_ _ _ _

_ _ _ _


05-17-2010, 07:26 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=290&msg=1274120794&rn=0


Post: #1
Title: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-17-2010, 07:26 PM

الفصل الأول



عندما تهب الرياح الشمالية الشرقية الباردة معانقة صفحة النيل في شوق بعد غياب امتد لما يزيد عن الثمانية أشهر واهبة النيل برودتها ومنتزعة منه الدفء لحين اشعار آخر معلنة بداية فصل الشتاء في نهاية اكتوبر أو بداية نوفمبر فيتغير نمط الحياة في بريدا بفتح الباء إيذاناً بانطلاق موسم زراعة القمح.
كانت بريدا التي يحدها النيل من الشرق وطريق الأسفلت الضيق من الغرب تمتد مترامية الاطراف من الشمال الي الجنوب مالئة المساحة الخالية مابين النيل وطريق الأسفلت التي تضيق عند أطرافها حتي تتحول الي شريط ضيق من البيوت المتباعدة تنتهي بجنائن المانجو من الشمال ويحدها من الجنوب المجرى الذي صنعته الطبيعة لتصريف المياه من خلف طريق الأسفلت فيمتلئ عند الخريف بالمياه التي يسمع صوت دويها عند أقاصي شمال بريدا وهو ينحدر سريعا نحو الشرق معانقا النيل في حميمية عميقة .
ثم تتمدد المساحة عند الوسط فتبدوالقرية كأنها رسم كاريكاتوري لرجل هائل البطن رقيق القدمين يرقد ممد علي جانبه مواجها للنيل
محطة المواصلات تربط بين بريدا وحاضرتها كميتا كانت تمور بالكناتر التي تحولت بفعل الحوجة الي حافلات سفرية بخطين متوازيين من المقاعد فيجلس الراكب مواجهاً للآخر باحثاً في تفاصيل وجهه عن تسلية عابرة أو وجه جميل أو ابتسامة حانية فلا يجد سوى نظرات ساهمة ووجوه عابسة وإن أسعفه الحظ فلربما وجد واحدة من طالبات الثانوي في طريقها للمدرسة تعبث بطرف شنطتها وهي تغرق عينيها في تفاصيل حذائها الصغير في انتظار الوصول للمحطة الأخيرة محاولة إخفاء إعجابها بنظرات نظيرها الذي بلغ الحلم توه وهو يغرقها بالابتسامات الساذجة والتي يقتسمها معها الركاب جميعا ثم يتظاهرون بعدم الرؤية وهم يغرقون في هموهم الذاتية

المحطة الأخيرة التي تقع في منتصف الخط الغربي يمتد منها الطريق المتجه شرقا قاسما القرية إلي نصفين غير متساويين تشعر بالطريق منحدرا في اتجاه النيل مما يعطيك إحساسا بعدم الراحة وبوخز خفيف عند أسفل القدمين, البيوت التي بنيت بالطوب الأحمر واللبن تحدد مسار الطريق علي حسب أطماع أصحابها فييتغير مسار الطريق قسرا في اتجاه الشمال أو الجنوب ثم يعود للاعتدال في مساره الحتمي جهة الشرق حتي يتفرع الي أربعة مسارات كبيرة

Post: #2
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-17-2010, 07:44 PM
Parent: #1

مسار يواصل طريقه الحتمي جهة الشرق حتى يحده الطريق الذي يتجه من الشمال للجنوب بادئاً من طاحونة الرايد علما بان إسمه لا علاقة له بالمقامات العسكرية ولكن لشهرته في عشق بنات القرية جميعا حتي اجمع الكل علي أنه في حالة (ريدة ) دائمة ومن سخرية القدر أنه لم يتزوج حتي الآن رغم تجاوزه سن السبعين وإن كان مازال يحكي عن نساء في نقاء ثمار المنقة وجمالها منهن من واراها التراب ومن بقيت فهي عجوز شمطاء تجيد ( تفلية) الشعر لأحفادها والثرثرة والشكوي المتكررة من آلام الروماتيزم .
يواصل الطريق مساره قاطعا القرية لقسمين متساويين عابرا أحياء البريتاب والبحراوية ثم يعبر سوق القرية الصغير الذي يشغل صباحا ببائعي الحضار واللحوم الطازجة وبائعات الزلابية والفول المدمس والطعمية ومساء ببائعي الحليب والتسالي والفطائر بلدية الصنع , ثم يمتد حتي ينتهي عند جزارة ( عثمان) بثوبه الأبيض وقامته المديدة وبشرته البيضاء المشربة بالحمرة حتي يساورك الظن في أنه دخل الي الجزارة زائرا وليس بصاحبها , وصوت طلبات الزبائن ممتزجاً بضحكاته ومزاحة مع سعيد بندر الذي يفترش المكان بجواره كبائع خضار صباحاً ومساعد بيطري لبقية اليوم وإن كان حقيقة هو بيطري القرية الوحيد .
المسار الثاني ينحرف يساراً قليلا ثم يعتدل موازياً للآخر في اتجاه الشرق محاذياً لحي المغاربة ثم البحراوية لينتهي بحي الرميلة والتي تقع جنائن المنقة شرقه مباشرة فاصلة بين النيل والقرية والتي تليها هضبة صغيرة ثم الكثبان الرملية و التي من بعدها يمتد النيل في جريانه شمالا بصورة حثيثة

Post: #3
Title: Re: _ _ _ _
Author: salah ismail
Date: 05-17-2010, 07:47 PM
Parent: #1

واصل...
وصف رائع

لك التحية....والسلام

Post: #4
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-17-2010, 08:12 PM
Parent: #3

صلاح اسماعيل تحياتي واشواقي

اصبت بداء العقم الكتابي لفترة طويلة

الحمد لله انو الواحد رجع يكتب تاني

شكرا لتواجدك هنا

Post: #5
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-17-2010, 09:16 PM
Parent: #4

المسار الثالث يتجه جنوباً قاطعاً مساحة خالية جرداء لأرض متنازعة بين أولاد جبرين وأولاد يونس وكل أسرة تمتلك من الأدلة والبراهين والشهود مايثبت أحقيتها في الأرض مما أوقع القضاء في حيرة عظيمة فتركت هكذا كالبيت الوقف كما يقول اخوتنا المصريين فاتخذها صبية الحي مرتعاً لالعاب فلفلت والرمة وحراسها وكديس من نطاك وأشباهها ثم ينحني في اتجاه الشرق أيضا في شكل قوس غير مكتمل حيث تقطن طبلية الطعمية وبجوارها ( عنقريب) محمود ود ابعصاية بقامته القصيرة وملامحه التي تخدعك بطيبتها البادية ولكن سوط العنج الذي يختبئ أسفل العنقريب طالما ألهب ظهور الصبية المنطلقين من الساحة الخالية باتجاه القرية بصخبهم المعتاد متبوعا بألفاظ نابية تطالهم حتي جدهم العشرين وإن لم يثنهم هذا عن اللهو وشراء أقراص الطعمية اللذيذة منه في ساعات صفوه .

يعتدل المسار مرة أخرى في اتجاه الجنوب ليمر بدكان الأحذية الرجالي المكتظ بالمراكيب وارد الجنينة الأصلية مع مراكيب الأصلة وجلد النمر غير المصرخ ببيعها معلقة في مسامير صغيرة ثبتت علي الجدار تنحدر من أسفلها (نملية ) لتقابل الأرض صانعة شكل مثلث قائم الزاوية اتخذه برير الفاضل مخزناً للفائض من أحذيته ’ واضعاً كرسيه البلاستيكي في الجهة اليمني مواجها لمطعم الفول المصري زاما مابين شفتيه كأنه في طابور عسكري وإن كان الراديو القديم الطراز الذي يصدح دائما باغنيات وردي وصالح الضي بصوت يغرقك بالحنين ولكن برير لايبدو عليه الانصات وهو غارق دائماً في لجة من التفكير العميق , تحكي طرقات بريدا عن تأريخه الحافل في التجارة مابين فاشر السلطان والجنينة ونيالا و زالنجي والتي تمتد حتي دار السلام بأفريقيا الوسطي وانجمينا بتشاد غير أنه لم يجن من رحلاته تلك الا التجاعيد عميقة والشعر الاشيب والذكريات عامرة بالمثير يطربك حديثه ساعات صفوه القليلة والتي كان يتصيدها أبو حنينة صاحب مطعم الفول .. فيدنو منه بكرشه المتدلية حاملاً كرسيه الحديدي العتيق وصوت لهاثه يسبقه .
كان يدرك جيدا كيف يخرج مابداخله وهو يلقمه مفاتيح الحديث مثل ذكر فاشر السلطان فينطلق برير في سيل من الحكاوي لا يقطعها الي زبائن الفول علي قلتهم .

Post: #6
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-18-2010, 09:31 AM
Parent: #5

_ _ _ _

Post: #7
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-18-2010, 10:30 AM
Parent: #6

المسار الرابع يتجه شمالا محاذيا لعدد من المباني الجديدة التي لم تكتمل بعد والتي شيدت بالأسمنت والسيخ بعضها يرتفع لطابق أو طابقين فتبدو كأشباح ضخمة حينما يغطيها الليل ثم يقطع فسحة كبيرة خالية يغطيها التراب الأبيض (السفخاء) الذي يتعلق بأقدام المارة صانعاً جوارب تمتد حتي منتصف الساقين لونها أبيض مائل للصفرة . ولايعد مشهداً غريباً إذا رأيت أحدهم يركض مبتعدا من مسار سيارة عابرة والا كان مهددا بأن تغطيه ملاءة السفخاء من مقدمة رأسه حتى أخمصيه.
يواصل المسار طريقه حتي ينتهي بعدد من القطاطي التي شيدت بالقش والجوالات بقاعدتها الدائرية وسقفها الذي يمتد كالحربة إلي السماء . الحيشان التي صنعت من الحصير والشوك والجوالات متخذة أشكال غير منتظمة فرشت أرضيتها بالرمل الناعم الرطب على الدوام .
تلك الحيشان يؤمها عدد غير قليل من شباب بريدا الذين جمعهم حب الخمر كما أن النساء متوفرات بأسعار معقولة ,كورينا الأربعيني بحاجبيه الكثين وابتسامته المهترئة هو من أطلق أسم حلة فوق علي هذا الحي .. زاعما أنه يتسامي حينما يأتي إلى هنا ويقترب من السماء .

Post: #8
Title: Re: _ _ _ _
Author: EMU إيمو
Date: 05-18-2010, 11:00 AM
Parent: #7

Quote: كما أن النساء متوفرات بأسعار معقولة


مطلوب إحداثيات المكان

تحياتي يا ود الطيب

Post: #9
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-18-2010, 11:33 AM
Parent: #8

كرينا ده مفضوح يا ايمو لو مشيت بهناك الحلة كلها بتعرف

تحياتي

Post: #10
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-18-2010, 12:14 PM
Parent: #9

_ _ _ _

Post: #11
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-18-2010, 03:22 PM
Parent: #10

الفصل الثاني




الأغنام التي تناثرت فوق البساط الأخضر الذي يمتد شرقا حتي يقابل أشجار المنقة كانت تحرك أفواهها في بطء وهي تزدرد الحشائش .. شمس الظهيرة التي تنكرت لبرودة الليل كانت الآن تلهب المكان بسياطها ..فاتخذت واحدة من الأغنام من ظل شجيرة العشر ملاذا لها وهي تجتر مافي بطنها وقد ألقت بعنقها علي الأرض في نعاس ظاهر ..
ربيع بسنواته الستة عشر كان مستلقياً علي ظهره أسفل شجرة المهوقني واضعا عكازه المضبب بجلد من ذيل الثور في وضع قائم علي راحة يده المبسوطة من دون صعوبة ظاهرة وهو يرمق بدر أخاه بضم الباء الذي ارتفع صوت تنفسه المنتظم مما يدل علي أنه ذهب في غفوة صغيرة غير أن هذا لم يمنع ربيع من الكلام
ــ ستلد خلال هذا الأسبوع

قالها وهو يشير إلي التي اتخذت من ظل العشرة مأوي ببطنها المتدلي .

لم يتحرك بدر من مكانه وبدا غارقاً في النوم ولكن بعد برهة من الصمت رد بصوت ناعس وبصورة موجزة
ــ نعم

ــ حسناً ستهبني المولود إن كان ذكرا كما وعدتني

ــ نعم

ـ واللباء أيضا
كان الرجاء يتخلل صوته

بدا نفاذ الصبر علي بدر وهو يتحرك من مكانه .. كان يدرك أن معزته ستعطيه من رطلين إلي ثلاثة رطلات في غضون عشرة أيام وهذا سيضيف إلي دخله حوالي التسعون ألفا شهرياً وبالتالي يمكن أن يتخلص من دين الهمباز بعد أن أوقف بريقع حسابه الجاري لحين السداد . مائة وثمانون ألفاً .. لو أعطاه منها تسعون ألفاً يمكن أن يواصل في إعطائه الهمباز وبالتالي تزيد كثافة الحليب قليلا فالحشائش تجعل الحليب خفيف القوام وكأنما أضيفت إليه الماء .. كما أنه يعطي كمية أقل من السمن .. ولابد من إحضار بعض الذرة الفتريتة أيضاً .. في أحيان كثيرة يتساءل بدر هل الأغنام تطعمه أم أنه هو من يطعمها

Post: #12
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-19-2010, 07:30 AM
Parent: #11

أخرج نوتة مهترئة قديمة مبللة بالعرق حال لونها للأصفر وهو يعيد ترتيب حسابته مستخدما قلم بيك بدون غطاء رأس أو حتي مؤخرة زرقاء فقد التهمها في واحدة من نوبات تفكيره المتوترة

ــ ستعطيني اللباء .. القليل منه فقط

قاطعه صوت ربيع فألقي عليه نظرة خاوية فخيل لربيع أن عيناه تبدوان كعيني قط ميت فتقوقع ككلب هرم علي ذاته وهو يقنع من غنيمة اللبا ء بالسلامة .

كان ربيع لا يحب بدر ولا يكرهه أو ربما يحبه قليلا فهو مازال يذكر الهدايا المختلفة التي كان يأتي بها بدر إليه عندما كان صغيرا فرس النبي الخضراء اليانعة أبو الداردوف بألوانه الزاهية لكأن كل الوان الطيف تقطن في ظهره الصلب . كان بدر يربطه له بخيط ويتركه بين يديه فيدور حوله دورات لا نهائية بطنينه المحبب علي نفسه وعندما تنعكس عليه أشعة الشمس تخرج منه دفقة من الألوان تنقله الي عالم مسحور . كما كان بدر يقدم له اللباء جنب لجنب مع كل مولود جديد للقطيع الذي كان وقتها يزيد عن الأربعين .. كان يحب اللباء ويحب بدر أيضاً وقتها . ابتسامة صغيرة عبرت علي ملامحه ثم اختفت باسرع مما أتت وهو يغرق في التفكير مرة أخرى

عندما أقعد السكري والروماتيزم اباه عبد السلام عن الرعي استعان براع جديد يعمل بأجرة خمسون الفا في الشهر مع العشاء ولكنه لم يمكث كثيرا فقد كانت الأغنام تذهب خماصا وتأتي خماصا وكأنه يرعي بها في الصحراء كما أنه كان يشك في انه يبيع الهمباز لرعاة آخرين فاستغنى عنه وأتى بآخر ثم آخر ولكن بلا فائدة فبدا العدد في التناقص بسبب البيع أو الموت حتي وصل عدده الي ستة فقط .. كان القلق وقلة الحيلة واضحة علي محيا والده ولكنه لم يلحظها علي صغر سنه الا أن بدر كان يتابع ما يحدث بقلق عظيم وذات صباح لم يذهب بدر الي المدرسة وأخذ عكازه وذهب بالقطيع الي الخلاء .. ولم يعترض أحد علي مافعله بتاتاً

Post: #13
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-19-2010, 12:13 PM
Parent: #12

تغير بدر بعد ذلك بصورة ملحوظة .. أضحي أكثر تجهما واقل مرحا .. لم يعد يأتي بالهدايا إليه , يخرج بالأغنام مع شروق الشمس ولا يعود الا بعد غروبها .. يخلع ملابس العمل المكونة من العراقي المشرب بالعرق والسروال فتظهر عظام صدره وشعر إبطه الذي حوله العرق إلي اللون الأصفر الباهت .. بعد أن يستحم يتناول غداءه وكأنه واجب ثقيل .. قد تتناثر أثناءها بعض العبارات العابرة بينه وبين أبيه حول الاغنام والرعي .. عبارات مكررة وإجاباتها معروفة ولكن والده كان يصر علي أن يلق بها ليبين أن الأمر لا زال مهما عنده




كانت كل محاولات استرجاع الود المفقود بينه وبين أخيه تبوء بالفشل , يرد كل محاولات التقرب منه بصورة فظة .. تحولت لغة الحديث بينهما الي لغة الزجر فقط فبدر لايريده أن يلهو بصنبور الماء ولا القطة الصفراء المريضة كما أن صياح الدجاج يزعجه .. تعود لربيع سكينته بعد خروج بدر للشارع ولكن عندما تتناهى إليه صوت ضحكاته المنطلقة وهو مستمتع بالسمر مع بقية أصحابه يغرق في حيرة عظيمة

Post: #14
Title: Re: _ _ _ _
Author: Tagelsir Elmelik
Date: 05-19-2010, 02:46 PM
Parent: #11

لا تزال مترع بالأبداع
سعداء بقراءتك دائماً.

Post: #15
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-20-2010, 06:00 PM
Parent: #14

سعيد بتواجدك هنا استاذنا تاج

Post: #16
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-22-2010, 05:34 PM
Parent: #15

الفصل الثالث




المجلس الذي يجمعهم عند دكان برير الفاضل كان منعقدا كالعادة .. بعد أن غابت شمس اليوم تجمعوا مثل حبات المطار من شتى دروب الحلة .. عثمان بجلبابه الأبيض الغير قابل للاتساخ .. أتي يسبقه عطره فأخرج له برير السرير الحديدي القصير فتمدد عليه دون أن يتكلم .. لحق به سعيد بندر بجلبابه القصير وجلس علي الأرض واضعاً قدما تحت عجزه وفارد الأخري أمامه .. محمود ودابعصاية أتى بظهره المحني وسوطه العنج واتخذ مجلسه بجوار عثمان في السرير .. الرايد بعد أن قام بزيارته العاجلة الي حلة فوق جاء تسبقه رائحته المميزة واتخذ مجلسه بجوار سعيد بندر .. برير الفاضل استوى علي كرسيه البلاستيك علي الطرف الآخر من الباب وكان صالح الضي يصدح بواحدة من أغنياته ولكن لم يبد أن أحدا كان يستمع إليها

أمسك سعيد بندر بعود من القصب ملقا علي قارعة الطريق وبدا في رسم دوائر خيالية علي فخذه وهو يوجه حديثه إلي عثمان
ــ الليلة في أسرة جديدة استاجرت بيت من بيوت المغتربين في الحي الشمالي

أولاه الجميع اهتمامهم فقد كانت الظاهرة في تنام مستمر لايمض يوماً أو يومين الا وتحل واحدة من أسر عويزة بين ظهرانيهم غير الأنباء التي تترى عليهم عن هجرة بعضهم الي الشمال نحو العاصمة أو تشتت بعضهم بين قرى المشروع التي يوجد بها أقرباء لهم ,, لم تكن قرية عويزة وحدها ولكن حلة حسين أيضا لم يبق فيها سوى أسرتين تسعيان للتخلص من قطيع الماشية من اجل النزوح أيضا

القري التي تقع خلف الترعة الثانية من المشروع بعيدا عن طريق الأسفلت والنيل اللذين يعتبرا شريان ي الحياة لقرية بريدا وما جاورها كانت تعاني أشد المعاناة بسبب الانهيار البطئ للمشروع من الداخل فبعد موسمين فاشلين للزراعة بسبب عدم انتظام الري وعشوائية الادارة للمشروع كما أن سياسة البنك الزراعي لنظام السلفيات ألقت بالكثيرين خلف السجن .. حقيقة كان الأمر يثير توترهم جميعا فمن ليس بمزارع فله أخ أو قريب مزارع في منطقة لقرابة الدم الدرجة العليا في الترابط الاجتماعي

Post: #17
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-23-2010, 05:24 PM
Parent: #16

الجهة الغربية من بريدا التي تمتد من غرب طريق الأسفلت حتى الترعة الأولي كانت جزء من المشروع الزراعي تلتزم بدورته الزراعية سنويا .. حتي ثمانينات القرن الماضي كان المزارع يعتبر من الميسورين ماديا لعائدات القطن المجزية كمحصول نقدي هام ولكن دخول منتجات أخرى أثر علي السوق العالمية مثل منتجات النايلون ادي لتدني أسعار القطن بصورة كبيرة ولكن اصرار شركة الأقطان علي زراعة القطن أدى لتدني الأوضاع المادية للمزارعين فقد كان الطن من القطن يكلف ثلاثين دولار حتي تنتهي عملية اللقيط كاملة وتشتريه شركة الأقطان بما يعادل اثنان وعشرون دولارا فقط فبدأت أوضاع المزارعين في التدهور بصورة ملحوظة كما أن الاستهلاك المتكرر للأرض قلل من خصوبتها فالرايد يصر علي أن الحواشة ذات الخمسة فدادين في ستينات القرن الماضي كانت تنتج مايفوق الخمسون جوالا من الذرة أما الأن فان الحواشة الناجحة لا يتجاوز انتاجها العشرة جوالات مع ارتفاع التكلفة واثقال كاهل المزارع بالضرائب والزكاة والجبايات مما يجعل الانتاج يتجاوز الفر الي السالب الواضح فانصرف الكثيرون عن الزراعة فجفت العديد من الحواشات فاضحى المشهد الغربي شبيها بحلاقة الشعر في الظلام الدامس .

عندما رفعت شركة الاقطان يدها عن المشروع كانت الفوضي قد ضربت باطنابها في انحائه مع عدم انتظام الري وتسريح المفتشين والمهندسين ذوي الخبرة تحت بند سياسة التمكين

Post: #18
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-25-2010, 01:47 PM
Parent: #17

مامون الفاضل بقامته الطويلة وكتفيه المتهدلتين والتجاعيد العميقة أسفل عينيه الغائرتين للداخل مع خديه المسحوبين وشعره الذي غطاه الشيب لم يكن يوحي بأنه لم يتجاوز العقد الخامس بعد ولكن يعطيك أحساسا أنه في نهاية العقد السادس . لم تكن الأمور على هذا النحو قبل خمسة أعوام حينما كان واحدا من كبار المهندسين في مصلحة الري ويقطن في بيت كبير من بيوت والمصلحة في مدينة كميتا حف باشجار السيسبان ودقن الباشا والبان واللبخ ولكن القرار المفاجئ بالاستغناء عنه للصالح العام قلب الأمور ظهرا علي عقب .. وقتها كانت بنتيه الكبيرتين سهى بالمستوى الثاني لكلية الهندسة المدنية والا بالمستوى الأول لمدرسة العلوم الرياضية وكان المستقبل يبدو مشرقا بالنسبة إليه ثم أتاه قرار الاستغناء عنه كطعنة في الظهر لم يحسب حسابها . .

تروي شوفنا وقد قصة مامون بطريقتها المميزة في نقل الأخبار للقرية فهي عندما رأت ود أبعصايا يقترب منها تظاهرت بعدم الانتباه له ثم دمدمت قائلة
ــ والله مارضيتا ليك يا مأمون ود الفاضل
فبادر ودابعصاية بمناداتها قائلا
ــ شوفنا تعالي جاي مامون ود الفاضل مالو

فضربت كفيها ببعضهما وهي تتظاهر بالبكاء رغم أن دمعة واحدة لم تتطفر من عينيها قائلة
ـــ أجي يا يما انت ما سمعت بالحصل , ماقالو ليك شالوهوا للداهية الاسمها الصالح العام والله والله يا ود ابعصاية قالوا لما كلموهوا بالقرار جعر متل الشافع الصغير وزول قدر يسكتوا مافي واستغفر الله من قالوا وقلنا .
ثم عدلت من ثوبها المبعثر وانصرفت لا تلوي علي شئ بحثاً عن أذنا أخرى وهكذا لم تمض سحابة النهار والا وكان الخبر قد عم القرية من أشجار النخيل علي شط النيل وحتي محطة المواصلات ومن حلة فوق وحتى أشجار المانجو عند أقصى جنوب بريدا

Post: #19
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-26-2010, 05:42 PM
Parent: #18

ـ ـ ـ ـ

Post: #20
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد يوسف الزين
Date: 05-27-2010, 05:34 AM
Parent: #19

فوق

Post: #21
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-27-2010, 05:35 PM
Parent: #20

Quote: فوق


شكرا لرفع البوست يا محمد يوسف زين
تحياتي

Post: #22
Title: Re: _ _ _ _
Author: حافظ حسن ابراهيم
Date: 05-29-2010, 08:25 AM
Parent: #21

فوووووق

Post: #23
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-29-2010, 04:06 PM
Parent: #22

شكرا ياحافظ لرفع البوست
نواصل في الرواية

Post: #24
Title: Re: _ _ _ _
Author: اسماء الأمين
Date: 05-29-2010, 11:04 PM
Parent: #23

معاك يا ود الطيب هنا وهناك

Post: #25
Title: Re: _ _ _ _
Author: اشرف السر
Date: 05-30-2010, 03:50 AM
Parent: #24

وينك يا سكري الكلمات

في انتظارك

Post: #26
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-30-2010, 09:50 AM
Parent: #25

الفصل الرابع



ربيع بسنواته الستة عشر لم يكن يخلو من الوسامة بقامته الطويلة وشاربه الرفيع الذي يوليه عناية خاصة كما تفتر ابتسامته عن أسنان بيضاء جميلة .. أدرك هذا حديثاً فهو قد كان غارقا في اللهو واللعب ومداعبة القطط الضالة وسرقة بيض الدجاج وتفجيره على أقرب جدار .. أدرك هذا عندما رأى نظرة لم يعتد عليها في عيني مروة التي كانت تعد من أصدقائه طوال فترة طفولته لذا فقد كان يعتبرها ولدا الي حد ما ساعده في ذلك قانون الطبيعة الذي كان شحيحا عليها فلم تبد عليها علامات الأنثي بعد الا بورم صغير جدا علي صدرها كثمرة ليمونة لم تنضج بعد فقد كانت نحيلة عجفاء غير أن شكلها قد كان مقبولا لولا صغر عينيها وشعرها المنكوش طوال اليوم مثل بذرة العشر , على كل هي كانت تتعامل منذ فترة علي أساس أنها أنثي مكتملة حتي انها امتنعت عن السباحة معه هو واصدقاءه عارية في النيل , ولكن ربيع لم يعر هذا انتباها , ما أرقه فعلا هو نظرتها , كانت شيئا لم يعتد عليه , لم يعرفه من قبل , كان يحس أنها توشك علي أن تنقض عليه , تلتهمه , فخاف وأضحى يتجنبها , لم تعد صديقة الأمس لقد غدت شيئا مختلفا لا يحبه


كان يمكن لهذه الحادثة أن تمر مرور الكرام لولا ما تبعها من أحداث , كان ربيع يتولى مهمة بيع اللبن ليلا في السوق الصغيرة , يقوم بدر بحلب الاغنام ثم يحمل بدر تبنة اللبن على ظهره ويتوجه الي , ثم يجلس القرفصاء علي الأرض مجاورا لدكان بريقع ويصله جداله الدائم مع الزبائن وقبل أذان العشاء يعود بتبنته الخالية ويقوم بغسلها ثم يرفعها علي الجدار الطيني

Post: #27
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-30-2010, 12:14 PM
Parent: #24

شكرا وانت تملأين المكان بعبقك هنا وهناك يابت الامين

محبتي وتقديري

Post: #28
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-30-2010, 02:37 PM
Parent: #27

أشرف الزول الكتاب

حبابك

Post: #29
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-30-2010, 05:00 PM
Parent: #28

مسرات بقامتها المديدة ولونها الأبونسي ومؤخرتها الضخمة وشعرها الممشط بطريقة (سوقني معاك) لم يظهر تقدم السن عليها رغم انها تجاوزت الأربعين .. أتت القرية أبان مجاعة الثمانينات جرفها سيل الحوجة جتي استقرت عند أقصى الشمال في حلة فوق وبنت قطيتها بيديها العاريتين وقتها لم تكن تتجاوز العشرون عاما شهية وغامضة كتفاحة آدم

لم تلبث الا قليلا وذاع سيطها في بريدا كانت قطيتها قبلة للباحثين عن متعة الليل بين كؤؤس العرقي فازدهرت أعمالها في وقت قصير واقتنت قطيتين آخريتين واحدة في اقصي غرب والثانية في أقصي الشرق للحوش الذي تحول من الصريف المكون من الجوالات والشوك والقنا .. الي الطوب الأخضر ثم الأحمر وقتها كانت تدعى أمونة ولكن صباح الحبشية التي احتلت القطية الشرقية بمشيتها المتثنية ولثغتها الجميلة وسمية القصيرة المكتنزة المترجرجة التي احتلت القطية الغربية جعلتا كورينا يطلق علي أمونة لقب مسرات فلبسها الاسم مثل الضبة علي العكاز . وأصبح من زبائنها المداومين .

كانت مسرات مزاجية في اصطحاب من ترغب الي قطيتها الوسطي أما القطيتان الطرفيتان فكانتاتعتمدان علي انتفاخ جيوب الزبائن بصورة أساسية

Post: #30
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 05-31-2010, 01:11 PM
Parent: #29

_ _ _ _

Post: #31
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 06-01-2010, 00:48 AM
Parent: #30

كانت مسرات مزاجية في اصطحاب من ترغب الي قطيتها الوسطي أما القطيتان الطرفيتان فكانتا لمن يدفع أكثر

لم تتزوج أبدا ولكن طوال فترة اختيارها لأحدهم لم تكن تخونه أبدا , كان أول من فاز بهذا الامتياز كورينا نفسه واستمرت علاقتهما لاكثر من ستة أشهر عاش ملكا متوجا علي الحوش يشرب العرقي وينام مع مسرات ولكن حرمت عليه القطيتان الطرفيتان تماما فكان ما أن يرى صباح بمشيتها المتثنية وسمية المترجرجة في جنبات الحوش حتى يصيح بعبارته المشهورة

ــ الزول ما بلقي اي حاجة عاوزة الا في الجنة
ثم يتبعها بصراخه رافعا يديه الي السماء
ــ أوعدنا يارب

تفاجأت صباح عندما وجدت كورينا يلتصق بها ليلا ولكنها أفسحت له مكانا بجوارها واحتضنت جسده الضئيل برفق واضعة رأسه علي صدرها ونامت

عندا استيقظ كورينا الصبح علي زمجرة مسرات لم تسعفه كل عبارات الرجاء التي جادت بها قريحته الجدباء وطردته في هدوء ولكن في حزم من حوش الملذات كما أسماه
انطلق كورينا يلهج بذكر مسرات في مجالس بريدا وهو يحكي عن مفاتنها وعن اجادتها لالعاب الفراش ... وسرت القصة كالهشيم من فم كورينا محاولا اثبات براءته والتي كان فحواها أن من يتذوق عسل مسرات لا يشتهي غيره

Post: #32
Title: Re: _ _ _ _
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 06-29-2010, 12:15 PM
Parent: #31

ضد القاع