الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


03-09-2010, 05:41 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=300&msg=1277867415&rn=136


Post: #1
Title: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 05:41 PM
Parent: #0

*





الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(1)
أفي حمّى الأوجاع التي تعُم الوطن ، أيصلُح الحديث عن منْ تشكل شاعراً ثم دبلوماسياً ثم كاتباً صحافياً ثم روائياً، ثم هبطت كل الجداول لتصُب في نهر خلوق اسمه " جمال محمد إبراهيم " ؟.

خطا خطوه منذ أوج الحرب الباردة وإلى هذا الزمان الصعب .

احترت من أين أبدأ ؟

فالمقال ملفوف بالنار ومحفوف بالمخاطر وملغوم بلسعات قد تأتيك ممن تُحب ، أو نظرات الاستغراب تغسلك بثيابها الغامضة ، أو صحوة حبيب " كفجّة الموت" يسألك :
لِمَ تكتُب عنه ؟
أو يسأل سائل :
أتعرف عن الدبلوماسية كثير شيء ؟

المفاجأة على الطريق

*

Post: #2
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 05:50 PM
Parent: #1




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(2)

أنوار على سيرته :

عمل بمصلحة الثقافة ( 1973 – 1975 )
عمِل دبلوماسي بالخارجية ( 1975 – 2009 )
سفير السودان السابق بلبنان ( 2006- 2009 )
*
يحمل وسام الأرز بدرجة ضابط أكبر من الجمهورية اللبنانية (ابريل 2009).
*
عضو اتحاد الكتاب السودانيين - الخرطوم .
*
نشر عددا من المقالات والترجمات والأعمال الأدبية الأخرى في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية وصحيفة " الحياة " اللندنية وصحيفة " الزمان" اللندنية ، والنهار اللبنانية والسفير اللبنانية، والصحف السودانية اليومية والمجلات الشهرية والدورية .
*
أعمـــال منشورة :

1-امرأة البحر أنت : مجموعة شعرية : رياض الريس للنشر –بيروت 2007
2- نقطة التلاشي : رواية - دار الساقي – بيروت 2008
3- دفاتر كمبالا : رواية - دار نلسن - بيروت/السويد – 2009
4- الدبلوماسية الكولونيالية : دراسة - دار نلسن - بيروت/السويد - 2009
5- سكين في خاصرة الافق : مجموعة شعرية- رياض الريس للنشر- بيروت - 2009


*

Post: #3
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 06:02 PM
Parent: #2



الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(3)

ربما ورثنا جينة المتصوفة التي تخيرت الأرحام ، مثل الكثيرين الذين انتشروا في الأرض ، دبت بدبيبها في ماء بلوري عصيٍ ، تشكل عبر القرون ، و لم نكُن نعرف أن في الملابس الداخلية للتُراث " حية تسعى " ؛ فتعودنا أن نخفض مكانتنا أقل مما يتطلبه التواضع من إرث شربنا كأسه على الريق زماناً ، فكنا نقول :
" دوماً شهادتنا مجروحة " عند الحديث عن أكثر الذين اقتربنا من وهج نُبوغهم منذ طفولتنا الأولى بجسد وذهن ناعم غض. شقيٌ بين الدروب في الأزقة والحارات في زمان مضى وصرنا نتحسر على بساطته التي افتقدنا. كانت القلوب تستريح في دفء العائلة وتفتح " نفاجاً " على البيت الكبير . بيوتٌ أرضها رملٌ خشن مبلول في مساكن "أم درمان " الخمسينات . شجرة في وسط باحة البيت الداخلي ، وأخرى على الطرف الجنوبي في باحة يطُلُ عليها " صالون الضيافة " الذي نقضي فيه جُلّ وقتنا .

*

Post: #4
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 06:35 PM
Parent: #3







الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(4)

كانت للشاعر " جمال محمد إبراهيم " مكتبة خاصة منذ العاشرة من عمره ، أنشأها في البيت . صغيرة الحجم غنية الفائدة ، تنشأ مثل كل الأحياء ، من الطفولة الغض إلى الشباب ثم تمُر بمرحلة الإزهار، حين ينعطف العُمر على الثقافات المفتوحة الذهن على كل الدُنيا بلا حدود . ارتاد " مكتبة أم درمان الأهلية " منذ الحادي عشر من عمره وكانت دوحة جلوسه الأول . مكتبته المنزلية شعلة ثقافية تتوهج . تجد فيها من كل ضروب المعرفة . إن وقفت لعلمتَ أن َلِكُلّ أُنَاسٍ إن أحببت ، تستسقي من مَّشْرَبِِهم. تعودنا أن نتلصص على أطراف مكتبته لنقرأ أو نقلده وهو يرسم .اشتهرت لوحاته وهو في الثانوية ، تعلمنا بالتقليد كيف نُحاكي طريقته في رسم لوحاته بالرصاص أو بالفحم .للبورتريه مكان عزيز على نفسه : في حوائط مجلس الاستقبال حيث كنا نقضي جلّ وقتنا ، كما هي أحوال البيوت التي ينشأ فيها أهلنا ، كانت زينتها المُعلقة على الجُدران من صنع يديه . تشاهد بروتريه "عبد الناصر" و "نهرو" و"المهاتما غاندي" و"العقاد" و"طه حسين" و " بدر شاكر السياب " و" شكسبير" . سلسلة مُذهبة من رجالات الثقافة والسياسة والفكر. تجد أسفارا متنوعة لشكسبير وجان بول سارتر وفرجينيا وولف وصمويل بكيت و جوزيف كونراد وجورج أورويل ودان براوند وتشيخوف ولديكنز و تشرشل وجيمس جويس وكافكا وتوماس مان وأندريه بريتون وألكس هيلي وهيغل وميخائيل نُعيمة والمازني والعقاد وشوقي وطه حسين و جرجي زيدان و عبد الصبور و بدر السياب و حافظ إبراهيم ومطران ونِزار قباني وكير كيجارد وبرتراند رسل و سيرة أعمال سيزان وبيكاسو ومايكل أنجلو ورفائيل ومكتبة كاملة للفلسفة الوجودية و آدابها ... تجد له مقالات لمعاوية محمد نور و وأشعارالتجاني يوسف بشير وصلاح أحمد إبراهيم ومحمد المهدي المجذوب و توفيق صالح جبريل وحمزة الملك طمبل والطيب صالح وعبد الله الطيب ودكتور أحمد الطيب وإدريس جماع ومحي الدين فارس ومحمد المكي إبراهيم وجيلي ومحمد سعد دياب...الخ .تتجول أنت بين سلاطين العاشقين وكهنة السياسة وأساطين اللغة والفلسفة والشعر والفنون التشكيلية .
تعجب أنت كيف تنشأ طفولتك ؛ تتفتح عينيها أمام عملاق تنوعت مكتبته بين الشِعر والرواية والفلسفة والسياسة وعلم الاجتماع ؛ كان ورفقائه في السنة الخامسة في شعبة علم الاجتماع بجامعة الخرطوم تسعة طلاب ؛ مبرّزين في التحصيل الأكاديمي . شغل كل منهم مساحة وضجيجاً أينما سكنوا .
ياه .. ذهب العمرُ ولم نزلْ نُراود الزهور أن تنحني لنلثم أيامها الناضرات .







*

Post: #5
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 06:52 PM
Parent: #4




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(5 )

له مرسمه في ممر خلفي يحبس فيه تجاربه حتى تنضج وتتكور ثمارها تشرئب للقطوف . يشُد القماش على الأطر الخشبية ويبدأ التشكيل بألوان الزيت ، أو تجد له أعمال جوّد فيها الرسم بألوان الماء . تشُف فيها نفسك الصافية وأنت تُشاهدها . يأخذك التداخل النقي ، وتتعرف على الخُضرة في درجات غموضها وسحرها . تتعرف كيف تأخذ الألوان نضارها في الشمس المُشرقة . وتتذكر مدرسة الانطباعيين منذ قرنٍ ونصف القرن حين انفلت التجريبيون عن القواعد ، طفقوا يرسمون ويتعرفون على الصلة الحميمة بين اللون الأبيض حين يتشتت إلى كل الألوان والشمس فاقعة بالحياة والنضار.
تذكر أنتَ : كلود مونيه و اوكست رنوار‏ و ادجار ديجا و بول سيزان وفان جوخ ...



*

Post: #6
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 07:06 PM
Parent: #5




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



( 6 )

كانت إطلالة شبابه تلك ،هي التي جايلت " أبوذكرى" و"عووضة " و" هشام الفيل " و"عبد الوهاب الصاوي" و"حسن محيسي " والفنان " محمد عمر بشارة " " و الشاعر " مبارك بشير " و " عبد الهادي الصديق " وكامل عبد الماجد " عندما كان الأخير مُبدعاً في الجامعة ، أو تجد من جيله الشاعر" هاشم صديق" على الطرف القصي من الحي الآخر : " بانت " .
" جمال محمد إبراهيم " من الجيل الذي نشأ في أيامه الجامعية الأولى وهو يمسك بشعلة " أبادماك" . أعطاها من رحيقه و قد التقطت سراب " الغابة والصحراء " ، المُحفز للروح المُبدعة ، وفيها من ريح النور عثمان أبكر " ومحمد المكي إبراهيم " وصلاح أحمد إبراهيم" و محمد عبد الحي " الذي نأى عنها في صعوده الشعري اللاحق . وعلى الجانب الآخر مما سبقوا : سعد دياب ومحي الدين فارس والفيتوري فكان جمال شاعراً منذ أيامه طالباً باقتصاد جامعة الخرطوم أوائل السبعينات . يقف في المنبر الطلابي يلقي قصائده الشِعرية في دار اتحاد طلاب الجامعة . يومها كانت مباني تلك الدار تُطل على شارع النيل قرب سينما النيل الأزرق .


*

Post: #7
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 07:34 PM
Parent: #6




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(7)

ننقل حديث الآخرين عن كتاباته، نقلاً عن مقال " الأستاذة ريما في مدونة سودان رأي :

Quote:

طلال سلمان عن جمال محمد إبراهيم:


هناك أقلام تناديك لتقرأها. أقلام احترفت الكلمة، وأتقنت نطقها. لبست ثوب المهنية العالية وأضاءت في العتمة. قلم مشرق ومميز من لبنان هو قلم الكاتب والصحافي الكبير طلال سلمان. هو رجل مخضرم في الصحافة، خبير في السياسية، أتقن المقال السياسي وأسس جريدة ستكون منارة لأعوم وأعوام في العالم العربي. ناشر صحيفة "السفير" طلال سلمان،الأديب، المفكر والمحلل السياسي، يكتب افتتاحية صحيفته، بجرأة وموضوعية، مناصراً القضية الفلسطينية والحقوق العربية. أما يوم الجمعة فيتفرغ للثقافة. وفي القسم الثقافي من عدد الجمعة الغني اليوم 24/4/2009 ، مقال منشور بعنوان:

"محمد جمال إبراهيم: عاشق أفريقيا في دفاتر حبه الكثيرة"


قد يكون الخطأ وقع سهواً فتبدل اسم جمال مع محمد.
أردت نشر هذا المقال في بوست خاص، لأني حريصة أن لا يضيع في مكان آخر فلا ينتبه له البعض. أهميته برأيي نابعة من هوية كاتبه، لكن الأهم أنه موجه ليس فقط للسفير جمال وإنما للسودان عموماً.
في ما يلي نص المقال:

محمد جمال إبراهيم: عاشق أفريقيا في دفاتر حبه الكثيرة


اعترف، صراحة، بأنني ضعيف جداً أمام الشعب السوداني، الطيب بأكثر مما تفترض، وربما بأكثر مما يجوز، والذي لم يقدر له أن يهنأ لا باستقلال دولته ولا بوحدة وطنه الذي يمتد بمساحة قارة تضم بين جنباتها عرباً أقحاحا وأفارقة متعددي القبائل، ومتشابكين في أنسابهم مع العديد من «جيرانهم» الذين صاروا رعايا في «دول» أخرى، بسبب من التقسيمات التي فرضتها الحقبة الاستعمارية وغلبة الرابط القبلي على الشعور بالانتماء إلى «دولة» بعينها: كيف تقوم الحدود بين الأخ وأخيه، بين أبناء العمومة، بين المعذبين في الأرض الغنية بنيليها والكنوز الدفينة التي ليس أخطرها النفط؟
ولقد عرفت فصادقت بعض المبدعين أدباً وفنا، من السودانيين، وبعض المناضلين بصدق من اجل ما يؤمنون به، بدءا بالتنظيمات السياسية شبه الدينية وانتهاء بالأحزاب العلمانية وأبرزها الحزب الشيوعي السوداني.
كذلك تلمست مباشرة ذلك الإحساس العميق بظلم ذوي القربى الذي يعيشه السودانيون نتيجة التخلي العربي عنهم وتركهم لمصيرهم، بينما المصالح الغربية التي أخرجت الحركة الاستقلالية عسكرها، عادت الى السودان عبر الخلافات السياسية في الداخل، وعبر الحساسية البالغة التي تحكم العلاقات مع مصر، التي تلبست ذات يوم دور الشريك للاستعمار البريطاني عن طريق مخادعة ملكها بتسميته ملك مصر والسودان، والتي استولدت حالة غير سوية في العلاقات بين البلدين المتكاملين في الجغرافيا والى حد ما في التاريخ، فضلا عن المصالح الاقتصادية والشعور بوحدة المصير... مع التوكيد على الرابط الحياتي بينهما ممثلا في نهر النيل العظيم.
... وعندما وصل جمال محمد إبراهيم لتولي منصبه كسفير للسودان في بيروت تحاشيته، في أكثر من مناسبة، لافتراضي (الخاطئ) انه مجرد «داعية لنظامه» الفريد في بابه، ولست في حاجة إلى مصادقة المزيد من الدعاة!
غير أن هذا السفير الذي يستقبلك مبتسماً ويناقشك ضاحكاً، والذي تظلل طيبته وجهه الأسمر، فاجأني بأنه، قبل السفارة وبعدها، أديب حقيقي ينطق بالشعر ويكتب القصة، ثم وجدته يوقع نتاجا جديدا في حفل أقامته دار نلسن احتفاء بصدور روايته الجديدة «دفاتر كمبالا». ,
يستهل محمد جمال إبراهيم دفاتره العشرة التي تغطي الأعوام 1977 ـ 1978 و1979 بمقاطع من قصيدة رائعة للشاعر السوداني الراحل محمد عبد الحي من ديوان «العودة إلى سنار»، من مقاطعها:
«الليلة يستقبلني أهلي
خيل تحجل في دائرة النار
وترقص في الأجراس وفي الديباج
امرأة تفتح باب النهر وتدعو
من عتمات الجبل الصامت والأحراج
حراس اللغة
المملكة الزرقاء
ذلك يخطر في جلد الفهد
وهذا يسطع في قمصان الماء.
.. فهواجس بطل الرواية «مصيرية»، وهو الأستاذ الباحث في الفن التشكيلي المتخرج من لندن، والذاهب إلى كمبالا كي يدرس في كلية الفنون الجميلة في «ماكريري» القلب الأكاديمي لهذه المدينة القائمة عند تخوم بحيرة فيكتوريا التي منها يجيء النيل في رحلته التي تخترق السودان حيث يتلاقى فرعاه، الأبيض والأزرق، ليواصل مسيرته عبر مصر من حدها النوبي حيث قام السد العالي، وحتى المصب عند رشيد قريبا من الإسكندرية.
انه يغادر حباً مقهوراً ليغرق في بحر الشهوات، قبل أن يفيق على حب محرم، ثم يرتد إلى حيث بدأ رحلته موعوداً بحب مستحيل.
تختلط في الرواية العواطف الشخصية بالتطورات السياسية في تلك الدولة الإفريقية الغنية التي كان يحكمها الدكتاتور عيدي أمين، مستقويا بالهاربين من الحرب الأهلية في جنوب السودان الذين صاروا حراس سلطته... لكن التفاصيل السياسية تجيء عارضة، وكإطار فقط لتنقل هذا العاشق ـ المعشوق القلق المقلق، ثم ترفدها بعض الوقائع البوليسية عن شخصية غامضة، نعرف في ما بعد أنها ضابط مخابرات اختفى في الظروف الغامضة لصراع الإرادات والمصالح التي أودت بحكم عيدي أمين.
على أن الرواية تظل أقرب إلى قصيدة حب يظللها الشبق، وان بقيت الشخصيات عموما بملامح غير مكتملة، لأن الاكتمال يقارب الفجيعة:
"الليلة يستقبلني أهلي
أهدوني مسبحة من أسنان الموتى
إبريق جمجمة
مصلاة من جلد الجاموس
رمزا يلمع بين النخلة والأنبوس "

يختلط في كتابة "جمال محمد إبراهيم "الشاعر والروائي والرسام وتضيع الحدود بين هؤلاء الفنانين جميعاً، لكن إفريقيا تظل هي البطل، بقبائلها التي اصطنع الاستعمار لها دولا مهيأة لتكون بؤرا لحروب أهلية لا تنتهي.
هل أجمل من هكذا مناخ لعشق يتهدد الموت اكتماله؟!

"بدوي أنت؟
لا،
من بلاد الزنج؟ لا،
انا منكم تائه
عاد يغني بلسان
ويصلي بلسان"
بهذه الأبيات للشاعر السوداني الراحل "محمد عبد الحي" ، يختتم "جمال محمد إبراهيم روايته البتراء، لأنه كان أجبن من أن ينتصر بحبه ولحبه، وفضل أن يمضي في هربه الذي بدأ في الخرطوم وامتد إلى كمبالا ثم ارتد إلى الخرطوم ثانية قبل أن يواصل تجواله وراء قلبه ليرسم مزيداً من اللوحات الممتعة التي تقدم إفريقيا كواحدة من جنان الحور تغسل قدميها في بحيرة فيكتوريا التي ولدت النيل، بينما رأسها تتناهبه سيوف الفرنجة والدكتاتوريين والقبائل الذين حرموا من أن يكونوا شعوبا في دول تحمي وجودهم وكرامة حياتهم.
" جمال محمد إبراهيم " فنان بقلب شاعر يمارس الدبلوماسية برقة العاشق، يحاول أن ينتصر بقلبه على مخاطر الحروب الأهلية التي تكاد تعصف بأوطاننا جميعا.





Post: #8
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 07:55 PM
Parent: #7




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(8)

لمْ نعرف له انتماء سياسي .. يكتفِ بالصمت إن سألت ، لكنه يقرأ للسياسيين ويعرف تاريخ السياسة و فلاسفتها و مُبدعيها والمُدمرين أيضاً من صناع التاريخ. أخذته وجودية الخمسينات من القرن الماضي بآدابها وفتنتها وكسرها أصنام الفلسفة الصمدية والإيديولوجيات المُدججة بالسلاح ، ولكنها لم تتمسَك به لينتمي ، ولم يشغف بها إلا في خطوها الوهاج وخروجها النابه ودراسة فلاسفتها لحياة الشباب وطموحاته .
أخرجه إبداعه ومسلكه الناقد من القولبة و الانتماء الحزبي . تجد الوعي الثقافي الناهض عنده يصعد العوالم العصية بتثقيف قناة المعرفة . فالحس الفني الذي لامس فطرته وصقله هو بالعلم والتطوير، كان ترسانته، فأضحت أعشاش الأحزاب وأوكارها لا تتسع لسكنه الفكري ، فتمرد تمرُد الفنانين الذي يخرجون من المعتاد " خارج العُلب ". كانت له نظرة ناقدة للنشاط السياسي والحزبي أيام الجامعة وبعدها ؛ يرى التجربة الحزبية عندنا نمت في مجتمع يحتاج كثير صبرٍ ليعبر بالوعي إلى فهم كيف يتيسر للمجتمعات قليلة التجربة في الديمقراطية أن تواكب العصر بإصلاح الأدوات وتوسيع الوعي ، والنهوض بالإنسان . كان لا يُحب الهرولة مع القطيع .


*

Post: #9
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 08:13 PM
Parent: #8




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



( 9)

لم يكُن " طافحاً بلا رؤيا . كانت الشمس التي تُحرك ذهنه هي التوثب نحو حياة متطورة ونمط مُغاير .هدفه رفعة الكائن البشري ورقيه وتطوره والعدالة الاجتماعية بقلائدها التي تُمجد الإنسان وحريته . جسدٌ مثقف ، أو سيف أجلته النار، يرسم خطاه في "الجفير" أوخارجه . كان الحياة نغم مُتقلب الأهواء يشُق طريقه فيها وسط رؤيا مرسومة لا يُفصِح عنها ولكنها تتسرب من نتاج إبداعه ؛ فشِعره منغمس في أزمة الإنسان إلى النخاع ، في عذاباته وشجونه وهو يُراوح حياته في عالمٍ متأرجح الأيديولوجيات وحرب باردة يقف الإنسان فيها في مفترقات الطرق لا يعرف أين يكون . أين نحن من إفريقيا المُقسمة الأفعال والمُفتتة الشخوص ، أو كما قال الشاعر عبد الحي عن إنسانها :" يغني بلسان ويصلي بلسان " . لجمال كما أسلفنا مكتبة ترشف من النتاج الأدبي ، تزحف عليها كل النقائض ، بالإنجليزية والعربية . كان لا يحفل بالترجمات كثيراً . يرى أصل الأسفار أقوم ، تتعرف أنتَ عندها على خمر الإبداع المعتق وتتذوق نخبها الأول وأضواءها الصاخبة .



*

Post: #10
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 10:04 PM
Parent: #9



الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



( 10)

عمِل مفتشاً بمصلحة الثقافة ( 1973 – 1975 ) والتحق بالخارجية عام ( 1975 ) من بعد اختبارات معروفة تبدأ في قاعة امتحانات جامعة الخرطوم . لم يتقلد وظيفة "سفير على رأس سفارة سودانية " إلا العام 2006 م في بيروت من بعد حرب إسرائيل وحزب الله .أي تقلد منصب السفير على رأس السفارة أول مرة من بعد (31) عاماً في خدمة الدبلوماسية كمهنة في بلد كالسودان !، في حين تقلد مناصب مماثلة الكثيرون الذين نعلم ودون خبرة لهم حتى بالعمل الدبلوماسي !! .
أحيل للتقاعد في أبريل 2009 م ، وقلدته " لبنان " :
وسام الأرز بدرجة ضابط أكبر من الجمهورية اللبنانية ( أبريل 2009).


*

Post: #11
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 10:28 PM
Parent: #10




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

[red/]
(11)

عن " الرائع :المطرب الراحل : هاشم ميرغني :
كتب مقالاً عنه قبل الرحيل:

Quote:

تلك أيام زاهيات. .
جمال محمد ابراهيم/لندن



تلك أيام زاهيات مشرقات ، قبالة شواطئ فيكتوريا . . عند كمبالا ، حين عمدنا تآخينا ، أيها الصديق البعيد . تكتسب البقاع الساحرة الخلابة ، مثل كمبالا ، خلودا قدسيا في الذاكرة ، لا تبرحها و إن توالت عليها عاديات الدهر، أ و نشبت هزات السياسة أظفارها ، حتى ليكاد الذي بين السودان و يوغندا ، أن يكون الظهار الذي يقطع الخيط بين الزوجين ، لا يلتقيان . لكمبالا جرس قوي ، وعندي لحضورها دوي في الوجدان ، حاضر و باهر . كان القرن يودع سبعيناته في تؤدة و دعة ، و كنا أيفاعا نحيا اللحظة بطول لا يقاس ، و باندفاع دونه دفق السيول في أودية البطانة .
ثم جئت إلينا أيها الصديق مرتفقا عروسك المحروسة بالخفر ، و أجنحة الفرح ترفرف جزلى حولكما ، ملبيا دعوة صديقنا المشترك هاشم عثمان أبورنات ، المقيم معنا في لؤلؤة القارة : كمبالا . جئتما إلينا منحدرين من أم درماننا الحبيبة ، و أنت ابنها البار. . بساكنيها ، من القلعة إلى الفتيحاب . سبحتما عكس تيار "الأبيض" ، طيرانا عبر البحيرات الصغيرة . إقليم السدود . الأنهار و الوديان . . سفرا طويلا بأجنحة مشتاقة إلى "عنتيبي " . . إلى النيل في أصوله و ينابيعه . إلى القداسة المجلوة عند "جبال القمر" و مرتفعات " راونزوري" ، و الرحم القدسي عند " جينجا" .
جئت إلينا ، فكنت وعد الفرح السخي ، و كنت ريحانة أيامنا المشبعة برحيق الغابة وبوح الإستواء . توضأنا جميعنا و اغتسلنا بمياه البحيرات القدسية . . يوم أن صدحت بالطرب الحقيق ، و صوتك الندي ينسرب في ليل كمبالا ، انسراب الضؤ رويدا إلى أحيائها الوادعة . . إلى تلالها العشرة ، ما بين " نكاسيرو" و " بقولوبي" و" ناميريمبي" و "مينقو" ، وتلك الحدائق الغناء المترعة ببذخ الغابات الإستوائية ، المفروشة بسجاجيد العشب البهي ، المأهولة بأكواخ الموز و أثواب البرتقال الندي ، و الباباي في أكمل نضوجه . جئتنا ، تحمل في حناياك الود رقيقا ، و العود البغدادي ، بأوتاره الدامعة ، أسير أصابعك المبدعة ، و أنت المعماري الذرب الذي ينجز التصاميم و يبرع في الرسم و تلوين الخط و تزيينه. . حماك المولى من أعين الحاسديك . قلة هم من يعرفون عنك هذا الحذق الإضافي . أقول : "إضافي" ، لأن الأصل فيك هو الصوت الصادح ، صوت زرياب : قوي و حاني ، صخاب و هامس ودود ، لكنه صوت بالحزن الممض مشحون . . وبالطرب الدامع . .

قال الصديق السفير علي حمد ابراهيم - و كان شيخا علينا ، مجازا ، فقد كان في شرخ شبابه- أن نقتسمك أيها الصديق بيننا ، قسمة غير ضيزى . . فتفرق الطرب منك بيننا ، و انداح في أحياء كمبالا جميعها . .

في ضاحية "بقولوبي" ، في دار هاشم ، كانت جلستنا ذات مساء مضمخ بالطيب و الندى ، و في الحديقة الزاهية المطلة على الوادي ، أطربتنا أيها الرائع . قضينا سهرة عربية فصحى . . كاملة ، أنشدتنا فيها من عيون الشعر العربي مما انتقيته بحس الفنان و ذوق المحب : المتنبي . ابن زيدون . و الكثيرون ممن هربوا من ذاكرتي الآفلة . عطرت بصوتك أشعارهم ، و نثرتها دررا تتلألأ بين أشجار الأكاسيا و السرو و قد تكاثرت حولنا و أورقت أغصانها و اشرأبت إلى صوتك البديع ، فارتوت و نمت . . و صحا الورد في أكمامه . .

ثم عدنا بعد يومين ، إلى أمسية غائمة ، و الغيم في كمبالا بهرج و سلطان . كنا مع السفير علي حمد ، في المنزل الرحب المعلق فوق تل " كولولو" . كان الدفء أم درمانيا ، زينته بحنوها و رعايتها الرائعة عواطف- أم حافظ - ، زوج علي حمد إبراهيم ، فطرب الصالون العامر كله و الحاضرون بأشعار الحقيبة ، ب"عتيقها " ، ب"سيدها" ، و "عباديها". . "بأبي صلاحها" و" مساحها " .
أيها الصديق . . تلك ليلة تساقينا فيها على يديك ما جادت به دنان "الحقيبة" من : . . . .
زاد أذاي يا صاحي . .
فمن ارتوى . . ؟
يطرب هاشم أبورنات ثم عبد الله سعيد ، على خجل و تردد ، لكن عبدالله "شايقي" الأمدرماني العتيد ، القادم من" شارع الفيل" ، فقد دلف إلى عالم آخر ، أفلتت فيه رصانته و غادره الصبر وتملكه خدر "الحقيبة" ، حتى سكنت روحه ، مثل صوفي متبتل هائم ، في سماء بعيدة . .

الليلة الثالثة كانت في " نكاسيرو" . إبتعنا " كوندورو" - و ال" كوندورو" في لغة الباقندا ، هو الخروف الصغير- و أولمنا بالشواءات في حديقة منزلي المتواضع في تلك البناية الوادعة خلف مبنى المؤتمرات ، في قلب كمبالا . طربنا بك و معك أيها الصديق ، و حلقنا عاليا في سموات بعيدة من الغناء الحقيقي بغزليات عزمي أحمد خليل ، حبيبك في الغربة البعيدة . عندها يهلك عبدالله "شايقي" هلاكا كاملا ، و يفنى مع :
في زول هناك . . قولة سلام تبقالو روح. . .

يا للذكرى التي علقت بالذاكرة ، و يا لليالي الناصعات بالبراءة و الدفء و صادق الشدو، ونحن نغتسل بالمطر الاستوائي و بمياه البحيرات القدسية عند الينابيع ، عند الرحم الذي يخرج منه النيل قبل أن ينسرب شمالا إلينا . . لا يسقى الأرض البكر فحسب ، بل هو سقاية للوجدان البكر أيضا ، وريا للقلوب و إشباع للروح المعنى بزخات من دفق الخلود . .

البقاء لطيب الذكريات ، أيها الصديق ، فإن توزعتنا البقاع شمالا و جنوبا ، شرقا وغربا ، ستظل أبدا ، هي الخيط الذي يشدنا و يعطي التآخي قيمته التي لا تبلى ، و يعطي الإنتماء إلى هذه الأرض الحانية ، تجذرا مستداما . .
أيها الشفيف الفنان : هاشم ميرغني . . لك المحبة الصادقة أين كنت . .

لندن – مايو2004


وكتبنا نحن عن : هاشم ميرغني " من بعد الندى و ملح المآقي :

Quote:

في وداع هاشم : ( أبكي يا عيني دمعة ما تخليها فيكي )



نقلاً عن مدونة سودانايل ومدونة سودان رأي .

http://sudaniyat.org/archive3/showthread.php?t=2461
*

Post: #12
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-09-2010, 10:32 PM
Parent: #11




كُنتُ ألاحِق الخُطى ...



*

Post: #13
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 03:22 AM
Parent: #12




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(12)

كتبنا عن روايته " نقطة التلاشي" في مدونتي : سودانيزأونلاين وسودان رأي :
Quote:

" نقطة التلاشي" رواية لجمال محمد إبراهيم نشرتها دار الساقي .



من بعد السلام على سِفر الرواية وشوق القُراء والراوي والكاتب ، نُزجي التحايا لكل عاشق يجد نفسه بطلاً أو بطلة أو ساعداً يضرب الماء كي تحس القوارب الصغيرة بأنها برفقة طيّبة و أنسٍ ممدود .
شيد الكاتب مسرحاً لروايته : حين زار الرئيس " السادات " القدس ، وانتقلت الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس .

لن نبدأ بالعشق في أول القصيد ، ولن ننتهي بالغرض . نلتفُ حول النص وحبائله ونتجول أرجاء الأمكنة التي عاشتها الشخوص ، نصعد جبال التاريخ الذي حفر فيه الكاتب روايته . مدَّ جذورها حتى لامست بحيرة الماء أدنى الأرض بأسفلها فارتوت ، اهتزت وربت وأنبتت البهيج من أزاهير الحكاوي وامتلأت عناقيدها ثمراً عسلي المذاق .

إني مع السفن القديمة حين ترسو عند تاريخ الحكاية .تئن أخشابها الصمدية تشرب مياه البحر المالح ولا ترتوي . إني مع التاريخ بخيره وشره ، فمن بين أزقة الماضي وحواري المدن القديمة اشتريت ثوبي وخِطتُ مآزري . فركت الورد كي أُعطر إبطيَّ وأمحو العرق المالح من جسدي و تعب العُمر على الضفة الأخرى من الألم القديم وأوجاع دهرٍ تمرَّغ في التُراب . تهاوت كل أمجاد الذين مزجوا كؤوس خمر عالمهم بنبيذ العالم الثاني : اشتراكية قومية ، عروبية ،... وأطياف اليسار ، قبل أن ينهار الحُلم بكثرة الجماجم و بمعاول بيزنطة الجديدة تحفر من تحت أساس المباني . تنسفها وتبتني خيلاً من الأسمنت تضرب حافراً في الأرض وحافراً بين السحاب .

هكذا نظرتُ من تحت جراح الرواية وأبصرت عوالم تفجرت وصحوت من نسياني ومررتُ بأحداثٍ يجُر التاريخ عربتها بماكينة ركِبتْ " حصان طروادة " . مرت الخديعة الكُبرى ونامت مع الأحداث الجسام .

برشاقة تنقل الكاتب " جمال محمد إبراهيم " في الرواية بأمشاطه المُذهبة بالحنين . لكل حرف جَرس ، وفوق كل كلمة ماردٌ يسهر على طيش المعاني ، يُعيدها لإبريق الديانات العتيقة ، يُغسلها بماء وضوءٍ أو يُعمِّدها . يرُش في أرجائها رياحين القص ، فأنفس شخوصها تسبح في دُنياوات يأتيها الحَزنُ من الجراح التي لم تُشف ، وضوء القمر يرقب من البعيد الأفراح والأحزان ، يُسفر عن دهر جديد وقيم جديدة .

لكل رواية زمانٌ تصلُب فيه أحداثها ، ومكانٌ تحتمي فيه من الغرابة .على تاريخ جبل قديم ، سَمه إن شئتَ : " توقٌ لوحدة المتفرقين ". أفضَت كل المعارك لمرض "التَوحُد" في النهاية المطاف . رجعت الدول رقيقة الحال لرحمها القديم ورضيت بأنبوب حبل الوريد . منه تخرج أنتَ من " التَوحُد " أو لا تخرُج ، تعود أو لا تعود . أنتَ الخطيئة المكتوبة على زورق ورقي أطلقه طفل سعيد في أول البحر وأخذه الموج فبكى !.

أواخر السبعينات من القرن الماضي زمانٌ للقص . نحت الكاتب في تاريخٍ لم تزل مفاصله تحمل ما تحمل من فِضةِ العظام البديلة لمعالجة كسور لا تبرأ . نحت شخوصها وأجلسها تنظر من خلف الكواليس بما لديه من خبرة نافذة تُكسر فولاذ الحماية ، لتقرأ من بين العَلن خبايا الأسرار. تنسكب من مُخيّلة تبتني القص كأنه الواقع . من بين تلك الأمواج وصخب قِرش البحار،كانت الشخوص تسبح ، تبحث عن ملاذ .

ينظر الراوي إلى الذين شاءت الدُنيا أن يصنعوا خناجرها القاتلة من أدوات الطبخ .مَنْ يتقلب على فراش الترف الرئاسي يأتيه النوم أو لا يأتي . من أبخرة غليون " الرئيس " دوماً تتعتق الأسطورة ويخرج أبطالها من كف عفريت الدُخان . أقامها هو بساعده و بسواعد من أخلصوا لدِين المغامرة و ركوب طائرة بلا رُبان تسبح في الفضاء !. ابتنوا حيواتها مثل غرابة بناء سفينة نوح في قص العقائد . صبر سيدها النبي على مزاح الذين استخفّوا منه ، لكن شتان ما بين غرابة فعل النبي و فعل الرئيس! .شيد الرئيس من الخُرافة تاريخاً عصية صخوره أن تتزحزح عن الصدور . حبكها قائمون على خياطة الغرائب في عوالم السياسة . مَنْ يرمون النرد والأوراق على ما يملكون و ما لا يملكون !.

تلك هي بيئة القص ، بثعابين طرقاتها شديدة الوعورة و الخطورة . تنوء بأحمال عالم لم تزل حوائط بيوت سَكنِه القديمة و أوكار حياته الباطنة حية لم تمُت .إن لخيال الكاتب الجامح فعل السحر ، يذوب في كؤوس الواقع بيُسر حتى تحسبه حقيقة . يقطر الدم من ضحاياه المذبوحة على سكين الأسى . كل " مازورة " موسيقى فيه تُخبئ لحناً ترقُص على أهداب سامعه "باليه " : نار الشوق و جذوة العِشق وتشتُتْ المصائر .

نترُك خيالنا الذي خرج عن أطواق فضاء القص ونقطف نصوصاً : كيف غزت ثعالب كلمات " جمال " الجائعة قطيع خِراف اللغة بلسان الراوي :

(أ)

" جئنا إليك يا تونس أم أنت التي جئت إلينا ؟
وهذا الدغل بأشجاره المشرئبة إلى السماوات أهي التي تتطلع أم أن الغمامات الحانية هي التي تحدرت إليها من علٍ ؟ في زمان ما ، يستدعي ظلام الأنفاق والدهاليز صباحات بعيدة ، وتنادي أمسيات القحط واليباب أياماً مغسولة بالندى ...."

(ب)

" و دارت كؤوس القهوة والشاي ، ثم تعلقت عيناي بنجاة ، تقاطيعها ، جيدها المرمري ، جمالها الطاغي ، كأني أراها للمرّة الأولى : وجه مستدير وضئ ، عينان سوداوان مشوبتان بحياء فطري ، وخدان متوردان . ثم طلاقة في الحديث وصوت هامس ينساب كما النسيم ملآن بروائح الياسمين وباقات الورد . تأخذ من قهوتها رشفة ، يمرّ طرف لسانها على شفة صغيرة شهية ، تعضها ، فأستحضر قول يزيد بن معاوية عن عُناب وبرد حبيبته . تغمض عينيها بين رشفة وأخرى ، وكأني بها تهرب من لسع نظراتي ، وأنا في غيبوبتي ، غارق في التمعُن والتملّي . أتحسس حُسن الغزالة التونسية التي قدِمت إلى محرابي ، فيهرب الضيق وتحلّ السكينة ..."

(ج)

" في آخر الليل كانت أقحوانتي مضيئة كما الأقمار ، توضأت من بريق عينيها ، وكانت صلاتي وانهياري ، عبادتي وتجديفي ، بُكائي وضحكي . لكن ، كيف انتهى الليل وقد ارتطمتُ عليها كما يرتطم الموج الغاضب بأحجار شاطئ " الرواد " الملساء ورماله الحانية ؟ ..."

صدرت الرواية عن دار الساقي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 2008م

عبد الله الشقليني
15/03/2008 م






*

Post: #14
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 04:41 AM
Parent: #13




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(13)
نفتح كوة في الشائك من الملف :

نعود لمقال الكاتب الصحافي المخضرم الكبير : طلال سلمان حين يتحدث عن السودان ويوجز أزماته :
Quote: اعترف، صراحة، بأنني ضعيف جداً أمام الشعب السوداني، الطيب بأكثر مما تفترض، وربما بأكثر مما يجوز، والذي لم يقدر له أن يهنأ لا باستقلال دولته ولا بوحدة وطنه الذي يمتد بمساحة قارة تضم بين جنباتها عرباً أقحاحا وأفارقة متعددي القبائل، ومتشابكين في أنسابهم مع العديد من «جيرانهم» الذين صاروا رعايا في «دول» أخرى، بسبب من التقسيمات التي فرضتها الحقبة الاستعمارية وغلبة الرابط القبلي على الشعور بالانتماء إلى «دولة» بعينها: كيف تقوم الحدود بين الأخ وأخيه، بين أبناء العمومة، بين المعذبين في الأرض الغنية بنيليها والكنوز الدفينة التي ليس أخطرها النفط؟
ولقد عرفت فصادقت بعض المبدعين أدباً وفنا، من السودانيين، وبعض المناضلين بصدق من اجل ما يؤمنون به، بدءا بالتنظيمات السياسية شبه الدينية وانتهاء بالأحزاب العلمانية وأبرزها الحزب الشيوعي السوداني.
كذلك تلمست مباشرة ذلك الإحساس العميق بظلم ذوي القربى الذي يعيشه السودانيون نتيجة التخلي العربي عنهم وتركهم لمصيرهم، بينما المصالح الغربية التي أخرجت الحركة الاستقلالية عسكرها، عادت إلى السودان عبر الخلافات السياسية في الداخل، وعبر الحساسية البالغة التي تحكم العلاقات مع مصر، التي تلبست ذات يوم دور الشريك للاستعمار البريطاني عن طريق مخادعة ملكها بتسميته ملك مصر والسودان، والتي استولدت حالة غير سوية في العلاقات بين البلدين المتكاملين في الجغرافيا والى حد ما في التاريخ، فضلا عن المصالح الاقتصادية والشعور بوحدة المصير... مع التوكيد على الرابط الحياتي بينهما ممثلا في نهر النيل العظيم.


ما أوردنا أعلاه كان مدخله ليتحدث عن " جمال محمد إبراهيم " ، وأدناه مدخله لمعرفته :

Quote: ... وعندما وصل جمال محمد إبراهيم لتولي منصبه كسفير للسودان في بيروت تحاشيته، في أكثر من مناسبة، لافتراضي (الخاطئ) انه مجرد «داعية لنظامه» الفريد في بابه، ولست في حاجة إلى مصادقة المزيد من الدعاة!
غير أن هذا السفير الذي يستقبلك مبتسماً ويناقشك ضاحكاً، والذي تظلل طيبته وجهه الأسمر، فاجأني بأنه، قبل السفارة وبعدها، أديب حقيقي ينطق بالشعر ويكتب القصة، ثم وجدته يوقع نتاجا جديدا في حفل أقامته دار نلسن احتفاء بصدور روايته الجديدة «دفاتر كمبالا». ,


*
نعود أدراجنا :
يحق لمن يسأل :
أليست الدبلوماسية المهنية هي الوجه الآخر للدولة ، تُدير همومها الخارجية وفق مهنيتها وتأتمر بأمر الذين بيدهم السلطان ؛ تقوم برسم أفضل البدائل ليكن للوطن أكثر من دولة داعمة في الجوار أو التجمعات الإقليمية أو من دول العالم ذات النفوذ؛ والسعي الحثيث ليكن الوطن بلا أعداء بقدر المستطاع، ورسم المصالح التي تلتف بالطرق الوعرة بعيداً عن الجبابرة وغضبهم !؟

سنأتي لمداواة هذه السكين المغروزة في اليد ، حين تُزهر الكتابة في الفضاء ،
لقد شفَّ الكون أرديته فصارت التفاصيل تأتيك وأنت جالس على مقعد مكتبك .

نتوقف هنا .. وسنعود


*

Post: #15
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 05:10 AM
Parent: #14





أتمنى من الأخ : بكري أبوبكر رفع هذا الملف إن تفضل مشكوراً.


*

Post: #17
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: ابو جهينة
Date: 03-10-2010, 12:11 PM
Parent: #15

التحية و التقدير للشاعر والروائي الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم

شكرا عبدالله

Post: #18
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 01:46 PM
Parent: #17



Quote:
كتب أبو جهينة :
التحية و التقدير للشاعر والروائي الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم

شكرا عبدالله


تحية لك أخي الأكرم : أبو جهينة
ولك الشكر الجزيل



Post: #16
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 12:10 PM
Parent: #14





الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


(14)

يقولون الدبلوماسية علم و فن ، يدير التواصل بين الدول و السعي لعقد الاتفاقات والمعاهدات التجارية والدولية بطاقم مُحترف ، يُنسق مع ذوي الاختصاص في الدولة ، وهو أيضاً فن إدارة الحوار والتواصل حتى مع الخصوم . وظل اصطلاح " شعرة معاوية " هو من أبلغ التعبيرات عن إدارة الحوار وحفظ العلاقات وإن جفّتْ مع الجميع ومع الخصوم أيضاً ، وهو أمر شائك لا تقبله الحياة العفوية التي اعتدنا عليها . لكل كلمة أو تعبير ألف حساب . أين ؟ ومتى ؟ وكيف تصدُر؟ . يتعين أن يكون الطاقم الدبلوماسي وعلى رأسه السفير على درجة من إتقان اللغة ، ومعرفة بالفنون والعلوم والآداب والمعارف الإنسانية وعلوم النفس والتواصل الاجتماعي بجانب المعرفة بأسس علم السياسة ومعرفة دقيقة بأصول النُظُم وإدارة المراسم والخبرة في إدارة التفاوض والإلمام الدقيق بالاتفاقات الدولية وفروعها المتشعبة حول الحقوق والنصوص ذات الصلة .
هنالك إدارة لمصالح الدولة الإستراتيجية من واقع معرفة البلدان التي يُبعث إليها السفراء ، وهنالك درجة من المناورة وبعض حرية حِراك يتوافق مع القوانين والنظم التي يتعين مراعاتها والالتزام بأدق تفاصيلها .
يخلط الكثير من العامة عندنا بين العمل " القنصلي " في السفارة وبين العمل الدبلوماسي .

هذا موجز تسرب إلينا من المعارف المبثوثة والسماوات المفتوحة .

كيف يا تُرى كان الماضي البعيد والقريب ، وكيف هو الحاضر الآن يا تُرى ؟
كيف كان يتم تعيين الطاقم الدبلوماسي في الزمان الغابر ، وما أسس التعيين الآن ؟ .
أسئلة تحتاج أكثر من ملف .
و يتعين أن تتعرف أولاً كيف تُدار الدولة ، قبل الحديث عن أذرعتها ، وتلك مهمة اكبر من هذا الملف .
*
نعود لدوحة الشِعر والكتابة الصحافية وفن القص فهي أقل اشتباكاً مع الواقع الحياتي المُباشر ،
فندلف على الخاص بعيداً عن أوجاع السياسة وكوارث الأمم ومكر كل الذين بيدهم الأمر ، فالحياة لم تكن أبداً منزوعة الدسم . وقت للعمل ، ينقضّ عليك في كل زمن طارئ ، فتهرول . وفي ساعة زمان تصبح أنتَ في كامل هندامك للحضور أو للاستقبال .ترتدي وجهك البشوش رغم الأزمة التي تُلم بموطنك والمآسي التي تعصُف بأطرافه.
لتسترح أنت بين الفينة والأخرى ...
لتكتُب .

*

Post: #20
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: Elmoiz Abunura
Date: 03-10-2010, 02:04 PM
Parent: #16

Dear Abdallah

Greetings from Beirut a city loved by Jamal, and a city loves Jamal

When I was planning to come from the US to Beirut last summer 2009, I was told by my friend ustaz Mohamed

Bashir that Jamal is in Beirut. Although I didn't find him in Beirut, but I find his touches in the cultural
life of Lebanon.
Regards to Jamal and to you

Post: #25
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 04:46 PM
Parent: #20



العزيز الأكرم : المُعز أبو نورا

تحية لك على كلماتِك الناضرات في حق الشاعر والروائي " جمال محمد إبراهيم "
دون شك .. بينه و بيروت سرّ دفين مُتألق ،
تتركه تلك المجدولة في الشواطئ ، وظهرها للجبال الخُضر وأكمام الزهر ،
فخصها بنسماته الشاعرة ، كما ورد في قصيدة له كتبها في " مدونة سودان رأي" :
هذه بعض أبياتها المُقتطفات :



Quote:

جمال محمد ابراهيم

وَمَـا ودّعـتُ إذْ ودّعــــتُ هــــــوْما
غَـداةَ أزاهِري أضْحَــتْ هَشيــْمَا
وهَـذي الطائِــراتُ تقـِلّ رَحْلِي
إلــىَ سَفَـرٍ قُصــَاراهُ جَـحــيْــــــمَا
تُـردّدَ في حُميّـــــاهَــا هَسيــْساٌ
يُضـيءُ ذُبـالـُـهُ ليــــْلاً بَهيــْـــــــمَا
وَبيْـروتُ التي أسَـرَتْ فــؤادِي


http://sudanray.com/Forums/showthread.php?t=2066




*

Post: #23
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 02:25 PM
Parent: #13





نقطة التلاشي" رواية لجمال محمد إبراهيم نشرتها دار الساقي .



مقال في مدونة " سودان رأي " :

http://sudanray.com/Forums/showthread.php?t=416




*

Post: #34
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 10:06 PM
Parent: #11




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

Post: #19
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 01:51 PM
Parent: #7






http://sudanray.com/Forums/showthread.php?t=1822

رابط مقال الموضوع :

طلال سلمان عن جمال محمد إبراهيم

في مدونة سودان رأي



*

Post: #21
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 02:05 PM
Parent: #19


كتبوا عنه :


رويترز :

جمال محمد ابراهيم..الدبلوماسية والشعر .. والتغليف والابانة

Quote: بيروت (رويترز) - يطل الشاعر والدبلوماسي السوداني جمال محمد ابراهيم في مجموعته "سكين في خاصرة الافق" بما يذكر احيانا بما وصفت به الدبلوماسية.. وبنقيض ذلك الوصف احيانا اخرى.
*

Post: #22
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 02:07 PM
Parent: #21

http://www.masrawy.com/News/Arts/Reuters/2010/February/...0/1233607Update.aspx

الرابط أعلاه


Quote:
رويترز :

جمال محمد ابراهيم..الدبلوماسية والشعر .. والتغليف والابانة


Quote: بيروت (رويترز) - يطل الشاعر والدبلوماسي السوداني جمال محمد ابراهيم في مجموعته "سكين في خاصرة الافق" بما يذكر احيانا بما وصفت به الدبلوماسية.. وبنقيض ذلك الوصف احيانا اخرى.

*

Post: #24
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: Hadeer Alzain
Date: 03-10-2010, 04:23 PM
Parent: #22

أتابع بإعجاب كتابات الشاعر والروائي الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم عبر سودانايل
أتمنى أن يكتب للريس بكري ليشرفنا وليكن أحد أعضاء هذا المنبر الكبير ..
ليته يفعل!


التحية والتقدير
لك أخي عبدالله وللشاعر والروائي الدبلوماسي جمال

Post: #26
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 06:29 PM
Parent: #24


Quote: أتابع بإعجاب كتابات الشاعر والروائي الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم عبر سودانايل
أتمنى أن يكتب للريس بكري ليشرفنا وليكن أحد أعضاء هذا المنبر الكبير ..
ليته يفعل!


التحية والتقدير
لك أخي عبدالله وللشاعر والروائي الدبلوماسي جمال



الفاضلة : الأخت : هدير الزين
تحية لك ، ولكلماتك الطيبات

ونقطف من شعره ما كتب في سودانايل قبل الأرشيف في أكتوبر ( 2004 ) :



Quote:

أشهد أن لا عشق إلا أنت

جمال محمد إبراهيم



مفتتح
أشهد لك بالبراعة في بث بوحك الشفيف . .

أشهد لك بالبراعة في بث رسائلك المشفرة إلي ..

أتأمل إستغلاقها وحدي ،

و أعتني بها وحدي ،

بعد أن أستخرج لؤلؤها من قواقع أخرى

أنت التي ملكتني مفتاح شفرتها . . مفتاح إستغلاقها .

لكن براعتي قصرت عن مجاراتك ،

فاكتفيت بالهروب إليك . .

فاحفظيني بداخلك . .

أحمني من نفسي ، أيتها الغالية .

أنا محتم بك ، فاحتمي بي

أجلسيني في مقعد أثير في أثيرك . .

أجلسيني . .








*

Post: #27
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-10-2010, 08:57 PM
Parent: #26



ملف الروائي " جمال محمد إبراهيم " في مدونة " سودانايل .
مقالات صحافية وأخرى متنوعة :

هنا الرابط :

http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...t=default[/green][/B]

Post: #28
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: mustafa mudathir
Date: 03-10-2010, 10:08 PM
Parent: #26




Quote: هبطت كل الجداول لتصُب في نهر خلوق اسمه جمال محمد إبراهيم

عزيزي عبدالله الشقليني
تحايا عابقات
الكتابة عن جمال،أخيك، هي تدوين لحياة منجزة. فهو رجل تخصص في
صيد الشوارد وجمع ذؤابات الحنين في قوارير من الكلم الرصين.
انجز جمال ما وعد هو صباه وأنا شاهد على ذلك. لم يبدأ من
مطلع الشباب مع مبارك بشير وعووضة وكامل عبدالماجد. بل بدأ
من صباه في المدرسة المتوسطة، مدرسة النهضة بام درمان
وكان بها عقد فريد من المعلمين الافذاذ في تفانيهم في
استكشاف المواهب وصقلها. أستاذ الطاهر خالد، الناظر عمر خالد مضوي،
الفقيد عمر على أحمد "والد الشهير تروس بامريكا"، استاذ مدثر ولا قرابة
لي به واستاذ جمال معلم الرياضة والرياضيات ومحب وحاكي للادب.
كان جمال وكوكبة اخرى فيها شخصي الضعيف من من استيقظ فيهم
الادب باكرا. بل كان هناك بحق افذاذ من التلاميذ أمثال بدوي
وكان يسكن الركابية ومامون محمد احمد سليمان "شقيق الساسة
المعروفين" و مامون حامد "شقيق الفنان بدر الدين حامد" وكان
هناك عبدالحليم جاويش "شقيق الصحفي الراحل توفيق جاويش" ومتأدب
على يديه وهاشم الخير " نجل السينمائي الطليعي الخير هاشم"
واسماء أخرى سقطت من ذاكرة بلغت من الهشاشة ما يجعلني استعيض عن
التذكر بالتخيل، وهو أرحم ولي فيه دربةّ!!
كان الاساتذة بالحق معجبين بما فعلت أيديهم. فيستمعون لجمال
وهو يقرأ بصوته الحيي أو لبدوي بصوته الأجش بآذان رضية.
كان جمال صاحب موضوع في كل جمعية أدبية وكانت تقام في عصرية
يوم من ايام الاسبوع. لكننا جمال وبدوي وشخصي كنا نفجر اسئلتنا
في اللغة والأدب ما هو خارج المقرر وكان يطرب لذلك بشكل خاص
الاستاذ عمر على أحمد وقد كان حفيا بالادب رغم تخصصه لاحقا في
المحاماة. وكذلك حرص الاستاذ الطاهر على تحفيظنا القرآن والعبادات
وكان مدققا في اللغة والمخارج تماما كما كان عمر خالد مضوي حريصا
على سلامة نطق الانجليزية والا فأن مفتاح مكتبه وعربته جاهز ل كع على
ظاهر اليد. ومما اذكر لهذا الاستاذ انه طلب من احدهم نطق كلمة نطق
نفسها بالانجليزية فقال هذا بروناونسيشن فانبرى له استاذ عمر
رافعا حنكه الى أعلى وملصقا لسانه على سقف فيه من الداخل
ليخرج النطق كما لو كان صوتا أنفيا وقالها بروننسيشن، نن، نن، مش
بروناونسيشن....ثم استخدم المفتاح. وهذه اشياء لا تنسى وتشير
بوضوح وثقة لاي نوع من المعلمين جاد بهم ذلك الزمان!
وبدوي الذي اشرت اليه ولا اعلم اين هو الآن وعساه بخير كان عندما
يأذن لنا استاذ عمر بنقاش عام في الأدب يبدأ بنقد لقصص نجيب أو
كتب العقاد. أتحدث هنا عن اولاد في الصف الرابع في الوسطي أي
في سن اربع عشرة أو أدنى.
كان جمال مشروع أديب ناجح منذ نعومة أظافره وهذا تعبير غير
صحيح لانه كان يقضم اظافره ويمكن القول كان جمال مشروع أديب
ناجح منذ تربصه باظافره وهي تنمو! وقضم الاظافر لو تعلمون
هو، في الافصاح عن القلق، أقوى من قطف الازاهر عند عاشق منتظر.
يوشك أن يقول "..إمكن أنا الما جيت"!
حياك الله يا جمال وانت وفيٌ لصباك ونضَرَ لك أرذل عمر مؤانَس!
حياك الله يا بيكاسو وسأعود لاتحدث عن ظاهرة انعدام الشهرة عند
كثير من المبدعين السودانيين.

Post: #29
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: Bushra Elfadil
Date: 03-10-2010, 10:49 PM
Parent: #28

عزيزي بيكاسو
كان جمال أخوك في قمة التواضع في الصيف الماضي حين تعرفت عليه لأول مرة وبدلاً من أن يسمح لي بالحديث عنه وعن ما قرات من أدبه تحدث هو عن كتاباتي في ندوة أقامها نادي القصة في الترحيب بي.ومثلك عندما تلجمك الانفعالات يا بيكاسو فتفتح فمك مبتسماًولا تقول شيئاً ، ألجمتني لفتة منه بارعة حين أهداني روايته دفاتر من كمبالا ومهرها بتوقيعه، وهي في كتاب نسيق وطبعة بيروتية فاخرة.الدبلوماسيون الكتاب كالاطباء الكتاب تظهر معارفهم ومشاهداتهم وتجاريبهم الحياتية فيما يبدعون.اتمنى أن أكتب ما في الخاطر عن كتابات جمال.
حين زرت بيتكم أيان كنا ندرس معاً بجامعة الخرطوم كل في كليته أذكر جيداً أننا بصحبتك نزلنا في محطة الشقليني بشارع الأربعين واظن أنه كانت هناك لافتة في بقالة عليها هذا الاسم وما كنت احسب أنه جدك يا ابن محمد ابراهيم.
لكننا لم نجد جمالاً بالبيت يومها لكننا وجدنا كل الجمال والحفاوة. ليتنا وجدنا هذا الكاتب منذ ذلك الوقت الباكر في منتصف السبعينات.
التحية له والشكر.ولك

Post: #30
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 04:40 AM
Parent: #29






الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

(15)

الدراسة : الدبلوماسية الكولونيالية
دار نلسن – بيروت/ السويد
الطبعة الأولى : بيروت 2009 م
جميع حقوق التأليف والنشر والتوزيع محفوظة للمؤلف
تصميم الغلاف ك كارينا ديزاين – السويد
*
كتب الروائي : جمال محمد إبراهيم الإهداء :
إلى روح صديقي ما ريو أوتو انطون
ذلك الدبلوماسي السوداني ،
الذي أدمن التسامُح حتى الموت
" جمال "
*
على الغلاف الخلفي :

هذا الكتاب :


ولدت الدبلوماسية السودانية مع فجر الاستقلال وفي حضن الحركة الوطنية ، وكانت انعكاساً لتطورها وجهادها من أجل الاستقلال .
لن تتوقف الدراسة عند فجر تجربة البريطانيين في حكم المستعمرات على أهميتها . بل في بحث علاقة الإدارة البريطانية بالسودان ، وكيف إدارته عبر وزارتين هامتين : وزارة المستعمرات ووزارة الخارجية . وفي فترة زمنية امتدت لأكثر من نصف قرن . شابها تجاذب حول السودان ، بين دولتي الحكم الثنائي مصر وبريطانيا ، حتى نال السودان استقلاله عبر مخاض طويل ، ونشأت في أُخريات أيام الاستعمار البريطاني ، دبلوماسية سودانية ثابتة الجنان ، واثقة الخُطى ...


*

Post: #31
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 05:30 PM
Parent: #30




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(16)

الصديق العزيز : دكتور مصطفى مدثر

يا رفاقي
يا صحابي
يا قلوباً مفعمات بالصفاء
يا جباها شامخات كالضياء
عند حلفاء ،
عن خط الاستواء


لن تختبئ أبداً ، وأنت تطل علينا ببنانك المتوهج .
لنسأل عن مخزونك في دروب المنافي ، لنقرأ ونستدفئ في زمان يحاول أن يسلخ عنا الريح الطيب .

نعد لجمال :

وإنها لسيرة ذاتية أبت الهروب ، وأنتَ تؤسس لها منذ أيام " مدرسة النهضة الوسطى " . أيام تحفر في الذهن الرخو منذ الطفولة الأولى . بكثير من المحبة يمكن للمرء أن يتعرف إلى تلك الكوكبة من المُعلمين وهم يزيلون أتربة العادة عن الذهب اللامع وهو يترسم خطاه في العقول : تقرأ وتقرأ ، ثم تبحث عن الدروب بالتجريب حتى تأتي لحظة صدق ، فيخرج هذا المارد ، يشق طريقه .
بالفعل فتحت أنت ملف كيف نوثق لمُبدعينا ، بل الملف الأخطر هو كيف تسرب الكثيرون من الذين أزهرت فيهم بساتين النبوغ في مراحل مُبكرة ، فما روتها الحياة بشرايين البقاء . مشت عليها دُنيانا بمجنزرة غليظة : دكت تلك النزوات اليافعة الفاتنة وقبرتها في المهد . شق فيها كثير من المُبدعين جيوبهم من البكاء ، ورحلوا لمنطقة أخرى أرقاماً في الحياة ، وخبا ذاك الشُعاع الغريب واندثر .
لقد استقطبت مؤسسات التعليم في الزمان القديم رجالات ونساء بصماتهم عصية على النسيان ، حين كانت الحياة عندنا تقف للمعلم وتوفه التبجيلا . ترفع مكانته ، فيستخرج من " مُحاره " اللؤلؤ .
سننتظر منك أن تبسط هذا النثير ،الذي يأمل أن يحول الملف سيرة وجه آخر من حياة جمال محمد إبراهيم .
وكيف وقد كان بصحبة أمثالكم الذين استفردت بهم المنافي ولكنهم كسروا سجن العادة وانطلقوا يحملون فسيلة تلك النبتة النورانية ، تُشع ، وسيصلنا إشعاعها ولو مُتأخراً .


*

Post: #58
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-18-2010, 04:43 PM
Parent: #22

ملف يلثم الفرح المُهاجر ويأخذنا كنسائم ليل الراحل " سمح السيرة " :
الفريق معاش / إبراهيم عبد الكريم أو الراحل علي المك ،طيب المولى ثراهما

Post: #56
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-17-2010, 09:23 PM
Parent: #3





الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .













Post: #57
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-18-2010, 04:41 AM
Parent: #2

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

Post: #32
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 06:30 PM
Parent: #1

*


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


*

Post: #33
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 06:47 PM
Parent: #32




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(17)

Quote:
الروائي جمال محمد إبراهيم لـ «الرأي العام» :
الشعر أصبح يستلف تقنية القص..الراوي الواحد يساعد على تماهي المؤلف والراوي


أجراه: عيسى الحلو


"جمال محمد إبراهيم" روائي .. له العديد من الروايات التي وجدت رواجاً داخل المحافل الادبية العربية المعاصرة وقد لقيت هذه الروايات انتباهاً كبيراً من الكتاب والنقاد العرب.. وها هو الكاتب اللبناني شوقي أبي الشقراء يقدمه للقارئ العربي. التقت به «كتابات» هنا وأجرت معه هذا الحوار: «المحرر»
"ولا مناص من "جمال محمد إبراهيم " من أن نضيفه إلى العصبة الخلاقة في السودان، من أدباء ومن شعراء، ومن أن نكون منصفين بحيث نجعله من الكبار المقبلين على الحلبة المشرقية والعربية، فهو روائي يلتمع ويكسر خبز الرواية، ويمنح الجياع ما يمنح، وهو شاعر من ذوي الإجادة والبراعة في باب الرجاء و السواء . وأي منبسط يدين له وينحني ويحب"

شوقي أبي شقرا 1/5/2009 –

• بين الرواية والشعر: غربة أم تقارب ...؟

• دعني أعطيك مثلا من قراءاتي للشاعر الراحل درويش.. ظللت أتابع عن كثب كتابته الشعرية ، وأكثر ما لاحظت في كتاباته الأخيرة ، جنوحه للتجريب في الشعر بحيث أحدث تغييرا لا يلاحظ بسهولة في شعره المنشور. لاحظت أنه قد اتجه لاختلاق قافية ورويّ مدسوس في نظمه . ليست هنالك قافية في آخر البيت ، بل في ثناياه . ألغى الشاعر ذلك الجدار الوهمي بين البيت وعجزه . تجاوز درويش هذا الجانب أيضا إلى استلاف تكنيك القص ، ورسم الصور الشعرية ، بحيث يمنح المتلقي «لحظة الإدهاش» المطلوبة والذهول الخلاق الذي يفتح للمتلقي أن يكون موجودا داخل نصوصه الشعرية. بعدها شرع في تجريبه الأخير إلى محاولة إلغاء المسافات بين الشعر والنثر. لكأن القصيدة ،صياغة ومضموناً ، صارت قصة قصيرة عنده كما وضح في ديوانه «كزهر اللوز أو أبعد». قد تكون هنالك تجارب سابقة ومن آخرين ، لكنه وبعد رحلته الشعرية الطويلة ، تجده يركن إلى أبي حيان التوحيدي ، ويحاول أن يجد طريقاً يقترب فيه الشعر من الكتابة الإبداعية النثرية والقص . كأنه يبحث عن زواج بين ما يأتي من الفطرة وما نكسبه من الصنعة. الذي أحسسته أن درويش اقترب من كتابة تلغي الفوارق بين كتابة القصيدة وكتابة القصة القصيرة . لست مجارياً لدرويش - في فهمي القاصر لأسلوبه الفذ - ولكني بتجربتي الطويلة نسبياً في كتابة الشعر ، فإني أكتب الرواية بنفَسٍ شعريّ لا يغيب عن نظر القارئ أو المتلقي أو الناقد . هنالك صفحات طويلة من الرواية أحسّ أنها قصيدة منثورة تسللت إلى الرواية ، بالطبع لم أتعمدها .. استطرد وأعيدك إلى الرواية التي أسرتني من بين كل روايات نجيب محفوظ : ميرامار . تبدأ في أول سطر هكذا : « الإسكندرية . . قطر الندى ..» . شاعر هذا الذي كتب وليس روائياً.. كما يقال في أدبيات السياسة ، أن العالم صار قرية صغيرة ، فإن الإبداع صار عالماً تقترب فيه المسافات بين أشكاله وطرق التعبير فيه ، بشكل معقد وتقصر رويدا رويدا ، ولا يمكن لي أن أفصح أكثر من ذلك . لست ناقداً ولربما المتبحرين في فلسفة الجمال يدلون بمهنية أكثر مما يأتي مني هنا .. لا أجد نفسي في حيرة وأنا أكتب. لا تختلف طقوس الكتابة عندي حين أكتب قصة أو حين أنظم قصيدة . أجد قلمي متصالحا مع نفسي لا متناقضا ولا مخالفا . أنا «شعروائي» إن شئنا أن ننحت من اللغة وصفا لحالتي التي أحدثك عنها ...لكني أرى أن استلاف الشعر في الكتابة القصصية ، يعد تحايلاُ على واقع ضاغط . كتابات محفوظ بعد هزيمة يونيو 1967 ، سلكت دروبا وعرة وتشعبت رمزيتها وصياغتها وصورها الشعرية. روايتا «ميرامار» و»ثرثرة على النيل» تقولان الكثير .

• ماذا عن إشكالية الراوي الواحد...؟؟

• الراوي الواحد يريحني ككاتب نص من ناحية ، برغم أنه يحدّ من رؤية البطل لكل ما ومن حوله ، بقيود نظرة الـ «كلوز آب» التي تتيح لي زاوية ضيقة أدلف منها للحكاية وتفاصيلها . في حالة الراوي الواحد يرى المتلقي والناقد أيضاً ، أن المؤلف يتماهى في البطل الراوي . تزعجني هذه الرؤية بل أتضايق منها ، بحسباني كاتبا يتعمد الناقد إنكار إبداعي فيعتمده نوعا من تداعي ذكريات شخصية تخصني وأنزلتها على الورق . قد يكون المخرج المناسب من هذه «الورطة النقدية» - وأنا أقول عنها ذلك لأنها ورطة فعلية ? هو أن يجنح الكاتب لتشتيت أصوات الرواية. تشظي الصوت يفتح مساحة شاسعة لتفكيك نص الرواية عبر مرايا متعددة ، وهو تكنيك على مصداقيته ، قد يربك المتلقي فيما إذا لم تتم المعالجة النصية بقدر كبير من الحنكة والحرفية في الكتابة . الناقد الكسول الذي يرى تماهي الكاتب في الراوي سيصاب بالخذلان، إذ التشظي يزعجه .


• إذن هنالك تداخل ما بين سلطتي المؤلف والراوي فـي النص الروائي ...؟

• ثمة تداخل بين السلطتين ، إذ المؤلف يستوحي مرايا سحرية ليستنطق الراوي، ولكن ليس بالضرورة أن تتطابق الكتابة الإبداعية مع التجربة الشخصية ، إن كنت قد فهمت سؤالك كما يجب .أخطط لعملي الإبداعي كتابة شعرية أم قصصية ، ولكن حين أدخل إلى عالمي الخاص لأكتب ، لا أضع خطوطا حمراء أو صفراء أو خضراء . كما جاء في السيرة النبوية عن ناقة الرسول ، أنها مأمورة ، فقلمي «مأمور» بالفكرة الكامنة وراء الكتابة ، ولا أحجر عليه بأية محاذير . غير أني أقول لك صادقا إن الكتابة الإبداعية لا تأتي من أودية الشياطين ، أو تتنزل من أرباب لا نراهم . قد أكون في مرة صوتا لراوٍ خفي ومرة أنطق البطل بكلامي أنا . تتداخل الأصوات في كتابتي حتى أغيّب صــوتي في صوت الراوي ..


• موت المؤلف ،هل المؤلف هو المرجعية الوحيدة ....؟

• لا ليس للراوي من مرجعية واحدة ، بل لكل متلقٍ حقه في أن يحتكر زاوية ما يرى عبرها النص الذي أمامه. حتى في الصوت الواحد تتعدد الرؤى وتختلف زوايا النظر حدة نافذة أو انفراجا رخواً .للأسف كثير من النقاد يقعون تحت تأثير أن المؤلف هو الراوي ، فيجري تضليل كبير للمتلقي . هذا الاحتيال النقدي أراه كسلا واحتيالا لا مبرر له . كثيرون استسلموا لاستسهال بعض النقاد قولهم أن عبد الجواد في الثلاثية هو نجيب محفوظ . آخرون ضيعوا زمنا طويلا في الربط بين شخصية الطيب صالح والشخصية المحورية في روايته موسم الهجرة ، مصطفى سعيد . أنا دبلوماسي وكتبت روايتي الأولى «نقطة التلاشي» التي صدرت عن دار الساقي 2008 ، والراوي في القصة دبلوماسي ، فجاء الظن من قبل نقاد كثيرين أن المؤلف ( وليس الراوي ) يكتب يومياته ، بل أن ناقدا وروائياً رصينا مثل الأستاذ يسن رفاعية ، الذي يكتب في مجلة «المحرر» اللبنانية وهو روائي أيضاً ، كتب أن الراوي في»نقطة التلاشي» هو المؤلف نفسه . في الحقيقة أنا كتبت قي مقدمة روايتي أن أشخاصها خياليون ، وكأني بذلك قد احتلت على المتلقي للأخذ بالانطباع الخاطئ أن الرواية تعبر عن أشخاص حقيقيين . ذلك فخ وقع فيه أيضا صديقنا الناقد د.محمد المهدي بشرى ، وهو يعرف جيدا أن بطل الرواية في نقطة التلاشي موظف في الجامعة العربية ولم أكن أنا في يوم من الأيام موظفا في الجامعة العربية ، لا في وقت وجودها في القاهرة أو بعد رحيلها إلى تونس !

• ثمة رؤية أن الرواية صارت أضعف حلقات الإبداع السوداني: إلى أي حد يصح ذلك ...؟

• لقد تبوأت الرواية مكانة سامية في الساحة العربية ، ولكن لا أستطيع أن أقول أن ذلك على حساب الشعر تحديدا أو أي شكل آخر من أشكال الإبداع . ولعلنا في المرحلة القادمة نشهد ثورات في التعبير تأخذ بمعينات التواصل الالكتروني، وما توفره الانترنت من عوالم لاختراقات كبيرة في الكتابة الإبداعية ، شكلاً ومحتوى ً . للأسف هنالك غث كثير يخرج في شكل روايات وأشهد أني صادفت الكثير الذي خرج من مطابع ودور نشر في لبنان من هذه العينة وليس كله إنتاج لبناني بل أكثره من الخليج . يستسهل أنصاف الهواة وأنصاف المثقفين ما تتيحه مواقع الانترنت من مساحات حرة للكتابة . . ويأخذني العجب كيف يستصعب كتابنا هنا النشر والطباعة والتوزيع ، وكأنا ننتظر مؤسسات الدولة لتعين .لا يحتاج الإبداع إلى إذن من السلطة ولا اعتماد من وزارات الثقافة . لعلي هنا أشيد بشجاعة صديقنا نور الهدى صاحب «دار عزة» في اقتحام سوق الكتابة والنشر ، رعى الله جهده ..


• ثم هل ترى أن الطيب صالح صار سقفا للرواية السودانية بحيث يصعب تجاوزه ..؟؟

• لقد سرى زعم كهذا حول نجيب محفوظ وإني أراه شطط لا معنى له . فالإبداع الإنساني لا يقف عند محطة ، كما الحياة تيارها يجري ولا يقف . سنة الحياة الأدبية أن تمضي قوافلها في المسيرة فيعلو الصالح ويسمق، ويخفت الطالح وينهار .. «حواء» الرواية السودانية أو العربية ، «والدة» ولا عقم في الإبداع.. ليتنا نقرأ كاتبا من جنوب السودان مثل لوليونج ، الذي يكتب منذ الستينات من القرن الماضي ، لنكتشف أن في نصفنا الجنوبي وقبيل التشظي ? شاعر وكاتب روائي كبير تماثل قامته قامة الطيب صالح . لو لا قلة ثقتي في جوائز الأدب بأنواعها ، لرشحته لنوبل ، بلا تردد ..


• «دفاتر كمبالا» تقوم على عنصرين ثقافيين :عربي وإفريقي ...هل من طغيان لجانب على آخر؟؟؟

• لقد ظلت انشغالاتي إبان ممارستي لمهنتي الدبلوماسية ، هو هذا التداخل الملتبس بين انتمائنا «التاريخي» المتجذر في الثقافة العربية وانتمائنا «الجغرافي» النابت في القارة الأفريقية ، ولا يخفى عليك استعمالي المجازي للوصفين ، إذ الجغرافيا موجودة أيضا في مكوننا العربي كما التاريخ غني في مكوننا الإفريقي . مأساة هوية السودان هي في حيرتنا التي لم نهتد عبرها إلى هوية يقرأها الآخر فيتعرف إلينا . وفي تقديري وفي تقدير كبار المفكرين في الاجتماع والفلسفة أن بلورة الهويات الثقافية لا تقع لجيل واحد ، بل قد تتمدد طويلا عبر أجيال عدة ، تتالى تجاربها وتتقلب بين حراك واستقرار ، بين عنف وهدوء ، بين موات طارئ ويقظة حالمة . فصول النزاعات التي عليها الوطن «السوداني» هي محطات في مسيرة طويلة تتشكل عبرها « وتنصهر مكونات الهوية . لو نظرت إلى القارة الأوروبية يرى الواحد كيف عبرت من شتاتها إلى وحدتها عبر حروب قارية وعالمية طويلة . كذا حال الولايات المتحدة الأمريكية وقد خرجت بعد حربها الأهلية الطاحنة بين شمال مسيطر وجنوب متمرد ، دولة قوية بتعدديتها وفيدراليتها. ما أشبه حال السودان، يكاد يتمزق ليصل إلى هوية تلم عناصره العربية والإفريقية..أنا أعيش توترات وطني الآيل إلـى التشظي .. ما أكتبه في رواياتي عن مكونات هويتنا الملتبسة بين جغرافيتها وتاريخها ، لا يخرج عن هذا الذي أحكي عنه . أريد أن ألقي إضاءات عبر تجربتي الشخصية ، لما أقف أمامه حائرا ، ولا يسعفني الزمن الحالي لأن أحتال عليه . أنا أصوغ واقعا ، أتمناه .. لا أكثر ولا أقل ...أمنية راودتني : ليت روايتي «دفاتر كمبالا» تجد من ينقلها إلى الانكليزية فيتاح لعدد أكبر من أبناء جنوب السودان الذين يقرءون بهذه اللغة من التعرف على كتابتي واختراقها «لأفريقية» السودان الملتبسة على ساكنيه ..

• رأى الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم في رواية «دفاتر كمبالا» تعبيرا روائيا عن مدرسة الغابة والصحراء..

• أكثر ما عرفنا عن هذه المدرسة أن تجلياتها الشعرية ، أكثر وضوحا وبروزا .
رواية «دفاتر كمبالا» ،التي بدأت كتابتها منذ نهاية سنوات السبعينات وهي فترة زمنية طويلة ، أمكن لي عبرها من اختمار الحبكة وصقل الكتابة ، شكلا ومضمونا وهدفا . هذا السفر والتجوال الذي أتاحته لي مهنتي الدبلوماسية ، زاد من حدة إبصاري الإبداعي إن جاز القول . الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم رأى خطوط مدرسة الغابة والصحراء ، قوية في نص روايتي ، ولعلي وبغير نية من قبلي للتضليل ? استعرت أبياتا من القصيدة الملحمية لعبد الحي "لعودة إلى سنار " في ثنايا روايتي ، قد أوحيت لود المكي بتبني هذا الوصف . لكن دعني أقول لك لقد أعجبني أيضاً وصف الأستاذ طلال سلمان ، صاحب جريدة «السفير» اللبنانية لروايتي «دفاتر كمبالا» ، أنها : « أقرب إلى قصيدة حب لإفريقيا يظللها الشبق ..» طلال قرأها بقلب شاعر، كما قرأ معلمي ود المكي ... * رأيك في كتابة الشباب للقصة في السودان هذه الأيام...... نظلم الشباب المبدع عندنا لأن إبداعهم مخنوق الصوت . ليس لنا حركة نشر نشطة ولا دور توزيع تعين في انسياب المطبوع من هذا الإبداع إلى قنوات التلقي ، فيزيد وعينا ونحن أشد ما نطلبه في ظلمات النزاعات التي أخذت بخناق الوطن الآيل للتشظي .ولكن برغم ذلك ينبغي علينا أن نلتفت إلى أقلام الشباب المبدع ، نهتم بتشجيع النَّشر ولكن ليس بما يذهب بحقوق الكتاب والمبدعين ، نحن متقدمون عن غيرنا في العالم العربي فيما يتصل بحقوق الملكية الفكرية ، ولكن ينبغي أن يكون هنالك ذلك الفكر الذي يضيف لبنة ، وذلك الإبداع الذي تجب حمايته ، لكن لي رأي فيما يكتب وينشر في السودان الآن ، ولا أُريد أن أكون ظالماً ،ولكن الغث فيه أكثر من الثمين ، ولأن الدبلوماسية تجري في دمي فلن أُسمِّي ، وأترك المهمة لأصدقائي النقاد. كنت ألاحظ في حسرة ، كيف أن منظمي جائزة الطيب صالح للرواية رأوا ضعفا كبيرا في اللغة والنحو في الروايات التي طرحت في المنافسة هذا العام ..لكن لا يملك الواحد إلا أن يتفاءل بمساهمات هؤلاء الشباب . سيصلون قطعا إلى محطة يخرج إبداعهم عبرها قوياً متماسكا فيكون إضافة لبناء أرسى قواعد الرواد وعليهم أن يكملوه .

• سيرة ذاتية سريعة:

كاتب صحفي باعتماد مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية- السودان،2008.
- عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد الكتاب السودانيين - الخرطوم- 2009
- عضو مجلس أمناء مركز راشد دياب للفنون الخرطوم ، 2006-
- مستشار غير متفرغ لصحيفة « سودانايل « الإلكترونية
- نشر عددا من المقالات والترجمات والأعمال الأدبية الأخرى في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية وصحيفة « الحياة « اللندنية وصحيفة « الزمان» اللندنية ، و(النهار) اللبنانية و(السفير) اللبنانية، والصحف السودانية اليومية والمجلات الشهرية والدورية .

أوســــمة تقـــــديريــــة :

يحمل وسام الأرز بدرجة ضابط أكبر من الجمهورية اللبنانية (ابريل 2009).

أعمـــال منشورة:

1-امرأة البحر أنت : مجموعة شعرية : رياض الريس للنشر _بيروت 2007
2- (نقطة التلاشي) رواية - دار الساقي _ بيروت 2008
3- (دفاتر كمبالا) رواية - دار نلسن - بيروت/السويد 2009
4- (الدبلوماسية الكولونيالية) دراسة -دار نلسن- بيروت/السويد 2009
5- (سكين في خاصرة الأفق ) مجموعة شعرية : رياض الريس للنشر .بيروت2010

كتـــب قــيــــد النــــــــشر:

1-كنت ناطقا رسميا: تجربة شخصية .
2- الأيام تدور: قصص قصيرة لليلى أبو العلا، مترجمة عن الانجليزية .




*

Post: #35
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 10:35 PM
Parent: #33






الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


(18)
Quote: [center]( امرأة البحر .. أنتِ )
ديوان للشاعر : جمال محمد إبراهيم


(1)

أذكُرُ أنكِ غادرتِني قبلَ أن تصطفيك البِحارْ
و وَعدَكِ أني أُلاقيكِ في مَوجةٍ من نَضارْ ..
أو تكونينَ مَخبوءة ليَ في شَهقةِ المدِّ..
أو تنامين في زَفرةِ الانحِسارْ

بإطلالة هذه الموجة كان مطلع قصيدة ( امرأة البحر .. أنتِ ) . من أبجدية البحر نهضت اللغة بقاموس مضطرب بالأعاصير : سكونه وهياجه ، سكرات نشوته وشجونه . مدّه وجذره . أخذت هي من البحر ألوانه وعنفوانه و مُجونه وغدره كأهواء الحبيبة ومواعيدها على ذَنَبِ الزمان تكاد تُنبئ بالرحيل و بالفِراق .

(2)

وفي قصيدة ( امرأة في دُخانِ الغمامْ ) كتب ضمن ما كتب :

خارجةٌ منْ دُخانِ الغمامْ .
داخلةٌ في غَمَام الدّخانْ
مُسربلةٌ بالندى ..
و مغسولة مِن مياهِ الجنانْ
...........

أو حين كَتب :

ألاقيكِ .. إني بوحْ صدى ، يخرُج من رعدِ شوقكِ ليْ
ألاقيكِ .. يَمرحُ فيكِ الفراش ُ ، ويغرقُ في بَهَرجٍ مِنْ حُليْ
ألاقيكِ .. ثم أناجيكِ ، أُمنيةً في نهار الجسدْ
ويأتيكِ نبضي ، فيلقاهُ منكِ الشهابُ الرصدْ
......................
وهي القصيدة التي جارى فيها قصيدة ( غمائم الطلح ) للشاعر محمد المهدي المجذوب من ديوانه ( نار المجاذيب ) .

(3)

كتب الدكتور ( عمر عبد الماجد ) مُقدمة في مُستَفتح الديوان ننقُل بعضها :
.. يقيني أن القصائد التي بين دفتي هذا الكتاب ما هي إلا مقدمة لطفح شعري أخذ ينبجِس كعيون الأنهار دون تريُث مُسبَق ، أو صناعة أخذت تنحت في صخر قبل أن تتبلور في هيئة قصيد لا يعدو في حقيقة أمره أن يكون لملمة لفسيفساء الصور التي تنعكس على شاشة مخيلة هذا المبدع .
لم أجد في قصائد هذه المجموعة التزاماً صارماً بأسلوب مُعين دون غيره في كتابة القصيد ، إذ وجدتُ العمود الخليلي كما في قصيدة ( مقاطع من أجل المُتنبي ) والشِعر المُرسَل كما في قصيدة ( وا فجيعة الألوان فيك يا حُسين ) والتي حَملت بُكائية ناعمة المَلمس في رحيل الفنان التشكيلي ( حُسين شريف ) ، وشِعر التفعيلة كما جاء في معظم قصائد هذه المَجموعة ، خاصة تلك القصيدة التي كتب في مقطعٍ منها :

يرتَبِكُ الليلُ حين يَخطُف الأثير صوتكِ الدُريَّ لامِعاً كنجمةِ الصباحْ ..
ليرتدي من انبثاق الفَجرِ ثوبه من الندى وِشاحْ
يأخذني إلى قلاعه رهينة مهيضة الجَناحْ
فتستريح بعدها الجِراحْ
...............

(4)

يقولون لا يكتمل قُرص البدر بين يوم وليلة وكذا الشاعر . من خزانة صغيرة على طرف المكان المُخصص للأضياف في زمان قديم نَمَتْ مكتبتُه منذ طُفولته الباكرة . أسفارٌ بالعربية والإنجليزية تنام الواحدة على أختها حيناً قبل أن تفترسها عيونه القارئة . أما نحن فنتلصص من خلف ظهره لنقرأ ما يتيسر . الآن نهضت أحرُفنا وتجوَّلت سماوات وضربت أركان الأرض حيث أصدقاء الأمس الذين فرقتهم المهاجر . جَلَستْ الكلمات في النثر وملأت السماء ، ثم كِسفاً تساقطت من سُحب الخيال . سافر ما نكتُبه إلى المدائن البعيدة فما بال صاحب المَكتبة الشاعر ( جمال محمد إبراهيم ) ينتظر ديوانه زماناً إلى الميعاد المُلوكي و بَسطة سجاد القُدوم ! .

لو يمنحنا الناشر فُسحة لبسطنا يد الشاعر ليُكرمنا النص من موائده المُترفة. اليوم غير الأمس في نظم القصيد . أنتَ تقرأ وتُشاهد وَ تَتَزيَّن . أما العيون فترى النور وتكتحل . تجوَّل معي سيدي أو تجولي معي سيدتي في مسبح اللغة وسلسبيل مياهها وأنتِ تقرئين ديوان شعره . ترين تقاطيع جسدك المُزججة و أنتِ تَخرُجين من ماء مسبح بلون كسائه القيشاني الأزرق . الأفق يعتدل مُستقيماً في أدنى الأرض حيثُ الشمس رسمٌ بُرتقالي كملصقٍ على مُعلبات الفاكهة .

(5)

وُلد بنان الشاعر ( جمال محمد إبراهيم ) غاطس يبتَردُ في سحر الكون وأحلامه . لوَّنه تسفار المِهنة بأحاجي الدُنيا في مجالس القِمم . الدبلوماسية ورغم ما تبدو عليها من فخامة للناظر إليها من خارجها ، فإن ممارستها كالسير على سطوع الجِمار أو الرقص على حبال في الهواء الطلق وسط صراخ النَظَّارة .
لستُ في مجلس الشعرِ إلا في ركنٍ قَصيٍّ أقرأ وتُضرِب وجهي الصور المُلونة . أتلصص على مَرَدته حين يخرُجون علينا من بطون الخيال الشِعري وأتعجب : كثافة في اللغة الباهرة ، و وشم موسيقى على طبولِ الآذان مُلتقى العَناقيد . جَزِلٌ ناعم يدلُف راقصاً تزدهي به العربية لُغةً وتُظهر مفاتنها للعَيان . نتجوّل نحن و ننظُر زخرُف الشعر على خُضرة الأحرُف ونمشي حُفاة على الرخام المنقوش وتحت ثُراياته التي تعبث أضواؤها بالأعيُن .

من يقرأ ديوان الشِعر يقنعُ بأن ثلاثة عقود في العمل الدبلوماسي المهني للشاعر ( جمال ) قد حرمتنا جميعاً من مورد عذب تنهل منه النفوس العَطشى . سَرَقت هي من عُمرنا الماضي حتى آن أوان قِطاف الكرز شِعراً لتنشُر ديوانه الأول بيروت .

يُعيد الشِعر الذي يُخاطب الوجدان توازننا الهش الذي نعيش حاضره ، والنفس من وقع رُكام السُمُوم تكاد تتفتتْ . في الخِصر خناجر مسُمومة في جنب الوطن وسعادةٌ في الأحلام موعدها التفجير عند أول تقاطع طُرق ! .

(6)

يحوي الديوان ثلاثين قصيدة . هيَّ مهر لحظةٍ خاطفة من الصعب أن يقبض عليها المرء في دُنيا مُتقلبة الأهواء . قد يعجب القارئ أن الدُبلوماسي ( جمال ) قد بدأ كتابة الشِعر في الستينات وبَخل علينا بدفاتره إلا من رأى الشمس بازغة وهُم قلَّة تحسبهم أنتَ على أصابع اليد ولم نكُن منهم . خرج ديوانه اليوم علينا خُروج الصُبح يتنفس ضياءً ودِعة .

(7)

1.ديوان الشعر : ( امرأة البحر .. أنتِ )

2.ناشر الديوان : ( رياض الريس ) / بيروت / لبنان .
[email protected]

3 . الطبعة الأولى : آزار مارس 2007 م

4. الشاعر ( جمال محمد إبراهيم ) :
ـ سفير بوزارة الخارجية السودانية .
ـ سفير السودان لدى لبنان .
ـ عضو اتحاد الأدباء السودانيين .
ـ عضو مجلس أمناء مركز راشد دياب للفنون .
ـ عضو مؤسس لمنظمة سودانيات الطوعية .
ـ له عدة ترجمات منها ترجمة قصة قصيرة من الإنجليزية إلى العربية
( الأيام تدور ) وهي ضمن المجموعة القصصية :
Coloured Lights (Polygon 2001, 2005)
للكاتبة ( ليلى أبو العلا ) .
ـ له الكثير الذي تحويه الأضابير من الشعرٍ والنثر المُتنوع وينتظر الإفراج من محبسه .


عبد الله الشقليني
02/05/2007م


الرابط من مدونة " سودان رأي :


htt:://www.sudaniyat.org/archive3/showthreadphp?=5550


*

Post: #36
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 10:43 PM
Parent: #35

.


الرابط : في مدونة سودانيات بقلم الأستاذة / ريما:


http://sudaniyat.org/archive3/showthread.php?=5387[/B]




.

Post: #37
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2010, 11:07 PM
Parent: #36

*

http://sudaniyat.org/archive3/showthread.php?t=5191


*

Post: #39
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-12-2010, 11:49 AM
Parent: #37


http://sudaniyat.org/archive3/showthread.php?t=6108[/B]

Post: #40
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-12-2010, 06:31 PM
Parent: #39

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

Post: #38
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-12-2010, 05:16 AM
Parent: #35




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


(19)

Quote:
عزيزي بيكاسو
كان جمال أخوك في قمة التواضع في الصيف الماضي حين تعرفت عليه لأول مرة وبدلاً من أن يسمح لي بالحديث عنه وعن ما قرات من أدبه تحدث هو عن كتاباتي في ندوة أقامها نادي القصة في الترحيب بي.ومثلك عندما تلجمك الانفعالات يا بيكاسو فتفتح فمك مبتسماًولا تقول شيئاً ، ألجمتني لفتة منه بارعة حين أهداني روايته دفاتر من كمبالا ومهرها بتوقيعه، وهي في كتاب نسيق وطبعة بيروتية فاخرة.الدبلوماسيون الكتاب كالاطباء الكتاب تظهر معارفهم ومشاهداتهم وتجاريبهم الحياتية فيما يبدعون.اتمنى أن أكتب ما في الخاطر عن كتابات جمال.
حين زرت بيتكم أيان كنا ندرس معاً بجامعة الخرطوم كل في كليته أذكر جيداً أننا بصحبتك نزلنا في محطة الشقليني بشارع الأربعين واظن أنه كانت هناك لافتة في بقالة عليها هذا الاسم وما كنت احسب أنه جدك يا ابن محمد ابراهيم.
لكننا لم نجد جمالاً بالبيت يومها لكننا وجدنا كل الجمال والحفاوة. ليتنا وجدنا هذا الكاتب منذ ذلك الوقت الباكر في منتصف السبعينات.
التحية له والشكر.ولك




الصديق والكاتب القاص : الدكتور بشرى الفاضل


تحية لك وأنت تذكر أيام زاهيات ، وترفد هذا الملف بصبح حديثك الصافي عن " جمال محمد إبراهيم " .
وكنت أنت السابق في العلو إلى سقوف القصة القصيرة منذ " حملة عبد القيوم الانتقامية " منذ عقود . كيف لا ! ، وقد صارت شخوصك كما في القصة القصيرة
" عبد القيوم وحملته " و " ها هينا " مثلاً وهي
لها أيقونات مثل الذي استنبطتها الرواية في أمثلة :

" سي السيد " في ثلاثية محفوظ
" مصطفى سعيد " في موسم الهجرة الصالح

تتكون الأيقونات في علائق متشابكة بالقراء وحيواتهم ، حين تنهض باسقة ، عالية . هو الذي خرقت أنتَ به السقوف ورسمت خطوك في فن " القص "
ويجد المرء نفسه ممتن لهذا النزيف الحنين من سردك تلك الأيام الناضر نبضها .
ليتك تحدثنا عن رؤية أمثالكم من أهل " القص " عن " جمال " لنُثري الملف .

لك الشكر على هذا الفيض .
ملحوظة :
كان الذي ذكرت ولم يزل بعافية هو " والدي "


*

Post: #41
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-12-2010, 09:23 PM
Parent: #38






الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(20)


Quote:




إلى الشيرازي في جنته : ( قصيدة )


إهداء خاص إلى التي غابت وآبت بأحزانها ...



إلَى الشّيْرَازِي فِي جَنّتِهِ .

شِعْر : جمال محمد ابراهيم

"غريقٌ في الإثمِ ولكن ذاهبٌ إلى الجنّة.."
حافظ الشيرازي*




1-

قبلَ انْبثاقِ الشّمْس ِ، في غَسَقِ الكَلام ْ،
وَقبْلَ أنْ يتعشّق الوَرْدُ النّـدَى ..
قبلَ انْطِلاقِ الرّملِ ، بَعدَ تدَاولِ التُفّاحِ ،
قافيةً تُسَرْبِل نفسَهَا في شَهقةِ البُستانِ في الجسَدِ الرّخام ْ
ثمّ تُحيلُ أحمَرَها خُدوداً للغواني السّاحِراتْ ..
الفارسيّاتِ الجميلاتِ . .
اللوَاتي كَيْدُهُنّ غوايةُ الشُّعرَاءْ
واسْتِهلالُ عَهْدِ العِشقِ في زمَنٍ بكَى في ليْلِهِ الفُقراء . .
قُمْ يَا حافِظَ الشِّعراءِ في شِيْرَاز
هاهُنّ احتمَيْنَ بِسوْرِ قبرِكَ ، يستثِرنَ الوَجْدَ
أنْ يَصْحو ليُطْرِبَ قلبُكَ العَذْراءْ
هيّا قُلْ لنَا :
لَوْ أنّ رَتلَ الفارسياتِ الجميلاتِ احْترَقنَ صَبَابةً
وذرَفنَ دمْعَاً جارِفاً بمزَارِك القُدُسيّ
هل تغفِر لَـهُنْ ؟
لَوْ أنّ تفاحاً ترَمّل حَسْرَة بِخُدودِهُـنْ
فهَلْ ترىَ بُستانَ وَرْدِكَ حاضِراً ، فيكونَ عِيدُكَ عِيدَهُـنْ ؟
يبكيْنَ حوْلكَ . .
كيْفَ قلبُكَ لا يليْن وأنتَ شيْخُ العاشِقينَ وَشيْخُهُـنْ ؟

2-

هذا حُضورُكَ يا لِسانَ الغيْبِ ، أكمَلُهُ حُضُور
مَلاحِمُ العُشّاقِ قدْ زحَمَتْ فؤادَك ، أنتَ صَاحبُهَا
وناظمُ شِعرِهَا وقصيْدِها المَخْفيّ في رَحِمِ الرّؤى
لا .. لا تفكّ شفْرَتَها ، وَلا تَمنَحْ مفَاتيحَ الهَوَى
إذْ أنّ عزّكَ في غيابِكَ ، لا الحُضور
وأنّ عشقُكَ في نُفورِكَ وَالنوَى . .
فاصدَح بصَوْتِكَ في الصّدَى . .
حتىَ وإنْ أهْدَتْ اليكَ النّاهِداتُ خُصُورَهُن
وإنْ رَشَفنَ سُلافةً مِن خَمْرِ شِعرِك َ واحتمَيْنَ بخِدرِهنْ
فَلا تلِنْ يا حافِظَ الأسرَارِ في شيْرَاز ،
إن لتاجُك الفضيّ لمْعٌ في غِيابِكْ
فاسْقنِي . .
لَنْ أرْتوِي
ضَاعَ اليقينُ ، فهَلْ شَرَابي مِن شرَابِكْ . . ؟

3-

إنّي رأيتُ صَبيّةً فضَحَتْ مآقيهَا الجِراحُ
مَضتْ تُدارِيَ دَمْعَهَا بنِقابِهَا . .
إنّي رأيتُ تُرابَ قبرِكَ يا أميرَ العِشقِ
لوّنهُ الأسَى ، ثملِاً بخَمْرِ خِضَابِها
ترَكتْ علَى أسْوارِ قبرِكَ بُرتقالاً ناهدا
ورَنَتْ كأنّ عليْكَ أن تُصغِي لِصَوْتِ عتابِهَا
قد صوّرتْ - من غيّها - بُستانكَ الوَرْديّ في أعنَابِها
يا حافظَ العُشّاقِ . .
هَلْ في الدّنِ شيرازٌ تُعيدُ صَوابَنا بِصَوابِها ؟



*شاعر فارسي فخم عاش في القرن الثامن الهجري واشتهر بغزلياته وقبره بمدينة شيراز بجنوب ايران . .


الرابط نقلاً عن مدونة سودان رأي :

http://sudanray.com/Forums/showthread.php?t=2670

*





*

Post: #42
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-13-2010, 03:13 PM
Parent: #41






الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .





(21)



الشاعرة اللبنانية د.سلوى الأمين الخليل
تقدم السفير السوداني جمال محمد إبراهيم في الأمسية الشعرية
التي نظمها النادي الثقافي العربي – بيروت
الجمعة 18 أيار/ مايو 2007[


( امرأة البحر .. أنتِ )
ديوان للشاعر : جمال محمد إبراهيم


/B]
Quote:


الرابط من ملف سودان رأي :
http://sudaniyat.org/archive3/showthread.php?t=5550

*

*



الشاعرة اللبنانية د.سلوى الأمين الخليل
تقدم السفير السوداني جمال محمد إبراهيم في الأمسية الشعرية
التي نظمها النادي الثقافي العربي – بيروت
الجمعة 18 أيار/ مايو 2007


حينَ تطلّ لمع ُ العقول ِ.. نحط ّ على محطات ٍ.. تمرح في جنباتها هدأة ُ النفوس.. المتفاعلة ُ مع سحر ِ المكان وحوليات الزمان، المتهادية ُ في فضاءات الكون.. عافية ُ نبض ٍ يلامس حقائبَ السفر.. المحمولة َ على بساط ِ الريح ِ.. قصائدَ مغموسة بالحبّ ِ.. حب ّ الأرض والإنسان.
وحين نمتطي أجنحة الرّياح المستنفرة على الدّوام.. تجدنا نحْبكُ مواعيدَنا على وقع ِ الأناشيد المكتوبة قصائد عشق، لامرأة ٍ ُتزفّ للبحر.. ترفع إليهِ الشجوَ طقوسَ صلاة ٍ، فيغدو الشجنُ شدواً، يشقّ محراب القلب المغطس بعبير ِ الحبّ ِ، الذي لامست خفقاته وعذاباته، قلبَ الشاعر ِ السفير جمال محمد إبراهيم وفكره وعقله، فكان الديوان الشعري الأول له "امرأة البحر.. أنتِ" محطة َ الأمان ِ لرعشات متوّجة ٍ بصدق الخواطر والأحاسيس.
وحين "يختبئ اللؤلؤ في المحار".. "نرهف السمعَ " لوشوشات الموج.. تأتينا برسائل الغرام الليلكية.. نقطفها بلهفة الملتاع من حرق ِ المهج ِ.. قبل أن يهوي الشوق المبلول بمياه البحر على شواطىء النسيان.
أما حين أمتشق اليراع.. أضرب به صحائفي البيضاء.. أرنو إلى هدأة الروح.. تمدّني بزرقة العافية، التي تدثرت الحروف والكلمات.. تصوغها رحلة برية.. جوية.. بحرية.. تمتطي متون القصائد الآتية إلينا، من بلد ٍ عربي شقيق هو السودان. هذه الرحلة المظفرة السعيدة، سكنت الحلم المندّى بالفجر ِ المتآلف بالمحبة ِ مع أهل هاتيك الديار.. الأنقياء.. الأتقياء.. الخلص.. الأوفياء.. المؤمنين بالله، المتواصلين مع الأرض ِ، مشارقها والمغارب، بوحدة متكاتفة لا يفصم عراها، مهما اشتدت الندوب وكثرت الاعتداءات. فدارفور ستبقى سودانية الحسب والنسب.. كما أهرامات البجراوية الشامخة الثابتة في صحرائها العصية على الدمع.
لهذا نتحلق في هذه العشية حول الشعر القادم إلينا من رحاب البلد الشقيق السودان.. موطن الشمس والقمر. موطن السحر والجمال..والعافية الرحبة الأمداء.. موطن الحضارات.. وملتقى الثقافات.. عبر ديوان "امرأة البحر.. أنتِ" للسفير السوداني في لبنان الشاعر جمال محمد إبراهيم.
شاعرنا.. الصاعد من إرهاصات الدهور الحبوكة بالمؤامرات على وطنه السودان، نقرأه متفاعلاً مع الشعر العربي الموزون المقفى، ومع تلاوين الشعر الحديث بلغة عربية نقية صافية، خالية من الشوائب والألفاظ التي تخدش السمع، في زمن العولمة والتلاعب بهيكلية القصيدة العربية وتراثها الأصيل.
إن شاعرنا لم يهمل لغة الضاد، ولم يتجاوز الخطوط الحمراء، بل استقر منازلاً القصيدة الجاهلية المعلقة في تراكيبها وشكلها والمضمون على أبواب سوق عكاظ.. والمجلوة في ديوان هارون الرشيد.. والسابحة تيهاً ودلالاً في ليالي الأندلس، والقابعة على نسائم الأدب اللبناني المهجري.. وشعر إيليا أبو ماضي، حيث نثر بذور قصائده امتداد تواصل بين القديم والجديد، وانبعاثات رؤى، أضاءت مشاعلها على دروب الإبداع.
لقد حمل الشاعر إزميل الجمال، تمنطق به غوى لحظات، واكبت الصبوات المترجمة على الورق، صدق مشاعر عشقت المرأة فوسمتها حبيبة، مؤطرة بحبيات القلب المحمول فوق رحى الغمامات.. إنشودة صبر وحلم ربيعي السمات، مسحور بالوجد وألق اللحظات الحميمية، الملتصقة بحب الأرض أيضاً، تلك الأرض التي تمثل لديه الوطن العربي الكبير المسور بالقهر والجراح.
من هنا كان هذا الديوان الشعري الأول، للشاعر السفير جمال محمد إبراهيم، خطوة متقدمة في محراب الشعر العربي، لجزالة الألفاظ ورونق التعابير، وجماليات المعاني، وحرارة الصور والمشهديات، الممزوجة بالألوان المتنوعة والانعكاسات، الغنية بالصور والإيقاعات المتهادية عبر شطور قصائده، المتدرجة من البوح إلى الغزل إلى الرثاء، فالهجاء لمستعمر ظالم أراد تفكيك الوطن، فكانت الكلمة تهل من خواطره قصيدة متألمة، تجاور قصيدة الحب المزهوة بتيه ودلال عبر كل صفحات الديوان، وعبر كل أقسامه وفصوله. فهو تارة العاشق الفتون بالحبيبة الحاضرة في كيانه ولواعج الخواطر، وتارة الثائر العربي الوطني القومي، الذي يأبى الذل والهزيمة والنكسار. لهذا نقرأه يرسم على شواهد التاريخ نقشاً مؤطراً بكل حكايات هذا الشرق العربي المحمومة. يقول (ص. 50):
حبيبتي..
ها هو التاريخ يحني قامته،
احتراماً لعينيك الجميلتين..
معذرة..
ما كان لي أن أرحل إلى عصر غير عصرك،
فأنت مكاني،
وأنت زماني،
بل أنت عصري كله.. يا حبيبتي،
لكن..
من وشى بنا إلى التاريخ..؟
هنا نجد عبارته تتعمشق علىَ حسن ِ الأسلوب ِ وجمالية ِ المضمون ش وعمقه، أما الشكل فسيل ٌ عرِمٌ، يضخّ لواعج المهج ِ لديه ِ ، أحاسيسُ مضغوطة بعذاب ِ "الليلة الثانية بعد الألف في بغداد".. ولا غروَ في ذلك فهوَ العربي الأصيل المنبت، المشدوهُ من فجور ِ سلاطين ِ الكون ِ العظام، يحزنهُ احتلال العراق، ونهب التراث في بغداد، ويرعبه الرعبُ المرفوع قسراً على أشرعةِ المجنزرات الأمريكية الدخيلة عند ضفاف ِ دجلة ِ والفرات، وحارات الكرخ ِ والرصافة، وتبكيه ِ قصيدة ُ شاعر ٍ يقول: هل غادر الشعراء من متردم ِ، ثم يلتف دائراً على ذاته صارخاً:
وحدهُ لصّ بغداد..
الذي جيوبهُ ملأىَ بجثث ِ الأطفالش القتلىَ
وحده لص بغداد..
مرتدياً حلة الموت..
يخبيء سكينه ُ وهو عار ٍ..!
يبعثر خزانة التاريخ.. وحده..
يعبث مثلما عبثَ هولاكو قبلهُ ، بكنوز بغداد..
وبخير ِ بغداد... وسحر بغداد.
لكن.. هولاكو مضى..
وبقيتْ بغداد ُ.. بقيت بغداد..
أختم ُ.. لأقول.. ديوانك الشعريّ الأول.. أيّها الشاعر الصديق.. هزني في العمق ِ، لأنّ قصيدتك عذبة الوصال، واضحة النطق والرؤىَ، جذابة الصور، رهيفة المشاعر، إيقاعاتها ترانيم متناغمة المضامين، وقماشتها ناعمة الملمس، رقيقة الحواشي، دفقها طاهر نقيّ، تراكيبها من أبجدية ٍ غنية بالعبارات الندية، التي تشدّ القارىء إلى متونها كما الفراشات إلى أزاهير الربيع.
فبورك قلمك الذي خطّ هذه القصائد.. وعقلك الذي أفرز.. وقلبك الذي ما زال متفاعلاً مع الحبّ نابضاً بالحياة.

Post: #43
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-13-2010, 03:27 PM
Parent: #42



الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

(22)

ها هي سطوة العشِق البيروتي تلف عَباءته الشعرية الحانية . لبيروت في نفس الشاعر " جمال محمد إبراهيم " مكانة عالية ، كما كان لكل شعراء العربية خافق يخفق بنبض بيروت : موج بحرها ، وغضبه ، أحياءها المكسوة بالخضرة وأعاليها ، والجبل والجنوب وآثار الماضي السحيق وبشرتها النضرة .
هل زلزلت الحروب ذلك الوهج ؟
هاهي بيروت تحيا تُلملم جراحاتها فهي التي تُتقن الاستيلاء على قلوب عاشقيها



واقف ٌ عِندَ صَخْرة ِ َبيْروتْ . .

1-
في خَلق ِ الصّخرة ِ حِكمة ٌ تفترش زمَانَ الصّحراء ِ والتكوين،
في بهائها الأملس ِ ، يختبيء رمادُ العُنف ِ ،
لا تخرج ناراً بعد إشتعال ..
لا تنزف دماً ، و السكين ُ في خاصِرةِ الأفق ِ . .
تمطر و السقف ُ بلا غيمْ ،
تبتلّ بلا مضاجعة ْ،
ينبثق الضياءُ من سَناها ، بلا أنجُم ٍ ،بلا أقمار

2-

في خَلق ِ الصّخرة ِ غصّة ٌ، لا في حلقِها .
لا عطرُ يعبق ،
لا خيشوم ُ يستنشق . .
ثمة غياب ٌ أجمل من كامل ِ الحضور ،
وانحباس ٌ أكثر فيوضاً من تدفق وانعتاق . .
وذهولٌ أبهَى َ من اندياح ِ اللحن ِ ،
فكيف نُحاذر أنْ لا تصطادنا جهنم ُ الفردوس ِ ،
أو يأكلنا شجرُ الزقوم ِ ، قبل نضوج ِ الأعناب ؟

3-

من صَخرة ٍ جلمود ،
يبتني القلب ُ مئذنة ً من شموس ِ الوادي المقدّس ِ طوىَ،
ويعبّد مهبطاً للبراق . .
في صَخرة ٍ أخرَىَ ،
يستحمّ العشق ُ في جسَد ِ الصّخرة ِ
قبل أن ينسدِل الشِّعرُ في المخيّلة
في صَخرة ٍ أخرَى َ،
تنام جُوْلييت في مشيمة ِ الشِّعر ِ، و شيكسبير
مستغرق ٌ في طفولة ِالتاريخ ِ ، بلا إسم
بلا سونيتة واحدة ،
ولا ساحرات ٍ يصدحن بالغناء في ليلة ِ صيف ،
ولا أمهات ٍ يغدرنَ بأزواجهنّ عشقاً ،
ولا أصدقاء يخبئون خناجرَ لإغتيال قيصرهم .


4-

في صَخرة ٍ أخرَىَ . .
إسمها الروشه ِ ،
ذات صباح ٍ ، مرّ تحتَ رمش ِ موجها أنطونيوس ْ
قبل أن تستبيه سيّدة ُ الإسكندرية ، الملفوفة في الحرير..
وقبل أن يكتب البحرُ قصيدة َ عشق ٍ بين ساحلين .
وقفت ُ مشرئباً بين بندقيتين . .

5-

في صَخرة ٍ أخرىَ ،
من يستحمْ : البحرُ أم بيروتْ ؟
منْ ينامَ في الرماد ِ : العنقاءُ أم قنّاصة ُ النّهارِ ؟
من يفتري على الصخور ِ كذبا : سخاءُِِ المدِّ ، أمْ خصومةُ الجزر ِ ؟



بيروت - فبراير /شباط 2007


في مدونة سودان رأي


http://sudaniyat.org/archive3/showthread.php?t=5010


*
*

Post: #44
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-13-2010, 04:41 PM
Parent: #43





Quote:
مبروك سعادة السفير


قدّم السيد السفير جمال محمد ابراهيم أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود ، سفيراً فوق العادة و مفوضًا لجمهورية السودان لدى لبنان وذلك في حفل رسمي أقيم في القصر الجمهوري يوم أمس الأربعاء 27 ديسمبر 2006. هذا وكان قد قدّم أمس الأول صورة من أوراق اعتماده لأمين عام وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية.

ألف مبروك لسعادة السفير وأتمنى له كل التوفيق.


ملف ابتدرته الأستاذة / ريما في مدونة " سودان رأي :


http://sudaniyat.org/archive3/showthread.php?t=4382


*




Post: #46
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-13-2010, 05:54 PM
Parent: #44

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

(23)


http://www.sudanvoice.net/v2/nnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnnn1.mp3




قصيدة جمال في رثاء الشاعر درويش


*

Post: #45
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: سلمى الشيخ سلامة
Date: 03-13-2010, 04:44 PM
Parent: #43

جمال محمد ابراهيم
اسم سمعته لاول مرة العام 2005
كان ذلك اليوم الرمضانى فى بيت صديقنا المشترك ناصر يوسف
عدت فى تلك الفترة بعدغياب طويل
حضر اذن جمال وجمع من الفنانين والكتاب
اقول اننى اندهشت من كم التواضع الذى كان جلبابا يغطى ذاك الهرم المعرفى
ذلك انى شهدت كم ان من كانوا اقل درجة منه كانوا انوفا تحتاج ان "تقعد فى الواطة"
اسكرتنى خمر لقياه تلك وبتنا كمن ظللنا حياتنا كلها نتعارف

Post: #47
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-14-2010, 04:18 PM
Parent: #45

Quote: جمال محمد ابراهيم
اسم سمعته لاول مرة العام 2005
كان ذلك اليوم الرمضانى فى بيت صديقنا المشترك ناصر يوسف
عدت فى تلك الفترة بعدغياب طويل
حضر اذن جمال وجمع من الفنانين والكتاب
اقول اننى اندهشت من كم التواضع الذى كان جلبابا يغطى ذاك الهرم المعرفى
ذلك انى شهدت كم ان من كانوا اقل درجة منه كانوا انوفا تحتاج ان "تقعد فى الواطة"
اسكرتنى خمر لقياه تلك وبتنا كمن ظللنا حياتنا كلها نتعارف


إلى سيدة من سيدات القص ..
الأستاذة : سلمى الشيخ سلامة

بمثل كتابتك القريبة للنفس كشمس قبل الغروب ، باهر كتابك ،
مفعم بالمحبة الإنسانية .
شيء لا يمكن تعلمه ، يولد دفء الإنسان مع مولده فيكون صدوقاً :
تحية لكِ وقلمَكِ يأخذه بتلك الحفاوة



*

Post: #48
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-16-2010, 09:01 AM
Parent: #47





الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(24)




غلاف رواية " نقطة التلاشي " للكاتب " جمال محمد إبراهيم "




*

Post: #49
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-16-2010, 05:35 PM
Parent: #48





الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .




(25)

كتب الشاعر درويش في قصيدته " الجسر" :

مشيًا على الأقدام
أو زحفًا على الأيدي، نعودُ
قالوا ..
وكان الصخر يضمر
والمساء يدًا تقودُ ..
*
إلى الأصدقاء :
دكتور : بشرى الفاضل
دكتور مصطفى مدثر :


زحفاً على الأيدي نعود . كانت الطفولة الأولى سيرة في الدرب ونقطة بدأ منها النبع . تحدث ذات زمان الكاتب " عثمان حامد سليمان " في أمسية دعوناه ليتحدث عن تجربته في القصّ ، وحكا لنا عن " سحّارة " الطفولة التي يأتيها ساعة يصفو لنفسه وتأخذه الخواطر وقد اندلقت جِرارها بالدُرر .
جاء الكاتب " بشرى الفاضل " بالنثير عن أيام خلت . وجاء الكاتب " مصطفى مدثر " يبسط لنا أيام أم درمان التي زحفت أيامها إلى الذاكرة ، عندما كانت الدُنيا اقل ضجيجاً ." التُرام " يتوكأ بين الخرطوم وأم درمان وبحري . وخدمات الماء والكهرباء على أفضل أيامها . سيارات البلدية لرش الطرقات بالمياه في الصيف الساخن لطرد داء " السحائي " هازم اللذات. موسم الجراد يُظلل الشمس وقت الظهيرة . للعلم مؤسسة وأناس أعلوا من شأنه . جرت ألسنتهم بغضب المحبة في أن تكُن أنتَ في مُقبِل الأيام نافعاً بقدر ما توسموا في تلك اليفاعة اللدنة ...

ها هو الكاتب : " جمال محمد إبراهيم " يكتب في منبر " سودانايل " ، وقد أثار ما كتبتُماه الكثير من الأشجان ، كما سنورد لاحقاً مقاله نقلاً عن مدونة " سودانايل " :

موضوع اليوم الثلاثاء : 16/3/ 2010 م :

من ذاكرة مصطفى مدثر ... بقلم: جمال محمد ابراهيم



http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...8-28-29&Itemid=55[/B]


*

Post: #50
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-16-2010, 05:36 PM
Parent: #49


*


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



*

Post: #51
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-16-2010, 06:13 PM
Parent: #49



الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


(26)

Quote:
من ذاكرة مصطفى مدثر ... بقلم: جمال محمد ابراهيم

الثلاثاء, 16 مارس 2010

أقرب إلى القلب :


( 1 )

كان يراسلني على مدى أشهر قليلة وبوتيرة شبه مزعجة ، شخص من الأشخاص الذين يمكن أن نطلق عليهم "أشباح الانترنت" ، وهم في حقيقة الأمر أناس من لحم ودم وشحم ، ولكنهم آثروا أن يتخفوا وراء أسماء شبحية ، فلا تملك أن تعرف لهم صفة غير صفة الأشباح، يهمهمون في ظلام الشبكة العنكبوتية ويتدثرون بأغطية افتراضية ، ولا يكفون عن المثاقلة الممجوجة والاستهتار بما يصادفون على المواقع الرصينة في الشبكة ، ويتجرأون كثيراً وبلا ثمن يذكر .
كان يظن أحد هذه الأشباح أني مهووس ومشغول ايّما شغلٍ بشخصي ، ومتعلقاتي، تسيطر عليّ نوازع نرجسية، ويستهويني الحديث بمبرر وبلا مبرر، عنها. لا يكاد يفقه الرجل الشبح من كتابتي غير ذلك، ولم يدرك ما استصحبته من تجاربي الشخصية وأدرجته في سياق ما أكتب ، وما أود إبانته من آراءٍ، أو تصويبٍ لمواقف عرضت لي، وأنا في خضم تجربتي الدبلوماسية . ولن أدّعي أني أملك هذه التجربة أو أن أمشي بها بين الناس، مشيَ الفرعون المخدوع بلباس الحرير وهو عارٍ، فضحك الناس من قلة عقله ! ولا أملك في حقيقة أمري إلا أن أزجي الشكر والوفاء للمؤسسة التي عملت فيها لسنين فاقت العقود الثلاث، ومنحتني من سعة الأفق ومن ثراء التجربة وتنوعها ، ما أعانني على احتمال أذى الأشباح من قطاع طرق الشبكة العنكبوتية ومن جرذانها الافتراضية ، وهي لصيقة بأجحارها الافتراضية . .

( 2 )

هل كنت في حاجة لهذه المقدمة لأحكي لكم هذه المرة وفي هذا المقال عن شخصي الضعيف ..؟ لقد دهشت وعجبت، لملف تداوله أخي عبد الله شقليني وأصدقاء مشتركون لي وله ، ورأيتهم يتناولون شخصا غريباً عني وإن كنت أنا المعني بالتناول . قرأت ما كتبوا فزاد اعجابي، وخلت أنهم يقصدون شخصاً آخر غيري.
كتب عبد الله شقليني :
<< أفي حمّى الأوجاع التي تعُم الوطن ، أيصلُح الحديث عن منْ تشكل شاعراً ثم دبلوماسياً ثم كاتباً صحافياً ثم روائياً، ثم هبطت كل الجداول لتصُب في نهر خلوق اسمه " جمال محمد إبراهيم ".. ؟
خطا خطوه منذ أوج الحرب الباردة وإلى هذا الزمان الصعب .
احترت من أين أبدأ ؟
فالمقال ملفوف بالنار ومحفوف بالمخاطر وملغوم بلسعات قد تأتيك ممن تُحب ، أو نظرات الاستغراب تغسلك بثيابها الغامضة ، أو صحوة حبيب " كفجّة الموت" يسألك :
لِمَ تكتُب عنه ؟
أو يسأل سائل :
أتعرف عن الدبلوماسية كثير شيء ؟
المفاجأة على الطريق...>>

لا يقف عبد الله هنا، بل يمضي يسبر غور ماضٍ كنت أراه سحيقاً، ويراه هو شديد اللمعان براقا. لا تحمل الذاكرة التي تهرأت مع التسفار والترحل بين أماكن تقترب من القلب، وأخرى تنأى عنه فراسخ عددا، شيئاً مما تنزل من قلم أخي وشقيقي . أدعوك أن تقرأ بقية ما استحبر على ورقه وهو يعيدني بلا تأشيرات دخول إلى تخوم كانت حتى أمس ، عصية لا تحنو تضاريسها ولا تلين حجارة أوديتها، وقد أهال عليها الدهر غيوثاً ، فذهبت بالأطلال الباقية سيول وانهيارات . كتب عبد الله مستطرداً :
<< ربما ورثنا جينة المتصوفة التي تخيرت الأرحام ، مثل الكثيرين الذين انتشروا في الأرض ، دبت بدبيبها في ماء بلوري عصيٍ ، تشكل عبر القرون ، و لم نكُن نعرف أن في الملابس الداخلية للتُراث " حية تسعى " فتعودنا أن نخفض مكانتنا أقل مما يتطلبه التواضع من إرث شربنا كأسه على الريق زماناً ، فكنا نقول :
" دوماً شهادتنا مجروحة " عند الحديث عن أكثر الذين اقتربنا من وهج نُبوغهم منذ طفولتنا الأولى بجسد وذهن ناعم غض. شقيٌ بين الدروب في الأزقة والحارات في زمان مضى وصرنا نتحسر على بساطته التي افتقدنا. كانت القلوب تستريح في دفء العائلة وتفتح " نفاجاً " على البيت الكبير . بيوتٌ أرضها رملٌ خشن مبلول في مساكن "أم درمان " الخمسينات . شجرة في وسط باحة البيت الداخلي ، وأخرى على الطرف الجنوبي في باحة يطُلُ عليها " صالون الضيافة " الذي نقضي فيه جُلّ وقتنا..>> .

( 3 )
الضوء الباهر من عبد الله، كان جاذباً لفراش هاجر زماناً ثم آب إلى الكتابة الرشيقة المضيئة . صديق الصبا الأول العزيز ،مصطفى مدثر أبو القاسم ، طوحت به الأيام هنا وهناك ، فكسب الرحيل غرباً مغنماً ، ولكنه كان مثل رحيل صديقنا مصطفى البطل ، رحيلاً باتجاه الشرق . فيما برع مصطفى وحذق مهنته صيدلانيا ماهرا في تلك البلاد التي مرنوا حيتانها ألا تموت من البرد ، سن قلمه مصطفى، فكتب من السرد البديع ما يجبرنا لأن نحني القامة تقديراً ، أو لعله يريد لنا أن نرفع القبعات مثلما يفعل القوم في كندا ، حيث يقيم ، إذ لا عمامات هناك ولا طواقي . كتب مصطفى معلقا في مداخلة حميمة ، وكأنه يقول لعبد الله شقليني : حيلك ! ليس صفيك وحدك ، بل نحن من عركناه مذ كان يافعا لم يعرف البلوغ ، وقبل أن يعرف الطريق لسينما "برامبل" ، أو زواريب ما خلف مدرسة أم درمان الأميرية !
لا أخفي ارتباكي مما جاء من مصطفى . لكأنه يستدعي مخطوطة قديمة دون فيها مؤرخ شخصي – بيوغرافر- بعض سيرة التلميذ الذي كنته في مدرسة النهضة في أول ستينات القرن الماضي . قرأت كتابة مصطفي عن جمال التلميذ ، وبلعت ريقي من عطشٍ، وتذكرت كشك الليمون يجاور كشك مكتبة محمود فلاّح ، فاستسقيت كوبا باردا وارتاح قلبي . .
كتب مصطفى مدثر في مداخلة موحية بتفاصيلها المربكة، يخاطب أخي عبد الله ، شهادة له مني على صرامة ذاكرته الذهبية، حماه الله من عيون الحساد :
<< الكتابة عن جمال،أخيك، هي تدوين لحياة منجزة. فهو رجل تخصص في
صيد الشوارد وجمع ذؤابات الحنين في قوارير من الكلم الرصين.
انجز جمال ما وعد هو صباه وأنا شاهد على ذلك. لم يبدأ من
مطلع الشباب مع مبارك بشير وعووضة وكامل عبدالماجد. بل بدأ
من صباه في المدرسة المتوسطة، مدرسة النهضة بام درمان
وكان بها عقد فريد من المعلمين الافذاذ في تفانيهم في
استكشاف المواهب وصقلها. أستاذ الطاهر خالد، الناظر عمر خالد مضوي،
الفقيد عمر على أحمد "والد الشهير تروس بامريكا"، استاذ مدثر ولا قرابة
لي به، وأستاذ جمال معلم الرياضة والانجليزي ومحب وحاكي للادب.
كان جمال وكوكبة أخرى فيها شخصي الضعيف من من استيقظ فيهم
الأدب باكرا. بل كان هناك بحق أفذاذ من التلاميذ أمثال بدوي،
وكان يسكن الركابية في أم درمان، ومامون محمد أحمد سليمان "شقيق الساسة
المعروفين"، و مامون حامد عبد الرحمن، "شقيق الفنان بدر الدين حامد" وكان هناك عبدالحليم جاويش "شقيق الصحفي الراحل توفيق جاويش" ومتأدب على يديه، وهاشم الخير " نجل السينمائي الطليعي الخير هاشم"
واسماء أخرى سقطت من ذاكرة بلغت من الهشاشة ما يجعلني استعيض عن
التذكر بالتخيل، وهو أرحم ولي فيه دربةّ!!>>
( 4 )
مصطفى مدثر، هذا الذي سرت جينات الشعر والإبداع سريان الدم في شرايينه . هو الذي شقيقه صديق ، الذي نحت لنا "ضنين الوعد" فكان الكابلي وعدها الصادق غناءاً عبقا . صديق كان معلماً كبيرا لا ولن يحفل بنا، نحن تلاميذ "الوسطى" العابثين من أمثالي أنا ومصطفى وهاشم الخير . كنا مع بقية الأنداد في فصل مدرسة النهضة ، نقترب من حياض الشعر والقصّ في خجل وارتباك . أتذكر كيف كان صديقنا في الفصل حمد محمد السيد يتحفنا بدواوين نزار قباني ، تتسلل من مكتبة شقيقه الأكبر الشاعر "بعشر" ، إلينا في مدرسة النهضة، فيأخذنا فرح طاغٍ بما يصلنا من حمد ..

يتذكر مصطفى صديقه القديم جمال ، فتتنزل عليه كما تتنزل الأحلام مشبعة بوقائع البراءة الأولى في سنوات الستينات من قرنٍ مضى . أعرف أن أشباح الفضاء السيبري، لن تدرك ما كتب مصطفى ، وهو من الحميمية بمكان :
<< كان جمال مشروع أديب ناجح منذ نعومة أظافره، وهذا تعبير غير
صحيح لأنه كان يقضم أظافره، ويمكن القول كان جمال مشروع أديب
ناجح منذ تربصه بأظافره وهي تنمو! وقضم الأظافر لو تعلمون ،
هو في الافصاح عن القلق، أقوى من قطف الازاهر عند عاشق منتظر.
يوشك أن يقول "..إمكن أنا الما جيت"!
حياك الله يا جمال وانت وفيٌ لصباك ونضَرَ لك أرذل عمر مؤانَس!
حياك الله يا بيكاسو وسأعود لاتحدث عن ظاهرة انعدام الشهرة عند
كثير من المبدعين السودانيين. >>
ثم يدلف صديق قاص ليدلي بشهادة عن شخصي الضعيف ، وقد لقيته في نادي القصة في مقر اللجنة الوطنية لليونسكو ، هو الدكتور بشرى الفاضل . كان ظنه أني لا أعرفه . ضحكت ثم استدركت أني كنت على مقربة منه زماناً طويلا ، فما تبينا معاً درجة هذا القرب، وكان عبد الله يقف بيننا شابكاً يديه بيد بشرى ويدي . .
كتب د.بشرى مخاطباً صديقه عبد الله شقليني يحدثه عن شخصي :
<< كان جمال أخوك في قمة التواضع في الصيف الماضي حين تعرفت عليه لأول مرة وبدلاً من أن يسمح لي بالحديث عنه وعن ما قرات من أدبه تحدث هو عن كتاباتي في ندوة أقامها نادي القصة في الترحيب بي.ومثلك عندما تلجمك الانفعالات يا بيكاسو فتفتح فمك مبتسماًولا تقول شيئاً ، ألجمتني لفتة منه بارعة حين أهداني روايته دفاتر من كمبالا ومهرها بتوقيعه، وهي في كتاب نسيق وطبعة بيروتية فاخرة.الدبلوماسيون الكُتاب كالاطباء الكُتاب، تظهر معارفهم ومشاهداتهم وتجاريبهم الحياتية فيما يبدعون. أتمنى أن أكتب ما في الخاطر عن كتابات جمال.
حين زرت بيتكم أيان كنا ندرس معاً بجامعة الخرطوم كل في كليته أذكر جيداً أننا بصحبتك نزلنا في محطة الشقليني بشارع الأربعين واظن أنه كانت هناك لافتة في بقالة عليها هذا الاسم وما كنت احسب أنه جدك يا ابن محمد ابراهيم.
لكننا لم نجد جمالاً بالبيت يومها لكننا وجدنا كل الجمال والحفاوة. ليتنا وجدنا هذا الكاتب منذ ذلك الوقت الباكر في منتصف السبعينات.
التحية له والشكر.ولك.>>
( 5 )
يا من لا يشهد لي إلا بنرجسية يتوهّمها ، هاأنذا أمنحك فرصة طيبة لتريح نفسك وتعرف "نرجسيتي" على حقيقتها..! كان الراحل الطيب صالح يحدث في ندوة من ندوات أصيلة وبعفوية السودانيين التي نعرف ، وينطق عن روح صوفي يجري في الجينات ، أن ما كتب من روايات كأنها جاءت محض صدفة ، وهولا يرى في شخصه ذلك الروائي الفذ . ذلك قول نفهمه نحن هنا ولكن القوم الذين خاطبهم الراحل في "أصيلة" ، حسبوه يقلل من قدر نفسه، وكأنه ياسف على ما كتب من إبداع . وأحسب أن الشخصية السودانية ستظل على صوفيتها ، ما ظللنا على التباس مكونات هوياتنا وتنوعها، يراها الغريبون تواضعاً فجاً، ونراها نحن تواضعاً حميداً . ما أكثر ما يسيء الناس هذا الميل الذي عليه شخصيتنا ، فكأنا نقلل من مقدراتنا ومن مواهبنا ومن ثراء مكونات شخصيتنا الحقيقية. وإني لأقول للشبح الذي أساء فهم رسائلي عليك أن تزيد من تقدير نفسك وفهمك لما نكتب وتكتب، وأن يكون اعتزازك قويا داويا تحدث عن نفسك بأعلى صوت حتى لا يكون التواضع نقمة علينا وعلى شخصيتنا . سعيد أنا بنرجسيتي فليتك تسعد بشبحيتك المستدامة ..

الخرطوم
14/3/2010
نقلاً عن صحيفة "الأحداث"



http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...8-28-29&Itemid=55




*

Post: #52
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-16-2010, 08:16 PM
Parent: #51

*



http://sudanray.com/Forums/showthread.php?p=21343&posted=1#post21343



ملف نقلاً عن مدونة " سودان رأي



*

Post: #53
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: mustafa mudathir
Date: 03-17-2010, 02:44 AM
Parent: #52


____________
العزيز بيكاسو
أو في الويك اند البي كاسو عزيز!!
ألف تحية لجمال وقول ليهو ما تاخدش في خاطرك
من أشباح الانترنيت. فالمبدع مصاب. وهؤلاء الناس
قد أتوا ولايفيد أن نعرف من أين!!!
ياجمال
ما كان لي أن لا أنصفك وأنا عليم بمآلااتك العظام.
هذه دروب مشيناها فانكتبت ولات حين مناص!
فدعك من حديث الناس
وقل لهم الرد بالسد فقد يكونوا من أهل هذه القولة
فيذهب الطرب بشبحيتهم فيحلوا عن.....!
ياجمال
مقالك الرصين هذا يًرَبت، ساخرا، على كتف التصابي
في جتتي العتيقة!
فالدكتور المهندس مامون م سليمان أخ الدكتور الفاضل
مروان لم "يقرا" معنا بالوسطى كما أوردت أنا بل في
المؤتمر!
شايف كيف؟ يعني أنا لا أنفع أن يقال عني "من ذاكرة
فلان". شوف ليك عجوز بذاكرة متقدة!
وسأعود يا بيكاسو
بس ياريت جمال يتذكر معي الأديب بدوي، بدوي مين؟
كان يسكن حي العمدة على ما أعتقد.

Post: #54
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-17-2010, 10:26 AM
Parent: #53


تشهد أيام " مدرسة النهضة " زيارات جوزيف بروس تيتو " رئيس جمهورية يوغسلافيا السابقة " للسودان في فترة حكم الفريق عبود ن واستدعاء طلاب المرحلة الوسطى بالبصات الناقلة لطريق المطار تحت إشراف المعلمين " قسراً " ويحمل التلاميذ اعلام البلدين على طريق قدوم ضيف البلاد .

راقب عزيزي القارئ الأنخاب




Post: #55
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-17-2010, 07:42 PM
Parent: #51


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .




(27)

سكين في خاصرة الأفق :جديد الشاعر جمال محمد إبراهيم

سكين في خاصرة الأفق :جديد الشاعر
السفير جمال محمد ابراهيم

(( في صَخرةٍ أُخرَىَ . .
إسمُها الرّوشه ِ ،
ذات صباحٍ ، مرّ تحتَ رمش ِ موْجها أنطونيوس ْ
قبل أن تستبيهِ سيّدة ُ الإسكندرية ، الملفوفةُ في الحرير..
وقبل ان يكتب البحرُ قصيدةَ عشقٍ بينَ ساحلين ،
وقفت ُ مشرئباً بين بندقيتين . . ))

يوقع الشاعر السفير جمال محمد ابراهيم مجموعته الشعرية الجديدة وهي بعنوان "سكين في خاصرة الأفق" ، في الدورة الثالثة والخمسين لمعرض الكتاب العربي والدولي في بيروت ، يوم السبت 19 ديسمبر /كانون الأول 2009 .

صدرت المجموعة الشعرية عن شركة رياض الريس للكتب والنشر- بيروت ،ديسمبر2009.
تضم المجموعة قصائد متنوعة في موضوعاتها وفي أسلوب نظمها ،

والمجموعة مهداة بكاملها لروح الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش . .


ابتدرت الملف " حنينة " في مدونة :
سودانايل :

http://sudanray.com/Forums/showthread.php?t=2574


*

Post: #59
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-19-2010, 06:11 PM
Parent: #55

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم.



مقال له عن الراحل المُبدع " حسين شريف " كتبه في الأحداث ومدونة سودانايل وسودان رأي :
http://www.sudanray.com/Forums/showthread.php?t=2694


(28)


Quote:

أقرب إلى القلب :
حسين شريف : خسرته الحياة وكسبه الخلود . .
جمال محمد ابراهيم
(1)
21 يناير 2005 . .
تاريخ الغياب الأخير . تاريخ اللوحة الأخيرة تخرج هذه المرة في نعش مغطى . تاريخ يشهد أن اللوحة الأخيرة لحسين مامون شريف ، تخرج محمولة بأكف وأيدي محبيه وأصدقائه، بلا توقيع للمرة الأولــى . .
لن تكون رسالتي إليك هذه المرة كلاما فحسب ،يقرأه الناس . هذه المرة اخترت أن أسأل الناس سؤال من يقبل بقضاء الله ، ولكن يبحث عن ألطاف الناس في استذكار يوم رحيلك قبل سنوات خمس : فيمَ انشغلنا عنك ، وأنت شغلنا ، وفيمَ انشغالنا ببلورة نستبصر فيها ما يسدّ فراغ اللون في لوح الهوية وأنت الألوان كلها معك ؟ وفيمَ أعددنا لتكون رحلتك الأخيرة بعيداً عنا ، هي رحلتك إلينا أيضا ، أيها المستدام المقام ؟ لربما تحرق بعض الأسئلةُ أطراف الأصابع ، ولربما يحترق ورق وتتهرأ ملفات ، والأمرّ والأقسى ، أن تنقشع الغيوم عن الذاكرة فتنمحي ، فلا نكاد نتبين بصمات أصابعك من وراء العدسة ، ولا لمسات فرشاتك في تجاعيد اللون ، ولا جرّات قلمك الشفيف تعابث أنفاس الورق ، شعراً وكلاماً حميما ..
(2)
21 يناير 2005 . .
تاريخ قفز من بللور ساحر قرأ المستقبل البعيد ، استوحى نفسه ويا للمفارقة - من تاريخٍ سابق . تلك المجلة الابداعية التي ابتدعها حسين شريف ، مشروعاً ابداعياً طموحا محوره الهوية، وحملت عنوانها رقما لا غير:"واحد وعشرون" . ولكن هنا يطرأ السؤال الأول : كيف توقفت "واحدٌ وعشرون" ، هل قدر التشكيلي الشاعر والسينمائي، أن يكتشف الرؤيا فيستهدفها ، ثم ينكسر المشروع بفعل فاعل خفي ، فيقف حسين في منتصف الكتابة ؟ لكأن قدر حسين أن يقف في منتصف حياته ويغادر في الحادي والعشرين من يناير2005 . نعم الحادي والعشرين ، هذا الرقم البللوري "اللوقو" الذي جسد بداية مشروعه الإبداعي ونهايته المؤقتة ، إذ الخلود في انتظاره عند المنعطف . .
(3)
في أواخر الستينات وأوائل السبعينات ، تقع أحداث جسام، والحرب الأهلية في الجنوب تدور بكل قسوة وبلا رحمة ويختلط الدم بمياه النيل المنحدر من هناك إلى وادي النيل . يقع في الأسر المرتزق الألماني "شتاينر"، وتباهي الخرطوم أنها العاصمة الأفريقية الأولى التي امتلكت دليلا على ظاهرة الإرتزاق المريبة التي كانت مصادرها دولا غربية .التشكيلي الذي درس الفن السينمائي في لندن ، يعرف كيف يمكن للسينما أن تعالج قصة مثل قصة الالماني المرتزق "شتاينر"، وتقدم شهادة ابداعية عن ولوغ المتآمرين في شئون القارة . لكن ما أن يشرع حسين شريف في اعداد "الخامة" الأولية لشريط "شتاينر"، حتى يهبط القدر بكلياته ليجهض المشروع . يدرك حسين الذي احتضنته مؤسسة السينما وقتذاك، ما للسياسة من أصابع ،وما بها من تعقيدات ، يمكن أن تترك "خامة" فيلمه حبيسة الورق ، إذ طرأ ما أدى إلى إطلاق سراح المرتزق "شتاينر"، فتراجع مشروع الفيلم إلى متاهة التأجيل والتعتيم . تسودّ الخرطوم أمام عيني حسين ، فكان ابتعاده عنها حتميا . .

(4)
يأتي زمان ويوافق الراحل أن يعدّ مع خدنه علي المك ، شريطا سينمائياً يوثق تجربة الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود. أبو داؤود مدرسة متفردة وتجربته لا توثق لمرحلة في تطور الأغنية السودانية بتشعباتها الشعبية والصوفية والاجتماعية ، بل هو يمثل تجربة في تحول مجتمع المدينة وحراكها بجدلية التغيير ، الذي شهدته مجتمعاتنا في وبعد منتصف سنوات القرن العشرين . جلس حسين وعلي المك إلى أبي داؤود وأحكما السيناريو والنص . كتاب المك عن أبي داؤود بداية طبيعية للمشروع ، غير أن للتشكيلي الشاعر زاويته التي يدوزن عبرها وخلالها ، أفق السماء التي يقف تحتها الفنان الضخم . يكاتبني الكترونياً، صديقي المقيم في انجلترا ،عبد الوهاب همت ويقول إن صديقه داؤود ، نجل الفنان أبي داؤود يشهد أن ما تم تسجيله مع والده الراحل بلغ حجمه عدة ساعات ، ربما أكثر من عشرة . صديقي عبد الوهاب يطلب عوني - لمعرفته بصلاتي بأسرة الراحل حسين شريف – ليسترد داؤود بعض ما يعتبره جزءاً من إرث أبيه ، وسرديات مسجلة بصوته ، كان الثلاثة – علي المك وحسين شريف وعبدالعزيز داؤود- يعدونها خامة أولية للشريط التسجيلي الذي تفرغ لانجازه حسين شــريف سينمائياً . قلت لصديقي همت يكفينا من حسين ، اعتزازه بأبي داؤود وقد جعل من إنشاده مداخلا لشريطه المميز عن سواكن ..
هو القدر من جديد. . .
مرة ثانية يستهدف الشاعر السينمائي رؤياه ، جلية واضحة، ويعدّ لفيلمه عن أبي داؤود ، فيموت عبد العزيز داؤود ويترمل المشروع . كأن القدر يقول كلمته لحسين شريف مذكراً : ها قد وصلت منتصف المشوار ، كفى .. ! من أجلنا ومن أجل أن يتعرف الوطن على هذا الجهد الكبير ، أسأل ايمان ، كريمة الراحل حسين ، أن تمد يدها لداؤود عبد العزيز . المادة المسجلة عن أبي داؤود هي جزء من تاريخنا ، ومن وجداننا . هي بعض ما في كأس حسين الملآن إلى النصف . .


(5)
لننظر فيما أنجز هذا الرجل الشفيف، متحدياً أقداره المتربصة: هنا لوحات تاريخه الشخصي ، فهو الذي حدث نفسه أنه يرسم لها ، قبل أن نرى نحن لوحاته المشبعة بالأزرق، الذي أسر بصره وفرشاته وقلمه الشاعر . هنا شرائطه السينمائية : سواكن . الكهرمان . مفكرة الهجرة. مياه القمر.. هنا ما نظم من شعر رقيق حميم ..
كم هو ملآن ، هذا النصف من الكوب ، يا حسين ! برغم وقفتك في المنتصف . برغم قلق الانتظار المبكر والرحيل المباغت . برغم سفرك في اللوحة الأخيرة ، لكن نصفك معنا ، باقٍ هنا في معية الخلود..

(6)
كتبتُ في يناير 2006 ، في ذكرى رحيله الأولى :
(( في سنوات غريبة ، أخذ حسين ألوانه وعلّق حقيبته الجلدية ، وأحكم قبعته على رأسه وهاجر بنحافته إلى القاهرة . أخذ الأزرق وملحقاته كلها في جيبه ، ومضى . كنت ُ قد غادرت أنا قبله بسنوات مصلحة الثقافة ، إلى مهنة الدبلوماسية ، التي أحترفها الآن . تقطعتْ بنا السبل فلا لقاء ولا مهاتفة ، ولم يكن ذلك العهد - على لمعانه الذهبي - يعرف ُيسر التواصل الإلكتروني ، ورخص المهاتفة الجوالة . في العطلات نلتقي ، ولكن نادراً ما أصادفه . حظيت بلقاء ٍ مفاجيء ٍ به ، أوائل التسعينات في الخرطوم . الرهق بدا على وجهه بلا مراء . خفَ شعر الرأس كثيراً . النحافة في مكانها . البوريه الجميل ، أشدَ إحكاماً من السابق . التدخين ، ليس مضرّاً بالصحة ، كالمعتاد . تحدثنا في كل شيء : السياسة ، التشكيل ، السينما ، المشروعات الموؤدة و"الواثق صباح الخير" . "عبد العزيز داؤود" . "إنتزاع الكهرمان " ، الذي لم أره حتى لحظة تلاقينا أمام محطة الوقود – عبد المجيد القاضي في سوق " الخرطوم إتنين " . ضحكنا طويلا ً ونحن نستذكر معاناة إخراج الفيلم ، وتلك اللقطات التي تكون فيها الكاميرا ، وراء فخذي أنثى مفتوحتين على البحر الممتدّ ، وجهها لا يظهر في اللقطة ، وفي الأفق قارب يتهادى ، يتهيأ ليدخل ثغر سواكن . كان خلف العدسة الصديق البعيد ، القريب من نبض الشاعر الرقيق حسين شريف ، الفنان المصوّر عبد المنعم عدوي . أراد حسين أن يقول للمشاهد ، بأقل لغة تصويرية مختزلة ، كيف أن ّ مدينة "سواكن" ظلت مفتوحة للغزاة والفاتحين ، على مدى التاريخ . كم أسرتني هذه اللقطة في " انتزاع الكهرمـــان " ! ))
(7)
بين القاهرة ولندن سكن حسين شريف مدن الغربة والخيال ، وحمل بين جنبيه وطناً سكن وجدانه ، وملأ الأوردة والشرايين والنخاع . مشى نحوه بخطو واسع وأفق أزرق بهي ، ولكن تقطعت أنفاسه في الهجرة القسرية، فانكسر مثل السيف في معركة كرري الطقوسية ، وبقيت خيول حسين ، بقيت فرشاته وبقي قلمه في منتصف أرض المعركة . خسر الحياة ولكنه كسب الخلود. ها نحن نسترجع ذكراه في خامس عام على رحيله : ننتظر- ربما - انكسار الوطن إلى نصفين ، في منتصف المشوار ، ولا نعرف أيّ النصفين هو الملآن وأيهما الفارغ ، وللهوية برق يتخطف الأبصار ، ولا نراه من عشىً ومن تغابي . لكأن كأس حسين ومشروعه الملآن إلى النصف ، جسّد نبوءة حفظها الغيب لوطن تتهدده مخاطر الإفراغ لا الامتلاء ، مخاطر الانكسار لا التماسك .
في اللوحة المشحونة بالأزرق من فرشاة حسين شريف ، يبقى حلم الوطن مقيماً في الاطار ، متماسكاً مستداما . .


نقلا عن "الأحداث"
الخرطوم 21 يناير 2010



*

Post: #60
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 10:10 AM
Parent: #59


*




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



*

Post: #61
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 10:10 AM
Parent: #59


*




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



*

Post: #63
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 10:21 AM
Parent: #61

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(29)

وكتب عن المولد في سودانايل والأحداث ومدونة " سودان رأي " :



Quote:

أقرَبُ إلى القلبِ :
مَنْ لا يُغنّي لِلنَبيِّ في مَولِدِهِ . . ؟
جمال محمد ابراهيم
( 1 )

كنتُ أداوم على صلاة الجمعة في مسجد يقع في الحيّ "الأم درماني"، الذي أمضيت فيه طفولتي وصباي الباكر، بعيداً عن مسكني، والظنّ أن ذلك بدفعٍ من الحنين الدفين الذي يوحي للوجدان ما يوحي، فتجد النفس طمأنينتها، وتهدأ من متاعب الدهر في أمكنة بعينها. كنت أستمع وأعجب للإمام الشاب وهو يلقي خطبتيه بصوته الجهور القويّ ، يتناول من أمور الدين والدنيا ما حسبناه تناولاً جاذباً ، لا يستجلب الملل.

ولكن في خطبة له في جمعة سبقت أيام أعياد ميلاد المسيح ورأس أول عام 2010، شجب إمام ذاك المسجد، أولئك المسلمين الذين يبادرون خلال تلك الأيام، للإحتفال ولتقديم التهنئات وزيارة المسيحيين في أعيادهم. ومضى في خطبته يحضّ المسلمين بلسانٍ لاذع وبحدّة بيّنة، وكأنه يستشعل فتنة نائمة، مطالباً بالكفّ عن مشاركة المسيحيين أعيادهم. لم يعجبني حديث يؤلب النفس على الإنقلاب ضد فطرتها . كدتُ أن أقول لهذا الإمام -على نسق ما جاء يوماً على لسان الراحل الطيب صالح- أما سمع حضرته وهو في أم درمان، عن حيٍّ مسيحي بكامله يقطنه سودانيون مسيحيون، يساكنهم مسلمون سودانيون، يجاور "حي العرب" ، إسمه "حي المسالمة"، وهو حيّ من أعرق أحياء مدينتي أم درمان؟
أما قرأ هذا الإمام المبجّل، شعراً للشاعر السوداني الأميز الراحل التجاني يوسف بشير، أو تحمله صدفة ما، فيسمع من ينشد في "حي المسالمة " ، قصيداً للشاعر "الصوفي المعذب":

كلمــات مبثوثة في الفضــــــاءِ
الرّحب ِ من ساجد ٍ ومن صلاّءِ
هــي َ للـه ِ مخلصــات وكم
تعقب بدعـــاً منازع الأهــواء ِ
هـا هنا مسجـدٌ مغيظ ٌعلى ذي
البيّع الطُهر ِو المسوحِ الوضــاءِ
وهنـا راهب ٌ مــن القـــوم ِ
ثوّار لِمَجــد ِ الكنيسة ِ الزّهراء ِ
كلّهــا في الثرى دوافع خيـرٍ
بنت وهـبٍ شقيقة العذراءِ

أو تراه لم يسمع بقصيدة التجاني يوسف بشير العصماء الشهيرة :

لا تثأري مِــن فــــــؤادِي
كفــــىَ بدمْعِــيّ ثــارا
حَسْــبيَ افتئــاتاً تجنّيــــك ِ
نفــــــــرة ً و ازورارا
آمنــتُ بالحُسـن ِ بَــرْداً
وبالصّبـــابـــة ِ نـــــــارا
و بالكنيســة ِ عقْــــــــداً
مُنضـــّــداً مِـنْ عَـــذارىَ
و بالمَسيــح ِ و مَـنْ طافَ
حَــوْلـــــهُ و استجَــــــارا
ايمــانَ مَنْ يَعبُـدَ الحسـن َ
في عيــــون ِ النّصَـــارَىَ

أما طرب هذا الإمام مثلما طرب غمار الناس في أم درمان منذ سنوات بعيدة، لأغنية " لي في المسالمة غزال.." ، من رقيق غناء "حقيبة الفن" . . ؟

( 2 )

كتبت في مقالٍ لي نشرته مجلة نقد اللبنانية، في عددها الثالث يوليو/تموز 2007 ،بعنوان: إضاءة ("كنيسة ومئذنة: نظرة في شعر الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير")، وقد تناولت فيه شعر التجاني في بنت "المسالمة" التي ملكت لبه، ووردت إشارات عديدة لها في ديوانه "إشراقة". ختمت مقالي بالاشارة إلى قيمة التسامح المضيئة في شعر التجاني:

(( شعر التجاني شهادة لأم درمان ،عاصمة السودان الوطنية ، كيف قويت فيها شوكة التسامح ، واستطالت بنياناً شامخاً ، شموخ برج بلدية أم درمان العريق . لا أزال أذكر في طفولتنا في ستينات القرن الماضي، نتسابق عدواً على الدرج الداخلي للبرج، ونصل إلى السطوح، نجيل البصر مبهورين بنظرة "عين الطير"، للمدينة الحبيبة بمبانيها القصيرة ، لا تسمق عالية ً تلاقي أبصارنا الغضة ، إلا مئذنة جامع أم درمان العتيق ، وقبة كنيسة القديسين في "المسالمة" ، نكاد نلمح جرسها الضخم من سطح برج البلدية . لكم كان التجاني صادقاً مع ما رأى بعينه ، وما رأى بقلبه الشاعر . . ))

ثم أقف قليلاً وحسرتي تخنقني، لأسأل نفسي والذين من حولي: ألم يسمع هذا الإمام الشاب عن "خلوة بولس" في أنحاء حي "بيت المـــال " من مدينة أم درمان ..؟ ألم يسمع عن جده في يوم أغبر، قصةً عن حيرة أهل ذلك الحي وفي سنوات بعيدة من أواخر القرن التاسع عشر، يبحثون عن مساحة لخلوة تأوي صبيانهم لتعلم القرآن، فيتبرع مسيحيٌ إسمه بولس، ويقتطع مساحة من بيته تكون خلوة لتعليم القرآن، وهو المسيحي أباً عن جد ؟ ولم ينته الأمر عند ذلك ، بل حفظ له أهل الحي ذلك الجميل، وسمّوها "خلوة بولس". . !
ألم يسمع هذا الإمام الشاب بقيمة كبرى إسمها التسامح ، حضّ عليها الدين الإسلامي حضاً متواتراً، وشاعت عندنا تلازماً مع التنوع الذي لنا فيه نعمٌ كثيرة، وكان تجليها أكثر لمعاً، في أم درمان قبل كل المدن السودانية الأخرى ؟
في مقال جريء أمام العاصفة الظالمة، كتبت الأستاذة سناء جعفر في "الأحداث" عدد 7/1/2010 بقلم ٍ مؤثر، تخاطب أقرباءها وأصدقاءها المسيحيين السودانيين :

(( أعتذر اليكم عن بعض الفتاوى الغريبة التي حرمت علي تهنئتي لكم بعيد ميلاد المسيح عليه السلام..أعتذر لكم عن عدم ادراك البعض لمدى عمق العلاقة التي تربطنا ،فهم لا يستطيعون فهم المشاعر التي لم تجعل إسلامنا ومسيحيتكم عائقا بيننا .. لم يستوعبوا احترامنا لعقائد بعضنا البعض . لم يتفهموا قدرتنا على العيش بتسامح . لم يخوضوا تجربة التآلف والتآخي والتي كانت وما زالت مستمرة بيننا منذ عشرات السنين. أعتذر لكم عن التطرف الذي أصبح سمتنا . . أعتذر لكم عن جهل البعض بجوهر الاسلام الذي سمح لنا أن نتمتاول طعامكم ومنح رجالنا رخصة الزواج من نسائكم . أشكركم على الثراء الذي منحتموني اياه طيلة وجودي بينكم ..))

( 3 )

يهلّ شهر مولد النبي (صلعم) فتستعيد الذاكرة الشعر الجميل والغناء الجميل والمديح الجميل، لأفضل الخلق. نظم أمير الشعراء أحمد شوقي، قصيدته العصماء "الهمزية النبوية"، الكثيفة المعنى ، وقد شدتْ بها كوكبُ الشرق الراحلة أم كلثوم، فأبدعت:

ولِـدَ الهُــدَى فالكائنــــاتُ ضيــــاءُ
وفــمُ الزمـــان تبسّـــمٌ وضيــــاءُ
الـروح والملأُ المـلائــك حولــــه
للـديـــن والدنيــــا به بُشـــــــراءُ

ثم قصيدته "البردة الشوقية" ،على نسق بردة البوصيري وقـــد سمّــــاها " نهج البردة ":

ريمٌ على القاع بين البانِ والعلمِ
أحلّ سفكَ دمي في الأشهر الحُرُمِ

فمن ينكر شعر شوقي، وقد نظم يوماً شعراً من قبيل :

رمضانُ ولّى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مُشـتاقِ

قبل نحو شهر ونصف، احتفلنا مع المسيحيين بعيد ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام ، وعلى اختلاف التقويمات الزمنية، تلك التي للشرقيين والأخرى التي تعتمد الفاتيكان. أعرف عن مدينتي التي نشأتُ فيها، أن المسيحيين الذين يجاورون سكاناً مسلمين، في حي "العمدة" وحي "المسالمة" يشاركون بعضهم بعضا تبادل التهنئة بأعيادهم ، وسمعت عن بيتٍ مسيحيٍّ، يعدّ ذبيحته مع المسلمين في عيد الأضحى ، ولا يغيب المسيحيّ منهم عن كنيسته يوم الأحد، ولا المسلم يغفل عن أداء صلاة الجمعة في المسجد الذي يجاور الكنيسة . وأعجب كل العجب، ألم يسمع الإمام الشاب بكل ذلك . . ؟
حين قرأت للفيتوري قصيدته التي جلجل بها في محفل بيروت، في ذكرى رحيل الشاعر اللبناني الكبير الأخطل الصغير في ستينات القرن الماضي- و"الأخطل الصغير" هو بشارة الخوري، شاعر مسيحي كما الشاعر الأموي المسيحي الأخطل الكبير، والفيتوري هو ذلك الشاعر السوداني المسلم- تكاد تختلط عليّ العقيدتين ، بل أكاد أرى مزجاً بديعاً، يتجاوز هذه المذاهب جميعاً، فيكون الشعر هو المذهب والعقيدة في أبهى صورها . ينشد الفيتوري:

أنتَ فــي لبنــان والجرح كمــــا
كــان يا لبنـان .. والنـــار ضـــرامُ
وفلسطيــن التي كانــت لنـــــا
سـورةٌ تتلى.. وقــدّاسٌ يُقــــامُ
وشيوخاُ تذكــر اللـه . . فمــلء
المحاريـــبُ صــــلاة وصيـــــامُ
ونبيين صَـــفتْ أرواحُــــــهـم
فلياليـــهم سُجـــــودٌ وقيــــامُ
كـان بيتُ الله قدســياً بهـــــــم
قبلَ أن يأتي على القُدسِ الظـــــلامُ
وأتوا . . يـا كبريـــاء انتفضــــي
وانتقم يا جرح واغضــب يا حســامُ
قُل لهم : إنّ صـــلاح الدين قـــــد
عادَ. . والمهديُّ والأنصـــارُ قـامـوا

( 4 )

ثم إني كنت أستمع لغناء فيروز الشجيّ عن مكة، فيسحرني الأداءُ "الرحباني" الأخّاذ الذي يشدّ الروح والوجدان شدّا، ولكن أظل على دهشتي أتأمل سموّ كلمات الشاعر الذي نظم القصيدة . ذلكم هو الشاعر السامق القامة والصوت ، كبير شعراء العربية اليوم ، سعيد عقل، أسأل الله له طول العمر ودوام العافية ودوام الشعر . جاء من سعيد عقل:

غنيتُ مكّــةَ أهلهــا الصِيْدا
والعيدُ يمْلأُ أضلعــي عيــــْدا
. . . . . . .
يا قاريء القرآن صلِ لهُـم
أهلي هناك وطيّب البيــــدا
مِن راكــعٍ ويــداه آنســتا
أن ليس يبقى الباب موصودا
. . . . . . . .
لو رملةٌ هتفــتْ بمبدعــِها
شجواً لكنتُ لشجوها عــودا
ضــجّ الحجيــجُ فاشتبـكي
بفمــي هنا يا ورقُ تغريــدا
وأعزّ ربـي النـــاس كلهُمُ
بيضاً فلا فرقـت أو ســــودا

والشاعر سعيد عقل ، مسيحي لبناني ولم يكن مسلماً ، وإنما القدرة على استبصار نعمة التنوع، واعتماد قيمة التسامح مع الآخر المختلف، هي التي أوحت له ذلك الشعر الجميل في مدح مكة والرسول الكريم . .
كثير من الموارنة والروم الأرثوذكس، ممن عرفت في لبنان التنوع، يعدّون أنفسهم حماة للثقافة العربية هناك ، بل هم أحفاد للغساسنة الأقدمين . سمعت قولاً شبيهاً من لسان الشاعر اللبناني الكبير جورج جرداق . يعرف الناس عنه أنه ناظم "هذه ليلتي"، أجمل القصائد التي تغنت بها كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم ، ولكن لن يعرف ذلك الإمام الشاب في مسجدي "الأم درماني" ، أن جرداق المسيحيّ وضع مؤلفاً من ثلاثة أجزاء ضخمة عن الإمام عليّ كرم الله وجهه . . !

( 5 )

إن كان جرداق شاعراً لبنانياً استضاء بشموع التسامح، فصالح بطرس كذلك، شاعر سوداني مسيحيّ العقيدة ، له قصائد في بعض مناسبات المسلمين الدينية ، مما أورد عبده بدوي في كتابه شعراء السودان ، الذي صدر في ثمانينات القرن العشرين. يورد بدوي عن بطرس أبياتاً في مناسبة المولد النبوي وظهور الهلال :

أنتَ الذي تهب الخيـال لشاعِرٍ
حتى يُرى فوق المجرة طائرا
ولأنتَ إحــدى بيّنات إلـهِنا
من ذا يراك ولا يُسبّح من يرَى
أدركت أسرارَ الوجود فحُزتها
ورأيت من آيـاتهِ ما لا نــرى

ولصالح بطرس شعر حضّ فيه "الأم درمانيين" على التبرع من أجل بناء جامع أم درمان القائم في وسط سوق المدينة..
ترى ما الذي ألهب خيال شاعر قبطيّ سوداني، مثل صالح بطرس ، لينظم قصيداً يمجّد هلال رمضان ، أو يمجّد ليلة مولد النبي محمد ، أو يدعو للتبرع لتشييد مسجد في المدينة . . ؟
ليت ذلك الامام الشاب يجيبني، إن أدرك مغزى السؤال . .

نقلاً عن صحيفة "الأحداث"
الخرطوم -28 فبراير2010

*



*

Post: #64
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 01:52 PM
Parent: #59




*

سنورد عناوين مقالات الكاتب " جمال محمد إبراهيم "
التي كتبها في صحيفة الأحداث ومدونة " سودانايل " تباعاً :




*

Post: #65
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 01:54 PM
Parent: #64


*

بين هلال ومريخ :هل توجد منطقة وسطى ؟ بقلم: جمال محمد إبراهيم


*

Post: #66
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 01:56 PM
Parent: #65


*

كمبالا 1979: انفد بجلدك يا أخي . . ! بقلم: جمال محمد إبراهيم


*

Post: #67
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 01:57 PM
Parent: #66




*

حوار الورد الالكتروني . . بقلم: جمال محمد إبراهيم



*

Post: #68
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 01:59 PM
Parent: #67


*

خطرفة دبلوماسية . . رسالة إلى الصديق مصطفى البطل ... بقلم: جمال محمد إبراهيم



*

Post: #69
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:00 PM
Parent: #68



*

في حُزْنِ بَيْروْتَ عَلَى الطيّب . . بقلم: جمال محمد ابراهيم



*

Post: #70
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:01 PM
Parent: #69


*

فصل من رواية "دفاتر كمبالا . . "لجمال محمد ابراهيم


*

Post: #71
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:04 PM
Parent: #70


*


السفير السوداني وقع "دفاتر كمبالا"



*

Post: #72
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:05 PM
Parent: #71

*


الروائي رءوف مسعد : ذاكرة لا تنسى ( 2 ) .... بقلم: جمال محمد ابراهيم

*

Post: #73
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:06 PM
Parent: #72


*


حفل توقيع رواية السفير جمال محمد إبراهيم "دفاتر كمبالا"



*

Post: #74
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:07 PM
Parent: #73

*



رسالة إلى السفير جمال من وحي ما كتب طلال .. بقلم: عمر جعفر السوري





*

Post: #75
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:08 PM
Parent: #74


*



طَلال سَلْمَان : قلَمٌ في قَلْبِ الصّعوْبةِ . . بقلم: جمال محمد ابراهيم


*

Post: #76
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:11 PM
Parent: #75


*


عن جمال م.أحمد ومسدس غوبلز ... بقلم: جمال محمد ابراهيم


*

Post: #77
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:12 PM
Parent: #76


*


ألـِهـَذا ابتعـثناه . . ؟ ... بقلم: جمال محمد ابراهيم



*

Post: #78
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:13 PM
Parent: #77




*



طرائف الأسماء والتباساتها. . بقلم: جمال محمد ابراهيم




*

Post: #79
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:14 PM
Parent: #78

*


تَحيّةٌ لِشَاعرٍ مُزْدَهِرِ القوَام . . بقلم: جمال محمد ابراهيم



*

Post: #80
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:15 PM
Parent: #79


*


في رحيل رجل دولة : ملاحظات دبلوماسي ... بقلم: جمال محمد ابراهيم


*

Post: #81
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:17 PM
Parent: #80


*



كأن الريح تحتي ... بقلم: جمال محمد إبراهيم


*

Post: #82
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:18 PM
Parent: #81



*


نوْمُ النّواطيْرِ وَصَحْوُ الثعَالِبِ . . .. بقلم: جمال محمد إبراهيم



*

Post: #83
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:19 PM
Parent: #82



*



السّمَنْدَلُ فِي غيابِه . . .. بقلم: جمال محمد إبراهيم



*

Post: #100
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: ABUHUSSEIN
Date: 03-20-2010, 05:21 PM
Parent: #82

*

Post: #62
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 10:12 AM
Parent: #1

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

Post: #84
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:21 PM
Parent: #62





الرسائل المجذوبية لديزي العراقية .. بقلم: جمال محمد إبراهيم


*

Post: #85
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:22 PM
Parent: #84



*



مناهج التعليم : تحصين ضد الإحتواء الثقافى .. بقلم: جمال محمد ابراهيم




*

Post: #86
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:23 PM
Parent: #85

*



السؤال الشيكسبيري: خاطرة في ذكرى أكتوبر .. بقلم: جمال محمد إبراهيم




*

Post: #87
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:24 PM
Parent: #86




*




دبلوماسيون يبحثون عن مؤلف... بقلم: جمال محمد إبراهيم




*

Post: #88
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:25 PM
Parent: #87



*


16 وحدةٌ منفّرةٌ أمْ انْفصالٌ جاذِب ..؟ ... بقلم: جمال محمد إبراهيم


*

Post: #89
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:26 PM
Parent: #88



*


بين أحمد شوقي وأبي صلاح . . بقلم: جمال محمد إبراهيم

*

Post: #90
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:27 PM
Parent: #89




*

على مصر الرسمية أن تحاسب إعلامها وأن تعتذر .. بقلم: جمال محمد إبراهيم



*

Post: #91
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:28 PM
Parent: #90




*


تِبرُ الرّسول ... بقلم: جمال محمد إبراهيم

*

Post: #92
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:33 PM
Parent: #91




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

Quote:


مقالته في مدونة سودانايل
(30)


تِبرُ الرّسول ... بقلم: جمال محمد ابراهيم
الثلاثاء, 24 نوفمبر 2009 19:5

إهداء لقرائي في سودانايل وتهنئة مباركة بعيد الأضحى ..

jamal ibrahim [ [email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته ]
خُذوا حفنةً مِن تِبْرِ قبْرِ الرّسُوْل ِ
ثم اسْمِعوْني ، أُموْسِق قافيةً منْ بُردة العِشقِِ
حتّى تكوْن القصيدةُ ثرثرةً في بَقيْعِ الكَلامْ
خُذُوا حفنةً مَن ندَى الفجْرِ
فهوَ الخَجُولُ الذي فِي انْزِواءِِ المكانِ
يُخالِس نجمَاتهُ التي لا تنامْ
ستأتي المزَاميرُ زوبعةً في احْتدامْ
تُسَافِر فِي هَدأةِ الطُهْرِ ،
ترحَلُ فِي لُجْةِ البحْرِ
من يَسْتفيْق إذاً ، وهْوَ فِي خَدَرٍ مِنْ هُيامْ ؟
خُذوا التِبْرَ مِن قبْرهِِ
والزّبرْجَدَ والمَاسَ ،
إنّ كُلّ الكُنُوْزَ – عدَاهُ – حرَامْ. .
وَكُلّ الذيْنَ تنادَوْا حواليه ،
أقْصَرُهُم قامةً هوَ مِئذنةٌ في القَيامْ . .
قفوا بثَوْرٍ ،
فإنّ اليَمَامَةَ باضَتْ سكينتُها
بيْدَرَاً مِن سَلامْ . .
وأوْرَقَ مَن سَجْعِها – ساعةَ الإنتبَاهةِ –
كُلّ بوْحِ الحَمَامْ. .
وَكُلّ جناحٍ يُطوّف عبرَ المدَى
بالندى والغمام ْ . .

*من ديوان الشاعر الجديد "سكين في خاصرة الأفق"، الصادر عن رياض الريس للنشر بيروت ،ديسمبر 2009



Post: #93
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 02:55 PM
Parent: #92


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

(31)

لرجل استرادفور-آبون-آفون. " وليام شكسبير " أو عبقري اللغة الإنجليزية كبير أثر في قراءات الكاتب " جمال محمد إبراهيم " . هاملت، ماكبث، يوليوس قيصر، تاجر البندقية، عطيل والملك لير من أهم الأسفار الأصل التي اطلع عليها " جمال " منذ الثانوية ، وقد أحب صورة " البورتريه " التي رُسمت للكاتب الكبير ، ورسمها هو في الثانوية ، بقلم الفحم وقلم الرصاص .

*






رسم بورتريه كما هو موجود في الوثائق عن " شكسبير "






*

Post: #94
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 03:03 PM
Parent: #93


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .





(32)





" جمال محمد إبراهيم " يوقع " رواية نقطة التلاشي " في معرض الكتاب في بيروت

Post: #95
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 03:11 PM
Parent: #94

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


(33)

وكتب عن الفيتوري في مدونة سودانايل والأحداث و مدونة سودان رأي :

Quote: الفيتوري : قيثارة تجاوزت الجغرافيا . . بقلم: جمال محمد ابراهيم
الخميس, 26 نوفمبر 2009

أقرب إلى القلب:

أنا الشــقيّ بأحبـَـابـي ، وإن يبســوْا
كمثلِ مَــا تيْبس الأيــّــامُ أو أفــلـوْا
ففيمَ أزْهـو اغترابـاً عنهـمُ .. وأنــا
كل الذين عَلوْا في الأرضِ أوْ سَفـلوْا
وفيمَ استنهــض الأمــواتَ مُعتـذراً
ما دامَ تاريخ أجــدادي هوَ البـَـطــلُ
غفوتُ.. لم أغفُ :مثل النهر سابحـة
أسماكهُ .. وهوَ في استغـراقـهِ ثمِـلُ
نأيتُ.. لمْ أنأ :كأنّ المــوتُ يلبسـني
حياً .. ويلصقُ في عُمري وينفصِلُ
بكيتُ .. لم أبكِ: مرت غيمةٌ فسَـقَتْ
غصناً من الوردِ يدنو ثم لا يَصِـلُ

( 1 )

تذكروا شاعراً نبضه من نبضكم ، سمرته المذهبة مجلوة بمحبتكم ، هذا الشقيّ بأحبابه. هو محمد مفتاح الفيتوري .في عام 2008 كتب الأستاذ أحمد سعيد محمدية كتاباً عن الفيتوري ، يفيض وفاءاً لشاعر كبير تمددت تجربته الشعرية على مساحة شاسعة من الوطن العربي . لو كانت الجغرافيا تمثل ذلك التحدي الذي فشلنا في تجاوزه ، لسبب قد يتصل مباشرة بضعف قدراتنا على اكتشاف تراثنا الحضاري ، وقيم الرقي التي أنتجت حضارة عربية عبرت إلى أطراف أوروبا ، وبثت أضواءًا كانت تحتاجها عصور الظلام هناك، فإن التاريخ لكفيل بأن ينشط الذاكرة الكسلى ، وأن يستدعي فينا تلك القدرات الكامنة في ذواتنا ، لنواجه مصائرنا الجغرافية ، ونحقق لأنفسنا مرتبةً نستحقها في خارطة الحضارات الإنسانية .من التاريخ ، جاء شاعرنا الفيتوري ومشى بعكس الجغرافيا ، بل ضدها تماماً .

( 2 )

أهداني الأستاذ الكاتب اللبناني والناشر الكبير صاحب "دار العودة" أحمد سعيد محمدية، كتابه عن الفيتوري ، وظننته لأول وهلة تمريناً في الوفاء من صديق محب لشاعر يستحق ، ولكني وجدت في الكتاب سيرة الشاعر الفيتوري على خلفية العثرات العربية المبكية ، وقد صيغت بمعرفة وبمحبة واعجاب . إذاً هي كتابة عن محبة وليست نقداً أواستعراضاً نقدياً لشعر الفيتوري الكبير . هذا شاعر يكتب منذ الخمسينات ، وكانت كتابته الشعرية وفية لواقعه . في الخمسينات أدرجت المناهج المصرية قصيدة له تضمنت صوراً انسانية بالغة الجدة ، هي قصيدته عن الحوذي . في ذلك الزمان ، لم يكن يسيراً لشاعر سوداني أن يقتحم حصون المناهج العربية المصرية . قليل من شعر شعراء المهجر وجد طريقه إلى مناهج الشعر العربي في مصر كما في السودان وعدد من البلدان العربية الأخرى. تمكن الشاعر الأسمر القادم من السودان أن يجد موقعاً في منهج مدرسي ضم قصائد عربية تدرس في المدارس الثانوية المصرية . وقتها لم يتجاوز الفيتوري عشريناته والقاهرة حافلة بالعقاد وطه حسين وابراهيم ناجي وصالح جودت وعبد الرحمن شكري ومحمود حسن اسماعيل وكامل الشناوي ورؤوس كبيرة يصعب أن تجارى ، لكنه كان ذلك الشاعر الفتي الذي شق دربه بموهبته فكسب مكانة ونبوغاً شعرياً باكرا .

وإن نظرنا في شعر الفيتوري في السنوات الوسيطة من القرن العشرين ، نجده قد سكن بكامله في هموم القارة الافريقية ، فكانت جل انشغالاته بقضايا مواجهة الاستعمار والنظرة الظالمة للقارة السوداء ، يرونها أدنى درجة في مقام الثقافات ، فيما لا يرى شاعرنا في قارته السوداء غير كبرياءٍ مظلوم وتوقٍ لنهوضٍ قعدت به إرادة مستعمرٍ متغطرس ، رأى السواد سبة منفرة ، والبياض نعمة مرغوبة . ولقد رأيت أن تجربة الشاعر تشربت من معايشته لواقع ظالم استغرقه زمانا ، وتجلى في تجاربه الشعرية الأولى ، ولكنه كان أكبر من هذا الواقع فتجاوز بحذقٍ سلبية الدوران في فلك الظلم اللوني ، إلى مجابهة الظلم السياسي والاجتماعي والثقافي .
كانت إقامة الشاعر في موطنه السودان في أوائل ستينات القرن الماضي ، إقامة تمناها أن تكون دائمة ، إذ برغم أن القاهرة لم تنكر موهبته ولا استدبرته ، لكن الخرطوم فتحت له قلبها وعقلها ، فرأس تحرير مجلة الاذاعة السودانية ، وقد خرجت موشاة بأجود قصائده. وإن شهدت سنواته في الخرطوم استقرارا نسبياً ، لكن الفراش القلق لن ينسلخ عن طبيعته وتكوينـــه .

( 3 )

صدق الأستاذ محمدية إذ رأى في الفيتوري بطلاً من أبطال التراجيديا العربيـة . .
(( عاش حياته بين عالمي الأسى والحبور ، والفرادة والعادية، متقارب مع الناس ، متباعد عنهم ، شديد الالتصاق بالأهل ، متنافر معهم.. متسكعاً في الأزقة والحواري ، أو في الفنادق والمطاعم والقصور ، وأيضاً في المساجد والمناسك ،أو مع خفافيش الليل في علب الليل.. مع المقاتلين الصادقين . . ومع المدلّسين المزوّرين، وقد رأى وعايش وعاشر زعماء ومناضلين وخائبين ، وباعة أحلام ، وشعراء ومتشاعرين ، وكان عليه – وسط ذلك – أن يصون رهافة حسه وشاعرية عبارته ، والامساك – بقدر المستطاع – بالقيم التي رآها تتدحرج على عتبات الحياة العربية.)) ص 10 من مقدمته لكتابه محمد الفيتوري : ملامح من سيرة مجهولة ، دار العودة ، بيروت 2008.

وإنك إن نظرت في الكتاب ، فكأن المؤلف يأخذك في صفحاته ، ويحثك حثاً لأن تلهث معه وراء شاعر يقفز من أرض إلى فضاء ، ومن فضاء إلى أرض ، لا يكاد يستقر في بيئة أو مكان ، كما لم يستقر في قصائده على قافية ، أو يهدأ موجه على بحر من بحور الخليــل . لم يكن الفيتوري مستقراً في مكان واحد ، بل هو الساكن في أمكنة كثيرة ، المقيم في القمر كما في الشمس ، المستدير كما المربع ..في جينات الشاعر أثر من "جنينة" "المساليت" ، لا يغيب عن العين الفاحصة . ونعرف أن "الجنينة" في عامية السودان هي الحديقة الغناء الغنية بأنواع الزهر والثمر ، فإن الشاعر الفيتوري قد جعل من ذاته القلقة ومن تعدد مكوناتها ، حديقة ضمت أزهار هويته الملوّنة ، بربيع بكر وخريف واعد وشتاء بعيد . فأنت تراه كفراشة شعرية تتقافز بأجنحتها الملونة من الاسكندرية ، إلى القاهرة ، إلى الخرطوم ، إلى طرابلس ، إلى روما ، إلى بيروت ، ولكل مدينة من هذه المدن قصص طويلة مع الفيتوري ، ومنها ما ترك أثره في الفراشة ، ومنها ما تخلق رحيقه منها ، ومنها ما خصم من طمأنينة الشاعر ، فأصابه من شوكها وحصرمها ما أصابه . لكنه بقي فتياً في ذلك اللهب الصوفي الذي سكن جوانحه ، فكأنه من قبيل الفراش القلق توقاً لاحتراق مستحيل ، المتنقل وكأن لا حاجة به إلى جوازات أو سمات دخولٍ وعبور، بين بلدان فشلت في أن تلغي الحدود الوهمية ، فأرهقت حتى الفراش الراحل بين عواصمها ، حتى لتكاد أجنحته الرقيقة أن تنكسر ، وهو الذي كسب الصلابة عودا ، ويكاد أن يحتويه ظلام الغياب ، وهو الذي أحبته الشموس وعشقته الأقمار .

لم يكن غريباً على الفراش الدارفوري ، أن لا يعترف بجغرافيا المكان الافريقي والعربي ، وأن لا يرى في الحدود حواجز مانعة . يقول محمدية في كتابه عنه ، إنه لم يكن غريباً على شعر الفيتوري أن يعبر إلى غرب السودان وإلى شمال العراق ، ومن وهران إلى البصرة ، ومن الإسكندرية إلى عدن ، ويخاطب الشاعر : (( إنك صديقاً للفقراء والملونين والآملين ، وأنك خليل العقول المستنيرة والمنيرة التي ما زالت ترى في الأمة أملاً ووعدا.)) (ص 144 من كتاب محمدية : الفيتوري :ملامح من سيرة مجهولة).
وتستفسر الأديبة اللبنانية غريد الشيخ ، في كتابها عن الشاعر في سلسلة "أيام معهم" :الفيتوري – دار الكنوز الأدبية ،بيروت 2001، عن تنقل الشاعر بين العواصم العربية، فيقول لها الفيتوري : ((لعلني محظوظ تماماً إذ أجدني انسانا آخر منتمياً بكل جوارحي إلى هذه المواقع .. لا، إنها منابع ذكرياتي ومواقع طفولتي ومسارح أحلامي ، وأنا لا أستطيع أن أقول إن انتمائي إلى هذه يفوق انتمائي إلى تلك ، إنني قطعة لحم بشري تحمل من هذا وذاك . .))

( 4 )

لقد استوقفتني رحلة الشاعر إلى بيروت ، فقد لامس نبضها نبضه العاشق . غير أن السياسة التي لن تكون أبداً على تصالح مع الفراشة الراحلة القلقة ، لم تكن رحيمة مع عاشق الحرف العربي المحروق بشموس القارة الافريقية مثل قهوة استوائية غنية المذاق . لم يكن الفيتوري غريبا على بيروت – فيما يحكي محمدية – إذ كان ضيفا على مهرجان شعري أقيم في ذكرى الشاعر اللبناني بشارة الخوري (الأخطل الصغير) فكان رصينا حزينا رقيقا وهو يجزل عطاء شعره في الراحل الأخطل الصغير فتهتز قاعة الأونسكو في بيروت ، ولقد سمعت الكثيرين يرددون أبياتا من قصيدته تلك على أيامي في بيروت ، برغم مضي سنوات طوال على تلك المناسبة . أنشدني منها وزير الثقافة السابق الأستاذ الصديق الياس حنا ،وقد احتشدت القصيدة بمشاعر فياضة بمحبة عارمة لبيروت ، بيروت الأخطل الصغير ، بيروت الشعر والكلمة الحرة والغناء والجمال فيما الفجيعة تحاصر الجميع والشر المستطير مقيم :

قفْ خشوعاً واخفـــض الـرأسَ
فقد أشعلَ الموتى القناديلَ وقاموا
. . . . . .
عــادتْ المعـجـــزةُ الكبـــــرَى
فللموت رغم الموت بـدءٌ وختامُ
فتعــــلم كيـــــفَ تُـحــيّ أمـــــةً
نسيتْ أنّ البطــولات اقتحــــامُ
أن أرضَ الحـرّ مهمـا اغتربـتْ
أرضهُ فهيَ على الغيـرِ حَــرامُ
أن تاريخــاً مشتْ فــي ظـــله
قـدمُ الطغيــان تاريــخٌ مُضَــامُ
يا أميرَ الشعر أغضبــها فقـد
تُخصِبُ الرّوح وتخضرّ العظامُ

على أن لبنان لا يستقر على حال والفيتوري هناك ينازل الشعراء والعشاق والساسة ، فلا تلين عريكته ، ولا هو قابل لانكسار . لكن تنشب الحرب الأهلية أظفارها الجارحة في لبنان ، وينجرح الشاعر في "مارونية" أحبها وتقطعت إليها السبل ، وسياسة قربت بينه وزعيم لبناني شاب هو بشير الجميل الذي لم يعمر رئيساً طويلاً فاغتيل ،ولكن أثارت هذه العلاقات مع رموز من حزب "الكتائب" ، شكوك التيار العروبي المقاوم نحو الشاعر المرهف القلق بعروبيته وافريقيته . أنشد الفراش القلق بكائية على فراق بيروت الجريحة :

يسألونك عن لبنــان كيفَ صَــحا
الفينيق والنارُ في التابـوت تسْتـعرُ
..
لبنان والشعرُ موسيقَى الإلهِ وبعض
الشعرِ مِن كرْمةٍ في الغيبِ تُعتصَــــرُ
لـوْ كانَ لي لغفرت الإثمَ مُـعتــذرا
عمَـن أسأوا ومَـن هانوا ومـَن غدروا
ولانكفــأتُ علـى ذاتـي كما انكفأوا
ولانكسرتُ على ضُعفي كمَا انكسَروا
لكنّ تلـكَ العذاباتُ التــي ارتسمت
على وجوهِ الضحَايا .. كيف تُغتفــَرُ ؟!

آخر المطاف ، رحل الشاعر عن بيروت ، مثلما رحل الكثيرون قبله وبعده . بعض الراحلين اختاروا نهايات مأساوية ، مثل الشاعر خليل حاوي الذي أنهى حياته منتحرا عشية اجتياح الاسرائيليين لبيروت. ولعل حسرة الفيتوري تتجلى في قصيدة "لا ليس لبنان" ، وظني أنها من بين أروع ما كُتب عن ما جرى في بيروت :

لا .. لا تقل دخلوا في الموت أو رحلوا
هنــاك مـن أمــر الأبطــــال فانتقـــلوا
هناكَ لبنــان والأرضُ التي غضِبتْ
لوقعِ أقــدامِ مـن خـــانوك يــا جبـَـلُ
.....
ماضيّ مجدٌ قديمِ النقــشِ أحمــلهُ
على ذراعـي مَيْتاً حيـثُ ارتحــلُ
ودارتي قطعة من صخرةٍ سقطـتْ
من نجمةٍ لم تزل في الأفق تشتعلُ
وبي مِن الهمّ ما بالكونِ من عربٍ
ضاقت بهم صحراءُ التيـهِ فاقتتلوا

حسرات افريقية أخذته في شبابه ، وحسرات عربية أخذت بعناقه في كهولة الشعر وعنفوانه . بين تلك الأيام كتب بكائياته في عبد الناصر ، كما في عبد الخالق محجوب . بين هنا وهناك ، ظلت "صوفية" حرفه تراوح بين الانتمائين وفي حراكه وتنقله من حديقة إلى أخرى ، ولكن تفاقم الألم وتلاقت خساراته الوطنية والقومية بخسارات شخصية وأسرية . هو الآن يعيش في المغرب بقرب زوجة مغربية ، ترعاه في انكسار جسده الواهن وندعو له معها بصادق الدعاء بالشفاء . هي هناك رفيقة مشوار بديع ، ترعى ذكرياته وشعره العظيم ، وبقي علينا أن نستذكر ، هذا الطائر الفريد الذي أمضى عمره وما زال متنقلا بين جنينة سودانية وخيمة ليبية وحديقة بيروتية . في مستقره الآن في الرباط ،هو في عيون المغرب ، وفي حمى الحرف العربي هناك . من بين أحرفي هذه ، أرفع اقتراحا لاتحاد الكتاب السودانيين ولوزارة الثقافة الولائية ، ثم لكوكبة المنتديات النشطة في الساحات الخرطومية ، لأن تعد تكريماً لشاعر فحل ، وضع بصمة سودانية واضحة المعالم في خارطة الشعر العربي ، أقلها أن تتبنى مشروعا لحديقة أو دار للثقافة تحمل اسم الشاعر محمد الفيتوري ..



نقلا عن صحيفة "الأحداث"
الخرطوم - نوفمبر 2009




***

Post: #96
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 03:30 PM
Parent: #95

*

1 توَتّراتُ القبطيِّ : غَوْصٌ في تاريخِ النِسيانِ ... بقلم: جمال محمد إبراهيم




*

Post: #97
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 03:38 PM
Parent: #96

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .




(34)







الشاعر الفيتوري : علمٌ في رأسه مشاعل تضيء من البعيد
كان " جمال " مثل كل مثقفي عصره يحب شعرالفيتوري
ويتابع نهضته الشعرية ودواوينه




*

Post: #98
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 03:40 PM
Parent: #96

الشاعر الفيتوري ألهم الكاتب " جمال" كما ألهم شعره الكثير
من كُتاب العربية



*

Post: #99
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 04:12 PM
Parent: #98

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

Post: #101
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 09:56 PM
Parent: #99

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
(34)

Quote:





وكتب الناقد المصري " صلاح فضل " :


صلاح فضل يكتب : (دفاتر كمبالا): رواية سودانية
آخر تحديث: الجمعة 18 ديسمبر 2009 1:18 م بتوقيت القاهرة
القاهرة - وكالات

كم نحن مقصرون تجاه إخوتنا فى السودان، لا نعرف الكثير عن إبداع نصفنا الجنوبى، فمنذ غيبة القطب الطيب صالح، بل وخلال حضوره المشع أيضا، ونحن لا نكاد نرى أحدا من مبدعى السودان، فُتنا يوما بكوكبة شعرائه اللامعين عند منتصف القرن الماضى، كان معظمهم يدرس فى مصر، وبقى يتردد منهم اسم الفيتورى فحسب،

وتراءت لنا بعد ذلك أسماء بعض نوابغ الروائيين، آخرهم صلاح حسن الذى أود أن أعود إلى روايته البديعة «سن الغزال» لكننا لم نتوقف مليا عندهم، وها هو اسم آخر يفرض نفسه علينا اليوم، بكتاباته الشعرية والسردية، السفير جمال إبراهيم الذى لفت إليه الأنظار بديوانه «امرأة البحر أنت» ثم بروايته عن تجربة انتقال مقر الجامعة العربية إلى تونس «نقطة التلاشى» ثم تأتى هذه الرواية الجديدة «دفاتر كمبالا» ــ 2009 م ــ لتقدم لنا نفحة أفريقية طازجة، تنبعث بحرارتها فى قلب الأدب العربى، لتجسد مسعى راو ملتهب الحواس، متوهج الثقافة،

أكمل دراسته الأكاديمية فى لندن كالمعتاد، ثم جاء فى هجرة ثانية للجنوب بحثا عن الجذور الحية للفن السودانى فى أدغال أفريقيا، وكيفية تلاقى الرسم مع النحت والشعر فى تمثيل روحه الوثاب، بما يمور فى خلاياه من عناصر عربية وإسلامية وزنجية، على اعتبار أن الفن هو البلورة الصافية للهوية، والتعبير المنقوش عنها على صفحة الروح.

ومع أن هذه الرسالة تمثل صلب الرواية فإن أطيافا بارقة هى التى تخطف اهتمام القارئ فيها، وتستقطب بؤرة التشويق لها، وهى مظاهر ولع الراوى المفتون بالجمال الانثوى الساحر فى أدغال أفريقيا، إذ لا يكاد ينجو من حبائل حسناء حتى يقع فى مصيدة أخرى تطغى على حسه ووجدانه بحضورها النفاذ.

ولأن الكاتب يجمع فى أصلابه الإبداعية بين السرد والشعر فهو يستهل روايته بمقاطع من قصيدة شاعر سودانى راحل هو محمد عبدالحى تؤطر مناخات روايته يقول فيها:
«الليلة يستقبلنى أهلى/ خيل تحجل فى دائرة النار
وترقص فى الأجراس وفى الديباج
امرأة تفتح باب النهر وتدعو/ من عتمات الجبل الصامت والأحراج

حراس اللغة المملكة الزرقاء
ذلك يخطر فى جلد الفهد/ وهذا يسطع فى قمصان الماء»
فيستثير لدى القارئ منذ البداية نوابض الاستعداد لالتقاط شعرية الأحداث، وعرامة النماذج البشرية، والمناخ المفعم بعطر الاسطورة وعبق الشهوة، كما تجسدها طقوس الوجد السودانى المولع بنشوة اللغة فى مجازاتها الرمزية ومرح الحياة فى تفاصيلها الغنية.

الخليط الحضارى:
يفتتح الراوى «هاشم» دفاتره التى كتبها فى مدينة «كمبالا» أواخر عقد السبعينيات، خلال عمله أستاذا لتاريخ الفن فى جامعة «ماكريرى» بيوغندا عند منابع النيل، حيث يلتقى هناك بيوسف كامل، ضابط مخابرات سودانى، فى إحدى الحانات، وتكون التباسات الهوية هى نقطة تجاذبهما، إذ يتعرف عليه مباشرة باعتباره سودانيا دون أن يحسبه مصريا كما تعود اليوغنديون أن يفعلوا نتيجة لملامحه المصرية، إذ نشأ كما يبوح له فى حى «المسالمة»، ذلك الحى القديم فى مدينة أم درمان حيث تقطن أسر كثيرة تنحدر من أصول مسيحية ومصرية قبطية على الخصوص، إلى جوار مسلمين تصاهروا وانصهروا معهم فكان لسكان الحى هذه السحنة الحنطية المميزة.

وتظل مشكلة الهوية، وقدرة الفنون التشكيلية والموسيقية خصوصا على تجسيدها، هى العصب النافر فى الرواية، فلا تقتصر على امتزاج الدماء المصرية والسودانية واختلاط ملامحهما فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى هذا المزيج الحضارى الذى أنضجته شمس أفريقيا وغزوات أبنائها حول منابع النيل، إذ يقول الراوي: «آه من هذه الغزوات اللونية التى أورثتنا التباسات فى الهوية بامتداد نهر النيل الاسطورى الذى شهد حضارة الفراعنة، وبنيت فى أكنافه أهرامات امتدت من شمال السودان عن مروى وتواصلت إلى الجيزة فى أطراف القاهرة، ثم اختلطت مياه النهرين الأبيض والأزرق، منسابة من هضاب الشرق الأفريقى وأعالى خط الاستواء، لتشكل ذلك النيل الذى أعجب «هيرودوت» كثيرا فجعل مصر هبة النيل،

أما فى التقاء النهرين فى الخرطوم فإن الخرطوم تصبح مدرسة فى الإبداع التشكيلى يعترف بها العالم، وهى التى الهمتنى الكثير خلال إعدادى لاطروحة الدكتوراه عن تاريخ الفن فى القاهرة الأفريقية، ومع أن الرواية لا تذهب إلى أبعد من ذلك فى استجلاء هذه العناصر الفنية والتركيز على تجلياتها، فى الطبيعة والثقافة والألوان والتقاليد فإنها توحى لنا دائما بأن البحث عن هذه الهوية والتماس شواهد تحققها فى الأماكن والشخوص هو بؤرة الجذب فى العمل الفنى كله.

المروى له:
تعتمد بنية الرواية على مجموعة من الدفاتر التى كتبها الراوى خلال مقامه فى «كمبالا» وسجل فيها تأملاته وعلاقاته، خاصة النسائية منها، وهو يضطر إلى إعادة قراءتها بصحبة سيدة جميلة هى سميرة الشرقاوى، مصرية الأصل أيضا، أرملة صديقه يوسف كامل الذى اختفى فى ظروف غامضة، إثر الانقلاب الذى حدث على الجنرال عيدى أمين وأطاح بنظامه الدكتاتورى وشرد مجموعة مستشاريه من جنوب السودان الذين كانوا يتحكمون فى مصير يوغندا فى عهده.

تلعب هذه السيدة دور المروى له بمفارقة واضحة، فالدفاتر تتضمن كثيرا من تفاصيل علاقات الراوى الحميمة، ولم يكن يخطر له عند تسجيلها أن أحدا سيشاركه الاطلاع على ما فيها من بوح، لكن الظروف تضع هذه السيدة فى موقف القارئ أو المنصت لأسرارها، فهى تبحث عن الإشارات الواردة فيها، مما يمكن أن يلقى الضوء على مصير زوجها وكيفية اختفائه، والراوى يعيد فيها اكتشاف ذاته، واستعادة تجاربه الخطرة، ابتداء من هروبه من خطيبته السودانية، إلى تعشقه لفتاة يوغندية لعوب تسمى «بيتى» أذهلته بقدرتها على الرقص المتوحش، لكن تحررها وتنقلها بين الصحاب جعله يعاف صحبتها، حتى يقع فى أتون تجربة مثيرة فى مراودة «كريتينا» ــ سكرتيرة الكلية وراعية إقامته ــ على الرغم مما نجحت فيه من عقد صداقة بينه وبين زوجها لتبعد شبح غوايته عن نفسها،

لب هذه الدفاتر إذن هو ذلك التقلب النزق بين حالات العشق والصبابة، وقليل من لفتات الثقافة الفنية والتحليل السياسى لأحوال هذه المنطقة الأفريقية المفعمة بالتحولات والأحداث فى علاقات الجوار وتحرشات العدو الصهيونى وطرائفه فى الغوص فى مشكلاتها،

وعندما يخرج الراوى فى نزهة ممتعة على شاطئ بحيرة فكتوريا يصبح بوسعنا أن نشهد معه واحدة من أفتن لوحات الطبيعة النيلية الساحرة. المهم أن تقنية المروى له، وهى فتح الدفاتر أمام شاهدة كانت غائبة تنجح فى إدراج المذكرات فى نسق سردى أشد خصوبة وحركية مما كانت عليه، إذ لا تصبح مجرد صفحات مدونة، بل هى مثيرات للتأمل والاستجابة والتعليق ونسج خيوط جديدة لعلاقة وليدة مع رفيقته فى السرد، فيمضى الراوى فى الاستطراد لتحليل المزاج الإنسانى لأبناء القبائل الكبرى وبناتهن بعروقهن النبيلة وأرومتهن الطيبة، يقول مثلا وهو يتحدث عن معشوقته «كريستينا»: «هذه السنديانة الطرية، فى علوها وسموها، ممتلئة الساقين بعافية ونضارة، فى لون العسل المصفى، عيناها فى اتساع العيون العربية، وعيون الإسبانيات الفارهات، لا أرى أنبل من الغجر فى رحلاتهم التى لا تعترف بحواجز الطبيعة أو السياسة أو الثقافة». ولأن الراوى يهرب من التعقيدات السياسية التى أعقبت سقوط حكم عيدى أمين فيخرج متسللا من يوغندا عبر الطرق البرية الخطرة ويعود للسودان، فإنه يؤْثر أن ينهى قصته بمقطوعة شعرية أخرى تكمل مقطوعة الافتتاح للشاعر ذاته إذ يقول:
«الليلة يستقبلنى أهلى
أهدونى مسبحة من أسنان الموتى/ إبريقا جمجمة
مُصْلاة من جلد الجاموس
رمزا يلمع بين النخلة والأبنوس»
فيختتم روايته بالمذاق الاسطورى الشعرى ذاته، بعد أن نفث فيها بمهارة بارعة عبقا من ضوع الفن والسياسة والحياة الفطرية المولعة بالعنف والبراءة والجمال.
هذا المحتوى مطبوع من موقع جريدة الشروق
موقع جريدة الشروق الإليكتروني © 2009 - جميع الحقوق محفوظة





*

Post: #102
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 09:58 PM
Parent: #101


Post: #103
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2010, 10:17 PM
Parent: #102




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

(35)

وكتب " جمال محمد إبراهيم " عن صديقه الفنان " هاشم ميرغني قبل أن يفجعنا الرحيل ،
عندما زار كمبالا في أيام عسل الزوجية ، وكان الكاتب دبلوماسياً في سفارة السودان في السبعينات :

نقطف مما كتب :

جئت إلينا ، فكنت وعد الفرح السخي ، و كنت ريحانة أيامنا المشبعة برحيق الغابة وبوح الإستواء . توضأنا جميعنا و اغتسلنا بمياه البحيرات القدسية . . يوم أن صدحت بالطرب الحقيق ، و صوتك الندي ينسرب في ليل كمبالا ، انسراب الضؤ رويدا إلى أحيائها الوادعة . . إلى تلالها العشرة ، ما بين " نكاسيرو" و " بقولوبي" و" ناميريمبي" و "مينقو" ، وتلك الحدائق الغناء المترعة ببذخ الغابات الإستوائية ، المفروشة بسجاجيد العشب البهي ، المأهولة بأكواخ الموز و أثواب البرتقال الندي ، و الباباي في أكمل نضوجه . جئتنا ، تحمل في حناياك الود رقيقا ، و العود البغدادي ، بأوتاره الدامعة ، أسير أصابعك المبدعة ، و أنت المعماري الذرب الذي ينجز التصاميم و يبرع في الرسم و تلوين الخط و تزيينه. . حماك المولى من أعين الحاسديك . قلة هم من يعرفون عنك هذا الحذق الإضافي . أقول : "إضافي" ، لأن الأصل فيك هو الصوت الصادح ، صوت زرياب : قوي و حاني ، صخاب و هامس ودود ، لكنه صوت بالحزن الممض مشحون . . وبالطرب الدامع . .

قال الصديق السفير علي حمد ابراهيم - و كان شيخا علينا ، مجازا ، فقد كان في شرخ شبابه- أن نقتسمك أيها الصديق بيننا ، قسمة غير ضيزى . . فتفرق الطرب منك بيننا ، و انداح في أحياء كمبالا جميعها . .

في ضاحية "بقولوبي" ، في دار هاشم ، كانت جلستنا ذات مساء مضمخ بالطيب و الندى ، و في الحديقة الزاهية المطلة على الوادي ، أطربتنا أيها الرائع . قضينا سهرة عربية فصحى . . كاملة ، أنشدتنا فيها من عيون الشعر العربي مما انتقيته بحس الفنان و ذوق المحب : المتنبي . ابن زيدون . و الكثيرون ممن هربوا من ذاكرتي الآفلة . عطرت بصوتك أشعارهم ، و نثرتها دررا تتلألأ بين أشجار الأكاسيا و السرو و قد تكاثرت حولنا و أورقت أغصانها و اشرأبت إلى صوتك البديع ، فارتوت و نمت . . و صحا الورد في أكمامه . .

ثم عدنا بعد يومين ، إلى أمسية غائمة ، و الغيم في كمبالا بهرج و سلطان . كنا مع السفير علي حمد ، في المنزل الرحب المعلق فوق تل " كولولو" . كان الدفء أم درمانيا ، زينته بحنوها و رعايتها الرائعة عواطف- أم حافظ - ، زوج علي حمد إبراهيم ، فطرب الصالون العامر كله و الحاضرون بأشعار الحقيبة ، ب"عتيقها " ، ب"سيدها" ، و "عباديها". . "بأبي صلاحها" و" مساحها " .
أيها الصديق . . تلك ليلة تساقينا فيها على يديك ما جادت به دنان "الحقيبة" من : . . . .
زاد أذاي يا صاحي . .
فمن ارتوى . . ؟
يطرب هاشم أبورنات ثم عبد الله سعيد ، على خجل و تردد ، لكن عبدالله "شايقي" الأمدرماني العتيد ، القادم من" شارع الفيل" ، فقد دلف إلى عالم آخر ، أفلتت فيه رصانته و غادره الصبر وتملكه خدر "الحقيبة" ، حتى سكنت روحه ، مثل صوفي متبتل هائم ، في سماء بعيدة . .

الليلة الثالثة كانت في " نكاسيرو" . إبتعنا " كوندورو" - و ال" كوندورو" في لغة الباقندا ، هو الخروف الصغير- و أولمنا بالشواءات في حديقة منزلي المتواضع في تلك البناية الوادعة خلف مبنى المؤتمرات ، في قلب كمبالا . طربنا بك و معك أيها الصديق ، و حلقنا عاليا في سموات بعيدة من الغناء الحقيقي بغزليات عزمي أحمد خليل ، حبيبك في الغربة البعيدة . عندها يهلك عبدالله "شايقي" هلاكا كاملا ، و يفنى مع :
في زول هناك . . قولة سلام تبقالو روح. . .

يا للذكرى التي علقت بالذاكرة ، و يا لليالي الناصعات بالبراءة و الدفء و صادق الشدو، ونحن نغتسل بالمطر الاستوائي و بمياه البحيرات القدسية عند الينابيع ، عند الرحم الذي يخرج منه النيل قبل أن ينسرب شمالا إلينا . . لا يسقى الأرض البكر فحسب ، بل هو سقاية للوجدان البكر أيضا ، وريا للقلوب و إشباع للروح المعنى بزخات من دفق الخلود . .

البقاء لطيب الذكريات ، أيها الصديق ، فإن توزعتنا البقاع شمالا و جنوبا ، شرقا وغربا ، ستظل أبدا ، هي الخيط الذي يشدنا و يعطي التآخي قيمته التي لا تبلى ، و يعطي الإنتماء إلى هذه الأرض الحانية ، تجذرا مستداما . .
أيها الشفيف الفنان : هاشم ميرغني . . لك المحبة الصادقة أين كنت . .

لندن – مايو2004



http://sudanray.com/Forums/showthread.php?t=1546






إنتَ وأنا

تأمل معي أيها القارئ ، أيتها القارئة كيف تعمر الدنيا بالأحباء ، وكيف يتداول الأصدقاء
كلماتهم عبر السنين :
إنتَ وأنا
أيام زاهيات

رحم المولى سيد العاطفة النبيلة : هاشم

http://www.youtube.com/watch?v=QXDNeXEfgD4

*

Post: #104
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-21-2010, 04:29 AM
Parent: #103




*

إن الفنون جميعاً شقائق بعضها . تفتح بواباتها على دُنيا حالمة . تشترك المشاعر ، وتتفاوت في التجريب . للشعر دُنياه الموسيقية ، يتماوج بالنغمات الإنسانية ، تُمسك بمفاتيح اللغة وتتصعّد بها ، فتُصبح واقعاً حالماً للحياة . صورة إنسانية بكل ما تحمل من فرحٍ وأسى ، تُنشب أظفارها في المشاعر . يقولون الواقع فنٌ مُضيّع .



*

Post: #105
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-21-2010, 01:28 PM
Parent: #99



الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .

(36)

كتب مقالاً عن الكاتب
تعبان لو ليونج

Quote: عودة إلى لو ليونج مرة أخرى

السفير /جمال محمد إبراهيم

عدت إلى أوراق قديمة . . تضمنت أفكارا ، ترجمتها عن الأديب الشاعر السوداني : تعبان لو ليونج ، من كتاب له أسمه " أهازيج نقص التنمية" ، صدر عن دار نشر شرق أفريقيا ،عام . .1976 . وتعبان بروفسور سودانى ، من الإقليم الجنوبى ، درس فى يوغندا وكينيا ، ونال شهادات عليا فى الأدب من جامعة أيوا الأمريكية ، مقيم حاليا فى جنوب أفريقيا ، يدرس فى جامعاتها . .

و أستأذنه أن نقرأ معا في سودانايل ، بعض خواطره بعنوان " أفكار" . . .

أفكار

من( كتاب أهازيج نقص التنمية ) 1976

*** تعبان لو ليونج ***

** فقاعات الماء لن تتعرف على شقيقاتها ولن تعرف إلى أين يذهبن .

** سقراط اللعين . . لقد مات ميتة مثيله الكلب .

** أستوعب سقراط أفلاطون ، ثم شنق أفلاطون سقراط .

** نتحد راقدين ، ونفترق واقفين .

** أن لم يكن الروس مهووسين دينيا لما كانت الشيوعية .

** كذبت الإحصائيات = لحواء ثلاثة وجوه !

** أثنان ضد واحد : المرض والطبيب ضد المريض .

** حتى الأفارقة يصفون الأفعال القبيحة بالسواد . !

** الجنس داء ودواء . .

** المجتمع آداة فعالة لخلق الخارجين عن القانون .

** أضحك على الآخرين فربما كانوا يضحكون عليك .

** القاريء : عاهرة .

** مات أبى فى عام 1964 وتزوجت فى ، 1964 وغرقت فى الفلسفة بعد ذلك . !

** سارتر : موظف علاقات عامة . !

** فى التحليل الأخير ، يعيش الجبناء أطول .

** الخوف أعظم إختراعات الإنسان .

** الضحك شىْ إنسانى حقا ، أما البكاء فشىْ ثقافى .

** فوق سطح الشمس – تراهم يقولون إن الأرض أشرقت ؟

** لنعلي أيضا من شأن الغلمان الذين أحبهم سقراط والرجال – الذين أحبوا مايكل أنجلو ، وكذلك صاحب سونيتات شكسبير . !

** مصر هى يونان ماوراء البحار . . !

** قال كافكا لسمكة بعد أن أصبح نباتيا : الان أستطيع أن أحدق فيك بضمير نظيف . . !

** الجحيم سيكون قاس البرودة لو صممه الإسكيمو .

** ولن يأتى جودو . . قطعا. .

** فرويد أول وأشهر حالة مرض عصابى .

** عندما يكثر أطفال الأنابيب ، ترى هل تزول عقدة الآباء ؟

** عندما تحلم ، أفتح عينيك جيدا .

** العصابيون إما أغنام أو رعاة .

** يقول اللانقي في أمثالهم : كلما ازدادت قوة الملك كلما كثرت المحظورات التى

عليه إجتنابها، (اليابان مثل متطرف) و يقول لويس الرابع عشر : شىْ معقول. . !

** فى غابة الدين ، هناك وحوش كثيرة .

** فى هذا الليل البهيم ، لايعرف الطريق الى الدار غير صاحبه .

** لتسكت المرأة "كهرب" شفتها السفلى .

** ريتشارد قلب الأسد أجريت له زراعة قلب .

** ثمة شىْ جنسى متعلق بالعنف والإنزلاق واللون الأخضر . .

** أطل مبنى"الأستيت أمباير" باللون الأسود ، سيحب تمثال الحرية بعد ذلك .

** الكراسى محظوظة على الأقل : انها تقبل مؤخراتنا . !

** الشاعر الحقيقى رجل متدين .





*

Post: #106
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-21-2010, 07:35 PM
Parent: #105

*



وكتب مقاله : ( وجاء عثمان حسين )


كتب مقالاً له قديماً ، عندما حضر الفنان الكبير لندن للإستشفاء ،





*

Post: #107
Title: Re:
Author: احمد محمد بشير
Date: 03-21-2010, 07:45 PM
Parent: #106


اشعار جميلة و كلمات رقيقه لاتخرج إلا من إنسان فنان ودبلوماسي بارع , فله تحية شعب بأكمله.

شكراً أخ عبد الله علي البوست المتمييز.

Post: #109
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-22-2010, 05:13 AM
Parent: #107

Quote: اشعار جميلة و كلمات رقيقه لاتخرج إلا من إنسان فنان ودبلوماسي بارع , فله تحية شعب بأكمله.

شكراً أخ عبد الله علي البوست المتمييز.


لك من الشكر أجزله أخي الأكرم : أحمد محمد بشير
على تثمين الملف و أعمال الكاتب ، فكنا نهدف مثل غيرنا من الأمم
أن نُكرم المبدعين بقدر المستطاع ، والإعلام وجه لهذا التكريم بإلقاء الضوء .


*

Post: #111
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-22-2010, 12:04 PM
Parent: #107

.




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .




.

Post: #125
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-27-2010, 06:25 AM
Parent: #107

Quote: اشعار جميلة و كلمات رقيقه لاتخرج إلا من إنسان فنان ودبلوماسي بارع , فله تحية شعب بأكمله.

شكراً أخ عبد الله علي البوست المتمييز.

Post: #108
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-22-2010, 04:58 AM
Parent: #105

*




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(37)

المجذوب قامة في الشعر ، كان موحياً لشعراء الغابة الصحراء أول مولدها .
وكان شاعراً من الشعراء الذي تنحني له قامات الشعر ، تمكن في لفح الشِعر بعاديات المجتمع ومسلكه . نقطف بعضاً مما كتب في مقال في مدونة : سودانايل " :
http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...1-18-28-29&Itemid=55

قطف من المقال :
Quote: الرسائل المجذوبية لديزي العراقية ..
بقلم: جمال محمد ابراهيم


الثلاثاء, 15 سبتمبر 2009 11:39
أقرب إلى القلب :


(1)
لماذا يرتبط أدب الرسائل عندنا في العالم العربي بالفضائحية ، أو ينظر إليه وكأنه نوعٌ من أدب الاعترافات الشخصية . .؟
من الطبيعي أن يجري التركيز في هذا النوع من الأدب على الموضوعات التي تضمنها ، وما فيها من محفزات للتفكير ، لا أن تنصرف أذهان الناس- كما درجنا في الشرق- إلى الجوانب الشخصية : عمن كتب ،ولمن كتب ، وفي أيّ ظرف كتب ، خاصة إذا جرى تبادل الرسائل بين رجل مبدع وامرأة مبدعــة . وليس بمدعاة للعجب إن وجدنا رجلا يرتاح في الحوار مع امرأة مبدعة ، أو تنفتح بواطنه وتنقشع سحب الضباب ويسترسل في "فضفضة" دواخله وهو يحادث أنثى . تلك فطرة الذكر وفطرة الأنثى ، يزيدها بهار الإبداع الذي هو موضوع رسائلهما ، رونقاً ومذاقا . وما أعمق الحوار وأذكاه غن صدر عن محبة وتوادد ثم مصارحة . على أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا على سبيل أدب الرسائل ، ذلك برغم ما أحدثت ثورات الاتصالات والتواصل والمعلوماتية من تجديد ، يكاد أن يفضي بنا إلى عالم تنعدم فيه تباينات الرؤية المكانية والزمانية . وبرغم ذلك فلن تكون رسائل كنفاني لغادة ، ولا رسائل المعداوي لفدوى ، ولا رسائل المجذوب لديزي ، مثل رسائل واعترافات جان جاك روسو .. ! لن نحتاج لأن نشبك الأيدي على الصدر خوفاً ، بل علينا أن نقبل على هذا الإبداع وننهل من أقلام كبارنا وهي تنساب على فطرتها بلا قيود ..





*

Post: #110
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-22-2010, 07:29 AM
Parent: #108

*



الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


(38)


قصيدة له كتبها في مدونة : سودان رأي :
http://sudanray.com/Forums/showthread.php?t=1748


Quote:
كُلُّ غِناءٍ سِوَى شدْوِ قلْبي غٌثاءْ . .


شعر : جمال محمد ابراهيم


لأنِي رأيتُ زُمُردةً فِيْ المَسَاءْ
توهّج قنديلُ عُمْري وسَافرَ مُلتمِعاً فِيْ السّماءْ. .
مُضيئا كمَا وَجْنتيك ِ. .
وَمِثلَ الشّهابِ يَجيءُ سِراراً ودوْنَ احْتفاءْ
فَلا تَسْألي كَيفَ كُنتُ وَلا كَيْفَ صارَ النّواحُ غِناءْ
وَلا كيفَ صارَ النّدَى غَيْمَتيْنِ ِ
فعمّدَ حُزنِي وفيضَ أسَاكِ ، برَشّةِ ماءْ
مِنَ السُهدِ أحْرَمتُ ثُمّ انتويتُ الرّحيلَ
فأينَ القوافلُ ، أينَ الرواحلُ ، أينَ الحُداءْ ؟
لِعينيكِ أسْرَجتُ خَيْلي قُبيلَ الصّباحِ
وقبل احْتشادِ الندَى فِي المسَاءْ
وَناداكِ مِن قَبْوِ أيامِهِ المُستبداتِ شَاعِرُكِ المُسْتكينُ
فهَلْ فارَقَ البَرْقُ رَعْدَ النِداءْ ؟
بَرَى القلبَ شَوْقُ إليكِ. .
سِوَى أنّهُ - قبْلَ فيضِكِ أنتِ - بَرَاهُ الشتاءْ
وقبلَ اشتعالكِ أنتِ وَقبلَ انطفاءِ الأسَى
قدْ غشَاهُ انْطفاءْ . .
وأنك أيقونةٌ لِلكلامِ المُزوّقِ ،
أجنحةً من عبيرٍ ، وَعُصْفورةٌ فِي الفضَاءْ
لقلبي مزاميرُهُ فاسْمَعِيني
فكُلُّ غِناءٍ سِوَى شدْوِ قلبي غُثاءْ . .


بيروت : أبريل/نيسان 2009[
/B]




*

Post: #112
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-22-2010, 10:18 PM
Parent: #108

.

الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


.

Post: #113
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-23-2010, 03:17 AM
Parent: #112

.










ت . أس . إليوت ، ذاك الشاعر الذي تأثر به أهل النهضة الشعرية والتجديد
للقصيدة منذ نازك الملائكة وبدر شاكر السياب والمحجوب ، فقد كانت أشعاره
تتصدر مكتبة الكاتب " جمال محمد إبراهيم " . تمت قراءتها النقدية منذ بواكير
شبابه ، وكان الخروج عن المألوف في نظم " إليوت " هو محط انتباه كل الشعراء .[/
B]



.

Post: #114
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-24-2010, 03:46 AM
Parent: #113

.





الشاعر محمد المهدي المجذوب ،قامة شعرية لها أثر في الثقافة الشعر ية
للشاعر " جمال محمد إبراهيم ، مثل له أثر كبير على الشعراء السودانيين


كتب " جمال " : الرسائل المجذوبية لديزي العراقية

في مدونة سودانايل :
http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...1-18-28-29&Itemid=55

Quote:

من هي ديزي الأمير التي تعرف إليها شاعرنا الكبير الراحل محمد المهدي المجذوب في سنوات الستينيات من القرن العشرين ؟ المجذوب هو ذلك الشاعر الشامخ الذي يقول عنه صديقه الكبير علي ابو سن في كتابه عنه ((..ان محمد المهدي مجذوب هو واحد من أقدر اربعة شعراء في تاريخ الشعر الغربي اللصيق بالحياة- أعني الشعر غير المسرف في التهويمات التي يستعصي الامساك بها!- هم ابو الطيب المتنبي وأحمد شوقي ونزار قباني والمجذوب ، واذا كان الادباء والشعراء السودانيون أقل حظا من غيرهم في الحصول على اعتراف المتأدبين العرب بقدراتهم ومكانتهم – الا ما فرضه الطيب صالح عنوة وقسرا على الدوائر الأدبية المعاصرة – فإن المجذوب كان الضحية الكبرى لهذا الاهمال العربي الذي ما يزال شديد الوطأة على الأدب السوداني .)) المجذوب والذكريات ، ج 1 ، القاهرة -1997.

أما عن القاصة العراقية ديزي الأمير فقد نظرتُ في موقع القصة السورية الالكتروني ، ووجدت نبذة مختصرة عنها. هي من مواليد عام 1935 ، أي أنها حين التقت شاعرنا المجذوب عام 1964 ، كانت في شرخ شبابها . تنحدر ديزي من أصول عراقية ولبنانية . أمها من ضهور الشوير بلبنان ، وقد كانت معلمة امتهنت التدريس ثم نشرت أولى مجموعاتها القصصية عام 1964 . وحين التقت المجذوب في بيروت ، كانت هي نجمة المنتديات الأدبية فيها ، ونجمة مشعة يتحلق حولها أدباء ومبدعون . ولسبب ما لم تكن ديزي سعيدة في حياتها العملية . جمعتها مع الشاعر اللبناني د.خليل حاوي علاقة كادت أن تفضي إلى زواج ، غير أن ظروف الحرب الأهلية في لبنان طغت بميسم ثقيل على هذه العلاقة . دخل الشاعر حاوي في أزمته الشخصية الطاحنة ، وهو كما نعلم شاعر وضع بصمته المميزة على حركة الشعر الحديث ، وأستاذ جامعي لامع يدرس الأدب في الجامعة الأمريكية في بيروت . عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، انكفأ على نفسه وأفرغ رصاص بندقيته في رأسه منتحرا . كتب حاوي في إحدى قصائده :

(( عمّق الحفرةَ يا حفّار

عمّقها لقاعٍ لا قرارْ

يرتمي خلفَ مدارِ الشّمسِ

ليلاً من رَمادٍ وبقايا نجمةٍ مدفونةً خلفَ المدارْ

لا صديً يرشح مِن دوّامةِ الحُمّى

وَمِن دوْلابِ نار ْ.. ))

هذا الذي لم يحتمل عشق أنثى ، كيف يحتمل عشق بيروت ، وقد داست جسدها البضّ أحذية الاسرائيلي الثقيلة ، المثقلة بكل ثقافات القتل والترهيب والنهب والاغتصاب ..؟ انتهت قصتها مع خليل حاوي بانتحاره وبقي الجرح يؤرقها سنينا. اضطربت حياة ديزي بعد ذلك وتزوجت رجلا لم تسعد معه .. وعانت كثيراً إلى أن رحلت ، ولم نعرف لمه ذهبت رسائل المجذوب اليها ، إلى خزانة الراحل رجاء النقاش ، أو ربما هي التي سلمتها له ، ثم رحل هو الأخر في أغسطس من عام 2008، وضاع كل شيء . .





.

Post: #115
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-24-2010, 05:46 PM
Parent: #114



الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



(39)

" جمال " يكتُب عن الراحل : البروفيسور : التجاني الماحي :


Quote:
التجاني الماحي: الوفاءُ لموسوعيٍّ رَحَل .. بقلم: جمال محمد إبراهيم

الاثنين, 01 فبراير 2010 10:41

أقرب إلى القلب :


( 1 )
للسودان عبقريون لزاماً أن يكون لهم في الذاكرة مكانا ، وفي القلب أثرة ومحبة، وفي الوجدان بقاءً مستدام، لا يتآكل بالنسيان أو يندسّ في التجاهل. والسودان ، بعد ، كما نعرف ، بلد تأخذ بخناقه النزاعات بين بنيه، المتباينة ثقافاتهم، والمتنافرة أجناسهم وسحناتهم، والمتناقضة توجهاتهم السياسية أيدى سبأ ، وما أدراك ما حلّ بسبأ . لحق الشتات بأهل سبأ في التاريخ القديم بعد انهيار سدّهم، إذ لم يحجز عنهم سيل العرم ، كما جاء في الآية الكريمة :(( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية * جنة عن يمين وشمال*كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا *فأرسلنا عليهم سيل العرم *)) حلّ بالفرات أهل الحيرة، وببادية الشآم أهل غسان ، وهاهم إلى الآن في شتات راسخ لم يزد عليه سايكس ولا بيكو، كثير شيء. ثم ها نحن في وادي النيل وقد حبانا الرب من ثروات الأرض فيضاً مباركاً فتنازعنا، وأغدق علينا من موارد لا يلحقها نضب فتقاتلنا، وما بثّ فينا من تنوع في الألسن والعقائد والتقاليد، إلا ليختبر إرادتنا لتتوحد ويتسق نبضها وتتموسق خطوتها، غير أن الفشل كان حليفنا وحليف الحسرة تحصرنا في ركن وتقصينا في آخر . غرقنا في انهياراتنا كأهل السدّ، وإن كان النيل على حاله، يشقّ أرضنا في ثبات ، وعتمورنا في رماله لم يجرفها سيل، ولا عصفت به رياح صرصر عاتية .
الأمم السوية تعمد لعباقرتها، تحييهم في ذاكرتها وتقف على تواريخ ميلادهم، أو تواريخ رحيلهم، فتكون مناسبات لاستلهام بذلهم فتترسم خطاهم، وتقرأ صحائف انجازاتهم، علها تنجز مثلها أو أكثر، بما توفر من معينات، أتاحها لها تطور العلم والتقنية ومستحدثاتها . يا لتعس أمة نسيت كبارها واستصغرت بذلهم، فكأنها ارتضت أن تخرج من سياق تاريخها ، بل وكأنها ارتضت لنفسها غيبوبة واستمرأت انهياراً وإهمالاً لحالها، واستسلمت لفشل ذريع. لو كنا في رأس قائمة الفقراء من بلدان العالم، فلن نعجز بجهد ونشاط اقتصادي وسياسي – في أن نبدل حال الفقر إلى حال غنى ، ولكن أن نكون في رأس قائمة البلدان الفاشلة والتي بلا تاريخ ولا وجدان ولا قدرات على إدارة أحوالنا، فتلك هي الطامة الكبرى ، وتلك هي السقطة التي لن تبقى لنا بعدها كرامة أو هيبة أو احترام .
يمرّ علينا تاريخ ميلاد وتاريخ رحيل رمز من رموزنا العلمية والسياسية والفكرية، فلا ننفعل الانفعال الايجابي، ولا تلتفت ذاكرتنا لتنشط جيوبها، ولا نقف لنتفكر لما في ذلك من استحضار لعبر ودروس تعيننا على استبصار مقومات وجودنا، وعلى تبيّن عناصر هويتنا وممسكاتها .
( 2 )
إني لأحمد لجمعية نواب اخصائيي الطب النفسي وتعاونها مع اتحاد الكتاب السودانيين، لتحتفل في يوم السبت 9/ 1 / 2010 بجامعة الأحفاد للبنات، وبتعاون مع مجموعة "دال"، الرشيدة في الاقتصاد والتجارة كما في الثقافة والاجتماع ، بذكرى مرور أربعين عاماً على رحيل الكاتب والمفكر الدكتور التجاني الماحي. ضم المحفل لفيفا من أخوانه وأخواته وبناته وأحفاده وتلاميذه الأوفياء، وغاب -ويا للغرابة- المستشفى الذي حمل اسمه ! . هذا رجل استثنائي بلا مراء . إنْ نظرت إلى القليل الذي كتبه الراحل، فانك ترى عالِماً اجتماعياً ونفسانياً فذاً ، يعالج ما لم يعالجه أحد قبله، بتخصصه النادر في كامل القارة الإفريقية، من الأدواء الاجتماعية والنفسية التي عصفت بمجتمعاتنا في السودان. وإن امعنت في الذي شغل ذهن الراحل التجاني الماحي، ستجد فيلسوفاً وطبيباً وعالماً وجغرافياً ومؤرخاً ولغوياً ، لا يبارى . هذا الموسوعي صنع عبقريته بوعي وجداني، قبل أن يعينه في ذلك علم أكاديمي راتب، أو تتيحه له وظيفة حكومية مجزية. نعرف عنه أنه أول طبيب نفساني من قارة افريقيا، درس وتخصص في أوروبا ، في وقتٍ كان علم النفس جنيناً يكابد أن يجد اعترافاً بعد رحيل فرويد ويونج وأضرابهما من رواد الطب النفسي. يستطيع أن يفخر تلاميذه أنه ترك بصمة في علم النفس في السودان، وكذا في القارة الأفريقية وربما في إرث الطب النفسي على مستوى العالم .
في جامعة الأحفاد للبنات، تنادى علماء أجلاء في ذكرى أربعينية رحيله، وقرأوا علينا أوراق ودراسات غاية في الثراء عن تجربة العالم المفكر المبدع الراحل التجاني الماحي. قدمتْ للندوة الدكتورة ناهد محمد الحسن، الاخصائية النفسية الأريبة، كما شاركها التقديم والترحيب صديقنا البروف قاسم بدري مدير جامعة الأحفاد، وأدار الندوة الصديق الدكتور ادريس سالم الحسن . قدم المتخصص في التوثيق والمعلومات البروف قاسم عثمان نور، ورقة ضافية عن بيبليوغرافيا التجاني الماحي. أما صديقنا دكتور عبد الباسط ميرغني فقد قدم ورقة عن موسوعية شخصية التجاني . توالت أوراق من د.صلاح هارون ومن د. احمد الصافي ومن الأستاذة أروى الربيع ، فألقوا على مسامع الحضور ما زادنا معرفة ببذل الراحل في سبيل العلم والفكر، وفي الصحة النفسية بوجهٍ أخصّ ، كما أضاءوا جوانب في حياته، قليل منا كان يعلمها .
غير أني أقف معكم- فيما يلي- متأملاً عند مسألتين ، أولاهما تتصل بمكتبة الراحل التجاني الماحي، وثانيتهما تتصل بانشغال الراحل بالسياسة الوطنية، فوق امتهانه تخصصه النادر في ذلك الزمان .
( 3 )
جاء تعريف "المكتبة" في الموسوعة الالكترونية ، "الويكيبيديا"، تعريفاً يقبله الأكثرون ، كونها في المدلول الأوسع قد (( تتجاوز الكتب المطبوعة بمعناها الضيق، فتضم الآن معها عدداً كبيراً أو قليلاً من المواد الورقية الأخرى كالجرائد والنشرات وبقية الدوريات على اختلاف أنواعها وكذلك الخرائط والأطالس والرسمات الهندسية، كما أنها قد تضم أيضاً المخطوطات التراثية القديمة والمراسلات والمذكرات الحديثة وغيرها من المواد الورقية غير المطبوعة. المكتبة هي تجميع لمصادر وخدمات المعلومات، منظمة للاستعمال، ويتم رعايتها من قبل هيئة سياسية ، مؤسسة أو أشخاص..)) ولمن طلب الاستزادة فإن الرابط الالكتروني في الانترنت متاح . .
ترك الراحل التجاني مكتبة ضخمة ضمت كتباً ومخطوطات تراثية ووثائق نادرة وخرائط تاريخية ، ليست كلها في مجال تخصصه في الطب النفسي ، بل شملت معارف شتى ، عكست اهتمام الراحل بموسوعية المعرفة، من الأدب والعلوم إلى الطب والتاريخ والجغرافيا وعلوم الاجتماع والانثروبولوجيا . لقد أسهب الأستاذ قاسم عثمان نور في وصف مكتبة الراحل التجاني ، وقد أوصى بأن تكون إرثا متاحا لمنارة العلم الأولى في السودان : جامعة الخرطوم . وبعد رحيله أوائل السبعينات آلت مكتبته الضخمة، بكل ما احتوت من كتب ووثائق ومخطوطات وخرائط، إلى مكتبة جامعة الخرطوم . ويقول الأستاذ قاسم نور والحسرة تخنق عبرته ، أن ما يزيد عن 25% من مكتبة الراحل قد اختفت، وربما تعرضت لعملية نهب منظم . ولك أن تتحسر عزيزي القاريء إن علمت أن المكتب تضم ألاف الكتب والوثائق ، بما يؤكد أن النهب شمل آلافا منها . كيف يقع هذا النهب المنظم والمكتبة ظلت تحت حرز أمين ؟ أمر لا يكاد أن يصدق، وبدا لنا محض مزحة لا أكثر . كثيرون ممن حضروا الندوة في قاعة مؤتمرات جامعة الأحفاد، كادوا أن لا يصدقوا . في وقت لاحق وبعد أيام قليلة التقيت الأخ المعلم دكتور ابراهيم علم الدين ودار حديث لي معه حول مكتبة الراحل التجاني الماحي. كان علم الدين معلما بشعبة الجغرافيا في كلية الآداب بجامعة الخرطوم ، أوائل السبعينات من القرن الماضي . قال لي أنه كلف من طرف إدارة الجامعة وقتذاك لاستلام الكتب والوثائق والخرائط الجغرافية ، ضمن تكليفات شملت أساتذة آخرين ليحصوا ويتسلموا- كلا في تخصصه - مختلف الكتب والوثائق التي حوتها مكتبة الراحل. وأكد لي الأستاذ علم الدين أن المهمة كانت شاقة ولكنها ممتعة ، وقد جرى حصر واستلام مكتبة الراحل بدقة وحرص كبيرين كما تم تبويبها وفق أسلوب علمي، روعي فيه ضمن ما روعي، ذلك الجانب الأمني المتعلق بحماية الوثائق والمخطوطات والخرائط النادرة، التي جمعها العالم التجاني الماحي، خلال سنوات عمرٍ مليء بالبذل العلمي وملاحقة المعرفة في مظانها . وفي سبيل حماية مكتبة الراحل، فقد رأت إدارة الجامعة – حسب إفادة علم الدين – أن تظل مكتبة الراحل في استقلاليتها، وأن لا تفتح إلا لطلبة الدراسات العليا . أتذكر في تلك السنوات البعيدة أننا كنا نلمح اللوحة مكتوب عليها مكتبة التجاني الماحي، ولكن لم يكن مسموحا لنا، نحن طلاب البكالوريوس، أن نقترب من حياضها.
بعد نحو ثلاثة عقود، نسمع الآن أن ربع مكتبة الراحل التجاني الماحي قد اختفت ، ويرجّح الأكثرون أنها بفعل فاعل . أما وقد تطورت أساليب حفظ الكتب والمعلومات فليس أقل من أن تعمد جامعة الخرطوم، لاعادة حصر المكتبة من جديد، وإن استدعى فتح تحقيق للتأكد من النهب الذي يرجح أنه وقع، وبدء مشروع حفظ محتويات المكتبة بكاملها الكترونياً ورقمياً . ينبغي أن ننظر ملياً في الموضوع ، إذ المكتبة وأيّ مكتبة، هي جزء من ذاكرة الوطن، بل لعل المكتبات هي محاور الانطلاق للتعرف على الذات، وللامساك بعناصر ومكونات هوية بلدٍ ، يكاد أن يتخطفه طير المطامع، وتنهش لحمه صقور الهيمنـة ..
( 4 )
وقفت طويلاً في سيرة الراحل التجاني، في جانب نعرفه عنه ولكنا لم نقف طويلاً عنده . حين وقع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 ، والدول الثلاث لمن لا يعلم هي اسرائيل وبريطانيا وفرنسا، لنا أن نلاحظ أن الولايات المتحدة كانت بعيدة ومشغولة بترتيبات ومقومات الحرب الباردة، بعد سنوات الحرب العالمية الثانية، وقد وضعت أوزارها في عام 1945. كان انفعال السودان – ولم يكمل عاماً على نيله الاستقلال – قوياً وصادقاً مع الشقيقة مصر . حين ترك دكتور التجاني مهنته وسارع بالتبرع للقتال في السويس ، لم يكن أحد يرى في ذلك شططاً مبالغاً فيه أو حماسا زائدا.
بعد ثورة أكتوبر عام 1964 والتي أنهت الحكم العسكري الذي كان يقوده الفريق الراحل ابراهيم عبود ، جرى تشكيل حكومة رأسها الراحل سر الختم الخليفة، وتشكل مجلس للسيادة كان من أبرز أعضائه الدكتور التجاني الماحي . لم يكن التجاني وجهاً جديداً في الساحة السياسية وإن دخلها على نحوٍ طاريء، لكنه ظل وجها أكاديميا وطبيبا مقيما في تخصصه النادر وعالما مفكرا. وإني لأرى أن إغفالا غير متعمدقد وقع في هذا الجانب من حياة الراحل التجاني، وظني أن سيرته العطرة الغنية بالبذل المتميز هنا، لم تشملها الإضاءة الكافية ، فنستصحب ما فيها من دروس غالية، وعبر نادرة، يحتاجها كثير من الساسة الذين يديرون شئوننا العامة هذه الآونة . أقول هذا ولا يغيب عن النظر، كيف تولى كثيرٌ من الأطباء والمتخصصين في مجالاتهم وظائف سياسية تنفيذية، وقد هجر أغلبهم حقائب العلاج إلى حقائب السياسة في العقدين الأخيرين، فتولهوا بها ولهاً جامحاً، وأنستهم مهنهم الأساسية في الطب والهندسة . كان في حساب الراحل التجاني الماحي، أن الأصل هو البقاء في المهنة والتخصص، والاستثناء بامتهان السياسة، يظل استثناءاً مؤقتاً ، ولن يكون أبداً حجاباً عازلاً أو بديلا للأصل. سمقت قامة الراحل وهو يعود لمهنته وتخصصه، بعد انقضاء أجل عضويته في مجلس السيادة. جاء كثيرون إلى كراسي قيادة الدولة، ولكن لم يكن فيهم من ماثلت قامته وبذله تلك القامة السامقة، وذلك البذل المشهود. ليتنا نتعلم درساً تركه الراحل التجاني الماحي ، فنرى الأطباء وقد آبوا إلى عياداتهم ، والساسة استأنفوا بمصداقية رعاية المهن والوطن ..

الخرطوم 31يناير 2010


نقلاً عن مدونة " سودانايل "
http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...1-18-28-29&Itemid=55


*

*

Post: #116
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-24-2010, 08:55 PM
Parent: #115

جمال مجمد إبراهيم

Post: #117
Title: Re:
Author: mustafa mudathir
Date: 03-25-2010, 04:22 AM
Parent: #116

ياخي قمة الوفاء يا عبدالله
وقمة العرفان لأخيك.
تفعل هذا ليس لانه اخوك
أو لتزكية مغرضة له، بل ان
دوافعك هي الاخوة الصافية
والاعتراف بفضل الاخ الاكبر
هذا الاعتراف الذي اقصاه
من تعاملاتنا توخينا ذلك
المخل لأن نبدو متواضعين.
كتبت بنفس الحيدة وسأكتب
عن صديق مدثر وحافط مدثر
وحبيب مدثر أشقائي معلمي
الاوائل لان ما تعلمته منهم
يجدر به ان ينشر على الملأ
ليس هناك أسرار أقوى من اسرار
الابداع وإلحاح التعبير.
وأحفظ للدكتور عبدالله على ابراهيم
نحته لعبارة "الكتابة المناقبية"
فهي بحق أداة لتوفير قاعدة
بيانات هامة عن أي شخص يكتب
عنه شخص آخر يستفيد منها الباحثون
وكل من أراد أن يعرف أصول وتوجهات
الشخصية السودانية.
تحياتي لجمال وياريت نتلم مرة.

Post: #118
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-25-2010, 05:56 AM
Parent: #117



الحبيب الكاتب : مصطفى مدثر

وإنها لسانحة لنا أن نعرف مُحيطنا الذي نشأنا فيه ، فمن الذي يوثق للذين تعلمنا منهم غيرنا . يكثُر الحديث عن أنا شعبٌ تعود النسيان .
لك ألف سلام عليهم ، ونعد أن نكتُب وتكتُب أنت أيضاً عن هؤلاء العمالقة النُجباء من إخوتك : حبيب وحافظ وصديق . فكم طَمر التراب ذكرى " كرف " و " التجاني الماحي " وغيرهم من كِثبان معلمينا الذين أفنوا زهرات أعمارهم لكي نصبح نحن أفضل . منهم على الضفة اللينة من خمرة الوعي أستاذنا ومعلم مادة الفنون :
" الطيب بابكر بدري " .
ذاك الذي وُلد من بعد رحيل " بابكر بدري " وكان أصغر أبنائه . تذكرت أفضاله علينا في يفاعتنا ، فكتبت عنه في " سودانايل " قبل الأرشيف منذ سنوات ، وبعدها بشهر رحل ..
سنستعيد لؤلؤ ذواكرنا من بحر النسيان بالفعل الدءوب .
ألف تحية لك ، فنحن على الوعد


*

Post: #119
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-25-2010, 06:13 AM
Parent: #118


الأكرم : مصطفى مدثر
هذا هو مقال الوفاء للمعلم " الطيب بابكر بدري "
وهو الذي رعا مواهبنا الفنية منذ الصغر .
Quote:


( الطّيب بابكر بدري )
نبعٌ لا ينضب
( ليس للعالم سوى روح واحدة ) : الشاعر غوته .

كيف نبدأ المقال يا ترى ؟ ….
" قلم الرصاص" ، هذا المخلوق الصغير ، يمكنه صنع العجائب . يشترك مع الورق الأبيض الخشن و الأصابع في خلق عالم جديد . الإبهام قائداً لأوركسترا سحِر الرسم القديم ، في مواجهة السبّابة و الخنصر و البنصر والأوسط ، و أيضاً قائداً لقفزة التطور البشري على إطلاق الكلمة . الإبهام سيد الصناعة و الخلق عند الإنسان ، طور الذهن و تبادل معه القراءة و الاستذكار. يطوعان المادة الخام ، لتسهم في صناعة هذه الحضارة التي نقطف ثمارها الآن ،أو نكتوي بنارها ، منحدرة منذ التاريخ القديم .
الإبهام و مجموعته ، وبينهم " قلم الرصاص " ، حوار دائم و حركة و " مساج " ناعم . نحن ندخل عالما للرسم ، مدخله النقل وفق الأسس التعليمية القديمة. كيف ترى أنت الأشياء ؟ ما معنى مستوى النظر ، أعلاه و أسفله ؟. ماذا تعني نقطة التلاشي عند خط الأفق ؟، و كيف نحاكي الطبيعة وفق ما ترى العين الإنسانية ؟ .
تعلمناً بطيئاً وعلى تدرج سلس ، حتى الإتقان . تبدأ الرحلة بالنظر ، ثم التدقيق في النظر، و التجريب . الإطلاع على إنجاز السلف ، حتى تنشط الصِنعة بين يديك ، و تدخل الإبداع من أبوابه الرئيسة. المعلم يقود التجربة ، و ينمي رغبتك ، و يُحبب إليك مادة الرسم ، لتسلك أنت الطريق إلى الفن . يرفّعك بخطوات ثابتة ، يشترك الجميع في الأمر . بمثابرتك تتسلق الدروب الصعبة ، تعبر الفيافي و تكلم المادة الصامتة و المتحركة. ريح الخُضرة تخضب بنانك ، و تدخلك عالم الألوان ، هذا الصخب الفرِِح . النبات ، إنه التكوين الحي و المتضمخ بالغموض ، تقترب منه ، يخافك برهة ، ثم يتعود هيئتك . يرقب ملاطفتك عن بُعد و يمنحك الأوكسجين ، إكسير الحياة أنهارا . يحزن مثلك ، و تنعشه الموسيقى . يفرح لصخب الأطفال حوله و يخشى اللمس أو الأذى .
كيف تنتقل الرؤيا و كيف تتداخل الأحياء مع الطبائع المختلفة ؟. كيف تدخُل المملكة الفريدة ، و تتعرف على العوالم الجديدة التي لا يعرفها إلا المبدعين؟ .
تبدأ التدريب ، و يصطحبك أب روحي يشعل في نفسك الرغبة ، لتصمد في وجه الأحكام الجائرة ، التي يطلقها المجتمع عليك . في الزمان القديم يبدأ المرشد ، يضيء لك طريق الدعوة ، التأسيس مع الممارسة حتى تصمد ، قدر ما تستطع . لك أن تستمر ، أو تغادر الرحلة عند المنعطف الحاد . و إن فعلت، تتحول التجربة بكل تجلياتها و سحرها ، إلى ذكريات ، و تلك لعمري خسارة فادحة.
بدأت تجربتي متواضعة ، و كان الأب الروحي شقيقي الأكبر" جمال" . النقل و المحاكاة ، ثم تتبع الأثر . كان هو ممتلكاً أدواته ، ساد مملكته زماناً . منح التجربة من وقته و مشاعره ، حتى اصطدم بالمؤسسة القديمة عندنا في الستينات ، و هزمت مشروعه المبدع ، و غادر الساحة ، مظلوماً ، و هجر فن الرسم و أختط لنفسه نهجاً و مصيرا آخر، ربما كان أفضل . الحديث عن التجربة يفتح جرحاً غائراً في النفس ، فلنترك الأمر لمجال أرحب .
نعود إلى الإنسان المتوهج ، معلمنا الأستاذ "الطيب بابكر بدري" ، معلم مادة "الفنون الجميلة ". رغم مرور ثمانية و ثلاثين عاماً منذ إطلالته علينا أول مرة ، في بواكير المرحلة الثانوية ، لن ننساه أبداً. جسد نحيف فارع الطول ،و ملامح الوجه الدقيقة ، يألفها قلبك و أنت تراه أول مرة . بدأ يرغبنا الرسم و تقنياته ، ويحبب إلينا دخول هذا العالم الجديد ، وكان أول إرشاده :ـ
( تعرف على الطبيعة ، فهي السيدة الأولى ، منها نتعلم الصبر . تقف هي على الحجر دهراً حتى تصنع منه تُحفة جميلة . الغرائب تتداخل مع الصنعة الحاذقة ، بكل زخمها . تقذف الطبيعة بالتجارب الفطيرة و الخلاقة . الجمال بكل احتمالاته ، و القبح حتى الثمالة . صراخ الوليد برهة ، و ابتسامة الموت الأبدية . الزمن وحده كفيل بتعريفك ، كيف تعمل تلك الصيرورة البطيئة ، قبل أن تعرض علينا موائدها المجانية .)
يبدأ المعلم " الطيب بدري " الدرس ، وتحس كأن غطاء شفافاً وسميكا ًمن الهيبة يلتف يطوقه ، و الدهر كله ينسكب على جسده ، من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه . قوله مزيج من الحكمة والتداعي :ـ
( ا نظر الأشياء بعين فاحصة ، و قلب رؤف . خذ من وقتك ، في يوم العطلة ما شاءت لك فُسحة الزمن . اذهب إلى غرب أمدرمان القديمة ـ كانت وقتها خلاء ـ ابحث عن الحجارة ، تجد الغريب من التُحف . فقد صنعت الطبيعة من هذا التكوين الصلد ، كهوفاً و بيوتاً ، تُحفاً من الفن الرفيع . أريدك أن ترقب الصناعة الدقيقة التي أخذت من وقت الطبيعة دهراً لتكون . أريدك أن تنظر من جديد ، فهذا ينمي الإحساس المرهف ويقوي الحدس ،و يغذي الروح بالسلام و الطمأنينة الأبدية ، و عندها تتغمصك الطبيعة بسِحرها . الملاحظة و الانتباه تُدخلك قصر الإبداع . تبدأ متفرجاً ، ثم تتدرج ، حتى تمتلك الصولجان و تنطلق .)
هذا قبس من حديثه ، وقد دهشت كثيراً و أنا أقارن بين نهجه في الستينات ، وما طالعته حول الدراسات الايكولوجية ، التي بدأت تتشكل منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي :ـ
{ أنت والبيئة، أصديقا لها أنت أم عدوها اللدود ؟ . منذ الستينات بدأت رياح الخُضر تجتاح العالم . أزمة البيئة المستعصية هي نتاج طبيعي لسلوك الإنسان الحديث وأصوله الفكرية التي تأسست على الفلسفة الديكارتية ، التي تفصل الأنا عن الطبيعة حولها ، و تدعو لاستغلال البيئة لخدمة الإنسان . وعبث الجميع بالبيئة حتى التدمير . مؤسسات الدفاع عن البيئة ، بدأت تؤسس لعلوم تصادق البيئة ، وتحميها من العدوان المسرف . تطور الأمر حتى انتهى إلى الدراسات الايكولوجية ، التي تدرس العلاقة المتبادلة بين الكائن الحي و بيئته. تمد الجسور بين الإنسان و الطبيعة ، حتى ولد الإنسان الأيكولوجي بديلا للإنسان الفاوستي . انتبه الإنسان من جديد إلى التراث الأيكولوجي ، الذي هو محاولة حدسية لتناغم المرء مع العالم ، وقد تم التعبير عنه منذ القدم ، في الشِعر و الأدب و الرسم و الموسيقى و العديد من التقنيات التي تتلمس وحدة الوجود ، والإبقاء على توازنه الدقيق . تتوهج أساليبه ولغته و صفاء سريرته سعياً إلى الخلود . إن لصداه الأثر العميق في النفوس الشفيفة .
إن كلمات " جوته " حول روح العالم الواحدة ، أضحت حكمة يتردد صداها اليوم شرقاً و غرباً ، رغم الأتربة و العواصف الكالحة التي تعصف بعالم اليوم ، والتي يتسبب فيها أفراد و جماعات " بيزنطية النزعة " ، يمارسون عبث الطفولة التجريبي ، و هم في قمم أهرام السلطة السياسية . يفتقدون المحبة ، وهي المقياس الزئبقي لصعود الإنسانية لأفقها الرحيب ، أو السقوط المدوي . }
كان " الطيب بابكربدري " أنموذجاً للإنسان الأيكولوجي بكل زخمه ، عاشقا للطبيعة ، ينتبه لإنجازها الصامت و الصبور . كان له كل هذا النقش الفخيم في تلافيف الذاكرة ، بثه إلينا في قوالب تناسبنا في ذلك الزمان . تلمح من حديثه وكلماته ، و مقاطع النثر الذي يروي ، لوحة " هارمونية " من الخلف رائعة ، وهو يغوص معك في لُجة الدرس ، حتى تحتبس الأنفاس . تهرب عندها إلى السطح فتملأ رئتيك من ريح التراث الصوفي البهي .
ملمس فاخر من التراث المعرفي ، يلتف حولك ، يحاصر روحك حتى تستجيب . كانت مخاطبته لنا متعددة الأوجه ، تكتسي من حُلل الثقافة أينعها وأطيبها و أكثرها رقة . تلمس اختلاف الرأي عنده ناعماً ، حتى تستعذب حلو مذاقه. تتأرجح لغته بين السهل الممتنع حينا، والتصوير الكثيف أحياناً أخرى . تختلط اليقظة فيها بالأحلام ، لم ندركها نحن إلا بعد عقود .
يمكنك الآن أن تفتح بوابة الذاكرة ، و تتخذ لنفسك مجلساً ، وتشهد الطقس من المبتدأ إلى المنتهى . تغرف من نبع " الطيب " وتستسقي روحك العطشى . إنه أول الغيث ، قبل أن ينهمر ، فالروح لا تلبث أن تتجدد مع الزمن . إن التقيت معلمنا أو لم تستطع ، فإن الظل الوارف هو رصيد الخير الذي استنبته لنا منذ أيامنا البواكر، نبعٌ لا ينضب . له منا التحية و الشكر و العرفان .

عبد الله الشقليني


20/4/2004

حاشية : عندما أعددنا المقال ، لم نكن نعلم أننا لن نلاقيه ثانية . ألف نور و سلام عليه . عطر اللهم مرقده من روائح جنانك الوارفات ، وهب أهله و أحبائه صبراً على قضائك، فقد رحل عنا و كان ظلاً ظليلاً و ثمراً وفيراً. إنا لله و آنا إليه راجعون....[/B]




.

Post: #120
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-25-2010, 10:24 AM
Parent: #119


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .


(40)

كتب " جمال " قصة قصيرة في مدونة سودانايل في يوم الثلاثاء يوليو 06, 2004
نقطف من أولها :
Quote:

حرب سميرة الأهلية
جمال محمد ابراهيم


كانت تنظر في وجه زوجها كل صباح فلا تجد إلا صفحة زجاجية ، تبدو فيها عيناه وشفتاه وفتحتا أنفه وأذناه ، مثل الشروخ التي يخلفها حجر مقذوف على لوحة مرايا . لكنه رجل شفاف على نحو خاص ، بحيث تنظر زوجته سميرة فلا ترى من ملامحه شيئا ولكن يبين الذي خلفه.. موغل في الشفافية التي لا يكاد يراه من يحدق فيه . . رجل من هواء ، يذهب ويعود فلا يترك أثرا . يمشي على الأرض مشي الوجي الوحل ، لكنه لا يترك على التراب شيئا يتقفاه الحاذقون في تتبع آثار الهاربين المارين على الرمل . ولكن هل من فائدة من زوج شفاف في عين امرأة عاشقة تواقة للحب بكامل معانيه ، يحرقها جوع خفي ، ويؤرقها بحث عن شبع يستحيل الوصول اليه ، وراحة لا تتوفر في أركان الدنيا . قالت لا بد لي من التخلص من كل ألواح الزجاج وألواح المرايا المعلقة في غرف المنزل الواسع . شمرت عن ساعديها ذلك الصباح ، وشرعت تكسيرا في الإطارات الزجاجية المعلقة . لم تترك مرايا الردهة ، ولا لوحة الموناليزا ، على الدرج المؤدي الى الطابق العلوي . بين المطبخ وغرفة الطعام ، داست برجليها لوحة الطفل الباكي . . لم تسلم الغرف الصغيرة ، ولا الكبيرة كما لم يسلم ولا ينبغي أن يسلم ، اللوح الزجــــاجي المتحرك ، زوجها سمير..........................






*




*

Post: #121
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-25-2010, 10:38 AM
Parent: #120

*


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .



هذا قطف من قصة جمال " حرب سميرة الأهلية " :

(41)

*







شمرت عن ساعديها ذلك الصباح ، وشرعت تكسيرا في الإطارات الزجاجية المعلقة . لم تترك مرايا الردهة ، ولا لوحة الموناليزا ، على الدرج المؤدي الى الطابق العلوي . بين المطبخ وغرفة الطعام ، داست برجليها لوحة الطفل الباكي . .




*

Post: #122
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-25-2010, 02:34 PM
Parent: #121




الشاعر والروائي : جمال محمد إبراهيم .





(42)
" جمال محمد إبراهيم " بعيون أخرى :

عندما قدِم لندن نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية ،
وعرفته الجالية ، كان لها شأن آخر في قدومه ومسلكه .
هنا نص كاتب مُغاير سطر كتاباً في حقه ، هذا نصه :

Quote:


السفير جمال محمد إبراهيم
نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في لندن :
وجه من وجوه الدبلوماسية السودانية..


عصمت العالم عبد الرحمن..

الجميع يذكر المجموعات الأولى التي لفظتها مهابط و صالات المطارات.و المجموعات التي بعثرتهم أفواه الموانئ عام 1990 ..و طوال سنوات تدرج الصدام السياسي..وولادة التجمع الوطني الديمقراطي ..و جبهات المعارضة..و منظومات العمل المعارض..و منظمة حقوق الإنسان السودانية، في حقب تلت الأعوام 1990 إلى 1999. انقطعت فيها الصلة و كل الأواصر بين المواطنين المهجرين اللاجئين و سفارة بلا دهم في المملكة المتحدة.........
و التي هيمنت على مجرياتها شخصيات هلامية المظهر..أمنية الهوية..متحجرة المكونات..مرعبة النظرة و السحنات..مهددة..و متوعدة..و محددة لمسارات كنه العلاقات مع بني وطنها في المهجر.. حسب المعايير الأمنية البحتة..و بنت ستارا حديديا عازلا..وزرعت حقولا من الألغام الناسفة..و أطلقت سحابات الدخان التي غطت كل المساحات و حجبت الرؤية..و جعلت ضباب العزلة يمتد و يستشري ليفوق ضباب عاصمة الضباب ..لندن..و كان الكل وقتها يتوجس خيفة و يخشى الاقتراب..و خاصة بعد تزاحم مواكب الاعتراضات و الاحتجاجات و التذمر و الرفض ضد النظام أمام بوابة السفارة..و صوت الرائع محمد وردي و أغانية الوطنية و هي تختلط بالهتافات و الأيادي تلوح باللافتات..و عرف الجميع من مجمل تصرفات عدة ، أن هذه المؤسسة تزرع الخوف و الإرهاب ..بدلا عن الرعاية و العناية..هذه المؤسسة قد أسقط القائمون على أمرها آنذاك، حق الجميع في أن يكونوا سودانيين و هم بالمهجر....

كان هذا هو المناخ السائد والذي حكم خصوصية العلاقة بين الدبلوماسي المعين من المفهوم السياسي ، و بين نماذج مواطنيه في المهجر...إهمال ..و احتقار..هذا هو نمط سريان هذه الصلة....حتى لاح في الأفق عام 2000 و أشرقت فيه إضاءة جديدة و كانت مذهلة,,عندما اقتحم و بكل شجاعة و رجولة سعادة السفير جمال محمد إبراهيم ، و السيدة حرمة حياة محمد كرار و أفراد اسرته ، و كان قد استلم و قتها مهامه بالسفارة..اقتحم حجب الظلام العازلة في أول رحلة للجالية السودانية على متن الباخرة كوين ماري ..و اندهش الجميع بين مصدق..و مكذب..مستنكر و مستغرب..و توالت هذه الاقتحامات في محيط مدرسة الأسر السودانية..ملتقى كل السودانيين بلندن ، و مكان مجمعهم و دارهم الرحبة العامرة..حيث كانت هنالك مجموعة تزامنت و زاملت سعادة السفير ..منهم د. محمد احمد منصور ..أستاذ محمد احمد حريكة ..أستاذ احمد بدري و آخرون..وهنا بدا غزل نسيج جديد يفرد خيوط امتداد نسيجه على مفهوم تواصل جديد ، مستندا على إرث تربية اجتماعية..... فتح أبوابا أغلقت بين السفارة و مواطنيها في المهجر على مصاريعها..

و تواصل سعادة السفير و السيدة حرمه ، مع كل الناس ، وبدون استثناء في أفراحهم..و أحزانهم..في لحظات بؤسهم..و عذاباتهم..و مرضهم.. و عند أسرة المستشفيات و دور العلاج ..و في صالات المغادرة و الوصول..مواسيا و مواكبا..و مشيعا..سائلا..مشاركا..و مشتركا على نهج جديد..و أسلوب فريد لم يعتده الجميع من قبل..و لم يعرفوه ..و لم يعاملوا به ، وكان حضنا دافئا لكل السودانيين في المملكة المتحدة ....و هذا يرمز لخصوصية تلاقح الدبلوماسي المطبوع ببذرة وجع مواطنيه و إيلاج نهج هذا التواصل و الاهتمام والالتزام و التراحم و التوادد في رحم حميمية العلاقة مع المواطن ا السوداني في أي ظروف كانت و في أي مكان....

لقد أزال سعادة السفير بمبادراته ، حجب الضباب و سحب الدخان..و قوض الستار الحديدي العازل..و غير المفاهيم عن السفارة و رسالة السفارة و أجلى وجه السفارة....
فأصبح شخصية سودانية و دبلوماسية مرموقة..و محبوبة..و مطلوبة.لأدبه الجم..و حلو حديثه و بشاشته و حسن اهتمامه و استقباله و بساطته....استطاع بحنكة الدبلوماسي و معرفته و خبرته و إدراكه و بشجاعته و تصديه و احترامه للجميع ، أن يعيد صياغة مفاهيم رسالة الدبلوماسي تجاه مواطنيه ..و استطاع أن يؤمن لها إرثا و مسلكا و منهجا و دليلا و مرجعية.. و لقد خلق المثال الذي يجب أن يحتذي..لقد حفر بقوة أظافره طريق الوحدة الوطنية و غرز أوليات رايات السلام ، بكل دراية و إدراك ، و بكل عفوية الخاطر و رفيع الدبلو ماسية و قمة الفهم المستنير المتفهم لخصوصية العلاقة بين السودانيين ككل...

وزالت مكونات و تراكمات قطيعة استمرت على مدى 10 سنوات..و لقد قدم سعادة السفير الكثير لمواطنيه ، بجمعهم في كل المحاور,,و ازدهرت الصلة حتى احتفالات السفارة بدا يؤمها أطياف مجموعات السودانيين...

حقيقة الأمر أن منهجية عمل هذا الدبلوماسي الرفيع المستوى ، مدرسة جديدة في تاريخ الدبلوماسية السودانية و التي أعادت إحياء التواصل الاجتماعي و الربا ط و الفهم لنوعية العلاقة بين السودانيين في المهجر و طاقم السفارة..

نحن نذكر كل ذلك لأننا عشنا بين زمنين في العلاقة مع السفارة..زمن احتراب..و احتجاب و احتراق...و زمن تواصل و انفتاح و اتصال و معرفة...الأول كانت سنواته عجافا و يبابا و نارا ..و الثاني زمن اخضرار أ ينعت و أزهرت حقوله و تفتحت وروده...و فاح عبق طيب عبيرها و عطر كل الزوايا و الأركان..و عرفت فيه قيمة الإنسان السوداني كمفهوم مجرد ... انه سوداني مهما كان موقعه و نمط عمله..و هذه إحدى ثمرات ذلك العطاء المتدفق الممتد..و الذي صاغ مكوناته ونفخ فيه الروح ..و أحيا مفاهيمه...ذلك الدبلوماسي المرموق....

كل هذه جهود مقدرة...شاركت فيها حرم سعادة السفير جمال، السيدة حياة محمد كرار..و التي كانت في كل تحركاتها الدءوبة المتصلة سفيرة و دبلوماسية غير معينة..أضفت على كل الأسر و المجتمعات في كل حلها و ترحالها فيض من نفحات عمق الصلات و ترف وهج العلاقة السودانية الحق بكل زخمها و مدها و مدادها، فخلقت و أرست ترسانة من الوشائج و الربط الأسري ..الجماعي..و الاجتماعي ..الجامع و المستدام..

و سنظل نحن و بكل جمعنا مبهورين بهذه اللوحة للدبلوماسية السودانية الرائعة التكوين ، الزاهية الألوان ، الشاملة الكاملة المعالم ، الواضحة الأبعاد ، القائمة على الحقيقة..
و سنظل نحمد لسعادة السفير جمال محمد إبراهيم مبادراته ..و عمله..و إيمانه..و حبه للسودان و للسلام و لكافة السودانيين..

حقيقة ، لقد أدى دوره ، كراع..و مسئول و مباشر لكل مواطنيه في ديار المهجر..بكل تجرد و بكل تفان..و بكل التزام..و إخلاص..و مسئولية...و اجتهاد..و إصرار..و إيمان مطلق...برسالته و بواجبه الوظيفي و الأخلاقي و الاجتماعي...و الوطني


و نحن ..نتمنى له كل الخير..في كل خطوة يخطوها...... هو و أسرته الكريمة.....


لندن..بريطانيا- 17فبراير2004



*

Post: #129
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-30-2010, 04:57 AM
Parent: #122


الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم

(43)

نرجو ان نتتبع معاً الدبلوماسي ، وهو يكتب عن بيروت ولبنان وأزمات السودان في ظل عدم معرفة الآخر له ، والدخول في الأزمة التي كشفت الوجه المعرفي السالب في نظر الاخر للسودان وشعبه ، بخبرته الدبلوماسية وهو السفير السابق بلبنان الذي تم إحالته للتقاعد في أبريل 2009 م ، قبل أكثر من عام .
نورد المقالين تباعاً ، أحدهما عن السفير اللبناني وعبود ، والآخر يتحدث عن فضية السودانيين في الأوزاعي ، لكشف الذين حملوا السودان في قلوبهم ، كما تكشف الثراء المعرفي للسفير جمال محمد إبراهيم :

Quote: ما جرى بين الرئيس عبود والسفير اللبناني في الخرطوم: بدون تعليق ..
عرض: جمال محمد ابراهيم


الاثنين, 21 يونيو 2010 20:11
حكى الكاتب السوداني الكبير عمر جعفر السوري ، عن سفير لبناني إسمه خليل تقي الدين ، كان يوما سفيرا للبنان في الخرطوم ، والتقاه في سنوات السبعينات:

((في ذلك اللقاء الأول( مع السفير تقي الدين) الذي أمتد لساعة ونيف، روى لي ولضيوفه بعض ذكرياته هناك، وسأل عن معارف وأصدقاء. حكى لنا عن استدعاء الفريق إبراهيم عبود رئيس البلاد، له بصورة عاجلة. قال: "تلقيت مكالمة هاتفية ذات صباح من رئيس المراسم بوزارة الخارجية يخطرني بتحديد موعد لي مع الرئيس عبود لأمر عاجل بعيد الظهر، وأن الأمر لا يحتمل انتظار إرسال مذكرة دبلوماسية. لم تكن بين لبنان والسودان أزمة حينئذ، ولم يكن في سماء العرب ما ينذر بشر أو يبشر بخير. تملكتني الحيرة، وقضيت كل ذلك الصباح في ضيق شديد، أقلب الأمر يمنة و يسرى. دار بخلدي أن الحكومة اللبنانية أو الرئيس اللبناني قد بعث برسالة لم أدر عنها، فيها ما فيها. لم أستقر على رأي ولم أصل إلى ما ينير لي الطريق. قررت أن أستعد للأسوأ. ذهبت إلى موعدي مع الرئيس عبود، وهو رجل متواضع وودود وخجول. استقبلني فور وصولي ولكن بفتور ظاهر من غير عداء، ثم دلف إلى الأمر الخطير الذي جعله يستعجل المقابلة.
استطرد السفير تقي الدين في روايته ومضى إلى القول : "تمخّض الجبل فولد فأرا. لقد كان في خدمتي طباخ سوداني ماهر ولكنه طاعن في السن، فصار ينسى بعض الأشياء ويتجاهل في بعض الأحيان أوامري وطلباتي عن قصد أو غير قصد، مما دفعني في يوم من الأيام إلى تقريعه بحدة متناسياً فارق السن ولطف الرجل، أتبعت التقريع بحسمٍ في المرتب، ولم اكتف بالتوبيخ بل وجهت إليه إنذاراً بالفصل إن عاد إلى ذلك. لم أحسب قط انه سيذهب إلى رأس الدولة يشكوني إليه، وأن الرئيس سيأخذ المسألة على محمل الجدّ إلى درجة تدفعه لأن يقوم شخصياً باستدعاء السفير. قال لي الرئيس إن الرزق على الله ولكن كرامة كل سوداني تعنيه هو بالذات، ولا يتسامح فيها أبدا، ولذلك أراد أن يبلغني هذه الرسالة ولفت نظري إلى هذا الموضوع، وأنه سيكتفي باعتذار للطباخ عما بدر مني، وأن اصرفه عن الخدمة مكرماً معززاً، إن لم أشأ بقاءه في عمله. اعتذرت للرئيس أولا عن ثورتي على الرجل، ثم رويت له بعض أفعاله التي أنستني وقاري. ووعدته إنني سأعتذر له فور عودتي إلى السفارة، وانه سيبقى على رأس عمله. وهذا ما جرى. لم يكن ذلك الطباخ من أقرباء الرئيس، كما لم يكن من قبيلته أو منطقته. هزّني ذلك الموقف الإنساني والسياسي والدبلوماسي والاجتماعي وما شئتم من الوصف، حتى يومنا هذا." تلك رواية خليل تقي الدين، فأين كرامة السودانيين اليوم من ذلك الموقف، في ذلك الزمان؟!))
أسوق اعتذاري لصديقي عمر جعفر السوري لاجتزائي قسما من رسالة بعث بها إليّ قبل نحو عام ..


Post: #123
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-25-2010, 10:14 PM
Parent: #121

" جمال محمد إبراهيم "

Post: #124
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-26-2010, 09:06 AM
Parent: #123

ونواصل

Post: #126
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-28-2010, 05:25 AM
Parent: #124

Quote: كان هذا هو المناخ السائد والذي حكم خصوصية العلاقة بين الدبلوماسي المعين من المفهوم السياسي ، و بين نماذج مواطنيه في المهجر...إهمال ..و احتقار..هذا هو نمط سريان هذه الصلة....حتى لاح في الأفق عام 2000 و أشرقت فيه إضاءة جديدة و كانت مذهلة,,عندما اقتحم و بكل شجاعة و رجولة سعادة السفير جمال محمد إبراهيم ، و السيدة حرمة حياة محمد كرار و أفراد اسرته ، و كان قد استلم و قتها مهامه بالسفارة..اقتحم حجب الظلام العازلة في أول رحلة للجالية السودانية على متن الباخرة كوين ماري ..و اندهش الجميع بين مصدق..و مكذب..مستنكر و مستغرب..و توالت هذه الاقتحامات في محيط مدرسة الأسر السودانية..ملتقى كل السودانيين بلندن ، و مكان مجمعهم و دارهم الرحبة العامرة..حيث كانت هنالك مجموعة تزامنت و زاملت سعادة السفير ..منهم د. محمد احمد منصور ..أستاذ محمد احمد حريكة ..أستاذ احمد بدري و آخرون..وهنا بدا غزل نسيج جديد يفرد خيوط امتداد نسيجه على مفهوم تواصل جديد ، مستندا على إرث تربية اجتماعية..... فتح أبوابا أغلقت بين السفارة و مواطنيها في المهجر على مصاريعها


هكذا تحدث الأستاذ عصمت العالم عن جانب من جوانب شخصية الشاعر والكاتب " جمال محمد إبراهيم "

Post: #127
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-30-2010, 06:56 AM
Parent: #126

ونواصل

Post: #128
Title: Re:
Author: جورج بنيوتي
Date: 03-30-2010, 11:45 AM
Parent: #127


الصديق عبد الله...

هذا جزء ممانحتاجه...

ألاقيك - بعد الإستقرار - ( عدت إلى خرطوم الفيل وذيل الأرنب! ) حول التلاشي ونقاطه..

قرأتها بنهم المحب لقبلة...

تحاياعبر هذا وفوق ذاك.

لك ودي.

Post: #130
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-30-2010, 05:47 AM
Parent: #128





الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم



(44)

مقال سعادة السفير " جمال محمد إبراهيم " يتناول فيه إدانة مؤسسة على خبرة وتراث معرفي ، حول نموذج مسلك منسوبي الأمن اللبناني ضد الجالية السودانية في حفل " الأوزاعي " في بيروت ، وهي ظاهرة تكررت بصور أو أخرى من منسوبي دول يربطها بالسودان الكثير من المشتركات اللغوية والثقافية لفئة غالبة من شعوب السودان ، في وقت لم يستدرك الكثيرون ميّزة التنوع الثقافي والإثني الموجود في كل الدول التي تتشارك فيها الثقافة العربية والثقافة الأفريقية جميع أهلها ، وأزمة هذا الفهم القاصر :
أدناه نص المقال :
Quote:

السُّودانُ: هلْ يَكوْنَ وَطناً للنُجُوْمِ ؟ وَهَلْ يَقبل بِنَا إيليا أبومَاضي؟ ....
بقلم: جمال محمد ابراهيم


الاثنين, 28 يونيو 2010 20:29


أقرب إلى القلب:


( 1 )

تناولت الناقدة السعودية لطيفة الشعلان، في مقال نشرعلى مدى يومي 13و14 يونيو/حزيران 2010 في صحيفة الحياة اللندنية ، تحت عنوان :" لطيفة الشعلان تعود إلى قضية أدبية قديمة متجددة: أي حبّ جمع بين فدوى طوقان وأنور المعداوي؟ "، موضوع الرسائل المتبادلة بين الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان والناقد المصري أنور المعداوي . وقد ركزت الناقدة السعودية على ما ورد في الرسائل التي نشرها الناقد المصري الراحل رجاء النقاش، من حميمية بين الأديبين. ولقد رأت في شخص النقاش ذلك السادن الأبيد لرسائل الحب المتبادلة بين أهل الإبداع. وأوردت الناقدة السعودية كيف أن ناقداً من الأردن هو الأستاذ عيسى الناعوري شكّك في ما استخلصه النقاش من كون أنور وفدوى، عاشا قصة حب حقيقية ، بل وملتهبة ، وإن لم يلتقيا وجهاً لوجه ، أو جسداً لجسد ، هذا إن كنا نتحدث عن حب كامل الهوية والتعريف. وليس غريباً أن يختلف الناس حول رسائل الأدباء ، سواءاً تلك التي التهبت فيها لواعج المحبة، أو الأخرى التي خلت من مشاعر الودّ واقتصرت على التفاكر والمناصحة حول موضوعات الأدب، فقد ظلت تشكل معيناً للنقاد على فهم خلفيات الإبداع وتكشف خباياه ، ودقيق المشاعر التي قد تقع بين أديبين . الأديب الأردني رأى في تفسير رجاء النقاش، غلواً لا يجد له أثراً في الرسائل، فيما يورد النقاش رسالة معينة هي الرسالة الثالثة عشرة، وأبرزها دليلا ساطعاً لمحبة ملتهبة بين أنور والشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان.

( 2 )

على أني ما قصدت أن آخذك عزيزي القاريء في سياحة مع رجاء أو مع الناقدة السعودية، وما دار حول حقيقة العلاقة بين أنور المعداوي والشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان . كلا . لقد استوقفني في حقيقة الأمر ما جاء من الناقدة السعودية عن رسائل أخرى بين أديبين، غير أنور وفدوى . إذ أشارت الناقدة الفضلى إشارة عابرة إلى رسائل الشاعر السوداني الراحل محمد المهدي المجذوب إلى الشاعرة العراقية ديزي الأمير، التي كانت مقيمة في بيروت، وصادف أن التقاها المجذوب في ستينات القرن الماضي هناك ، وتبادلا رسائل أشارت الراحلة ديزي الأمير أنها استودعتها رجاء النقاش، بل واستفسرته استعطافاً قبيل رحيلها، أن يطلق الرسائل من إسارها ويعمل على نشرها . رحلت ديزي ورحل النقاش وقبلهما المجذوب ولكن لا أحد يعرف مصير تلك الرسائل حتى الآن. ذلك موضوع أنجزتُ مقالاً حوله في صحيفة "الأحداث" الخرطومية، بتاريخ 11 سبتمبر 2009. والذي أثار حفيظتي هو جنوح الناقدة السعودية لإصدار حكمٍ قيميٍ لا حيثيات له ولا مبررات، إذ ذكرت أنه لو كان لهذه الرسائل التي تبادلها الشاعر المجذوب مع الشاعرة العراقية ديزي الأمير، من قيمة أدبية تذكر، لما تردد رجاء النقاش في نشرها. كتبت الناقدة الشعلان بأن رجاء النقاش أهمل رسائل المجذوب الى ديزي، وكتبت بالحرف الأوضح : ((لأنه ببساطة لم يجد في تلك الرسائل القيمة الأدبية والجمالية والتاريخية التي وجدها في رسائل أنور وإلا لنشرها من دون تردد.)) بعث إلي صديقي الكاتب الأديب عمر جعفر السوري من مقامه في كندا، مرفقاً الكترونياً حوى ما كتبته الناقدة السعودية ، وكان حانقاً على الطريقة التي عبّرت بها عن رأيها . كتب إليّ عمر : ((مؤسف هذا الاستنتاج الذي لا يسنده برهان ولا يعضده دليل. هذه هي - للأسف الشديد - نظرة الانتلجنسيا العربية إلى المبدعين السودانيين. فهم يستغربون - في كثير من الأحايين - كيف بزغ نجم الطيب صالح، وكيف سطعت أنوار الفيتوري؛ ولا يعرفون غيرهما...)) ومن لا يملك إلا أن يوافق صديقي عمر فيما كتب . .؟

( 3 )

ثم ما علاقة كل ذلك بما وقع للسودانيين في بيروت هذه الأيام . . ؟

وقفت ملياً في الذي جائني من الصديق عمر جعفر، وأنا أتابع أخبار الأزمة السياسية "غير الرسمية" التي نشبت بين السودان ولبنان، إثر استعمال بعض عناصر الأمن العام اللبناني عنفاً جسدياً ولفظياً تجاوز سقف المعقول، وهم ممن لا يُعرف عنهم سعة أفقٍ أو أقل إدراكٍ بأحوال السودان ، هذا القطر العربي الأفريقي الأكبر، كون بنوه يتحدثون اللغة العربية، لسان أمٍ لا لغة ثانية، عدا الأقليات في جنوبه أو في غربه ، فكأن "الاستعراب" عند ابناء الشام أو مصر، هو محض عرق ولون بشرة . وإني أقول هنا :"بعض عناصر الأمن العام"، ولا ألقي تعميماً على العواهن، لمعرفتي اللصيقة نسبياً بأوضاع لبنان، وكيف يجري تجنيد مثل هؤلاء الشُرَطيين الذين أشكّ أن مناهج الجغرافيا أو التاريخ في مدارس الأساس أو التعليم الثانوي الذي جاءوا منه، تضمنت ذلك اليسير عن الوطن العربي : من فيه، ما ثقافاتهم، وأين أماكن إقامتهم وعاداتهم وتقاليدهم . فيما احتوت مناهجنا في السودان منذ بدايات القرن العشرين، نماذج من الأدب العربي - نحن الذين تلقينا تعليمنا الأوسط في ستينات القرن الماضي- نحفظ من شعر الشام ووادي النيل، ما ناءت بحمله ذاكراتنا ونحن في سنوات التعليم الأولى تلك، فإنك لا تجد لشعر شعراء السودان أثراً في مناهج الأدب العربي في مدارس الشام، إلا بعض استثناء لا يُرى. وليس أقرباء الوادي بأحسن حالا . الشام ومصر سمتهما الناقدة السعودية "مجتمعات بلاد المركز". ذهلت للذي حدثني به صديقي جعفر أنه قرأ احتجاجا قبل سنوات على إدراج قصيدة في المناهج المصرية، وطالب مصري جاهل بأن تحذف تلك "القصيدة الركيكة" – حسب زعمه المريض- من المنهج، والقصيدة التي عناها هي رائعة التجاني يوسف بشير "في محراب النيل". براءة السودانيين قادتهم لايداع مخطوطة ديوان التجاني يوسف بشير لدى أدباء وشعراء كبار في القاهرة لأغراض النشر، فاستخزنوه وضنّوا باخراجه سنين عددا ، ولا تفسير لهذا المسلك إلا الغيرة الأدبية عند هؤلاء، ولا أقول السرقة، والتي أراها الدافع الأقرب للمنطق . النقاد الكبار في سنوات القرن العشرين يشهدون للشعر السوداني بجزالة فاقت الكثير مما في شعر الشوام في تلكم السنوات. نحن الذين موسقنا شعر المهجر فاخرجناه غناءاً عربياً ولحناً باهراً ، مثلما فعل الراحل الفنان أحمد المصطفى في "وطن النجوم"، أو "السوسن البرّاق"، وهما من جميل شعر الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، لا نملك إلا أن نعجب الآن إذ نسمع من رواة الأزمة المحزنة الناشبة، أن بعض عناصر الأمن اللبناني كانوا يستعجبون ويستهجنون نطق السودانيين باللغة العربية المحكية ، ظناً من بعضهم أن اللغة العربية عند السودانيين، هي لغة ثانية. وإن شئت أن أحكي لك عن تجربة شخصية، فإني سمعت بأذنيّ، وأنا سفير هناك قبل نحو عامين، أحدّث بعضاً ممن أعرف ، فتتهامس الألسن اللبنانية متساءلة من حولي : أيتحدثون العربية مثلنا ! ؟

ذلك نقصان يُلام عليه النظامين التعليميين في لبنان وفي السودان، أو أكثر من ذلك هو تشويه تاريخي لصورة السودان استوطن مخيلة الشوّام خاصة . كيف يظلّ نفر، قلّ عددهم أم كثر، في الوطن العربي، الذي ظللنا ننتمي إلى جامعته العربية، عامهين في مثل هذا الجهل المطبق، فلا نحن وثّقنا علاقاتنا الثقافية والتعليمية مع لبنان، ولا لبنان قوّمت مناهجها التعليمية في مراحل أساسها لتلقين صبية مدارسها، أن السودان بلد ينتمي تاريخياً للوطن العربي، متجذراً في افريقيا، وأنه عضو في الجامعة العربية منذ 1956، وأن السودانيين يتحدثون العربية ، على الأقل في أكثر من ثلثي رقعته الجغرافية. الذي أعرفه أن اللغة الأجنبية- لا العربية - في كثير من البيوت اللبنانية، هي لغة التخاطب بين أعضاء الأسرة الواحدة . بعض الأسر اللبنانية وإن كانت قليلة بالطبع، ترى التحدث باللغة العربية المحكية، مجاملة لمخاطبيهم ممن يعدّونهم أقلّ درجة في التراتبية الاجتماعية. لن أظلم الأغلبية، ولا المتعلمين والمثقفين، ممن توسّعت تجاريبهم الحياتية ، عبر السفر أوالاحتكاك بثقافات أجنبية أخرى، أو عبر المتاح من الفرص التعليمية العالية، فهم النفر الغالب وسواهم الإستثناء المستهجن. لا ينتقص ذلك بالطبع من توجه النخب اللبنانية والتزامها بالثقافة العربية، ولا نشكك في مكانة لبنان أوعاصمتها بيروت، عاصمة الكتاب في العالم لعام 2009، والتي ظلت وستظل مركز إشعاع لا تنكره عين. لكن صديقي عمر يتلمس نظراً سالباً، يحمله على الأسى عند بعض هذه النخب المثقفة، كونهم يستعجبون كيف بزغ نجمٌ في سماء الرواية العربية مثل الراحل الطيب صالح من السودان ! أو الفيتوري في الشعر . "وطن النجوم" الذي غنى له إيليا أبو ماضي هو لبنان فحسب، لا يرون للسودان ولا لغيره، فرصة لأن يكون وطناً للنجوم، يا هذا !

( 4 )

ماذا لو عقدنا مقارنة ، غير كاملة التأهيل، بين تلك الرؤية التي استكثرت على شاعرنا المجذوب جمالية رسائله إلى الشاعرة العراقية ديزي الأمير، وذلك السلوك القبيح الذي عالجت به بعض عناصر الأمن العام اللبناني، أمراً يخص السودانيين من أبناء الجالية السودانية في بيروت، حين تداعوا لنصرة صبي يعاني مرض السرطان، في حفل اقاموه قبيل أيام قليلة في وسط بيروت ؟ ألا ترى عزيزي القاريء أن الجهل في الحالتين جهل مستهجن وقبيح ..؟ ما تجرأتْ عليه عناصر الأمن فعل منكر، وما جاء من الناقدة السعودية، قول منكر بلا شك . ما الذي يدفع البعض في الوطن العربي- وهو وطن كله مستعرب متعدد الأعراق ولكنه منتمٍ لثقافة عربية ولسان عربي واحد- إلى النظر لكل ما يجيء من السودان وكأنه غريب وهامشي ؟ هل لو أنكرنا - من هنا - على اللبنانيين عروبتهم، وجلّهم ممن خالطت جيناتهم أعراقاً فينيقية وأجناساً غير عربية من تركيا وأرمينيا وغيرها، هل يقبلون نكراً كهذا ؟

أما الناقدة السعودية والتي لم تطلع على رسائل المجذوب وهي لم تنشر أصلاً، فقد سقطت في فخ الاستخفاف بالسودان وأدب السودان، بلا حيثيات وبلا مبررات . ما عسَرَ عليها أن تدّعي أن أدب الرسائل هو شأن "مجتمعات عرب المركز"، كما جرى توصيفهم بقلمها في مقالها آنف الذكر، ولا حظ لمن في "مجتمعات بلاد الهوامش" أن يكتب رسائل أدبية ذات قيمة وجمالية ! سقطة الناقدة السعودية تماثل سقطة الأمن العام اللبناني، والذي تركته الدولة اللبنانية الرسمية وحيدا يواجه غضبة الشارع السوداني. الحذاء الذي داس على كرامة السوداني في "الأوزاعي"، هو ذات الحذاء. ولكن وراء من ستحتمي الناقدة الظالمة..؟

لن أجد عذراً لقبح الفعل ولا لقبح القول، في كلا الحالتين. يحقّ لنا أن نرى ظلما بيّناً يجب إدانته، ولعلي لا أملك إلا أن أصفه بأنه فعل ينمّ عن دوافع ظلم عنصري لا يقبل به أحد . عن عناصر الأمن وخبال فعلهم ، أعجبني ما جاء من الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط ، إذ يذكّر أبناء جلدته، أن الفعل الذي جاء من بعض عناصر الأمن العام، فعل مخجل ، خاصة في بلد ظل يتبجّح بأنه صاغ وثيقة ميثاق حقوق الإنسان، والتي توافق عليها العالم بعد سنوات ثلاث من انتهاء الحرب العالمية الثانية ! ما أصدق جنبلاط، إذ المهمة الكبيرة التي انبرى لها مندوب لبنان شارل مالك في عام 1948في اللجنة التي رأستها مدام روزفلت ، هي التي انتهت باجازة هذا الميثاق الذي أعاد للإنسانية اعتبارها لذاتها . وقد أبلى شارل مالك بلاءاً عظيما في الصياغة الانجليزية والعربية - ومعه اللبناني الآخر أمين نخلة- ولمن لا يعرف فإن شارل مالك، هوالذي تولى منصب وزير خارجية لبنان، في أواخر سنوات الخمسينات، كما هو ذلك المفكر والفيلسوف الذي علّم الفلسفة في الجامعة الأمريكية، ودرس على يديه نفر من السودانيين تلكم السنوات. شارل مالك الذي نحكي عنه، هو من أصدقاء وزير خارجية السودان في خمسينات القرن الماضي ، الأستاذ الراحل محمد أحمد محجوب.

كان لافتاً صدور بيانٍ عن قيادة حزب الله يستنكر "ما ارتكبه بعض عناصر الأمن العام من ممارسات بحق مواطنين سودانيين وأفارقة يعملون في لبنان خلال تجمعهم قبل أيام في منطقة الأوزاعي، وأبدى تضامنه معهم في محنتهم التي سببتها هذه الممارسات العنصرية"،

ثم تصريحات إدانة صريحة لما وقع من اعتداء على السودانيين في "الأوزاعي" من شخصيات سياسية نافذة في لبنان، من أنهم لا يقبلون المساس بسمعة السودانيين وكرامتهم ، وطالب البيان بالتحقيق وبمحاسبة الذين شاركوا في إلحاق الأذى بالجالية السودانية في لبنان، وهي من أعرق الجاليات وأرسخها مكانة. العقلاء في لبنان كثر وينبغي أن لا يغفل السودانيون الغاضبون عن سماع صوتهم، أو يأخذهم الانفعال ويأخذنا إلى أبعد من رفع صوتنا بالاحتجاج، دون الحاق الأذى بمن لا جريرة لهم في الأمر الذي وقع، ويتحمل مسئوليته سفهاءُ قومٍ غير مدركين أبعاد فعلهم المخزي . علينا أن نحثّ المسئولين الكبار والعقلاء هنا وهناك، أن يكون لغضب الشارع السوداني تفهّم واعتبار، وأن يرتقي الإخوة في لبنان برفع الاعتذار الواجب بعد التحقق في الذي جرى، كما على القيادة عندنا أن تولي كرامة المواطن السوداني، عناية ونظراً واهتماما ..

( 5 )
في عام 1956 والعدوان الثلاثي يستهدف مصر الصامدة وقتذاك ، وقف محجوب وزير خارجية السودان، متحدثاً بإسم الوفود العربية في الأمم المتحدة، وقد اختاره الوزراء العرب لهذه المهمة باجماعٍ مميز ولافت. أعجب إذ أسمع شائعة، لا سند لها فيما توفر لي من معلومات، أن دولة لبنان قد احتجت على انضمام السودان لجامعة الدول العربية، لكأن أصغر دولة في الجامعة تملك "فيتو" على مثل هذا الانضمام ، وكأنا لا نستذكر أن للسودان أقوى وزير خارجية ، حجة ومكانة وهيبة، في ذلك الزمان، وهو محمد أحمد محجوب، وما أدراك من المحجوب! من كان يملك احتجاجاً على تولي ذلك الوزير المهيب قيادة الوفود العربية في الأمم المتحدة في 1956، أو في عام 1967، بعد هزيمة يونيو المهينة التي ذاقت مرارتها، قبل الآخرين، "مجتمعات بلاد المركز"، لو استعرنا تعبير الناقدة السعودية . . ؟ أعجب، بل آسى أن لا أسمع صوتا لبنانياً يردّ على هذه "الشائعة الفولكلورية" ، وكأن الأمر لا يعنيهم ، أو هم على راحة من سماع مثلها! الخشية ان تكون صورة السودان في المخيلة العربية هي إلى اهتزاز ، والخشية الأكبر في أن يكون لمثل هذا الاهتزاز تداعياته على مصائر السودان في الأشهر القادمة. عروس البحر التي سينبتر نصفها السمكي ، لن تستطيع الطيران بنصفها العلوي في الفضاء ، كما لن تتمكن من السباحة في البحر !

وإني لأودّ أن استميح روح الشاعر اللبناني الراحل إيليا أبوماضي عذراً ، لأعدّل في قصيدته التي تغنّى بها المغنّي الرّاحل أحمد المصطفى : "وطن النجوم". إني أرى ايليا يهبّ معتذراً ويعدل أبيات قصيدته لوطننا السودان ، مهابة وكرامة وعزّا :

وَطن النجــومِ أنا هُنا .. حـــدّق أتــذكر مَــن أنا؟

. . . . . . .

للــه سرّ فيــــك ، يــــا .. "سودان" ، لم يعلــن لــنا

خلق النجوم و خاف أن .. تغوي العقــول و تفتــنا

فأعــار "نخلك" مجــده .. و جــلالــه كي نؤمــنا

زعموا سلوتك..ليتــهـم .. نسبوا إلــيّ الـمـمكــنا

فالمرء قد ينسى المُسيءَ .. المُفتـري ، و المُحســـنا

والخَمـرَ و الحســناء َ، .. والوَتــرَ المُرنّحَ ، و الغـِـنا

وَمرَارة الفقــرِ المُـذلّ .. بــَل ، وَ لــذّات الغِنـــى

لكنّــــهُ مهمَــا سَــلا .. هيهَــاتَ ينسَــى المَـوْطِــنا



الخرطوم – 26 يونيو 2010




ألأكرم :سعادة السفير جمال

بهذا أنت حقيق أن تصعد قمة تمثيل بلدِك في بيروت
في زمن " الهرج " الكبير ، فكنت في كل مرة أنضر قلمك مما كنا
نحسب أنا نعرف .
لك الشكر الجزيل
أحييت قامة الوطن بمضاء نثيرك ، وتعديل الشِعر
مجدول من مشاعر وطن استوطن قلب كاتبه .
وتقبل محبتنا




Post: #131
Title: Re:
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 06-30-2010, 11:01 AM
Parent: #130

Quote: قبلَ انْبثاقِ الشّمْس ِ، في غَسَقِ الكَلام ْ،
وَقبْلَ أنْ يتعشّق الوَرْدُ النّـدَى ..
قبلَ انْطِلاقِ الرّملِ ، بَعدَ تدَاولِ التُفّاحِ ،
قافيةً تُسَرْبِل نفسَهَا في شَهقةِ البُستانِ في الجسَدِ الرّخام ْ
ثمّ تُحيلُ أحمَرَها خُدوداً للغواني السّاحِراتْ ..
الفارسيّاتِ الجميلاتِ . .
اللوَاتي كَيْدُهُنّ غوايةُ الشُّعرَاءْ
واسْتِهلالُ عَهْدِ العِشقِ في زمَنٍ بكَى في ليْلِهِ الفُقراء . .
قُمْ يَا حافِظَ الشِّعراءِ في شِيْرَاز
هاهُنّ احتمَيْنَ بِسوْرِ قبرِكَ ، يستثِرنَ الوَجْدَ
أنْ يَصْحو ليُطْرِبَ قلبُكَ العَذْراءْ
هيّا قُلْ لنَا :
لَوْ أنّ رَتلَ الفارسياتِ الجميلاتِ احْترَقنَ صَبَابةً
وذرَفنَ دمْعَاً جارِفاً بمزَارِك القُدُسيّ
هل تغفِر لَـهُنْ ؟
لَوْ أنّ تفاحاً ترَمّل حَسْرَة بِخُدودِهُـنْ
فهَلْ ترىَ بُستانَ وَرْدِكَ حاضِراً ، فيكونَ عِيدُكَ عِيدَهُـنْ ؟
يبكيْنَ حوْلكَ . .
كيْفَ قلبُكَ لا يليْن وأنتَ شيْخُ العاشِقينَ وَشيْخُهُـنْ ؟


مثل هذا الخيط يجوز فيه أن
تطوف حاسر الرأس ما أستطعت
ثم تنقلب إلى أهلك مسرورا

Post: #132
Title: Re:
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-30-2010, 12:11 PM
Parent: #131




الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم


(45)

نعم أخي الأكرم : محمد عبد الجليل
كتب هذه القصيدة ن بعد أن أخطرته وزارة الخارجية في الخرطوم انه قد بلغ الستين ،
وعليه أن ينهي عمله خلال (21) يوماً ، تنقضي فيه كافة المراسم في توديع وزير الخارجية ورئاسة الوزراء
والفعاليات المتنوعة في الدولة والمعارضة بتقسيماتها المعقدة ز استدعى القائم بالأعمال من السودان لتسلم مهام القائم بالأعمال لحين تعيين السفير الجديد . منحه رئيس الجمهورية اللبناني وسام الأرز برتبة ضابط عظيم .
وغادر وكانت قصيدته هذه وخزة وداع .




كُلُّ غِناءٍ سِوَى شدْوِ قلْبي غٌثاءْ . .

شعر : جمال محمد ابراهيم

***

لأنِي رأيتُ زُمُردةً فِيْ المَسَاءْ
توهّج قنديلُ عُمْري وسَافرَ مُلتمِعاً فِيْ السّماءْ. .
مُضيئا كمَا وَجْنتيك ِ. .
وَمِثلَ الشّهابِ يَجيءُ سِراراً ودوْنَ احْتفاءْ
فَلا تَسْألي كَيفَ كُنتُ وَلا كَيْفَ صارَ النّواحُ غِناءْ
وَلا كيفَ صارَ النّدَى غَيْمَتيْنِ ِ
فعمّدَ حُزنِي وفيضَ أسَاكِ ، برَشّةِ ماءْ
مِنَ السُهدِ أحْرَمتُ ثُمّ انتويتُ الرّحيلَ
فأينَ القوافلُ ، أينَ الرواحلُ ، أينَ الحُداءْ ؟
لِعينيكِ أسْرَجتُ خَيْلي قُبيلَ الصّباحِ
وقبل احْتشادِ الندَى فِي المسَاءْ
وَناداكِ مِن قَبْوِ أيامِهِ المُستبداتِ شَاعِرُكِ المُسْتكينُ
فهَلْ فارَقَ البَرْقُ رَعْدَ النِداءْ ؟
بَرَى القلبَ شَوْقُ إليكِ. .
سِوَى أنّهُ - قبْلَ فيضِكِ أنتِ - بَرَاهُ الشتاءْ
وقبلَ اشتعالكِ أنتِ وَقبلَ انطفاءِ الأسَى
قدْ غشَاهُ انْطفاءْ . .
وأنك أيقونةٌ لِلكلامِ المُزوّقِ ،
أجنحةً من عبيرٍ ، وَعُصْفورةٌ فِي الفضَاءْ
لقلبي مزاميرُهُ فاسْمَعِيني
فكُلُّ غِناءٍ سِوَى شدْوِ قلبي غُثاءْ . .


بيروت : أبريل/نيسان 2009

Post: #133
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: أحمد التجاني ماهل
Date: 06-30-2010, 12:23 PM
Parent: #99

صديقي الرائع: عبد الله الشقليني
لك التحية والتقدير على هذا التمدد الثقافي البديع وأنت تجعلنا نغوص في عالم الروائي والشاعر جمال إبراهيم. حيث أننا تكايفنا مع هذا البوست الجميل وشاعره المبدع. ونحن في شوق لمعرفة المزيد من هذا التتطواف عن هذه القامة.
أحمد التجاني

Post: #134
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-30-2010, 08:11 PM
Parent: #133

Quote: صديقي الرائع: عبد الله الشقليني
لك التحية والتقدير على هذا التمدد الثقافي البديع وأنت تجعلنا نغوص في عالم الروائي والشاعر جمال إبراهيم.
حيث أننا تكايفنا مع هذا البوست الجميل وشاعره المبدع. ونحن في شوق لمعرفة المزيد من هذا التتطواف عن هذه القامة.
أحمد التجاني



الأكرم : الصديق الأستاذ / أحمد التجاني
تحية طيبة لك ،
عندما زارنا أيام الانتخابات كنا نطمع في زيارته القصيرة
أن يحدثنا عن تجربتيه الشعرية والروائية ،
ولكن انكباب الجميع في المنتدى على تتبع الانتخابات
قد شغلت الجميع عن السانحة التي يسرتها تلك المصادفة

ونأمل في تكرارها

شكراً جزيلاً لك

*

Post: #135
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-02-2010, 06:53 AM
Parent: #134

ونواصل

Post: #136
Title: Re: الشاعر والروائي الدبلوماسي : جمال محمد إبراهيم .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-26-2010, 07:38 AM
Parent: #135

لم يزل سعادة السفير " معاش " يكتب المقالات المنثورة في سودانايل والأحداث
بصورة راتبة ، وقد تناول الكثير من القضايا والفكرية والثقافية والتاريخية ،
في ظل أزمة الوطن الذي يوشك أن يتفكك ...