زفرات حرى
الطيب مصطفي
عجائب!!
لا آدري كيف يجوز لحزب سياسي يعلم تماما ان هناك دستوراً انتقالياً واتفاقية مبرمة
وملزمة للجميع تمنح أبناء الجنوب الحق في ان يقرروا مصيرهم ويختاروا بين التوحد
مع الشمال او الانفصال.. كيف يجوز له ان يطرح مبادرة مستحيلة بل ومجنونة يطالب
فيها بأن يكون رئيس الجمهورية القادم جنوبياً؟! المؤتمر الشعبي قدم مبادرة
طالب خلالها الرئىس البشير بالتنازل لجنوبي ليحل محله وكأن تغيير رئيس الجمهورية
أسهل وأيسر من تغيير الملابس او كأن كل الحديث عن التحول الديمقراطي "لعب عيال"!...
الغريب في الأمر ان طرح المؤتمر الشعبي لهذه المبادرة يأتي في وقت يكاد فيه
المراقبون يجمعون على ترجيح خيار الإنفصال بل ان قيادات الحركة الشعبية التي تتبنى
الوحدة يقرون بأن معظم الجنوبيين مع خيار الإنفصال فها هو باقان اموم الأمين
العام للحركة الشعبية واكبر اولاد قرنق يعترف قبل عدة ايام بأن اكثر من 90٪ من
الجنوبيين يؤيدون الانفصال وكذلك الحال بالنسبة لدينق الور وياسر عرمان اللذين
قدما في وقت سابق نفس الاعتراف وبنفس النسبة المئوية التي تحدث عنها باقان بل
ان المبعوث الامريكي روجر ونترز يقر بذات الحقيقة بالرغم من تصريحه بأن امريكا
ستسعى لتحقيق الوحدة. لا ادري، إن صدقنا حقيقة ان تلك المبادرة كانت جادة ولم
تكن علي سبيل المناورة والمشاكسة والمكايدة السياسية، هل فكر الحزب في كيفية
التعامل مع الرئيس الجنوبي المزعوم لو تمخض عن الاستفتاء انفصال الجنوب الذي لا
يعني بأي حال الفصل الجغرافي "الارضي"
وانما يشمل كذلك الفصل الشعبي بمعنى ان الجنوبيين الذين سيشملهم الاستفتاء هم
المعنيون بالانفصال وبالتالي نزوح المقيمين منهم في الشمال الى الجنوب اذا
اختارت الاغلبية الانفصال؟! هل يا ترى سيُمنح الرئيس الجنوبي الجنسية
الشمالية ام ان الشمال سيحكمه شخص من دولة مجاورة بكل ما يمثله ذلك من اخطار
أمنية على الشمال وهل يجوز حسب الدستور في أية دولة في العالم ان يترشح احد
لمنصب الرئيس بدون ان يشترط تمتعه بجنسية تلك الدولة؟! أعجب ان يصدر مثل هذا
الكلام من حزب يضج بالكفاءات السياسية المثقفة ويقوده أحد أكبر دهاة القانون
والسياسة في السودان!
ان ما اثار اعتراض معظم الناس في اقتراح المؤتمر الشعبي انه لم يصدر إلا علي سبيل
المكايدة ذلك إن المؤتمر الشعبي كان ينبغي ان يقدم المثل والقدوة قبل ان يقدم
علي اقتراح كهذا يقدح بالقطع في مصداقيته ولا ادري ايهما اسهل دستوريا
وسياسياً ان يقوم المؤتمر الشعبي باختيار موسي المك كور او عبدالله دينق
نيال - وكلاهما من أصحاب الفضل والسبق والخلق الرفيع - لرئاسة أو أمانة الحزب
ام ان يتنازل الرئيس لجنوبي او لأى شخص اخر بالرغم مما في ذلك من مجافاة
للنهج الديمقراطي الذي تم تبنيه في الدستور الانتقالي والذي كان اهم
اسباب الانشقاق بين حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي؟! لعل مما أدهشني بحق
ان اقتراح الشعبي لم يجد استحساناً وإنما تهكماً حتى من النخب الجنوبية فقد
استنكرت صحيفة الخرطوم مونيتور مثلا الفكرة وكانت أفتتاحيتها بتاريخ 11/2 تحمل
عنوان "آلاعيب الترابي" حيث
صبت جام غضبها علي الفكرة واعتبرتها لا تتسق مع الديمقراطية بل نعتتها تارة
"بالميكاڤيلية الاسلامية الحقيقية"
واخرى بأنها لمجرد الاستهلاك الشعبي واختتمت بقولها "هذه
فرصة للترابي للتقاعد عن آلاعيبه السياسية لانها كُشفت منذ زمن بعيد من قبل
جماهير الشعب السوداني".
وكتب نيال بول رئيس تحرير صحيفة ستيزن مقالاً يصب في ذات الإتجاه غير انه كان
محتشدا بالعبارات العنصرية المعهودة فيه!
المصدر : الانتباهة