صاحب اليونيفورم – قصة قصيرة

كان ضابطاً إدارياً يرتدي ذلك الزي الرسمي وبه ثلاثة من الأشرطة الأنيقة التي تزين كتفه وتعرف بدرجته ورتبته في تلك المهنة الإدارية، وكان مسؤولاً عن إحدى المجالس الإقليمية وبالطبع كل السلع التموينية حينها كانت تحت إمرته (بنزين، سكر، زيت ودقيق) كان قادراً على إدارة العملية بطريقته الخاصة فيمنح التصديقات لمن أراد ويحرم حصص أحياء كيفما أراد.

كان ممتلئاً ومظهره ينم عن شخصية لها وزنها – هذا طبعاً قبل أن تتعرف عليه – بعد أن تتعرف عليه تجده مترفعاً وله علاقات غير متناغمة ولا متجانسة والذين يحيطون به منهم من هو رجل سوقي في تعامله لا يرقى لمستوى التعامل مع زملائه من أعضاء المجلس المحلي ومنهم من هو في مستوى عالي يتمتع بمظاهر النعمة المادية البراقة ويمتطي سيارات فارهة ومنهم من هو دون هذا وذلك من لا تستطيع أن تربط إسمك بإسمه كمجرد رفيق أو جار أو حتى زمالة سفرية في قطار.

كان صاحبنا يقضي بضعة ساعات في مكتبه، وخلال يوم العمل كانت له خرجات مفاجئة وغريبة ممتطياً عربته الحكومية ومسجلاً زيارات مريبة تضع عربة الحكومة في مواقف الشكوك من وقفاتها المتكررة أمام تلك البيوت التي تفتح بغير بسم الله ويولج إليها من غير أحم ولا دستور، وكذلك في الليل تمر عربته مرات سريعة بتلك البيوت وتجمع بعض ساكنيها متوجهاً بهم إلى الميز الفلاني أو العلاني بصحبة رفاق دربه من المسؤولين المشابهين أو غيرهم من الحاشية والأصدقاء المنتفعين.

كنت كثيراً ما ألاحظ هذا، فالمدينة صغيرة وتكاد أنت أن تحفظ عن ظهر قلب تلكم العربات الحكومية وحتى الخاصة وتعرف أصحابها وإن لم يطل بك المقام بين حنايا تلك المدينة فستكون ملماً بالكثير عن أخبار ليلها ونهارها.

ولسوء حظ صاحبنا، كثرت الصدف التي جعلت منه يمر بي وأنا مع هذا أو ذاك من سكان المدينة القدامى والعارفين بها وبكل من يأتيها عابراً أو زائراً .

فصارت صورة هذا الرجل تتدهور في نظري شيئاً فشيئاً وأنا ذلك الشاب اليافع حينها الذي لا يعرف من مثل أمور هذا الفساد كثيراً، فغصباً عني صار تيرمومتراً أقيس به وعليه ما شابه من أحداث، مندهشاً حال كوني أرى إنساناً متعلماً ومحسوباً على فئة المثقفين ويأتي بهكذا سلوك أستهجنه وأعتبره غريباً على المجتمع حينها !!!

ولكن إذا بي أكتشف في صاحبنا كل حين وآخر خصلة لا تحمد حتى ظننت أن كل السيئات تحيط به ولم أسمع عنه مجرد خبر ولو بمجاملة أنه حسن في أمر ما أو كما يقال بالرغم أنه كذا فهو شهم!!

وصار صاحبنا واقعاً تحت سطوة تحليلي لشخصيته وهو يتمادى ويتمادى ويتمادى ....

حتى وجدته ذات يوم يونيفورم بلا رجل !!

.