لندن بريدج ، إحدى أعمدته في أمدرمان

كم أكره هذه المدينة الضبابية
تشعرني بكآبة غير عادية
تزكم أنفي رائحة أسطبلات الخيل حتى إن كنت أقبع في غرفتي في فندق الدورشستر أو أسير في أكسفورد إستريت
يتقاطع القديم مع الحديث في لندن بتناغم ميكانيكي و إيقاع رتيب ،، تماما و كأنك في قرية تستمع بالقنوات الفضائية و تتحدث بالهاتف النقال أو كأنك في مدينة تأكل طعاما ريفيا طازجا
التاكسي العتيق في حركة دؤؤبة لا تنقطع ، و الحافلات ذات الدورين بطرازها القديم في حركة كسولة و لكنها متوازنة كبندول ساعة بيق بن
التمثال القديم الملطخ ببقايا الحمام ،، يحكي في صمت أصم عن هيبة إندثرت
يقطع حبل أفكاري ضجيج أطفال يطاردون الحمام ،، فيطير و يحط و كأنه يجاريهم العبث الطفولي
تقدم مني شاب ذو ملامح شرق أفريقية سلم علي بلغة التقراى ،، رددت عليه بالإنجليزية بأنني سوداني ،، إعتذر و ذهب و هو يتلفت خلفه غير مقتنعا بإجابتي ، فشعري المنكوش و الغزير الذي كنت أجاري به الموضة تلك الأيام ،، ما زال يقنعه بأنني من بني جلدته
كدت أن أناديه لأحادثه بأي لغة و لو بالإشارة لكى أقطع هذا الفراغ الجاثم على تفكيري
أنظر للساعة كل مرة ، فقد تأخر صديقي عن موعده للذهاب سويا لشبر بوش
جلس بقربي رجل و إمرأة في منتصف العمر
من اللهجة عرفت أنهما إيرلنديان
نظرت إليهما نظرة خاطفة كانت كافية لأن أرمق إبتسامة ترحيب منهما
إبتسمت لهما مجاملا
قبلها على جبينها و هي تنظر إلى حملقتي بعينين مفتوحتين بتحد سافر
أهي قبلة رضا أم إعتذار عن نزوة في نهاية الأسبوع
ثم تمادى الرجل ، فقبلها قبلة سكرى طويلة
نظرت إليهما طويلا و هما يسبحان بعيدا عنا في عالم غير عالمنا ،،، و عندما عادا لدنيانا ،، لاحظا متابعتي لهما ،، تحول ترحيبهما بي إلى نظرة إستغراب و إستنكار
لم أعرهما إهتماما ،، و تظاهرت بعدم المبالاة ،، و أشحت بنظري بعيدا
طرأ إلى ذهني بخلنا في إظهار عواطفنا لمن نحب حتى في خلوتنا
البعض عندنا ينسى حتى كلمة شكرا لزوجته في غمرة إجحافه و سلوكه الغريب
نظرت إليهما من طرف خفي ،، كان يناولها الآيسكريم من ملعقته و يلعق ما تناثر من بقايا سائلة على أطراف فمها
مبالغة في الإهتمام أم هو البخل الإيرلندي
ضحكت في داخلي ،، لا أدري لماذا قفز جاري أبو طارق إلى مقدمة ذهني فتخيلته يحشر في فم زوجته الخجولة لقمة من كسرة معطونة بالملاح ،، و إخوته و إخوتها و أطفالهم يرمقونه بإستغراب و إستهجان بين الغمز و اللمز و الإنكماش خجلا
جلستْ بقربي شابة تدخن بشراهة و عصبية
مارست هوايتي في تخمين جنسيتها من شكلها
لم أستطع التخمين السريع كعادتي
فقد كانت مزيجا غريبا ،، إلا أن لونها يوحي بإختلاط عرق إفريقي مع عرق أوروبي
تتلفت بقلق
أتابعها ،، و أشيح بنظري كلما تلاقت أعيننا
شيء ما جعلني أسألها دون وعى : هل أنت بخير
قالت : شكرا أنا بخير ،، من أين أنت ،، مهلا ،، أنت سوداني ،، أليس كذلك
أجبتها بالإيجاب ،، و إقتربت منها ،، فقالت بلهجة سودانية ركيكة
إنت من وين في السودان
أشعلتْ سيجارة من أخرى
صوتها مشروخ كأسطوانة قديمة
بها بقايا جمال يئن تحت وطأة السهر و التبغ و الكحول و ربما أشياء أخرى
طلبت مني أن أشتري لها آيس كريم
قالت و هي تلعقه بشراهة ،، أنا لا أحب نكهة الفانيليا ،، و لكنها مقبولة منك
عرفت منهاأن شابا سودانيا من أمدرمان ساكنها غرفتها ردحا من الزمن ،، و أنجبت له طفلة ثم إختفى و أنقطعت أخباره عنهما
قلت لها ،، ما أسمه ،، و ما هي قصته
سكتت
أتحبينه للآن
هزت كتفيها بلامبالاة و قالت بصوت متقطع بفعل السعال الذي يداهمها من حين لآخر
لم يعد لي قلب
كلماتها توحي بالكثير
إنتابني قلق على أبنتها
شيء غريب ،، أنا لا أعرفها و لا أعرف أباها ،، فلم القلق
و لكن السؤال إنطلق رغما عني من دواخلي
و أين البنت الآن
قالت لا أعرف ،، هي هنا في لندن تعزف الساكسفون مع شباب من جمايكا لديهم فرقة موسيقية
يا للهول
غضبت ،، وددت لو أقوم بإمساكها من كتفيها و أصرخ فيها
هل تعرفين عنوانها
قالت : لم أرها منذ ثلاث سنوات ،، عمرها الآن عشرون سنة ،، تستطيع أن تتدبر أمورها
ثم نظرت إلى و قالت ،، هل يمكن أت تعطيني بعض المال
مددت يدي لها ببعض الجنيهات
و عندما مدت يدها لتناولها مني ،، شاهدت آثار حقن المخدر على يدها
حاولت أن ترجع يدها بسرعة
قلت لها ،، لقد رأيت علامة إدمانك ،، هل يا ترى هذا ما تفعله إبنتك الآن مع الجمايكيين
قالت و هي تهب واقفة بعصبية ،، أموعودة أنا بواعظ ديني في هذا الميدان ،، ثم إختطفت الجنيهات ،، و إختفت بين الناس

استاذنا
بالله كنت نازل في الدورشيستر سيد الاسم؟؟

ماك هين

بجيك راجعة-دي قصة عميقة


meanwhile

LONDON BRIDGE IS FALLING DOWN

FALLING DOWN ...... FALLING DOWN

NB:a famous nursery rhyme

حنينة
لو كان حق الفندق حيندفع من جيوبنا ،، كنا حننزل في فندق أبو نص نجمة ،، و لكن كان مدفوع من ناسا قروشهم شايلنها بالشوالات.
في إنتظارك
تسلمي

يا اباجهينة
بالله جيت لحلتنا وما تسأل عننا يازول عيب والله
المرة الجاية ادينا خير قبل زيارتك

لكن المهم انا حأكون في رياض الخير- دي حلوة مش- قبل نهاية رمضان إن شاء الله

لكن المرة الجاية ما تدفع قروشك لأي زول ديل مستهبلات ولا لاقت سوداني ولا حاجة لكن عرفت السودانيين ناس طيبين وقلوبهم حنينة والتأثير عليهم سهل للغاية

هذه البنت المفعوصة الماشه مع الجامايكي دي مولودة في التمانيات يعني حيث السودانيون يمكن عدهم على اصابع اليدين وكلهم طبقات محترمة من مبعوثي الجامعة والمعهد الفني ولا أثر لللجوء السياسي أو الإقتصادي الحادث الآن ببريطانيا العظمى سابقا... دي واحدة نصابة بس لكن لك الاجر

كدي لمن نتلاقى في الرياض قريبا بس اوعك تجي لندن اليومين دول بقت ابرد من نخرة الكلب
مع تحياتي لجهينه وصويحباتها

كانتونا الحبيب
لك كل الود
أول زيارة لي للندن كانت في عام 1979م
بالفعل كانت خالية من السودانيين إلا فيما ندر
قريبي كان و ما زال يعيش في لندن ،، و مرة عزمني غدا في مطعم لبناني ،، و هناك شفت أول سوداني و سودانية
ثم تكررت الزيارات على التوالي حتى عام 1987م
الذي جعلني أصدق هذه المرأة هو أنها تحدثت معي عن أمدرمان بطريقة لا تصدر إلا عن شخص عاصر سودانيا بالفعل لمدة طويلة
و للحظة فكرت ربما أنها ربما تكون كاذبة و سمعت عن السودانيين ،، و لكن حدسي أقنعني انها صادقة و أن جزءا من دماءنا السودانية تتحاوم في لندن بعد أن يأست من عودة أبوها
و بالجد كدة ،، كنت عاوز ألحقها عشان أصر على معرفة إسم الراجل و عنوانه
و لكن حضور صديقي ،، غير مجرى التفكير
و كل هذه السنوات أبحث عن نقطة أو خيط يوصلني له ،، و لكن دون جدوى ،، فلها الله هذه الفتاة و ربنا يوفقها
و على كل حال لك الشكر الجزيل و تسلم للطلة

استاذنا ابوجهينة
هانت مرة اخرى تاخذنا معك الى مدن بعيدة فنعايش معك احداث ماضية وكانها الان امامنا ، تخيلت شكل الزوجين وهما يلعقان الايسكريم ايا كان الامر ففي ذلك قدرة رائعة على اظهار العواطف التي يخجل من ابدائها افراد مجتمعنا، اهو الخوف ام الخجل ام مفردة العيب التي تقبع في الذاكرة
تسلم استاذنالابداعك

شكرا لك يا جلال ان ما يلفت النظر في كتاباتك حقا في رايي ليست التفاصيل فقد تكون هذه السيدة نصابة كما ذكر الاخ كنتونا ولكن لغتك هذه الراقية والقدرة العالية في وصف المشاعر والاماكن فمثلك يجب ان يكون قاصاعظيما وانت كذلك ولكن اعني رقما في عالم الادب ولك التحية

أخي جلال دائما كعادتك تبحر بنا في بحر الواقع وتجدني فيه أيضا كما قلت أنت غريقا فيه رغم طوق النجاة وذكرني الشاب الشرق أفريقي بأكثر من واقعة قابلتني أنا شخصيا ففي ذات مرة بينما كنت
في انتظار صديق يزورني في دولة خليجية اذا بسوداني بزي تقليدي
وبسفة تظهر لك يصعب مع أهل التجميل والحرفنة اخفاءها يقول لي
" أوريا كيف حالك زين
والاوريا المقصود به اخوتنا الصوماليين ؛ فطبعا هذا الموقف استفزني جدا وبدلا من مبادلته التحايا وجدت نفسي أقول له بالله أديني سفة واذا بهذا الرجل يترك لي الحقة كاملة بما فيها
ودمت نجما يتلألأ في سماء هذا البورد وفي كل مكان

ترهاقا العزيز
تحياتي و مودتي
لقد جعلتني كلماتك حقا أتشابى كما نخلة على طرف النيل ،، فلك الشكر على هذا الإطراء الجميل الذي بصدق و حق يدفعني للمزيد
تحياتي للأسرة

أنور الطيب
تحياتي لك و صادق مودتي
تسعدني حقيقة طلاتك و كلماتك المشجعة و التي هي على الدوام زادي للمواصلة
تسلم أبو الطيب