في السعي نحو أسئلة مغايرة / في أخطاء الطبيعة .. في ضراوتها

في السعي نحو أسئلة مغايرة / في أخطاء الطبيعة .. في ضراوتها


02-03-2007, 10:50 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=3&msg=1170496205&rn=0


Post: #1
Title: في السعي نحو أسئلة مغايرة / في أخطاء الطبيعة .. في ضراوتها
Author: عادل عبدالرحمن
Date: 02-03-2007, 10:50 AM

في السعيِ نحو أسئلةٍ مغايرة /
في أخطاء الطبيعةِ .. في ضراوتها : "إلتباس الجندر" و"ظاهرة السيام" – مثلا ً


كانت الحيْرة / السؤال تلازمني منذ أمدٍ بعيد .. وهو لم يزل - أعني السؤال / الحيرة ، لايبرحني : لمَ تتجنّى "الجيناتُ" على تلك المخلوقات الصغيرة وهي لم تزل في بطون أمّهاتها لتخرج الى الدنيا وهي محبوسة في قفص عاهاتها ، مُتهمَةً حيناً ومدعومةً حيناً ، إلا أنّها تظلّ في كلا الحالين مصعوقة بقرار ِ الطبيعة المُجحف حيالها .. !
ما الذي فعلتْ ، وتفعل ، ولسوف تفعله الطبيعة بنا ؟!
ما الذي سنفعله بأنفسنا وبالطبيعة في آن ؟!!

*

ذات أمدٍ بعيد قادتني خطاي الى معرض بكليّة الطب بجامعة الخرطوم كانت تقيمه جماعة "لإتجاه الإسلامي" . عزمت على التجوّل في المعرض العلميّ بروح ٍ علميّة صرفة ، مرجئاً توجساتي السياسيّة والأيديولوجيّة لسانحة أخرى . آه .. كان المعرض يعتمد على التصاوير الفتوغرافيّة والتخطيطيّة بشكل أساس ، مما سهّل مهمّتي في التجوال والبحلقة دون أن أعير كبير إهتمام بالشروحات وأوجع دماغي بالمصطلحات البيولوجيّة والفسيولوجيّة والكالو ... إستوقفتني إحدى الصور : طفلتان ملتصقتان بالرأس ( أو ذلك الشئ الذي تكوّن من رأسين ) ترقدان على مهد / محفّة الحضور والوداع ! كانت الصورة قد أخذت من عل ٍ : رأسين ( أو ذلك الشئ .. ) ملتصقتين باليافوخ ، سطح الرأس ، وجسدين ممددين في اتجاهين معكوسيْن . كانت الأيدي الأربعة والأرجل الأربعة تبدّل في الهواء بتلك الحركة الطفوليّة التي تُستقبل بها الحياة . ذهبت ُ الى البعيد :
جدّتي الحاجة عاشة ، خرّيجة الدفعة الأولى لمدرسة الدايات بالسودان عام 1924 ، وعلى مدى نصف قرن كانت قد أخرجت الى هذه الدنيا العديد من البشر – أمّهات وآباء ، صعاليك ، دكتاتور ، فلانات وعلاّنات ، مسحّراتي ، وزراء ، جدّة "قُبلتي" الأولى ، عمّال وعاملات ، تجار ، موظفين ، معلمات ، مغنّين وضاربي طبل .. إلخ ، إلاّ أنّها كانت قد أخرجت ، أيضاً ، الى الدنيا بعض الأسرار .. كنت أعلم بذلك حين أضبطها تصمت فجأة لدى دخولي وهي تحكي لمن حولها عن الذي أتت به مُولّدتها الأخيرة . كانت في العادة تجيب عن السؤال : ( جابت ولد .. بت ) إلا أنّها حين تجيب بالغمغمة ، أو تتجهّم وتشيح بوجهها . كنت أعلم حينها أنّ عليّ أن أتحايل ، أتلصّص ، أشرئب نحو الكِوى ، ألصق أذني بالحيطان والأبواب الموصدة كي اتسمّع الى سرّ القادم الجديد ! ونجحتُ بعض المرات في التقاط بعض الأجوبة : ( وِلدتْ جن أحمر .. ) ، ( والله العظيم قرد .. قرد عديل كده ) ، ( أها قولو ليْ إنتو : كان ولد كان بت بعرفوهو كيفن ! مكتوب في جبهتو ؟! مُش بى سجم الرماد ده ؟! والله ِ .. ووالله ِ مافي أيّ ِ حاجة – لا ده .. ولا ده ! ) .. وفي إحدى المرات سمعتها تقول : ( عملتَ شنو يعني .. لفّيت المصيبة في ملاية وناديت الراجل قلتَ ليهو : أسمع يا راجل هُويْ – ما تفتح اللفّة دي وما تخلّي جنس مخلوق يشوفا ، خاصة النسوان ! وامشي من دربك ده عديل ادفنوها .. والبسألك قول ليهو طفل ناقص وخليقة .. ما محتاج لى برود ولا أيّ مسائل ) !
التعليق المكتوب تحت صورة الطفلتين الملتصقتيْ الرأس أعادني من معرض الذكريات الى معرض كليّة الطب التي لا ثاني لها بالسودان ، في ذلك الزمان ، كان مكتوباً : ( مِن إبداعات ربّي ) .. ولبرهة ٍ خِلت أنّها مزحة . عدت ببصري نحو الصورة ، ووجدتني أردّد : ( قل أعوذ بربّ ِ الفلقْ * مِن شرّ ِ ما خلقْ ) . ولكنّني عدت مرّة أخرى وتذكّرت عزمي على التجوّل بروح ٍ علميّة صرفة ، وعزمي على إرجاء مسألة التوجّسات لسانحة ..
رحتُ أفكر في إخفاق الطبيعة وهي تحاول أن تُخرج الى الوجود توأميْن ؛ إذ كان على البويْضة أن تنفلق الى نصفيْن ، فحاولتْ إلا قليلا .. ففي ظاهر الأمر أنّ الطبيعة إنتوتْ ، أغوت رجلاً وإمرأةً .. فنجحتْ ، واصطبرت تسعة أشهر ٍ وتسعة أيّام ٍ .. ولسبب ٍ نعلمه ، أو ، لا نعلمه نكصتْ – أعني أنّ الطبيعة أخفقتْ .
وطفقتُ أفكر في أيّهما أكثرُ "تشوّها" : الجسديْن المُسجييْن على طاولة المحنة ِ ، أمْ العقل الذي سجّى لنا التعليق على المحنة ِ ؟!! كيف تسنّى لطالب علم الطبّ ِ ذاك أن تبخّرت من ذهنه إحدى مَهام إقامة المعرض : ( فكّ شفرة مؤامرة الطبيعة التي أفضت - بمجهود وأماني وحُلم ذكر ٍ وأنثى بطفل ٍ جميل ٍ - الى مسخرة ) لتسكنه فكرة الدفاع عن ، والمنافحة ِ عن صفاقة الطبيعة لينسبها لعمل ٍ ربّانيّ ٍ مُبدع – ليسكّن بها روَع نفسه هو – عندما عجز عقله عن إستيعاب احدى أعمال الربّ التي لا تمتّ الى الأبداع بصلة !
ولعلّ "طبيبنا" هذا إذ سمِع بما قامت به "المملكة العربيّة السعوديّة" ملكاً وأطباء ، إذ تبرع الملك وأنجز الأطباء المَهمّة - بالتدخّل مستعملين المباضع ومستعينين بخبرة النصارى لتعديل وتسوية إحدى "إبداعات الربّ" إذ قاموا بفصل طفلتين سياميين من بلاد المسلمين "الأنادسة" ( تُطلق على الذين هم من أندونيسيا ) فهلّل لهم العالم لأنقاذ الطفلتين من براثن غَشم الطبيعة ، أن يقول لنا ( طبيبنا ) – مستعيناً ب"جاك دريدا" : ( يا له من عمل ٍ تفكيكيّ ٍ عظيم ) !

*

لماذا يا ربّي كلّما هممتُ بكتابة ِ عمل ٍ علميّ ٍ على شكل دراسة ٍ أو مقال داهمتني غواية الحكي وألمّت بي عاديات القصص .. ؟

*

ما حكت عنه جدّتي رأيته بأمّ عيني ذات طفولة ( وربما كِبَر – لم يعد في الأمر ما يهم ) . فنحن ( السودانيين ) مثل كلّ أطفال العالم نكشف عن سوؤاتنا ،، فلمّا أن جاء دور : { هل هو إمرأة / رجل ؟! – رجل / إمرأة } كنا قد دخلنا حوبة الحيرة ، وبدأنا في سؤال بعضنا البعض إن كنّا نعرف شيئاً عن هذا ، وشرعنا في الوقت نفسه ولعدّة أيام ِ وشهور ِ أجازتي ( هناك ) نبحث ل(حالتنا) عن رفقة ٍ مشابهة .
كنّا قليلي الحيلة ، وما زلنا ، أمام الكثير من "مظاهر الطبيعة" . ولكنّني ، ومنذ أمد ٍ بعيد وطّنت نفسي على التحديق .. أن أحدّق , واحدّق في نفسي ، في الآخرين وفي الأشياء . ما الذي سنخسره ، إن كنّا لا نفهم أمراً ما ، لو نظرنا إليه ثانية – بعين ٍ ثانية ؟!
لمذا أقول ذلك ؟ .. ببساطة ٍ لأنّني لم أقتنع بنظريّة "قلّة الأدب" أو "الفجور" أو "كفر" أو ما شاءت أن تطلقه العقول المستهزئة بمعضلة إنسانيّة ، بواحدة ٍ هي الأكثر دلالة على إخفاقات الطبيعة – أحايين كثيرة – في سعيها الدائم لخلق إنسان ٍ سوي :
فطمع البُويْضة أن تصير الى إثنين ، وإخفاقها ، نجمت عنه معاناة إنسانيّة هائلة يعاني منها "السيام" الهائمين على ظهر الأرض . ( دعك من تفاصيل ذلك ) أمّا عجز الطبيعة في مسألة حسم هويّة الكائن القادم مِن حيث النوع ، فتلك هي الطامّة التي تعصفُ بروح ِ البشريّ ِ ال(مُلتبسْ الجندر) . فمسألة "الخناث" باتت قليلة الشأن فيما يخصّ مسألة حلّها ، ف(الإلتباس) هنا يمكن كشفه طبيّا – نفسيّاً وجراحيّاً .
أما الوجه الآخر ل( إلتباس الجندر) ، المتخفّي ببراعة خلف قناعه / الجسد الآدمي – فهو الأشدّ إدماءً للنفس البشريّة ؛ جسدُ إمرأة وروح رجل ، أو روح إمراة ترتدي جسد رجل – فالأمر سيان ، إنّها المثليّة الجنسيّة ، إنّها ببساطة ما عبّرت عنه "إيزابيل الليندي" في روايتها العجيبة تلك وهي تزيل اللبس عن شخصيّة "الأم" : ( إنّها رجلٌ محشورٌ في جسد ِ إمرأة ) .
إنّها الطبيعة تتحدّانا بأن نصلح أنفسنا ، ليس مجا زيّاً . إنّها الطبيعة فعلت بالإنسان ما يريد الإنسان أن يفعله بالكمبيوتر : صناعة ُ أجيال ٍ منه قادرة على إصلاح نفسها !

*

عندما يتفهّم الإنسان معضلةً ما فإنّه سريعاً ما يجد لها الإسم اللائق بها – الذي يعبّر عن سعيه الإنساني للتعامل معها . فلقد تخلّى الناس عن نعت "المعاقين عقليّاً" بالمجانين . لتبقى هذه الصفة حكراً على مَن يستحقها مِن الفنّانين المُتجوننينَ هنا وهناك ، مِن أمثال محمد مدني الذي هاتفني ، قبل أيام من السعودية ، متلعثماً مِن شِدّة ِ "جنّهِ" .

فهل آن الأوانُ لتفهّم المثليّة الجنسيّة بالنظر إليها على أنّها شأنُ الطبيعة ِ في أبنائها / أخطائها ؟
أما آن الأوان لتسمية الأشياء بأسمائها – بمثل مانقول : ( mental handicapped )
ألا يمكننا أن نقول : ( gender handicapped )