياض
عندما يسافر وزير دفاع دولة أراضيها محتلّة لتنوير المغتربين عن السّدود

مقدّمة:
في يوم الخميس الموافق 13 مارس 2008م أُقيمت ندوة تنويريّة عن سدّي كجبار ودال، وذلك بدار السّفارة السّودانيّة بالرّياض عاصمة المملكة العربيّة السّعوديّة، تحدّث فيها أوّلاً ممثّل إدارة السّدود، ثمّ أعقبه السّيّد الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين (وزير الدّفاع) بوصفه مكلّفاّ من السّيّد رئيس الجمهوريّة للقيام بهذه المهمّة، ثمّ أعقبه السّيّد والي الشّماليّة. جاء الوفد الحكومي بمعيّة عدد من الصّحفييّن البارزين بغية تغطية الحدث. وكانت النّدوة عاصفة، تجاوبت فيها الهتافات بين مؤيّد ومعارض للسّدّ، فضلاً عن أنّها استمرّت لما يقرب من الأربع ساعات. وقد أُتيحت الفرصة في نهاية النّدوة لبعض الشّخصيّات البارزة، وتلك التي تمثّل بعض مؤسّسات المجتمع المدني النّوبيّة هناك، لتعبّر عن رؤاها.
وقام بتغطية الحدث إعلاميّاً كلٌّ من السّادة: ضياء بلاّل (الرّأي العام)، الطّاهر ساتّي (الصّحافة)، محمّد لطيف (السّوداني)، وأحمد البلاّل الطّيّب (أخبار اليوم). وجاء رأي أغلب النّوبيّين المناهضين للسّدود بخصوص التّغطية الإعلاميّة إيّاها على أنّها كانت غير أمينة، ومنحازة لجانب الحكومة. فقد جاء وصف تلك النّدوة عند أكثر من واحد من هؤلاء الأساتذة الصّحفيّين على أنّها رجّحت "... كفّة مؤيّدي مشروع سدّ كجبار" (عنوان التّغطية عند محمّد لطيف)؛ "سدّ كجبار ... سالت على جوانبه الحقائق" (عنوان التّغطية عند الطّاهر ساتّي)، فضلاً عن محاصرة الأخير التّحقيقيّة Interrogative لبعض المناهضين لاستخلاص ردّ منهم بخصوص "الحقائق التي ذكرها المسئولون"؛ ثمّ أحمد البلاّل الطّيّب الذي صرف (بالتّقريب) حوالي 400 كلمة في مدح السّيّد وزير الدّفاع في تغطيته التي تزيد عن 2000 كلمة؛ ثمّ ما بدا أنّه التزام مبدأ الخبريّة المحضة في تغطية ما حدث دون أيّ تعمّق نقدي في العديد من النّقاط التي كما لو كانت تصرخ بأعلى صوتها جرّاء التّناقضات وضحالة الرّؤى المقدّمة من جانب المسئولين. هذا فضلاً عن عوامل أخرى مرتبطة بالمكان والزّمان كان لها تأثير كبير في تخريج الحدث كما لو كان انتصاراً مؤزّراً لمؤيّدي السّدود. وهذا ما رأى النّوبيّون المناهضون للسّدود أنّه السّبب الحقيقي في اختيار الرّياض لإجراء مثل هذا التّنوير، في الوقت الذي لم تقم فيه الدّولة بتنوير النّوبيّين بالسّودان، وهم من سيغرقون فعلاً. ثمّ التّحدّي الزّائف لمناظرة رافضي السّدود من قبل السّيّد وزير الدّفاع، في الوقت الذي فتحت فيه الدّولة النّار على مظاهرة سلميّة لمناهضة السّد، كما قضى بعض رافضي السّدود الشّهور الطّوال في المعتقل، وذلك عندما شرعوا في التّعبير السّلمي عن رفضهم للسّدود.
هنا سنقوم أوّلا بتبيان بعض أوجه الخلل المهنيّة فيما نقله بعض أو كلّ هؤلاء، ذلك أنّه يصعب في كثير من الأحيان معرفة ما دار بناءً على ما يقوله هؤلاء الصّحفيّون، وهم (فلنلاحظ ذلك) من كبار الصّحفيّين ـ إن جاز القول بأنّ في السّودان صحافة كبيرة. بعد ذلك سنقوم بمحاولة الرّدّ على بعض النّقاط، لافتين نظر القرّاء إلى أوجه التّناقض فيما أدلى به المسئولون في ندوة الرّياض.
الخبر الصّحفي بين الرّكاكة اللغويّة والرّكاكة المهنيّة:
تتّصف صحافتُنا بالرّكاكة اللغويّة، ذلك أنّها لا تعكس في ما تخطّه مطابعُها أيّ إدراك بأنّ للغة حرمتها، ذلك كونها مناط التّعبير عن الفكر والرّأي، فإن هي فسدت، فسدت الرّؤى والأفكار بالضّرورة. إذ لا يمكن أن نقول بنقاء الماء في ظلّ تلوّث الإناء. فصحافتنا هذه الأيّام الكالحات تشهد عبثاً باللغة تجعل أمثال سيبويه يتململون في قبورهم، متمنّين يوم القيامة عسى أن يقتصّ لهم المولى. فالكتابة فنٌّ ينهض في أساسه على القدرة في اجتراح خطّةٍ واضحة للكتابة تقوم بدورها على سداد المنهج وترتيب الأفكار والقدرة على استدعاء مفردات الكلام. وهذه شروحات أوّليّة ما كان أغنانا عنها لولا الفوضى العارمة التي ألمّت بفنّ الكتابة في عهدنا، فإذا بالجملة الواحدة تملأ أشرعة الصّفحات تباعاً دون نقطة، دع عنك الشّولة. كما خرجت علينا بعض الكتابات بأفانين من أباطيل العلامات يرجون بها اجتراح أسلوبٍ خاصٍّ بهم في التّرقيم، وذلك كما لو اعتبروه فنّاً زخرفيّاً لا علاقة له بالدّلالة واستبانة المعنى. وليت الأمر توقّف عند هذا، إذ حفُل نتاج الجرايد والصّحف ممّا قُصد منه أن يكون غذاءً للفكر والعلم بشنيع الخطايا سهواً طباعيّاً في أفضل حالاته ولحناً في اللغة وجهلاً إملائيّاً في أسوئه، دع عنك سقيم الآراء، فطيرها، ممّا يَسْلَحُ به على رؤوسنا جمهرة المتفاكرين صباح مساء، فتصوّر! فالفوضى العارمة التي عصفت بأبجديّات اللغة من نحوٍ وإملاء، خاصّةً ممّا ظلعت به كتاباتُ أغلب مستعربي ومتأسلمي السّودان في هذا الزّمن الكالح، لممّا يستوجب النّظر والتّعليق. فمع اشتداد وتائر الهوس الدّيني الإسلامي، التي لم ترَ في الدّين الحنيف غير سوط عذاب، ومع ارتفاع غلواء العنجهيّة العروبيّة، التي بلغت حدّ القتل والإبادة لمن لم يشمله الاستعراب، زادت طرديّاً وتائر الإزراء باللغة العربيّة إلى درجةٍ تفضح التّوسّل الميكيافيلي للأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة باللغة (وبعده وقبله بالدّين الكريم). وهكذا نضحت الصّحف والخطابات الجوفاء ثمّ الإذاعات، مسموعةً ومرئيّة، بأفانين من خطايا الكلام، حتّى كأنْ لم تعد هناك لافتة عامّة في بلادنا لمحلٍّ تجاري أو لاسم مكان أو شارع عام، إلاّ وقد جلّلتها خطايا اللغة عندما تتنزّل من عصمائها لتتمرّغ في وحل وأوصاب الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة.
وما كان أمر هذه الرّكاكة اللغويّة ليهمّنا هنا ونحن في معرض تحليل ما قام به هؤلاء السّادة الأجلاّء من تغطية (أو قُل: تعرية) صحفيّة، لولا مخايل الرّكاكة المهنيّة القاتلة التي جلّلت تعريتهم الصّحفيّة، وهو ما سنقوم بالتطرّق له. تعالوا الآن نرى كيف نقل هؤلاء لنا تاريخ الحدث، دون أن يتكبّد ثلاثة منهم (ضياء، ساتّي، لطيف) مشقّة إيراد التّاريخ، بالرّغم من مضيّ أكثر من يومين وثلاثة على الحدث. أمّا التّوريخ الذي أورده (البلاّل الطّيّب) فقد كان خاطئاً. تعالوا لنرى:
* ضياء بلال:
جاء عنده الخبر تحت العنوان التّالي: "الحكومة تنفي اعتزامها توطين 5 ملايين مصري بالشمالية: الفريق عبدالرحيم: الهدف من سد كجبار إعادة مهاجري النوبة الأوائل". جريدة الرّأي العام. السّبت 15 مارس 2008. العدد 3772. وورد في الموقع الإلكتروني للصّحيفة:ال
http://www.rayaam.sd/News_view.aspx?pid=106&id=7397
"... الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع ومبعوث رئاسة الجهورية للمملكة العربية السعودية لمحاورة الرافضين لقيام سد كجبار في ندوة حاشدة بمقر السفارة السودانية بالرياض أمس الاول ...". فلو أنّه قال: "... مساء الخميس أمس الأوّل 13 مارس 2008م ..."، ينال حظوة الحصافة العلميّة والمهنيّة. ومع هذا فهو أخفّ الأربعة ركاكةً، لولا توقّيه بمبدأ الخبريّة تحايلاً وتحاشياً لنقد مقاتل التّناقضات التي عنون بها خبره، ممّا سنقوم بالتّعرّض له أدناه.
* الطّاهر ساتّي:
جاء عنده الخبر على النّحو التّالي: "سدّ كجبار ... سالت على جوانبه الحقائق. أمين لجنة الإعلام يسأل: لماذا تمارس الحكومة نهج التّعتيم في مشروع سدّ كجبار". جريدة الصّحافة. الأحد 16/3/2008. العدد 5295. وفيه يقول عن تاريخ النّدوة: "ما حدث في الرّياض يوم الخميس الفائت ...". أي بعد ثلاثة أيّام.
* محمّد لطيف:
جاء عنده الخبر على النّحو التّالي: "ندوة الرّياض ترجّح كفّة مؤيّدي مشروع سدّ كجبار. وزير الدّفاع: الطّاقة والأمن الغذائي هما إسهام الشّمال في وحدة السّودان. معارضون للسّدّ: التّعاطي الحكومي يفتقر إلى الشّفافيّة والمصداقيّة". جريدة السّوداني. الأحد 16/3/2008. العدد 842. وفيها يقول عن التّاريخ" "نحو التّاسعة من مساء الخميس وصل الفريق عبد الرّحيم إلى مباني السّفارة السّودانيّة بالرّياض بتكليف من رئيس الجمهوريّة لإدارة الحوار مع واحدة من أكبر الجاليات السّودانيّة بالخارج ...". فما ضرّه لو شفع كلّ هذه التّفاصيل بتاريخ اليوم، خاصّة وأنّه يكتب عنه بعد ثلاثة أيّام؟
* أحمد البلاّل الطّيّب:
جاء عنده عنوان التّغطية كبيراً ومضخّماً وبتفاصيل تعكس تضخّم وتوهّج الذّات Flamboyancy لدى السّيّد "رئيس التّحرير" [كذا] دون ذكر اسمه بافتراض أنّه علمٌ في راسه نار: "رصدها رئيس التّحرير بقلمه وصّورها بهاتفه النّقّال بمباني السّفارة السّودانيّة بالعاصمة السّعوديّة الرّياض. الوقائع الكاملة للقاء التّنويري العاصف لوزير الدّفاع ووالي الشّماليّة وممثّل السّدود مع أفراد الجالية السّودانيّة بالرّياض من أبناء الولاية الشّماليّة الرّافضين والمؤيّدين لقيام السّدود وخاصّة سدّي كجبار ودال (1)". جريدة أخبار اليوم. الأحد 23/3/2008. العدد 4830. أمّا بخصوص التّاريخ، فقد أورده، نعم، ولكن بعد 400 كلمة من بداية التّغطية: "وعندما وصلنا للرّياض توجّهنا من المطار مباشرةً مساء الخميس 12 مارس الحالي إلى مباني السّفارة السّودانيّة ...". إذن فقد أورد توريخاً خاطئاً، إذ بدلاً عن يوم 13 مارس الحالي، نقرأ 12 مارس الحالي. ولنتأمّل مثل هذا الخطأ في ظلّ كلّ هذه التّفاصيل الرّكيكة.
لماذا وزير الدّفاع؟ ولماذا السّعوديّة؟
لم يرفع أيّ واحد من صحفيّينا الكبار السّؤال الذي خطر على بال غالبيّة النّوبيّين، ألا وهو لماذا يذهب وزير الدّفاع لينوّر النّوبيّين في المملكة السّعوديّة؟ إذ ما الذي يعنيه من ناحيّة رسميّة في هذا الشّأن؟ هل لمجرّد كونه نوبيّاً؟ على هذا، هل قام بتنوير من ترى الحكومة أنّ الغرق يعنيهم في المقام الأوّل، بحكم أنّه سيطولهم، ألا وهم القاطنون بالقرى المعرّضة للإغراق، حتّى يذهب إلى من هم بالسّعوديّة ليقوم بتنويرهم؟ أوليس هؤلاء هم أنفسهم الذين قامت إدارة السّدود بتصنيفهم في سدّ مروي على أنّهم غير جديرين بالتّعويض بحجّة الغياب الطّويل عن القرية؟ فهل يعني هذا التّنوير الرّسمي اعترافاً من الدّولة بحقّهم في التّعويض؟ من جانبنا نرى أن النّوبيّين في أيّ مكان في العالم معنيّون بما يجري في موطنهم الأمّ؛ فهل هذا هو نفسه رأي الحكومة؟ هل هذا هو نفسه رأي إدارة السّدود؟ دع عنك من كلّ هؤلاء، هل هذا هو نفسه رأي سيادة وزير الدّفاع؟ ثمّ هل علموا بأنّ النّوبيّين في الخرطوم، وليس في السّعوديّة، ممثّلين في جمعيّاتهم الخيريّة، قد ظلّوا لشهور يطرقون أبواب إدارة السّدود بغية كلمة واحدة بخصوص ما أعلنته من نيّة لإقامة سدّي دال وكجبار دون أن تظفر من هذه الإدارة الإمبراطوريّة بردّ واحد؟ وحتّى لا يكون الكلام معمّماً، دعني أذكر لك جمعيّة صاي الخيريّة بالخرطوم، فقد قامت بإرسال خطاب رسمي لإدارة السّدود، كيما تقوم بانتداب أحد مسئوليها لتنوير أهالي صاي خاصّة والنّوبيّين عامةّ بأمر سدّ دال، دون أن يظفروا بأيّ ردّ ينطوي على أيّ احترام لمصائر النّاس. فلماذا تقوم إدارة السّدود بتنوير النّوبيّين في السّعوديّة، وهم من سترفض الاعتراف بحقّهم في التّعويض، بينما تترفّع إدارة السّدود عن تنوير من هم بالخرطوم؟ ثمّ لماذا وزير الدّفاع ليقوم بهذه المهمّة، وهو الذي يتّهمه النّوبيّون على أنّه عرّاب تفريغ الشّمال النّوبي بغية توطين ملايين المصريّين؟
يا سادتي الجيش مهمّته الذّود عن حياض الوطن؛ ولكن ها هو الوطن يعاني من الاحتلال في بعض أطرافه، خاصّة في حلايب، وفي الفشقة، ومثلّث سرّة بشمال السّودان لدرجة استعصاء إجراء التّعداد السّكّاني بمثلّث حلايب. ومع هذا يقوم وزير الدّفاع باستصحاب بعض الصّحفيّين ليخوض معركة تنوير النّوبيّين بأمر السّدود في بلاد المهجر. ثمّ يأتي بعض هؤلاء الصّحفيّين غير الغررة، وهم في غاية الانبهار بالنّصر المؤزّر الذي أصابه وزير الدّفاع هناك؟ فهل فعلاً أصاب نصراً صادقاً أم تراه كان نصراً زائفاً من قبيل انتصارات دون كيشوت؟ تعالوا لنرى!
عنصر الزّمن
إذن فقد تحّدث وتحدّث السّيّد وزير الدّفاع، ثمّ تلاه السّيّد والي الشّماليّة، ثمّ تلاهما السّيّد ممثّل إدارة السّدود، ثمّ بعد ذلك أُتيحت الفرص لمن لديه اعتراض أو أيّ استفسار. فكم استغرق حديث هؤلاء يا سادة من لفيف صحفيّينا الكبار؟ هل يمكن أن نزعم بما نسبته 5 إلى 1 من الدّقائق؟ بمعنى هل كانت نسب مجموع الدّقائق المتاحة للسّادة المسئولين لتلك المتاحة للمعلّقين على النّحو التّالي: إزاء كلّ 5 دقائق للمسئولين كانت هناك دقيقة للمعلّقين؟ فهل تتساوى فرص التّعبير عن وجهة النّظر، ثمّ المحاججة، عند من يملك المنبر، وبالتّالي يملك الزّمن، كلّ الزّمن، مع فرص أولئك الذي يُعطَون الفرصة مع تحديد الزّمن بثلاث أو أربع أو خمس دقائق ـ أو حتّى قل عشر دقائق؟ لماذا تغفل تقارير السّادة الصّحفيّين عنصر الزّمن فيما جرى، دون أن ينسى بعضهم (ولهم الشّكر) إفادتنا بأنّ اللقاء استمرّ لأكثر من كذا ساعة؟ ثمّ هل يكفي الزّمن في مثل هذه الحالات لأكثر من رفع السّؤال، وهو ما قام به ذلك النّفر الكريم من النّوبيّين؟ فهل يعني اختصار أمرهم على الأسئلة بسبب قصر الزّمن، دون تفنيد حجج المسئولين، أنّهم انقلبوا إلى أهلهم فرحين بالسّدود ومباركين لها؟
عنصر الإرهاب
هل علم السّادة الصّحفيّون الكبار أنّ الدّولة السّعوديّة قامت بمنع السّودانيّين عامّة والنّوبيّين وأهل دارفور بصورة خاصّة عن عقد أيّ اجتماع لتداول قضيّة كجبار أو دارفور، مهدّدةً لهم بالتّرحيل الفوري؟ وقد جرى هذا في أعقاب أحداث كجبار في يونيو من العام الماضي على خلفيّة مجزرة كجبار التي قام بها جنود دولة السّيّد الفريق بدمٍ بارد. ثمّ هل علموا بأنّ الدّولة السّعوديّة قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقرنت القول بالعمل، وقامت بالفعل باعتقال عدد من النّوبيّين كانوا بصدد التّعبير عن احتجاجهم لمذبحة كجبار؟ ثمّ هل علموا بأنّ الدّولة السّعوديّة لم تطلق سراحهم إلاّ بعد أن استكتبتهم تعهّدات شخصيّة بعدم تناول هذا الموضوع بأيّ شكل من الأشكال طالما كانوا بأراضيها، وإلاّ فليتحمّلوا مسئوليّة ترحيلهم فوراً إلى السّودان؟ ثمّ هل هل علموا أنّ النّوبيّين عامّة، ممّن يندرجون تحت طائلة معارضة السّدود، على قناعة راسخة بأنّ السّلطات السّعوديّة اتّخذت تلك الإجراءات بعد اتّصالات قام بها السّيّد الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين وزير الدّفاع؟ لقد ملأت أخبار تلك الأحداث بتفاصيلها المتعلّقة بالسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين ودوره في تلك الإجراءات النّاجزة، صفحات المواقع النّوبيّة التي لا يحصيها العدّ؟ ربّما لا يكون للسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين يد فيما قامت به السّلطات السّعوديّة (طبعاً دون أن نعفي دولته منها)، لكن طالما كانت تلك هي قناعات الغالبيّة من النّوبيّين المقيمين هناك، يمكننا أن نتوقّع ما هو أكثر من الهشاشة والضّعف في يوم محفلكم الذي تناديتم له من عبر بحر القُلزم. ثمّ علينا أن نضع في الاعتبار أنّ ذلك اللقاء أقيم داخل حرم السّفارة السّودانيّة، أي داخل عرين الأسد. فهل يمكن للصّحفي الحاذق، والمهني الضّليع، أن يتوقّع مباراة كلاميّة متساوية التّنافس؟ فهيبة السّلطة وحدها ـ حتّى لو كانت سلطة يعارضها الإنسان ـ كفيلة في أغلب الأحيان بلجم لسان المعارضين من غير ذوي الباءة السّياسيّة، دع عنك باقي العوامل التي أفضنا فيها. ومع كلّ ذلك، جاءت مواقف النّوبيّين كأقوى ما تكون، إذ هل كان لديهم أكثر من فرصة رفع الأسئلة، وقد رفعوها عبر مذكّرتهم التي طالبوا أوّل ما طالبوا به عدم التّكتّم والشّفافيّة؟ فهل وجدوها في السّعوديّة، وهي الشّفافيّة التي غابت عن أهلهم بالسّودان، أي حُجبت عن الذين تعترف إدارة السّدود بأنّ أمر الإغراق يعنيهم في المقام الأوّل؟
فلو أنّ الحكومة ممثّلة في أيّ شخصيّة رسميّة ـ أكانت وزير الدّفاع أم وزير الدّاخليّة أم وزير الماليّة إلخ ـ أرادت بصدق تنوير النّوبيّين بالسّدود بغية الوصول إلى ما يُعتمل في نفوس المواطنين، فعليها أوّلاً أن ترفع الحظّر على تناول هذا الموضوع، ثمّ بعد ذلك عليها أن تسعى لمن تعتقد، محقّة أو مخطئة، بأولويّتهم في التّنوير، ألا وهم النّوبيّون المقيمون بالسّودان، بالقرى أوّلاً، ثمّ بالمدن، ثمّ بعد ذلك بنوبيّي المهجر. ولا أحتاج يا سادة إلى تذكير النّاس أنّ هذه هي نفسها الحكومة التي فتحت النّار على مظاهرة سلميّة نظّمها أهل قرية نائية لم يسمع بها النّاس من قبل، خرجوا احتجاجاً على تغييبهم من عمليّة تقرير مصيرهم، فأردت أربعة منهم شهداء مضرّجين بدمائهم. ثمّ هي نفسها الحكومة التي زجّت بنشطاء النّوبيّين، ومن بينهم كاتب هذه السّطور، لأكثر من 60 يوماً حسوما بالمعتقل لمجرّد أنّهم من جانبهم حاولوا أيضاً أن يقوموا بتنوير أهلهم والرّأي العام بمساوئ السّدود وذلك عبر ندوات ولقاءات سلميّة. كما هي نفسه الحكومة التي زجّت في السّجن بالصحفيّين الذين تكبّدوا مشاقّ السّفر لتغطية تلك الأحداث.
فهل علموا كلّ هذا، ثمّ تجاهلوه؟ أم أنّهم لم يكونوا يعلموا به؟ إن كان الأوّل، فقد فارقوا المهنيّة وأخلاقها؛ وإن كان الثّاني، فها هم قد علموا.
التّعرية الصّحفيّة وما قاله بالفعل السّيّد وزير الدّفاع
نجد في كثير من المواضع ممّا قام هؤلاء الاساتذة الصّحفيّون الأجلاّء بتغطيته صعوبة في معرفة ما قاله السّيّد وزير الدّفاع على ما في إفاداته من خطورة وأهمّيّة. وهذا في رأينا لأنّ الأربعة لم يقوموا بوضع خطّ فاصل بين الخبر من جانب، وبين التّغطية من جانب آخر. ففي الخبر يجوز لك أن تختصر ما جرى في قشرة جوز Nutshell، على ألاّ تفوتك عناصره الأساسيّة. أمّا في التّغطية (ولنلاحظ ما يعنيه مصطلح "تغطية" Coverage)، عليك أن تقوم برسم صورة بانوراميّة مشفوعة بالعديد من التّفاصيل لما جرى. وحتّى لا يُتّهم الصّحفي بالتّغطية الخاطئة أو المغرضة، يعتمد في إيراده للتّفاصيل على الاقتباس، عملاً بالقاعدة الفقهيّة القائلة بأنّ رواية الكفر لا تكفّر. وليس أيسر من إيراد الاقتباس دون زيادة أن نقصان في حال تسجيل حيثيّات ندوة في عصر العولمة الرّاهن.
أدناه سنقوم بإيراد اقتباسات من التّغطيات التي قام بها كلّ واحد من الأربعة على حدة، وذلك تبياناً لنقاط بعينها ذات خطر وشأن. ما نريد من القارئ متابعته هو كيف ستتوه بنا مشارع هذه التّعريات عن استجلاء حقيقة ما قال به السّيّد وزير الدّفاع، والذي بدوره لا نبرّؤه من مغبّة ما نُسب إليه. فمع أنّنا لا نرمي إلى الزّعم بتّحريف ما قاله بحسبان أنّ ما نُسب إليه في عموميّاته ممّا سارت بذكره الرّكبان، وهو ما كنّا قد دبّجّنا بشأنه أكثر من ردّ، إلاّ أنّ ما يعنينا هنا هو أوجه الرّكاكة المهنيّة في التّعرية الصّحفيّة التي قام صحفيّونا. سنأخذ في الجانب الجزئيّة المتعلّقة بتوطين ما مقداره خمسة ملايين فلاّح مصري بشمال السّودان، لنرى كيف وردت هذه الإفادات عند كلّ واحدٍ من الأربعة.
إفراغ الشّمالية من السّكّان بحجّة بناء السّدود وتوطين خمسة مليون فلاّح مصري
* ضياء بلال:
جاءت هذه الجزئيّة في صلب عنوان الخبر عنده، كما رأينا أعلاه. وفيه يثبّت الأستاذ ضياء البلاّل النّفي، دون أن يتعرّض لحقيقة أنّ نفي وزير الدّفاع يتناقض مع نفسه في ذات الفقرة. نقرأ الخبر عنده على النّحو التّالي في مواضع منفصلة عن بعضها:
"ونفت في ذات السياق وجود وثائق او اتفاقيات تؤكد عزمها توطين خمس ملايين مواطن مصري بالشمالية ... وقال ان قلة الكثافة السكانية بشمال السودان تعتبر واحدة من مهددات الامن القومي مستشهداً بما حدث في حلايب ... ونفى عبد الرحيم محمد حسين ما يشاع عن وجود اتفاقيات تسمح بتوطين خمسة ملايين مواطن مصري بشمال السودان وقال ان السودان أرض هجرات وان به سبعة ملايين مهاجر من غرب افريقيا وبالتالي ليس هنالك ما يمنع استقبال خمسة ملايين مواطن مصرى. وقال ان الاراضي لن تملك للمستثمرين ولكن ستظل ملكاً لحكومة السودان".
فأين النّفي هنا؟ أوليس فيما قاله السّيّد الوزير إثبات لما نُسب (لاحظوا: "نُسب" هذه) إليه من قبل في الموقع الإلكتروني لمركز الأهرام للدّراسات الإستارتيجيّة، وهو ما يستند عليه النّوبيّون في أنّ الحكومة قد عقدت هذا الاتّفاق مع مصر سرّاً؟ ولنركّز على دفوعات السّيّد وزير الدّفاع بخصوص حلايب والكثافة السّكّانيّة التي ترد باقتضاب شديد في إفادة الأستاذ ضياء البلاّل، ويُشكر على جزئيّة "حلايب"، إذ لا ترد أبداً في تغطية الآخرين. بخصوص الصّياغة والاقتباس، لا تثريب على ما قاله، باعتبار أنّه خبر، أكثر منه تغطية.
* الطّاهر ساتّي:
لا يورد الأستاذ الطّاهر ساتّي أيّ تغطية بخصوص هذه النّقطة الهامّة، دع عنك اجتراح أيّ رؤية نقديّة لما قال به السّيّد وزير الدّفاع. وكلّ ما يمكن أن نورده له بخصوص هذه الجزئيّة هو قوله عن السّيّد الوزير بخصوص سدّ كجبار [التّرقيم بنظام النّقطتين جاء في الأصل]:
"... وأهدافه هي إعادة بناء المجتمع النّوبي على أرض النّوبة وهو ليس للتّهجير بل لإعادة التّوطين ثمّ إعادة الكثافة السّكّانيّة لأرض النّوبة التي هجرها سكّانها .. والفقر السّكّاني من مهدّدات الأمن القومي .. نسعى لخلق هجرة معاكسة ولن نهجّر النّوبة من أرضهم .."
وهنا لا نملك إلاّ أن نتعجّب من لعبة الإخفاء والإظهار التي نشاهدها هنا، وسنشاهدها فيما يلي من إفادات أخرى. إذ لا نجد في تغطية الأستاذ الطّاهر سّاتي ما وجدناه في التّقرير الإخباري للأستاذ ضياء البلاّل. وقد وردت تغطية الأوّل في صفحة كاملة، بينما لا يزيد تقرير الثّاني عن ثُمْن صفحة. فمثلاً لا نجد أيّ ذكر للنّقاط المتعلّقة بتوطين الفلاّحين المصريّين بشمال السّودان، ولا أيّ شيء لاحتلال حلايب (لاحظوا: ورود كلمة "احتلال" بلسان وزير الدّفاع في معرض التّنوير بإقامة سدّ!).
* أحمد البلاّل الطّيّب:
نلاحظ في لغة هذا الصّحفي العتيد أنّه يقع على الخبر تنقيراً كما يقع الطّائر بمنقاره على طعام بالأرض. فهو يتعامل مع المادّة قيد التّغطية بأسلوب "من كلّ نبعٍ قطرة"، إذ لا يكاد ينقر جزئيّة بعينها حتّى يطير عنها، لينقر أخرى، وهكذا دواليك. وعلى هذا ننتهي منها في خاتمة أمره بجزئيّات متناثرة، متطايرة لمعلومات مختلفة، فلا نبينُ معنىً لها ولا مبنى. نقول هذا استناداً على التّفاصيل التي أفاد بها الآخرون، أللهمّ إلاّ أن تكون من بنات أفكارهم، منّوا بها على السّيّد وزير الدّفاع، من قبيل "زيادة الخير، خيرين". إقرأوا معي:
"... السّدّ لإعدة التّوطين وإعادة الكثافة السّكّانيّة لأرض النّوبة ولنراجع معاً أيّها الإخوة الكثافة السّكّانيّة الموجودة الآن على النّيل من الشّلاّل إلى حلفا ولكم أن تعلموا أنّ الأراضي الزّراعيّة الصّالحة للزّراعة (6) مليون فدّان فيما تبلغ المساحة الصّالحة للزّراعة بالولاية الشّماليّة حسب الدّراسات (14) مليون فدّان والمساحة من خزّان السّبلوقة ـ حلفا 1.2 مليون فدّان .. وفي مصر عدد السّكّان (65) مليون يعيشون على الـ (6) مليون فدّان الصّالحة للزّراعة .. أمّا نحن وبالرّغم من الـ 14 مليون فدّان الصّالحة للزّراعة وبعد كلّ المجهودات التي بذلها الوالي استطاع أن يزرع 500 ألف فدّان فقط ...".
جلاء هذه الجزئيّات المتناثرة، يمكن استبانتها بما قاله الأستاذان ذياء بلاّل والطّاهر ساتّي أعلاه، بيد أنّ يقوله الأستاذ محمّد لطيف أدناه قد يكون أكثر غبانة عن معميّات صاحب أخبار اليوم.
* محمّد لطيف:
وتستمرّ لعبة الإظهار والإخفاء فيما يورده الأستاذ محمّد لطيف، إذ نسمع بإفادات جدّ خطيرة، بينما تسقط أخرى جدّ خطيرة أيضاً أفاد بها الآخرون. يبدأ الأستاذ محمّد لطيف تغطيته بقوله:
"القضيّة المطروحة وهي قضيّة سدود الشّمال تهمّ بالدّرجة الأولى أبناء المنطقة وهي القضيّة التي كان يمكن أن تمضي تنمويّة اقتصاديّة صرفة لولا دخول أجندة سياسيّة ثم! الاستخدام المفرط للقوّة الذي أودى بحياة أربعة من أبناء المنطقة فحوّاها إلى قضيّة سياسيّة تدقّ منابر العالم بعد أن دخلت أجندة المقرّلا الخاصّة لحقوق الإنسان".
وهذا قولٌ عجيب، والله، لا يشبه عندي إلاّ ما يقوله الغرب في معرض نقدهم لإسرائيل بموازنته بنقد موازٍ للفلسطينيّين. فما هي هذه الأجندة السّياسيّة، قبل أن نسأل عمّن أدخلها؟ النّوبيّون أم الحكومة؟ من الذي ذهب إلى المصريّين في عام 2002 وتباحث معهم بخصوص الحرّيّات الأربع التي سمحت للمصريّين بدخول بلادنا دون أن تسمح لنا بدخول مصر المحروسة؛ والتي سمحت للمصريّين بتملّك الأراضي الزّراعيّة وبالاستيطان، في الوقت الذي تنتاش فيه رصاصات الجيش المصري فقراء السّودانيّين بمصر، ممّن لا تجود لهم الحكومة المصريّة بأيّ إعانات، فكان أن شرعوا في اللجوء إلى إسرائيل؟ ثمّ من الذي باع ما مقداره 6.1 مليون فدّان (رادع: جريدة الصّحافة، 31 مارس 2004، عدد 3892) لمصر من أراضي الحوض النّوبي؟ ثمّ من الذي جلس إلى خبراء مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة يشرح لهم ألاّ سبيل أمام مصر غير التمدّد جنوباً إلى السّودان في يناير من عام 2005م؟ أوليس هو نفسه السّيّد وزير الدّفاع؟ أوليست كلّ هذه القضايا سياسيّة، وقد بادرت بها حكومتنا السّنيّة؟ ثمّ من الذي قام بتحويل مسألة بناء السّدود من عمليّة فنّيّة بحتة إلى عمليّة سياسيّة، وذلك بتتبيعها إلى رئاسة الجمهوريّة (وهي هيئة سياسيّة) بنزعها من وزارة الرّيّ والموارد المائيّة (وهي هيئة فنّيّة بحتة)؟ فكيف كنت تتوقّع أن يكون ردّ فعل الشّعب إزاء حكومة تقوم بتسييس عمليّة بناء السّدود؟ ثمّ أين تكون الأجندة؟ في الفعل، أم في ردّ الفعل، أم في التّداعيات؟ المنطق والتّجارب تقول بأنّ الأجندة الخفيّة عادةً ما تكون في الفعل، ثمّ بعد ذلك في التّداعيّات، لكن لا يمكن لها أن تكون في ردّ الفعل، أللهمّ إلاّ إذا كان ردّ الفعل متواطئاً مع الفعل، أو متربّصاً به. النّوبيّون هنا هم أصحاب ردّ الفعل، وعليك أنت أن تبحث عن أجندة أصحاب الفعل (وهم الحكومة)، ثمّ عن أصحاب التّداعيّات (مقرّرة حقوق الإنسان).
ثمّ دعونا بعد هذا نستعرض ما قاله الأستاذ محمّد لطيف نقلاً عن السّيّد وزير الدّفاع إظهاراً كان أم إخفاءً، وذلك من مواقع منفصلة، بخصوص إفراغ المنطقة وتوطين الفلاّحين المصريّين (ولتلاحظوا معي كيف تقف فوضى التّرقيم عائقاً دون استبانة المعنى بصورة جيّدة):
"... الهدف منها إعادة النّوبة لأرض النّوبة لا للتّهجير، إعادة المهاجرين من الهجرة الأولى من توتي وحلّة خوجلي، طول النّيل من السّبلوقة إلى حلفا تساوي مرّة ونصف طوله من حلفا للمصبّ .. الأراضي الصّالحة في الشّماليّة (14) مليون فدّان من السّبلوقة إلى حلفا و(6) ملايين فدّان من حلفا إلى المصبّ .. (6) ملايين بها (65) مليون نسمة والـ(14) مليوناً بها مليون ونصف المليون. قلّة كثافة السّكّان خطر مهدّد للأمن الوطني لذلك فواحد من أهداف السّدود خلق الكثافة السّكّانيّة المطلوبة لكنطقة النّوبة لإحياء التّراث النّوبي، ..."
هذا قولٌ عجيب، ولا يستقيم واقفاً على قدميه إلاّ متّكئاً على عصا المغالطات. يا صديقي دعني أقتبس لك ممّا قاله السّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين (وكان حينها وزيراً للدّاخليّة) في ندوته أمام خبراء مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة بالقاهرة في يوم 7/1/2005م، وذلك نقلاً من الموقع الإلكتروني التّالي:
http://www.ahram.org.eg/archive/inde...5.htm&DID=8359
"شدّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين في عرضه على أنّ مجرى نهر النّيل في المنطقة الواقعة بين الخرطوم حتّى وادي حلفا في الشّمال أكثر طولاً من ذلك الجزء من النّهر الذي يمرّ في الأراضي المصريّة وأشار إلى مفارقة هائلة تتمثّل في أنّ سكّان مصر الذين يتركّزون بشكل أساسي حول ضفّتي النّهر يبلغون تقريباً 70 مليون نسمة بينما يعيش 1.2 مليون نسمة فقط في المسافة من الخرطوم إلى وادي حلفا. وإذا كانت التّقديرات تشير إلى أنّ عدد سكّان مصر سوف يصل إلى 100 مليون نسمة بعد عشرين سنة من الآن فأين سوف يذهبون وإلى أين سيكون التّوجّه المصري لمعالجة هذا الموقف؟ في هذا الإطار أشار الوزير السّوداني إلى أنّ مصر اتّجهت اهتماماتها السّياسيّة والفكريّة والثّقافيّة طوال الخمسين عاماً الماضية إلى الشّمال ولم تلتفت إلى حدودها الجنوبيّة وأنّه قد حان الوقت لوضع إستراتيجيّة تكفل تحقيق المصالح الحيويّة لقطري وادي النّيل حيث إن الأوضاع الحاليّة تستوجب أن يكون التّحرّك المصري هو باتّجاه السّودان على الأقلّ لحل مشاكل مصر الغذائيّة والسّكّانيّة وفي الوقت نفسه المساهمة في تحقيق التّنمية والاستثمار الأمثل للموارد في السّودان بشكل متوازن ومتبادل لمصلحة كلا الطّرفين".
وبخصوص نفس النّدوة، يمكنك أن تراجع الموقع التّالي: http://www.ahram.org.eg/acpss/:
"وتحدث المسئول السودانى عن أهمية هذا الاتفاق مستنداً على أن الهجرات العربية والإسلامية إلى السودان شكلت هوية السودان فيما بعد ولكن تلك الهوية واجهت صعوبات بسبب توقف الهجرات العربية وخاصة من الجزيرة العربية المنطقة الأقرب إلى السودان وحدوث فى المقابل هجرات من دول غرب أفريقيا حيث يوجد 7.5 مليون منهم فى شرق السودان وهذا كان له أثره فى تحديد هوية السودان حيث أثرت تلك الهجرات على التركيبة السكانية وشكلت خطورة فى تغيير تركيبة السودان العرفية ككل وإخلال التوازن العربى - الأفريقى، حيث يعانى وسط السودان من فراغ وهذا الفراغ إذا لم يتم امتلائه من مصر وهن الأكثر حاجة إليه فأنه سيتم امتلائه من الآخرين فحتى إسرائيل أرادت أن يكون لها وجود فى السودان".
فأيّ الحديثين المنسوبين للسّيّد وزير الدّفاع تريد من النّوبيّين تصديقه؟ ملء المنطقة بالنّوبيّين، بما في ذلك محس الخوجلاب، أم بالمصريّين حسبما نسبته له هذه المواقع المصريّة الرّسميّة؟ هذا سؤال أترك لك محاولة الإجابة عليه.
ولكن صديقنا محمّد اللطيف لا يريد أن يلطف بنا، إذ نراه، مع كامل إيماننا من أنّه على علم بما نسبته المواقع المصريّة للسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين، يأبى إلاّ أن يورد لنا المزيد من نفي النّفي، ونشر النّشارة. فهو ينقل عن السّيّد الوزير ما يلي:
"أمّا حكاية توطين (5) ملايين مصري في شمال السّودان (فدا كلام فارغ). ويضيف الوزير بانفعال واضح [سطر جديد] (أتحدّاك جيب وثيقة تقول في (5) ملايين مصري خُطّط لتوطينهم في السّودان أنا ما وزير موظّف أنا واحد من صنّاع الإنقاذ أعرف كلّ شيء فيها وإذا كنّا بصدد استجلاب مصريّين فليس من داعٍ لإخفاء الأمر ونحن حدودنا مفتوحة .. الآن لدينا (7) ملايين من غرب أفريقيا وهو أمر يعرفه القاصي والدّاني فلماذا سنخفي أمر المصريّين إن كنّا نخطّط له؟ ليس هناك نزع ملكيّة (علي بالطّلاق) ما في .. ليس هناك قرارات مصادرة بالشّماليّة .. الأراضي ما مملوكة لسدّ مروي مملوكة للحكومة، نسعى لتمليك الأراضي لأهل الولاية .. سدّ مروي لتطوير الأرض لا امتلاكها مثل مشروع الجزيرة .. هناك من هم في الخارج يعارضون حكومة الجبهة ويجب ألا يحاربوا مشاريع التّنمية".
جانباً عن المفارقة الكامنة في مقارنة مشروع الجزيرة بوحدة تنفيذ السّدود (وهو ما يشير بوضوح إلى الطّبيعة الأخطبوطيّة لهذه الإدارة)، وجانباً عن القدح في طاقة بعض الوزراء (الموظّفين ـ كأنّما هو ليس بموظّف عام) من غير صنّاع انقلاب يونيو (انقلاب الجبهة ـ أي من يبوئون بكذبتهم المنبريّة البلقاء حينا أنكروا ولجّوا في الإنكار) ـ جانباً عن كلّ هذا، تُرى ماذا يعني السّيّد الوزير بتحدّيه في أن يأتي له أيّ شخص بوثيقة تُشير إلى توطين ملايين المصريّين؟ أوليست الصّفحات الإلكترونيّة هذي بوثائق طالما صدرت من جهات مسئولة؟ فلماذا تتقوّل عليه مثل هذه المؤسّسة المصريّة البحثيّة المحترمة ذات الأهداف الإستراتيجيّة؟ ثمّ هل قام بنفي ما ورد فيها وبتكذيبه؟ هل طالب باعتذار عمّا لحق به من تقوّلات كاذبة؟
وبخصوص الرّقم (5) ملايين مصري، والمصادر التس استقى منها النّوبيّون هذا الرّقم بالتّحديد، نقول لك يا صديقي العزيز، عليك أن تراجع جيّداً ما نسبه مركز الأهرام للسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين. عندها ستعرف كيف توصّل النّاس إلى هذا الرّقم، والذي في حقيقته تقريبي ليس إلاّ. فقد جاء فيما نسبه مركز الأهرام على لسان السّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين الآتي:
"ولمزيد من التّوضيح [لاحظوا هذا توضيح للخبراء المصريّين في مجال الاستثمار يقوم به لواء في الجيش السّوداني ـ كذا] ضرب الوزير السّوداني بعض الأمثلة المحدّدة وقال بأنّ منطقة ’أرقين‘ جنوب الحدود السّودانيّة المصريّة مباشرةً بها أراضي خصبة قابلة للزّراعة مساحتها 1.5 مليون فدّان وأنّ هذه المنطقة يمكن بدء العمل فيها فوراً وبإمكانها استيعاب مئات الآلاف من الأسر المصريّة لتشغيل مثل هذا المشروع وأنّ هذا يحقّق مصالح عديدة لمصر من بينها تخفيف حدّة البطالة واستثمار اقتصادي بعائد مربح واستثمار إستراتيجي بتوفير الغذاء بالاعتماد على الذّات".
وعليه، الرّقم الذي تنطوي عليه جملة استيعاب (مئات الآلاف من الأسر المصريّة)، يمكن أن يكون 100.000 أسرة X 7 أو 5 أفراد، أو 900.000 أسرة X 7 أو 5 أفراد. وعليه تتراوح الاحتمالات ما بين مليون إلى 5 مليون. فإذا أضفنا إلى هذا ما ظلّ يحكيه النّوبيّون من أنّ السّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين كان قد جمع وجهاء النّوبيّين عام 2002م بالخرطوم ليبشّرهم بخبر السّعي بجديّة لتمكين ملايين المصريّين من الاستيطان في الشّمال النّوبي الذي كاد يخلو من سكّانه، وأصبح مهدّداً بأن يحتلّه أقوام قادمون من غرب أفريقيا ـ إذا أضفنا هذا إلى الاحتمالات الرّياضيّة، سنجد أنّ الرّقم (5) مليون يقف عارياً خجولاً أمام أسوأ الاحتمالات.

كيف ومتى نبني سدّاّ
هنا سنحاول في معرض رصدنا لتناقضات ما ورد في تغطية الأساتذة الصّحفيّين ممّا نسبوه للسّيّد وزير الدّفاع، أن ننتهز الفرصة لنشفع كلّ ذلك برؤتنا حول كيف ومتى نشرع في بناء السّدّ، أيّ سدّ. وسأبدأ بقصّة واقعيّة يعرفها كلّ سوداني تخطّى المرحلة الوسطى، أو المتوسّطة (يا حليل زمان كانت لدينة مرحلة دراسيّة من هذا النّوع)، ألا وهي طريقة وأسباب بناء خزّان سنّار عام 1925م.
اشتهر شمال بريطانيا طيلة القرنين التّاسع عشر والعشرين إلى نسفه بصناعة النّسيج الذي تمركز في مقاطعة لانكشاير ويوكشاير. وقد كانت تستورد القطن طويلة النّيلة من العديد من البلدان، وبتكلفة عالية. مع بداية القرن العشرين واستعمار بريطانيا ومصر للسّودان، فكّرت بريطانيا في إمكانيّة زراعة القطن في سهول الجزيرة ذات التّربة الطّينيّة السّوداء. فقاموا بتقدير الكمّيّة التي يمكن أن تنتجها لهم تلك المساحات الشّاسعة، فوجدوها بدرجة من الضّخامة أسعدتهم وفرحوا بها أيّما فرح. على هذا قامت بالتّجارب على تلك التّربة، فجاءت النّتائج إيجابيّة. من ثمّ قامت الإدارة البريطانيّة بالتّفكير في القوّة العاملة، فنظرت في شتيت قبائل كنانة، ودغيم، ورفاعة، والكواهلة والعقليّين ... إلخ، من أقوام عربيّة تسكن المنطقة، وتعيش حياة رعي مصحوبة بزراعة مطريّة. جاءت المسوحات الاجتماعيّة التي قامت بها الإدارة البريطانيّة بنتائج إيجابيّة ومشجّعة، مؤدّاها استعداد هذه القبائل على تغيير نمط حياتها والاعتماد على حياة الاستقرار والزّراعة المرويّة. ثمّ نظرت تلك الإدار في قدرة تلك القوّة البشريّة في إنفاذ ذلك المشروع وفق حجم الإنتاج المرتجى، فوجدوا عجزاً كبيراً فيها، عندها قاموا بتشجيع نزوح المواطنين من شمال السّودان إلى الجزيرة. ولهذا نجد جميع قبائل شمال السّودان ضمن التّركيبة القبليّة لسكّان مشروع الجزيرة. ثمّ أعادوا الكرّة، مقارنين ما استجلبوه من أقوام مع ما يرتجونه من إنتاج، فوجدوا فجوة العمالة لا تزال، فكان أن استقدموا مجموعات إثنيّة بأكملها من دول غرب أفريقيا، وهي التي تعيش الآن فيما يعرف باسم "الكنابي" في ظلم مشين. وهذه هي المجموعات التي يلمّح لها السّيّد وزير الدّفاه في كلّ مجلس ومقام (وقال ان السودان أرض هجرات وان به سبعة ملايين مهاجر من غرب افريقيا وبالتالي ليس هنالك ما يمنع استقبال خمسة ملايين مواطن مصرى) وذلك في معرض مقارنته لحقّ المصريّين في الاستيطان. ولكن هل فات عليه أن قدوم أولئك كان قبل مائة سنة، وأنّ هذا قد حدث في زمن المستعمر، وأنّ عددهم لا يفوت بأيّ حال من الأحوال نصف مليون نسمة؟ وهل فات عليه أنّ عدد الـ 7 مليون نسمة من غرب أفريقيا هي هجرات تمّت قبل ذلك، وأنّها تمّت بنفس مستوى هجرات العرب إلى السّودان، فضلاً عن أنّهم لم يأتوا في إطار اتّفاقيّة بين دولتين ذاتي سيادة؟ ثمّ هل كان لنا أيّ تاريخ استعماري بين الدّول التي قدم منها أولئك، وبين السّودان؟ أمّا بخصوص مصر، فلا أملك إلاّ أن أشير إلى ما قالت بها مذكّرة (مجموعة العمل النّوبي) لكوفي عنان أبريل 2004م: "وفي الحقيقة فإن بلاد النوبة (السودان) ومصر ظلتا عبر التاريخ تمثلان دولتين مستقلتين يفصل بينهما الشلال الأول بأسوان كحدود طبيعية. وعندما كانتا تتحدان أحيانا، فإن ذلك كان يتم عبر القوة المادية القسرية الناجمة عن الاحتلال. والآن عندما تحتل مصر بلاد النوبة، وعندما تحكم مصر النوبيين، فإن ذلك يعني أن حدودا فارقة عمرها سبعة ألف سنة قائمة على الطبيعة، والثقافة، والعرق قد أُزيلت نهائيا من قبل المصريين بما يحقق مصلحة مصر فقط".
فلنعد إلى مشروع الجزيرة. بعد هذا قامت تلك الإدارة البريطانيّة بتأهيل عدد كبير من الشّباب السّوداني تحت إشراف متخصّصين من بريطانيا، وذلك لتدريب الأهلين على أنماط وطرق الزّراعة من دورة رباعيّة إلى خماسيّة، إلى كيفيّة زراعة شجيرة القطن، وبالتّالي الاعتناء باللوزة، وحمايتها، انتهاءً بلقيط القطن. ثمّ قاموا بإرساء الاتّفاق بين المزارعين من جانب، وبين إدارة مشروع الجزيرة من جانب آخر. بعدها قاموا بإجراء زراعات تجريبيّة، لا يزال يتذكّرها كبار السّنّ ممّن عاشوا تلك الفترة. ثمّ قاموا بتقسيم الأرض، فنال كلّ واحد منهم حوّاشته؛ كما قامت إدارة المشروع بحفر القنوات والتّرع، وتدريب المزارعين بكيفيّة إدارة وصيانة تلك القنوات. في نفس الفترة فكّرت إدارة المشروع في أن تقوم بإجراء معالجة أوّليّة للقطن، وذلك بحلجه قبل إرساله لبريطانيا. فقدّرت عدد المحالج التي ستحتاج إليها وفق تقديرات الكمّيّة المتحصّل عليها من القطن، فحدّدوا عدداً بعينه. هنا ـ وهنا فقط ـ انطرح السّؤال: من أين لنا الماء لريّ هذا المشروع؟ بالطلمبات أم بالآبار أم ببناء سدّ؟ ثمّ من أين لنا بالطّاقة لتشغييل عدد كذا وكذا من المحالج، أضيفت لها مصانع أخرى للصّابون بحكم أن بذرة القطن يمكن استخلاص الزّيوت منها؟ وعلى هذا، وبعد دراسة جميع الخيارات وقع اختيارهم على بناء خزّان سنّار.
ماذا نفهم من هذا؟ نفهم شيئاً خطيراً، ألا وهو أنّ السّدود وبناءها ليس تنمية في حدّ ذاتها، ذلك لأنّ السّدود تأتي كإجابة لسؤال تنموي قائم. ماذا يعني هذا فيما نحن بصدده؟ إنّه يعني أنّ على من يريد أن يبني سدّاً أو خزّاناً، أن يكون قادراً على تحديد المشروع التّنموي الذي سيأتي قيام السّدّ بمثابة إجابة له تتعلّق إمّا بالطّاقة أو بالرّي، أو بالإثنين معاً. ماذا يعني هذا مرّة ثالثة؟ إنّه يعني أنّ تحديد ملامح المشروع التّنموي ينبغي أن يسبق السّدّ؛ إذ لا ينبغي أن تشرع في بناء السّدّ دون أن تكون قادراً على تسمية مشروع تنموي بعينه. ولكنّا ها نحن نشهد في عهد الإنقاذ كيف تشرع الدّولة في بناء السّدود، الواحد تلو الآخر دون أن يكون في مقدورها تسمية مشروع تنموي واحد. أمّا مسألة تعويض الفدّان الواحد بعشرة أمثاله، فموضوع بدرجة من الخطورة. إذ كتب متولى سالم (جريدة المصري اليوم، بتاريخ 22/3/2008م العدد 137 "أكد كمال علي وزير الموارد المائية السوداني ... أن إقامة هذه السدود لأغراض توليد الكهرباء فقط". فالماء يا سادتي ليس سائباً كما تراه العين المجرّدة، فكلّ قطرة في محسوبة بدقّة. فقيام السّدود يحتاج إلى كمّيّة من المياه هي تلك التي ستظلّ باستمرار في داخل البحيرة النّاجمة (التّخزين الميّت)؛ وقد حُلّت هذه المعضلة باستغلال المياه التي كات تروي الجروف قبل السّدّ. بعد ذلك تبقى مسألة توفير المياه التي سوف تتبخّر، وهو ما ستغطّيه كمّيّة المياه الفائة عن حاجّة السّودان والبالغ حجمها 4 مليار متر مكعّب سنويّاً، وهي التي ظلّت مصر تستفيد منها حتّى اعتبرتها حقّاً مكتسباً. فإذا علمنا أنّ سدّ مروي يبلغ التّبخّر فيه ما مقداره 1.7 مليار متر مكعّب؛ في كجبار 1.5 مليار متر مكعّب؛ في دال 1.00 ليار متر مكعّب، وصلنا إلى نتيجة جدّ خطيرة، ألا وهي أنّ هذه السّدود الثّلاثة فقط سوف تبتلع فائض المياه، فماذا عن السّدود الأخرى؟ وكيف وافقت مصر على هذا، وهي التي كانت تعارض قيام أيّ سدّ في الماضي؟ هذا الأسئلة وغيرها نتركها للسّادة الصّحفيّين الكبار، فلعلّهم قادرون بصلاتهم الوثيقة بالسّيّد وزير الدّفاع على تقديم إجابة شافية عليها.
إذن يا سادتي، لا توجد هناك أيّ مياه فائضة من حصّة السّودان للزّراعة! ولكن ماذا عن عدد الـ30.000 فدّان التي تُزرع من قبل المتأثّرين بسدّ مروي؟ وماذا عن عدد الـ 36.000 فدّان التي وعد بها وزير الدّفاع مواطني الشّماليّة؟ هذه ليست مشاريع تنمويّة، وذلك كونها مشاريع إعاشة (نكرّر: إعاشة!) لتعويض المتضرّرين. فالتّنمية الحقّة ليس فيها متضرّرون، كما ليس فيها تعويض؛ إذ كيف يمكن تعويض المستفيد؟ وبخصوص سهل كُكّا (يكتبه الصّحفي النّطاسي الطّاهر ساتّي: :كاكا"، والتي علّق عليها أحد ظرفاء النّوبة بأنّها في حدّ ذاتها قد تكون حركة مصريّة، فتصوّر!)، أنقلوا عنّي شخصيّاً، فقد قمتُ في الأعوام 1999م-2003م بمسح تلك المنطقة ضمن فريق مشروع المحس التّابع لشعبة الآثار جامعة الخرطوم، وأعرفها شبراً شبراً. تلك الأرض عطرونيّة لا تصلح للزّراعة، ومن ميزات الأرض العطرونيّة أن تحتفظ بالجثث منذ آلاف السّنين كما لو كانت محنّطة، وما هي بمحنّطة. وقد حاول بعض أهل كُكّا زراعة تلك الأرض، ففشلت جميع محاولاتهم، ولم يحصدوا قيراطاً واحداً، إذ لم تُنبت لهم تلك الأرض نباتاً لأعلى من 15 سم، مع ما بذلوا فيها من جهد ومن أسمدة ووفرة سقاية وريّ إلخ.
فيا سادتي لو احتفظنا بمياهنا، ومن ثمّ قمنا بتنقيتها وبيعها كمياه صحّيّة في الأسواق العالميّة لربحنا أكثر ممّا سنكسبه من بناء هذه السّدود عالية التّكلفة، عديمة التّنمية، ثمّ هي تُبنى بديون سيظلّ يدفعها الشّعب إلى ما لا يعلم به غير الله.
ولكن يا سادتي لماذا كل هذا والنّوبيّون لديهم البدائل التّنمويّة؟ ذلكم هو تنمية الحوض النّوبي والذي يشتمل على ما يفوق 6 مليون فدّان تّروى من أكبر بحيرة جوفيّة في أفريقيا والشّرق الأوسط، وتقبع أبعدها عن الأرض في أعماق لا تتجاوز الخمسين متراً بأيّ حال من الأحوال؟ إنّه المشروع الذي ظللنا نكتب عنه منذ تسعينات القرن المنصرم، دون أن تلتفت لنا الدّولة ولو من باب المجاملة. وحتّى لا يكون الكلام معمّماً، أفيدكم بأنّني قمت قبل حوالي 7 سنوات بإجراء دراسة جدوى كاملة لهذا المشروع، والذي من شأنه أن يحقّق تنمية غير مسبوقة في العالم الثّالث. وتجمع الشراكة لمشروع الحوض النّوبي بين طرفين رئيسيّين: وطني ودولي (Syndicate على غرار شراكة مشروع الجزيرة التي ضمّت في طرفها الوطني المزارعين أنفسهم). في جانبها الوطني تمثّل جماع الشّراكة حزمة الاتحادات الزراعية التعاونية بأقاليم النوبة النيلية الأربعة (دنقلا، المحس، السكوت، وحلفا). وفي هذا لا ينبغي أن نتساءل عمّا إذا كان هذا سينال رضى النّظام الحاكم ـ ديموقراطيّاً كان أو ديكتاتوريّاً؛ إذ هذا حقُّنا، وهو ما ينبغي أن نناضل، بل ونحارب من أجله. عليه، ينبغي أن يتوجّه نضالُنا لدفع الحكومة (أيّ حكومة)، لا لتعلن موافقتها فحسب، بل لتعطي ضمانتها للمستثمرين الدّوليّين. توزّع المساحة المزروعة بالأفدنة على كل إقليم، ومن ثم توزّع على كل قرية ممثلة في مشروعها الزراعي على أن توزّع هذه بدورها على مزارعي القرية ليقوموا بمهمة الزراعة والمتابعة والحصاد حتى مرحلة التعبئة وذلك تحت إشراف الهيئة العليا للإتحادات الزراعية التعاونية بالتنسيق مع الجهات الممولة، أي الطّرف الدّولي والذي تقوم فيه الشّراكة بجمع حزمة من شركات السيوبرماركت الضّخمة بأوربا بضمانة الاتّحاد الأوربي ضمن حملة رفع الفقر عن أفريقيا.
وقد يسأل سائل بريء عن مصدرنا للطّاقة، إذ لا تنمية بلا طاقة. صدّقوني يا سادتي الإجابة على هذا سوف أقوم باستخلاصها من الكلام الذي نسبه صحفيّونا للسّيّد وزير الدّفاع في معرض تعريتهم الصّحفيّة البائسة تلك. جاء في تغطية أحمد البلاّل الطّيّب ما يلي: "وحتّى إذا أنشأنا جميع السّدود التي ذكرناها فإنّها ستنتج 8 آلاف ميقاواط ةالعاصمة السّعوديّة فقط الآن الطّاقة المتوفّرة فيها 8 آلاف ميقاواط ...". وجاء في تغطية محمّد لطيف ما يلي: "الكهرباء الموجود في السّودان الآن لا تغطّي حيّاً واحداً في الرّياض ...". ومع كلّ هذا لم يخطر ببال أيٍّ من هؤلاء الصّحفيّين أن يسأل، أو يقوم بتحليل مثل هذه الإفادة الغريبة، برفع السّؤال التّالي: ماذا سيكون مصيرنا عندما نستنفد بناء جميع السّدود، ثمّ تصبح لدينا عاصمة في حجم الرّياض ـ دع عنك عدّة مدن في حجم الرّياض؟ إلى ماذا نلتفت عندها كيما نقوم بسدّ العجز في الطّاقة في قطاع الخدمات، دع عنك قطاع الصّناعة والتّنمية؟ أولا يؤكّد السّيّد الوزير بحديثه هذا أنّ هذه المشاريع لا تنتج كهرباء تستحقّ كلّ هذا العناء وكلّ هذه التّكاليف وكلّ هذه التّضحيات؟ أو لم يسمع صحفيّونا بخبر مصر اليقين من أنّها اتّجهت لتوليد الطّاقة نوويّاً؟ أولم يسمعوا بما كتبه يوسف العومي في جريدة المصري اليوم (السّبت 22/3/2008م ـ العدد 137 تحت عنوان "السفير المصري بموسكو: الاتفاقية النووية مع روسيا تتيح لها دخول مناقصات إنشاء محطات الطاقة في مصر"؟ وهل علم صحفيّونا الكبار بأنّ إنتاجيّة السّدّ العالي في عام 1966م كانت تغطّي ما نسبته 55% من احتياج مصر للكهرباء، ثمّ انخفضت هذه النّسبة إلى 15% بعام 1998م (http://en.wikipedia.org/wiki/Aswan_Dam)، والآن لا تغطّي إنتاجيّة السّدّ العالي غير 9% فقط؟
ثمّ لماذا لم يقم أيٌّ من الصّحفيّين برفع السّؤال التّالي تعمّقاً: من أين وكيف تنتج السّعوديّة هذه الكمّيّات المهولة من الكهرباء؟ والجواب على هذا السّؤال لا يحتاج إلى عبقريّة، إذ تنتج كلّ هذا بالتّوليد الحراري طبعاً، ذلك كونها دولة بتروليّة. لكن، أوليس نحن أيضاً قد صرنا دولة بتروليّة؟
صدّقوني يا سادتي يمكننا أن نستمرّ في رفع مثل هذه الأسئلة إلى ما لا نهاية، ولكن ما قلناه يكفي، ونربأ بصحفيّينا الكبار أن يكون حالُنا وحالُهم قول الشّاعر:
لقد أسمعتَ إنْ ناديتَ حيّاً *** ولكن لا حياةَ لمن تنادي
والسّلام على من اتّبع الهدى؛؛؛؛
محمّد جلال أحمد هاشم
الخرطوم
24/3/2008

Post: #108
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-28-2010, 00:56 AM
Parent: #100

KAJBAR1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

Post: #109
Title: Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة
Author: Medhat Osman
Date: 09-30-2010, 08:03 AM
Parent: #108

doorekin