العصيان الفكري ... محاولة لتحرير المثقفين من أسرهم

تصطرع فيني بعض الإنفعالات , أحاول إسقــاط بعضها من أجندتي , يحـاصرني
طوفــان الرؤي, بعضها محـال , وبعضــها يبحث عن طريـق يوصله إلي واقعٍ
أقرب إلي الهشاشة ، كدأبنا دائماً يلفّنا الإسفاف ، مع إنعدام النظرة المتفحصة التي ترنو
إلي البعيد ، بحيث يكون المستقبل ماثلاً أمامنا بكلِ منحنياتهِ و آفاقهِ ورؤاه.
فأسألني حين يأس ! لماذا نظلُّ دائماً نفني العمر إنتظاراً ؟ بل لماذا ننتظر الهطول في
موسم جدب الأفكار والمعتقدات والعقائد ؟
فالثقافة بالتأكيد ليست مظهر إجتماعي ، بقدرِ ما هي تكليف يقع عبئهُ علي عاتقِ
المثقف بحيث لا يمكنهُ الفكاك و الإنعتاقِ من تبعاتهِ ، لذا كان هذا هو الدافع الرئيس
الذي يدفعني للكتابة وفي الخاطر مقولة للكاتب ( جون بول سارتر) مفادها أن المثقف
مسؤول عن أيي جريمةٍ تقع علي ظهر الأرض ، وبالتأكيد هذا ليس إتهام بقدرِ ما هو
رفعٌ و إرتقاء بدور المثقف .
الهويـة السودانيـة تتداخل في تكوينـاتها عدة معطـيات , تعطيـها شكلها و
طعمـها المميز , فبطـاقتنا الشخصيـة تتقاذفها عدة منعطفات أسـاسية , و
تنطلـق هذه الإنبعـاثات لتشكّل بعداً جديداً في ملامحـها , و الافريقية فينا
تمثل الإيقـاع الذي تتواري خلفه السمـات والسحنـات , وتسد عليـنا الباب
الذي يأخذنا إلي البوابـة العربيـة , ولكن عندمـا حمل إلينا (عبد الله بن
أبي السـرح ) مصحف المصطفـي (عليه الصلاة والسلام ) أدخل في السيمفونيـة
السـودانية , اللسـان العربـي ,في قلب الإيـقاع الاسـود ,ليكتمـل اللحن,
وبين الدوزنة والنشـاز , ضـاعت ملامح الرقصـة خلـف الظلال الرمـادية
المتباينة الألوان .
لم تكن تلك سوي مقدمة مختصرة ، أود أن ألِج من خلالها إلي أسباب إستسهال النظرة للقضايا
القومية و السعي الحثيث نحو المصالح ، و تفشّي ظاهرة الفردية علي حساب القومية ، والجهويات
والإثنيات ، و غيرها من أمراض النظام الإجتماعي والسياسي .
فأنا مثلاً كواحدٍ من الذين أبعدتهم شقوة ظروفهم عن الوطن لأسبابٍ كثيرة ، وعانيت
ما عانيت من إشكالات الهوية و ركلات الإستلاب ، فتولّد في ذهني مفهوم آخر للتعاطي
مع الآخر ، والإنسكاب في القالب الخطأ المتشكّل من هذا الإشعاع .
أعود مرةً أخري للحديثِ عن هذه العملية الفكرية التي تدعي الثقافة ، مع تجاهل القوالب المعدّة مسبقاً
والتي تحدّد هوية الحركة الثقافية ،فنجد أننا في أشد الحوجة لمراجعةِ الذات الوطنية حكومةً و معارضة ، بل
ويجب أن نوجه عدّة أسئلة لأنفسنا ، من أهمها هل يا تري نحن نؤمن حقاً بالحرية والديمقراطية و إستبعاد الآلة
العسكرية من طاولات الحوار الصحي ، هل ترانا نقرأ مئات الكتب والمقالات لنتحدث فقط و نُشعِر غيرنا بأننا
صفوة ، و نأبي أن ننتشِل أدمغتنا السقيمة من داءِ النخبوية الإستعلائية السفلي ! ؟ .
فأنا أعتقد جازماً بأن إيماننا بالديمقراطية والحرية إيمان فطري وغير مُجدي ، فحالما تتحقق لنا الديمقراطية تجدنا قد
ضقنا بها زرعاً ، ليتحرّك فصيل عسكري أو مليشيا ، كانت تنادي بنبذ العنف و إخضاع كافة المسائل الخلافية
إلي الحوار السلمي ، فتجد أنه قد تم تكوين جيوشاً موازية من أجل حماية الأفكار الفطرية الغير مجدية ، فتتحوّل
المدنية إلي ثورية في غمضةِ عينٍ و إنتباهتها ، وتتحوّل العملية الثقافية إلي عملية إستبدادية إقصائية .
ليس بعيدٍ عن ذات السياق ، قرأتُ مقالاً للكاتب و المحلّل السياسي ( سالم أحمد سالم) تم نشرهُ في سودانيز أون
لاين ينادي فيه الكاتب لإستعمال السلاح الصامت ، ذلك السلاح الشعبي الأشدَّ فتكاً من كلِ جيوش العالم
والمتمثل في العصيان المدني ، ذلك السلاح الذي أثبت فعاليتهُ في تجارب سابقة ، مثل ما حدث في أكتوبر 1964
و الذي حدث في عام 1985 .
سأحاول أن أورد هنا مقتطفات من مقال الأستاذ (سالم ) .

الممارسة الإنتخابية التي تتكالب تداعياتها في هذه الأيام ، وما تحدثهُ من مسالب في البنية الوطنية
و التي عوضاً عن دورها في البناء الوطني ، تجعلني أتسائل في غمرةِ هذه الفوضي
الإنتخابية ، لماذا نصوّت ؟
هذا السؤال الذي يجرجِر من وراءهِ آلاف الإجابات التي لا يتّسع المجال لذكرها ، و الذي
دفعني في مطلعِ هذه القصاصة أتساءل بمكرٍ عن جدوي الفعل الثقافي ، لا القول التثاقفي !
فكلنا يطمع في القدرِ المناسب من الحقوق ويحلم ولو بالحدِّ الأدني من الديمقراطية ونحن لازلنا
نرمِّم في إهراماتنا القيادية ، و نصلح في سقوف عقولهم المتشققة ، وكأننا نبحث عن فرعونٍ
جديد ، ينسينا في غمرةِ إنشغالاتنا بمعاركنا الإنصرافية ، أننا مثل ما نحلم بهذه الحقوق ، هنالك
وطن من واجبنا الطبيعي عليهِ ، أن نسعي بكلِ ما أُوتينا من قوةٍ ومن رباطِ خيلِ ثقافاتنا
لكي نجعلهُ في الطليعة ، و لكن للأسف نحن من قومٍ أدمنوا أن يكونواً دائماً في المؤخرة ، ولا
نزيد علي كوننا ، حديقةً خلفيةً ترمي فيها بقية الأمم الناهضة ما زاد عن حاجتها من أفكارٍ
قد لا تتناسب مع تركيبتنا الديموغرافية و طبيعة مجتمعاتنا .
إذن نحن نصوّت للتغيير !
يجب أن لا نخرج لكي نعبئ بطون صناديق الإقتراع بأصواتنا ، وفي نفس الوقت نحن
لا نملك من حقوقنا التأريخية قبضة رمل ، علينا أن نختار من نملكهُ ، لا من يتملّكنا
ولكن إذا خرجت الممارسة الإنتخابية من هذا الإطار فعلينا أن نقاطعها ، لا أن ننساق
وراء أفكار أهراماتنا السياسية و أحجارهم الفكرية الغير مجدية ، و سلاحنا في هذا هو
العصيان المدني ، فمن يستطيع إخراجنا من بيوتنا ، إن أردنا تعفّفاً من رجسِ هذه الإنتخابات ؟
ورد في مقال الأستاذ ( سالم )
الشعب السوداني يعي جيدا أن الانتخابات ليست هدفا في حد ذاتها، لكنها وسيلة سلمية وعادلة
لتنفيذ البرامج التي تحقق مجتمع العدل والحياة الكريمة برضا الشعب وتحت رقابته المباشرة


الانتخابات شأن يهم الشعب السوداني في المقام الأول، والشعب السوداني هو الوحيد صاحب الحق
في حكم نفسه ويملك وحده كامل الصلاحية في تفويض من يراه في تنفيذ تفويض إداري محدد الأجل والمهام
وتحت الرقابة المباشرة للشعب.
وبموجب هذا الحق يكون الشعب السوداني هو صاحب القرار في موعد إجراء الانتخابات، وهو الشعب السوداني هو
الذي يحدد مدى توافر الشروط اللازمة لصلاحية قيام الانتخابات من عدمه. وغني عن القول أن الانتخابات المزمعة
لا تفي بالشروط اللازمة.

الشعب السوداني يمتلك من الوعي ما يؤهله أن يكون وصيا على نفسه بلا وصاية من حزب أو حكومة.
ولا شك ولا جدال أن الشعب السوداني يستطيع اتخاذ الموقف الحر الذي يعبر عن إرادته الغالبة بصرف النظر
عن التقاء أو ابتعاد هذا الموقف الشعبي العام مع موقف الحكومة أو غيرها من الأحزاب.
بالمقابل ندعو أيضا جميع قيادات وزعامات الأحزاب السودانية بما فيها حزب الحكومة توجيه الدعوة
إلى قواعدها بالعصيان السلمي المدني والتزام مساكنهم وعدم الخروج للمشاركة في هذه الانتخابات. وأن
يعكف الجميع خاصة الحكومة الراهنة على وضع الترتيبات اللازمة التي تكفل قيام انتخابات حرة وعادلة
ونزيهة يشارك فيها الشعب السوداني وتلبي شروطه في انتخابات سليمة تفضي نحو مستقبل أفضل برضا الشعب.

كانت هذه النقاط ألأبرز التي وردت في مقال الأستاذ سالم أحمد سالم .

نداء للعصيان السلمي المدني بعدم المشاركة في الانتخابات

أكاد أجزمُ أنا جل مشاكلنا ناتجة عن إشكالات ثقافية

ثقافاتنا للإستهلاك الشفهي فقط!

و أغلب من نرددُ من أقوال في الغالب لا نؤمن بهِ!!

الفجور في الخصومة مع إمكانية وجود قواسم الحوار المشتركة!

كتب الاستاذ حبيب نوره:

Quote: فكلنا يطمع في القدرِ المناسب من الحقوق ويحلم ولو بالحدِّ الأدني من الديمقراطية ونحن لازلنانرمِّم في إهراماتنا القيادية ، و نصلح في سقوف عقولهم المتشققة ، وكأننا نبحث عن فرعونٍ جديد ، ينسينا في غمرةِ إنشغالاتنا بمعاركنا الإنصرافية، أننا مثل ما نحلم بهذه الحقوق، هنالك وطن من واجبنا الطبيعي عليهِ أن نسعي بكلِ ما أُوتينا من قوةٍ ومن رباطِ خيلِ ثقافاتنا لكي نجعلهُ في الطليعة

الحبيب

بعبارتك هذه، فقد لمست والله شغاف الحقيقة ووضعت اصبعك على موضع "الفكك" في أزمة السودان
أصنام صنعها الناس بأيديهم ويعلمون أنها لا تضر ولا تنفع ومع ذلك يعبدونها ..

إذن لابد من "رسالة" جديدة تحرر في المبتدأ حملة الفكر والوعي عن عبادة الطوطم ..
هي بالتأكيد "تحرير" المثقف" عاملا كان أو مفكرا، ففي تحررهم تحرير للماء الذي غير آسن
في قنوات المستقبل واستنبات يذور الحرية فالتنمية فالحضارة

سوف أتفاءل وأقول أننا مثل غاباتنا الافريقية، ننهض دائما من بين أتون الرماد وأحزمة النار


بكم يا الحبيب وبكل هذا الجيل تنهض هذه الأمة من قرفصاء انتظار فرعون قد يمر من هنا ..
أنتم من يؤشر إلى عري الفرعون .. ويلقي عليه الثوب ..

Quote: أكاد أجزمُ أنا جل مشاكلنا ناتجة عن إشكالات ثقافية

Quote: ثقافاتنا للإستهلاك الشفهي فقط! و أغلب من نرددُ من أقوال في الغالب لا نؤمن بهِ!!

الأخ/ الحبيب أبونورة
طيب التحايا والود
في زعمي أن مشكلتنا تكمن في نقص الخبرة، وبعبارة ثانية مختصرة ( الجهل ) ،فالخبرة بمفهوم
جون ديوي والرسول (ص) والقرآن الكريم تعني المعرفة العملية أي التي تنتج عن الفعل والعمل
والتي يكون فيها الشعو رطوع بنان العقل لأن المعرفة التي لا يخالطها عمق الحس والشعور الناتج
عن عمق التجربة أيضاً يفشل العقل في ممارستها وتطبيقها وهنا ينشط الإلتواء لممارسة هوي النفس والخلق المجبول وعن ذلك جاء قول الأستاذ محمود محمد طه ( آفة التفكير في إثنين ، في قلته وفي إلتوائه )، ففي الوضع الراهن كان أهل الإنقاذ في بداية تكوينهم جهلة وإن تخرجوا في المدارس ولم يحصلوا على العلم إلا بعد أن توفرت لهم المعرفة التجريبية التي فضحت ما يرددون من أقوال كانوا يظنون جهلاً قدرتهم على العمل بها وهي دعوتهم لإحياء القرن السابع الميلادي من بين الأموات ليعايشنا في القرن الواحد والعشرين، ولكنهم ما زالوا جهلة في جانب آخر ينتظر أن يعايشوا تجربته هو الآخر حتى يرشدوا ويمتلكوا معرفة تجبر عقولهم على الإنصياع لندائها ،هذه الحدوتة للأسف معطي والسبب فيها أمنا الطبيعة ( الناموس ) فقد أصبحوا ملتوين بعد حصولهم على مكتسبات هي من صميم الطبع المجبول الذي وهبتنا إياه أمنا الطبيعة ،وقد ساهم جانبنا الضعيف بجهله في ذلك ولم يقم بعملية الدفع اللازمة كلها في وقت واحد ويمضي بالتجربة إلى منتهاها لأن الكثيرين لا يعلمون أن الإبتلاء والمشج هو قانون أمنا الطبيعة أيضاً لمنتج جديد فإن لم نكابد الصهر داخل التنور لن نحصل على مولود جديد . من هذا الزعم تأتي واجبات المرحلة المقبلة فقد تكفلت ظروف كثيرة من بينها نضال الحركة الشعبية والقوى السياسية بمرحلة الجهل الأولي وعلينا أن نستمر في الدفع والصراع حتى نهاية المرحلة الثانية (الإلتواء ) لأننا ببساطة مازلنا في الطراوة وضاربين الهمبريب .
جزئية لها أهميتها في هذا الموضوع :
يعرٍّف الأستاذ محمود الثقافة بأنها التمدن الذي هو عنده البعد عن سلوك الحيوان والإقتراب من سلوك اِلإنسان وهذا يتطلب أن يقوم العقل بالقيادة ويجبر الفطرة والخلق المجبول علي التخلي عن رغائبه و هواه الوارد في الآيتين ( إن النفس لأمارة بالسوء)و ( ونهي النفس عن الهوي .....) والعقل لا يستطيع القيام بهذا الدور إلا إذا دخل التجربة وكابد نارها حتي يبتلي فيمشج ومن آليّات هذا الإبتلاء والمشج الدفع والصراع وللأسف الشديد هذا قانون أمنا الطبيعة فمن لم يعجبه فاليشرب من البحر.
أكتفي بهذا القدر وأرجو ألا أكون قد أدخلت الحزن والقنوط إلي نفسك .

أبو حمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

سأعود لاحقاًً

الأستاذ عبد القادر


أشكر مرورك
ويجب أن تعلم بأنك كلما تحبطني و أنا أحشر نفسي حشراً في قالب الثقافة الذي قد
لا يشملني ، ولا تحتويه مواعيني الفكرية المتواضعة ، عليك بأن تعلم بأنك كلما
تضع نفسك في موطن الجرح ، كلما ترشدني إلي طريقة العلاج و ضرورة التعافي الثقافي
مع العلم بأن الثقافة و الفكر بمثابة صناعة في الوقت الراهن
بمعني أننا يجب قبل أن نكب وجوهنا في مجامر الكتب ، يجب أن ندرك رسالية القرائة
و قداسة القضية التي يجب أن نعمل عليها.


وأسمح لي بأن أستعير اللفظ ( الهمبريب التوهمي دايماً بشخّر في عنقريب هبّابي
لي أفكار غير مختونة)


سأحاول أن أعود لذات الموضوع

شكرن يا أبو أحمد
شكرن كتيرن!

أستاذ سالم
تحية طيبة
كما سبق أن نوّهت لضرورة إيجاد طرق للحراك الإيجابي الذي من شأنه أن يخلق
أرضيات ثابتة للضغط علي النظام الحاكم ، من أجل تغيير الأسس البالية التي
يستند عليها في تسيير الأمر
نحتاج كما تقول للسانٍ يهتف في وجه الفرعون الذي صدق فكرة ألوهيته المزعمومة
و يقول لهُ أنت عاري تماماً كما ولدتك أمك ، و يجب أن لا تنطلي عليه خدعة
الثوب الذهبي الذي من شدة روعته وجودة تصميمهِ لا يري بالعينِ المجردة

Quote: "تحرير" المثقف" عاملا كان أو مفكرا، ففي تحررهم تحرير للماء الذي غير آسن في قنوات المستقبل واستنبات يذور الحرية فالتنمية فالحضارة

بالفعل يجب علي المثقف السوداني التفكير بطريقة غير الطرق التقليدية السقيمة
التي أدمناها من خلال تواصل سنين الإحباط والفشل ، و تعاطي الثقافة فقط من
أجل التنظير و المباهاة بالمعلومات و الخطابة والجعجعة الغير مجدية ، والتي
لا تصلح إلا للإستهلاك الشفاهي


سأعود لاحقاً

http://soutelnile.com/NewsDetails.aspx?id=88


من موقع صحيفة صوت النيل الإلكتروني

التزويروقراطية والكذبوقراطية .... بقلم: فتحي الضَّـو