محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

محمود محمد طه في رؤى الأحلام .


01-20-2007, 09:52 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=265&msg=1241484081&rn=504


Post: #1
Title: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-20-2007, 09:52 AM
Parent: #0




محمود محمد طه في رؤى الأحلام.

تدلى الجَسد مُعلقاً ، قُرطٌ تدلى سبحان من أبدعه .
نَهضت سحابة طيفٍ لأبي الطيب ، مدَّ يُمناه وأنشد :

نَفَذَ القَضاء بما أرَدتَ كأنهُ
لكَ كُلما أزمَعتَ أمراً أزمَعَا
أكَلَت مَفَاخِرُكَ المفاخرَ وانْثَنَتْ
عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصفي ظُلَّعا
وجَرَينَ جَريَ الشمسِ في أفلاكِها
فقَطَعنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطلِعا
وحَلَلتَ من شَرَفِ الفَعالِ مَواضعاً
لم يَحْلُلِ الثَقَلانِ مِنها مَوضِعا

من يشبهك يامن خرجت علينا منذ ألفي عام ؟

كُنتَ أعزباً والعُمر نيِّف وثلاثين عاماً . في حياتك السابقة ، كأنك جلست في صُحبة حوارييِّك الى العَشاء الأخير . خُبز جاف أنت ، ودمك المراق هو النبيذ الأحمر . من خوف عيد السبت ، سادتي... لا تقتلوا حَمَلاً أو لِصَّين . تعجَّلت روحك الا تأتلق هناك . يا دنيانا تعالي فقد فرغت من قراءة حظي ، هذه هي البداية وتلك كانت الخاتمة . وكُتب للحَمَل الوديع أن يهبط إلى العُلا مذبوحاً يفتدي أمة ، ففي دروب المراعي سار الأنبياء والرسل والحكماء والبسطاء . الآن تنهض الجمعة العظيمة مرة أخرى . فسدنة بيلاطس يجلسون من فوق سرج مهر أبيض من الرخام ، وَسِعهم جميعاً . قالوا لسيدَّهم :

ـ الدنيا أظلمت ، والسماء أحجمت عن البوح ، والنيل منذ مولده نسي أن يَنعم على أهله ولا يَسال اليوم عروساً ، يحملها ويتفجر ويزدهي من أعلى فَراديسه والى مَرج البَحرين عند المتوسِط .

إنهم يطلبون منْ كان اسمه على ( محمود ) السماء ، فساعته قد أزفت . جاؤا به إلى دار الولاية ، دخلوها فتنجسوا ، فكيف ياتُرى يأكلون الفصح ؟
خَرَج بيلاطس إليهم وقال :

ـ أية شِكاية تُقدمون على هذا الإنسان ؟
قالوا له :

ـ لو لم يكن فاعِل شر لما كُنا قد أسلمناه إليك .
قال لهم :

ـ خذوه أنتم ، وأحكموا عليه فلكم ناموسكم ، وأنتم أهل العِلم .
قالوا له :

ـ لا يجوز أن نقتل أحداً ...، نحن نريد الشريعة أن تحُده .

قال لهم :

ـ وما ترون .

قالوا : الحُكم ُ هو الموت .
دخل بيلاطس مجلسه ، وقلَّب الأمر وحدَّث نفسه :

ـ هو يقول مملكتي ليست من هذا العالم . أقديس هو أم زنديق ؟
إنه زنديق ليس في ذلك شك .

جاؤا اليه بالأوراق ، وخَتَم بخاتم الدولة ، صباح الجمعة هو الميعاد .


مضى الليل أظلم مما ينبغي ، والصبح الآن في رونقه البهي فاتر النظرات كأنه يَحلم مِثلي . أمطرت الطرقات وجرت سيلاً ، من كل أمة فوج . وحدها الأرض المخضرَّة قالت لا ، لن أشهد مصرعه . قلبه نما أخضراً من بين أشواك عرفت حنينه ، طهره ونقاءه . كانت الأرض تخاف أن تلفحه نسمة قادمة من وطن ناء يستجدي أطفاله الأثداء أن تنعَم عليهم بقطرة حليب . سيُدمي سيدنا البكاء إن علم أن الموت يرغب ضُمهم إلى صدره .

خَفَت ضجيج المدينة ، ورقصت الناقلات في الطريق الى الهيكل ، وتوقفت من وعورة الطريق والزحام . السير على الأقدام أسرع ، فموعد الزفاف برهة لا تفوتك . نُصبت السرادق برأس حافٍ ، وسماء ترقب . أطَّل الزمان الغابر الكالح بأوجه كهنة نفضوا غُبار السنين ، قفزوا من قبورهم ، ومن تحت طبقات التراب نهضوا ليعيدوا الحَدث التاريخي من جديد . تَمدد عمرك سيدي ، ستة وسبعين عاماً ، استَويت على غصنك قنديلاً يتلألأ .

كتبتَ أنتَ سِفرك الأعظم قبل موعدهم معك اليوم بسنين عددا . إتَزَرت الآن أبيضاً ناصعاً بمحبة أن تَرى خالِقك ، والعيون تَشرب من ضوء نُورك وأنت تصعد عتبات العُلا . أرخت الشمس جفنيها عن المشهد البديع ، فالسماء تُفسح ويتمدد الزمن بين الضُحى و صلاة الجمعة .

تلى رئيس الكهنة الحيثيات :

ـ الحُكم عليك قديم ، قد خَرجت أنتَ عن ملتنا زنديقاً منذ زمان . إنك ملعون ...ملعون ... ملعون .
فقال الحَمَل في سِره :

ـ أنت تقول إني زنديق !. فقد ولدت أنا لأشهد للحق .

قالوا لِحَمَل الذبح :

ـ ألك أمنية ؟

قال : أمنيتي واحدة .

قالوا :

ـ أتشرب كأساً من مُخدر ، فبين فينة الحضور والمغادرة لن تقدر على ألم الفراق ؟
تبسَّم وقال :

ـ أمنيتى ، أكشفوا وجهي لأرى أُمة مُحمد ، قد صدق المولى وعده . أما أنت يا حبيبنا ( عبد اللطيف ) فستنكِرني قبل صياح الديك ثلاثاً . اللهم اغفر لهم جميعاً . من يَتزود ويرشُف رحيق الحقيقة العِرفاني ، فإنه كادح إلى ربه فملاقيه .

هَتفت في حضرته :

ـ سيدي ... أنت الآن قد ورَّثتنا كلماتك ، أنت حي معنا .

غمامٌ أبيض كثيف أغشى عيناي . مدينة السلام أراها هابطة من السماء . لكل بوابة نسيج يتفرَّد ، ومن كل حجركريم قلادة ، وضفائر مجدولة . نَمْت عليها زخارف من يَشْبٌ ، ياقوتٌ أزرق وأصفر ، عقيق أبيض وأخضر وأحمر ، زُمرُّد ذُبابي وسِلِقيٌ .

يقول الحَمَل الوديع في الخِتام :

ـ الله ربي ... إني اليك قادم .

تدلى الجَسد مُعلقاً ، قُرطٌ تدلى سبحان من أبدعه . تتكسر الأضواء فيه والعُيون تحلِّق . من صفو الينابيع أَدمُع المحبين تَنهل وتَهمي ، علا الهُتاف . الروح تحلِّق ترفرف أجنحتها أقواساً من قُزح تحملها الريح ، والعطر يملأ السماوات . إنه لذبح لو تعلمون عظيم . اليوم لا صوت للضاربين بالقيثار والمغنيين ، والمزمَّرين ، لن يَسمع اليوم أحد . تتوهج الفردوس سَكرَى ، بمقدم فارس قد استضاء من نور مشكاة ، ومن نور كوكبها الدُري تألَق مُشرِقا .

عبد الله الشقليني
22/10/2004

Post: #2
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: أبو الحسين
Date: 01-20-2007, 10:19 AM
Parent: #1

رحمك الله رحمةً واسعة يا محمود...

وأسكنك الفردوس الأعلى مع الأبرار...

صادق تحياتي لك أُستاذي الشقليني...


أبو الحســـــــين...

Post: #3
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 01-20-2007, 12:32 PM
Parent: #1

سلامات يا عزيزي عبد الله الشقليني..

Quote: كتبتَ أنتَ سِفرك الأعظم قبل موعدهم معك اليوم بسنين عددا . إتَزَرت الآن أبيضاً ناصعاً بمحبة أن تَرى خالِقك ، والعيون تَشرب من ضوء نُورك وأنت تصعد عتبات العُلا . أرخت الشمس جفنيها عن المشهد البديع ، فالسماء تُفسح ويتمدد الزمن بين الضُحى و صلاة الجمعة .



Post: #4
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-20-2007, 03:16 PM
Parent: #1


الحبيب أبو الحسين

جعل الاستشهاد الباذخ لرحيله طعماً . غشت الدُنيا حوله ما غشت .
. كان الجسد المُسجى من بعد رحيله أسداً يُخيف الفرائس .
في بسمة صاحبه وقد غادر الدُنيا وقد صالح دُنياه ،
في حين كان الرُعب قد أكل أجساد القتلة ،
ترتجف العقول النخرة والأبدان النجسة من هول ما فعلوا .

نَعُم الثرى بمرقده ، وطربت الجنان بمقدمه بإذن مولاه .


Post: #5
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-20-2007, 03:19 PM
Parent: #1



حبيبناالأستاذ ياسر الشريف .
تحية واحتراما

يوم لن يُنسى . صحوت من النوم عصرا .
نداء من الحُلم لست أدري من أين .
من فراغات في الذاكرة نهض الحُلم جلياً ناصعاً . التبستني روح بهية .
هبطت إلى ذاكرتي تطلُبني أن أكتُب حُلمي .
لم أُدر نقاشاً أو أقرأ كتاباً أو أُفرد صحيفة تتحدث عنه .
كأن روائح هبطت تُعطرني . وجدتُ نفسي كمن هبط عليه روح قُدس .
نفسي غير التي عهدتها . جسدي غير الذي عهدت .
كأن غُبار الذاكرة ينجلي ، وظهرت صورته البهية ناطقة .
تراها العينُ ويُعشيها الضوء . الجمعة العظيمة هي الجُمعة العظيمة ،
بين الأولى والثانية ما يقارب الألفي عام .
النُبل والمحبة بادية في مُحياه . كل ما قال أو كتب :

ـ خيرتُك وهذا قولي وتلك أسفاري .
انظُر فيها فإن النظرة العميقة من الفِكر ومن التفكر ومن العقل .
كان المُعلمُ رحيماً بمن يُجادله ، فنال كبش الفداء حقه من المَثوبة .

تفرق الذين جلسوا أمام رُخام المُحاكمة . فرقتهم اللعنة ،
وجلدت نفوسهم روح نتنة تُلازمهم أنا حلوا .


Post: #338
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: محمد عكاشة
Date: 05-28-2007, 08:57 AM
Parent: #5

سيدى عبدالله..
فى مقام الاستاذ..
محبة وعرفان
ياااا عـصام عبدالحـفـيظ ...أحــوال الصــوفـيين مــواهـب !!!

يااا عصااام...

في أمريكا، بلد الغرائب والمصيبات العجيبة، انتبذ فيلسوف معاصر مكاناً بعيداً في الجنوب الأقصى واتخذ له ضيعة وارفة الظلال، وموحية ليغرق في تأملات عميقة يغيب عن نفسه والأغيار... ثم بعد مكابدة لافحة يعود إلى الحياة لينتقر من بين تلاميذه أشدهم ذكاءً وأوفرهم عزيمة؛ ذكوراً وإناثاً، ويجئ بهم إلى معتكفه النائي ويطلب إليهم أن يعيشوا الطلاقة الجامحة...ويستكثروا من الملذات ويصلوا بها حدها.. ثم بعد فترة، وهؤلاء المنتخبون من الجنسين على شئ من الاستشفاف وخفة الروح، بعد فترة وجيزة تكشّف لهم أن ثمة أمراً هو أبعد من غلظة الحس وربقة اللذائذ.. ثم يعودون والفيلسوف يرقب تحولاتهم... يعودون في لطافة من الحس والعرفان يذهل لها بعض أفراد المجتمع الأمريكي.
وفي إذاعة البيت السوداني أسرني صوت المذيعة النابهة ريهام وهي تقدم حلقة من فضاءات الكتابة حول رواية (مريود) التي أشار كاتبها الكبير الطيب صالح إلى أن كتابته لها كانت عمداً أقرب إلى (واردات الأوقات) عند العارفين... تهبط عليه بعض فصولها وعباراتها دون وعي منه في ليل أو نهار... الطيب صالح يأخذ (الصوفي) في أعماله مكانة كبيرة... ثم هو في مجلة (المجلة) يكتب ذات يوم عن جماعة (الأكبريون) في أسبانيا... وهم مجموعة من المفكرين ضمهم الشيخ الاكبرمحى الدين ابن عربي، وقد عثروا على بعض مخطوطاته، وهم لا علاقة لهم به من ذي قبل وليسوا بمسلمين.
في أم درمان...في مستوصف النيل الأزرق (حضر) الشيخ أحمد عبد الباقي، ابن الشيخ دفع الله الصايم ديمة وخليفته ووريثه في الهدي المحمدي، حضر الصايم ديمة لعيادة أحد مريديه، التف الناس حول مقدمه... من يعرفه من قبل ومن يراه للوهلة الأولى، من بين الحاضرين أسرة هندية، قام ربها بتحية الشيخ كأنما يعرفه من قديم.. الرجل أحد أعمدة الجالية الهندية وأحد أهم المستوردين ورجال الأعمال في أم درمان... ثم الأيام تمضي والصايم ديمة ماكث في مسيده بين مريديه فإذا بالرجل يدخل عليه بتحية ندية، شفيفة، ويستأذن الشيخ بأن يقبل هديته إلى طلاب القرآن في المسيد، كمية كبيرة من الأغطية تقيهم لفح البرد، ثم يمضي إلى غايته.
في مطار الخرطوم... عند السحر.. كنت في تغطية واستقبال وفد المسرحيين العرب القادمين من دول شتى، حركة واسعة في المطار وزحمة تضيق بها الصالات.. يحضر إلى الوطن الشيخ سيف الدين أبو العزايم من مصر المؤمنة، يزدحم الناس عنده، وزميلنا المصور التلفزيوني البارع جد المية زيادة دون أن يشعر يصوب عدسة الكاميرا نحوي، والفنانون العرب يحسون بخصوصية الرجل ويسألونني عنه أسئلة كثيرة، عميقة، وفي إجاباتي:
كنا نلقاه بظهر السوق عطاشاً فيروينا من ماء الكلمات..
جوعى...فيُطاعمنا من أثمار الحكمة
وينادمنا بكؤوس الشوق إلى العرس النوراني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور فى مجلة(اوراق)جديدة

Post: #339
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-29-2007, 03:45 AM
Parent: #338

الأستاذ محمد عكاشة :

نرفع محبتنا لما تكتُب .
أنتَ الآن في مقام يحتفي بما تكتُب ،
ونحتفي جميعنا وننهل من مورد عذب
نظنه مُرتجى من يُحب ومن يعشق .

سنعود عليك من بعد أن نتجول برفق
بين بساتين النص .
لك الشكر الجزيل

Post: #6
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 01-20-2007, 04:28 PM
Parent: #1


أستاذنا الأديب عبد الله الشقليني
ما أروع تصويرك وما أعمق تناولك
لقد استوقفني المقطع التالي فحفظته لأنزله كنص مختار ففوجئت بأن د. ياسر قد اختاره أيضا:
Quote: كتبتَ أنتَ سِفرك الأعظم قبل موعدهم معك اليوم بسنين عددا . إتَزَرت الآن أبيضاً ناصعاً بمحبة أن تَرى خالِقك ، والعيون تَشرب من ضوء نُورك وأنت تصعد عتبات العُلا . أرخت الشمس جفنيها عن المشهد البديع ، فالسماء تُفسح ويتمدد الزمن بين الضُحى و صلاة الجمعة .
فالقلوب شواهد ..
دعني أهديك وقرائك الكرام هذه الأبيات ..

هذه العذراء حبلى باشتداد الطلق تبلى
الثرى يغدو ثريا والذرى تمتد نخلا
ثلث ليل من مخاض فجر ميلاد تجلى
لا تخافى بعدُ وهنا إن وهن الحمل ولى
لا تخافى سوف يأتى مالئا مثواك عدلا
مشرقا بالأمن وجها ماحقا بالحب غلا
حين يأتى ذا محال يستحيل القول فعلا
حين يأتى سوف يحى كل من قد مات جهلا
سيد الأكوان حل فيك للأكوان يجلى
إذ هو القرآن حيا من طوايا النفس يتلى
اعظم الأسماء فيك الآن طيبى طاب حملا
ان أمر الله آت لا تكونى الآن عجلى
لا تخافى فاستواء الشمس يمحو فيك ظلا
ملتقى بحريك مرقى كل نفس فيك سفلى
لا تنامى فهو مسك الليل غب الفجر يجلى
يالها دار علتها أدمة الأصل المعلى
ياله عرس يلاقى كل مثل فيه مثلا
أوقدى المصباح ليلا وارقبى بدرا تدلى
جمـلى الدار انتظارا فهو بالترحاب أولى
ولتضميه اشتياقا وليقم بالدار أهلا

عمر

Post: #7
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-20-2007, 05:44 PM
Parent: #6

Quote: نَفَذَ القَضاء بما أرَدتَ كأنهُ
لكَ كُلما أزمَعتَ أمراً أزمَعَا
أكَلَت مَفَاخِرُكَ المفاخرَ وانْثَنَتْ
عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصفي ظُلَّعا
وجَرَينَ جَريَ الشمسِ في أفلاكِها
فقَطَعنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطلِعا
وحَلَلتَ من شَرَفِ الفَعالِ مَواضعاً
لم يَحْلُلِ الثَقَلانِ مِنها مَوضِعا


أستاذنا عبد الله الشقليني،

شكراً على الوفاء!! ولايكون وفياً للأحرار، إلإ حر، يفهم في سر الأسرار!!

هنيئاً لك بمحبة الأستاذ محمود محمد طه!!

ثق في قولي هذا، فإن غربتك لن تطول، وأنت المثقف الحر، الذي لم يرتض أن يكون من مدعي الثقافة الخنع، من أخناث الرجال!!!

هنيئاً لك يوم بكيت على الأستاذ بأفراح القلب الصداح، في كل مساء وصباح!!!

هنيئاً لنا بك، وهنيئاً لك به، وهل في الناس، إلا هو، وهو الحي، الشهيد، القيوم!!!!

Post: #8
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-20-2007, 06:14 PM
Parent: #1



عزيزنا عمر
في بستان المعرفة ضاحية مُورقة تحكي كيف كانت سيرته .
في الجبال شجر ، و في السفوح عُشب وخُضرة .
الورق يلثُم الندى .
سعى لربه كدحاً .. فملاقيه بإذن مولى تُطربه كلمات عبد سجد فكره من بعد جوارحه وأزهر .



Post: #9
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-20-2007, 06:19 PM
Parent: #1







إلى صاحب المحبة الصقيلة :
الأستاذ حيدر

عندما تمشي الأقدام في بهو حضوره ،
تُشرق الدُنيا بأنوارها ،
ويرخي القلب جَفناً ، وتُرفرِف أجنحة الأطياف .
في ذكراه يتكسر الموج على صفحة بركة معرفة ....
تبدأ هي ثم لا تنتهي .
من كأس شرابها ساعة صفاء ... تسكر الأرواح .
يرنُ على مسمعي صوت الأقداح تنطحُ بعضها ،
نخب الحضور جُرعة من فِكَر .




Post: #10
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Khalid Kodi
Date: 01-20-2007, 07:31 PM
Parent: #1

الاستاذ عبد الله،

شكرا لهذا البوست،
والتحية لروح الشهيد محمود محمد طه.

Post: #11
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Moneim Elhoweris
Date: 01-20-2007, 11:42 PM
Parent: #10


الأستاذ عبدالله, أعزائى تلاميذ الأستاذ,
حكى لى عمى المرحوم عثمان الحويرص عن الأستاذ محمود محمد طه والذى زامله بكلية غردون وقد سبق الأستاذ الشهيد عمى فى الدراسة. قال لى لم ار فى حياتى شخصا بذكاء وسماحة وجمال محمود. ولو كان محمودا يريد أن يكون وزيرا أو يصير رأسماليا لفتحت الأبواب له على مصراعيها, لعلمه ومقدراته ونضجه.
لكنه ذهب مذهبا وركب مركبا صعبا, وأتى للناس بفكر لم يقدروا على فهمه واستيعابه فى زمان الغلو والتطرف والا معقول.
وواصل عمى بأن محمود الذى يعرف لو خير بين الحياة والتنازل عن ما يعتقد ويؤمن أو الموت, لضحى بالحياة دون تردد.
هذا السرد كان فى بداية العام 1985 والهوس الدينى فى قمته والقطع والجلد والتشهير ديدن محاكم العدالة الناجزة!!!! بقيادة فؤاد الأمين, والمكاشفى طه الكباشى, والمهلاوى وغيرهم من قضاة السلطان. ومحاكمة الأستاذ المهزلة قائمة, يزكيها ويصفق لها أناس لم يقدروا على مجادلته فكرا فقرروا أن يهزموه قتلا. لكن ما دروا أنه باق بفكره ومواقفه وثباته, وانهم صاروا الى نسيان.
رحمك الله استاذ محمود يا من سبقت الناس بثاقب فكرك, ووهبت حياتك فى سبيل ما آمنت به, وعزاء موصولا أحبائى تلاميذ الأستاذ محمود.
عبدالمنعم الحويرص

Post: #12
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 06:23 AM
Parent: #10




عزيزنا الأستاذ خالد
لك التحيات الطيبات وأنت بيننا
في ذكرى رجل وفكر و موقف .
التحية له في مثواه ،

والطيبون للطيبات .. نهجاً ومآلاً
كما صدَّق الذكر الحكيم

Post: #43
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: د.محمد حسن
Date: 01-23-2007, 04:55 PM
Parent: #12

رحم الله الرجل

فقد كان صديق شخصيا لوالدي

عليهما رحمة الله جميعا

Post: #44
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-23-2007, 05:37 PM
Parent: #43



عزيزنا دكتور محمد حسن
تحية لك

اللهُم ازهر قبريهما بماء يندلق
من الجنان الموعودة ، يُرطب مرقدهما .

Post: #13
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 06:36 AM
Parent: #1



عزيزنا الأستاذ مُنعم
تحية لك

عزيزنا الأستاذ مُنعم
نعم الفضل ما تفضلت به

كأن الشهيد قد تمثل قول أبو المُغيث الحسين بن منصور :

مَا زِلتُ أطفُو في بِحارِ الهَوَى ... يرفَعنِي المَوجُ و أَنْحَطُّ
فَتَارةً يَرفعُني مَوجُهــا ... وَ تَارةً أَهْوِي وأَنْغَطُّ
حَتى إذا صَيَّرني في الهَوَى ... إلى مَكانٍ ما لَهُ شَطُّ
نَادَيتُ : يا مَنْ لَمْ أَبُحْ باسمِهِ... و لَم أَخُنهُ في الهَوَى قَطُّ


Post: #14
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Mohamed Adam
Date: 01-21-2007, 07:06 AM
Parent: #1

الأخ الأستاذ
عبدالله الشقليني

التحيّه لكْ و
لشهيّد الفِكر والكِلمه
الأستاذ محمود محمد طه.

Post: #15
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: معتز القريش
Date: 01-21-2007, 07:25 AM
Parent: #14

Quote: الحي، الشهيد، القيوم!!!!


أستغفر الله العظيم وأتوب إليه...........

Post: #16
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 08:37 AM
Parent: #14


العزيز محمد آدم
تحية لك ،
وأن تكُن بيننا فهي نعمة


Post: #17
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 08:41 AM
Parent: #1



بسم الله :

في اللغة وفي التأويل

اللغة بحر والتأويل أبحُرا

منه ما يلي :


الحي : الحي بفِكره من بعد رحيل جسده
الشهيد : من فَعيل ، اسم لكل مَن شَهِد أو شَاهد أو استشهَدَ
القيوم : المُبالِغ في القيام طاعة لمولاه



Post: #18
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: نادر
Date: 01-21-2007, 09:52 AM
Parent: #1

Quote: بسم الله :

في اللغة وفي التأويل

اللغة بحر والتأويل أبحُرا

منه ما يلي :


الحي : الحي بفِكره من بعد رحيل جسده
الشهيد : من فَعيل ، اسم لكل مَن شَهِد أو شَاهد أو استشهَدَ
القيوم : المُبالِغ في القيام طاعة لمولاه
لمن تشرح يا أستاذ عبد الله ... للعقول الصغيرة المغلقة؟؟ للقلوب والوجوه المظلمة؟؟الأستاذ محمود محمد طه رحل قبل أكثر من إثنان وعشرون عاماً وما يزال فكره حي يؤرق مضجع خصومه، قتلوه ولم يقتلوا فكره الخيّر النيّر، وما زال يهزمهم كل يوم وهاهم يحاولون قتل فكره وإنسانيته ولا يستطيعون ... شكراً جميلاً على هذا البوست الملهم المُريح.

Post: #19
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 10:18 AM
Parent: #1


العزيز الأستاذ نادر
تحية طيبة وكثير من الاحترام .

كتب شاعرٌ :

بأنْكَ ربيعٌ وغيث مُريع
وأنْكَ هُناكَ تكُون الثمالا

Post: #20
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 12:05 PM
Parent: #1



أذكر الآن كما قال الشاعر : جميع الشهداء
كل من خط اسمه بالدماء

تذكرت فارس الفكر وتذكرت يوم الجمعة العظيمة في عام خمسة وثمانين وتسعمائة وألف كنت أحلم أن أكتب عن الرجل ، وما كان حينها قلمي سلساً كما هو الآن . كانت نفسي تعتمل الكثير ، ورغبت أن أكتب عن صاحب الإرث الطيب والبشارات . غشتني أمواج من كل جنس ولون ، ومضى الزمان بحاله .
الآن رفرف طائرٌ خُرافيٌ بأجنحته ، ومن تحت غبار الذاكرة هبط الخاطر مُثقلاً بالحنين . توهج البريق والنور في المشكاة يتخطف الأبصار .

إنني أحسب مؤسس الفكر ، وقد احترقت روحه منذ القدم بمحبة عظيمة ملكت جوانحه ، وتسامى فكره حتى أنجز ما أنجز . اختلفت الرؤى حول الفكر وصاحبه . سمعت أحد غلاة أعدائه من أهل الظاهر ، وهو يقول أنه عندما يراه ،يرى بصحبته أسداً و يرتعِد خوفاً ، لم يفارقه الخوف إلا بعد أن تبسمل . لقد أراد أن يورد لنا أن الشيطان رصيفه ، وما أفلح . العِصي أيضاً كنا نشهدها لغة العاجزين في ذلك الزمان ، ولم تُفلِح أيضاً .

رأى أحد قادة أهل الظاهر في السودان أن الرجل قد بدأ سحب البُساط من الحركة ، إذ شرع سيف فكره وراء أهل الظاهر يترصدهم عند كل منعطف ، فقال قائلهم :
السيف على الحَسم أقدر .

أيقدر السيف على المنهاج والفِكَر ؟


Post: #21
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 12:12 PM
Parent: #1



أشعر ابن الفارض :

آنَسْتُ بالحيِّ ناراً ... ليلاً فبشّرتُ أهلي
قلت امكثوا فلعلِّي... أجد هداي لعلي
دنوتُ منها فكانتْ... نار المُكَلَّمِ قبلي
نوديتُ منها كِفاحاً... ردّوا ليالي وَصلِي
حتى إذا ما تدانى الميقاتُ... في جمع شملي
صارت جِبالي دكّا... من هيبة المتجلي


Post: #22
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مريم بنت الحسين
Date: 01-21-2007, 01:01 PM
Parent: #1

الأخ عبدالله الشقليني...
هكذا نحتفل بالأستاذ محمود.. هكذا نتذكره وان كنا لا ننساه.. شكرا لك على هذه الكتابة الراقية..

بنت الحسين

Post: #23
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-21-2007, 04:44 PM
Parent: #1



الأخت مريم بنت الحسين

شكراً لكِ أن كنتِ معنا هُنا
إن رسالة كل فكرٍ حُر أن يمشي في أذهان الناس .
من يحترم الذهن البشري يبُثه الفِكر .
من لا يعرف لغة الفِكر يصُم آذانه ، ويحرم ذهنه من
نعمة التفكير ، ثم يذهب ليقتص من الجسد ! .



Post: #24
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 01-21-2007, 05:44 PM
Parent: #1

عزيزي عبد الله الشقليني،

لك مني المودة والإحترام والسلام..

بوستك هذا واحة من واحات المنبر.. وأنا لما وجدته فيه لا أريد أن أعيد إليك "كوريتك" فاضية كما يقول أهلنا السودانيون الطيبون.. فأرجو أن تسمح لي بأن أهديك وأهدي زوار بوستك حديث الأستاذ محمود للجمهوريين في يوم 6 فبراير 1983، يعني قبل أربعة أشهر من اعتقاله.. وكان الجمهوريون قد عادوا من مؤتمر للحركة في جامعة الجزيرة وفي بداية الجلسة التي تحدث فيها الأستاذ هنا كان الجمهوريون قد نقلوا انطباعاتهم عن ذلك المؤتمر.. الحديث يستحث فيه الأستاذ الجمهوريين على ضرورة التحلي بالأدب.. الحديث اشتهر "بحديث الأدب".. وقيمته في بوستك هذا تنبع من تعليم السيد المسيح بأن يخرج أحدنا العود من عينه أولا ثم يقول لأخيه أن في عينه قذى.. وهو أحد أوجه الشبه العظيمة بين تعليم الدين الإسلامي فيما قدمه الأستاذ محمود وتعليم السيد المسيح.. هذا التسجيل لم يسبق أن نشر على الناس خارج نطاق الجمهوريين، وأرجو أن يجيء الوقت الذي يتمكن الجمهوريون فيه من التركيز على التعريف بالأستاذ محمود وبأحاديثه ونشرها بين الناس.. [ملحوظة: جبريل المذكور في حديث الأستاذ محمود هو الأخ جبريل محمد الحسن وهو على ما أظن دفعتك في كلية الهندسة..]



بالضغط هنا:
http://assaloon.org/audio/aladab.mp3

Post: #25
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: othman mohmmadien
Date: 01-21-2007, 06:35 PM
Parent: #24

اللهم انزل عليه
ابواب رحمتك وشآبيب مغفرتك
والسلامة من كل إثم
والفوز بالجنة والنجاة من النار
آمين يا إله العالمين

Post: #26
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-22-2007, 04:05 AM
Parent: #1



عزيزنا الأستاذ ياسر الشريف
تحية طيبة وسلام .

نِعم الحديث ما أوردتَ ، فما حاجتنا اليوم لتُراث آداب الشهيد في الحديث .
سابق عصره وسبقه . أفشى السلام وآدابه ، متتبعاً سنة النبي الكريم .
انظر معي كيف كانت لُغة الحوار في وجه لغة الاقتصاص من جسد من يُفكر .
أنظر التاريخ ألف عام ، تجد أدب المتصوفة في وجه آداب الذين يسبحون على سطح المعرفة،
لهم اليد الطولى ، والمُقلدون كذلك . أما المبدعون فيغطسون مكان النفائس في البحار .



Post: #27
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-22-2007, 04:21 AM
Parent: #1



عزيزنا عثمان
سلام عليك

وأنت بيننا

يقول الذكر الحكيم :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ
إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء94

Post: #28
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-22-2007, 08:41 AM
Parent: #27

صديقنا الكاتب الشقليني في مقامه السماوي الكاتب:
قلت:
[QUOTE]أما أنت يا حبيبنا ( عبد اللطيف ) فستنكِرني قبل صياح الديك ثلاثاً . اللهم اغفر لهم جميعاً . من يَتزود ويرشُف رحيق الحقيقة العِرفاني ، فإنه كادح إلى ربه فملاقيه .


سأعود للتعقيب و قد اعجبني المقطع أعلاه الذي تربط فيه بين سيرة المسيح وسيرة الاستاذ محمود محمد طه.
فعبد اللطيف في سيرة الاستاذ هو بطرس في سيرة المسيح عليه السلام،
والذي أنكر المسيح عليه السلام ثلاث مرات قبل صياح الديك.
محبتي بلا حدود
وما عيدنا عليك،
كل عام ورسمك وحرفك في كامل الابداع والتألق .
ارقد عافية
المشاء

Post: #29
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-22-2007, 08:59 AM
Parent: #28

لم تظهر مداخلتي بالشكل الذي أريده.
قال حبيبنا الشقليني،في سماء الكتابة:

أما أنت يا حبيبنا ( عبد اللطيف ) فستنكِرني قبل صياح الديك ثلاثاً . اللهم اغفر لهم جميعاً . من يَتزود ويرشُف رحيق الحقيقة العِرفاني ، فإنه كادح إلى ربه فملاقيه .

ولي أن أسألك هل من علاقة بين "عبد اللطيف"،
وبين بطرس الذي خان المسيح قبل صياح الديك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
محبتي

المشاء

Post: #30
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالغني كرم الله بشير
Date: 01-22-2007, 11:38 AM
Parent: #29

لا أدري...

في عالم يضج بالثورات، عقول تشرئب إلى البارسايكولوجي، وتفجير القوى الخفية، في عالم صارت تدرس فيه الاستحالة، وطاقات الخيال، في عالم صارت الافكار المجردة تسجد في العمارة، وفي الأفلام وفي القصص، في عام تشرق شمسه على اختراع، وتقرب عى معجزة...

في عالم نسخ الماضي والمستقبل، وصارت الجينات تحمل الملامح من جيل لجيل...

في عالم صارت قوة الفكر تجاري وتبز سرعة الضوء


في عالم صارت الاحلام جزء من الحياة، وهي الطرف الجميل من الواقع، حيث يتطلع لها...

في عالم صارت العقول تدرس الشك والحجة

في عالم.... عظيم، جميل، ينشد حل عبقري، مطلق لاشكالياته

في عالم تداخلت فيه الفيزياء مع الكمياء مع علم الاجتماع مع علم النفس

في عالم الغت الحياة فيه الزمان والمكان

وبالامس رأى الاولياء الحياة كلها، تلكم النبي مع الموتى، واحيا المسيح عاذر، ونفخ الروح في العصافير التي تغرد اليوم حولنا


في عالم صارت المستقبل جزء من الحاضر، والماضي يستدعى بالتنويم المغناطسي، وبالتداعي الحر، وبالتأمل العميق، القوي الصادق، وبومض من التماعة العقل الباطن القوي

وصار المستقبل، (هذه الايام المقبلة) ترى بحصافة التحليل، والاستقراء، ومعرفة قوى الدفع التي تسير الكون

في عالم يفتح قلبه لمشاعر كبرى
ويفتح ذهنه لأفاق كبرى...

ومع هذا
هناك عقول صم بكم عمى،

شكري استاذي اعتراني هذا الاحساس وانا اقرا لك هذا البوست الجميل، وأنا ارى الاستاذ في هذا الشريط الجميل الغريب


(مجتمع جديد او الكارثة)...

إطلاقوا عنان الخافية، والعقل الباطني، ثوروا من جهالة القيود الحسية والمعنية

الإنسان معجزة

قالها ابن العربي (وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر)


انظر لنفسي، فأجد من الرعونات، ما يكفي لذم الناس، وارى داخلها قوى معطلة،

يارب اشغلني بعيوبي، وجهلي، واضاعتي لقدرات بداخلي، كبرى، كبرى..

اللهم اشغلني بعيبي، عن عيوب الناس...

Post: #31
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-22-2007, 10:54 PM
Parent: #1



حبيبنا في السماء الدُنيا :
الكاتب : أسامة الخواض


تحية واحتراماً . نِعم المُلاحظة مُلاحظة الكُتاب ، لا تفوتهم الشوارد .
قلت لي سيدي :

( ولي أن أسألك هل من علاقة بين "عبد اللطيف"،
وبين بطرس الذي خان المسيح قبل صياح الديك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
محبتي . )

نعم إن محبتكَ هي السابقة .
نعود لمن من تلامذة السيد المسيح قد خانه وسلمه ،
فنجد بناء على نص إنجيل يوحنا (13) أنه هو
(يهوذا سِمعان الإسخريوطي ) ،وليس(سمعان بُطرس )
أما سمعان بطرس الذي استعرناه موقفاً وشبهاً وقد أخذ النص
( عبد اللطيف ) أن يتمثله في وجه من الوجوه ، بقدر مقاربة النص
من القص المُقدس في لمحة من اللمحات ، وليس تطابقاً ، ومعلوم لك في تحرُر النصوص من التماثُل أو المُحاكاة .

نرجع للنص الذي اقتبسنا منه النص :

من إنجيل يوحنا (13) ـ 21ـ 28 :

[ لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح و شهد وقال الحقُ الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيسلمني . فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهُم محتارون في مَنْ قالَ عنه . وكان مًتكئاً في حِضن يسوع واحدٌ من تلاميذه كان يسوع يُحبه . فأومأ إليه سمعان بُطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه. فاتكأ ذاكَ على صدر يسوع وقال له يا سيد من هُو . أجاب يسوع هُو ذاكَ الذي أغمس أنا اللُقمةَ وأُعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي . فبعد اللقمة دخله الشيطان . فقال له يسوع ما أنتَ تعمله فاعمله بأكثر سرعة . ]

ونقطف من نفس الإنجيل (13) و (14) ـ 36 ـ 38 :

[ قال له سمعان بُطرس يا سيد إلى أين تذهب . أجابه يسوع حيثُ أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني ولكنكَ ستتبعني أخيراً . قال له بُطرس يا سيد لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن . إني أضع نفسي عَنكَ . أجابه يسوع أتضع نَفسكَ عني . الحقُ الحقُ أقولُ لكِ لا يصيح الديك حتى تُنكرني ثلاث مَرات ]


أما إن أردنا دراسة مقارنة بين عبد اللطيف وسمعان بُطرس ، فتلك دراسة سنُفرد لها باباً إن حق لنا أن نتناول الاسمين ونُجردهما من الخاص وعلائقه المُتشابكة ، ولا نحرم رؤى الكتُاب إن لم يكن في ذلك تعدٍ على الخصوصية . وسنُحاول أن نؤسس منهاجاً ليدُلف القص من ثُقرات الحياة والقص المُقدس .



Post: #33
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-22-2007, 11:09 PM
Parent: #31

Quote: بسم الله :

في اللغة وفي التأويل

اللغة بحر والتأويل أبحُرا

منه ما يلي :


الحي : الحي بفِكره من بعد رحيل جسده
الشهيد : من فَعيل ، اسم لكل مَن شَهِد أو شَاهد أو استشهَدَ
القيوم : المُبالِغ في القيام طاعة لمولاه



الشكر لك على انصافنا، يا أستاذ عبد الله.
أتابع بمحبة واهتمام بالغين.

Post: #32
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-22-2007, 11:01 PM
Parent: #1



عزيزنا الأستاذ عبدالغني
تحية واحتراماً

سنعود لك وقد أطربت أنتَ من يقرأ بالنفائس ،
تخرُج من بنانك دُرراً . ليتنا بقدر ثقل حديثكَ بيننا .
لك الشكر الجزيل ..

وسنعود لك بمحبتنا



Post: #34
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Abu Eltayeb
Date: 01-22-2007, 11:40 PM
Parent: #32

عبدالله الشقلينى ,
ألف تحيه ليك ...
UP
مامون

Post: #36
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-23-2007, 04:25 AM
Parent: #1



عزيزنا أبو الطيب

نشكُر أن يكون الأحباء معنا هُنا .

ألف سلام عليكَ وألف تحية .


Post: #37
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-23-2007, 05:36 AM
Parent: #36

عزيزي الشقليني كاتبا في سماء الرؤى
لقدأخطأت في ذكر بطرس،
و ربما سمعت ذلك من أحد الأخوان،
لكنني اتحمل مسؤولية الخطأ
لكن تبقت نقطة مهمة جدا

ان نصك ينفتح على ما يقول به معظم الجمهوريين اليوم،
في المقارنة بين صلب المسيح وصلب الاستاذ،
وما يترتب بعد ذلك على مستقبل الخطاب الجمهوري.
فقطاع كبير من الجمهوريين ،
هم في انتظار عودة محمود محمدطه،
باعتباره المسيح.
فها نحن نشهد فصلا آخرا من انتظار الغائب.
وهذا ما يجعل خطاب الاستاذ محمود غير مطور،
إلا اذا جاء من يطور فكر الاستاذ،
من خارج الفئة المنتظرة لعودة الاستاذ.ت
أما المنتظرون لعودة الاستاذ،
فلن ننتظر منهم تطويرا لهذا الخطاب المهم،
و الذي ينبع مأزقه في ان الاستاذ محمود ،
رهن كل خطابه بنهاية التاريخ ،
أي القرن العشرين،
كما رهن ذلك بشخصه باعتباره رسول الرسالة الثانيةالأخيرة حسب خطابه.
سأعود لذلك ،
وسأواصل عرض مشاهد من فيلم غيبسن عن المسيح
محبتي لك بلا حدود
المشاء

Post: #38
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: أبوبكر حسن خليفة حسن
Date: 01-23-2007, 08:04 AM
Parent: #1

الأستاذ الأديب المهندس الطيب الرقيق عبد الله الشقليني
صبحك الله بالأنوار ومساك بكمال الصفات ...

الحقيقة لا تموت وكل ما هو كائن مدفوع إلى كشفها وتجليها في كل حين
وان بدت اليوم في خفا فهي تكشف سر المحجوبين
وقد شاءت المشيئة أن تتجلى للعارفين
ليس لنا غير الإنصات ..والصمت ..والسكون
عسى أن نكون من المهتدين .
فإن كلام الحق أشد إضلالا لأقوام وهدى ورحمة للموقنين ..
وحقا كلماتك يا أستاذي جسدت المشهد في وضوح مبين ..
فلا مجال للغضب , وليس المقام إلا للرضا وولوج جنة المحبين ..

رؤياك رؤياي فمن يكون بين قلبينا سوى الله !!

شوقي إليك بلا حدود......
أبوبكر

Post: #39
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-23-2007, 11:56 AM
Parent: #1



عزيزنا الكاتب : أسامة الخواض
تحية واحتراماً لتناولك النص من زوايا عدة .

(1) نخُص حديثنا هُنا استفراعكَ موضوع المقاربة بين السيد المسيح في النص المُقدس والأستاذ محمود وبين النص الذي دمج الحَمَلين وما بينهما فيما يُقارب العشرين قرناً بين استشهاد الأول والثاني ، فتقاربت الصور بما يُدهش ، فيثور الذهن من عجائبية ذلك اللقاء بين رجلين بينهما ألفي عام. فالنص هَمسٌ في ذكرى الاستشهاد مُترع بوهج ثقيل على النفس وتلاق لأحداث ساهمت في صناعة ما يشبه التماثُل في الأحداث . راقب معي :
1. سرعة المُحاكمة في الحدثين .
2. السوق للقتل في منصة العلن والعامة شهود .
3. الجمعة العظيمة في الحدثين .
4. منهج الدعوة المُسالم في الدعوتين .
5. القتل بدعوى مُخالفة الشريعة .
6. الفهم المُبدع للعقيدة في وجه الفهم الصمدي للنقل بلا فِكر.
7. الخُطط الماكرة بليل في تدبير الاغتيال في القص المُقدس وفي قصة محمود وتقاربهما .

تلك سيدي ملامح تجعل من تتبُع السيرة في الخيال الروائي و استبطان الحدث القديم في القص المُقدس والحدث الجديد الذي شهدنا ميلاده في ثمانينات القرن الماضي أمر لا فكاك منه .
إن دراما تسلسُل الأحداث من بعد تستدعي الذهن أن يبحث في سرد القص المُقارن الذي ينهل من الدين وتتبُع المفاصل وقراءة الأحداث بوهج كوني ، غير الذي اعتدنا من مُقارنات .

(2)

إن المفاهيم في أدب العقائد ونصوصه و ما يتفرَّع من تفاصيل ، وما تترُك من أثر على المُتَّبعين ، حيث يبدأ الأمر من عقلانية الجدل و رصف الفكرة بالأسانيد والرؤى والمنطق ، ثم ما يُحدثه من أثر في نفس المُتلقي إذ أن الممارسة والطقوس والأذكار لها ما لها من قوة التأثير،واستنهاض ( الكاريزما ) من سُباتها ومن ثم تنمو : من قبول الفكر ومبادئ التَفكُر .. إلى أثر المُعلم وطرائقه في الخطاب المقروء أو المسموع . أما نقاء السريرة وارتقاء المُعلم سلُم التعفف من رغائب الحياة التي نحيا ، فتنشأ منها صور ملائكية في أذهان المتتبعين الأثر والسيرة والمنهج وتغشاهُم ما يغشى المُريدين من إزهار المحبة في قلوبهم : من الفكرة أولاً ثم من قائلها ومُبدِع النص المُطوَر في دُنيا الإفهام ، ثم تنفتح أبواب المحبة الكُبرى للإله ومن ثم تندلق جِرار العشق في الدروب التي يَسلُكها المُعلم حتى تصعد شخصه وجسده .

إن المحبة هُنا سحابة تُظلل النص والأحداث والسيرة وبطلها. ففخامة الرحيل والاستشهاد أمام العلن والوجه البُطولي الشامخ في استقبال الموت والقضية الماكرة التي تم تلفيقها وما لها من دلالات أكثر مما يراه من ينظُر للحدث بلا قلب ينبُض ، فالمحبة جزء أصيل وجزع في شجرة القص . فالخيال يسبح ويُراقب الأحداث مُراقبة الكون بأفلاكه .
لربما تعجب إن علمت أن الشهيد قد أسرَّ للخاصة من تلامذته قبل اعتقاله الأخير أن استشهاده أمر لا شك فيه !! .وسوف نُراجع نحن الأسانيد التي تدعم ما نقول من تلامذته الأقرب إن تيسر لنا ذلك لمدنا بتفاصيل عجائب الرجل ، واستنارة ذهنه واتقاد بصيرته وبهاء الفكرة التي بها ينطق .

لقد سبق الشهيد عصره في كل شيء ، أما من كانوا في مثل عُمره فقد جرفهم سيلُ الإتباع و كسل التقليد ، وحفظوا خامة أذهانهم بعيداً عن الفعل الفكري الخلاق .

ثم نواصل .
عبد الله الشقليني
23/01/2007 م


Post: #238
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: محمد عكاشة
Date: 04-18-2007, 10:12 AM
Parent: #39

Quote: لربما تعجب إن علمت أن الشهيد قد أسرَّ للخاصة من تلامذته قبل اعتقاله الأخير أن استشهاده أمر لا شك فيه !! .وسوف نُراجع نحن الأسانيد التي تدعم ما نقول من تلامذته الأقرب إن تيسر لنا ذلك لمدنا بتفاصيل عجائب الرجل ، واستنارة ذهنه واتقاد بصيرته وبهاء الفكرة التي بها ينطق .

لقد سبق الشهيد عصره في كل شيء ، أما من كانوا في مثل عُمره فقد جرفهم سيلُ الإتباع و كسل التقليد ، وحفظوا خامة أذهانهم بعيداً عن الفعل الفكري الخلاق .

الاديب الاريب
عبدالله الشقلينى
تحياتى فى مقام(الاستاذ) العظيم
اقرأ مسرورا..
مودتى وتقديرى

Post: #40
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-23-2007, 12:17 PM
Parent: #1

عزيزنا أبوبكر

لكَ تحية بعُذوبة الدُنيا عندما تفتح قلبها ، وتُندي أوراق زهرها .
لقد أعطيتنا من محبتك فوق ما نستحق .
فقدر المُحب أن يرمي بثقل القول على من توسم فيه الخير .
نأمل أن نكون كما أحببتنا في مواضع نُحب جميعاً أن نسكُنها .
ألبستنا حُللاً زاهية بحريرها ، وأطعمتنا خيراً من الفوم والعدس ،
واستأنست بصُحبتنا ، فكُنا برفقتك إلى دروب الخير نهوي ونَهوى .

شكراً لكَ بيننا نتسابق على القول اللين المطواع .

Post: #41
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-23-2007, 04:25 PM
Parent: #1



في ذكرى رحيل الأستاذ / محمود محمد طه

نقتبس مماقال به الشاعر محمود الوّراق ،
كأنه قُرط تلألأ ناصعاً :

إنـي رأيت الصبر خير معوّل .. في النائبات لمن أراد معولا
ورأيت أسباب القناعة أكدت .. بعُرى الغنى فجعلتها لي معقلا
فإذا نبا بي منـزل جاوزته .. وجعلت منه غيره لي منــزلا
وإذا غلا شيء عليَّ تركتــه .. فيكون أرخص ما يكون إذا غلا



Post: #42
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-23-2007, 04:50 PM
Parent: #1



عزيزنا الأستاذ عبد الغني كرم الله .

أنتَ تدري من الدُنيا بحوراً من غمام العِلم ، قد عقدتَ على بنانكَ
كل غور عميق .

أهلاً بكَ وبمصباح رؤاكَ ، وضوؤك أبلج ،
وريح المعارف تكاثفت في كلماتك أنهراً في كأس على قبضة يد :

صدق ابن عربي ، يحسب الإنسان أنه جُرم صغير ، فيه انطوى كونٌ وكونُ .
لن تسع العُجالة أن نقول إن الكون في مسيرة كواكبه
وأنجمه رحلة تُراقب فيها الأكوان أحوالنا ، تؤثر وتتأثر .
فعوالم الأنفس كعوالم الموج عندما ينقاد صريحاً مع محبة القمر ،
وهو لُجة تمور أكبادها بطحنٍ وطحين لا نعرف إلا بعضه ،
فما بال أنفُسنا حين تتأمل الكون ، وهي شفافة التوق والمعاني !
من تأمل .. أمسكَ بالخطوة الأولى من السباحة لمعرفة النفس ،
أمواجها وبحورها ، وعوالمها . فدُنيا الصفاء دُنيا خيوطها من نور ،
وأرديتها نورانية مُشرقة .

صدق من قال تأمل ، فإن المعرفة تلج من لحظة صفاء ،
تجتمع فيها العجائب . من الأبيض تتشقق الألوان قُزحية نضاحة بالهوى ،
فالضوء في إشراقه يهل ،
والنفس في إشراقها تهل وتُبدع .

شكراً لنفائسكَ .. دُرر تُرصّع اللغة .


Post: #45
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-24-2007, 04:20 AM
Parent: #42



للتاريخ :

في الثامن عشر من يناير 1985 م رحل
الشهيد محمود محمد طه

وفي الثامن عشر من نوفمبر 1986 م أصدرت المحكمة العليا السودانية حكمها ببطلان أحكام محكمة
( الطوارئ ) ! ، ثم محكمة الاستئناف وفق الزعم ، بحق الشهيد ،
وأعلنت منظمة حقوق الإنسان فيما بعد يوم 18 يناير يوماً لحقوق الإنسان العربي .


Post: #46
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 01-24-2007, 05:41 AM
Parent: #1


عزيزي الأستاذ عبد الله
وجدت هذه القصيدة في أضابير هذا المنبر فشعرت أنها تستحق أن تكون هنا في هذا الخيط المضيء

الي العارف بالله الأستاذ محمود محمد طه

د. معتصم محمد سيد أحمد (القاضي)

يا صاحب الطوفان هذا شرعهم** من لم يكن منهم يكن زنديقا
مصوا دماء الشعب فهى قصورهم** طالت علوا شاهقا و سحيقا
آتاك ربي العلم فكرا صادقا ** فبخلق أهل الحق كنت خليقا
لم يسمعوك و لم يعوا ما قلته ** بل زوروه و كذبوا تلفيقا
جعلوا أكفهم على آذآنهم ** و أتوا بران بالقلوب لصيقا
لبسوا لباس الدين للدنيا هوى** ورأوا بصدقك عا ئقا ومعيقا
فتدبروا أمرا فنضح اناؤهم ** وأتوا عليك بحكمهم تطويقا
ودوا لو أنك ساجدا مستشفعا ** فيباد جمعك كله تفريقا
فجهرت قول الحق في قاعاتهم ** بهت القضاة مشيرهم و فريقا
لا خوف لا طمع بقلبك سيدا ** متعبدا حرا فصرت طليقا
فكشفت عن حوض المعارف حجبها ** و سلكت درب العارفين طريقا
ترجو الاله وسالك في دربه ** فدنوت من قوسين كنت مطيقا
حسبوك من حبل المشانق جازعا ** فشددته لله أنت وثيقا
حشروا فنادوا تلك أبشع موتة ** وكذا سيذهب فاسقا هرطيقا
سترون نعلا طائشا من محدث ** عاض لسانا بارزا و مريقا
ناداك ربك عندها من تحتهم ** أن الق حبلك غالبا صديقا
فوقفت بالوادي المقدس في تقى ** رجلا نقيا طاهرا و أنيقا
و خلعت نعلك للاله تأدبا ** و مشيت نحو الله أنت رفيقا
ما زاغ بصرك في المنصة ما طغى ** هي سدرة للمنتهى تصديقا
جاء التجلي عندها في نوره ** وكساك ثغرا باسما ورقيقا
فصعدت في المعراج لطفا رائعا ** وذهبت اسراء له تحليقا
وأتاك كوثرا عابقا في مسكه ** وسقاك مختوما صفا و رحيقا
و الروح كانت في المقام بقربه ** و مقام محمود كفى تشويقا


عمر

Post: #47
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-24-2007, 05:13 PM
Parent: #1





عزيزنا عمر عبدالله
تحية وسلاما .
نعمَ لُغة الشِعر ... والشاعر

و نُهديك نحنُ :

كأنني أُبصره يدنو في خلوة التذكار من ذكرى بعيدة الملامح .
كان الطيف يُداعبه كالحُلم وهو يُناجي ربه خاشع ، مملوء بخِشية الرحمن .
قال خاطرٌ :

ـ أتذكُر مولاكَ ؟

استحضر ( الحبيب ) الحي قبل رحيله أبياتٍ قالها أبو الحسين قبل أكثر من ألف عام
فقال في هَمسٍ :

ـ أ يا ربي إني لكَ مُبصرٌ بقلبي ، وجسدي إليك يتوق ..

ثم ذكر الأبيات ( من البسيط ) :

ما إن ذَكرتُكَ إلا هَمَّ يَقتُلُني .. ذكرِي ، وَ سَّري و قَلبي عندَ ذِكرَاكا
حَتي كأنَّ رَقيباً مِنكَ يَهتُفُ بي .. إياكَ ، إياكَ والتَّذكارَ إيَّاكا
ما تَرى الحَقَّ قَد لا حت شَوَاهِدُهُ .. وَ وَاصَلَ الكُلُّ مِنْ مَعنَاهُ مَعنَاكا
و حقٌ ما منكَ يُضنيني ويُنعِشني .. لأبكِينَكَ أو أحظى بلُقياكا





Post: #48
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-25-2007, 04:36 AM
Parent: #1


قلتُ لنفسي :

(1)

أكان هُو صوفياً ، ولج دُنياها من مدخل أكرم المولى به الفِكر ، فتَفَكر ؟
سأل نفسه :
ـ ألهذا الكون الذي نحيا ، ألهذا الكتاب الذي نقرأ وجه آخر لم نرَ ؟

كانت الدُنيا مُكابدة على الصبر ، ونعيماً لمن وهب روحه في لحظة صفاء لربه .
كثيرون منا يُطيعون الأوامر ... ولا يدخلون العقيدة من مدخل محبة وعِشق .
بدءً من التفكر ثم بدأت المحبة ناهضة في القلب كزهرة تزدهي بجمالها ،
وتلبس رياش الجمال وتتبختر ...


Post: #49
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-25-2007, 05:29 AM
Parent: #48

عزيزي الكاتب:
الشقليني
عندما أوردت مثال "عبداللطيف"،
كنت أرمي الى أن أقول انك تنساق الى ما يقول به الجمهوريون حول ان المسيح هو محمود محمد طه،
وأنهم الآن في انتظار عودته،
لهم ان يقولوا بذلك ،
لكن أحببت ان أقول أنك بكلامك حول عبد
Quote: اللطيف الجمهوري،

تؤكد ما توافق عليه الجمهوريون من المؤمنين بأن الاستاذ هو المسيح
و الأن يتحدثون عن عودة الاستاذ،
باعتباره المسيح،
وهي صورة من صور الخطاب الشيعي في انتظار الامام الغائب
في حالة الشيعة فان الامام قد اختفى ،
وفي حالة بعض من الجمهوريين،
فان الاستاذ سيعود في مقام المسيح ،
في نهاية الحياة الأولى
وهذا تأويل لم يقل به الاستاذ أبدا في خطابه،
و انما هذا تأويل التأويل
وسأعود
المشاء

Post: #50
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-25-2007, 12:10 PM
Parent: #1


عزيزنا الكاتب : أسامة الخواض

( في أمر رؤى النص )
نعود مجدداً لرؤى النص ونقرأه قراءة متوازنة بعد أن تم إيضاح كيف تقابل الحَملَين الأول منذ ألفي عام والثاني في ثمانينات القرن الماضي :

(1)

إن نص ( محمود محمد طه في رؤى الأحلام ) قد قطف من أوجه الشبه بين الرجُلين ، وأكمل قُرص الحدث في الرؤى واكتملت استدارته . فأمر التناظر والتقابل في خواطر الكتابة مشروع فالخيال قبةٌ مفتوحة بلا حدود . وإنه لمن المُنصف أن تكن سيرة السيد المسيح وطرائق التشبيه ومُلامسته لأحداث استشهاد محمود وجه من وجوه القراءة الأخرى لمؤسسي الحياة الدينية : كيف يقرأ الجميع الكون بأحداثه وكيف يربط المرء ذلك الماضي بسلسلة من حلقات تبقى جواهراً في تاريخ الشخوص الذين ارتبطوا بالأديان ، وبثوا النهج وامتثلوا لقيادة الآخرين نهجاً ومسلكا .

(2)

يمكننا إن تركنا النص الذي كتبناه ، وقرأنا شخص السيد المسيح من خلال سيرة النصوص الدينية المسيحية لوجدناه يقول :

ـ ما لقيصر لقيصر وما لله لله .

أما الأستاذ محمود فقد ذكر أمام الحكمة الغريبة التي أقيمت له ، أنه شكر القضاء الواقف وقال أنه ليس في حاجة لدفاع . وذكر أنه لن يتعامل مع المحكمة أو قضاتها لأنهم ضَعُفوا أخلاقياً واستعملتهم السلطة التنفيذية رغبة في إذلال الشعب و رغبة أن تسوقه للاستكانة .

سيدي أسامة
سترى عندها كم اختلفت رؤى السيد المسيح عن رؤى الأستاذ محمود ، وكيف أن الأخير قد حمل في تجديد النظر في الدين إلى كشف ألاعيب السلطة التنفيذية ، وأغراضها الماكرة . بل تعدى ذلك حين أبان الأستاذ رأيه شمساً مُشرقة حين تدخل في شأن القيصر ، و حين استعمل القيصر سلاح أهل الإتباع في العقائد للنيل من خصومه و المُعارضين السياسيين ، وأشرع الجميع سيوف الاستئصال في وجه الفكر والرأي الحُر و أصحاب الاحتجاج المُسالم .
نهض الراحل مُتألقاً وكسر كبرياء القتلة الذين تخفوا من وراء القرون وظهروا ساعة غفوة ، ومرغ أنوفهم في التُراب. كان محمود ولم يزل غريباً على مُجتمعه ومُتفرداً سابقاً عصره في المُجاهرة بالخلاف الفكري و قراءة الدين بعين العقل والمنطق ، وإعمال الفكر بنظرته المُتأنية الفاحصة للأثر . بل أضاف نصراً جديداً على مكر السياسة بفضحها في عقر دارها ، وإجبار الضِعاف من أهل الإتباع الذين ترصدوا نحر الجسد رغبة في إماتة الفكرة .

لقد استنجد قضاة ( الطوارئ ) بفتوى قديمة منذ أواخر الستينات وردت من غُلاة أهل الإتباع في تكفير الأستاذ واستعملوها ليُبينوا للسلطة التنفيذية أن زمان استتابة ( الثلاثة أيام ) قد نفدت منذ سنين ، وعلى سلطة التوقيع الختم على أمرهم ، وظنوا ظنون الخيبة أن الرجل سيستأنِف قرار المحكمة ويتسول روحه عند الأذلاء وهم يرتدون لباس القضاء أو ينتظر عطفاً من ذي سلطان ، فارتد الكيد عليهم خُسرانا مبينا.
صفعهم البطل منذ بدء المُحاكمة المزعومة ، وقفل القضية ببيان ناصع ، وحديث قاطع بقوةٍ حفرت صورتها الذاكرة وتم توثيقها صوتاً وصورة ، و نفس تصالحت مع العقيدة والنهج والمسلك والناس . ارتفع الرجل برحيله نجماً ساطعاً وهبط الماكرين بالخيبة أسفل سافلين ،ترصدهم الذلة والمسكنة عند كل منعطف .
ما أسهل التكفير عند من لا يُجاهد فكره .

أما حديثك عن الغيبة والعودة وتأويل التأويل فسنعود من بعد ونواصل .

عبدا لله الشقليني
25/01/2007 م


Post: #51
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 01-26-2007, 01:22 AM
Parent: #1

فوق...

Post: #54
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-27-2007, 08:14 AM
Parent: #51


حبيبنا الأستاذ ياسر .

يسُرنامتابعتك لما نكتُب ،
ونأمل إضافة الجديد .

Post: #52
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-27-2007, 07:37 AM
Parent: #1



عزيزنا الكاتب : أسامة الخواض .

في أنموذج الحلاج و مصير يُشابه مصير السيد المسيح :
إن المُتتبع لسيرة السيد المسيح في كُتب الرسل ( الحواريين ) يجدها بؤرة إلهام للسابحين في أعماق العقائد ، وما تُحدثه من فتوحات واستقرار ومُصالحة مع الأنفس للمُجددين في النظر إلى لُب الدين لا قشوره .
وقد نهض أصحاب الظاهر ونَقَلة النصوص بسيوفهم منذ تاريخ بعيد لاستئصال
الأجساد ظناً أنها تُقضي على الفكرة ! .
عندما قدم أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج من رحلتيه إلى الهند والصين ، وما اكتسب فيهما من معارف في تمارين الصفاء وتدجين الجسد والصبر على علوم التصوف في الشرق ، وأعمل فيها ذهنه الخلاق في نقل روح وآليات ومناهج المتصوفة من ديانات الشرق إلى الديانة الإسلامية ، وكان يرى أن نهج الإصلاح يبدأ بالنفس . ولا يتم ذلك إلا وفق لُغته كما أورد :

( لا يتم الإصلاح إلا باستهلاك ناسوتية الإنسان في لاهوتيّة الله )

لقد كانت لمناهج الحلاج وكتبه وأسفاره وخطابه المُعلن الكثير الذي يُنبه للعلاقة بين قصة السيد المسيح وإلهامها و قصة ( الحلاج ) ، كان يقول مثلاً :

( أيها الناس إن الله يُحدَّثُ الخلق تلطُفاً فيتجلى لهم ، ثم يستتر عنهم تربيةً لهم ، فلولا تجليه لكفروا جملة ، ولولا سِتره لفُتِنُوا جميعاً . )

لقد أورد الدكتور سعدي ضناوي في سفره ( ديوان الحلاج ) أن كان الحلاج ثائراً على ثوابت النَقَلة من أهل الظاهر ، وقد رأى فقيه بغداد في عهد الخليفة المُقتدر العباسي ( محمد بن داود قاضي بغداد ) أن الحب الإلهي هرطقة ، رغم أن القاضي الشافعي
( أبا العباس بن سريج ) الذي كان مُطلعاً على فكر المتصوفة رفض إدانته وقال عنه ( إنه رجل خفيت عني حاله وما أقول فيه شيئاً )
لقد تلاقت نظرته للاستشهاد من وحي قصة السيد المسيح حين أشعَر :

( على دين الصليب يكون موتي .. ولا البطحا أُريد ولا المدينة )

لقد كتب الحلاج أسفاره التي فاقت نيف وأربعين ، إضافة لطواسينه وديوان شعره ، وعند نهوض حركة الزنج والقرامطة وتوافقت مع ميول الحلاج الثورية ، وتلاقت مع توجهات العلويين وسعيهم إلى استلام السلطة . خشي العباسيون جانب الحلاج وقرروا التخلص منه . ساقوه إلى الصلب وضُرب ألف سوط ثم قطعت يديه ورجليه ثم ضُرب عنقه وأحرقت جثته ، ولما صار رماداً أُلقي في دجلة . كان ذلك عام 922 م ،
وتلك القصة أنموذجاً صارخاً يوضح العلاقة بين الشهيدين ، ويمكننا سوق أسس الدعوة السلمية ، والتجديد ، والبطولة والاستشهاد والصلب والقتل في ساحة العلن للمقارنة .

إن الصراع بين النَقَلة للنصوص وبين المجددين لم يزل منذ سالف العصور وإلى تاريخ اليوم : القتلة من أهل الظاهر ومن الذين يدعمون السلطان ، والضحايا من المُعارضين بفكرهم .


Post: #53
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-27-2007, 08:08 AM
Parent: #52

كاتبنا في سماء الرؤى:
الشقليني
أبدأ بالقول :
Quote: شكّار نفسو ابليس

وهي مقدمة مهمة في ثقافة مثل ثقافتنا،
و التي -للاسف غير الشديد،
لا تحترم الانجاز الفردي ،
وصوت الفرد،
وهو ما حاول الاستاذ محمود ان يدعو اليه ويؤسسه عبر حديثه عن الانسان الكامل،
وعن الشرائع الفردية،
وعن الحرية في المجتمع بشكل عام.
قلت بتلك المقدمة لكي أرجح ان كليماتي ،
ان كان لها من فائدة،
فانها جعلتك تستطرد استطرادات،
تكشف البنية المعرفية العميقة التي رفدت نصك الابداعي عن الاستاذ محمود.
و طبعا نحن نطمع في المزيد من تلك الاستطرادات النافعة لنا جميعا في صحراء وجودناالفردي و الجمعي معا.
لنا أن نشير إلى تراوح خطاب الاستاذ محمود بين العقلي و اللاعقلاني،
في حدود فهم كل منا .
ولذلك نقول ان العودة ،
و غيرها من المقولات،
هي تجميد لخطاب الاستاذ الذي حاول ان يجسر الفجوة بين الاسلام وحداثة عصر التنوير،
وفيها اشارة واضحة لنهاية العالم قريبا.
و من ثم يبقى خطاب الاستاذ في علاقته بالعالم المعاصر متاحا للجميع الذين يحاولون نهج طريقه في تجسير الهوة بين الاسلام و العالم المعاصر في تجلياته المعقدة المركبة.
محبتي يا شقليني،
بلا "قيف".
المشاء

Post: #55
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-27-2007, 03:37 PM
Parent: #1



عزيزنا الكاتب : أسامة الخواض
تحية واحتراماً ،

لقد توسمت إبداعاً فيما نكتُب ، وغسلت رأيك بمحبة نأمل أن نكونَ بقَدر ثِقل أحمالها .

للأحباء القُراء والمشاركين الحوار تحية واحتراماً .

نورد إضاءة تمنحنا قدراً من الأمل في تتبُع هذا الخيط والمأزق التاريخي
الذي لم تزل مُجتمعاتنا تراوح مكانها فيه ، من ثِقل ما وُضع على أظهُرها
من ممنوعات . نقدم القُطوف كما هي :

(1)

نعود لما تفضل به الكاتب الخواض دون تعليق :

[ ( شكار نفسه إبليس )
وهي مقدمة مهمة في ثقافة مثل ثقافتنا،
و التي -للأسف غير الشديد،
لا تحترم الإنجاز الفردي ،
وصوت الفرد،
وهو ما حاول الأستاذ محمود أن يدعو إليه ويؤسسه عبر حديثه عن الإنسان الكامل،
وعن الشرائع الفردية،وعن الحرية في المجتمع بشكل عام.
قلت بتلك المقدمة لكي أرجح ان كليماتي ،
ان كان لها من فائدة،
فانها جعلتك تستطرد استطرادات،
تكشف البنية المعرفية العميقة التي رفدت نصك الابداعي عن الاستاذ محمود.
و طبعا نحن نطمع في المزيد من تلك الاستطرادات النافعة لنا جميعا في صحراء وجودناالفردي و الجمعي معا.
لنا أن نشير إلى تراوح خطاب الاستاذ محمود بين العقلي و اللاعقلاني،
في حدود فهم كل منا .
ولذلك نقول ان العودة ،
و غيرها من المقولات،
هي تجميد لخطاب الاستاذ الذي حاول ان يجسر الفجوة بين الاسلام وحداثة عصر التنوير،
وفيها اشارة واضحة لنهاية العالم قريبا.
و من ثم يبقى خطاب الاستاذ في علاقته بالعالم المعاصر متاحا للجميع الذين يحاولون نهج طريقه في تجسير الهوة بين الاسلام و العالم المعاصر في تجلياته المعقدة المركبة.
]

(2)

ونورد نصاً منقولاً من ملخص لمحاضرة ألقاها الشاعر السوري أدونيس في الجامعة الأمريكية في القاهرة قبل أكثر من عام ، وقد لخصتها صحيفة البيان الإماراتية بتاريخ 5/12/2005 م .
نقطُف من المُلخص رؤى أدونيس حول محاور تصب فيما أثاره الكاتب أسامة الخواض أعلاه ، وما وصف به أدونيس ما نقول عنهم نحنُ : ( النَقَلة وحاملي سيوف النفي ) ، وهي إضاءة تُثري الحوار ، وتفضح الأزمة التي نُعانيها ولم نزل حتى تاريخه .

أليكُم القطف :

[ وأوضح أنه لا ينظر إلى النص الديني في ذاته بل في تأويله وأن مصطلح النص الديني يعني التأويل الساكن والممارسة القائمة على هذا التأويل ولا أعني النص الديني في ذاته . قائلاً أن النص الديني تم تأويله تأويلاً سياسياً سلطوياً نتجت عنه ثقافة النفي والإلغاء والتكفير بصورة تؤدي إلى انفصال العرب عن العالم وعن أنفسهم وعن الحياة ، فعندما أنفي إنساناً فهذا يعني أنني أنفي نفسي .
وقال أنه باسم النص الديني يتم تدمير العقل والذين يكفرون غيرهم يكفرون بإرادة الله ، فهم يعطون أنفسهم حقوقاً لم يعطها الله لأنبيائه :

( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )

وأشار إلى أن ما وصفه بثقافة التكفير أدت تاريخياً إلى ثقافة الامتناع عن التفكير . ثقافة الاجتناب . المفارقة في النص الديني أنه منخرط في الحياة ويرفض قوانينها .. يقود الحياة فيما يعرقلها … حامل الحقيقة هو الإنسان لا النص . ]

[ يُعلمنا الموروث الديني وبخاصة الإسلامي أن القائل برأيه مخطئ وإن أصاب ، لا معرفة في الدين إلا بالنقل .. النقل آلة حاضرة بلا حضور .
وأشار إلى انعدام الذاتية في المجتمع العربي ـ الإسلامي يكمن في النص واللغة ويؤدي إلى الاتباعية التي لا تعرف عذاب الأسئلة . ليس أمامها ( الاتباعية ) غير طمأنينة اليقين . لا نجد في هذه الثقافة الدينية مجالاً للذاتية الفردية ذائبة في الجماعة ـ الأمة . ]

انتهى القطف من ملخص محاضرة أدونيس

(3)

ليتقبل صديقنا الكاتب : أسامة الخواض الكثير من الشُكر والامتنان لما تفضل به من أسئلة ومحاور تُثري الكتابة هُنا والشكر للجميع .



Post: #56
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-27-2007, 04:58 PM
Parent: #1

ويضيف المُلخص الذي أوردته البيان الإماراتية عن محاضرة أدونيس قوله :



[ ( التأويل الوحداني والتأويل السلفي للنص الديني …هذا يؤدي إلى انمحاء الذاتية في الجماعة ـ الأمة ) ، مشيراً إلى أن التاريخ العربي شهد محاولات لاختراق هذين المحبسين على أيدي بعض الشعراء والمتصوفة حيث يرى أن التصوف أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام . ]





Post: #57
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-27-2007, 07:23 PM
Parent: #56

فوق!

Post: #58
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-27-2007, 10:09 PM
Parent: #1

عزيزنا الأستاذ حيدر بدوي

تتقصى خُطانا على الدروب ،
تقرأ وترفع ما نكتُب إلى الأبصار القارئة .

شكراَ لك ..
ودُم معنا

Post: #59
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-28-2007, 02:33 PM
Parent: #1

الأحباء هنا
سنعود على مَهل .

Post: #60
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-28-2007, 05:54 PM
Parent: #1




عندما تم تحويل الحكم على الشهيد محمود في يناير 1985
من معارضة السلطة وإثارة الكراهية إلى اتهام بالردة ،طفحت
الأجندة الدموية للخصوم التقليديين ، الذين استغلوا وجودهم
تحت مظلة السلطان للاقتصاص من فكر ظل يؤرقهم منذ زمان .

* * *

بين كلمتي :
التفكير

والتكفير : ـ


نعود للعلاقة اللغوية بين ( التفكير ) و( التكفير ) في اللغة والمعاجم
ونقتطف ما يفيد الدراسة .

في الفكر : ـ

تفكَّر في الأمر : افتكر .
التفكير : إعمال العقل في مشكلة للتوصل لحلها .
الفِكَرُ : إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول .
وليس لي في الأمر فِكَر : نظر ورويَّة .
الفِكرَة : الصورة الذهنية .

أما في الكفر : ـ

الكُفْر : الجحود

كَفَرَ الرجل : لم يؤمن بالوحدانية .
أو النبوءة أو الشريعة أو بثلاثتها .
الكفارة : ما يستغفر به الآثم من صدقة وصوم ونحوه .
كَفَّرَ لسيده : انحنى ووضع يده على صدره وطأطأ رأسه
كالركوع تعظيماً له .
الكَفْرُ : ظلمة الليل وشدة اسوداده .

الفَكَرُ : يقال ليس لي في الأمر فَكَر .

Post: #61
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: doma
Date: 01-28-2007, 07:28 PM
Parent: #60

استاذ الشقليني وضيوفه الكرام تحيه طيبه
شكرا لهذا الزخم اللغوي والمعرفي في ذكري شهيد الفكر العارف بربه محمود محمد طه

Post: #62
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 01-28-2007, 11:15 PM
Parent: #1

الأخ عبد الله.. تحية طيبة

أرجو أن تسمح لي بإضافة هذا الرابط..

الفكرة الجمهورية انتصرت في يوم الاستشهاد.. وسيظهر نورها في يوم ما..

واسمح لي أن أضع هذه الرؤيا المنامية لشابة سودانية ليست جمهورية طبعا وسأحجب إسمها لأنها لم تكتب في منبر عام وإنما في البريد الداخلي لموقع الفكرة ولن أغير من كلماتها شيئا سوى تصحيح بعض الأخطاء الطباعية:


Quote: التاريخ: 04/12/2006
من: م. ع.
الموضوع: مجرد حلم جميل اود ان اشرككم فيه
أمعنت النظر لاتاكد من أنه هو .. نعم هو....يجلس على (العنقريب) يرتدى (جلابية دمورية )وينتعل (مركوب) ويلف العمة
لم اصدق وركضت نحو باب الغرفة كان جالسا يتأمل في المكتبة القديمة ناديته: محمود ثم استدركت الباشمهندس محمود .نظر الى بوجهه الودود الباسم (حبابك) أمسكت بيده مصافحة (سعيدة إنا بلقائك ) ابتسم ولم يجب
تشبثت باللحظة العمر.. هذا الذي امامى بزهده وبساطته هو القائد والمفكر الذى تخرج من جامعة الخرطوم فى وقت كانت فيه حلم مستحيل عاش عمرا حافلا بالنضال والعطاء كان بيته المتواضع قبلة لكل محتاج أو مريد اما اكله هو وشربه فكان مما يتبقى.
قال لى جدى مرة ان النميرى (الله يلعنه )قتل محمود حينما كان عمرة 72عام وبعد 72 يوم خرج من الحكم ....ٍ
سبحان الله اردف قائلا بعد صمت
الالاف الكلمات وسيل من الاسئلة داهمنى لم استطع ترتيب جملة واحدة فوقفت صامتة انظر اليه انظر الى رجل يبهرنى اسلوبه وفكره المتحرر وحتى موته ...........
موته؟
هل انا حية ام ميتة ؟
يقول ابيقور (انه ليس للموت وجود بالقياس الينا لانه طالما كنا احياء فليس ثمة موت وبمجرد مايوجد الموت فاننا لن نكون احياء)
ان محاولة تفسير مالايفسر ارهقتنى ,امرنى ابى ان احضر كوبا من الماء للباشمهندس فركضت هاربة من خوفى( لكن لماذا نخشى الموت ؟اليست حياتنا ملئية بتجارب الموت ؟ نختبره حين نودع شبابنا ,وحين نغادر بعض الامكنة الى ما غير رجعة ,وحينما نصطدم بالغياب والخسارة والفقدان وحياتنا نفسها اليست دفن مستمر لاجزاء من ماض وتجارب عشناها)
امى تتحدث لصافى (الموت من الحياة مامعروفة احسن تتعلموا غسل الميت )عدت احمل كوب الماء وضعته دون ان اتكلم قال لابى (ياع. ماتجيب ليك ولد لى كبرك)...... الاولادعزوة يردف
كان صوته يأتينى من اغوار سحيقة دافئا عميقا يشبة الحياة ,هذا الرجل خالد رغم موته وانا ميتة رغم حياتى
يبتسم ابى ويقول( بعد العمر ده كلو )
نبهنى صوتة وهو يكررها بصوت غاضب ومزعج انها العاشرة صباحا
تسللت يدى تحت وسادتى اخرجت الرسالة الثانية من الاسلام للاستاذ كانت صورتة تزين آخر صفحات الكتاب كما رايته تماما باسما ودودا يرتدى جلابية دمورية وينتعل مركوب ويلف العمة
م. ع. ل.ِ

Post: #66
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-29-2007, 10:56 PM
Parent: #62

عزيزنا الأستاذ ياسر الشريف
تحية طيبة واحتراماً

تجلُب لنا أنتَ النفائس ، وترفد خيط المعرفة وطريق الأستاذ
ومعرفة نهجه في تتبُع ما كتبَ و ما كُتِبَ عنه .
وإن الرؤى التي نقلتها لنا بيضاء نقية من أثر المحبة .
شكراً لكَ وللتي كتبت ، فالمحبة تأتي أيضاً كفاحاً .

Post: #63
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-29-2007, 06:12 AM
Parent: #1

شكرا صديقنا الشقليني على كلماتك.
و سأحاول أن أعود بمداخلة مختصرة حول تاريخ المسيح السوداني.

من الواضح ان مداخلتي لن تستند على الاحلام والروئ،
و انما على الدروب المتشعبة التي يفتحها خطاب الاستاذ للقارئ.
و ارجو ان يتواصل هذا الفيض الابداعي.
المشاء

Post: #64
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-29-2007, 08:47 AM
Parent: #1

الأعزاء والعزيزات
يحاول الشقليني ان يقرأ الاستاذ محمود من منظوره،
وهو ما يحيلنا الى سؤال أساس ،
بعيدا عن الاحتفالية،
ما ذا تبقى من خطاب الاستاذ محمود؟
و أرى ان الاجابة ستكون اجابات.
علينا ان نحفر قدر استطاعتنا في الظروف التي شكلت خطاب الاستاذ.
وفي الحوار التالي مع الاستاذ محمود ،
نكتشف ان هنالك انبياء كثر في تلك الفترة الخمسينية.
وفي الحوار نجد أن الاستاذ محمود بنى فكرته منذ تلك الفترة ،
باعتباره نبيا و أنه المسيح.
نحيلكم الى حوار مع الاستاذ محمود ،
نقلا عن الفكرة دوت اورق:
*****************
ساعة مع الأستاذ محمود محمد طه
رئيس الحزب الجمهوري سابقا

أجرى الحوار - صالح بان النقا - 29-3-1951
(س): يعتقد العم خاطر أنه نبي ورسول ، وأن الآيات القرآنية لا تؤكد عدم وجود الأنبياء بعد محمد كما أنه يعتقد أنك نبي ، وفي كلا الاعتقادين لدينا شك وشكوك.
(ج): لا نبي بعد محمد من لدن بعثه إلى قيام الساعة. ليس في هذا إشكال ولا خلاف لأن النص في القرآن صريح ولكن الإشكال في أمر الساعة ، وذلك بأن الساعة ساعتان: ساعة يبدأ بها "يوم الله في الأرض" وساعة يبدأ بها "يوم الله في السماء".
أما يوم الله في الأرض فذلك حين تبلغ الإنسانية الكمال وهي في إطارها الأرضي من اللحم والدم فتملأ الأرض عدلا وحرية ومحبة بين الناس وقد أرسل الله جميع الرسل من لدن آدم والي محمد ليعدوا حياة الأحياء لهذا اليوم العظيم بتعليم الناس الأخلاق التي تستقيم مع معاني العدل والحرية والمحبة، وحين قال الصادق الأمين "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" إنما أشار إلى هذا الإعداد الخاص الذي اشترك فيه جميع الرسل وحين قال "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا" إنما أشار إلى هذا اليوم "يوم الله في الأرض" واليه الإشارة أيضا في القرآن الكريم حين قال عن لسان المصطفين فيه "وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين" تلك (جنة الله في الأرض) في "يوم الله في الأرض" فإذا ابتدأ هذا اليوم فقد ابتدأت الساعة التي بها نهاية توقيت ختم النبوة بمحمد وجاء وقت المبعوث الذي بشر به محمد والرسل من قبله وهو عيسي ومع عيسي يبعث جميع الأنبياء والصديقين والأولياء كأصحاب له .. في هذا اليوم يصح أن تكون هناك نبوة لا بمعني وحي محسوس يجيء به الملك كما كان الشأن بين محمد وجبريل فإن ذلك قد إنقطع باستقرار القرآن بالأرض ولكن بمعني إلقاء رحماني علي قلوب عباد تطهرت من شوائب الشرك ولهذا اليوم علامات لا تعرف إلا بأنوار البصائر فمن كانت له بصيرة يبصر ويعرف أن الوقت قد حان ومن كان لا يري إلا بعيني رأسه كما تري الدواب لا يبصر شيئا ويظن أن الوقت هو الوقت منذ الأزل ، لأن الشمس مازالت تشرق من المشرق وتغرب في المغرب كما فعلت دائما .. إن هذا اليوم قد أظلنا الآن والناس عنه في عماية عمياء وقد مد لهم في عمايتهم عنه إلتباس صورته في أذهانهم باليوم الآخر الذي أسميته أعلاه بيوم الله في السماء فأن ذلك لا يجيء إلا حين تنتصر الحياة علي الموت بتجربته واجتيازه وهو امتداد ليوم الله في الأرض و ليس مغايرا له والي ذلك الإشارة بقوله تعالي: "من كان في هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا"
أما الجزء الأخير من السؤال فانه الإجابة من الناحية الموضوعية وهي المهمة قد سلفت أعلاه ومن الناحية الشخصية "فإني أزعم لنفسي ذلك وأرجو أن أكون محقا".
(س): حتى هذه الآونة لم تحل البراهين الدالة علي نزول المسيح عيسي بن مريم حسب ما لدينا من نصوص الفقه والحديث ، وقد تطرق أن سمعنا أن هناك دعوة مثل هذا الحديث العيسوى تقومون بها. فماذا تقرر وماذا تقول ؟؟
(ج): إن القرآن من أوله إلى آخره في معانيه التي لا تدركها إلا أنوار البصائر بشارة بمجيء عيسي ، جهل المسلمون معاني القرآن المكنونة، فكيف يجهلون الأقوال الصريحة في البخاري وغيره المأثورة عن الصادق المصدوق وقد أوردت لك منها حديثا في ج1 واليك غيره " لو بقي من الدنيا قدر يوم واحد لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا". الذين يعرفون القرآن يعلمون أن محمدا ليس نبيا وإنما هو النبي وخاتم الأنبياء وأن عيسي ليس رسولا وإنما هو الرسول وخاتم الرسل.
"أما عن الجزء الأخير من السؤال فأنه قد ألقى إلى ذلك وتواتر الإلقاء وإنما يحقق الله الحق ويبطل الباطل بكلماته وليس المهم عندي من أكون وإنما المهم عندي أن أعرف كيف أدعو الناس إلى الله دعوة يكون بها صلاح الدين والدنيا".
(س): أن العم خاطر يعتقد أن ملك مصر ورؤيته وتعبير يوسف يدل علي أن ملك مصر نبي ولكنه كافر ، هكذا تعبيره ، فهل هناك نبي كافر ؟؟ وماهية ملك مصر ؟
(ج): لو كان ملك مصر نبيا لعرف تأويل رؤياه بنفسه كأن العبرة بالتأويل وليس بالرؤية، لأن في التأويل حظا من العلم بالحقوق المستكنة وراء الظواهر ومن عرف شيئا من هذه الحقوق فقد عرف الله بقدر ما تأتى له منها فأن لكل حق حقيقة : هذه الحقيقة هي الله وإنما بمعرفة الله نبيء النبي.
وليس هناك نبي كافر علي التحقيق لأن الكفر رأس الجهل والنبوة علم فكيف يجتمعان ؟! ولكن هناك نبي لا يتقيد بما يتقيد به أتباع الرسل من قيود شريعتهم وذلك لأن الشريعة قشور .. لبابها الحقيقة .. والنبي يعرف الحقيقة وبها يتقيد ولا ينتظر منه أن يترك قيدها ليتقيد بما هو دونها والشريعة ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة فرضت علي الناس لتوصلهم إلى الحقيقة وهي معرفة أسرار الألوهية .. معرفة سر فعل الله .. والنبي غير المتقيد بشريعة الرسول لا ينكر هذا الرسول وإنما يعرفه ويعرف مكانه عند الله ويعرف صدقه فيما يدعو الناس إليه ولكنه (؟؟؟) يزالون في ظلمات الجهل مجرد هذه المعرفة من النبي تجعل وصفه بالكفر عملا غير لائق وفي قصة الخضر مع موسي في سورة الكهف الكفاية. وأما ماهية ملك مصر فأنه عبد قد ولاه الله أمور معاش الناس وشئون دنياهم وقد آتاه بذلك بصرا. والحذق في تدبير أمور الدنيا شيء يذكر في حسنات الرجال ولا ريب ولكنه في المنزلة الثانية للمعرفة بأمور الآخرة والكمال في الجمع بينهما وقد كان ملك مصر حسن السيرة عدلا محبا للخير لرعيته التي ولاه الله أمرها فله بذلك عند الله اجر من أحسن عملا ولكنه ليس بنبي.
(س): يعتقد العم خاطر أن الغراب الذي بعثه الله إلى قابيل ليريه كيف يواري سوءة أخيه هابيل رسولا .. رسولا بمعني الرسالة ..
(ج): وليس الغراب المبعوث لقابيل نبيا إلا مع تجوز كبير يخرج بالتعبير عن معناه الذي تواضع الناس عليه وهذا التجوز يأتي من المعرفة بأن كل ما في الوجود من حجر ومدر خاضع لإرادة الله العلي وقد عبر الله تعالي عن هذا الخضوع بالتسبيح فقال :"وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم". والمتعارف بين الناس في المسيح أنه عارف والعارف نبي فهل رأيت إلى هذا التجاوز الذي يشرك الجماد والنبات والحيوان والإنسان في معني؟ ولن يصح في الأذهان شيء إذا جاز أن تقول أن محمدا نبي وفي نفس اللحظة نفكر في أن الكرسي الذي نجلس عليه نبي أيضا ولكى نفهم ونفهم لابد لنا من تحديد معاني الألفاظ ، بأفرادها للمعاني السامية وإسقاط المعاني الدنيا عنها وتخصيص كلمات أخري للتعبير عن المعاني الدنيا وهذا هو الحاصل بالفعل وباعتبار هذا الحاصل ليس الغراب نبيا وليس هو رسولا لأن ملاك النبوة والرسالة التكليف ومدار التكليف العقل وليس لغير البشر عقل مكلف.
(س): ما هي خلاصة ما تعتقده عن العم خاطر بعد أن تبينت جانبا من دعوته في خطاباته إليك؟ وبعد ما ستري نقاطا من تلك النقاط المبينة بهذه الأسئلة الموجهة إليك.
(ج): وخلاصة ما أعتقده أن الأخ أبا بكر خاطر كسائر العباد عبد مسير لا يملك من أمر نفسه شيئا وقد أراد الله تعالي به فأقامه في ما أرجوه له وهو عند نفسه صادق لأنه لا يقول إلا ما يري ولكنه ليس عند الله بصادق لأن الذي يراه مزيج من الحق والباطل والله أعلم
http://www.alfikra.org/talk_page_view_a.php?talk_id=6&page_id=1[/B]
وسأعود لتكملةمداخلتي
المشاء

Post: #65
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-29-2007, 08:36 PM
Parent: #64

عزيزي أسامة،
تحيتي ومحبتي، وشكري مجدداً على مشاركتك القيمة لنا في ذكرى احنفالنا بالأستاذ في مونتري.
لم يأت الأستاذ محمود بفكرة "المسيح،" فهي متجذرة في الخطاب الديني منذ عرفت الأديان. وهو لم يفعل غير أنه أكدها، ووضعا في سياق علمي -في تقديري- قابل للتحاور. وهذا قفزة في تناول هذا المفهوم لم يتيسر لي الإطلاع على مقابل لها في كافة الأطروحات الدينية التي اطلعت عليها.

وهنا يجدر بي أن أقول بأن الأستاذ لم يدعٍ مطلقاً بأنه المسيح. ولكنه تحدث عن أن المسيح هو الإنسان الكامل، وعن أن وجهة كل الناس، وسعيهم، دروا أو لم يدروا، هو أن يكونوا ذلك الإنسان الكامل، لأنهم كانوه -أي الإنسان الكامل- في المكلوت، قبل أن يتنزلوا إلى الملك. هذا المستوى من الحوار يتطلب قدراً من الإيمان قد لا يتيسر للعلمانيين، على الرغم من علميته!! ذلك لأن كافة العلوم تقوم على قدر من الإيمان، أو الافتراض المسبق، الذي قد يصدقه أو لا يصدقه البحث المخبري.

في الفكرة الجمهورية هناك ما نسميه بالعلم التجريبي الروحي، وهو العلم لأنه يستهدي بالعلم التجريبي المادي، ثم لا يتوقف عنده، لأن الأشياء ليست كما تبدو، كما يقول العلم المادي التجريبي المادي نفسه.

هذه بحر عميق، يا خواض، وأنت بخوضه قمين!

ولتعذرني، يا صديقي، حيث لا أجد من الوقت ما يسمج لي بالاسترسال.

Post: #67
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-29-2007, 11:22 PM
Parent: #1



عزيزنا في السماء : الكاتب : أسامة الخواض

عطفاً على ما تفضلت به ، عن الشهيد الأستاذ محمود محمد طه ،
وعن الشيعة الإثني عشرية فهم يقولون عن الإمام الغائب :

اسمه : محمد
الولادة : 15 شعبان 255 هـ
اللقب : المهدي
الكُنية : أبو القاسم
مدة الإمامة : حي غائب
بدء الغيبة الصغرى : 260 هـ
بدء الغيبة الكُبرى : 329 هـ
اسم الأب : الحسن بن علي العسكري
اسم الأم : نرجس

ويقولون تسلم الإمام المهدي الإمامة الفعلية سنة 260 هـ بعد وفاة والده الإمام الحسن بن علي العسكري ، وكان محاطاً بسرية كاملة أيام عسف السلطة العباسية . ونتيجة إلحاح السلطة الحاكمة على تعقب الإمام المهدي ، توارى عن الأنظار في غيبة سُموها الغيبة الصغرى وامتدت من عام 260 هـ إلى العام 329 هـ ، وبعد أن تحققت أهدافها بدأت الغيبة الكبرى التي ستمتد حسب مُعتقدهم حتى يأذن الله تعالى .
هذا ما ورد وفق سفر الشيخ خليل رزق ( سبيل المعرفة ) ص 372 ـ 376

وتلك الغيبة لا تُماثل الإستشهاد البطولي الذي شهده الجميع في يناير 1985 م ، فلا تُشابه الغيبة الشيعية
غيبة الشهيد محمود .

ونواصل :



Post: #68
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-29-2007, 11:32 PM
Parent: #1



عزيزنا الكاتب : الخواض
تحية واحتراماً

إن تحدثنا عما ذكر الأستاذ محمود في المقابلة التي أوردتها، ننبه أنها وردت في العام 1951 م ، ولم يذكر ما ذكرت ، ربما رأيته من قبيل تأويل التأويل حين ذكرت لنا أنتَ الآتي :

[ وفي الحوار نجد أن الأستاذ محمود بنى فكرته منذ تلك الفترة ،
باعتباره نبيا و أنه المسيح. ]

نرجو أن تسمح لنا بالتذكير أن السفر الأهم وتاج أسفاره :
( الرسالة الثانية من الإسلام ) قد كتبه وظهرت طبعته الأولى في العام 1967 م ، وفيها قضية النبوءة والرسالة واضحة .
نقطُف هنا قطف من سفره يوضح ما أشرنا إليه :

الرسالة الثانية من الإسلام

الإسلام دين واحد.. وهو دين الله الذي لا يرضى غيره.. قال تعالى فيه: (( أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات، والأرض، طوعا وكرها، وإليه يرجعون؟؟ )) وهو، بهذا المعنى إنما هو الاستسلام الراضي بالله رباً.. وبالإسلام جاء جميع الأنبياء من لدن آدم وإلى محمد.. قال تعالى في ذلك: (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم، وموسى، وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.. كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.. الله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب..)).. (( شرع لكم من الدين )) هنا لا تعني الشرائع وإنما تعني (( لا إله إلا الله)).. ذلك بأن شرائع الأمم ليست واحدة، وإنما هي مختلفة اختلاف مقدار، وذلك لاختلاف مستوياتها.. وإنما (( لا إله إلا الله)) هي الثابتة، وإن كان ثباتها في مبناها فقط، وليس في معناها.. وإنما يختلف معناها باختلاف مستويات الرسل.. وهو اختلاف مقدار أيضا.. قال المعصوم في ثبات مبنى (( لا إله إلا الله)).. (( خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله..)) واختلاف شرائع الأنبياء الناتج عن اختلاف مستويات أممهم لا يحتاج إلى طويل نظر.. ويكفي أن نذكر باختلاف شريعة التزويج بين آدم ومحمد.. فقد كان تزويج الأخ من أخته شريعة إسلامية لدى آدم.. وعندما جاء محمد أصبح الحلال في هذه الشريعة حراماً.. أكثر من ذلك أصبح التحريم ينسحب على دوائر أبعد من دائرة الأخت.. قال تعالى في ذلك: (( حرمت عليكم أمهاتكم، وبناتكم، وأخواتكم، وعماتكم، وخالاتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم.. وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم.. وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف.. إن الله كان غفورا رحيما )) فإذا كان هذا الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الأمم، وهو من غير أدنى ريب كذلك، فإنه من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع، عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا، وإنما هو يتحدث عن نفسه.. فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع، وفي مضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفدت، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم.. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي استوعب، ونهض بحل مشاكل القرن السابع، وذلك جهل مفضوح..

( ونواصل ) :


Post: #69
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-29-2007, 11:34 PM
Parent: #1



( يتبع 1 ) :

المسلمون يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة.. وهذا صحيح.. ولكن كمالها إنما هو في مقدرتها على التطور، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية، والاجتماعية، وعلى توجيه تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر، بالغة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية، والفردية من النشاط، والحيوية، والتجديد.. هم يقولون، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة، يقولون: الشريعة الإسلامية كاملة، فهي ليست في حاجة إلى التطوير، فإنما يتطور الناقص.. وهذا قول بعكس الحق تماما، فإنه إنما يتطور الكامل.. فالكمل من العارفين مثلهم الأعلى أن يتخلقوا بما وصف الله تعالى به نفسه حين قال عز من قائل: (( كل يوم هو في شأن)).. فهم يجددون حياة فكرهم ، وحياة شعورهم، كل يوم.. واليوم عندهم هو يوم الله.. وليس هو هنا أربعاً وعشرين ساعة، وإنما هو وحدة (( زمنية)) التجلي، وتلك (( زمنية)) أصغر من الدقيقة، بل أصغر من الثانية، بل أصغر من الثالثة.. إنها (( زمنية)) قد تنقسم فيها الثانية إلى بليون جزء، حتى أنها لتكاد أن تخرج عن الزمن، في المفهوم الذي يتصوره العقل للزمن.. فهم قد ينطلقون، أو قد يحاولون أن ينطلقوا، مع الله في إبداء مظاهره لخلقه، يجددون حياة فكرهم، وحياة شعورهم بهذه الصورة المستمرة.. هذا هو الكمال.. وليس الكمال التزام صورة واحدة.. فالعشبة الضئيلة التي تنبت في سفح الجبل، فتخضر، وتورق، وتزهر، وتثمر، ثم تلقي ببذرتها في تربتها، ثم تصير غثاء تذروه الرياح، أكمل من الجبل الذي يقف فوقها عاليا متشامخا، يتحدى هوج العواصف.. ذلك بأن تلك العشبة الضئيلة قد دخلت في مرحلة متقدمة من مراحل التطور - مرحلة الحياة والموت - مما لم يتشرف الجبل بدخولها، وإنما هو يطمع فيها، ويطمح إليها..


Post: #70
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-29-2007, 11:39 PM
Parent: #1


( يتبع 2 ) :

وبالمثل، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسما حيا، ناميا، متطورا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله، منزلة، منزلة.. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد.. (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)).. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من نص إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ.. قال تعالى: (( ما ننسخ من آية، أو ننسئها نأت بخير منها، أو مثلها.. ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير؟)).. قوله: (( ما ننسخ من آية)) يعني: ما نلغي، ونرفع من حكم آية.. قوله: (( أو ننسئها)) يعني نؤجل من فعل حكمها.. (( نأت بخير منها)) يعني أقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة.. (( أو مثلها)) يعني نعيدها، هي نفسها، إلى الحكم حين يحين وقتها.. فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها.. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة، في القرن السابع، منسوخة الآن.. هذا هو معنى حكم الوقت.. للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات الأصول.. وهذه هي الحكمة وراء النسخ.. فليس النسخ، إذن، إلغاء تاما، وإنما هو إرجاء يتحين الحين، ويتوقت الوقت.. ونحن في تطويرنا هذا إنما ننظر إلى الحكمة من وراء النص.. فإذا خدمت آية الفرع التي كانت ناسخة في القرن السابع لآية الأصل غرضها حتى استنفدته، وأصبحت غير كافية للوقت الجديد - القرن العشرين - فقد حان الحين لنسخها هي، وبعث آية الأصل، التي كانت منسوخة في القرن السابع لتكون هي صاحبة الحكم في القرن العشرين، وعليها يقوم التشريع الجديد.. هذا هو معنى تطوير التشريع.. فإنما هو انتقال من نص خدم غرضه.. خدمه حتى استنفده إلى نص كان مدخرا يومئذ إلى أن يحين حينه.. فالتطوير، إذن، ليس قفزاً عبر الفضاء، ولا هو قول بالرأي الفج، وإنما هو انتقال من نص إلى نص..

من المأذون؟

ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخا، وما هو محكم محكما.. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخا، وينسخ ما كان محكما؟؟ هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول.. والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولا، يقتضي نبوة، وقد ختمت النبوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبوة قد ختمت، ولكنه ليس حقا أن الرسالة قد ختمت: (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شئ عليما)).. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.. ولكن النبوة ما هي؟؟ النبوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس.. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا.. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس.. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف.. لماذا ختمت النبوة؟؟

أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنه مشغولون.. قال تعالى في ذلك: (( كلا‍‍!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..

من رسول الرسالة الثانية؟؟

هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..
كيف نعرفه؟؟
حسنا!! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: (( احذروا الأنبياء الكذبة!!)) قالوا: (( كيف نعرفهم؟؟)).. قال: (( بثمارهم تعرفونهم))..

انتهى القطف من سفر الرسالة الثانية


Post: #71
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-30-2007, 05:42 PM
Parent: #1


عزيزنا الأستاذ حيدر
تحية طيبة ،

والتحية للكاتب : أسامة الخواض
ونشكر لكما المُشاركةالثرية .

وسنعود

Post: #72
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-31-2007, 07:07 AM
Parent: #71

عزيزي حيدر
شكرا على كلماتك الرقيقة حول مداخلتي في الاحتفال بذكرى اغتيال الاستاذ.
بخصوص ان الاستاذ لم يقل انه المسيح،
فهذه المسالة يمكن النظر اليها في كلامه في ذلك الحوار الذي اوردناه،
واظنها واضحة في الكتب التي اصدرها الاخوان الجمهوريون حول المسيح،
والتي للاسف حذفت من الموقع،
ولا أدري ما هو السبب في ذلك.
و يمكن للمتابع لما كان يقول به الجمهوريون في المنابر ،حول الخرطوم،
و ما قال به الاستاذ حول ان السودان مركز دائرة الوجود.
و أتمنى ان أعود قريبا بداخلتي التي وعدت بها.
كن بخير.
وتحياتي لصاحب البوست.
ارقدوا عافية
المشاء

Post: #73
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-31-2007, 06:12 PM
Parent: #1

الأحباء هُنا تحية طيبة .

( خلوة الصفاء و تخيُل حول مسلك الشهيد محمود قبل نضوج الفكرة )

مقدمة :

أبدأ بقول قد يبدو غريباً بعض الشيء ، ولستُ بصدد التفصيل فيه الآن ، وقد ابتدرت الحديث عنه بصورة عمل فني ، وقد تخفيت وراء كثير من عجائب ورؤى علوم النفس البشرية . و في منتدى سودانيات ابتدرت عمل فني لم يكتمل بعد وسميته ( دنيا العقل الباطن ) ، ربما هو خيط لما ننوي الكتابة عنه .

سوف أهجر المقدمة لأبدأ خطوة مُتخيلة في تصور مفاتيح الحياة التي يعيشها المُتصوفة بمُختلِف مشاربهم ، وللقارئ أن يقرأ النص الذي أكتبه باسم
النص الأول ، ويقرأ النص الثاني المنقول من منتدى الفكرة الجمهورية ، بُغية النظر بين مسلك عام للمتصوفة ، ومسلك خاص تحدثت عنه ( الفكرة الجمهورية ) بعمومية لم تمس البواطن .

نبدأ بالنص الذي يخُصني :



النص الأول :
( خَلوة الصفاء )
لم نبتدع نحن ( خلوة الصفاء ) ، فنهج المتصوفة عامة في الخلود إلى النفس والهجرة للداخل مسلك معروف . من يقرأ سيرة مؤسسي الأديان من أقصى أركان الدُنيا والتاريخ ، أو من يقرأ سيرة الناظرين إلى العقائد بنظر جديد ، أو للمُنتهجين مسلك الجلوس لخلوة الصفاء ، يجدهم جميعاً يسلكون ذات المسلك وينتهجون ذات النهج . من مفاتيحه على سبيل المثال :

ـ هجرة النفس من شواغل الدُنيا بعض الوقت .
ـ قراءة النصوص ، واستبطان المعاني بالتكرار مع الترديد .
ـ التقسيط في تناول الطعام والتقتير في المطالب الجسدية عامة ، أو القيام
بالصوم .
ـ التأمُل والتفكُر .
ـ التنفس العميق ، وممارسة بعض التمارين الروحية .

الداخل لخلوة الصفاء يتعين عليه أولاً محبة هذه التجربة النفسية الفريدة ، فبدون خيط المحبة وإطلاق النفس من غبش الشك ، ومُناجاة النفس المُتخَيلة في الذهن ، لن يتخطى الجالس للخلوة الحواجز قبل الإشراق ، فيبقى أسير المنهج المُمِل وتكرار الروتين دون الولوج لعوالم ترقية المسلك الروحي لدى الفرد .

من يدخل أبواب التنويم الإيحائي الذاتي درجة ثم درجات ، يمكنه أن يُدرك كيف يبدأ المرء تجربة الولوج لمجاهل الذهن والمساس بقُدراته العميقة . ومن يُمارس تمارين التنفس العميق والبطيء وتغذية النفس بكمٍ هائل من القوى الكهرومغناطيسية ، وهي ميسورة التنفيذ يتمكن من إعادة صياغة النفس والجسد بما يكسب المرء من قوة عظيمة في التأثير على الآخرين ، ويمنح المُتمَرِن مساحة أكبر في المَحبة المُمكِن مد جسورها بين الأشخاص والتقاط نفوسهم الحيرى. وللممارسة مع الإرادة مع التصميم دور كبير في صُنع الكاريزما ، ووهج الجذب للشخوص .
انتهى النص الأول .

نعود للنص الثاني المنقول من منتدى ( الفكرة الجمهورية ) حول فترة من حياة مُجدد النظر للدين ( الأستاذ محمود محمد طه ) :

النص الثاني :
السجن والخلوة والمذهبية الجديدة :
ـ في السجن الثاني للأستاذ محمود بدأت تتضح له تفاصيل المذهبية الإسلامية التي وقف حياته للدعوة إليها ، حيث أخذ نفسه بالعبادة ، وبخاصة الصيام الصمدي ، والصلاة ، فتهيأ لأداء المهمة التي أدرك أن الله إنما يعده لها .
ـ بعد إتمامه سجنه في العام 1948 م خرج الأستاذ محمود إلى مدينة رفاعة حيث اعتكف لمدة ثلاث سنوات في خلوة عن الناس ، حيث أتم ما كان قد بدأه في سجنه من تهيؤ لدعوته الإسلامية . كانت أيام خلوته واعتكافه عامرة بالإشراقات الروحية ، والسمو النفسي ، وقد بدأ واضحاً أن الأستاذ محمود قد أقبل على موضوع كبير وخطير ، وكان الحزب الجمهوري طوال فترة اعتكافه قد توقف نشاطه ، في حين كان أفراده ينتظرون خروج قائدهم من اعتكافه .
انتهى النص المنقول .



ملاحظة :

النص الأول أنا كاتبه ، أما النص الثاني ، فكما أسلفنا منقول من منتدى ( الفكرة الجمهورية ) من لمحات من فكر وحياة الأستاذ محمود محمد طه ، وهو نص وفق ما يبدو سجل لمراحل تاريخية كُتبت بيد الأتباع ، ولهم أسانيدهم التي تقبل التحقيق التاريخي إن كان للمجال أن ينفتح على السعي والتقصي .


نترك للقراء المقارنة في الوقت الراهن بين النص المُتصور من جانبنا حول منهج السلوك المُتعارف عليه عند المُتصوفة وفق ما نرى ، و المسلك المُجمل حول السرد الذي أوردناه من المنتدى السابق ذكره والذي كان الأستاذ يمارسه.

بالنسبة لي فإن الأمر يتعدى التحقيق في فِكر الأستاذ ونصوصه التي حملتها الأسفار ، بل تتبُع المنهج الذي اتبعه الأستاذ في استبطان النصوص كحالة إبداعية عاشها الشهيد الراحل قبل وضوح الفكرة في ذهنه وتشكُلها .

ربما يتطلب الأمر الذي كتبناه الآن مساحة أكبر ، وزماناً أوسع للنهوض من التصور إلى التقصي ومن ثم التحقيق .

هذه بداية لما ننوي .

ليت الزمان يُسعفني .. فتلك بداية .
شكراً لكل من يقرأ .



Post: #74
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-01-2007, 04:28 AM
Parent: #1



الأحباء هُنا

نعود لتجديد الخطاب الخاص بـ ( أن يتلقوا عن الله كفاحاً ) ورأينا بأنه وجه عميق من وجوه الغرق في المناجاة في مسلك المتصوفة .

نقطف مُجدداً من سفر الرسالة الثانية للأستاذ محمود محمد طه :

[ أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنه مشغولون.. قال تعالى في ذلك: (( كلا‍‍!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله.. ]
نعود لاحقاً في التفصيل حول رؤانا عن مسلك المتصوفة وطرائق المناجاة .
لكم محبتي .


Post: #75
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-01-2007, 11:00 AM
Parent: #1


في صفاء الينابيع يتوقف الكون برهة ،
حلمت أنه قال :

ـ أيا ربي إني لكَ طائع خاضع ، نصرت بصيرتي وأحييت
وهجي . من داخلي نهضت محبتكَ ومعرفتك .
هذا هو النص الذي علمناه . قرأت وتفكرت وهديتني وها أنذا
مُدركٌ أن روحك مُتلألئة تطوي الكون كقطرة في ملكوت بحارك .
نفسي بين جناحي طير يُرفرف .

Post: #76
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-01-2007, 12:11 PM
Parent: #1

أتابع البوست وأجد فيه الراحة والطمأنينة .. لدي مداخلة مع الأخت د. مهيرة أردت أن أضع وصلتها هنا لاتصالها بموضوع البوست..

ما معنى الإسلام رسالتان؟؟!! وهل قال الأستاذ محمود أنا ا...نا محمد، أنا الله؟؟؟

وللأخ أسامة الخواض أقول أن كتب الأخوان الجمهوريين سحبت من الموقع لإكتشاف بعض الأخطاء الطباعية وسوف ترجع.. لو أردت أن أرسل لك الكتب التي لدي بالإيميل فأرجو إخطاري..

مع التحايا للجميع..

Post: #77
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-02-2007, 01:58 AM
Parent: #76

عزيزي ياسر
شكرا على التوضيح في ما يتعلق بسحب كتب الاخوان الجمهوريين
ارجو ان تبعثها لي مشكورا على ايميلي التالي:
[email protected]
و خاصة الكتب المتعلقة بالمسيح.
ولي سؤال ،بناء على نفي الصديق حيدر إلى أن محمود لم يقل بانه المسيح.
لقد سمعت كلاما عن احد الاخوان مفاده أن الجمهوريين يؤمنون أن محمودا هو المسيح،وانه اي الاستاذ محمود له عودة.
وأنه حينما سئل حول هل أنه المسيح،
قال أنه في شك لكن دعا الأخوان الى ألا يشكوا.
في انتظار الكتب على الايميل ،وكذلك شهادتك حول ما قيل عن علاقة الاستاذ بالمسيح.
محبتي
وارقد عافية
المشاء

Post: #79
Title: طلبت مقاما بذل نفسك شرطه!!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-02-2007, 10:27 AM
Parent: #77

الأخ العزيز أسامة،
تحية وسلاما
لقد أرسلت لك كتاب "المسيح" على الإيميل.. وفيه الكثير مما يمكن أن يثري الحوار.. ويعينك في دراسة منهجية..


Quote: ولي سؤال ،بناء على نفي الصديق حيدر إلى أن محمود لم يقل بانه المسيح.
لقد سمعت كلاما عن احد الاخوان مفاده أن الجمهوريين يؤمنون أن محمودا هو المسيح،وانه اي الاستاذ محمود له عودة.

إذا أردت دراسة الفكرة الجمهورية من وثائقها فتستطيع أن تجد كل ما تحتاجه للدراسة، ولكن إذا أردت تسجيل ما يقوله الجمهوريون عن إيمانهم بأن الأستاذ هو المسيح أو أنه سيعود فلن تكون قد قمت بدراسة الفكرة الجمهورية وإنما آراء الجمهوريين وهذا يختلف عن الفكرة الجمهورية.. أما قاله الأستاذ محمود فهو مسجل.. وحتى لقاء الصحفي إبن البان الموجود في صفحة الفكرة ليس من وثائق الفكرة الجمهورية وإنما هو ما تم نشره عن الفكرة الجمهورية..
نصوص الدين اليهودي تتحدث عن المسيح ولكن اليهود عندما جاء المسيح أنكروه واعتبروه كاذبا وساحرا وقتلوه وهم لا يزالون ينتظرون المسيح بحسب التصور الذي رسخ في أذهانهم.. بينما المسيحيون يؤكدون أن المسيح قد جاء تصديقا لتلك النبوءات وأنه قد قتل وقام من الأموات وسيعود مرة أخرى في يوم الدينونة.. وكثير من المسلمين ينتظرون ظهور المسيح الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا.. التصور لهذا المجيء يختلف اختلافا كبيرا بين الفرق الإسلامية فمنهم من يقول بأنه يأتي محاربا منتصرا، مثل تصور كثير من اليهود، ومنهم من يقول بأنه يأتي بالسلام، مثل تصور كثير من المسيحيين.. المهم أن أقول لك رأيي أنا وهو أن المسيح الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا لم يظهر بعد.. الاستاذ محمود حدثت له أشياء مشابهة لما حدث للمسيح الإسرائيلي بصورة تدعو إلى الدهشة مثل الإنكار والمحاكمة والقتل.. أظن أن هذا ما أراده الأخ عبد الله الشقليني في موضوع "محمود محمد طه في رؤى الأحلام"، فكرة الفادي الذي يضحي بحياته من أجل مبادئه ومن أجل أن يثبت تمسكه بها..
الأستاذ محمود قال في كتاب مشكلة الشرق الأوسط في هذه الوصلة عن المسيح ما يستحق التأمل:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=12&chapter_id=13
..


Quote: وفهم اليهود الخاطئ لعبارة ((شعب الله المختار)) هو الذي جر ولا يزال يجر عليهم المصائب، ويمنعهم من الاستجابة لنداء الحياة الملح بالتطور، وبالاندماج في ركب البشرية السائر بوسائل العلوم، وبوسائل ديانات التوحيد الى الوحدة، وكما بدا آنفا فقد كان اليهود طليعة دين التوحيد بهذه الصورة الجماعية، ولكنهم عندما ظنوا ان دين التوحيد يخصهم وحدهم أخطأوا، وانعزلوا، واستكبروا، فرفضوا المسيح عندما جاءهم بما لا تهوى أنفسهم، ورفضوا محمدا. وما كان ينبغى لهم ان يفعلوا ذلك لو تفطنوا، ذلك بان أتجاه التطور حتى في تعاليم أنبيائهم كان يستهدف أعدادهم لقبول دعوات التوحيد المتجددة، حين تظهر، وكلما ظهرت، وعلى يدى من تظهر على يديه. فرسالة ارميا التي وردت الاشارة اليها، وقول اشعياء في الاصحاح الثالث والاربعين الذي أوردناه آنفا يقومان دليلا على الا عذر لهم حين رفضوا المسيح ومحمدا. اللهم الا عذرا يقوم على العجز عن دقة الفهم عن النصوص المرنة، التي تحمل عديد الوجوه، يمد في هذا العجز، ويمهد له، تعصب عنصري لا يرى ان الخير يمكن ان يجئ من غير عنصر الاسرائليين.. ففى أشعياء الاصحاح الحادى عشر يرد قوله ((ويخرج قضيب من جزع يسى وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب. روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف ولبائسى الارض ويضرب الارض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه ويكون البر منطقة متنيه والامانة منطقة حقويه.
((فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدى والعجل والشبل والمسمن معا وصبى صغير يسوقها والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معا والاسد كالبقر يأكل تبنا ويلعب الرضيع مع سرب الصل ويمد الفطيم يده على جحر الافعوان لا يسوءوه. ولا يفسدون في كل جبل قدسى لان الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطى المياه البحر ويكون في ذلك اليوم ان أصل يسى القائم راية للشعوب أياه تطلب الامم ويكون محله مجدا)).
ومثل هذا القول يمهد الطريق لقبول المسيح، ولقبول محمد، اذا وقع على اذن واعية، هذا مع ان كل الموعود به لم يتم على يدى المسيح، ولم يتم على يدى محمد، وانما يبقى منه ما يتم على يدى المسيح الاخير، الذي بمجيئه تتحقق الخلافة البشرية على الارض، كما تحققت يوم خلق الله آدم قبل ان يخطئ، فيزل، فيطرد. ولكن اليهود لم يفهموا فانتظروا المجئ الاخير (ولا يزالون ينتظرونه) ورفضوا الخطوات المؤدية اليه. ومن ههنا جاء انعزالهم، وجاء بعض ما يلقون من عنت، برفضهم المسيح، وبرفضهم محمد.


قولك:
وأنه حينما سئل حول هل أنه المسيح،
قال أنه في شك لكن دعا الأخوان الى ألا يشكوا.

الكلام لم يجيء عندما سئل هل أنه المسيح.. الكلام جاء في عام 1982 بعد لغط وجدال كثير خاصة في الجامعة.. فالحديث كان عن الأصالة والشريعة الفردية وأن الأصيل في الحقيقة واحد وهو لم يأت بعد.. والأصيل المعرف بالألف واللام هو المسيح المحمدي وهو المسلم بمعنى الإسلام النهائي بحسب ما جاء في الفكرة الجمهورية.. فالأستاذ طلب من الجمهوريين، خاصة الذين يتحدثون في المنابر، ألا يقولوا عنه أنه الأصيل أو أنه المسيح، وأنه برغم ما لديه من علم وما عليه من أصالة وشريعة فردية، فهو لم يتخذ عند الله عهدا أن يجعله "الأصيل" بمعنى المخلص الذي يملأ الأرض عدلا، وهو لم يَّطلع الغيب، لذلك يبقى الأمر طرف منه في الغيب.. وقال أن شكه هو من هذا الباب وليس من باب الشك في اصالته وفرديته.. وكان معنى عبارته للجمهوريين كالآتي: "شكي أنتم لا تعرفونه مثلما أعرفه أنا، ولكن من مصلحتكم ألا تشكوا في أنني أصيل وعلى شريعة فردية لأن هذا الشك يضركم".. المهم أن حدث الثامن عشر من يناير 1985 أوضح للناس أن الأستاذ محمود لا يتزعزع فيما عنده حتى في مواجهة القتل.. وقد اتضح لي شخصيا أنه كان يشك في ألا يتم له ذلك الموقف على تمامه كما حدث..
"طلبت مقاما بذل نفسك شرطه"
ولو رجعت حتى لمقابلة إبن البان فستجد ما فهمه إبن البان من الأستاذ وقد عبر عنه هو بطريقته فقال ناقلا عن الأستاذ محمود:

Quote: فأن ذلك لا يجيء إلا حين تنتصر الحياة علي الموت بتجربته واجتيازه


ورد الأستاذ محمود التالي عن مسألة شخصنة الموضوع في الأستاذ نقله إبن البان في إيجاز بليغ:

Quote: "أما عن الجزء الأخير من السؤال فأنه قد ألقى إلى ذلك وتواتر الإلقاء وإنما يحقق الله الحق ويبطل الباطل بكلماته وليس المهم عندي من أكون وإنما المهم عندي أن أعرف كيف أدعو الناس إلى الله دعوة يكون بها صلاح الدين والدنيا".


وأنا أقول لك الآن أن تواتر الإلقاء على الأستاذ محمود قد كان محوره الموت بتلك الطريقة.. والدليل على ذلك سماعي من أحد الناس في رفاعة قال للجمهوريين بعد التنفيذ أن الأستاذ محمود قد أخبره في بداية دعوته في الخمسينات أنه سيموت مقتولا "مشنوقا" وقد قرأت هذه الإفادة في كتابة للأخ الأستاذ خالد الحاج وهو جمهوري من أبناء رفاعة ويعرف ذلك الرجل بالإسم.. الدليل الثاني هو وصية الأستاذ التي كتبها في بداية خروجه للدعوة وهي أنه أوصى بدفع ديونه التي كتبها كلها، وأوصى بأن تقوم زوجته بتجهيزه للدفن في حالة موته وألا يُصلى عليه وأن يدفن في ثيابه وألا يقام على قبره أية علامة.. الغريب أن كل ما أراده الأستاذ في تلك الوصية قد تحقق ما عدا أن زوجته لم تقم بتجهيزه.. فتأمل!!

ولن يكتمل هذا الحديث من غير أن أدلك على بعض ما قاله الأستاذ في كتبه عن الموت والإبتلاء والمحبة، وليس ما كتبه الآخرون عنه حتى لو كانوا صحفيين بقامة الأستاذ إبن البان:
جاء في كتاب "أسئلة وأجوبة الأول"
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=19&chapter_id=5

Quote:
بســـم الله الرحمن الرحيم

حضرة الإبن المبارك توفيق السنوسي،
تحية طيبة..
وبعد فيسرني أن أجد الفرصة للرد على أسئلتك الطريفة، وفي نفس الوقت لا بد من الإعتذار عن الإيجاز الشديد، وذلك لاستعجالك أنت من جهة، ولضيق الوقت الذي لدي من جهة أخرى.

هل صحيح أن الله إذا أحب عبداً إبتلاه


نعم !! فإن معنى محبة الرب للعبد تقريبه منه، وهي إنما تكون في مقابلة بروز محبة العبد للرب.
والإبتلاء إنما هو امتحان صدق العبد في ادعائه محبة الرب.. والغرض منه تفريغ قلب العبد عن حب ما سوى الله، حتى يجيء الحب صادقاً، وصافياً.. ولذلك يقول تعالى ((ألا لله الدين الخالص))..

هل يؤمن الإسلام ب (نبل الحزن) ؟ وهل الحزن أعمق من الفرح ؟


(نبل الحزن) في المعنى الذي يريده الإسلام يعني إدامة الفكر فيما يجب للرب على العبد من حقوق، وفي مبلغ تقصير العبد عن الوفاء، بتلك الحقوق، وهذا تفكير يورث تواضعاً، وإنكساراً، ويبعد البطر، والرضاء عن النفس، والتكبر، وفيه قال تعالى ((أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي)) ولذلك يحكي عن النبي أنه قال ((يا أمة محمد !! والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد !! والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً، ولضحتكم قليلاً)) وقد كان صلى الله عليه وسلم ((متواصل الأحزان))
فالحزن فكرمتصل، يورث التواضع، والسكينة إلى جانب الله. وهو بذلك أعمق من الفرح، إلا أن يكون فرحاً بالله.. فإن هذا وحده يكون أعمق من الحزن، وهو أندر من الكبريت الأحمر.. وهذا يسوقنا إلى أن الفرح على درجتين : فرح بنعم الله، وفرح بذات الله.. فالفرح بنعم الله الحزن أعمق منه، والفرح بذات الله أعمق، وأنبل من الحزن النبيل، وهو كما قلنا أندر من الكبريت الأحمر، لأنه يقوم على محض العلم بالله..

يتحدث الأستاذ محمود محمد طه في مؤلفاته عن الأخلاق الإلهية. هل يعني هذا، من قريب، أو بعيد، أنه، يمكننا ـ بتشبهنا بأخلاق الله ـ أن نكون جزءاً من الله، أو نذوب في الذات الإلهية، ونتحد معها؟


نحن نشارك الله في أخلاقه، فقد خلقنا، تبارك وتعالى علي شاكلته ولكن أخلاقنا في طرف النقص، وأخلاقه، تبارك وتعالى في طرف الكمال.. ثم ندبنا إلى أن نتخلق بأخلاقه، في معنى ما كتب علينا أن نعبده.. فتخلقنا بأخلاقه في بادئ أمرنا تكلف منا للترفع، والترقي، والتسامي، إلى أن يصبح هذا التكلف طبعا، فنكون قد سمونا، وتجافينا عن طرف النقص، نزوعا منا إلي طرف الكمال. والذات الإلهية مثلنا الأعلى في هذا التطور، ولكننا لن نكون جزءً منها، لأنها لا تتجزأ. ولن نذوب فيها ، إلا في معنى أننا نذيب نقائصنا في كمالاتها. ولن نتحد معها، لأنها مطلقة، ونحن محدودون.. وإنما أمرنا معها أمر المتطور من بداية الكمال إلي نهاية الكمال، ولكن هذه النهاية مطلقة، فيصبح حظنا من التطور سرمدياً، مستمراً... فليس لكمال البشر نهاية، لأن نهايتهم الله، وليس لله نهاية..((وأن إلى ربك المنتهى)) ولا منتهى.. بإيجاز؟ كمال الإنسان أن يكون ((الله)).. ولن يكون! لأنه ليس لله نهاية فيبلغها ولا صورة فيكونها، وإنما كمال الإنسان، في هذا الباب، أن يكون مستمر التكوين ـ مستمر التطور، من النقص إلى الكمال ـ مستزيد كل حين من حياة الفكر وحياة الشعور.. وذلك بتجديد فكره، وتجديد شعوره، فهو منطلق لا يقف، إلى غاية لن يبلغها، لأنها ليست لها نهاية فتبلغ ـ لأنها مطلقة.. ولكن نهاية العبد كمال الرب.

هل المسكنة HUMILITY فضيلة يحضنا عليها الأسلام ؟


نعم !! وهى تعني عنده التواضع الفكرى... تعني معرفة العقل لصغر شأنه بإزاء الكمال الإلهى الذي يتعالى، ويتعاظم عن أن يحاط به. والمسكنة عندهم تعني العجز عن الإدراك المحيط بالله، ومن أجل ذلك قالوا : ((العجز عن الإدراك إدراك))، يعنون إن شعر العقل بقصوره عن الإحاطة بالمعرفة الإلهية فقد أدرك... وما ذاك إلا لأن الإسلام يعني الإستسلام الواعي للإرادة المحيطة بالأكوان. ولا يتم الإستسلام وفي النفس بقية إدعاء قدرة... فالمسكنة شعور بقصور الإرادة البشرية بإزاء الإرادة الإلهية.. وهذا أيضاً هو معنى الفقر عندهم.. ولقد قال محيي الدين بن عربي :
دخلوا فقراء على الدنيا * وكما دخلوا منها خرجوا
دخلوا بلا إرادة، وخرجوا بلا إرادة. وشاهدوا، بين دخولهم على الدنيا وخروجهم منها، أن الإرادة للواحد المريد.. وبهذا المعنى الإسلام يطلب المسكنة، ويحض عليها. قال تعالى في حديث قدسى للنبي داؤد : ((يا داؤد! إنك تريد، وأريد، وإنما يكون ما أريد.. فإن سلمت لما أريد، كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد، أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.))

هل يحضنا الإسلام على مقابلة الكراهية بالحب، والتسامح، على طريقة ((أدر له خدك الأيسر ؟))


نعم !! ولكنه لا يجعل ذلك حظ العوام... وإنما يطالب به العارفين.. فشريعة العارف معرفته، والمعرفة تقول ((أن أعدى أعدائك نفسك التى بين جنبيك)) ولذلك فإن من لطمك إنما لطم عدوك الداخلي، فلا تظنن أنه هو عدوك، فتهب إلى مصاولته، وإنما هو صديق في ثياب عدو، وإنما فعله هذا بك نصرة منه لك على عدو في ثياب صد يق ـ هو نفسك الجاهلة ـ وهم يعنون أن نفسك الجاهلة، لسوء أدبها مع الله، لطف بها، فقيض لها من يؤدبها، فجاءتها اللطمة ممن لطمها، فلا تدافع عنها، وأطلب لها من التأديب المزيد ـ أدر له خدك الأيسر، ذلك لأنها، إن أحسنت الأدب مع الله، فلن يكون لأحد عليها من سبيل، لأنها تكون، حينئذ، قد إنتصرت على كل شئ.. وأما العوام فشريعة الإسلام لهم (من إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)..
(وهم درجات عند الله)..
إن الإسلام (يهودي ـ مسيحي) فهو يطالب العوام بما طالب به موسى اليهود، على تطوير له في ذلك.. ويطالب الخواص بما طالب به المسيح النصارى، على تطوير له في ذلك أيضاً.. ((وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا، وأصلح، فأجره على الله، إن الله لا يحب الظالمين..))
وبداية الخواص هي بداية العوام، ولكنهم أقدر من العوام على التطور والإرتفاع في سلم الكمال، فحيث يظل العوام في أول السلم، يرقى الخواص المراقي..



آسف جدا للإطالة وقد تكون لي عودة لنقل بعض ما كتبه الأستاذ فهو يفيد الدارسين كثيرا..

المخلص
ياسر

التعديل تم بعد تصحيح أخطاء طباعية في النص المنقول من كتاب "أسئلة وأجوبة الأول" وإضافة الجزء الأول من الخطاب..



Post: #78
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-02-2007, 07:39 AM
Parent: #1

( خلوة الصفاء _2 _ )
وقال كونفوشيوس :
( عندما يتم اندماجك مع الكون العظيم لن يكون لك وجود لوحدكَ ، فأنتَ جزء من هذا الكون وأنت جدير بالتقدير . )

* * *

( خلوة الصفاء ) في الأثر :

كما ذكرنا من قبل تقول كُتب التاريخ وكتب الدين على اختلاف مشاربه أن مسلك الجلوس في خلوة والتأمل كان ديدن مؤسسي الديانات جميعاً .
تذكر كُتب الأثر التي تتبع السيرة المُحمدية العطرة ، عاداتها ومسلكها ، كيف كان النبي الكريم وأثناء التهيُئة لتقبل الرسالة يقيم وقتاً من اليوم ليس بالقليل في غار حراء ، والسيرة النبوية بمُختلِف رواتها بأسانيدهم كانت تدعم أن الجلوس لخلوة الصفاء كانت للنبي مسلكاً داوم عليه كثيراً . لن نُعيد التفاصيل المروية في كُتب الأثر ، إذ كان النبي يجلس وحده ، وكل ما قيل بشهادته هو أو شهادة زوجه خديجة أكرم المولى سيرتهما . كانت تحكي وتوصف حاله ، وتنقل له الطعام كما ورد في بعض الروايات ، إلا أن الأسفار لم تستبطن شكل ذلك المسلك ونهجه الذي اتبعه في تأمل الكون ولم تكن هنالك تفاصيل إلا من تصور مُتخَيل . سنعود إلى ذلك إن تيسر ، فمن يتتبع الوثائق المُتوفرة والرصد التاريخي وطرائق التحقيق يمكن للمرء صناعة قص من الخيال أقرب للواقع من أثر ما نعلم وتطور من بين أيدينامن علوم النفس البشرية ، وطرائق التأمل .

هذا عمل يحتاج هو نفسه الجلوس لمجلس صفاء وجمع المواد وتحليلها ، ليتنا نجد الوقت ...

نحن جميعاً نعلم كيف هبط الوحي و تسلسل من واقع القص المُقدس من بعد جلسات التأمل
التي كان يجلسها النبي الكريم :

(1)

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1

- (اقرأ) أوجد القراءة مبتدأ (باسم ربك الذي خلق) الخلائق .

(2)

سورة المدثر 1

- (يا أيها المدثر) النبي صلى الله عليه وسلم وأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه .

(3)

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ }المزمل1

سورة المزمل 1 - (يا أيها المزمل) النبي وأصله المتزمل أدغمت التاء في الزاي أي المتلفف بثيابه حين مجيء الوحي خوفا منه لهيبته .

والتفاصيل في السير النبوية كثيرة ، فمعظم الروايات قد وردتنا مُتدثرة بإيمان الرواة ، وهنالك كتب وأسفار نحتاجها من مصادر أخرى كي نحصر صورة الأحداث كاملة بعد أن نُجمِع شتاتها .

Post: #80
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-02-2007, 11:08 AM
Parent: #78

حبيبنا عبد الله الشقليني،

تحية عطرة..

كتابتك عن "الحبيب محمد" عليه الصلاة والسلام تثير الشجون، وهو قد قال عن نفسه "ما عرفني غير ربي"، وقد قال عنه سيدنا أويس القرني المدفون في اليمن ومقامه لا يخفى عليك "ما رأيتموه إلا كالسيف في غمده"..
قال الشيخ عبد الغني النابلسي:
نحن إخوان النبي المصطفى * ودَّ لو كان رآنا وكفى
وهم الأصحاب كانوا قبلنا * جاء هذا في حديث يُقتفى
شرطوا الرؤية بالعين فمن * نالها منه فبالجسم اكتفى
وشرطنا الذات للذات ترى * رؤية التحقيق من غير خفا

لقد قرأت اليوم ما أريد أن أضعه هنا في بوستك هذا وأستميحك عذرا على هذا التغول، وأنا أنقله كما جاء، وإذا حدث أي تصحيح في أي كلمة من صاحب القصيدة فسأقوم به فيما بعد.. كتب الأخ الدكتور مصطفى الجيلي من مونتيري في كاليفورنيا حيث أقيمت الذكرى الثانية والعشرين للأستاذ محمود محمد طه قبل أيام.. ربما أتمكن من وضع بعض الصور لو سمحت لي:


Quote: الأستاذ عدنان صدوق كنت قد ذكرت عنه، تحت خيط "مفاجأة من الموصلي"، تعريفا مقتضبا وبعضا من تعليقاته على سي دي الإنشاد للأخت الأستاذة محاسن محمد خير.. هو فلسطيني، صحفي سابق ودبلوماسي سابق كان سفير الأردن باليمن وهو شاعر لديه عدد من القصائد المنشورة في الصحف..

يركب معنا للمعهد كل يوم وهو رجل عجيب حقا في إحساسه بالأشياء وتفاعله، وفي سرعة بكائه.. كان قد سألني عنه عمر القراي مرة وأجبته بانه "مجذوب" وهو فعلا رجل لحظة وعجيب في كل شيء.. يقول أنه مسلم وأسرته مسلمة، ولكن كلامه معظمه عن المسيح..

حينما سمع سي دي محاسن لأول مرة، وضع أشياء كان يمسك بها على أرضية العربية وصار يبكي.. بصوت وبدموع.. وكلما يركب معنا ويدور هذا السي دي خاصة قصيدة الأخ عصام البوشي "هذه بلادك يا عزيز" يتملكه البكاء ويهتز بقوة، وكثيرا يقول: "هدول يا أخي ألاويين".."هدول ربانيين" ... قال "كلهم أصواتهم مليانه".. "طبقات صوتها مش طبيعية".. وطبعا تظهر في الخلفية أصوات الأخوان وأظهرها صوت بدرالدين وصوت حنان الأمين... "هدول يا أخي مش من الأرض".. حينما دخل معي شقتي لأول مرة ورأى صورة الأستاذ الكبيرة ، وضع أشياءه على الطربيزة وقال لي: "تسمح لي.. تسمح لي.." ثم انفجر باكيا بالصوت وبالدموع


[align=center]إلى روح الغائب، الحاضر: ألوليّ، القدّيس، الأستاذ
محمود محمد طه"

كَلِـمَاتُـكَ تَجْري أنْـهـارا..

شعر: عدنان صدقي صدّوق


كَلِـماتُـكَ تـجـري أنـهـــارا.. **** في قـلــبـي.. لـيـلاً ونهـارا..
وتصــبُّ حــيــاةً أبــديـــَّـة! **** مطـرًا قــدســيّاً.. مــدرارا..
يتدفــق في نـســـغ كـيـانـي **** مــــاءً هــــدّاراً.. مـــوّارا..
يـغمـرني.. يجـتـاح فـؤادي! **** يـتـــفـجّـــر نبعــاً فــوّارا!!
كَلِـماتُـكَ يا ربــي نـــــــورٌ! **** نــارًا تـشـتـعــل وأنــوارا..
تهديـني.. ترسـم لي دربــي! **** تتلألأ شــمــســاً.. أقـمـارا..
وتـخـطّ بأعـمــق أعـمــاقـي **** ســـوراً.. آياتٍ.. أســرارا..
تكتب "توراةً".."إنـجـيـلاً"..**** "قرآناً"..صُحفاً.. أسفــارا..
أتــزوّد مـنـهـا فـي يـومــي **** أتـعــلم عــلـْـمـاً.. أفــكـارا..
لم تـُعـلـَنْ فـي مـتـن كتـابٍ! **** بـشريٍ.. ســرّاً وجهــارا..
كَلِـماتُـكَ خُـبْـزِي ونَـبِـيْــذِي **** تطعـمني لـحـماً.. وثمارا..
ولـروحـي رَوْحٌ.. ريحــانٌ! **** كَلِمـاتُـكَ.. مُـذ طيفُك زارا!
كَلِـمــــاتُـكَ يــا ربـّي روحٌ! **** أزليٌّ.. وسـِــع الأقـطــارا..
وَسـِـعَ العَلـيَاءَ.. الأكــوانــا! **** لا يعرف حــدّاً.. أسـوارا..
كَلِـمَـاتُـكَ يـا ربّ، حـيــَــاةٌ! **** وحيٌ.. يلهـمني الأشعـارا!
نجـماتٌ.. تسطع في لـيلي! **** وتنـير بعـيني الإبـصــارا!
مُــذ نـورُك نـوّر في قـلـبـي **** قلبي قــد أصـبـح قـيـثـارا..
يـمـلأ دنــيــاي ترانــيـــمـاً! **** صبحاً.. ومساءً.. أسحارا!
أنـشـدْتُ.. وغـنــيـْتُ أغــانٍ **** ونذرت لحـمـدك مزمـارا..
طنبوراً.. عـوداً.. وصنوجاً! **** نـاياً.. ودُفــوفاً.. أوتـــارا..
مُــرّاً.. ولـبــانـاً.. كـافــوراً..**** نــدّاً.. وبخوراً.. أزهـارا..
كَلِـماتُــكَ يا ربي خَـلـَـقـَــت **** إنـســاً.. وبهائمَ.. أطيــارا..
ومــلائـكـة.ً. وســـمــاواتٍ! **** أنبـتت الزرْعَ الأشـجــارا!
أنشـأتِ الأرْضَ.. رواسيها! **** أطلعــت الشمْسَ الأبـكارا!
كَلِـماتُـكَ يا ربـــي تُحــيــــي **** وتُميـتُ.. تُثيرُ الإعـصارا!
وتـضــجّ بـُـروقاً.. ورعـوداً! **** وتنـزّل ودْقـــاً.. أمـطــارا!
والـبـحــر الهائــجُ مطــواعٌ! **** قُــدّامَ كـلامـكَ.. إن مــارا!
يا سـيـّـدُ! يا ربّ! إلــهــــي! **** يا مـن بِـحـجـابك تتوارى..
يـا ظاهـرُ! إنــي هــيْـمـــانٌ! **** بهــواكَ، حبيبي، قـنطـارا!
بـل عــشــقــي هـذا أبــــديٌ! **** وســواكَ هوىً لن أختــارا!
فحـياتي أنـتَ.. طريقي أنت! **** وإلـيكَ عـزَمتُ التـســفـارا!
معبودي أنتَ..حبيبُ الروح! **** وأعــدُّ سِـواكـُـم أصفــارا!!
من يـوم "الــفــادي" عمّدني **** أحـسـستك قربي أمـتــارا!!
أحسـسـتـك حولي..فيّ معي! **** إذ صرْتَ..وصرنا زُوّارا!!
بل صــرنـا روحاً واحــــدةً! **** وكــلانا قــد تـَخِـــذا دارا!!
نـتـحـاور فـيـها أصــبــاحـاً! **** نــتـجـاذب فيها أسـمــارا!!
لــغـةٌ واحـدةٌ تـجـمـعــنـــــا! **** وهـــوانا قــد شـــبَّ أوارا!
كَلِـماتُـكَ يــا ربــــّي تجـري **** في القلب.. جداولَ..أنهارا..
تـســقـيـنـي شـهْـداً.. وفـراتاً **** لا يـنـضبُ.. يسـري تيَّارا..
في روحي.. يغمرها غـمراً! **** يـسـبر في ذاتي الأغــوارا!
وعـطـاؤك يـا ربي فـيـضٌ! **** لا يعرف كــيـْـلاً.. معـيـارا!
أحـبـبـتـك يـا ربـي حُـــــبـَّـاً **** قد أشعلَ فــي قلبي النــارا!
حُبّاً قـد رانَ عـلـى عـقـلـي! **** وشغافِ فــــؤادي.. قـهّـارا!
أهـلي.. أحبابي.. قد أضحـَوْا **** عـنـدي أغــــراباً.. آثــارا!!
حــبـُّكَ يــا ربــي خـــلانـي **** أنـسـى خـــلاني.. الأدوارا!
مـن يـوم هواك سـبى لـبّي! **** ومـشـى في بــدني هــدّارا..
ما عُـــدت أسـيـْراً يا ربــي! **** مـا طـقـتُ قـيوداً.. وإسـارا!
إذ روحك صيّرني حــُـــرّا! **** يا حـقُّ ! أراني الأحْـرَارَا..
برؤىً زارتـنـي في نـوْمـي **** في الصَّحْو مراراً..تكرارا..
رُسُلاً أبصـرتُ.. وأطهـــاراً **** أخـيــاراً غُــرّاً.. أبــــرارا..
مـن وجهك قد قـبسـوا نوراً! **** نـُــــْوراً لألاءً.. نــــــوَّارا!
مـولايَ.. ولـِـيِّي.. وإلـهــي! **** وجَّـهْـتُ إلـيـكَ الأنـظــارا..
ورفعت يـديَّ ضراعـــاتٍ.. **** ولـسـانـي يـلـهـجُ.. ذكــّارا..
سـبَّحـت بحـمدكَ.. وسـأبـقى **** دومــاً يـا ربـّي شــكـــّـارا!
كَلِمَاتُكَ بُـشـرى.. لا تـفـنـى! **** تطوي الأزمانَ..الأمصارا؟
وتـظـلُّ.. تـظـلُّ مهـيـمـنــةًٍ! **** تعبرُ وديــاناً.. وبـحــــارا..
تـقـطـع شــطآنـاً.. وجـبـالاً..**** غـاباتٍ.. بيـداً.. أغـــــوارا..
وتنشـِّرُ حـُبـَّا.. وســلامـــــاً **** وتذيـع كلامــاً.. أخــبـــارا..
عـن سر الملكوتِ الأعـلى! **** وعـطــاءِ الله لـمن ســــارا..
بَطـريق التـوبـة.. مطـَّرحاً..**** أرْجَـاز الدنـيـــا.. الأوزارا..
كَلِـمَاتُــكَ يا ربـــّي بــَـــرَدٌ! **** وثـلوجٌ تغسل لي العــــارا..
تـبـقـى لحـيـاتي أطـيــابــا.. **** وأريـجـاً.. ملحـاً.. وبهــارا..
ورحيقاً أرشف منه ضـحىً **** وليالي إن جـسدي خـــارا..
كَلِـمَـاتُـكَ يـا ربـــّي عــبـَـرٌ! **** تُجــري عَبَراتي اسـتغـفارا!
تـُلـهِـبُني.. تسـفـعُ وجْدانـي! **** تـشـبه بركــَـاناً قــد ثــــارا!
وزئـيـرَ أســودٍ.. إذ تـَــدْوي **** ودويَّ رُعـُـــودٍ جـــبــَّـارا!
كَلِـمَاتُـكَ يا ربــّي حـِصْـني **** ومـلاذي إن زمــنٌ جــَـارا..
تحميني من مـكـر الأعــداءِ **** وتــدرأ عــني الأشـْـــرَارَا!
تكلأني.. تحفـظ لي، ربــّي! **** زَوْجي..وَحَيَاتي..وصِغَـارا..
"مَـاريّا" "ساندرا".."وعـلاءً" **** و"بهـاءً"..أُختهمو "سارا"!
أودعـتـك ربـّـي، أبــنــائـي **** وبناتي..زوْجي..الأطهـارا..
كَلمَاتُكَ، يا ربّ، رصيـدي! **** لا أعـرف غَيْرَك أنصـارا!
لا أعــرف، ربّــي، إلاكــا! **** ربـّـاً تـــوابـاً.. غــفـَّــــارا!
كَلِـمَاتُـكَ تَحـرُسُــهُـم دَومـاً! **** وتــفِـيـْــضُ عليهم أنهـارا!
!أنـْـهـَارَ حـَـيـــاةٍ أبــديــَّــــة! **** مــطـراً قُدْسِــيَّـاً.. مـدرارا[/align]

Post: #81
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-02-2007, 11:32 PM
Parent: #1


الحبيب ياسر الشريف

بفضلك وبفضل الكثيرون ، قُيضَ لنا أن نُفيض في سيرة ذاك الذي يقتدي بنهج النبي ، وقد فتح التأمل بصيرته واستبطن الذهن الذاكر : كيف كان يتعبد النبي ، فما السيرة وحدها لتدُل ، ولا القص المقدس وحده الدليل . فجُرعة الصفاء عرفتها البشرية منذ زمان بعيد ، لكن الأستاذ جلس لها وفتح مغاليقها ونظر .

وسنعود للتفصيل وفق ما يتيسر لنا من استطراد

Post: #82
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-02-2007, 11:38 PM
Parent: #1



برفع شكرنا والتقدير للعزيز الأستاذ ياسر ،
والشكر والتقدير للعزيز أسامة والعزيز حيدر ،
فقدغني النص بالمُداخلات المُثمرة ،
و نواصل


Post: #83
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-02-2007, 11:41 PM
Parent: #1


( في خلوة الصفاء ـ 3ـ )

ورد في سفر تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 531 ) :



[ قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أول ما بداء به رسول الله (صلعم ) من الوحي الرؤية الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث ـ وهو يتعبد ـ الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فاجأه الوحي وهو في غار حراء فجاء الملك فيه فقال اقرأ . قال رسول الله (صلعم ) : ( فقلت ما أنا بقارئ ـ قال فأخذني وغطني حتى بلغ مني الجُهد ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ـ حتى بلغ ـ ما لم يعلم ) . قال : " يا خديجة ما لي ؟ " وأخبرها وقال : " قد خشيت على نفسي .فقالت له :
ـ كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث و تحمل الكل وتقري الضيف وتُعين على نوائب الحق . ]

انتهى النص المنقول .

نعود أدراجنا الآن إلى مفاتيح الخلوة والصفاء . كان النبي الكريم إذن يتعبد وفق الرواية المنقولة ، بل كان يقضي الليالي الطوال في ذلك التعبد في الخلاء وفي غار حراء .

ـ أي تعبد كان يا تُرى ؟

ـ أهو الإسلام الحنيفي المنسوب لديانة سيدنا إبراهيم كما تقول بذلك الروايات
أم هو تعبُد بمعنى التأمُل ؟

لقد ذكرت السيدة الفضلى أم المؤمنين أن الله لن يُخزيه ، أي أنها كانت تؤمن بالله قبل الوحي ، و توضح حسب النص أن النبي كان يتعبد لله وفق الرواية .
من هُنا مدخلنا لخلوة الصفاء فيما نتخيل .

نعود لخلوة الأستاذ محمود محمد طه ، وهو في لُب حديثه من بعد فُتوحاته المعرفية ونظرته المُتجددة للدين ، والتي يذكر في كل دروبه أن النبي قُدوته ، وهو مدرسة التعبُد الأولى التي يتتبع طريقها وينتهج نهجها . هو مُعتقد في مرحلته قبل القفزة و قبل خلوة السجن وخلوة رفاعة التي انقطع فيهما للتأمل ، وقراءة النص وتفسيره واللغة العربية ونهل من كنوزها ، واستطعم رحيقها بحلاوة المُحب إذ دنا .

كان الطريق مُحمدي الرصف ممهد فجلس هو للصفاء جلسة عابد مُحب ، مُنقطع عن الناس ، وعن شواغل الدُنيا . تأمل النصوص القرآنية وتأمل معانيها تأمل المُحب ، كأنه يتتبع قول شاعر في الزمان :


يا من خزائن رزقه في قول كُن أمنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة فلئن رددت فأي باب أقرع

Post: #84
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-03-2007, 02:35 AM
Parent: #83

الصديق ياسر
شكرا على ردك الواضح القيم .
اعجبني كلامك الأتي:
Quote: إذا أردت دراسة الفكرة الجمهورية من وثائقها فتستطيع أن تجد كل ما تحتاجه للدراسة، ولكن إذا أردت تسجيل ما يقوله الجمهوريون عن إيمانهم بأن الأستاذ هو المسيح أو أنه سيعود فلن تكون قد قمت بدراسة الفكرة الجمهورية وإنما آراء الجمهوريين وهذا يختلف عن الفكرة الجمهورية

اتفق معك في جوهر كلامك،لكن كلامي حول تأويل الجمهوريين انفسهم لخطاب الاستاذ مهم،لانه يكشف لنا بعضا من مآلات الفكرة وتطورها .
بالتأكيد ان الذي ينتظر عودة الاستاذ لن يطور فكره ،ويساهم في رفده.
كما اشكرك جزيل الشكر على ارسال الكتاب،
ويا حبذا لو ارسلت لي "عودة المسيح "لو كان بحوزتك.
خالص شكري وجزيل امتناني.
محبتي بلا قيف
المشاء

Post: #85
Title: الواقع يتطور نحو الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يحتاجه الناس..
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-03-2007, 09:47 AM
Parent: #84

الأخ العزيز أسامة الخواض،
سلامات
نعم كتاب "عودة المسيح" موجود لدي وسأرسله لك حالما أعود إلى الكمبيوتر الذي أرسل منه رسائلي الخاصة ويوجد به فوائلي أيضا..

قولك:


Quote: اتفق معك في جوهر كلامك،لكن كلامي حول تأويل الجمهوريين انفسهم لخطاب الاستاذ مهم،لانه يكشف لنا بعضا من مآلات الفكرة وتطورها .
بالتأكيد ان الذي ينتظر عودة الاستاذ لن يطور فكره ،ويساهم في رفده.


أولا: عندما يقوم إنسان بزيادة في الفكرة الجمهورية أو نقصان فلن تكون هي الفكرة الجمهورية التي أبانها الأستاذ محمود ودفع حياته كي يبرهن أنه على يقين بأنها صحيحة.. الشاهد أن الفكرة الجمهورية كان ينقصها التطبيق وليس التطوير في تلك المرحلة..

ثانيا: الأستاذ محمود أنهى حركته بإنذار "هذا.. أو الطوفان" ومعناه إما أن تتم الإستجابة إلى المطالب الثلاثة التي جاءت في المنشور، وأهمها إلغاء قوانين سبتمبر وعقوبات الجلد والصلب والقتل، أو أن يحدث "طوفان" بمعنى انهيار وفوضى وتطبيق أشياء أخرى تكون مفروضة داخليا وخارجيا.. اتضح فيما بعد أن الطوفان قد تداعى حتى جاء بنظام الجبهة الإسلامية إلى الحكم وحدث تصعيد غير مسبوق للحرب في جنوب السودان [لاحظ أن اللجوء إلى الحل السلمي كان المطلب رقم إثنين في المنشور]..

ثالثا: الواقع الذي يحدث في السودان وفي العالم ككل هو الذي يفرض مواجهة الفكر السلفي المتخلف وهذا الواقع يستفيد من الكثير مما طرحته الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يراه، من غير الإدعاء أو المطالبة بضرورة تطوير الفكرة!!!!!! فأنا اليوم مثلا لا أنادي بتطوير التشريع في السودان في هذه المرحلة كما نادت به الحركة الجمهورية سابقا، فهذا نفسه الآن قد تجاوزه الواقع الجديد.. بل أطالب بإلغاء قوانين حكومة الجبهة وأقامة الدولة المحايدة دينيا والتي فيها الدين منفصل عن السياسة، وإن لم يكن منفصلا عن المجتمع الذي تتعايش فيه جميع الأديان والمعتقدات بحسب قانون عادل مأخوذ من القوانين العالمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..
باختصار قولي هو ما وضعته في العنوان:
الواقع يتطور نحو الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يحتاجه الناس حتى لو لم يكن مما قالت به حركة الجمهوريين..
ولك شكري وكثير المودة..
ياسر

Post: #86
Title: المقاساة في المسيحية، والصبر في الإسلام..
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-03-2007, 11:59 AM
Parent: #1

الأخ عبد الله الشقليني..
تحية
أرجو أن تسمح لي بإضافة هذه المادة كاملة ولكن أهم ما يعنيني منها هو مسألة المقاساة في المسيحية وما يقابلها في الإسلام..
ولك شكري..


Quote: <

هل التفكير الغائي في أصل الدين؟ وهل صحيح أن الله لم يخلق هذا العالم إلا ليعبده هذا العالم؟ وإلا فما الغاية وراء الخلق الإلهي؟


الغائية أصل الدين.. بل هي أصل الأصول فيه ـ فلا مكان للصدفة، لا في كبيرة، ولا صغيرة.. ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) تحكي هذه الغائية، أفضل حكاية.. وهذا يجيب على الشطر الثاني من سؤالك، ولكن يبقى، بعد ذلك، شيء، هو : ما معنى العبادة؟ وهل الله محتاج للعبادة؟
من الوهلة الأولى نقرر أن الله غني عن العبادة ـ ((يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد)) فالناس هم المحتاجون إلى العبادة، لا الله.. والعبادة، ما هي؟ أجملها المعصوم حين قال ((تخلقوا بأخلاق الله. إن ربي على سراط مستقيم.))
وأعلى أخلاق الله الإطلاق ـ الحرية الفردية المطلقة.. ولذلك فإن أعلى مراتب العبادة حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة.. وهذه تقتضي قوة الفكر، ودقته، ومضاءه في مراتب القول والعمل، حتى يتحقق العابد، الموحد، بمرتبة توحيد ذاته بتوحيد فكره وقوله وعمله.. قال تعالى في ذلك ((يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)) فإذن الغاية التي من أجلها خلقنا أن نحقق كمال ذواتنا، عن طريق العبادة. وذلك بفضل ما تورثنا إياه العبادة من قوة الفكر وحدته ومضائه ـ قال تعالى ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم. ولعلهم يتفكرون)) فكأن الحكمة وراء شريعتنا أن نفكر، والفكر ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة إلى تحقيق الحياة الكاملة، وهي الحياة التي تستمتع بالحرية الفردية المطلقة، وتحسن التصرف فيها ـ فالحياة الكاملة هي الغاية من خلقنا ـ خلقنا لنكون كاملين كمال الله. وهيهات!!

ثمة آيات في القرآن تبخس الدنيا، وتصفها بالفناء.. هل يقول الإسلام بالإنكار المطلق لقيمة الحياة؟ ما تفسير الأستاذ محمود للآية القائلة بألا نسأل عن أشياء إن تبد لنا تسؤنا؟


الإسلام يقسم الحياة إلى درجتين، بينهما اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع: الحياة الدنيا، والحياة العليا.. فأما الحياة الدنيا فهي حيوانية، وأما الحياة العليا فهي إنسانية.. فالإنسان، ما دامت مسيطرة عليه صفات الحيوان، خضع لها، أو قاومها، فهو في الحياة الدنيا.. فإذا تخلص من صفات الحيوان، بفضل الله، ثم بفضل المجاهدة المستمرة لدواعي هذه الصفات، فقد أصبح في الحياة الأخرى، أو الدار الآخرة، كما يرد عنها التعبير في بعض الأحيان. وقد جعل الموت الحسي فاصلاً بين الحياتين. فكأنه، ليدخل الإنسان المجاهد لدواعي صفات الحيوان فيه، في الحياة العليا، لا بد له من تجربة الموت الحسي. ولكن الموت المعنوي يحقق طرفاً من هذا الدخول، والموت المعنوي يعني أن تسكن دواعي صفات الحيوان في الإنسان تحت قهر العلم في مستوى علم (حق اليقين) ولذلك فقد قال المعصوم ((موتوا قبل أن تموتوا)) يشير إلى هذا الموت المعنوي.. فالحياة الدنيا، أو حياة الحيوان هذه، هي التي يشدد القرآن عليها النكير، ويصفها بالفناء، والزوال، ويندب الناس ليزهدوا فيها، ليرتفعوا إلى إنسانيتهم في الحياة العليا ـ الحياة الإنسانية ـ.
فالإسلام لا يقول بالإنكار المطلق لقيمةالحياة، وإنما يميز بين قيم الحياة، ويجعل وكده تسيير الناس إلى الحياة الإنسانية بتزهيدهم، وإزعاجهم عن الحياة الحيوانية. ومعنى فناء الحياة الدنيا إفضاؤها، رضي الإنسان أم لم يرض، إلى الحياة العليا ـ ((يأيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه.))
وأما تفسير الآية ((يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم. عفا الله عنها، والله غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين)) فإنها تعني نهي الأصحاب عن أن يكثروا من الأسئلة عن الحرام والحلال، وعن أمور في الدين سكت عنها النبي، وذلك لأن ما سكت عن تحريمه فالأصل فيه الحل. وفي الحل سعة، وفي التحريم تضييق. وكذلك الأمر في مسائل التكليف، فإن الإلحاح في الأسئلة عما سكت عنه قد ينزل القرآن بتجديد تكليف يزيد في ثقلها. وكذلك الأمر في مسألة العقيدة. وأنت سألت عن الأية الأولى فقط، ولكنني أوردت لك الآية الثانية لأن فيها بياناً للأولى، فكأنه قال لا تسألوا النبي عن أمور في العقيدة، أو في التكليف، سكت عنها النبي. وإن تسألوا عنها فإن الله يبديها لكم في القرآن، فتسؤكم لأنها تجيء بتكليف زايد، فتدخلوا به في الحرج، بعد أن كنتم قبلها في السعة، وقد كان النبي يقول لأصحابه ((يأيها الناس أتركوني ما تركتكم)).

كيف يتواجد الله في كل مكان وفي لا مكان؟


وجود الله لا يوصف بالمكان، لأن المكان مخلوق، ومحدود، فلا يحوي المطلق.. ولا يوصف باللا مكان، لأن اللا مكان متصور، والله مطلق لا يدرك وجوده التصور ((فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك)) فإذا قلنا أن وجود الله يتنزه عن المكان، والزمان، فليس معنى ذلك أنه يوجد في اللا مكان، ولا اللا زمان، وإنما هو أيضاً يتنزه عن هذا التصور، فوجوده مطلق لا يتعلق به الوهم، ولا التصور، ولا الإدراك.. إنما الإدراك يدرك ضرورة وجوده.. فليس للكيف ههنا مكان.

كيف يتسنى لنا فهم الله، أو حتى التوصل إلى وجوده إذا كان الله لا يشبهنا في شيء، من قريب أو بعيد، وليس كمثله شيء؟


ليس معنى قوله تعالى ((ليس كمثله شيء)) أننا لا نشبهه.. لا من قريب ولا من بعيد.. بل الحق إننا نشبهه تعالى. وقد قال المعصوم ((إن الله خلق آدم على صورته)).. وقرينة الشبه قائمة بيننا وبينه تعالى، فإنه تعالى عالم، ومريد، وقادر، وكذلك الإنسان، خلقه الله عالماً، ومريداً، وقادراً، ومن أجل هذه القرينة فإنا نعرف الله، ولولاها ما أمكن أن نعرفه.. راجع الإجابة على السؤال نمرة 3.

المقاساة ((Suffering)) تشكل ركناً هاماً من أركان المسيحية.. ما قول الإسلام في المقاساة؟


المقاساة جاءت للمسيحية عن طريق إعتقادهم موت المسيح على الصليب، من أجل تفدية البشرية من الخطيئة الأساسية التي كسبها أبوها آدم.. وهذه القاعدة هي أصل الأصول في المسيحية.. ولكن ليس لها في الإسلام مكان.
الصبر هو ما يقابلها في الإسلام.. فالقرآن مليء بالحض على الصبر، وبوعد الصابرين بعظيم الثواب.. ((يأيها الذين آمنوا اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون)).. ((فأصبروا)) حض على الصبر. ((وصابروا)) زيادة في الصبر، حتى تصبح مغالبة للأعداء على الصبر. ((ورابطوا)) ألزموا الصبر، والمصابرة، على النهوض للأعداء الخارجيين والداخليين.. في الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر، وليكن صبركم إتقاء لله، لا تشوفاً، ولا سمعة، ولا رياء. فإن فعلتم، فإنه يرجى لكم أن تفلحوا في نيل ما عند الله من لطائف القرب.. هذا في الحض على الصبر. وفي الوعد بأجر الصابرين يقول تعالى : ((يأيها الذين آمنوا إستعينوا بالصبر، والصلاة. إن الله مع الصابرين)) وقوله ((إن الله مع الصابرين)) هو قمة الموعود بالأجر الجزيل.. فكأن العاملين حين يكون أجرهم على عملهم الجنة، يكون أجر الصابرين على صبرهم الله نفسه، وما فوق ذلك مبتغى لمبتغ.
والفرق الأساسي في النظرتين: المسيحية والإسلامية، إلى المقاساة والصبر أن المقاسي قد يتصيد المقاساة، ويرى في ذلك فضيلة، ولكن الصابر لا يتصيد الصبر، وإنما يسأل الله العافية، فإذا أصابه مكروه صبر عليه، ثقة بالله، وتوكلاً عليه، لأنه أولى بنا منا، وأعرف بمصالحنا منا، وأرحم بنا منا، وأقدر على توصيل الخير إلينا منا.. قال تعالى ((كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وخير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون.))
((وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله، وإنا إليه راجعون)) هذا هو رأي الإسلام في المقاساة ـ صبر على البلاء حين يقع، واحتساب في سبيل الله، ولكن العافية خير منه، وأحب إلى النفوس. وليس من الإسلام تصيد المصائب ـ قال أحد الأصحاب ((اللهم! أسألك الصبر)) فقال النبي: ((سألتم الله البلاء. سلوه العافية)) فكأن الصبر لا يكون إلا على البلاء فمن سأل الصبر فكأنما سأل البلاء، وسؤال العافية خير عند الناس، وعند الله.


من كتاب: "أسئلة وأجوبة الأول"

Post: #87
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-03-2007, 05:33 PM
Parent: #1



الأحباء :
الكاتب : أسامة
الكاتب : ياسر

تحية طيبة ولكم منا الشكر الجزيل

لم نزل نحن في ثراء القراءة التي اندلقت بعطرها من كتابتكم السماوية ،
وفضل الحوار . نقرأ ونتجمَّل ثم نُشارك .

محبتنا لكما ولكل من يقرأ .


Post: #88
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-04-2007, 00:05 AM
Parent: #1

عزيزي ياسر
شكرا على مداخلتك وفي انتظار الكتاب "عودة المسيح".
لكن الاحظ تناقضا واضحا في كلامك ،
فلقد قلت ان الفكرة الجمهورية لا تقبل الاضافةاو الحذف ،بل ان الواقع هو الذي ينبغي ان يرتفع الى مستواها،حين قلت:
Quote:
Quote: أولا: عندما يقوم إنسان بزيادة في الفكرة الجمهورية أو نقصان فلن تكون هي الفكرة الجمهورية التي أبانها الأستاذ محمود ودفع حياته كي يبرهن أنه على يقين بأنها صحيحة.. الشاهد أن الفكرة الجمهورية كان ينقصها التطبيق وليس التطوير في تلك المرحلة
..

لكنك سرعان ما تعود الى إعادة النظر في ما طرحته الفكرة الجمهورية حول الحدود،وهي فكرة متخلفة كثيرة عن القرن العشرين الذي تحتفي به الفكرة باعتباره قرن النضج،وباعتباره "نهاية التاريخ".
فها أنت تقول ،ناقدا موضعا من مواضع الفكرة الجمهورية اي الحدود:
تقول في ذلك عزيزي :

Quote: ثالثا: الواقع الذي يحدث في السودان وفي العالم ككل هو الذي يفرض مواجهة الفكر السلفي المتخلف وهذا الواقع يستفيد من الكثير مما طرحته الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يراه، من غير الإدعاء أو المطالبة بضرورة تطوير الفكرة!!!!!! فأنا اليوم مثلا لا أنادي بتطوير التشريع في السودان في هذه المرحلة كما نادت به الحركة الجمهورية سابقا، فهذا نفسه الآن قد تجاوزه الواقع الجديد.. بل أطالب بإلغاء قوانين حكومة الجبهة وأقامة الدولة المحايدة دينيا والتي فيها الدين منفصل عن السياسة، وإن لم يكن منفصلا عن المجتمع الذي تتعايش فيه جميع الأديان والمعتقدات بحسب قانون عادل مأخوذ من القوانين العالمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..

اذن انت تقول بصريح العبارة ان مفهوم الفكرة الجمهورية غير صحيح،وقد تجاوزه الواقع،
باعتبار ان الفكرة نفسها تتحدث عن تطور الواقع،لكنها ترى في الواقع بداية ونهاية،
وترى القرن
العشرين مقدمة مهمة لنهاية العالم والتاريخ معا.
المشاء

Post: #89
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-04-2007, 03:40 AM
Parent: #88

عزيزي أسامة،
لقد أرسلت لك كتاب "عودة المسيح"..


ليس هناك تناقض أبدا.. فأنا عندما قلت أن
Quote: "الشاهد أن الفكرة الجمهورية كان ينقصها التطبيق وليس التطوير في تلك المرحلة"
كنت أيضا أقصد أن تطبيق الفكرة الجمهورية للحدود لم يكن ليتم قبل أن تملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا.. لو رجعت إلى منشور "هذا.. أو الطوفان" ستجد القول "ثم إن تشاريع الحدود و القصاص لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية ، وهي أرضية غير محققة اليوم .." .. المهم أن الحركة الجمهورية لم تتح لها الفرصة لتطبق رؤيتها التي كانت ستبدأ بتحقيق الديمقراطية والإشتراكية والمساواة الإجتماعية.. أما قولك:


Quote: لكنك سرعان ما تعود الى إعادة النظر في ما طرحته الفكرة الجمهورية حول الحدود،وهي فكرة متخلفة كثيرة عن القرن العشرين الذي تحتفي به الفكرة باعتباره قرن النضج،وباعتباره "نهاية التاريخ".


ليس هو بالضبط إعادة نظر في الفكرة الجمهورية.. [أرجو ملاحظة أنني لا أعني الفكرة الجمهورية عندما اقول الحركة الجمهورية].. الحركة الجمهورية وصلت إلى طريق مقفول، وقد قلت ما اقتبسته أنت عني ووضعت تحته خطاً ولكنك ذهلت عن أنني أقصد الحركة الجمهورية وليس الفكرة الجمهورية.. تأمل قولي مرة أخرى وسأحاول توضيحه:
Quote: فأنا اليوم مثلا لا أنادي بتطوير التشريع في السودان في هذه المرحلة كما نادت به الحركة الجمهورية سابقا، فهذا نفسه الآن قد تجاوزه الواقع الجديد.. بل أطالب بإلغاء قوانين حكومة الجبهة وإقامة الدولة المحايدة دينيا والتي فيها الدين منفصل عن السياسة، وإن لم يكن منفصلا عن المجتمع الذي تتعايش فيه جميع الأديان والمعتقدات بحسب قانون عادل مأخوذ من القوانين العالمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..

فبالرغم من كل العمل والمجهود الذي أقوم به في التعريف بالفكرة الجمهورية وبسيرة الأستاذ محمود محمد طه وتاريخ الحركة الجمهورية، إلا أنني أن الجمهوريين لا يحتاجون إلى إقامة تنظيم تكون مرجعيته الفكرة الجمهورية، والحكمة تقتضي أن يفهموا أن تطور الحركة [إذا جاز لي التعبير بكلمة"الحركة"] الذي فرضه حدث الثامن عشر من يناير 1985، وأحداث أخرى كثيرة، تتطلب منهم المناداة بالدولة المحايدة دينيا..
الحركة الجمهورية احتفت كثيرا بالقرن العشرين لأنه القرن الذي ظهرت فيه الفكرة الجمهورية منذ ميلادها وإلى أن توجت بموقف الأستاذ محمود، ولكنها لم تقل أن ذلك القرن هو نهاية التاريخ، بل تركت الأمر مفتوحا..
ولك مني خالص المودة..
ياسر

Post: #90
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-04-2007, 06:23 AM
Parent: #89

عزيزي عبد الله،
تحيتي ومحبتي،
حسبتك ستستظرف مساهمتي التالية، فأتيتك بها من خيط للأخت هنادي يوسف. أرجو أن تجد فيها ما يفيد.

Quote:
العزيزة هنادي،

تحية، طيبة، مباركة،
ربما لا يعرف كثيرون بأن الشخص يمكن أن يكون شيوعياً، ويختلف مع ماركس في جزءية إنكاره للأديان وفضلها على البشرية. وحتى هذه نقطة إنكار ماركس لدور الأديان في التاريخ لم يكن ملطلقا. كما تعلمين، فإن ماركس عرف قدر نبينا الكريم معرفة تقاصرت عنها معرفة الكثير من المفكرين. ذلك حين قال بأن نبينا العظيم، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من أعظم القادة الإشتراكيين في العالم -وأظنه قال أنه أعظمهم. ذلك لأن النبي الكريم، العادل، الرؤوف، الرحيم، أذاب الطبقات حين اختار حياة الفقراء، وقد خير أن يكون نبياً ملكاً(فاختار أن يكون نبياً عبداً). ودعا للتساوي في الماء والنار والكلأ. ولنقرأها هكذا: تساوى نبينا مع الناس، ثم دعاهم للمساواة في الإنسانية وفي الموارد الطبيعية. وهنا رأي ماركس، بعقله الجبار، بأن التجربة الإسلامية حقيقة بالاحترام، وجديرة بالتأسي. وربما استنتج من دراسته لها مفاهيمه القائلة بأن العنف والقوة هما الوسيلاتان الوحيدتان للتغيير في المجتمع. وفي هذا الأمر تحدث الأستاذ محمود محمد طه باستفاضة في نقده للفكر الماركسي.

أرجو مخلصاً أن تبحثي لنا عن أراء ماركس في التجربة الإسلامية، وأن تفيدنا بها ههنا، لكي يتحول الخيط إلى مجال رحب للحوار المتمدن، الراقي، الذي يجعلنا نطلب الحكمة ولو في الصين. وحين طلب منا النبي، عليه الصلاة والسلام، أن نطلبها في الصين لم يكن هناك إسلام، بالمعني التشريعي، ولا مسلمين. ولكن كانت هناك حكمة، وإلا لما طلب منا النبي، وهو لا ينطق بالهوي، أن نطلبها من الشرق القصي! كانت هناك البوذية، وهي أقدم من الإسلام. وفيها كثير من أوجه الحكمة والمعرفة.

هناك الكثير مما يمكن أن يقال. ولكني أريد، باختصار، أن أساعد في توجيه الحوار إلى وجهة تناى بنا عن التنابذ والتراشق بالألفاظ. معتز رجل يقول ما يراه الحق. وليس من اللائق أن نحقر من شأنه. وليس من اللائق من جانبه أن يحقر من شأنك. التحقير من شأنه أن يحط من أقدارنا جميعاً. ولا فائدة تجنى منه غير التمرغ في نار الشعور بالذنب والتجافي عن أكرم الخصال السودانية الأصيلة التي تربينا عليها، في احترام الرجل للمرأة، واحترام المرأة للرجل، وقيم التسامح والتصالح مع الله، ومع النفس، ومع الآخرين.

أرجو ألا تأخذك العزة بالنفس فتقولي أنك لا تحتاجين لمودة معتز. من منا لا يحتاج لمثقال ذرة إضافية من المودة؟ والمودة غير العطف الساذج. المودة الحقة لا تكون إلا بالاحترام الحق. والاحترام الحق لا يكون إذا كان أحدنا، رجلاً كان أو إمراة، ينظر إلى الآخرين من علٍ.

أرجو مخلصاً أن يفكر الأخ معتز، تفكيراً عميقاً، في علاقته بمفهوم تطوير التشريع الإسلامي. ذلك لأن المسالة بسيطة، غاية في البساطة، الإسلام فيه مستويين من التشريع. تشريع يأمر بالجهاد، وتشريع يأمر بالاسماح والحرية الفردية المطلقة، حيث يترك الفرد حر يؤمن أو يكفر. والآيات الكريمة في ذلك مستفيضة، فلتراجع حيث نتحدث عنها بالتفصيل في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام."

عزيزي معتز،
تحيتي ومحتبي،
تلاحظ أنني ختمت رسالتي بطلبي للقراء لمراجعة كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام"
ومرة أخرى أؤكد، كما فعلت في موضع آخر، هي الرسالة الثانية من الإسلام وليست "بعد الإسلام." والمعنى هو أن الرسالة الثانية، إنما هي مستقة من القرآن المكي، وهو الأصل، والرسالة الأولى مشتقة من القرآن المدني، الذي نسخ التشريع المكي بتحكيمه لآية السيف وآيات قوامة الرجال على الناس وغير ذلك من تشاريع حكم ذلك الوقت. أرجو مخلصاً أن تجد سعة من الوقت لمراجعة الفكرة الجمهورية في أصولها. وأؤكد لك بأنك ستجد فيها خلاصك من التناقضات الظاهرة للعيان في حياتك. أنت فنان، ومرهف، وأصيل في سودانيتك، مثلك مثل كثيرين من أبناء بلدي العظيم الذين غرر بهم وحش الهوس الديني، فشوه كيانه الأصيل.

الرسالة الثانية من الإسلام تدعوك لتقليد النبي عليه الصلاة والسلام، حتى تبلغ مقامات التأسي به في الفكر والقول والعمل، فلا يصدر منك غير الخير، والدعوة للخير، ولو كان ذلك بأناملك الداعية للفضيلة والخير عن طريق الأكورديون. نعم، عن طريق الأكورديون! كان الأستاذ مصطفى سيد أحمد، الذي تحبه وتحترمه وتجله، إشتراكياً في حله وترحاله. وكان رجلاً صامداً في المظهر والمخبر. وكان منحازاً لأهلي وأهلك الفقراء والمساكين. وكان في كل ذلك، يترجم عن ميراثنا السوداني الأصيل في حب نبينا العظيم بالتأسي بقيم المساواة والعدل والحرية. وكنت أنت تترجم كلماته إلى لحن منساب.

في تقديري المتواضع، فإن أناملك في فعلها ذلك، كانت تسبح بحمد الله، لأنها تغني للمساواة وللعدل والحرية. نعم، كانت تسبح باسم الله، العادل! وليس تسبيح اليوم مثل تسبيح الأمس، إلا في المعنى. أما الشكل، فيتغير، بتغير الأزمان. ذلك، ببساطة، لأن الأكوان، أحياء وأشياء، لم تتوقف عن التسبيح مطلقاً، ولا لثانية، بل ولا لمليون جزء من الثانية. ألم يقل جل شأنه أننا نسبح بحمده ولكنا لا نفقه أننا نفعل!

ونحن هنا في هذا الخيط لا نملك فكاكاً من ذلك التسبيح، لأننا نخضع لإرادة الله القاهرة فيما نقول وما ندع. فليكن تسبيحنا من تسبيح المأجورين، لا تسبيح المأثومين! وليس في نهاية المطاف مأثوم أو مأجور. وفي هذا يطول الحديث. ولا أملك من الوقت ما يمكني من التطويل.


الأخ الكريم الطيب،
تحيتي وتقديري،

تتسآل بتهذيب بالغ، ينبؤني عن من تكون:

Quote: أين الفكرة الجمهورية الآن فى واقع الحياة السودانية ؟؟

ما هى إسهاماتهم الآن فى مسيرة الحركة السياسية السودانية ، إن كانت هى حركة سياسية ؟ و ماهى إسهامات الفكرة الجمهورية فى الفكر السودانى ؟؟؟

فأقول، في هذه العجالة:
لولم تكن الفكرة ولا الجمهوريون موجودون لما كان سؤالك. ذلك لأنك تتفاعل مع كائن حي موجود إسمه الفكرة الجمهورية وكائنات حية إسمها جمهوريين حين تسأل السؤال نفسه، لأنك لا تسأل في فراغ، وإنما تسأل لأن هناك الكثير مما يتغشاك، من غبار الملحمة الجمهورية! أما إذا كان سؤالك عن أين الجمهوريون في الواقع السياسي اليوم، فاطمئن، نحن موجودون. وسترون، قريباً، سترون! ولا أجد وقتاً للتفصيل!!!!!!!
ولنكتفي الآن نقاش الفكرة الجمهورية هل هي الحق، أم هي باطل. وللتذكر بأن سيدنا موسى عليه السلام لم يدخل الأرض المقدسة مع بني إسرائيل، على الرغم من ظنه أنه سيبلغها. ولتتذكر بأن السيد المسيح مات مقتولاً على الصليب، ولم تجد دعوته القبول إلا بعد مئات السنين من صلبه. وللتذكر بأن الدولة الإسلامية لم تبلغ أوجها إلا بعد رحيل نبينا العظيم إلى الرفيق الأعلى!
لا تغرنكم ظواهر الأشياء! فإن الأشياء ليست دوماً كما تبدوَ!!!

وسترون!!!!!!!

أما سؤالك عن إسهامتنا في الحركة السياسية السودانية، فهي كثيرة لا يمكن أن أحصيها هنا. ولكوني شاركت في بعضها، فإني سأذكر بعضاً من ذلك البعض. ساهمت، وغيري من الجمهوريين، في تأسيس حركة القوى الجديدة-الحديثة، كما أساهم باستمرار في ترسيخ مشروع السودان الجديد من داخل منابر الحركة الشعبية وخارجها، وأساهم بفاعلية في كشف مخاطر مشروع الهوس الديني، كما أساهم في تقويمه وإعادة تقويمه باستمرار، دون تحامل أو مجاملة. هذا بالاضافة للكثير مما لا أشعر بضرورة الحديث عنه في الوقت الراهن.

هذه مساهمة فرد جمهوري واحد، ضعيف، تكاد تهده الأحزان والأسى، فلا يجد في نفسه غير نموذج الأستاذ محمود محمد طه ليتشبث به، ليخرجه من الظلمات إلى النور. وحين أفعل تتدفق الحياة من كل أقطاري، لأن كل "أقطاري" هي السودان، ترجمه الأستاذ محمود محمد طه، في اللحم والدم، كما لم يترجمه سوداني من قبل.

وكفى!!!!!!!

قرائي الكرام،

أرجو أن تقرأوا للجمهوريين قبل أن ترمهوم بما ليس فيهم. ويوم تفعلون ستعرفون من أين تأتي الخمرة التي تسكرنا، وتذيينا في أبينا الأستاذ محمود محمد طه، الذي ترجم عن الصوفية حين قالوا:

نحن في لذة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف

نحن ملتزون، سكاري بدون خمر، إلا خمر المعاني التي توصلنا بالله العظيم. لذاتنا من القرآن، ومن خمر معانيه السامقات. ومن هذه الخمر نهل نبينا العظيم، محمد بن عبد الله، الذي ظنه قومه مسحوراً، مجنوناً. وما علموا أنه كان من خمر المعاني الإلهية يشرب. ومن يشرب من تلك الخمر يوصم بالجنون، نبياً كان أم لم يكن، لأنها خمر شديدة الإسكار، لا يكون الفاني فيها إلا باقياً بالحكمة وفصل الخطاب. وما الشارب من تلك الخمر بنعمة ربه مجنون، ولا سكران.

وكما بدأنا هذه المداخلة بنبينا العظيم نختم بالخاتم العظيم: بالأستاذ محمود محمد طه، ودعوته لسلوك طريق خاتم الأنبياء، نبينا محمد بن عبد الله، أعظم الخلق أجمعين. وما الأستاذ محمود إلا دعوة محمدية أحمدية، مجسدة، تتقلب في جلالها ومن خلالها الذات المحمدية في أرضنا المحزونة هذه تقلباً ما برحت تتقلبه منذ بدء الخيلقة، ولا بدء ولا انتهاء، في قوانين الخلق، ولا في الكمياء، والفزياء والأحياء!!!

Post: #91
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-06-2007, 01:26 AM
Parent: #90

عزيزي ياسر
شكرا على ارسال كتاب عودة المسيح،
وهو كتاب مهم ،
وفيه نجد تلميح واضحا حول المسيح السوداني.
وسأعود الى ذلك .
بالنبسة لمفهوم القرن العشرين في الخطاب الجمهوري ،
سأعود الى ذلك بمقارنة مهمة،
ذلك ان العرن العشرين في الخطاب الاسلامي المعاصر "عير مشكور".
وسنعود لذلك .
المشاء

Post: #92
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-07-2007, 04:08 AM
Parent: #91



الشكر موصول لجميع المتداخلين
الأعزاء:
ياسر
حيدر
أسامة

ونرفع الشكر والتقدير للحوار الثري ،
وسوف نعود بمداخلة


Post: #93
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-08-2007, 02:29 AM
Parent: #92

ونرفع شكرنا لله، ولك يا عزيزي عبد الله، محبين، مقدرين، حامدين!
لبيك من محب ولبيك من حبيب، في هذه الحضرة المباركـــــــــة

Post: #94
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-08-2007, 04:39 AM
Parent: #1



الأحباء الكتاب :
ياسر الشريف
أسامة الخواض
حيدر بدوي
تحية واحتراماً

من يقرأ لكم هُنا ، يكتشف أن الخلاف الهادئ ، وسوق الحيثيات بالدليل ، والخلاف بمودة هو عيِّنة لكيف يمكننا أن نحيل الخلاف في الرؤى ، والنظر في المادة المكتوبة والمادة الشفهية المنقولة من كثير من تلامذة الأستاذ ثم من بعد أصدقائه وأحبابه والمُقربين منه ، والذين يحضرون مجالسه إلى مادة ثرية.

لقد تم نقل الكثير من مسلك مراجعة ما يقدم شفهياً في الندوات والمحاضرات العامة ، و التفاكُر والتصحيح كان ديدن الأستاذ بين تلامذته ، يُراجع ويتفاكر بدرجة عالية من المحبة للرأي المُخالف ولتقدير حسن النوايا من خلال الاجتهاد .
إن هذا المسلك أرى أنه مسلك من حيث المُحتوى ومن من حيث طرائق نقاشه ومُراجعته ، هو مسلك كان سائداً بين الأخوة الجمهوريين منذ أكثر من رُبع قرن ،
في حين أننا في بعض الحوار الذي يدور هُنا أو في معظم المنتديات السودانية ، على قدر كبير من الضيق بالرأي الآخر ، ولم يفِد كثير منا من هذا التُراث في التسامُح مع الرأي الآخر ، وتقديم الدفوع عن الرأي بتسلسل مرِن ، خالٍ من الغلظة .
من هُنا لم يكن الإشادة بما تفضلتُم به إلا القليل مما يتعين على القارئ أن يحمده وللناقد أن ينهل ، ويختار من مُحصلة القراءة .

ونرفع الكثير من الشكر والتقدير للمسلك ، ولمنهج الخلاف الذي تقدمونه بكثير من الأريحية وعذوبة النفس .

شغلتني المشاغل إلا أنني سوف أعود من بعد أن تتيسر إلى :

1/

قصة الأيام الأخيرة للأستاذ بين تلامذته المُقربين ، ومعرفة استشهاده مُسبقاً قبل اعتقاله الأخير ، وسنعقد مُقارنة بينها وبين النص المنقول من الأناجيل حول العشاء الأخير للسيد المسيح بين حوارييه أو (الرُسل ) وكيف قدم لهم النبيذ والخُبز الجاف ، ونضع المُقارنة ليس من قبيل تأكيد الزعم حول صحة المقولة من أن هنالك من كان يعتقد بأن السيد المسيح سيعود في شخصه أم لا ، بل من قبيل المقابلة بين الشخصيتين من واقع ما هو متوفر لدينا ، وكلي أمل أن أحصل على كتاب السيد المسيح للأستاذ علني أُثري بقدر ما أستطع ، وأن أكون بمقام الكتابة على ضفاف ( القص ) على مسافة مُفترضة من ( النقد ) ، وأحسب أنني بذلك أنثر الكثير من الرؤى التي تُقدم الجديد .
والشكر لكم ونواصل .





Post: #95
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-08-2007, 05:08 AM
Parent: #94

عزيزي عبد الله،
محبة لا ينضب معينها،
أقترح على الأخوين الكريمين ياسر وأسامة أن يرسل أحدهما لك الكتاب فقد أرسله ياسر قبل أيام لاسامة. ثم أقترح أن ينشر الكتاب هنا، فهو ليس طويلاً بالصورة التي تشكل عبئاً بصرياً، بخاصة إذما أنزل منجماً. وهذه صنعة يتقنها عزيزي د.ياسر.
لكم جميعاً وافر تقديري واحترامي، وشكري على إثراء حياتي بهذا الحوار المتدمن، الرفيع، الذي وجب أن تخلع عند الجلوس إليه النعلان وأن تواصل التلبية.

Post: #96
Title: بالصوت.. حديث الأستاذ محمود عن أن الأصيل الواحد هو الحقيقة المحمدية..
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-08-2007, 07:45 AM
Parent: #95

الأعزاء حيدر وعبد الله وأسامة وكل من يتابع هنا..
الأخ عبد الله، أعطني بريدك الإلكتروني وسأرسل إليك الكتابين وأي كتاب آخر تطلبه..

دار الحديث مؤخرا حول أن الأستاذ تشكك في أنه الاصيل.. أريد الآن أن أنقل لكم الحديث الذي دار في أبريل عام 1982 في جلسة للأخوان الجمهوريين عقدت خارج منزل الاستاذ في الساحة الغربية للمنزل.. وهي بالتالي لم تكن جلسة سرية وإنما علنية وكلام الأستاذ الذي دار فيها يمكنكم سماعه بالضغط على زر التشغيل.. وآسف إذا كان الصوت غير واضح.. الحديث يستمر حوالي 40 دقيقة إلا قليلا..

عزيزي حيدر،
اقتراحك بنشر الكتابين هنا اقتراح جيد فأرجو أن يوافق عليه الأخ عبد الله..
ياسر

Post: #97
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-08-2007, 06:25 PM
Parent: #1

عزيزنا وحبيبا الكاتب ياسر

أثنيت علينا ، من فيوض محبتك ... ولا رد لقضاءٍ فصل تُفاحة
الرأس ، وقذف بها إلى فضاء سحيق .
وقف مَعلوم في ظلمة حوله وفضاء فسيح من فوقه .
جثا على ركبتيه ورفع كفيه وقال :
إلهي ، امنحني القوة لأغير الأشياء التي لا أستطيع تبديلها .

من فوق الروؤس والسماوات تحلِّق أجنحة الفراديس تطلبك ، تُخاطرُكَ ...
وها أنت تستجيب .
تعال سيدي نرمي النرد وننظر بَختنا :
مع أي الزخارف اقترن قمرك ؟ ، والتّف من حول كويكبات لا تعرفها كُتب العرافين .

لك المحبة مجددأ ، ولحوار بعضنا أن يتصل ، ففيه
خيرنا وخير من يقرأ . وفيه نعمتي حين ينكفئ قِدْرَكَ بما فيه من عِطر ،
فتغمرني رياحينك أنا ذهبت .
لك اليد فأنت بما أثريت رب الدار . قدور الطيوب تندلق على صفحات السماء
بكثير من النِعم ، ونحن من بعد نتعجل الفرح .

لك ما شئت ، فتستحق ذكرى الأستاذ محمود أن نقطُف من كرزها ،
وتستحق رياحينه أن نتجول بساتينها النضرة . ذكرى ليست لمآل رجل ،
بل لمآل رؤيا تفتحت في تاريخ بلادي ذات بُرهة من بُرهات الكون .
شكراً لك وابقي دوماً بالبيت .

مع الكاتب أسامة ينعم المرء وهو يرى نور العقل المُفكر يرفرف في السماء ،
والحبيب حيدر ينثر وده بيننا ويجلب لنا القطوف دانية .

لم تعُُد النافذة التي فتحناها إلا بيت ينعم برحيق الأذهان المُفكرة ،
وننعم جميعاً بزاد الفكر متلألئاً بقناديله .

لكم جميعاً المحبة قبل الشكر .

بريدي الإلكتروني :

[email protected]

Post: #98
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-08-2007, 11:25 PM
Parent: #97

الأخوان الجمهوريون
عودة المسيح

الطبعة الأولى الخميس 25 ديسمبر 1980
17 صفر الخير 1401

الإهــداء:
إلى الإنسانية !!
لقد أظلنا عهد الرسالة الخاتمة !!
الرسالة الثانية من الإسلام ..
في مستوى الرسالة الثانية الإسلام ليس دينا بالمعنى المألوف في الأديان !!
وإنما هو دين الفطرة – فطرة الله التي فطر الناس عليها –
الناس – كل الناس – من حيث أنهم ناس !!
وفطرة الله في الناس إنما هي العقل الصافي، والقلب السليم !!
الإسلام في هذا المستوى هو نقطة التقاء جميع الأديان !!
هو دين التوحيد – توحيد الفرد البشري في داخل كيانه !!
وتوحيد المجتمع البشري بمختلف أقطاره وألوانه !!

بسم الله الرحمن الرحيم
(( ونفخ في الصور فصعق من في السموات، ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون  وأشرقت الأرض بنور ربها، ووضع الكتاب، وجيء بالنبيين، والشهداء، وقضي بينهم بالحق، وهو لا يظلمون.))
صدق الله العظيم..
المقدمة:
هذا الكتاب مبشر بقرب مجيء المسيح الأخير.. وذلك في مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد.. وبشارتنا بهذا المجيء ليست تهويما وراء الأخيلة، أو تعزيا بالأماني، مما يؤدي إليه العجز عن مواجهة مشاكل الواقع.. كما هي ليست نظرية فلسفية، أو مجرد نبوءة دينية.. وإنما مجيء المسيح ضرورة يمليها الواقع البشري المعاصر، وتؤدي إليها التطورات التاريخية تأدية طبيعية.. ثم تجيء النصوص الدينية، في سائر الكتب السماوية، لتؤكد هذه الضرورة الحياتية الماثلة.. ثم إن بشارتنا بمجيء المسيح ليست قفزا في الفراغ، وإنما هي تقوم على منهاج عملي يجعل ذلك المجيء ممكنا، ومحتوما..
فالبشرية اليوم إنما تواجه تحديا مباشرا لبقائها لم تشهده من قبل.. تحديا يواجهها كفصيلة من الخلائق عليها أن تتواءم مع بيئتها الجديدة وإلا كان مصيرها الانقراض، كما جرت بذلك سنة الله في الأولين.. أما بيئتها هذه الجديدة فهي تتمثل في الوحدة المكانية التي تمت للبشر بتطور وسائل الاتصال، والمواصلات، مما يقتضي أن يقيم البشر علائقهم على الإسماح، والمحبة، اللذين يليقان بالجيران.. كما تتمثل هذه البيئة الجديدة فيما برهن عليه العلم المادي، بعد فلق الذرة، من أن المادة طاقة مجهولة الكنه، وأن البيئة الطبيعية بيئة غير مادية، وإن كانت مادية المظهر- هي في حقيقتها بيئة ( روحية)، أو قل ( فكرية).. مما يقتضي أن تقام حياة البشر على وحدة ( فكرية) تتواءم مع هذه البيئة ( الفكرية)..
ولقد قطعت البشرية شوطا بعيدا نحو الوحدة، وذلك من حيث لا تشعر.. وحاجتها اليوم إنما هي إلى الفكر المسدد، المستقيم، ليوجه هذا التطور المسدد نحو الوحدة، فيسرع بخطاه.. فإن الصراع الدولي قد تمخض أخيرا عن انقسام هذا العالم إلى معسكرين: المعسكر الشيوعي، والمعسكر الرأسمالي، مما لم يتفق للبشرية من قبل بهذه الصورة الشاملة.. وهذه الثنائية إنما هي أقرب المنازل إلى الوحدة.. كما أن البشرية قد توصلت، عبر الصراعات الطويلة من أجل الحقوق الأساسية للإنسان، إلى مؤسسة دولية واحدة تتجه إلى جمع كافة الأمم كأعضاء فيها، ليلتزموا بميثاق واحد، وليحتكموا إلى قانون دولي واحد، وليخدموا المصالح الدولية المشتركة في السلام والرفاهية.. وهي منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الدائرة في فلكها، كمحكمة العدل الدولية، وهيئة اليونسكو وأخواتها.. وهذه المنظمة الدولية، وعلى قصورها المتمثل في عدم مقدرتها على تنفيذ قراراتها، والمتمثل، أيضا، في خضوعها، بصورة أو بأخرى، لدى اتخاذ القرارات الكبيرة للقوى الكبرى التي تشكل مجلس الأمن، إنما هي خطوة جليلة تعبر عن حاجة البشرية الماثلة إلى الحكومة العالمية التي توحد إدارة الكوكب، وتقيم علائق أممه على القانون الدستوري الذي يلقى التنفيذ والاحترام من سائر الأمم..
إن مشكلة العالم اليوم هي مشكلة السلام.. وهي هي المشكلة الناجمة من عجز الفلسفات، والأنظمة العالمية في حل المعادلة الصعبة، وهي التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، بحيث يصبح الفرد هو الغاية من كل سعي جماعي، وبحيث تصبح الجماعة أبلغ وسيلة لإنجاب ذلك الفرد الحر. ومشكلة السلام العالمي هي، في الحقيقة، مشكلة السلام الداخلي في نفس كل فرد بشري.. هذه المشكلة التي تتمثل في ظاهرة القلق التي استشرت فغزت كل المجتمعات، حتى صح أن يسمى هذا العصر عصر القلق.. وهذا القلق إنما هو تعبير عن يأس الفرد المعاصر من الفلسفات، والأنظمة، في حل مشاكله المعيشية، وفي التجاوب مع تطلعاته إلى الحرية، وفي الإجابة المقنعة على لغز مصيره المجهول في هذا الوجود، وهو يتطلع إلى التواؤم مع بيئته الاجتماعية، والطبيعية، والحضارية الجديدة.. كما أن هذا القلق، من جهة أخرى، إنما هو بمثابة أوجاع المخاض التي يعقبها الميلاد الجديد للحياة البشرية، وهي تنعم بالسلام والرفاهية، بعد ركام هائل من العذابات عبر القرون..
فالحاجة اليوم إلى السلام تكاد تبلغ الحاجة إلى الماء والهواء.. لا سيما وقد انقسم العالم إلى معسكرين لا يملكان سبيلا لفض الصراع بينهما إلا سبيل الحرب، فبلغا في سباق التسلح بينهما مبلغا أهدرت معه الإمكانيات الاقتصادية العالمية، مما شكل أزمة اقتصادية عالمية لم تشهدها البشرية من قبل، وأهدرت معه، أيضا، سيادة وحرية الدول الصغيرة التي صارت مسرحا للصراع على مناطق النفوذ بين المعسكرين، فصارت كل دولة صغيرة منها إنما هي بالضرورة، أرادت أو لم ترد، دائرة في فلك أحد المعسكرين لحماية نفسها من خطر المعسكر الآخر.. وحتى صار الحد من الأسلحة الاستراتيجية، ناهيك عن نزع السلاح أمرا مستحيلا.. وصارت الحرب العالمية الثالثة خطرا ماثلا.. وهي إنما ستعني نهاية الحضارة البشرية، وانقراض النوع البشري نفسه!!
ومن الجانب الآخر، صار الدين، من حيث هو دين، يواجه نفس التحدي المصيري الحاسم!! فصار عليه إما أن يستوعب هذه المتغيرات الجديدة المذهلة، فيجد الحلول للمشاكل الفردية والجماعية التي تختلف، من جميع الوجوه، عن المشاكل التي توفر الدين في الماضي على حلها، وإما أن يخلي السبيل لتنفلت القافلة البشرية إلى العلمانية وإلى الإلحاد!! التحدي الذي يواجه الدين هو بهذا الحسم.. وبذلك صار العالم مهيئا ومحتاجا ومستجيبا لكل عوامل التغيير.. وهو تغيير لا بد أن يكون جديدا لم يسبق له مثيل حتى يكافئ هذا الواقع الجديد الذي لم يسبق له مثيل أيضا..
العالم يحتاج إلى رجل هو من صفاء الفكر، وسداده، وشموله، بحيث يوحد هذه الأمم، فكريا، في مذهبية واحدة، هي تتويج لكل الديانات، ولكل الفلسفات التي قطعت بالبشرية كل الشوط الماضي الطويل.. رجل يوحد هذه البشرية في حكومة عالمية واحدة تتألف من حكومات قومية تقوم كل منها على دستور إنساني يتوفر على حل التعارض البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة اللتين أشرنا إليهما آنفا.. وبذلك، وبذلك وحده، يحل النظام، ويحل السلام في الأرض..
البشرية تحتاج إلى رجل يقدم من نفسه، نموذجا للكمالات الإنسانية التي يشير، إلى حتميتها وإمكانيتها، رأس سهم التطور البشري منذ الأزل.. وهي الكمالات المتمثلة في كمال الحرية الداخلية من الخوف والجهل، وهما مصدر كل نقائص الحياة البشرية.. البشرية محتاجة إلى رجل استطاع أن يتواءم مع البيئة البشرية، والطبيعية، والحضارية الجديدة، فيتحدث بلغة العصر، وهي السلام، ويملك المفتاح لحل معضلات المشاكل العالمية المستعصية، بالمنهاج العلمي..
البشرية تحتاج إلى رجل يقيم المدنية الجديدة التي تؤلف بين القيم الروحية ومظاهر الوجود المادي، بحيث تضع القيمة المادية في مكانها الطبيعي كوسيلة، فحسب، ولكنها لا غنى عنها، للقيمة الأخلاقية.. كما قال محمد: (( الدنيا مطية الآخرة)).. وكما قال المسيح: (( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان))..
البشرية محتاجة لرجل يبرهن بكمال فكره، وكمال شعوره، على جدوى ممارسة المنهاج الديني، في العبادة، والمعاملة، وعلى مقدرة الدين التي لا تنفد على استيعاب تطور الحياة مهما تشعب، فيقدم الدين في المستوى العلمي الذي ينفخ الروح في هيكل الحضارة المادية، ويوحد بين الأديان، فيجمع البشرية على دين واحد– وعلى فكرة واحدة.. فينفتح، بذلك، دورة جديدة للحياة البشرية لم تشهدها البشرية من قبل..
البشرية محتاجة إلى رجل يطبق قوانين العدالة الاجتماعية الشاملة، في الرسالة الثانية من الإسلام، والتي تعين كل فرد على تحقيق فرديته، ويبرز منهاج ( الفردية) عند النبي محمد، بحيث يرتفق به كل فرد ليبلغ به فرديته الخاصة.. البشرية تحتاج إلى الإنسان الكامل.. المسيح.. المخلِّص، في هذا المستوى العلمي الرفيع..
وأول الدلائل على هذه الحاجة الماثلة إلى المسيح ( المخلِّص) هو مشكلة الشرق الأوسط التي تهدد مشكلة السلام العالمي كله.. فمشكلة الشرق الأوسط، في حقيقتها، إنما هي صراع عقيدي بين أهل الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، على الأرض التي نشأت عليها هذه الديانات.. أليست مدينة القدس اليوم هي محور هذا الصراع العقيدي؟؟ وهو، في الحقيقة، صراع بين أبناء عمومة واحدة جدّها الأكبر إبراهيم عليه السلام.. وهذا الصراع إنما يعبر عن بلوغ التعصب العقيدي مبلغا صار لا بد للبشرية أن تتجاوزه لمستوى أكبر منه في الدين، حفاظا على بقائها وسلامها.. فالتعصب العقيدي، إلى جانب أنه لا يحل مشكلة، إنما هو مهدد للسلام العالمي بصورة محتومة..
إن مشكلة الشرق الأوسط لا يحلها إلا المسيح، وهو يجيء بالسلام، فيوحد الأديان الثلاثة بعد أن يرى أهل هذه الأديان الحقيقة الواحدة!! فعلى أهل هذه الأديان أن يتفطنوا لدورهم الأساسي في قيادة البشرية بدين السلام، وعليهم أن يمهدوا أرضهم التي يقتتلون اليوم عليها لتكون عرش المملكة السماوية وهي تنزل اليوم إلى الأرض.. طوبى لمن عمل لها، وحلم بها، ولم يهدأ له بال حتى يراها ماثلة.. طوبى له وحسن مآب!!
توحيد الأديان الثلاثة
يقوم توحيد الأديان الثلاثة، عندنا، على الفهم الدقيق لطبيعة كل دين منها.. فلقد بعث موسى إلى مجتمع قريب عهد بقانون الغابة، ولذلك دعته التوراة إلى مجرد العدل ( النفس بالنفس، والعين بالعين)، وكادت أن تقتصر عليه، وهو أقرب إلى طبيعة النفس البشرية البدائية.. فجاءت تشاريع التوراة في طرف البداية، مما يقابل الغلو في المادية.. ثم جاء المسيح بتشريع يشد الناس إلى طرف النهاية، كرد فعل مقابل لما كانت عليه الحياة من الغلو في المادية، فقام الإنجيل على الغلو في الروحانية، بصورة أقرب إلى الوصايا الخلقية الرفيعة، المعلقة فوق ذلك الواقع البدائي.. ولذلك قال المسيح لتلاميذه: ( سمعتم أنه قيل عين بعين، وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا).. ثم جاء الإسلام، على عهد محمد، وسطا بين طرفي الغلو في المادية، والغلو في الروحانية ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا).. وكذلك جاء الإسلام جامعا للخصائص التي يلتقي عندها أهل التوراة، وأهل الإنجيل.. فجمع القرآن، في سياق واحد، بين خصائص اليهودية، وخصائص النصرانية، وذلك حين يقول: ( وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا، وأصلح، فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين).. فقوله ( جزاء سيئة سيئة مثلها) يقابل قول التوراة الذي حكاه المسيح حين قال ( عين بعين وسن بسن) وقوله ( فمن عفا، وأصلح، فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين) إنما يقابل عبارة الإنجيل في التسامح: ( وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا) كما تقابل، وبصورة أتم، عبارته الأخرى: ( أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردنوكم). فالإسلام، بذلك، إنما يتدرج بالنفس البشرية، فيضع لها قاعدة العدل، التي تقابل بدائيتها، ثم يربيها بمنهاجه في العبادة، والمعاملة، حتى تصير قادرة على العمل في قمة العفو، مما هو أقرب إلى الطبيعة البشرية الأصلية.. فالإسلام بذلك إنما يتجافى عن مستوى البدائية التي وجدت عليه اليهودية الناس، ثم، هو، في نفس الوقت، يضع المنهاج الذي يجعل وصايا المسيح الأخلاقية ممكنة التطبيق.. وعلى ذلك يتم توحيد الثالوث الإسلامي: اليهودية، والمسيحية، والإسلام..
ولذلك فقد جاء الإسلام برسالتين: رسالة أولى في طرف البداية، هي مما يلي اليهودية، ورسالة ثانية في طرف النهاية، هي مما يلي المسيحية.. والرسالتان مضمنتان في القرآن، وقد جاء بهما، معا، محمد، خاتم الأنبياء.. وتقوم الرسالة الأولى على الشريعة الإسلامية التي تنزلت إلى واقع الناس البدائي في القرن السابع الميلادي، ولذلك قامت على الوصاية- وصاية المسلم على غير المسلم، ووصاية الحاكم على الرعية، ووصاية الرجل على المرأة- ومتعلقها القرآن المدني الذي جاءت أحكامه ناسخة لأحكام القرآن المكي، في حين تقوم الرسالة الثانية على السنة النبوية، وهي مستوى عمل النبي في خاصة نفسه، ولذلك قامت على الحرية، ومتعلقها القرآن المكي المنسوخ بشريعة الأمة، المحكم في حق النبي.. ولذلك فقد جاءت الرسالة الأولى مفصلة، في القرآن، وظلت الرسالة الثانية مجملة، فيه، لم يقع عليها التفصيل إلا في معنى ما عاشها النبي.. وسيجيء المسيح الأخير ليفصلها، ويطبقها، على مجتمع القرن العشرين الذي أعدته المسيحية واليهودية والإسلام، في رسالته الأولى، إلى هذا المستوى الرفيع.. وظاهرة الرسالتين، بين القرآن المكي والقرآن المدني، إنما تلاحظ بجلاء في نصوص القرآن.. مثل ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) من القرآن المدني الذي يمثل مستوى الرسالة الأولى، ومثل ( وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) من القرآن المكي الذي يمثل مستوى الرسالة الثانية..
ومجيء المسيح الأخير إنما هو مرتبط ببعث آيات القرآن التي كانت منسوخة في القرن السابع لتكون هي صاحبة الوقت اليوم، وبنسخ آياته التي كانت محكمة، وكانت صاحبة الوقت في القرن السابع، وعليها قامت الشريعة.. فإذا انبعثت هذه الآيات المنسوخة فقد ارتفعنا بالإسلام من المستوى العقيدي إلى المستوى العلمي، وفي هذا المستوى لا يتفاضل الناس بالعقيدة، أو الجنس ( من ذكر وأنثى)، وإنما هم يتفاضلون بالعقل، والخلق.. فلا يسأل الإنسان عن عقيدته، أو جنسه، وإنما يسأل عن صفاء الفكر، وإحسان العمل.. وفي شريعة الرسالة الثانية هذه- وهي الشريعة الدستورية المستمدة من الدستور الإسلامي- لا يقع تمييز ضد مواطن بسبب دينه، أو بسبب جنسه.. وهذا الدستور لا يسمى، في الحقيقة، إسلاميا، لأنه لا يسعى لإقامة حكومة دينية، وإنما يسعى لإقامة حكومة إنسانية يلتقي عندها، ويستظل بظلها كل البشر على قدم المساواة في الحقوق والواجبات.. ومصدر هذا الدستور القرآن لأنه موظف لجلاء الفطرة البشرية، من حيث هي بشرية.. جلائها من رواسب الجهل والخوف، حتى تبرز فطرة العقل الصافي، والقلب السليم.. الإسلام في هذا المستوى هو دين الفطرة، كما جاء في القرآن: ( فطرة الله التي فطر الناس عليها.. لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم).. وهو الدين الذي تلتقي عنده كل الأديان، فإن البشرية- من لدن آدم حتى مبعث محمد- لم تعرف الدين إلا في مستواه العقيدي.. وفي هذا المستوى ( كل حزب بما لديهم فرحون).. والرسالة الثانية من الإسلام التي يجيء المسيح الأخير لتطبيقها، والتي نبشر نحن بها اليوم، لنجعل مجيئه ممكنا، إنما هي القمة التي تتوج مرحلة العقيدة من كل الأديان، كما تتوج كل التراث البشري، وهي تقدم الدين في مستواه العلمي لأول مرة في التاريخ.. وهو ما عنينا بتوحيد الأديان..
البشارة بمجيء المسيح في التوراة
لقد بشرت الأديان الثلاثة بمجيء المسيح، وبصورة تكاد تكون واحدة.. فأهل هذه الديانات إنما هم ينتظرونه، ويترقبون ظهوره.. وهذا ( التوحد) بينهم، في الانتظار والترقب، إنما هو، في حد ذاته، دلالة على أصل الوحدة في هذا الثالوث الإسلامي، كما هو إشارة بتحقيق الوحدة بينهم في المستقبل الموعود..
أما في التوراة فقد جاء في أشعياء الإصحاح الحادي عشر: ( ويخرج قضيب من جذع يسي، وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب.. روح الحكمة والفهم.. روح المشورة والقوة.. روح المعرفة ومخافة الرب.. ولذته تكون في مخافة الرب، فلا يقضي بحسب نظر عينيه، ولا يحكم بحسب سمع أذنيه، بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه، ويكون البر منطقة متنيه، والأمانة منطقة حقويه)
( فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمن معا، وصبي صغير يسوقها، والبقرة والدبة ترعيان.. تربض أولادهما معا، والأسد كالبقر يأكل تبنا، ويلعب الصغير مع سرب الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان لا يسوؤه.. ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر، ويكون في ذاك اليوم أن أصل يسي القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا) انتهى.
هذه البشارة في التوراة بمجيء المسيح الأخير الذي ينتظره اليهود إنما تستوجب الإيمان بالمسيح الأول، وبمحمد، حتى يكتمل الثالوث، من هذه الأديان الثلاثة، فيجيء توحيد الثالوث على يدي المسيح، في أخريات الأيام، فتتحقق الخلافة البشرية على الأرض، كما تحققت يوم خلق الله آدم قبل أن يهبط إلى الأرض.. هذه الخلافة هي ملكوت السماء وهو يتحقق على الأرض.. وهذا الخليفة هو ( الملك) الموعود، وهو، في الحقيقة، آدم الثاني.. ورد في القرآن: ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون!!)
البشارة بمجيء المسيح في الإنجيل
والإنجيل يفيض بالبشارات بمجيء المسيح الأخير.. حتى لا يكاد المسيح الأول يبشر بأمر غير هذا المجيء العظيم.. وصلاة المسيحيين الأساسية كما علمها إياهم المسيح، إنما هي دعاء من أجل هذا المجيء.. وفيها: ( أبانا الذي في السموات: ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض) انتهى.. فإن مجيء ملكوت الرب إنما هو تمام الخلافة البشرية على الأرض، كما أن تطابق المشيئة الإلهية في السماء مع المشيئة الإلهية في الأرض إنما يعني دخول البشر في الأرض كافة في دين واحد يمثل المشيئة الإلهية الواحدة، كما يدخل أهل السماء في هذه المشيئة أو الدين..
وفي الإشارة إلى وراثة البشر في الأرض لملكوت السماء- وهي التخلق بالصفات الإلهية- جاء قول الإنجيل ( متى الإصحاح الخامس والعشرون) هكذا: ( ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة والقديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم) انتهى.. وعن مجيء المسيح المنتظر بعيد حالة الحيرة والاضطراب التي تسود العالم، والتي إنما نجد علاماتها في عالم اليوم، يقول الإنجيل: ( لوقا الإصحاح الحادي والعشرون): ( وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم.. وعلى الأرض كرب أمم بحيرة.. البحر والأمواج تضج، والناس تخشى من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السموات تتزعزع. وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحابة بقوة ومجد كبير..) انتهى.. بيد أن المسيح الأخير هو الإنسان.. وكماله هو في ( إنسانيته) التي تتسامى إلى الأخلاق الإلهية، فتعيشها، وتجسدها، وذلك هو نزول ملكوت السماء إلى الأرض.. وهذا التجسيد هو المشار إليه بمجيء المسيح ( في سحابة) أي في جسد من أصل الماء.. و ( القوة) التي يجيء بها إنما هي قوة الفكر المسدد، المستقيم.. القوة الفكرية والخلقية..
البشارة بمجيء المسيح في القرآن
وعن مجيء المسيح الأخير، مجسدا للأخلاق الإلهية، في قمة ما أوصى به النبي محمد: ( تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم)، يقول القرآن: ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة، وقضي الأمر، وإلى الله ترجع الأمور).. لاحظ التطابق بين تعبير ( السحابة) في الإنجيل وتعبير ( الغمام) في القرآن..
وعن مجيء المسيح الأخير جاءت البشارات النبوية تترى، وهي عميقة الدلالات على مجيئه بالرسالة الثانية من الإسلام- وبشريعتها هي- لا بشريعة الرسالة الأولى.. فعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها) رواه البخاري ومسلم والترمزي وابن ماجة وابن أبي شعبة وابن مردويه وغيرهم.. وفي رواية أخرى: ( ثم تقع الأمنة على الأرض حتى يرتع الأسد مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان مع الحيات) وفي رواية أخرى كذلك: ( يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا) انتهى.. لاحظ روح السلام التي تعم الأرض بمجيء المسيح الأخير في كلا بشارتي المسيح الأول، ومحمد، به، والتي ستنتهي بها جميع صور العداوات على الأرض.. وملء الأرض عدلا إنما هو، في القاعدة، بتحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة ( الاشتراكية والديمقراطية والمساواة الاجتماعية التي ينمحي بها التمييز بسبب العقيدة أو الجنس).. وفي عبارة ( ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) إشارة إلى ما ستفضي إليه الاشتراكية، بزيادة الإنتاج وعدالة التوزيع، من شيوع خيرات الأرض حتى لا تضيق بأحد.. كما أن عبارة ( ويضع الجزية) إنما تعني وضع الجزية عن الناس، أي رفعها عنهم، وفي ذلك إشارة إلى نسخ آيات السيف، وسائر آيات الوصاية في القرآن المدني، التي هي ظل لآية السيف، ومنها آية الجزية، وذلك ببعث، وإحكام آيات الاسماح في القرآن المكي.. وكل أولئك إشارات واضحة إلى أن مجيء المسيح إنما هو بالرسالة الثانية من الإسلام يطبقها على سائر الناس كشريعة عامة بعد أن كانت شريعة فردية خاصة بالنبي الكريم.. وهي المعنى المقصود بإحياء السنة في أخريات الأيام.. فإن السنة هي شريعته الفردية كنبي، بينما كانت الشريعة هي الشريعة العامة التي طبقها على الناس كرسول..
ولذلك فإن المسيح الأخير إنما هو المسيح المحمدي في معنى أنه يجيء بالرسالة الثانية من الإسلام التي عاشها محمد، وظلت مدخرة، في القرآن، وفي سيرته، لتعيشها بشرية القرن العشرين.. وفي ذلك يقول القرآن عن محمد: ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد).. وعن ذلك جاءت عبارة ابن عباس ( عجبت لمن ينتظر عودة المسيح، ولا ينتظر عودة محمد).. فمحمد عائد في معنى ما ستحيي البشرية من سنته- وهي الرسالة الثانية من الإسلام التي هي نقطة التقاء الأديان جميعا.. المسيح القادم هو الحقيقة المحمدية تتجسد على الأرض، فتضع البناء الفوقي على صرح الدين الذي بنى منه كل نبي ورسول من اللّبنات بقدر حكم وقته..
خاتمــة
نحب في هذه الخاتمة أن نتوجه إلى المسلمين بما نعني بالإسلام في مستواه العلمي، حتى يتفطنوا إلى حقيقة دينهم، فيقبلوا عليه بفهم جديد، في هذا العصر الذي اتسم بالانجازات العلمية المادية الهائلة، حتى صار يعرف بعصر العلم.. فلا بد للدين، في عصر العلم المادي، أن يكشف عن مكنونه من العلم الروحي.. فتتم المزاوجة بين العلم المادي، والعلم الروحي، بعد جفوة مفتعلة طويلة سببها جهل الناس بحقيقة الدين، وحقيقة العلم المادي..
الإسلام في مستواه العلمي هو ما عبر عنه النبي الكريم حين قال ( الإسلام دين الفطرة) أخذا من الآية الكريمة ( فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. ثم قال في تفسير الفطرة ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) وهو يعني هنا كل مولود بشري، فالناس كلهم، كفصيلة، يختلفون عن فصائل الحيوانات الأخرى، ولكنهم يتفقون فيما بينهم في الفطرة، وهي العقل، والمقدرة على التفكير.. ( وكل مولود يولد على الفطرة) أي يولد بقلب سليم وعقل صاف.. ولا عبرة بالفطرة في هذه الصورة لأنها لا تقوم على التجربة.. فإذا عايش الطفل المجتمع، بدءاً بأسرته تبدأ تجربته، فيأخذ دين أبويه.. حتى إذا درج في مدارج التطور أخذ يزداد خبرة، في المجتمع الكبير، وأخذ يدخل في صراع الحياة اليومي من أجل تأمين نفسه، بدافع الخوف والطمع، فأخذت تلك الفطرة تنطمس، وتنمحي، بما يرين ( يغطي) عليها من معايب السلوك مما عبر عنه القرآن بقوله: ( كلا!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).. وبقدر ما يفقد القلب من سلامته، بقدر ما يفقد العقل من صفائه، فينشل عن التفكير السليم، ويلتوي مع الهوى.. ومن ههنا مشكلة السلام الداخلي في نفس الفرد البشري والتي تنشأ منها وتتسع مشكلة السلام العالمي بأسره.. ووظيفة الإسلام، في مستواه العلمي، بما هو دين الفطرة، أن يرد الناس، كل الناس، إلى سلامة القلب، وصفاء العقل، ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).. والذي حقق السلام مع نفسه، بذلك، إنما هو قد حقق السلام مع البيئة التي يعيش فيها- كل البيئة، في شتى صورها.. وهو ما نعني بتواؤم الفرد البشري مع البيئة..
الإسلام في هذا المستوى إنما هو علم نفس.. وظيفته تحرير النفس من رواسب الخوف والجهل التي طمست فطرتها.. وهو بهذا إنما يطب للظاهرة العالمية من القلق، والحيرة، والاضطراب، والعقد النفسية، مما صار يعرف ( بمرض المدنية)، والذي تفشى في سائر المجتمعات، مما تدل عليه الإحصاءات في عيادات الأمراض النفسية والعصبية في كل العالم.. الإسلام، بهذا المستوى العلمي، كعلم نفس، إنما يرد البشرية إلى طلبتها الأساسية، وهي تستكنه مجاهيل الفضاء، والبحار، والأرض، بوسائل العلم الحديث والتكنولوجيا، وهي لا تشعر أنها إنما تبحث، في الحقيقة عن النفس البشرية.. وبالعلم بالنفس يتم الموعود القرآني ( سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟؟).. الإسلام بهذا المعنى إنما يخاطب الفطرة البشرية، من حيث هي بشرية، بغض النظر عن فوارق واختلافات العقيدة، والجنس، والعنصر، واللون، واللسان، والموطن.. وهو بهذا المستوى يمكن أن يجمع كل أهل الديانات، وأهل الفلسفات، حيث لا تجد البشرية حلا لمشاكلها الفردية والجماعية إلا فيه..
الدين في هذا المستوى هو محتوى الرسالة الثانية من الإسلام.. وهي مراد الدين الحقيقي في حين أن الرسالة الأولى لم تكن إلا مرحلة نحوه.. لقد جاء محمد، في العهد المكي، ( بنبوة أحمدية)، و ( رسالة أحمدية)، فدعا إلى الإسلام في مستواه العلمي، فلم يستجب له، وذلك لقصور المجتمع يومئذ، فأمر بالهجرة، وجاء عهد المدينة، ونسخت ( الرسالة الأحمدية)، وأحكمت ( الرسالة المحمدية)، فأصبح محمد ذا ( نبوة أحمدية) و ( رسالة محمدية)، فدعا إلى الإسلام، في مستواه العقيدي، فاستجيب له..
وسيجيء المسيح الأخير ( بالنبوة الأحمدية)، وهي سنة أحمد خاتم النبيين، و ( بالرسالة الأحمدية)، فيدعو إلى الإسلام، في مستواه العلمي، كما دعا إليه النبي في أول أمره في العهد المكي، وسيستجاب له، هذه المرة، وذلك لنضج المجتمع، وطاقته، الفكرية، والمادية، الهائلة.. هذا الفرق بين ( الأحمدية) و ( المحمدية) هو ما يشير إليه قول المسيح الأول فيما يحكيه القرآن: ( وإذ قال عيسى بن مريم: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.. فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين).. فالنبوة هنا، في الحقيقة، إنما هي بمجيء ( الرسالة الأحمدية) التي سيطبقها المسيح المحمدي على الناس بعد أن طبق عليهم محمد ( الرسالة المحمدية).. ذلك بأن ( الرسالة المحمدية) تنزُّل من ( الرسالة الأحمدية) اقتضاه حكم الوقت الماضي، ونحن لا نرى إلا أن البشرية قد استعدت اليوم ( للرسالة الأحمدية) وهي التي بها يجيء المسيح رسولا!!
لقد ختمت النبوة بمحمد، ولم تختم الرسالة، بمعنى أنه قد جاء بالرسالة الأولى ( الرسالة المحمدية) وبالرسالة الثانية ( الرسالة الأحمدية)، كليهما، موحى إليه بهما في القرآن، فعاش، في نفسه، الرسالة الثانية ( كنبوة أحمدية)، ولم يطبق على مجتمعه إلا الرسالة الأولى ( الرسالة المحمدية)، وذلك بعد ظهور قصور ذلك المجتمع عن شأو ( الرسالة الأحمدية) مما أوجب الهجرة من مكة إلى المدينة بعد ثلاثة عشر عاما من الدعوة ( بالرسالة الأحمدية)- الرسالة الثانية من الإسلام.. وسيجيء المسيح المحمدي ليطبق الرسالة الثانية ( الرسالة الأحمدية) على المجتمع المعاصر.. ولذلك فإن الرسالة لم تختم.. ختمت النبوة، ولم تختم الرسالة.. وأدل الدلائل على عدم ختم الرسالة هو بشارة النبي الكريم نفسه بمجيء المسيح ليطبق شريعة الرسالة الثانية، وينظم الحياة البشرية وفقها، فيختم هو الرسالة!!
إننا لا نقدم الدين اليوم إلا في هذا المستوى العلمي الذي يخاطب العقل، ويسعى لإقناعه بالحقائق المستمدة من الواقع البشري، ومن التطلعات البشرية، ومن مجرى التطور في الحياة البشرية.. فنحن لا نتوكأ على النصوص، ولا نستثير العقائد، ولا نطالب بمجرد الإيمان، ولكننا إنما نرى ضرورة، وحتمية، مجيء المسيح، من ضرورة، وحتمية، الحل الذي تتطلع إليه البشرية المعاصرة لجميع مشاكلها، الفردية، والجماعية.. والإنسان الكامل ( المسيح) إنما ظل هو متعلق أحلام الفلاسفة، والأدباء، والفنانين، منذ أقدم العصور، كما هو متعلق نبوءات الأنبياء، والقديسين، والصوفية في سائر الأديان.. ففكرة ( الرجل الخارق) التي هي، اليوم، مادة فنية مشوقة للإنسان المعاصر إنما تدل، أعمق الدلالة، على ما ينطوي عليه هذا الإنسان من الأشواق إلى مجيء الإنسان المستطيع، الكامل الاستطاعة، الذي تملي مجيئه الضرورة الحياتية الماثلة.. وليست الجماعات التي أخذت تبشر ( بالمسيح) في أوربا، وأمريكا، وآسيا، تحت شتى المسميات، إلا، كذلك دلالة على تلك الأشواق المستمدة من ضرورة وحتمية مجيئه..
إن على المسلمين لأن يتفطنوا إلى هذه الحقائق الجليلة التي ينطوي عليها دينهم، والتي أخذت اليوم تظهر، بظهور الحاجة إليها، والطاقة بها، فيتهيئوا لتوقع التغيير، الغريب، الموعود، بذهن مفتوح، وصدر متسع، ونفس سمحة.. إنهم يملكون مفتاح الكنز بأيديهم، فحري بهم أن يكتشفوه، هم، فينشروه، هم، على العالمين، وإلا فإن الوعيد بالإبعاد لهم بالمرصاد: ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم)!!



هذا الكتاب
 إن مشكلة العالم اليوم هي مشكلة السلام!!
 توحيد الأديان الثلاثة.
 البشارة بمجيء المسيح في التوراة.
 البشارة بمجيء المسيح في الإنجيل.
 البشارة بمجيء المسيح في القرآن.

Post: #99
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-08-2007, 11:33 PM
Parent: #98


الأخوان الجمهوريون


المسيح

الطبعة الأولى ديسمبر 1981 صفر 1402


الإهـــداء
إلى المسلمين !!
ثم إلى النصارى واليهود !!
قال تعالى : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) ..
ولقد جاءت البينة في الماضي في صورة المسيح الإسرائيلي ، فأنكرها اليهود ! ثم جاءت في البعث الإسلامي الأول ، فأنكرها كلا اليهود والنصارى ..
وستجيء البينة اليوم ، في صورة المسيح المحمدي !!
وسينكرها ، في بادئ الأمر ، أهل العقائد الثلاث ، بما فيهم المسلمون !!
ثم لا يلبثون أن يذعنوا له أجمعـون !!
( هو الذي أرسل رسوله ، بالهدى ودين الحق ، ليظهره ، على الدين كله .. وكفى بالله شهيدا ) !!
فالمسيح المحمدي إنما سيأتي بالمستوى العلمي من الدين !!
هو سيأتي بآية العلم ، التي تخضع رقاب أصحاب العـقائـد الثلاث !!
( إن نشأ ننزّل عليهم من السماء آية ، فظلت أعناقهم لها خاضعين ) !!
إن الأمر آيل ، لا محالة ، إلى الوحدة !!
فإن الدين لواحد ( إن الدين عند الله الإسلام ) !!
ولكن الإسلام المعني هنا ، والذي سيتوافى عنده الناس ، من حيث هم ناس ، ليس ما يتحدث عنه المسلمون اليوم !!
وإنما الذي نتحدث عنه نحن .. دون سائر الدعاة !!


بسم الله الرحمن الرحيـم
( أفعيينا بالخلق الأول ؟! بل هم في لبس من خلق جديد ! )
المقدمــة :
نخرج هذا الكتاب في الاحتفال بذكرى ميلاد السيد المسيح ، عليه السلام ، ولقد درجنا في الآونة الأخيرة على الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة ، بإخراج كتيب للناس ، بغية نشر الوعي الديني الذي به تتم ، بإذن الله ، حركة البعث الديني التي ظللنا نرقبها ، ونعمل لمجيئها .. ولقد كان آخر كتيباتنا ، في هذا الصدد ، كتيبا أصدرناه في مثل هذا الوقت من العام الماضي ، أسميناه : ( عودة المسيح ) .. ونحن عندما نحتفل بميلاد السيد المسيح ، عليه السلام ، إنما نحتفل به للصلة القائمة بين المعاني التي دعا إليها هو ، وبين المعاني التي ندعو إليها نحن فيما أسميناه : ( الرسالة الثانية من الإسلام ) .. هذه الصلة هي ما جعل أكثرية المسلمين يظنون أن المسيح المنتظر إنما هو عيسى الإسرائيلي عليه السلام .. وحقيقة الأمر بخلاف ذلك .. ولسوف نتعرّض لذلك في موضعه من هذا الكتاب .. ولكن الذي يهمنا بيانه ، هنا ، أن الإسلام في عودته سوف يعود بوجهه الذي يلي المسيحية .. وهذا هو ما انطوت عليه البشارات النبوية بعودة المسيح ليملأ الأرض عدلا ، كما ملئت ظلما ، وجورا ..
إن اليهودية ، والنصرانية ، ليستا سوى مقدمة لمجيء الإسلام وهما إنما يمثلان طرفي الافراط والتفريط منه .. ولقد احتوى القرآن معاني الديانتين ، قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ، مصدقا لما بين يديه من الكتاب ، ومهيمنا عليه ) .. فقوله تعالى : ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ) ، إنما يعني أن القرآن قد جاء حاويا لقيم كل من اليهودية والنصرانية .. وأما قوله تعالى : ( ومهيمنا عليه ) إنما يعني مسيطرا ، ومطورا لكليهما وموحدا لهما في سمط واحد .. هذا السمط الواحد إنما هو الإسلام .. فاليهودية حين قالت : ( العين بالعين ، والسن بالسن ) ، جاء السيد المسيح ليقول : ( سمعتم أنه قد قيل لكم : "عين بعين ، وسن بسن" ، أما أنا فالحق أقول لكم : لا تقاوموا الشر .. من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر كذلك ..) .. ولذلك فإنه ، في الوقت الذي جاءت فيه اليهودية في طرف البداية ، حين قررت أنه من حقك أن تقتص لنفسك الصاع ، بالصاع جاءت المسيحية في الطرف الآخر ، لتنهى عن القصاص .. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن وصايا السيد المسيح لم يعشها في وقتها فرد غيره من أمته ، لا ، ولا تلميذه الأكبر بطرس ! وذلك لأنها كانت في طرف النهاية ، حتى أنه ليمكن القول بأنها إنما جاءت من المستقبل مما جعلها غير عملية في ذلك الوقت ..
بين هذين الطرفين جاء الإسلام جامعا لخصائص كليهما .. ففي الوقت الذي جاءت فيه اليهودية في جانب التفريط في الروحانية ، وجاءت فيه المسيحية في جانب الافراط في الروحانية ، جاء الإسلام قسطا موزونا بينهما ، قال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ..) وهو ما أوجزه المعصوم في عبارته : ( الدنيا مطية الآخرة ) ..
وميزة الإسلام على كلتا الديانتين إنما تكمن في امتلاكه للمنهاج العملي الذي يضع السلّم بين اليهودية ، مطوّرة ، في القاعدة ، وبين المسيحية ، مطوّرة ، في القمّة ، ثم هو يتجاوز في النهاية ، معاني المسيحية نفسها ، وهو ، بنهجه القائم على المزاوجة ، إنما يفتح الطريق للتطور المطرّد الذي لا تحده حدود ، ولذلك فلقد جاء القرآن ليقرّر : ( وجزاء سيئة ، سيئة مثلها ) ، يكاد يقابل في اليهودية ( العين بالعين ، والسن بالسن ) ، لأنه هو عندما أعطى الفرد أن يقتص لنفسه ، الصاع ، بالصاع ، اتجه لينفّر عن ذلك الصنيع ، فقال : ( وجزاء سيئة ، سيئة مثله ) ، فوصف رد السيئة بـ ( سيئة مثلها ) أما قوله : ( فمن عفا ) فهو يكاد يقابل قولة السيد المسيح : ( فأدر له الآخر كذلك ) .. وأما قوله : ( وأصلح ) فأكبر من وصية السيد المسيح عليه السلام ، لأنها إنما تتعدى مستوى احتمال الأذى فيما دعت إليه المسيحية ، إلى مستوى الإصلاح .. والإصلاح إنما يكون بالنهج العملي الذي توفرت عليه شريعة أصول الإسلام .. ولذلك فإن احتفالنا بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام إنما هو احتفال ، في ذات الوقت بمجيء المسيح المحمدي الذي يطبّق أصول الإسلام التي تجعل وصايا المسيح الإسرائيلي ، وأكثر منها ، ممكنة التحقيق ، وفي الحق فإن حياة السيد المسيح لم تكن سوى إشارة متقدمة إلى ذلك المستوى المقبل من الكمالات الإنسانية التي ستتحقق بفضل الله ، ثم بفضل الإسلام ، على ظهر هذا الكوكب ..
أمة الرسالة الأولى ، وأمة الرسالة الثانية
فالإسلام في طرف البداية أقرب إلى اليهودية ، وهو في طرف النهاية أكبر من المسيحية ، ولذلك فإن الشريعة التي قامت على فروع القرآن ، والتي قام عليها عمل الأصحاب ، رضوان الله عليهم ، إنما كانت في الطرف الذي يلي اليهودية .. وأما الشريعة التي قام عليها عمل النبي صلى الله عليه وسلم ، في خاصة نفسه ، وهي ما نسميه بـ ( السنّة ) ، والتي قامت على أصول القرآن ، إنما تقع في الجانب الذي يلي المسيحية من الإسلام ..
ولذلك فقد كان مستوى تحقيق الأصحاب من ( لا إله إلا الله ) ، كمؤمنين ، في الطرف الذي يلي اليهودية من الإسلام .. وسوف يكون تحقيق الإخوان من ( لا إله إلا الله ) ، كمسلمين ، في الطرف الذي يلي النصرانية من الإسلام .. ولقد أشار القرآن إلى هذا المعنى إشارة هي غاية من الوضوح وذلك حيث قال ، جل من قائل : ( محمد رسول الله والذين معه ، أشدّاء على الكفّار ، رحماء بينهم ، تراهم ركّعا ، سجّدا ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه ، فآزره ، فاستغلظ ، فاستوى على سوقه ، يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار ، وعد الله الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، منهم مغفرة وأجرا عظيما ) ، فعبارة : ( ذلك مثلهم في التوراة ) إنما هو إشارة إلى ( العهد القديم ) ( الرسالة الأولى ) وفيه إشارة إلى الأوصاف التي وردت في صدر الآية من كونهم : ( أشدّاء على الكفّار ) ، وهي إشارة إلى شريعة الجهاد في رسالة الإسلام الأولى ، وأمة الرسالة الأولى .. وأما عبارة ( تراهم ركّعا سجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) فإنها تشير إلى القدرة على العبادة ، والتي كانت من حظ الأصحاب ، والتي يقابلها ، بالمقابل من حظ الإخوان ـ بالإضافة إلى القدرة على العبادة ـ القدرة على التفكّر في العبادة ، والتي تفتح الباب للتطور المطّرد الذي يجوز بصاحبه مراتب الإيمان إلى مراتب الإيقان ، ثم إلى الإسلام ..
إذن فعبارة : ( ذلك مثلهم في التوراة ) ، وهي ( العهد القديم ) إشارة إلى الأصحاب . وعبارة : ( ومثلهم في الإنجيل ) وهو ( العهد الجديد ) إشارة إلى الإخوان .. والإخوان هم الذين اشتاق إليهم النبي صلى الله عليه وسلّم حين قال : ( واشوقاه لإخواني الذين لمّا يأتوا بعد ! قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟؟ قال : بل أنتم أصحابي !! واشوقاه لإخواني الذين لمّا يأتوا بعد !! قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟؟ قال : بل أنتم أصحابي !! واشوقاه لإخواني الذين لمّا يأتوا بعد !! قالوا : من إخوانك يا رسول الله ؟؟ قال : قوم يجيئون في آخر الزمان ، للعامل منهم ، أجر سبعين منكم !! قالوا : منّا أم منهم ؟؟ قال : بل منكم !! قالوا : لماذا ؟؟ قال : لأنكم تجدون على الخير أعوانا ، ولا يجدون على الخير أعوانا !! .. ) وهم الذين قال عنهم : ( ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، ويغبطهم الأنبياء والشهداء ، لمكانتهم من الله ) .. وكل ذلك إنما يكون بمحض الفضل الإلهي : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ) ..
لقد أنجبت رسالة الإسلام الأولى ـ شريعة الرسول محمد ـ أمّة الأصحاب في الماضي ، وستنجب رسالة الإسلام الثانية ، والتي هي شريعة النبي أحمد في خاصة نفسه أو قل سنّته ، أمة الإخوان .. وفي مستوى أمة الإخوان يتم تطبيق وصايا السيد المسيح وأكبر منها !! وهذا هو سر البشارات النبوية ، وهو هو سر البشارات القرآنية المستفيضة بعودة المسيح ..
المسيح المنتظر ليس عيسى الإسرائيلي !!
بيد أن المسيح المنتظر ليس عيسى الإسرائيلي كما يظن غالبية المسلمين اليوم ، وإنما هو رجل من أمة النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى : ( لو لم يبق من عمر الدنيا إلاّ مقدار ساعة ، لمد الله فيه ، حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ) .. وواضح العبارة في كون الرجل ، من آل البيت ..
وكون عيسى المنتظر ليس عيسى الإسرائيلي له سببان ، أولهما : أن نبوءة الوحي قد ختمت بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم ، ولا مجال لمجيء نبي يوحى إليه من بعده ، وكذلك كان عيسى .. وإنما المجال فقط للفهم من القرآن ، وهذا من حظ أهل القرآن . ولذلك فالرجل المنتظر رجل من أمة محمد يأتي ليبعث أصول الإسلام ويقيم عليها دولة السلام ، وهو الذي ( لا تهزم له راية ) ، ذلك لأنه إنما يأتي بسلطان الفكر المحيط والمسيطر الذي تدين له العقول .. وهذه هي الآية التي تخضع لها الأعناق . قال تعالى : ( طسم ، لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ، إن نشأ ننزّل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ) .. هذه الآية ، إنما هي آية ( العلم ) المسيطر على كل العقول ، ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون ) .. وهو بهذا المعنى إنما يخرج للناس بمعجزة القرآن الثانية .. فبعد أن دان الناس في الماضي لمعجزته المتمثلة في البلاغة سيدين الناس اليوم لمعجزته المتمثلة في ( العلم ) ، العلم بظواهر ، وببواطن الأمور .. ( وإلى الله ترجع الأمور ) .. هذا العلم هو الذي جعل حركة البعث الثاني ليست في حاجة إلى الإكراه ، على خلاف حركة البعث الأول التي احتاجته ..
وأما ثانيهما : فهو أن الألوهية لا تكرّر نفسها .. وقوله تعالى : ( كل يوم هو في شأن ) إنما تعني أنه ، سبحانه وتعالى ، له علم جديد ، وله فعل جديد ، في كل لحظة ، بالغة ما بلغت هذه اللّحظة من الصغر ، والدقة .. فالألوهية لا تقف ، ولا ترجع ، ولا تكرّر نفسها ، ولا يليق بجلالها ما هو دون ذلك .. ولو صحّ أن تكرر الألوهية نفسها لما كان هنالك من هو أولى بالعودة من محمد عليه أفضل الصلاة ، وأتم التسليم .. وهذا ما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنه حين قال : ( عجبت لمن ينتظر عودة عيسى ، ولا ينتظر عودة محمد !! ) وكان يشير إلى الآية : ( إن الذي فرض عليك القرآن ، لرادّك إلى معاد ) ..
عيسى الإسرائيلي عليه السلام ، قتل أم رفع ؟؟
إن الذي جعل المسلمين يعتقدون في أن المسيح المنتظر إنما هو عيسى الإسرائيلي اعتقادهم في كونه لم يمت وهو اعتقاد انبنى على الآية : ( وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم ، رسول الله ، وما قتلوه ، وما صلبوه ، ولكن شبّه لهم .. وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ، ما لهم به من علم ، إلا اتباع الظن ، وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ) ..
وواضح أن الآية لا تعطي هذا الفهم .. خاصة إذا أخذنا في الحسبان قوله تعالى : ( إني متوفيك ورافعك إلي ) وقوله تعالى أيضا : ( والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) .. فالقرآن لا يناقض بعضه بطبيعة الحال ، فعبارة ( متوفيك ) إنما تعني أنه سيموت ، وحسب سنّة الله الجارية في خلقه بعد العمر المألوف .. وعبارة ( ويوم أموت ) كذلك في نفس الاتجاه ولذلك فإن الفهم المستقيم إنما يكون في أن المسيح قتل ، ثم رفع ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : ( وما قتلوه يقينا ) وهي تعني ، دون أدنى شك ، أنهم قتلوه ، فيما يظهر لهم ، ولكنهم ( ما قتلوه يقينا ) ، وهي هي نفسها عبارة ( ولكن شبّه لهم ) .. وهذا المعنى وارد في القرآن في مواضع أخرى كقوله تعالى : ( وما رميت ، إذ رميت ، ولكن الله رمى ) وكقوله : ( فلم تقتلوهم ، ولكن الله قتلهم ) .. ومعنى هذه الآية : إنكم لم تقتلوهم ، إذ قتلتموهم ، ولكن الله قتلهم .. ولذلك فقوله تعالى : ( وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ، وما قتلوه يقينا ) .. إنما يشير إلى مبلغ الاضطراب في فهم هذه القضية ، وإلى ما ينشأ فيه من خلاف .. ولكن جلية الأمر فيها أن الآيات التي تتحدث عن المسيح إنما تتحدث عن المسيح الإسرائيلي وعن المسيح المحمدي في نفس الوقت .. فالمسيح المحمدي هو الذي سيرفع .. فالذي يتحدث عن المسيح الإسرائيلي معتقدا أنه لم يقتل مخطئ ، دون أدنى ريب .. إن أمر الرفع سيصح في أمر المسيح المحمدي .. فإنه هو الذي سيرفع حيا .. وهذا هو كما الإسلام على المسيحية الذي يوشك أن يضيعه المسلمون بالاضطراب في الفهم ، أو قول ( باتباع الظن ) كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة ..
المسيح والمهــدي
ولذلك فقد فهم بعض المسلمين الحديث النبوي القائل : ( لو لم يبق من عمر الدنيا إلا مقدار ساعة لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ) ، فهموا أن المقصود منه إنما هو المهدي وليس المسيح .. وهم إنما فهموا ذلك كذلك لاعتقادهم أن المسيح إنما هو عيسى الإسرائيلي عليه السلام .. والحق غير ذلك .. فالحديث إنما يعني ، في المقام الأول ، المسيح .. وأما المهدي فإنه يأتي قبل المسيح ويبقى بعـده .. وذلك لأن المسيح إنما هو رجل من أمة محمد يجتبيه الله إليه فيرقى المراقي إلى أن يحقق ، بفضل الله ، مقام المسيح .. وهو في طريقه لتحقيق ذلك المقام العظيم ، يمر بمقام المهدي ، فيكون فيه المهدي ، ثم هو لا يلبث أن يبلغ مقام المسيح فيكون بذلك صاحب مقامين : المهدي والمسيح ( عيسى ) .. وهنا يجيء الحديث : ( لا مهدي إلا عيسى ) .. ثم يرقى من بعده رجل فيبلغ مقام المهدي ، ويظل فيه ، ولا يتعـدّاه ، وهذا هو المهدي ، وهو معاصر للمسيح ، ووزيره .. ومقام المسيح ( عيسى ) إنما هو مقام خليفة الله على العوالم والقرينة التي جمعت بين عيسى وآدم في قوله تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) إنما هي قرينة هذه الخلافة ، فعيسى الأخير إنما هو آدم في أكمل صورة لأنه هو الخليفة في نهاية السلّم ، في حين كان آدم هو الخليفة في بداية السلّم ، وهذا المعنى هو ما تحكيه الآية : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ، ونقدس لك ؟ قال : إني أعلم ما لا تعلمون ! ) .. فالملائكة إنما اعترضوا على خلافة آدم لما خبروه من صور الفساد وسفك الدم في تجارب الأوادم الفاشلة التي سبقت التجربة الناجحة ، ولذلك كان الرد الإلهي : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) فأشار بذلك إلى مقام الخلافة الذي سيحققه آدم الأخير ، سليل آدم الأول ، والذي خفي على الملائكة سره المتمثل في كمال نشأته .. وهذا هو معنى قوله تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله ، كمثل آدم ، خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون ) ، قوله ( كن فيكون ) إشارة إلى التطور في مراقي الكمال الذي أهّل آدم له كمال النشأة .. وعيسى المقصود هنا إنما هو المسيح المحمدي ، فهو من سلالة التراب ، ولكنه هو الذي يجسد الكمالات الإلهية ويحقق مقام الخلافة على جميع الأكوان ، علويها وسفليها. وهذا ما أشارت إليه في لطف بالغ أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، حين قال ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) وحين قال : ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ) فعيسى المنتظر إنما هو الحقيقة المحمدية مجسّدة في اللحم والدم وهو صاحب مقام الخلافة التي من أجلها خلق الإنسان ، وهو في نفس الوقت آدم الذي يسترد الفردوس المفقود بالخطيئة . وهذا هو معنى قول الله تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله ، كمثل آدم ، خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون ) ..
إن عبارة : ( خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) لتشير بوضوح إلى أن كمالات عيسى المقبل كمالات بشرية جاء بها التطور منذ الأزل ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( خلقه من تراب ) أما قوله : ( ثم قال له كن فيكون ) إنما يشير إلى القفزة التي يحكيها الأمر ( كن ) ، وإلى التطور الذي يحكيه الخبر ( فيكون ) .. والتطور سير متنقل في الكمالات التي تطلب الكمال المطلق عند الله .. وهذا السير إنما هو ارتقاء في سلّم لولبي ، يرقى فيه الراقي سبع درجات ، تكون الدرجة السابعة منه في مقابلة الأولى ولكنها أعلى منها .. فلكأن الدائرة فيه انغلقت بيد أنها لا تنغلق ، لأنها ليست حلقة مفرغة ، وإنما هي دائرة لولبية .. والمقدار الذي به الدرجة السابعة أعلى من الدرجة الأولى إنما هو استجماع الفضائل التي ترتقي بها كل درجة على الدرجة التي أسفل منها .. وهذه هي القفزة التي يحكيها الأمر ( كن ) من عبارة ( كن فيكون ) .. وهذه القفزة هي أيضا محكية في موضع آخر بقوله تعالى : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) من الآيات : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر .. فتبارك الله أحسن الخالقين !! ) .. هذه سبع درجات ، ولقد جاءت السابعة قفزة هي عبارة عن استجماع الفضائل في الدرجات السابقة .. بهذه القفزة ظهر البشر فوق الحيوان ..وبها سيظهر الإنسان فوق البشر بمقدار يشبه المقدار الذي به ظهر البشر فوق الحيوان .. ومقام الإنسان هذا هو مقام الخليفة .. وللإشارة لما بين البشر والإنسان من زيادة فضل ورد قوله تعالى : ( ولقد كرّمنا بني آدم ، وحملناهم في البر والبحر ، ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) وواضح أن عبارة : ( وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) لا تعني أنهم فضّلوا على ( كل ) الخلق وإنما تعني أنهم فضّلوا ( على كثير ) من الخلق .. وما ذاك إلا لأنهم لم يفضلوا على ( الإنسان ) وهو ما سيؤول إليه أمرهم في النهاية .
إن خلاصة القول في هذا الصدد أن المسيح المقبل رجل من أمة محمد يرقى المراقي ليحقق ذلك المقام ، وهو في سيره لبلوغ ذلك المقام يمر بمقام المهدي فيكون المهدي ، ثم لا يلبث أن يحقق مقام المسيح ، وبعد ذهابه يخلفه المهدي ، ولذلك فإن الحديث القائل : ( لو لم يبق من عمر الدنيا إلا مقدار ساعة ، لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ) إنما يعني المسيح ، بالأصالة ، وهو عندما يعني المهدي لا يعنيه إلا في معنى أن المسيح نفسه وهو يسير لبلوغ مقام المسيح يمر بمقام المهدي ، ويتجاوزه وهو في لحظة إقامته بمقام المهدي يسمى المهدي .. وما ذاك إلا أن ملء الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا إنما يكون بالمسيح .. فالمسيح هو صاحب العلم من القرآن الذي به تحل مشاكل الأفراد ، ومشاكل الجماعات .. والمهدي لا يعمل من بعده إلا بعلمه ، أو قل بإذنه لأنه إنما هو خليفة المسيح ..

الخلاص إنما يكون من الكبت
لقد سمي المسيح ( بالمخلّص ) والخلاص إنما يكون من عقابيل الخطيئة المو ـ خطيئة آدم ـ التي بسببها كان الإهباط .. واسم ( المخلّص ) هذا إنما هو في حق عيسى الأخير بالأصالة ، في حين لم يكن في حق عيسى الأول إلا بالحوالة .. والخلاص إنما يكون بالعلم المستنبط من القرآن ، والذي به يكون فض الكبت .. بالكبت ارتقت الحياة ، ودخلت فيها القيمة ـ قيمة العقل ، أو قل قيمة الحرية ـ وبغير فض الكبت لا تكمل ، أو قل لا يطرد تطورها !! فلكأن السير في تحقيق الحرية الفردية المطلقة ، خطوتان ، خطوة في الكبت ، وخطوة أخرى في فض الكبت ..
إن الزمان قد استدار استدارة كاملة كهيئته يوم خلق الله الإنسان دودة بين الماء والطين .. ولقد عادت ، مرة أخرى وبصورة حاسمة ، صورة التحدي الذي واجهه في الماضي ، حيث كان أمام إحدى خطتين : إما أن يتواءم مع بيئته ، أو أن ينقرض .. ولقد هداه ذلك التحدي ، أن مخض فيه قوى العقل ، والحيلة ، إلى وسيلتي العلم المادي ، والدين ، وفي آن معا .. ولقد أسلم العلم المادي اليوم القياد للدين ، بعد أن بلغ نهاية مجاله الذي حدده لنفسه : وهو البحث عن خصائص المادة .. إن العلم التجريبي ، بحكم وظيفته ، وبحكم المجال الذي يعمل فيه ، لا يتعدى دراسة الخصائص إلى الكنه .. إن البحث عن كنه المادة إنما هو مجال الدين ، ولكن لا بد لنا أن نشير إلى أن الدين ، في مستواه العقيدي ، لا يبلغ بالناس ، في هذا المجال ، مبلغا ذا غناء .. إنه قد استنفد غرضه ، هو الآخر ، ولم يعد قادرا على استيعاب ، ولا على توجيه ، طاقات الحياة الحاضرة .. ولم يبق للتحدي سوى الدين ، في مستواه العلمي .. وهذا هو ما به يجيء المسيح ..
إن أول صور الخلاص التي يجيء بها المسيح ، إنما هي التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة ، وذلك بما يجيء به من علم من القرآن به يقوم القانون الدستوري ، لأول مرة ، في التاريخ ..
والإشارة الواردة في نبوءة المعصوم حين قال ( يكسر الصليب ) إنما تعني ، فيما تعني ، حل معضلة الفرد ، والجماعة التي أعيت التفكير الفلسفي ، كما تعني أيضا ، فض التعارض بين العقل الباطن والعقل الواعي ، وهذا إنما يمثل أعتى تحديات هذا العصر .. وكل أولئك لا يكون إلا بما يجيء من علم عن حقيقة البيئة ، يرثه الناس من بعده ، فتسلم دواخلهم ، وتنطلق طاقاتهم الحبيسة ، نتيجة لتحررهم من الخوف ، ومن العقد .. ولذلك فإن فض الكبت إنما يعني التسامي فوق قوانين الجماعة ، بعدم الحاجة للتورط تحت طائلتها ، لا برفع القيد عن الممارسة ، كما ظن الغربيون ، حين يتحدثون عن تحرير الغرائز .. فالتحرير إنما هو تحرير للغريزة من الخوف ، ومن الكبت ، الذي لواها ، وتحرير للبنية من آثار الكبت الذي شوهها ، وقبضها ، وحجّرها .. فهذا التحرير إنما هو اتجاه في السير الرأسي يبقي على قوانين الجماعة ، ويطلق ، في ذات الوقت ، طاقات العقل ، والقلب والجسد ، وما هو بالسير الذي يرتد بالحياة إلى حيث فارق الإنسان الحيوان في أول ظهور العقل البشري ..
لقد تجسدت في عصرنا الحاضر ، الحاجة لقض الكبت بصورة لم يسبق لها مثيل ، ولقد أخذت الحياة الإنسانية ، على ظهر هذا الكوكب ، في الارتداد إلى مستويات خلّفها الإنسان منذ زمن بعيد .. فالثورة الجنسية ، وثورة الرفض ، إنما تمثلان هذه الردة ، حيث بدأ الرافضون يستبيحون فيما بينهم ، من العلاقات ما ظلت البشرية حفيظة عليه منذ فجر النشأة .. ولقد دفعت في الحفاظ عليه الكثير من دمها ، ومن عرقها ، ومن دموعها .. أكثر من ذلك !! فقد اتجهت بعض البرلمانات الغربية إلى النظر في مشاريع قوانين لإباحة ما اجتمعت البشرية ، على اختلاف نحلها ، وألوانها ، وعقائدها ، على تحريمه ، فأعلنت بذلك عن إفلاسها وعن أفول شمس حضارتها ، بأعلى صوت ..
هذا ما فهمته الحضارة الغربية لمعنى فض الكبت ، وهو معنى ظاهر الخطل ، والبطلان ، إذ هو الاسترسال في غير مسئولية أخلاقية .. والممارسة للّذة ، بغير مسئولية ، ليست حرية وإنما هي فوضى .. وما يكون للفوضى أن تثمر سلاما ، فأنت لا تجني من الشوك العنب !! والمسيح إنما سيجيء ليعطي النهج البديل ، في فض الكبت ، لهذا النهج الخاطئ ، حيث يبقي على قوانين الجماعة في أكمل صورة ، ويطلق قوى الفكر في تحرير البنية مما أورثه إياها الكبت من تشويه على النحو الذي ذكرنا .. وهو إنما يطلق قوى الفكر بتأديب العقل بأدب شريعة القرآن ، وأدب حقيقته ، وكل ذلك يقوم عليه نهج السنّة المطهرة ..
السـلام
إن السلام القائم اليوم بين الكتلتين ، سلام محموم ، لا تقف وراءه قيمة أخلاقية ، وإنما هو سلام أملاه الخوف من وسائل الدمار الرهيبة التي يزخر بها كوكبنا .. هذه الوسائل التي لم يعد مستخدمها يضمن نتائج استخدامها !! ولقد فشلت الحضارة الغربية ، بشقيها ، الرأسمالي ، والشيوعي ، في أن تحقق للإنسان سلاما ، هذا في الوقت الذي أملت فيه الوحدة الجغرافية التي تمت للكوكب ، بفضل الله ، ثم بفضل التطور العلمي ، على الناس أن يتخلقوا بالأخلاق التي بها يتعايش الجيران ..
هذا السلام لن يحل في الأرض قبل أن يحل في كل نفس ، وهو لن يجيء إلا نتيجة للعلم بحقيقة العلاقة مع البيئة .. والتناقض في الوجود إنما هو أساسا بين العبد والرب ، أو قل بين الإرادة الحادثة ، والإرادة القديمة .. وكل صور الصراع التي مر بها الإنسان ، في جميع أطواره ، سواء أكانت مع البيئة ، أم مع المجتمع ، إنما هي بسبيل من هذا الصراع الأساسي ، ولن تتم وسائل تصفية هذا الصراع بالعنف ، كما ظنت الماركسية ، وإنما تتم بالسلم ، أو قل بالحوار الذي يسوق الإرادة المحدثة بسلطان الفكر الثاقب ، الذي يعرف دوره تماما ، إلى التسليم للإرادة القديمة .. وهذا إنما يكون بالاطّلاع على القوانين التي تسيّر الحياة ، وبالحياة وفقها .. وهذا هو مستوى الحاجة الحياتية لمجيء المسيح ..
إن السلام إنما يكون بالتحرّر من الخوف .. والمجتمع الديمقراطي الاشتراكي ، بل حتى المجتمع الشيوعي ، ليس سوى وسيلة لإعانة الإنسان على تحقيق السلام مع نفسه ، ومع محيطه ، ذلك أن السلام المطلوب إنما يكون بزوال كل معايب السلوك الملتوي مما ورثه الإنسان في إهابه نتيجة للجهل ..
إن الحرص ، والطمع ، والشره ، والحقد ، والحسد ، لا تزول إلا إذا قنع الإنسان بما عنده ، واستغنى من أن يمد عينه إلى ما عند غيره ، من نعمة ، على أي صورة كانت تلك النعمة .. والسالك في هذا المضمار إنما يبدأ مجاهدا ، ولا تتحقق قيمة القناعة إلا إذا اختفى شعور المجاهد بالمجاهدة .. فالشعور بالمجاهدة كبت ، وانتفاؤه فض للكبت .. ففض الكبت إنما يكون في زوال الشعور بالحرمان ، فالمحروم لا يكون حرّا .. فلا بد ، لنكون أحرارا من أن نجد حاجتنا لنستغني عمّا عند الغير ، على أن نجدها من يد الله ، في صورة حق ، لا من أيادي الآخرين ، في صورة صدقة .. هذا الميزان إنما يحققه ، في القاعدة ، القانون الدستوري الذي يقوم على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية .. فالنهج الذي يقدم للجماعة إنما هو الاشتراكية ، وبها كفاية الحاجة ، والديمقراطية ، وبها كرامة الإنسان .. والنهج الذي يقدم للفرد إنما هو النهج النبوي في العبادة . وفي المعاملة .. وبهذا النهج تتحقق في الدم واللحم ، كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) ، وبها تتم وحدة البنية البشرية ، ويتم التواؤم مع البيئة .. ومن ههنا يجيء السلام ..
المسيح لا يعـود في فـراغ
إن المسيح إنما يأتي متوجا لعمل يعمل في الأرض .. هذا العمل ليس إلا المعيشة وفق نهج ( لا إله إلا الله ) في بعث السنة على النحو الذي صورناه هنا ، وفي العديد من كتبنا .. وهذا هو معنى قول السيد المسيح : ( اجعلوا طريق الرب ممهدا ) ولقد وردت في الإنجيل حكاية طريفة عن ضرورة الاستعداد للمجيء .. ولقد وردت هذه الحكاية في إنجيل متّى ـ الإصحاح الخامس والعشرون ـ ونصها : ( حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس ، خمس منهن جاهلات وخمس حكيمات . فأخذت الجاهلات مصابيحهن ، ولم يأخذن معهن زيتا ، وأما الحكيمات فأخذن زيتا في آنيتهن مع مصابيحهن ، وإذ أبطأ العريس نعسن كلهن ونمن ، فلما انتصف الليل ، فإذا صراخ هو ذا العريس قد أقبل ، أخرجن للقائه ، حينئذ قامت أولئك العذارى جميعا وهيّأن مصابيحهن ، فقالت الجاهلات للحكيمات ، أعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ ، فأجابت الحكيمات وقلن : لعله لا يكفي لنا ولكنّ ، فالأحرى أن تذهبن إلى الباعة وتبتعن لكنّ ، فلما ذهبن ليبتعن وفد العريس ودخل مع المستعدات إلى العرس ، وأغلق الباب ، وأخيرا أتت بقية العذارى قائلات : يا رب افتح لنا فأجاب وقال : الحق أقول لكنّ أني لا أعرفكنّ ، فاسهروا إذن فإنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان .. ) انتهى .. ولذلك فإن الانتظار إنما يكون بالعمل في الواجب المباشر ، ولا يكون بمجرد الانتظار .. وقيمة العمل بالواجب المباشر في كونها إنما تجسّد الحاجة لمجيء المسيح ، فتكون دعوتنا له للمجيء بلسان الحال .. والدعوة بلسان الحال إنما هي دعوة المضطر ، وهي ناجزة الإجابة عند الله ، قال تعالى : ( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، ويجعلكم خلفاء الأرض ؟؟ أإله مع الله قليلا ما تذكّرون !! ) لذلك فإن الانتظار عمل إيجابي وليس سلبيا كما يظن الكثيرون ..
الانتظار إنما يكون في اللحظة الحاضرة
إن الخوف الذي حفز الحياة ، فمخض ، في الحي ، قوى الإدراك ـ العقل . ولكن حياة الحي قد أصبحت ، بالرغم من القيمة الكبيرة التي أدخلها ظهور العقل عليها ، مؤوفة بالعقل نفسه .. وحركة الفكر إنما هي ذبذبة لا تكاد تستقر .. وحركة الفكر ذبذبة بين الخيال والذاكرة .. ولقد أصبح الإنسان بتلك الذبذبة موزعا بين الماضي والمستقبل ، ولقد كان كل ذلك بفعل الخوف ..
إن الاشتغال بالماضي وهْم لأننا لا نستطيع إرجاعه .. والاشتغال بالمستقبل هو الآخر وهْم أيضا لأننا لا نستطيع التحكم فيه حين يجيء .. والإنسان لا يعيش اللحظة الحاضرة إلا بمقدار ما يمر عليها فكره مرورا عابرا ، وسريعا ، أثناء جولانه بين الماضي والمستقبل .. والذي يوقف هذا الجولان إنما هو التحرر من الخوف الذي به يسلم الإنسان من الأخيلة المريضة ، ومن أحاديث النفس ، ووسوستها ، بالأماني ، وأحلام اليقظة .. أو بالانصراف إلى الذاكرة ، وتضييع الوقت في التجارب الماضية ، لا للعبرة ، وإنما للاستعاضة بها عن القدرة على المعيشة في اللحظة الحاضرة التي هي حياتنا الحقيقية .. قال تعالى : ( ما أصاب من مصيبة ، في الأرض ، ولا في أنفسكم ، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .. إن ذلك على الله يسير .. لكي لا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم .. والله لا يحب كل مختال فخور ..)).
إن أكبر من استرق الإنسان لهما الزمان والمكان .. ومحاولة الإنسان دوما إنما هي للخروج من قيدهما .. فبالخروج عنهما تتصل الحياة المحدودة ، بالحياة المطلقة ، فيتم استيقان أن الله خير محض .. وبذلك ، وبذلك وحده ، يتم لنا التحرر من الخوف من كل الشرور ، وعلى رأسها الموت .. والنهج في هذا المضمار إنما يكون بمنهاج الصلاة ، وبمنهاج ( لا إله إلا الله ) .. قال تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه ) والصلاة يقع في قمتها الشهود الذاتي ، وفي قاعدتها أداء الواجب المباشر جهد الإتقان .. وانتظار المسيح لا يكون انتظارا إلا في هذا الدرب .
أدب الوقـت
إن للصلاة حضرتين : حضرة إحرام ، وحضرة سلام .. فأما حضرة الإحرام فهي إنما تبدأ بقولك ( الله أكبر ) وتنتهي بقولك ( السلام عليكم ) .. وحضرة السلام إنما تبدأ بقولك ( السلام عليكم ) ، في نهاية كل صلاة ، وتنتهي بقولك ( الله أكبر ) في بداية الصلاة المقبلة .. ولكلتا الحضرتين أدب .. فحضرة الإحرام أدبها محاولة الحضور مع الله أثناء الصلاة ، والانصراف عن مشاغل الحياة ، والتوجه إلى الله بكلية ، جهد الطاقة .. وأنت لا بد أن تحتال لذلك الحيل .. وذلك بمحاولة الحضور في الوضوء .. لأن الحضور فيها كما يقول الصوفية ، إنما يكون قبل الدخول فيها .. ولقد فصّلنا ذلك في كتبنا بصورة مستفيضة .. وأما حضرة السلام فهي المعاملة .. ويمكن أن نلخص أدبها في كف الأذى عن الناس ، ثم احتمال أذى الناس ، ثم السعي في توصيل الخير إليهم .. هذا النهج هو النهج العملي في التحرر وفي معيشة اللحظة الحاضرة .. وهو يبدأ ببداية بسيطة في تحرّي وقت الصلاة ، وفي أدائها في أول الوقت .. ولكنه يتداعى ، في النهاية ، ليحرر صاحبه من قيد الزمان والمكان .. وبممارسة العبادة نجد قوة الفكر ، ونفاذه ، في تمييز الواجب المباشر .. ونجد الإرادة لتنفيذ الواجب المباشر ، جهد الإتقان ، كما نجد الاستعداد ، والسعة ، لقبول النتيجة أيّاً كانت ، خيرا أو شرا .. وهذا هو نهج ( لا إله إلا الله ) الوارد في : ( إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه ) .. ولذلك فإن انتظار المسيح إيجابية ، وليس سلبية .. وذلك هو معنى قول السيد المسيح : ( أيضا يصلي الذي يجلس ، وينتظر ) .. فالذي ( يجلس وينتظر ) لا يجلس ، ولا ينتظر ، في فراغ ، وإنما يجلس ، وينتظر ، بالعلم ، وبالعمل بمقتضى العلم ..
إن السير إلى الله ، كما نقول دائما ، ليس بقطع المسافات ، وإنما هو بتقريب الصفات ، من الصفات ـ تقريب صفات العبد من الرب ـ وهذا معنى قول الصوفية : ( سيرك منك ، وصولك إليك ) .. وهو معنى ( ما وسعني أرضي ، ولا سمائي ، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن ) .. فالله ، كما قال الصوفية ، هنا ، والآن ، أي هو في اللحظة الحاضرة .. والمسيح إنما يجيء في اللحظة الحاضرة ..
لقد فجّر العلم المادي نواة المادة فسمع لها ذلك الدوي الرهيب ، وكان أن ردّ ، بذلك التفجير ، المادة إلى أصلها الواحد ، وسيفجّر الدين ، بمنهاج الفكر القوي ، الدقيق ، النفّاذ ، نواة الدين ، وهي هي اللحظة الحاضرة ، وسيسمع لها دوي أعتى مما حدث لدى تفجير نواة المادة ، وسترد بذلك أصول الأخلاق إلى مصدرها الواحد ـ تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم ..
هكذا يجيء المسيح ، قنطرة بين الغيب ، والشهادة ، بين الإطلاق والقيد ، فيسوق الأرض بالطوع في اتجاه قانون السماء ، وهذا هو العلم ، وهو هو ما خفي على المفكرين ، حين اعتمدوا على علم الظاهر في التصدي لحل مشاكل الإنسان ، فكان علمهم جهلا .. قال تعالى : ( وعد الله ، لا يخلف الله وعده ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون !! يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وهم عن الآخرة هم غافلون !! ).
خاتمــة
إن الأحلام ، والرؤى ، التي داعبت أخيلة الحكماء ، والعلماء والفنانين ، عبر التاريخ ، لم تكن عبثا ، ولم تكن تهويما لا أساس له .. فهم حين حلموا بالمدينة الفاضلة ، وحين هاموا بسر القدر ، وكتبوا عن إكسير الحياة ، وعن خاتم المنى ، لم يكونوا إلا يترجمون عن أشواق دفينة .. مركوزة في النفس البشرية .. هذه الأشواق إنما هي أشواق إلى إطلاق القوى الحبيسة ، المكبوتة ، في داخل كل فرد ، وهي أشواق للحياة الحرة ، الطليقة ، التي برئت من أن تؤوفها آفة ، أو ينقصها منقص .. هذا هو شوق الإنسان إلى وطنه القديم في كنف الله الرحيم ، الذي طال عنه اغترابه .. فالإنسان في شوقه هذا لا ينطلق من فراغ ، وإنما ينطلق من ذاكرته ، فهو إنما يذكر في أشد أحوال نسيانه عهد وصل قديم كان فيه ، في أحسن تقويم .. هذا التوق ، وهذا الشوق ، إنما هو إلى الفردوس المفقود .. وما جاءت الرسل ، ولا جاءت الكتب ، إلا ليذكّروا الناس به ، وإلا ليحفزوهم ، ويوجّهوا سيرهم نحوه ، قال تعالى : ( ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ..
إن المدينة الفاضلة التي حلم بها الناس كثيرا إنما هي دولة المسيح التي لا يستأنس فيها الإنسان فحسب ، وإنما تستأنس فيها الوحوش أيضا ، كما جاءت بذلك نبوءات الإنجيل ، ونبوءات النبي ، صلى الله عليه وسلم .. ولا يتسغربن أحد هذا الأمر ، فإنه مصير حتمي تقود إليه حركة التطور بصورة طبيعية .. وكل من يستقرئ تاريخ الحياة بفهم ، ولا يقف في استقرائه لأصول الظواهر عند المادة فحسب ، لا بد أن يرى ، أن السلام هو مصير الحياة المبرم ، والمحتوم ، في معنى أن المعرفة ، والاطراد فيها ، قدر الإنسان المقدور ، فحركة التطور ، في مجملها ، إنما هي حركة المظهر الذي يسعى لينطبق على الجوهر .. وهيهات !! وفي هذا المضمار يخرج الإنسان من الجهل إلى المعرفة ، كل يوم ، ومن الاستيحاش إلى الاستيناس ، كل حين .. قال تعالى : ( هو الذي يصلي عليكم ، وملائكته ، ليخرجكم من الظلمات إلى النور ..)
ولكن المسيح يقفز بمجيئه بهذه الحركة قفزة أكبر من القفزة التي صاحبت دخول العقل في مسرح الحياة ، في بداية النشأة ، قال تعالى : ( ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) .. فالحياة البشرية على ظهر الأرض قد أتمت دورة كاملة ، وهي الآن إنما تحتشد وتستجمع قواها للقفزة المقبلة التي يكون بها الناس وكأنهم قد ولدوا في بيئة جديدة غير التي ألفوها وعرفوها ..
ومن أجل ذلك فقد صدّرنا هذا الكتاب بالآية : ( أفعيينا بالخلق الأول ؟؟ بل هم في لبس من خلق جديد !! ) .. فالمسيح إنما يجيء ليولد الناس من جديد ميلادا ثانيا ، في بيئة هي الأخرى جديدة .. قال تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه ، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ؟؟ كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون !! ) .. وهذه الآية تعني ، فيما تعني ، أن البشر موتى إذا ما قيسوا بالإنسان ، والمسيح إنما يجيء ليخرج الناس من البشر ، بقفزة كبيرة ، قلنا عنها أنها أكبر من القفزة التي دخل بها الحيوان مرتبة البشر في فجر النشأة ..
إن على المسلمين لأن يستيقظوا ، وبخاصة المتطرقين منهم فقد حلم بالمسيح أكابر العارفين ، ولقد كانوا على الدرب في انتظاره حين قاموا ليلهم ، وأظمأوا نهارهم .. واليوم فقد انغلقت الطرق ، ولم تبق غير طريقة الطرق ـ طريق محمد ـ وطريقة الطرق إنما هي السنة الصرفة التي كتبنا في تبيينها عديد الكتب ، وهي ما به سيعود الدين ، وهي ما به سيجيء المسيح .. قال ، صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا ، كما بدأ ، فطوبى للغرباء !! قالوا : من الغرباء يا رسول الله ؟؟ قال : الذين يحيون سنتي بعد اندثارها !! ) ..
إن المنتظرين حقا لهم المقيمون على السنة الصرفة ، فالزموا نهج السنة ، ودعوا ما أنتم فيه ، تكونوا من الفائزين .. فإن هذا الأمر لا يخلو من خفاء حتى على أكابر العارفين ، فما بالكم بمن هم دونهم ؟ وهذا ما من أجله قيل : ( يأتي من جهة لا يعرفونها ، وعلى هيئة ينكرونها .. ) .. وهو ما قال فيه النابلسي : ( لا يكن طرفك أعمى عن تناويع الأشاير ) .. والأشاير كلها اليوم إنما تشير إلى انغلاق الطرق ، وإلى بعث السنة الصرفة .. وهذا ما من أجله قلنا : ( إنّا قد استيقنا من أنه بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد الدين . ) ..
إن الانتظار إنما يكون على السنة وحدها وما دون ذلك انتظار لمنتظر ..
حقق الله الآمال ، والأحلام ، ورفع ، المعاناة ، عن كاهلنا ، وعن كاهل كل خلقه ، بمجيء موعوده العظيم .. إنه نعم المولى ، ونعم النصير ..

الإخوان الجمهوريون
أم درمان / السودان ص.ب 1151
تلفــون 56912

Post: #100
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-09-2007, 02:13 AM
Parent: #99

أحبابي ياسر وعبد الله وأسامة،

سلام على سلمى، ومن حل بالحمى

وقالت أما يكفيه أني بقلبه يشاهدني في كل وقت، أما أما
أحاطت به الأشواق صوناً وأرصد له راشقات النبل أيان يمما


قول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي نفعنا الله بجاهه.

أشكركم على الاستجابة لاقتراحي بهذه الفورية النافذة.

******

الشكر لدكتور ياسر على تصحيح المعلومة.

Post: #103
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-09-2007, 06:10 AM
Parent: #100

تصحيح صغير يا عزيزي حيدر فإن الأبيات من قصيدة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.. ويعجبني فيها ما اقتبسته أنت منها:
أحاطت به الأشواق صونا واُرصدت * له راشقات النبل أيان يمَّما


Post: #107
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-10-2007, 05:59 AM
Parent: #103

شكراً، يا د.ياسر، على التصحيح.

Post: #106
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: يحي ابن عوف
Date: 02-09-2007, 10:17 AM
Parent: #100


شكرا الأستاذ عبدالله علي هذا البوست

امل كثيرا ان يكون هذا البوست ساحه لحوار فكري هادف

Post: #101
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-09-2007, 05:11 AM
Parent: #1

عزيزي حيدر
شكرا لكلماتك المشجعة
نشرت الكتابين لاهمية الكتابين بخصوص الكلام عن المسيح غير الاسرائيلي
وفي الكتابين ،
في حدود درسي للكتابين،
فان المسيح هو غير اسرائيلي،
وهو مفصل لصاحب الرسالة الثانية،
أو قل انه لا يمكن ان يجئ اي المسيح غير الاسرائيلي،
بدون ان يكون رسول الرسالة الثانية،
وهو بهذا الوصف لا يمكن إلا ان يكون
Quote: سودانيا
.
لكن هنالك مشكلة اخرى،
سنقول بها في مكان تال.
وساحاول ان أقارب مفهوم القرن العشرين في الخطاب الجمهوري،
ومن ضمن ذلك سنقارب مفهوم المسيح المحمدي.
محبتي
المشاء

Post: #102
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-09-2007, 05:40 AM
Parent: #101

لكي نتحدث عن مفهوم المسيح وعودته في الخطاب الجمهوري،
لا بد لنا من العودة الى حوار ابن البان مع الاستاذ محمود
وهو حوار جرئ،
و لا يمكن ان ينشر في هذه الايام.

في ذلك الحوار،
نشهد انبياء سودانيين ،
او على الأقل نبيين سودانيين،
و المشترك بينهما صحة مفهوم الرسالة والنبوة،
و الأكثر من ذلك اتفاقهما على عودة المسيح في السودان.
فالتبشير-كما نرى من حيثيات ذلك الحوار- بعودة المسيح، بدأ في الخمسينيات،
بعد خروج الاستاذ من اعتكافه المعروف .

المهم هذا حوار مركزي،
يضيئ لنا نهايات خطاب الاستاذ،
وما أعقب ذلك من كلام من بعض الأخوان الجمهوريين ،
حول عودته ،مما يبدو كلاما منطقيا في حدود خطاب الاستاذ،
و ما قالت به منشورات الأخوان الجمهوريين حول المسيح وعودته.
وسنثبت ذلك .

و سنبدأ بحديث عن القرن العشرين في الخطاب الجمهوري.
وحين نقول الخطاب الجمهوري فاننا نعني خطاب الاستاذ محمود +ما نشره الأخوان الجمهوريون.
و سنقارن مفهو م الاستاذ حول القر ن العشرين ،
بمفهوم ذلك القرن في الخطاب الاسلامي المعاصر،
وايضا مفهوم الجاهلية الذي اقترن بالقرن العشرين،
وخاصة في خطاب :
سيد قطب
و سنتطرق للمشترك بين مفهوم سيد قطب والاستاذ محمود لجاهلية القرن العشرين،
و كذلك اختلاف خطاب الاستاذ عن الخطاب الاسلامي السائد حول جاهلية القرن العشرين،
وما علاقة القرن العشرين بعودة المسيح ،
وعلاقة ذلك برسول الرسالة الثانية من الاسلام.
محبتي
المشاء

Post: #104
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-09-2007, 06:17 AM
Parent: #102

الأخ العزيز أسامة الخواض،

تحية طيبة

هذه دراسة هامة جدا وتصلح أن تكون موضوعا كبيرا فأرجو المثابرة.. سأمدك بكتاب آخر هو "التقليد والأصيل والأصلاء" صدر في أغسطس عام 1982 .. وهناك كتابان آخران هما "أدب السالك في طريق محمد" و "عقيدة المسلمين اليوم" لهما علاقة كبيرة بنفس الموضوع..

ولك شكري

ياسر

Post: #105
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-09-2007, 06:19 AM
Parent: #104

عزيزي ياسر
سأتريث حتى تصلني الكتب التي وعدت بها.
وقدانشر تمهيدا نظريا لمفهوم الجاهلية في الخطاب الاسلامي المعاصر.
محبتي
المشاء

Post: #108
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-10-2007, 06:24 AM
Parent: #1

عزيزنا
يحي

تحية واحتراماً

بوجودك تثري ما نكتُب هنا

شكراً لك أن جلبت لنا الوثيقة المصورة .

Post: #109
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-10-2007, 06:26 AM
Parent: #1

عزيزنا الكاتب أسامة
تحية واحتراماً

نشُد على يدك في مشروع الدراسةالتي أنت بصددها .

Post: #110
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-10-2007, 05:03 PM
Parent: #109

إلى الأعالي!

Post: #111
Title: بالكتابة الدارجة حديث الأستاذ عن أن الأصيل الواحد هو الحقيقة المحمدية..
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-11-2007, 01:36 PM
Parent: #1

الأخ عبد الله والجميع..

كنت قد وضعت تسجيل لحديث الأستاذ محمود في أبريل من عام 1982 عن الأصيل الواحد هو الحقيقة المحمدية.. ربما يكون الصوت غير واضح لكثير من المستمعين.. طبعا الحديث جاء بعد شهور بسيطة من صدور كتاب "المسيح" الذي أثار جدلا ونقاشا كثيرا في أركان الجمهوريين في الجامعات وغيرها.. الحديث كاملا منقولا عن الشريط موجود ولكني لم أتمكن من الحصول إلا على جزء بسيط منه من الأخ عمر عبد الله.. إليكم هذا الجزء البسيط ولكنه كاف لتوضيح النقطة موضوع الحديث:


Quote: نص الحديث
"مقرر أنه الأصيل واحد .. و الأصيل هو الحقيقة المحمدية .. الأصيل هو الذات المحمدية في مواجهة الذات الإلهية .. كأنه الحقيقة المحمدية ، و دا وارد عندكم ، أنها أول قابل لتجليّ المطلق - هي مقيِِّّدة المطلق - هي صاحبة مقام الوسيلة اللي هو بين المطلق وبين القيد .. بين الخالق في إطلاقه وبين الخلائق من قمتها إلي قاعدتها .. والخلائق شكلها هرمي .. قمته ، وقاعدته في أدنى الحيوات ، و فيما هو إصطلاحاً ما بيسمى "حي" .. دا كله كأنه هيكل المخلوقات ، وتجي العبارة عنه في القرآن في: (ثم استوى علي العرش) أو : (الرحمن علي العرش استوى) .. "العرش" المخلوقات كلها .. قمتها "الرحمن" .. استوى علي عرشها ، و "الرحمن" اسم في الإنسان الكامل .. و دي الحقيقة المحمدية أل نحن بنقول فيها هي أول قابل ، كأنها هي بين المطلق و بين القيد ، الوجود كله ممدود من الحقيقة المحمدية .. و الحقيقة المحمدية هي ال قابلها النبي يوم عرج بيهو .. النبي عرج بيهو من مكة ليقابل الحقيقة المحمدية الل هي حقيقة لاهوتية .. هي الله .. هي ربه .. فكأنما - ودي الصورة البتجيكم في كلامنا هنا أنه المعراج اليوم ، أو الهجرة اليوم ، نفس الحكاية ، بالمناسبة نحن مقبلين على المعراج والشهر دا لازم يجد حياته الشديدة - هي الهجرة الروحية .. المعراج هو الهجرة الروحية.. و الهجرة المعروفة من مكة للمدينة هي الهجرة الجسدية ، والمعراج و الهجرة شئ واحد ، يختلف إختلاف مقدار .. النبي عُرج بيهو ليلاقي حقيقته دي ، عُرج بيهو كما بنقول من النفس السفلى إلى النفس العليا ، بعدين هو في حياته في الأرض باستمرار ينمي علمه وينمي حياته ، ينمي وجوده ليلاقي حقيقته ، ولمن قال (ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) المقام المحمود هو دا .. هو مقام الوسيلة اللي بيختصموا فيه الملأ الأعلى و الملأ الأسفل و هو مقام واحد في الوجود كله .. و كان النبي ساعي ليهو ، بصورته دي .. و بالمناسبة دي برضو ، و قيلت قبل كده ، أنه جبريل ما بلاقي الله ، بلاقي الذات المحمدية يجيب منها القرآن لمحمد في مكة .. القرآن من محمد و إلى محمد! بتجي بيهو عبارة زي دي ، و دا معناها ، جبريل يلاقي الذات المحمدية يجيب منها القرآن لمحمد .. و الذات المحمدية ذات إلهية ، هو "الله" .. إسم (الله) دا علم عليهو هو ، و لأنه الذات المطلقة لا تسمى ، الإشارة تقصر عنها ، وجود الذات المحمدية هو إشارة لوجود المطلق ، و هو في رأس السهم بالصورة دي ، إذا كان السهم ، وضح ليكم أنه الجناحين فيهن قلب هو دا السهم ، منطلق في تطوره المستمر و سايق الخلايق ، يقيد ليها المطلق و يعطيها ما تطيق منه ، و هو نفسه يترقى بي تقييده للمطلق .. و الذات المحمدية في الملكوت ، و محمد في الملك .. المحاولة من لدن آدم ، الحقيقة محاولة الحياة قبل أن يدخلها العقل ، أن تنزل الحقيقة المحمدية إلي الأرض .. و نحن في صلواتنا دي نقوم نضع .. دا سمانا ، عقلنا سمانا ، في تحركاتنا المختلفة لغاية ما نضعو في الأرض ، و تكبيرتنا كأنما هي إشارة إلي إنزال الملكوت إلي الملك .. و كل الأديان ، كل الأعمال البشرية ، سواء كانت في الظلام أو في النور ، علم مادي أو علم إلهي ، هي في السعي دا .. و صلاة المسيحيين هي بصورة خاصة : (أبانا الذي في السموات ، ليتقدس إسمك ، ليأت ملكوتك ، لتكن مشيئتك ، كما في السماء ، كذلك على الأرض!) دي صورة واضحة جداً في الموضوع دا ، و محاولة أن ينزل الملكوت إلي الملك .. و نحن بنتكلم عنها أنه "العرس الأعظم" هو عرس السموات والأرض .. هو إلتقاء الملكوت بالملك .. الأمر دا هو المترقب في الوقت الأخير .. الأصيل هو الذات المحمدية متنزلة إلي الأرض .. بنزولها إلي الأرض يقوم ملكوت الله في الأرض ، الله في الأرض لا يعصى ، لتكن مشيئتك ، كما في المساء ، الله في السماء ما بيعصى ، بيعصى في الأرض ، للجهل .. لكن لما يجي العلم ، العلم الملائكي ، الناس يكونوا كأنهم ملائكة يمشون في الأرض ، و دا موعود بيهو الأمر دا ، الله لا يعصى في الأرض ، طاعة بالعلم ، موش طاعة زي ماهي مضروبة علي الملائكة ، لأنها طاعة العلماء الأحرار ، موش العلماء مسلوبي الحرية زي ما هي حالة الملائكة .. الأمر دا جاي ، و دا الأمر أل بتملأ بيهو الأرض عدلاً كما ملئت جور .. انتو قد تسألوا أنفسكم ، أو يجب أن تسألوا أنفسكم ، و راح يسألكم الناس ، من دون أدنى ريب هل أنا الأصيل ؟ .. هل أنا الأصيل ؟ .. أنا إتكلمت عن مبدأ الأصالة و كتبت عنه و ماشي في طريقه تطبيقاً .. هل أنا الأصيل ؟ أنا أرجو أن أكون .. و لكني على شك ! .. الشك بجي من السؤال أل بيقال في القرآن : (أطّلع علي الغيب ، أم إتخذ عند الرحمن عهداً) ؟! أنا و لا اطلعت على الغيب .. و لا عندي من الرحمن عهد! .. الإطلاع على الغيب هنا بيعنى معرفة الله كما هو عنده : (قل لا يعلم من في السموات ، و الأرض ، الغيب ، إلا الله) العلم دا ما عندي .. و ما عندي عهد من الله .. العهد من الله هو عهد العلم أصلو .. أنا عندي علم ! لكن إذا قيس بي علم الله يكون شنو؟! هنا يدخل الشك .. لو تذكروا حادثة بدر ، لمّن قال بعض الأصحاب للنبي: "إن تخلف عنك قومُُ لو علموا أنك تلاقي عدواً ما تخلفوا عنك ، و نرى أن ننصب لك عريشاً فتكون فيه ، و نعد الراحلة قريبة منك فإذا كان الأمر لنا علي عدوّنا ، الحمد لله ، و إن دارت الدائرة علينا من عدونا تقعد على راحلتك و تلحق بأصحابك الذين ما تخلفوا عنك إلا لأنهم لم يكونوا يعلموا أنك تقابل الجيش و إنما تقابل العير" و حصل أن نُصب العريش و قعد أبو بكر مع النبي .. النبي لمّن شاف عدوه تلاتة أضعاف أصحابه ، و العتاد و السلاح ، و الخيل ، أشفق علي أصحابه فكان يرفع إيديه في مناشدته ربه - في سؤاله ربه - حتى زي ما يجي الوصف "يبين بياض إبطيه" .. و كان يسقط رداه عنه و أبو بكر معاه في العريش يرفع ليهو رداه ، النبي يقول : "اللهم أن تهلك هذه الفئة ، فلن تعبد في الأرض بعدها ، اللهم نصرك الذي وعدتني" .. أبو بكر يقول ليه: "بعض مناشدتك ربك يا رسول الله ، إن الله منجز ما وعدك" .. أبو بكر متأكد أنه النبي رسول الله و الله بنصر رسله و ما بيخذلهم ، دا مبلغ علم أبو بكر ، مطمئن ما عنده شك .. النبي هو صاحب الشك ، لأنه أعلم من أبو بكر ، و ما يُدريهو أن يكون في علم الله هو رسول لي مرحلة ويكون مصطفى غيره يأخد الخط للآخر؟! .. و دا إسمه [عدم أمن مكر الله].. اللي يعلم الله ما بيأمن مكره .. و مكر الله علم ، البيأمن مكر الله هو البفتكر أنه ما عنده من علم هو العلم عند الله !! ما عنده من علم مطابق للعلم عند الله !! يبقى دا بكون : (إتخذ عند الرحمن عهداً) و مافي زول زي دا ، إلا قد تستولي الغفلة على بعض العارفين فيأمن المكر ، من نقص علمه .. و دي حصلت لي أبوبكر إذا ما قورن برسول الله .. فهنا مافي عهد إتِخُذْ ، و لكني أرجو أن أكون الأصيل، وأنا محاول أن أعد مواعيني للتنزُّل ، إنتو لازم تعرفوا أنه التنزًّل ماشي ، و نازل .. و كل واحد منكم لمّن يحقق من أصالته القدر البيسعى ليهو ، هو زي عبارة: وانتهض وارفع كفوفا فسحاب الجود ماطر ..

Post: #112
Title: التقليد!! والأصيل!! والأصلاء!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-11-2007, 01:56 PM
Parent: #1

بعد عدة أشهر من جلسة "الأصيل الواحد" التي نقلت تسجيلها وبعض مادتها مكتوبة خرج كتاب "التقليد!! والأصيل!! والأصلاء" ليشرح المسألة للقراء من غير الجمهوريين.. فصدرت طبعته الأولى في يوليو 1982 والثانية في أغسطس 1982..




Quote: الأخوان الجمهوريون




التقليد!!
والأصيل!!
والأصلاء!!





الطبعة الثانية
اغسطس 1982 ذو القعدة 1402



الإهداء:
إلى الذين يتطلعون إلى تحقيق ذواتهم!!
ويحلمون باكتشاف مواهبهم!!
وبتحقيق أصالتهم، وفردياتهم!!
إلى الذين يريدون تفجير طاقاتهم الكامنة!!
الإسلام هو السبيل!!
فالزموه.. باتباع قدوة التقليد!!
الزموه بتقليد النموذج الكامل للأصالة، ولتحقيق الذاتية
النبي المعصوم!!
ابعثوا سنته فيكم، تجدوا أنفسكم!!


بسم الله الرحمن الرحيم
(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)..
صدق الله العظيم

المقدمة:
هذا كتاب نصدره عن الأصالة، وعن الأصيل.. وموضوع الأصالة والأصيل، موضوع كثيرا ما ورد في كتاباتنا، وفي أحاديثنا.. وهو موضوع شديد الأهمية، إذ عليه يقوم أمر الدين كله، وبه تتحقق الكمالات الإنسانية.. والأصالة ببساطة تعني الفردية، تعني تحقيق الذاتية.. وهذا معنى مستخدم في حياتنا اليومية، عندما نتحدث عن الشاعر الأصيل، أو الفنان، أو الأديب الأصيل، نعني صاحب الموهبة، المبدع غير المقلد.. ولكن الأصالة في الفهم الديني أعمق من هذا الفهم المتداول بكثير، وإن كانت لا تختلف عنه في التصور العام.. ففي الفهم الديني كل فرد بشري هو صاحب أصالة، صاحب فردية، أو قل صاحب مواهب ذاتية، يختلف فيها عن سائر البشر الآخرين، وكماله إنما يكون باكتشاف هذه المواهب، وتفجيرها، حتى تعبر عن نفسها تعبيرا سويا، يثري حياته، وينميها، ويثري حياة الجماعة.. فقيمة الفردية في الفكر، وفي الدين، قيمة واضحة، بصورة تكاد تكون بديهية، فلا يمكن لإنسان عاقل أن يعتقد أن الأصيل هو مثل المقلد، أو مثل الشخص الفاقد لذاتيته..
ونحن في وقتنا الحاضر، نعيش في وقت تطورت فيه الحضارة الغربية المادية تطورا هائلا، في المجالات العلمية والتكنولوجية.. ولكن هذا التطور، رغم أنه قدم للبشرية خدمات جليلة، إلا أن له آثارا سلبية، كثيرة وخطيرة.. ومن أهم هذه الآثار السلبية أن الإنسان المعاصر، تحت ظروف الحضارة المادية القائمة والفلسفات التي توجهها، قد فقد ذاتيته، فقد أصالته، وسط زحمة مجتمع الإنتاج والإستهلاك الكبير، مجتمع المدن الكبيرة، مجتمع الجماعات الكبيرة والمنظمة، و المزودة بالوسائل العلمية التي بها تطوع الفرد لنظامها.. ولذلك، ورغم التطور المادي الهائل، فقد أصبح الإنسان المعاصر يشعر أنه قد فقد نفسه في سبيل تحقيق هذا التطور، فأصبح مجرد سِنَّة في دولاب المجتمع الكبير، ومجرد تابع للآلة التي اخترعها لتخدمه، فإذا به يصبح عبدا لها يخدمها، ويلهث وراء إنتاجها.. بل أن التطور العلمي عندما أصبح يستخدم في مجال التسلح، أصبحت الآلة سيدة الإنسان، في مستوى التصرف في حياته، فهي تملك أن تزهق هذه الحياة، وقد فعلت كثيرا، خصوصا في الحرب العالمية الثانية، وما أعقبها من حروب إقليمية، وهي لا تزال تفعل..
فقد فشلت الحضارة الغربية المادية المعاصرة، وما تقوم عليه من فلسفات، وعلى رأسها الماركسية، فشلت في حل مشكلة الإنسان المعاصر، وتحقيق فرديته وذاتيته.. فشلت في فض التعارض البادي بين الفرد والمجتمع، فأهدرت حرية الفرد، وطمست ذاتيته، فلم تحقق بذلك حاجة الفرد، ولا حاجة الجماعة..
وتحت وطأة الحضارة المادية هذه، استشرى القلق، والإضطراب النفسي، الذي ساد حياة الأفراد فأصبحوا يشعرون بحالة من الإحباط، ومن الإغتراب، أفقدت الحياة طعمها، رغم الوفرة المادية.. تحت هذه الظروف بدأ الإنسان المعاصر يحن، ويتطلع، إلى تحقيق ذاتيته، تحقيق أصالته.. وقد عبر عن هذا الحنين، بالكثير من صور التعبير في مجالات الأدب والفلسفة والفن، التي كثيرا ما تدور حول ضياع الإنسان المعاصر، وشعوره بالإغتراب، وفقدان الذاتية.. وقد كان الوجوديون هم أكبر من تطلع إلى تحقيق الذاتية والفردية، في المجتمعات الغربية، ولكنهم لما كانوا لا يملكون فكرة واضحة، ولا منهاجا محددا، فقد انتهى بهم تطلعهم إلى أن يعيشوا صورة من الفوضى، ومن القلق، ومن العبث، لم تضف إلى مجتمعاتهم شيئا أكثر من المزيد من الشعور بالضياع.. ومن أوضح صور بحث الإنسان المعاصر عن فرديته وذاتيته، صور الرفض للحضارة الغربية المادية، التي انتشرت بين الشباب في الغرب، خصوصا عند جماعات الهيبيز..
ولقد فشلت الفلسفات المعاصرة في الإستجابة لتطلعات الإنسان المعاصر إلى الأصالة والفردية، وفشلت في حل التعارض البادي بين الفرد والمجتمع.. وأوضح ما يكون هذا الفشل عند الماركسية التي أهدرت قيمة الفرد في سبيل الجماعة، فهزمت الغاية بالوسيلة، ولم تبلغ طائلا في خدمة أغراض الجماعة، حتى في مستواها المادي، رغم الكبت، ورغم العنف العنيف الذي أودى بحياة ملايين البشر..
والآن فإن التحدي الذي يواجه كل الفلسفات، وكل الأديان، هو تحقيق فردية الفرد، وتحقيق أصالته، والتوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. وهذا التحدي ليس له إلا الإسلام في مستوى أصوله، مستوى السنة.. ولذلك نحن عندما نتحدث عن الفردية، وعن الأصالة، لا نتحدث عن نافلة من القول، ولا عن ترف ذهني، وإنما نتحدث عن جوهر الكمال البشري، ومحور تطلعات الإنسان المعاصر.. والكمال الذي نتحدث عنه، ونبشر به، ليس حلما، وإنما هو أمر ممكن، وقد نضجت كل الظروف لتحقيقه، ونحن نملك المنهاج العلمي، والعملي، لهذا التحقيق، وهو تحقيق يبدأ من بدايات بسيطة وأولية، يتساوى فيها كل الناس، الأمي والمتعلم، الذكي وغير الذكي.
نحن في هذا الكتاب نبشر بعهد الكمالات الإنسانية، عهد تحقيق الأفراد لفردياتهم، وذاتياتهم، بالصورة التي تتم لهم فيها وحدة البنية البشرية، فينتفي القلق، والإضطراب النفسي، ويتحقق السلام الداخلي، في كل نفس بشرية، ويتحقق السلام الخارجي بتحقيق هذا السلام الداخلي، فيعم الأرض السلام.. فهذا هو جوهر الإسلام، ورسالته، وهو الأمر الذي ظللنا نحن بصدده دائما، ندعو له، ونبشر به، ونبين السبل المفضية إليه.. ولذلك فان كتابنا هذا في جملته يعمل على تبيين موضوع الأصالة، أو الفردية، كقيمة إنسانية أساسية، وهم الكتاب هو التبسيط، والإيجاز، قدر الإمكان.

فض التعارض بين الفرد والجماعة:
إنه من الواضح، لدى النظرة الأولى، أن هنالك تعارضا، باديا بين حاجة الفرد، وحاجة الجماعة.. وقد جعل هذا التعارض البادي، الفلسفات الإجتماعية، وعلى رأسها الماركسية، تعتقد أن الفرد إذا اعطي الفرصة لإشباع حاجاته، سيعمل ضد مصلحة الجماعة.. ولما كانت الجماعة هي الأكثر عددا، فإن مصلحتها هي التي ينبغي أن تراعى، ولذلك أهدرت هذه الفلسفات حرية الفرد، في سبيل تحقيق مصلحة الجماعة، فأضاعت بذلك مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، في آن معا، وظلت مشكلة التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة قائمة، تطلب الحل.. والحل في الإسلام كما أشرنا، وليس في أي فكر غيره كما سنبين..
ففي الإسلام الفرد هو الغاية وكل ما عداه وسيلة إليه، بما في ذلك وسيلة القرآن، ووسيلة الإسلام، ووسيلة المجتمع.. فكل فرد بشري، من رجل أو امرأة، هو غاية في ذاته، ويجب ألا يتخذ وسيلة إلى غاية وراءه... والإسلام يستطيع أن يفض التعارض البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، وينسق هاتين الحاجتين في سمط واحد، تكون فيه حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، إمتدادا لحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة، أو قل يجعل تنظيم الجماعة وسيلة إلى حرية الأفراد، وليس بديلا عنها، كما هو الأمر عند الماركسية.. والإسلام يستطيع هذا التنسيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة بفضل التوحيد، الذي جعل شريعته تقع على مستويين: مستوى الجماعة، ومستوى الفرد.. فأما تشريعه في مستوى الجماعة، فهو تشريع المعاملات، وأما تشريعه في مستوى الفرد فهو تشريع العبادات.. وتشريع المعاملات ينسق العلاقة بين الفرد والفرد، في المجتمع، في حين أن تشريع العبادات ينسق العلاقة بين الفرد والرب.. وهذان التشريعان هما شطرا شريعة واحدة، لا تقوم إلا بهما معا.. والإختلاف بينهما إختلاف مقدار .. فتشريع المعاملات تشريع عبادات في مستوى غليظ، وتشريع العبادات تشريع معاملات في مستوى رفيع، وذلك لأن الفردية في العبادة أظهر منها في المعاملة.. والعبادة ليست لها قيمة إذا لم تنعكس في معاملة الجماعة، ولذلك جعل المعصوم الدين كله في المعاملة، فقال: (الدين المعاملة) .. وقال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. فالعبادة هي مدرسة تعد الفرد، وتؤهله، لحسن المعاملة، وهو لا يجد فرصة التطبيق العملي إلا في السلوك في الجماعة.. وقد وضع الإسلام كل تشريعاته في صورة تحقق في سياق واحد، حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. فهو لم يضح بالفرد في سبيل الجماعة، فيهزم الغاية بالوسيلة، ولم يضح بالجماعة، في سبيل الفرد، فيفرط في أهم وسائل تحقيق الفردية.. وفي التصور الإسلامي الصحيح مصلحة الجماعة ليست ضد مصلحة الفرد، و إنما هي نفس مصلحة الفرد، ولذلك قال المعصوم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).. وقال تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها.. وما ربك بظلام للعبيد).. فالفرد في الإسلام، عندما يعمل في خدمة الآخرين، وتوصيل الخير اليهم، إنما يعمل لمصلحته هو في المكان الأول، لأنه يلقى مقابل هذا العمل الأجر والثواب من الله، بصورة مباشرة يجد بركتها في نفسه في التو، وفي الحين.. ولذلك فإن كمال حياة الفرد، في الإسلام، يتحقق من خلال توظيف حياته لخدمة الآخرين، ولا يتحقق بمجرد السعي المباشر لمصالحه الذاتية.. ولذلك فإن الإسلام يضع نفسه منذ البداية ضد الأنانية السفلى التي ترى مصلحتها على حساب مصالح الآخرين، ومع الأنانية العليا التي ترى مصلحتها في مصلحة الآخرين.. فالفرد المسلم يعمل في خدمة الآخرين بدافع حقيقي، وهو علمه بأن هذه هي مصلحته الفردية.. و إنما أصبح الأمر في الإسلام بهذه الصورة لأن القيمة في الإسلام تقع على مستويين: مستوى مادي، ومستوى روحي.. والمستوى المادي هو وسيلة للمستوى الروحي.. في الإسلام الخبز وسيلة للحرية وليس بديلا عنها.. فوجود القيمة في هذين المستويين من التشريع، اللذين تحدثنا عنهما، هو الذي يجعل الإسلام قادرا على فض التعارض بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. وفض التعارض بين الفرد والجماعة، هو في الإسلام سلوك عمل يومي، فالعمل، وفق منهاج السنة في تقليد النبي، يقوم على تجويد العبادة في الخلوة، لإكتساب العلم والمقدرة على خدمة الناس في الجلوة.. وهذا العمل، عند السالك في طريق محمد، يقوم على تفاصيل علمية دقيقة، تعمل على تربية النفس، وتهذيبها، حتى تتعامل مع الآخرين معاملة إنسانية، تراعي مصلحتهم دائما، فتكف الأذى عنهم وتتحمل أذاهم، وتسعى في توصيل الخير إليهم.. وهذا الصنيع، في نهج التقوى في العبادة والمعاملة، هو الذي يوحد مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، وهو الذي يتيح الفرصة للفرد للإنشغال بداخله، بعد ان كان طوال الوقت منشغلا بالخارج، وبذلك يعرف نفسه، ويكتشف مواهبها، ويفجر طاقاتها، ويحقق فرديته وأصالته..

الأصالة هي تكليفنا الأساسي
إن الأصالة، أو الفردية، هي حقيقتنا، وهي تكليفنا الأساسي، وهي قدرنا المقدور، الذي ليس منه مناص.. الأصالة هي حقيقتنا بمعنى ان كل فرد منا، هو في الحقيقة، صاحب فردية متميزة، وصاحب خصائص، ومواهب، لا يشبهه فيها أحد.. وهذا أمر واضح في التوحيد، إذ أن الألوهية من سعتها لا تكرر نفسها، فالتكرار عجز، تعالى الله عنه علوا كبيرا.. فالله تعالى، من كماله، أنه لا يتجلى لذرتين في الوجود تجليا واحدا، وهذا من معاني قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن).. إذن، نحن في الحقيقة اصحاب فرديات، ولكنها فرديات انطمست، بسبب الصراع في الحياة، وما تسبب فيه من كبت، وخوف، جعلنا نعيش خارجنا بأكثر مما نعيش داخلنا.. والعمل السلوكي، وفق نهج السنة في تقليد المعصوم، هو عمل في إزالة هذا الكبت، وتوحيد البنية البشرية، التي انقسمت بين عقل واع وعقل باطن، حتى تبرز الأصالة، والفردية، من حالة الكمون، والضمور، التي هي عليها، فتنطلق الطاقات الحبيسة في العقل الباطن، وتتفجر ينابيع المواهب الثرة الكامنة في نفس كل منا.. فالعمل وفق نهج السنة المقصود منه أن نكون أصحاب أصالة وفردية في الشريعة، كما نحن اصحاب أصالة وفردية في الحقيقة، وتكون بذلك شريعتنا طرفا من حقيقتنا، فنصبح أصحاب شرائع فردية، كما نحن أصحاب حقائق فردية، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة، ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون).. ف(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) يعني لكل فرد منكم جعلنا (شرعة) أي شريعة، (ومنهاجا) يعني سنة.. (فشرعة ومنهاجا) يعني شريعة وحقيقة.. فشريعة العارف طرف من حقيقته، وهو فردي الحقيقة، فردي الشريعة.. ووقت تحقيق هذه الشرائع الفردية، ومستوى تحقيقها، يختلف من فرد لآخر، إلا أنها، في مستوى القمة، المستوى الذي يسقط فيه التقليد، تتحقق في هذه الحياة الدنيا لرجل واحد، هو قمة الهرم، أما كل من عداه فهم يحققون أصالتهم وشرائعهم الفردية داخل إطار التقليد النبوي، على تفاوت بينهم، في ذلك، في زمن التحقيق، وفي مستوى التحقيق..
الأمر الذي نريد أن نؤكده هنا هو أننا أصحاب حقائق فردية، وأنه لا بد من أن نكون أصحاب شرائع فردية.. فهذا هو قدرنا المقدور، وهو ما يفهم من الآية السالفة الذكر..
أما كون الأصالة والفردية هي تكليفنا الأساسي في الإسلام، فهذا أمر واضح بصورة جلية.. فالفردية في الإسلام هي جوهر الأمر كله، هي مدار التكليف ومدار التشريف، وقد وكدهما الإسلام توكيدا شديدا.. فتكليفنا الأساسي في الإسلام هو ان نكون عبيدا لله، بوسيلة العبادة، وهذا ما يعنيه قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).. يعني ما خلقتهم إلا ليعبدوني كما أمرتهم على لسان عزتي، وذلك حيث قلت: (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا* لقد أحصاهم وعدهم عدا* وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).. فالعبادات منطقة تغلب عليها الجماعية بينما العبودية منطقة فرديات، وملاقاة الله لا تتم إلا للأفراد.. وواضح من الآيات توكيد الفردية، وربطها بالعبودية.. فنحن لا نلقى الله كجماعات، و إنما نلقاه كأفراد.. ونحن لا نلقاه إلا اذا تحققنا بالعبودية، إذ لا يلقى الرب إلا العبد.. فنحن مكلفون أساسا بتحقيق فرديتنا وأصالتنا، في معنى ما أننا مكلفون بتحقيق العبودية لله.. ومما يؤكد أمر الفردية في الإسلام، أن موازين الحساب لا تنصب يوم تنصب، الا للأفراد، وفي ذلك ترد العديد من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وقوله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).. وقوله تعالى: (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا).. وقوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة).. وهذه الآية الأخيرة تؤكد ما ذهبنا اليه من أننا في الحقيقة اصحاب فرديات.. فالله تعالى قد خلقنا، أول مرة، أفرادا، ثم أننا سنرجع اليه، عندما نرجع، كأفراد، وهذا معنى الآية: (لقد جئتمونا فرادا كما خلقناكم اول مرة).. والرجوع إلى الله، إنما هو رجوع إلى الخلق الأول، رجوع إلى حالة (أحسن تقويم) التي كنا عليها، وهي الفطرة السوية، وهي الأصالة، وهي الفردية.. فنحن لا نلقى الله تعالى في الزمان، ولا في المكان، وإنما نلقاه فينا.. فهو تعالى قد قال في الحديث القدسي: (ما وسعني أرضي ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن) فنحن نعرف الله، عن طريق معرفتنا لأنفسنا، التي قلنا عنها انها في الحقيقة فردية، وفي هذا المعنى يجيء قول المعصوم (من عرف نفسه فقد عرف ربه).. ويجيء قول القرآن: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها).. ومعرفة انفسنا هي معرفة حقيقة اننا عبيد، وأننا اصحاب فرديات متميزة لا يشبهنا فيها أحد، وبهذه المعرفة تتم لنا معرفة الله، ويتم لنا اللقاء به تعالى، وبهذا اللقاء نصل حياتنا بمصدرها، فتتوفر لها أسباب الكمال، وأسباب البقاء..
ولقد قلنا ان تحقيق الفردية هو قدرنا المقدور الذي لا فكاك لنا منه، وذلك لأنه مقدور لنا، ومفروض علينا لقاء الله، ونحن لا نلقاه إلا كأفراد.. وعن حتمية لقائنا الله يقول الله تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) .. ويقول : (وإن إلى ربك المنتهى) .. ويقول : (إن كل من في السموات والأرض الا آتي الرحمن عبدا) .. فلقاء الله تعالى أمر لا بد كائن، أردنا أم لم نرد، فما من الله بد .. وبنفس هذا المعنى تحقيق الفردية أمر لا بد كائن، إن عاجلا أو آجلا، لأن لقاء الله لا يتم لنا الا كأفراد كما ذكرنا، فهو إذا لم يتم في هذه الدنيا، سيتم في الأخرى، وهذا معنى قوله تعالى: (إن علينا للهدى * وإن لنا للآخرة والأولى).. فنحن قد خلقنا فرادى، وسنعود إلى الله فرادى، كان على ربك حتما مقضيا.. وفي فترة ما بين الخلق الأول، والعودة إلى الله ذهلنا عن حقيقة أننا أفراد فانبهمت ذاتيتنا، وعشنا في التيه، مشغولين بالآفاق أكثر من إنشغالنا بأنفسنا.. أما الآن فقد حان الحين، وآن أوان الرجوع من التيه، بالعودة إلى أنفسنا، ومعرفتها، وأكتشاف مواهبها، وتفجير طاقاتها، حتى تتوحد فتتحقق لها فرديتها وأصالتها..
فاذا توكد ان الفردية، والأصالة، هي حقيقتنا، وهي تكليفنا الأساسي، وقدرنا المقدور، وهي كمالنا، كأفراد وكمجتمع، يصبح واجب كل منا أن يعمل في جد، وفي تشمير، على تحقيق فرديته، وذاتيته، وأن يعمل على إعانة كل أخوانه الآخرين على أن يحقق كل منهم فرديته، وأصالته، ويفجر طاقاته، ومواهبه، وهذا ما تحاول القيام به لكل الناس، الدعوة الجمهورية بإبرازها لحقيقة الإسلام التي كانت المقصود بالأصالة، في جميع رسالات السماء، ولكنها كانت تتحين الحين، وتتوقت الوقت.. ولقد جاءت حقيقة الإسلام في المصحف – في أصول القرآن – في القرآن المكي – وعلى ذلك أقام الجمهوريون الدعوة إلى (الرسالة الثانية من الإسلام) هي وحدها الحقيقة بتحقيق الأصالة و تحقيق الفردية..

الأصيل الواحد
إن الأفراد يتفاوتون في تحقيق الأصالة حسب توفيق الله لهم، ثم جدهم و إجتهادهم في العمل على تحقيق فردياتهم بإتباع نهج السنة، والتأدب بأدب القرآن.. فالإختلاف بين الأفراد في تحقيق الفردية، والأصالة، هو اختلاف في زمن التحقيق، وفي مقدار التحقيق.. ففي هذه الدورة من دورات الحياة، دورة الحياة الدنيا تتحقق الفردية في قمتها، في مستوى ترك التقليد، لرجل واحد، هو صاحب المقام المحمود الذي يتم له انزال هذا المقام من الملكوت، وتجسيده على الأرض.. أما جميع من عداه فهم يحققون الأصالة والفردية، داخل إطار التقليد النبوي، وهم يتفاوتون في هذا التحقيق حسب تفاوتهم في العلم بالله، وتحقيق العبودية له.. ففي قمة هؤلاء يأتي من يوشك أن يتحقق بالأصالة في مستوى ترك التقليد ولكن لا يتم له ذلك الا عند لحظة الإنتقال للبرزخ.. وأسباب التفاوت في التحقيق في الفردية أسباب واضحة وبينة، وهي تشير اليها الآية الكريمة: (وفوق كل ذي علم عليم).. فهي تعني أن فوق كل صاحب علم من هو أعلم منه، إلى أن ينتهي العلم إلى علام الغيوب.. فالوضع بالنسبة للعلم بالله وضع رأسي، لا يوجد فيه إثنان على نفس المستوى من العلم.. فأعلم الناس بالله، وأكثرهم تحقيقا للأصالة والفردية، يكون بين جميع الناس، وبين ذات الله في إطلاقها.. وهذا هو الإنسان الكامل الذي يتحقق بمقام الإسم الأعظم (الله).. ومقام هذا الإنسان الكامل هو مقام الوسيلة، وهو الذي يتم به ختم الولاية، وختم الرسالة بعد ان تم ختم النبوة بالنبي الكريم..
وبتحقيق هذا المقام تتحقق خلافة الأرض، وهو مقام المسيح المحمدي الموعود، وهو المقام الذي ظل النبي طوال حياته، وفي برزخه يعمل على إنزاله من الملكوت إلى الملك.. وهذا المقام هو مقام ولاية النبي، مجسدة في الدم واللحم.. وإلى تحقيق هذا المقام في الأرض، ترد الإشارة بالآية الكريمة: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد).. فهذه العودة هي لمستوى ولاية النبي، مستوى المقام المحمود الذي حققه النبي في المعراج في إلمامة، حكى عنها القرآن بقوله تعالي: (ما زاغ البصر وما طغي).. ثم حققه النبي بالنزع على فراش الموت، وانتقل به إلى البرزخ، وهو من برزخه يعد الأرض لتحقيق هذا المقام فيها.. فصاحب هذا المقام، لأنه تخلق بأخلاق الله، أخلاق القرآن، فقد تحقق بالأحدية، وبالواحدية.. ومعنى (الأحد) .. هو الذي لم يجيء من مثله ولا يجيء منه مثله، أو هو الذي (ليس كمثله شيء).. ومعنى (الواحد) .. هو الذي لا ينقسم.. فصاحب المقام المحمود هو في نفسه واحد، وفي مقامه واحد، وهذا من كمال التخلق بأخلاق الله، ذلك التخلق الذي قال عنه المعصوم: (تخلقوا بأخلاق الله ان ربي على سراط مستقيم) .. وقال عنه تعالى: (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) .. فمقام الأصالة، في هذا المستوى، هو لفرد واحد، هو صاحب العلم المحيط، الذي يقع علم كل ما عداه دونه، وفي إطاره.. وتجسيد هذا المقام على الأرض إنما يتم بظهور المسيح المحمدي، الذي بشر به النبي الكريم في العديد من أحاديثه، ومنها قوله: (لو لم يبق من عمر الدنيا الا مقدار ساعة لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما، وجورا!!).
وتحقيق المقام المحمود في الأرض، هو فتح للباب على مصراعيه لكل الأفراد السالكين إلى الله، ليحقق كل منهم فرديته وأصالته، في إطار التقليد النبوي، وذلك بفضل الله، وبفضل ما يفيضه هذا المقام من العلم الذي يعين كل فرد على معرفة نفسه، وتفجير مواهبها، وطاقاتها.. وإلى تحقيق الأصالة في إطار التقليد تشير الآية الكريمة: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وان الله لمع المحسنين).. فالجهاد هنا هو عمل في التقوى، في تقليد المعصوم.. و(لنهدينهم سبلنا) تعني بوضوح ان لكل واحد من هؤلاء المجاهدين سبيله، داخل السبيل الواحد، ولذلك قال: (سبلنا) ولم يقل (سبيلنا) فهي سبل عديدة.. (وان الله لمع المحسنين) يعني بالمحسنين هنا الذين احسنوا تجويد تقليد المعصوم، بادخال الفكر في العمل، وبالتزام الأدب مع النبي.. فهؤلاء الله معهم يحفظهم، ويرعاهم، ويمدهم من العلم بما به يحققون انضاج فردياتهم، ويحققون اصالتهم، داخل اطار التقليد النبوي.. فالتقليد النبوي هو وسيلة تحقيق الأصالة في جميع مستوياتها..

وسيلة تحقيق الأصالة
ان الأصيل هو الحر، لأنه هو المتحقق بالعبودية لله، والعبودية لله هي حرية عن كل ما عداه..والأصيل بالمعنى الذي تحدثنا عنه هو الذي يتعرف على نفسه، ويفجر طاقاتها، ومواهبها، ويوحد ذاته، فيحقق السلام مع نفسه، ومع الآخرين.. ووحدة الذات هذه تظهر في وحدة الفكر، والقول، والعمل، فهو يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون عاقبة عمله هذا الا خيرا بالناس، وبرا بهم.. ومن يكن في هذا المستوي، يكن فوق قوانين الجماعة، لأنه بفضل الله، ثم بفضل تربيته ورياضة نفسه، أصبح من المحسنين، المجودين للسلوك.. فقانونه هو المستوى الرفيع من العلم، ومن القيم التي يلزم بها نفسه.. وهذا المستوى من كمال الشمائل، لا يتم الا على قاعدة من المجتمع الكامل.. وهذا المجتمع هو ما نبشر به نحن في دعوتنا لتطبيق أصول القرآن، مستوى السنة .. فهذا المجتمع يقوم، في قاعدته، على العدل، والمساواة.. العدل والمساواة، في الإقتصاد، وهو الإشتراكية.. والعدل والمساواة، في السياسة، وهو الديمقراطية.. ثم كنتيجة للعدل والمساواة في الإقتصاد والسياسة، تأتي العدالة الإجتماعية، وهي تعني محو الطبقات.. فالعدالة الإجتماعية هي اثر مباشر من آثار التربية الفردية الكاملة.. وهذا المجتمع الكامل تقوم العلائق بين أفراده، في القاعدة، على القانون الدستوري.. والقانون الدستوري، في الإسلام، هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة.. فهو لا يضحي بالفرد في سبيل الجماعة، ولا يضحي بالجماعة في سبيل الفرد .. فهو، حين يطبق، يحقق، بكل جزئية منه، مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، في آن معا، وفي سياق واحد..
وتحقيق الأصالة، إلى جانب المجتمع الصالح، بل وقبل المجتمع الصالح، لا بد فيه من منهاج سلوك فردي.. هذا المنهاج هو منهاج السنة، هو طريق محمد .. فتقليد النبي في اسلوب عبادته، وفي ما نستطيع من اسلوب عادته، هو الوسيلة الواسلة لتحقيق أصالة كل أصيل .. وتقليد النبي هو الوسيلة لتحقيق الأصالة، لأنه تقليد لنموذج الأصالة الكامل، وقدوتها.. فتقليد النبي هو وسيلة للتأسي به في أصالته.. وهو تقليد لنفس انسانية كاملة، توفرت لها عناصر الصحة الداخلية، فتوحدت، واتسقت قواها الباطنية، وتحررت من الأوهام، والأباطيل، ومن القلق، والخوف العنصري، البدائي، الساذج .. فتقليد هذه النفس الكاملة، تقليدا متقنا، يقوم على الأدب، وعلى الفكر، ويفضي بكل رجل، وكل امرأة، إلى احراز وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرير شخصيته من الإضطراب، والقلق الذي استشرى في عصرنا الحاضر) .. فالتقليد المجود للنبي الكريم هو الوسيلة لتحقيق فردية كل فرد، داخل اطار التقليد..
ومنهاج الصلاة بالذات هو الوسيلة العملية، والعلمية، لتحقيق اصالة كل اصيل مجود للتقليد.. فالصلاة هي وسيلة تحقيق الأصالة، لأنها هي وسيلة تعريف كل فرد بنفسه، وهي الوسيلة التي يحقق بها كل فرد وحدة بنيته، بتوحيد الفكر، والقول، والعمل، وذلك لأن الصلاة هي فكر، وقول، وعمل، فهي من ثم تعمل على توحيد هذا الثالوث.
ولقد فرضت الصلاة في قمتها في ليلة المعراج، في مقام (ما زاغ البصر وما طغي) حيث تم للنبي الشهود الذاتي، وهو شهود وتري (فردي)، به أصبح النبي وحدة ذاتية، في وحدة مكانية، في وحدة زمانية، وهذا هو التوحيد الكامل الشامل، الذي به تتم مشاهدة الواحد، وهذا هو الصلاة في قمتها.. وفي مقام (قاب قوسين او أدنى) وهو مقام شفعي، فرضت الصلاة الشرعية، وجعلت وسيلة العروج إلى الله .. فهي وسيلة عروج النبي بالأصالة، ووسيلة عروج أمته بالحوالة، والتبعية – أي بالتقليد..
والسبب الأساسي في أن صلاة التقليد، الصلاة الشرعية، هي وسيلة تحقيق الأصالة والفردية، هو ان جوهر هذه الصلاة انما هو الحضور، او الصلة بالله التي تتم فيها.. وهذا الحضور، او الصلة، هو الأصالة والفردية .. فان قلوب العباد في صلتها بالله، وحضورها معه، لا تكون على شاكلة واحدة، ولا في مستوى واحد، وانما كل فرد يختلف في هذا الحضور عن الفرد الآخر، حتى ولو كانوا يؤدون صلاة واحدة، خلف امام واحد .. وهذا الحضور هو جوهر الصلاة، وقيمتها، وما هيئة الصلاة إلا وسيلة لتحقيقه .. فكأن الصلاة تقوم على مستويين: هيئة، وحضور داخل الهيئة.. فالهيئة هي جسد الصلاة، وقشرتها، والحضور هو روحها، والمطلوب ان تنمو هذه الروح حتى تملأ القشرة .. وهذا الحضور هو صلاة الأصالة .. وعن هذين المستويين للصلاة قال المعصوم: (الصلاة معراج العبد إلى ربه) .. وقال: (الصلاة صلة بين العبد وربه) .. فهذه الصلة هي الحضور في الصلاة، وهي جوهر الصلاة وقيمتها، فاذا انعدمت أصبحت الصلاة باطلة، ولا قيمة لها، وفي ذلك يقول المعصوم: (رب مصل لم يقم الصلاة) هو مصل لأنه يؤدي هيئة الصلاة، وهو لم يقم الصلاة لأنه لم يحضر فيها، فإقامة الصلاة ليست مجرد تأدية الهيئة، وانما هي تأدية الهيئة مع تجويد الحضور .. وفي حديث آخر قال المعصوم: (رب مصل لم تزده صلاته من الله الا بعدا) .. وذلك لأنه في صلاته أساء الأدب مع ربه بالغفلة عنه، والانشغال بغيره، وهو واقف بين يديه، ولذلك استحق الطرد والبعد .. فصلاة الصلة – صلاة الأصالة – هي الحضور في صلاة التقليد .. فهذا الحضور هو فرديتك، وأصالتك، فان أنت اهتممت به، ورعيته، وتوخيت الوسائل المعينة على تحقيقه، عملت على إنضاج شخصيتك وتكميل حياتك، وتحقيق ذاتيتك وفرديتك، وهذا هو معنى الأصالة داخل التقليد .. فالفردية والأصالة تبدأ عند العابد المجود منذ البداية، هي تبدأ من مجرد محاولة الحضور في الصلاة، ثم تنمو، وتزداد، بازدياد هذا الحضور .. والكمال هو أن تملأ قشرة الصلاة جميعها بالحضور .. ولمعرفة الوسائل المعينة على تجويد الصلاة، وتحقيق الحضور فيها، لا بد من الرجوع إلى كتبنا التي اصدرناها عن الصلاة، خصوصا كتاب: (رسالة الصلاة) .. وكتاب: (تعلموا كيف تصلون) .. والأمر الذي يهمنا توكيده هنا هو ان الحضور في الصلاة هو الأصالة، وهو الفردية، وهو الذي به يتحقق العلم بالله، وتكتمل حياة الفكر، وحياة الشعور..

خاتمة:
لقد كان همنا في هذا الكتاب الموجز، شرح مفهوم الأصالة، والفردية، وتبسيطه، وتبيين قيمته للفرد البشري، وللمجتمع البشري، وتوضيح الوسائل المعينة على تحقيقه .. وقد رأينا ان الأصالة ببساطة، هي الفردية، هي تحقيق ذاتية الفرد، باكتشاف مواهبه الذاتية التي يختلف فيها عن الآخرين، وتنميتها، بالصورة التي تخصب حياة الفرد، وحياة الجماعة .. والفردية في السلوك العملي في العبادة هي ببساطة، الحضور في الصلاة، وترجمة هذا الحضور في الحياة اليومية إلى خدمة للناس، وحرص على توصيل الخير اليهم .. فمجال المعاملة هو المجال العملي الذي تمتحن فيه حصيلة العبادة .. فبين تجويد العمل في العبادة، وفي المعاملة تنضج شخصية الفرد، وتتوحد بنيته، وتتفجر مواهبه، فيحقق بذلك فرديته .. فالأصالة بهذا المعنى هي قيمة انسانية رفيعة، اصبح جميع الناس يتطلعون اليها، كما بينا في مقدمة الكتاب .. وهي لا سبيل لتحقيقها الا ببعث الإسلام في مستوى السنة – مستوى اصول القرآن – مستوى (الرسالة الثانية من الإسلام) – لينظم حياة المجتمع، ويوجه سلوك الأفراد .. فموضوع الأصالة موضوع مرتبط ببعث السنة، لا بتطبيق الشريعة، وذلك لأن الشريعة تقوم على توكيد العمل في العبادة، وفي المعاملة .. وهذا الفكر في العمل هو الذي يعين الفرد على معرفة نفسه، واكتشاف مواهبه، وتحقيق ذاتيته .. فالأسلام، في مستوى السنة، هو علم نفس، هو منهاج علمي وعملي يعين كل فرد على معرفة نفسه، وعلى تهذيبها، وتربيتها، حتى تخرج من حالة الإستيحاش والحيوانية فتصبح نفسا انسانية لا يجد منها الآخرون الا الخير والبر .. وهذا هو المعنى الذي به الإسلام هو (دين الفطرة) .. والفطرة السوية هي صفاء الفكر، وسلامة القلب .. والقرآن، في جميع آياته، انما هو موظف لتحقيق هذه الفطرة السوية، وذلك عن طريق تقليد النبي المعصوم، الذي هو النموذج الإنساني الكامل، المرشح من قبل العناية الإلهية ليكون القدوة لتحقيق فردية كل فرد، وانضاج شخصيته، ورده إلى الفطرة السوية .. والعمل وفق منهاج السنة يبدأ، كما بينا، من بدايات عملية بسيطة، يتساوى فيها المتعلم و الأمي والذكي وغير الذكي .. ثم عن طريق هذا العمل تتفجر المواهب، ويتم تحصيل العلم النافع، وتتسع الحياة..
هذا والله هو المسئول ان يهدي البصائر والأبصار، وان يرد غربة الإنسانية جمعاء، وينصر دينه، حتى يتسنى لكل فرد تحقيق أصالته، وإكمال ذاتيته، وإنضاج فرديته، وما ذلك على الله بعزيز ..

الأخوان الجمهوريون
أم درمان ص ب 1151
تلفون 56912



الثمن 75 قرشا

Post: #113
Title: Re: التقليد!! والأصيل!! والأصلاء!!
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-12-2007, 03:28 AM
Parent: #112

في سبيل التحيات، الطيبات، المباركات

Post: #114
Title: Re: التقليد!! والأصيل!! والأصلاء!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-12-2007, 08:42 AM
Parent: #113

الله يبارك فيك يا حيدر ولك مني التحايا..

Post: #115
Title: الأستاذ محمود يقول بأن المسيح المنتظر ليس هو سيدنا عيسى الإسرائيلي..
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-12-2007, 02:19 PM
Parent: #114

الأخ عبد الله وكل المتابعين،

تحية وسلاما

المسيح الذي يختم الرسالة ليس هو المسيح الإسرائيلي!!

في الوصلة أعلاه حوار بيني وبين الأخ كمال فرانكلي أحب أن أنقل قولي فيه إلى هنا..

ياسر

Post: #116
Title: Re: الأستاذ محمود يقول بأن المسيح المنتظر ليس هو سيدنا عيسى الإسرائيلي..
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-16-2007, 11:07 PM
Parent: #115

يا أيها المتدلي من حضرة المتجلي
غثني بحل وثاقي خذني إليك بذل

الكون فيك يصلي وأنت فيه تصلي
والصوم عندك بعد عن السوى وتخل
والحج وقفة عبد حر بكل محل


في سبيل المزيد من "البرم" لهذا الخيط الرفيع!

Post: #117
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-17-2007, 05:52 AM
Parent: #1


الأحباء الكُتاب :
ياسر
أسامة
حيدر


تحية تتقافز إلى محبتكم ، وصدق المُفاكرة .
والشكر مكرر لك عزيزنا الأستاذ ياسر على إيراد النصوص
التي تُشير لرؤيا الأستاذ محمود ، وصفاء حديثه ،
وتعقيد مستوى حديث المتصوفة
وغطسه بين البيان وبين العُمق .
التحية لكل ما كُتب هُنا وسنعود بعد القراءة الدقيقة .

الشكر لكم مُجدداً


Post: #118
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-17-2007, 06:41 AM
Parent: #117

عزيزي الشقليني في اتنظارك
ودعني ،حتى أعود،اطرح السؤال التالي:
لماذا تحول الاخوان الجمهوريون من جماعة تدعو الى ردم الهوة بين الاسلام الحالي ،
و القرن العشرين،كما ظهر ذلك في الرسالةالثانية،
الى جماعة هي اشبه بالجماعات الصوفية في سمتها التقليدي؟
محبتي حتى عودتي
المشاء

Post: #119
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-17-2007, 09:02 AM
Parent: #118

الأخ العزيز أسامة الخواض،

سلامات ومرحب بعودتك لهذا الخيط..

قولك:

Quote: لماذا تحول الاخوان الجمهوريون من جماعة تدعو الى ردم الهوة بين الاسلام الحالي ،
و القرن العشرين،كما ظهر ذلك في الرسالةالثانية،
الى جماعة هي اشبه بالجماعات الصوفية في سمتها التقليدي؟


هل لك أن تفصل قليلا أو على الأقل تذكر لنا متى، وكيف، في تقديرك، تحول الأخوان الجمهوريون من جماعة تدعو إلى ردم الهوة بين الإسلام والقرن العشرين إلى جماعة هي أشبه بالجماعات الصوفية التقليدية؟؟ وهل تقصد في زمن الأستاذ محمود أم بعد ذلك؟؟
ولك الشكر

ياسر

Post: #120
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 02-18-2007, 04:23 AM
Parent: #119

عزيزي د.ياسر،

تحيتي ومودتي،
فهمت من سؤال الأخ أسامة أنه يعني أننا أصبحنا جماعة أشبه ما تكون بالجماعات المتصوفة يوم توقفت حركتنا كتنيظم ديني-فكري-إنساني، كان يعمل في اتجاه ردم الهوة بين الإسلام والحداثة. وتجدني أتفق معه على فهمه هذا. ذلك لأن جل الجمهوريين في الوقت الراهن لا يتعدى نشاطهم الإنشاد العرفاني والأنشطة الاجتماعية في التواصل والبر. هذا بالطبع هام، وطيب، وقد كان قائماً قبل استشهاد الأستاذ محمود محمد طه بعمق أكبر لأن الفكر كان يكلل كل عمل نقوم به. ولا أحد يطالب بتقليص العمل الشعوري، الذي يمثل الانشاد ركناً هاماً من أركانه، بمثلما تمثل زياراتنا لبعضنا البعض وتواددنا المشهود له بتجسيد الكثير من القيم والمعاني الإنسانية. المرفوض، جملةً، هو حذف جوهر كيان الجمهوريين في الاسهام في الثورة الفكرية والثقافية. المرفوض هو حذف حياة الفكر من معادلة الجمهوريين التي تقوم على حياة الفكر وحياة الشعور. وأنت تعلم بأنه لا حياة شعور ناجعة بغير حياة فكر ناجعة! ولا يطير طائر بجناح واحد مهما تكاثف الريش في ذلك الجناح! والجمهوريون اليوم مهيضي الجناح. والجناح المهيض هو جناح الفكر!

تنظيم الجمهوريين قائم، بالطبع، من الناحية العملية، ولكنه غير قائم في أذهان البعض منا. هو قائم لأن هناك قيادة يرجع لها، ويتم اللقاء عندها. وهذه القيادة هي التي تصرف الكثير من الشؤون، مثل إدارة جلسات الإنشاد مثلاً، وبعض الشؤون الأخرى. ولكن بعضنا يصر على أن التنظيم قد حل. وهو قد حل شفاهة، ولم يحل من الناحية الهيكلية. الواقع أنه لم يحل إلا بالمعنى الذي به أنه قد تحلل من العمل الفكري والسياسي وترسيخ المنابر الحرة. أما من حيث الهيكل الاجتماعي فإن التنظيم قائم. فكأنما آثرت قياداتنا أن تمارس القيادة دون أن تتحمل أي مسؤليات فكرية. وهذا عين الأزمة في مجتمعنا. وإن لم نعترف بأصل الأزمة فإننا سنظل نرواح مكاننا.

هذا الوضع المؤسف يتقاصر تقاصراً كبيراً عما جمعنا في الأصل، وهو الفكر الحر! وهذا بالفعل يجعلنا لا نتميز على أي جماعة صوفية، طائفية، معطوبة الفكر. قليلون هم من ينشطون فكرياً وثقافياً وسياسياً من الجمهوريين. فكأنما أوقف الجمهوريون البناء على إرث الأستاذ محمود في التضحية بالنفس لأجل تعميق حياتي الفكر والشعور في أرجاء كوكبنا هذا الحزين

من أوجب واجباتنا في الوقت الراهن، في تقديري، أن نشخص داءنا، إذ لا مداواة فاعلة دون معرفة الداء، وأنت الطبيب الذي لا يحتاج لمثل هذا القول. يجب أن نعترف بصحة ما يلاحظه عنا المثقفون من أبناء شعبنا الأذكياء، من أمثال الأخ الكريم أسامة، وأن نؤكد أنه حق لا يجب أن نماريهم فيه.


عزيزي أسامة،
تحيتي ومودتي،
ورجائي أن تصححني إن كنت لم أفهمك على الوجه الذي أردته.

Post: #121
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-18-2007, 05:41 AM
Parent: #120

عزيزي ياسر
اعتقد ان الدكتور حيدر قد لخص تلخيصا وافيا كثيرا مما ورد في ذهني اثناء صياغة سؤالي .
محبتي
ونرجو ان نعود قريبا حال اكتمال المداخلة.
المشاء

Post: #122
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-18-2007, 12:45 PM
Parent: #1

الأخ أسامة والأخ حيدر،

تحية طيبة

سأعود بالتعليق ولكن ربما يكون في هذه المداخلة ما يفيد في هذا البوست..

وجه الشبه بين المسيح عيسى بن مريم وبين الأستاذ محمود!!!

ياسر

Post: #123
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله عثمان
Date: 02-18-2007, 10:34 PM
Parent: #1


I was born intelligent -
Education ruined me.

http://switch5.castup.net/frames/20041020_MemriTV_Popup...4&ar=1363wmv&ak=null

Post: #124
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-18-2007, 11:16 PM
Parent: #1

شكرا أخي عبد الله على هذا اللنك الذي يذكرنا بغاندي السوداني:
الاستاذ محمود محمد طه
محبتي
المشاء

Post: #125
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-19-2007, 02:28 PM
Parent: #124

سلام للجميع، خاصة صاحب البوست الأخ عبد الله الشقليني..

لا زلت أنتظر يا أسامة مداخلتك.. ولكن ريثما تعود يمكن أن أضع وصلة هذه المداخلة من بوست الأخ أبو الريش وذلك لمناسبتها هنا في موضوع نقد مواقف الفكرة الجمهورية الذي طرحه الأخ الباقر موسى..
موقف الاستاذ محمود من الإستبداد والظلم!!!

وهي تلمس بعض الأمور التي ذكرتها أنت وقلت أن دكتور حيدر قد فصل فيها بمثل ما كنت تنوي أن تفعل.. ولكنك وعدت بالعودة وأحب أن أذكِّرك بأن سؤالي لا يزال قائما: متى وكيف تحول الجمهوريون إلى ما يشبه الطائفة الصوفية في تقديرك؟؟ لو كان ذلك بعد زمن الأستاذ فهو لا يعنيني كثيرا إذ أنني معني بالتعريف بالفكرة والحركة الجمهورية قبل حدث الثامن عشر من يناير وذلك ببسط الوثائق والمصادر.. حديث الأخ حيدر في مسألة التنظيم لا أود المشاركة فيه لأن موقفي الخاص هو العمل على التعريف ونقاش محتوى الفكرة مع المثقفين..

وشكرا
ياسر

Post: #126
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-22-2007, 07:46 AM
Parent: #125

عزيزي ياسر
اعتقد ان تحول الفكرة الجمهوريةالى طريقة صوفية،
بدأ بالاستعداد لتجلي الاستاذ ،
والترويج عبر منابر الحوار الى مسالة ،
سنسمه بالخرطوم،
و انتهاء بموقف شهدته قبل استشهاد الاستاذ،
وهو موقف الاستاذ دالي،
الذي ذكر ان الاستاذ لن يعدم،
وستشهدون ذلك،
و منذ استشهاد الاستاذ ،
صمت دالى .
وهذا ايضا ما يقول به كثيرون من انصار الفكرة.
كون ان الاستاذ استشهد،
وهذا يعني نهاية التنظيم،
فهذا يعني ان الامر ،عند معظم الملتزمين،
لم يتحقق كما يرون،
وبالتالي ظهرت فكرة عودة صاحب الشأن.
لكن كل ذلك يعني ان الاخوان الجمهوريين قد اختفوا تقريبا من المسرح الاجتماعي السياسي
محبتي
وساعود لعلاقة محمود محمود طه كمفكر بفكرة جاهلية القرن العشرين.
كنت ارغب في كتابة مداخلة "شحمانة"،
لكنني ،لم اتمكن من فعل ذلك وسأشير الى رؤوس مواضيع.
المشاء

Post: #127
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-22-2007, 07:55 AM
Parent: #126

سأبدأ برؤوس مواضيعي،
وأول تلك الموضوع هو موضوع الجاهلية.
ومن ضمن ذلك جاهلية القرن العشرين التي تطرق اليها الاستاذ محمود،
وسنحاول ان نرى الفرق بين مفهوم الاستاذ لمصطلح الجاهلية وبين المفهوم المركز الذي تأسس في الخطاب الاسلامي المعاصر.
وسنبدا بكلام حول اصل مفهوم الجاهلية وتطور ذلك المفهوم.
يطرح الباحث هشام جعفر مفهوم الجاهلية من خلال وجود تيارين،
قائلا:
التيار الاول:
نظر إلى الجاهلية باعتبارها فترة انقضت ولا يمكن تكرارها، فهي تصف حالة مكانية زمانية محددة، وتنطبق فقط على المشركين من القبائل العربية قاطني الجزيرة العربية قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم
الثاني: وهو اتجاه في الفكر الإسلامي المعاصر والحديث يذهب إلى اعتبار الجاهلية حالة موضوعية تقوم متى توافرت مجموعة من السمات والخصائص في فرد أو مجتمع أو نظام؛ بصرف النظر عن مكانه أو زمانه.
وقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (1115-1206هـ/1703-1791) أول من استخدم المفهوم بهذا المعنى في رسالة صغيرة الحجم سماها مسائل الجاهلية، وليس أبا الأعلى المودودي كما هو شائع
- وإذا كان منشأ "الجاهلية" كحالة موضوعية في الفكر الإسلامي الحديث عربيًا، فإن تطويراتها التالية قد جاءت من الهند، ويرجح الكاتب أن المفهوم قد انتقل الى الهند" من خلال طبع رسالة ابن عبد الوهاب في فترة مبكرة بها.
- ويرى ان المودودي"1903-1979م) اعتبر الجاهلية"منهج حياة يضاد ويتناقض مع منهج الإسلام في الحياة، ونظرته لله وما وراء الطبيعة والكون والإنسان والحياة أو بتعبيره "مسائل الحياة الأساسية".
الجاهلية في هذا الطور طرحت ليس فقط لوصف حال المسلمين الذين انحرفوا عن الإسلام، وإنما أيضا لمواجهة الحضارة الغربية الغازية بفلسفتها وقيمها وتصوراتها الكلية لله والإنسان والكون والحياة،
- ثم يتحدث عن أنواع الجاهلية عند المودودي:
- الجاهلية المحضة وهي جاهلية الحضارة الغربية،
- وجاهلية الشرك وهي جاهلية مشركي العرب وبعض المسلمين الذين يأتون ببعض المظاهر الشركية كالتوسل بالمقبورين وغير ذلك،
- وأخيرًا تأتي جاهلية الرهبانية لوصف انحراف وضلال أهل الكتاب، وبعض متصوفي المسلمين.
- ثم يتحدث عن ابي الحسن الندوي:
-
ويمكن أن يكون كتاب أبي الحسن الندوي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟" والذي صدر بالعربية (1950م) تعبيرًا عن ذلك الطور أيضًا، فقد استخدم الجاهلية لوصف الحال التي كانت عليها الإنسانية قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم وسمى ذلك "العصر الجاهلي"، ثم تحدث عن استمرار النزعات الجاهلية في رجال الحكومة في عصر الانحطاط الإسلامي، ثم يختتم كتابه بالحديث عن اتجاه العالم بأسره إلى الجاهلية ومنه العالم الإسلامي أيضًا.
- ثم يتحدث عن اثر قطب في توطين ذلك المصطلح :
ثم تأتي المدرسة القطبية لتدخل المفهوم في بنية الفكر الإسلامي الحديث أو لتجعله مثار معركة بين المؤيدين له أو المعارضين أو المتحفظين عليه

وسنعود لتسليط الضوء على مفهوم سيد قطب ومحمد قطب لجاهلية القرن العشرين
.

Post: #128
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-23-2007, 03:30 PM
Parent: #1

في هذه المداخلة مع الأخ حيدر بدوي الكثير مما أود أن أضيفه للنقاش هنا:

Re: هل الأستـاذ محمـود محمـد طـه مســـؤول عن عقي... الجمهـوريين فيـه؟
وكذلك هذه المداخلة مع الأخر عمر بوب:
سوء استخدام الدين من أجل سلب الحريات الأساسية!! النتيجة هي دمار السودان!!
..
وكذلك هذه المداخلة مع الأخ الباقر موسى
Re: هل الأستـاذ محمـود محمـد طـه مســـؤول عن عقي... الجمهـوريين فيـه؟
...


وسلام للجميع..

Post: #129
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-23-2007, 06:12 PM
Parent: #1





الأحباء هنا والكتاب :

أسامة
ياسر
حيدر

تحية لكم ، وكثير من التقدير لما رُصد من مباحث
وأعتذر عن تأخري بسبب مشاغل ليس لدي يد فيها :
منها ما يتعلق بالعمل ، ومنها ما يتعلق بسكرتارية
( بوضع اليد ) لمنتدى السودان الفكري للأحباء
في أبو ظبي ، والحصار كل اثنين نقدم عملاً
في دار السودانيين بأبو ظبي .....
كم من المسؤوليات أتمنى أن أتفرغ بعدها
للمُداخلة التي وعدت بها ،
وعذراً سوف أكون عما قريب ... وأنا أتابع
الرصد المُتمهِل لمسألة الجاهلية التي وردت في
عدة رؤى إسلامية مُعاصرة .



Post: #130
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-24-2007, 04:18 AM
Parent: #129

مرحبا بعودة صاحب الحوش الصغير،
و الكبير بما يحتويه.
ساعود غدا،
بعد ان الملم شمل الفايلات المتناثرة،
لاواصل رؤوس مواضيع عن الجاهلية بين مفهوم سيد قطب ومفهوم الاستاذ.
و سأنشر تلك الرؤوس على علاتها،
آملا ان اتمكن من الاشتغال عليها في وقت لاحق.
المشاء

Post: #131
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-24-2007, 09:28 AM
Parent: #130

مقاربتنا لمفهوم "جاهلية القرن العشرين"،
مرتبطة بما أثرناه في وقت سابق ،
حول ان الاستاذ لا يشير صراحة الى مراجعه.
وفي المرات القليلة التي اشار فيها الى مراجعه،
نجد ان ذلك ليس بمثل الاهمية،
التي ينبغي ان يشار اليها ،كما في مصطلحات كثيرة ،
تعامل معها الاستاذ ،إما بتبنيها ،
كما في حالة الثورة الثقافية،
في اشارة واضحة الى الثورة الثقافية التي قام بها ماو تسي تونغ في الصين،
او تحويرها،
كما في حديثه عن الشيوعية العلمية،
و الكبت ،و اللاشعور،
والمصطلحان الاخيران يرتبطان بعلم النفس الفرويدي و تفرعاته.
وسنعود
المشاء

Post: #132
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-26-2007, 09:00 AM
Parent: #131

نعود للحديث عن مفهوم سيد قطب للجاهلية،
وهو مفهوم نثره في كتابات متعددة من خلال تفسيره للقرآن ،
ومن خلال كتابه الاساس :
معالم في الطريق
و الذي كان مانفستو حماعات التكفير والهجرة وهجر المجتمعات الاسلامية القائمة
في كتابه معالم في الطريق
يتحدث سيد قطب في مقدمة الكتاب عن نوعين في التاريخ الانساني كله:
يقول في ذلك:
الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات . . . مجتمع إسلامي ، ومجتمع جاهلي
ثم يقول في تعريف المجتمع الإسلامي والمجتمع الجاهلي :
ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناساً ممن يسمون أنفسهم مسلمين ، بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع ، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام ! وليس المجتمع الإسلامي هو الذي يبتدع لنفسه إسلاماً من عند نفسه - غير ما قرره الله سبحانه ، وفصله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويسميه مثلاً الإسلام المتطور !
ثم يقول في تعريف المجتمع الجاهلي:
. فأما حين تكون المادة - في أية صورة - هي القيمة العليا . . سواء في صورة النظرية كما في التفسير الماركسي للتاريخ ! او في صور الإنتاج الفكري كما في أمريكا وأوربا وسائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي قيمة عليا تهدر في سبيلها القيم والخصائص والإنسانية . . فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متخلفاً . . أو بالمصطلح الإسلامي مجتمعاً جاهلياً !
جاهلي قد يتمثل في صور شتى - كلها جاهلية - :
قد يتمثل في صورة مجتمع ينكر وجود الله تعالى ، ويفسر التاريخ تفسيراً مادياً جدلياً ، ويطبق ما يسميه الاشتراكية العالمية نظاماً .
وقد يتمثل في مجتمع لا ينكر وجود الله تعالى ، ولكن يجعل له ملكوت السماوات ، ويعزله عن ملكوت الأرض ، فلا يطبق شريعته في نظام الحياة ، ولا يحكم قيمه التي جعلها هو قيماً ثابتة في حياة البشر ، ويبيح للناس أن يعبدوا الله في البيع والكنائس والمساجد ، ولكنه يحرم عليهم أن يطالبوا بتحكيم شريعة الله في حياتهم ، وهو بذلك ينكر أو يعطل ألوهية الله في الأرض
ثم يقدم تعريفا من عنده للحضارة حين يقول:
حين تكون الحاكمية العليا في مجتمع لله وحده - متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية - تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً من العبودية للبشر . . وتكون هذه هي الحضارة الإنسانية لأن حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان ، ومن الكرامة المطلقة لكل فرد في المجتمع . ولا حرية - في الحقيقة - ولا كرامة للإنسان - ممثلاً في كل فرد من أفراده - في مجتمع بعضه أرباب يشرعون وبعضه عبيد يطيعون !
ثم يمضي قائلا:
وحين تكون القيم الإنسانية و الأخلاق الإنسانية التي تقوم عليها ، هي السائدة في مجتمع ، يكون هذا المجتمع متحضراً
وما هي تلك الأخلاق التي يقوم عليها المجتمع المتحضر؟
يقول في تعريفها:
وحين تكون القيم الإنسانية و الأخلاق الإنسانية التي تقوم عليها ، هي السائدة في مجتمع ، يكون هذا المجتمع متحضراً . والقيم الإنسانية والأخلاق الإنسانية ليست مسألة غامضة مائعة وليست كذلك قيماً متطورة متغيرة متبدلة ، لا تستقر على حال ولا ترجع إلى أصل ، كما يزعم التفسير المادي للتاريخ ، وكا تزعم الاشتراكية العلمية !
إنها القيم والأخلاق التي تنمي في الإنسان خصائص الإنسان التي يتفرد بها دون الحيوان ، والتي يغلب فيه هذا الجانب الذي يميزه ويعزوه عن الحيوان ، وليست هي القيم والأخلاق التي تنمي فيه وتغلب الجوانب التي يشترك فيها مع الحيوان .
ثم يقول مفصلا عن المقومات الاخلاقية للحضارة :
مقومات هذه الحضارة: ( العبودية لله وحده. والتجمع على آصرة العقيدة فيه . واستعلاء إنسانية الإنسان على المادة . وسيادة القيم الإنسانية التي تنمي إنسانية الإنسان لا حيوانيته . . وحرمة الأسرة . والخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه . . وتحكيم منهج الله وشريعته وحدها في شؤون هذه الخلافة ) . .
ويستثني سيد قطب كل المجتمعات من صفة التحضر ما عدا مجتمع واحد.
يقول في ذلك:
إن تلك القيم التي أشرنا إليها إجمالاً هي قيم الإنسان ، لم تبلغها الإنسانية إلا في فترة الحضارة الإسلامية
وعن الوضع الحالي يقول سيد قطب:
فنحن اليوم لسنا أمام قضية واقعة، لسنا أمام دولة مسلمة وإمامة مسلمة وأمة مسلمة تجاهد في سبيل الله، ثم تقع لها غنائم تحتاج إلى التصرف فيها! لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية أول مرة؛ ورجع الناس إلى الجاهلية التي كانوا عليها، فأشركوا مع الله أربابا أخرى تصرف حياتهم بشرائعها البشرية!
راجع مقال القرضاوي في اسلامأونلاين:
هل يكفّر "سيد قطب" مسلمي اليوم؟
ليس هناك مجتمع إسلامي ذو كيان قائم!
http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2004/05/article01c.shtml
*وفي عدم احتقار المادة يقول ومكانتها ضمن المجتمع المتحضر يقول:
إن المجتمع المتحضر الإسلامي. . لا يحتقر المادة ، لا في صورة النظرية ( باعتبارها هي التي يتألف منها هذا الكون الذي نعيش فيه ونتأثر فيه ونؤثر فيه أيضاً ) ولا في صور الإنتاج المادي . فالإنتاج المادي من مقومات الخلافة في الأرض عن الله ، ولكنه فقط لا يعتبرها هي القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص الإنسان ومقوماته ! . . وتهدر من أجلها حرية الفرد وكرامته . وتهدر فيها قاعدة الأُسرة ومقوماتها ، وتهدر فيها أخلاق المجتمع وحرماته . . إلى آخر ما تهدره المجتمعات الجاهلية من القيم العليا والفضائل والحرمات لتحقق الوفرة في الإنتاج المادي !
ويقول في مكان آخر:
ولكن الإسلام - كما أسلفنا - لا يحتقر المادة ، ولا يحتقر الإبداع المادي ، إنما هو يجعل هذا اللون من التقدم - في ظل منهج الله - نعمة من نعم الله على عباده ، يبشرهم به جزاء على طاعته
ويعمم سيد قطب الجاهلية على كل المجتمع الانساني المعاصر بما في ذلك المجتمعات المسلمة جوازا -كما يري –يقول في ذلك:

*: **عن تعريف الجاهلية عند سيد قطب:
ولكن ما هو "المجتمع الجاهلي"؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته؟
"إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم! وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا: إنه هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده.. متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية..
وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار "المجتمع الجاهلي" جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلا!!
تدخل فيه المجتمعات الشيوعية.. أولا: بإلحادها في الله -سبحانه- وبإنكار وجوده أصلا، وإرجاع الفاعلية في هذا الوجود إلى "المادة" أو "الطبيعة"، وإرجاع الفاعلية في حياة الإنسان وتاريخه إلى "الاقتصاد" أو "أدوات الإنتاج"، ثانيا: بإقامة نظام العبودية فيه للحزب -على فرض أن القيادة الجماعية في هذا النظام حقيقة واقعة!- لا لله سبحانه!
وتدخل فيه المجتمعات الوثنية وهي ما تزال قائمة في الهند واليابان والفلبين وأفريقية؛ تدخل فيه أولا: بتصورها الاعتقادي القائم على تأليه غير الله -معه أو من دونه- وتدخل فيه ثانيا: بتقديم الشعائر التعبدية لشتى الآلهة والمعبودات التي تعتقد بألوهيتها.. كذلك تدخل فيه بإقامة أنظمة وشرائع، المرجع فيها لغير الله وشريعته. سواء استمدت هذه الأنظمة والشرائع من المعابد والكهنة والسدنة والسحرة والشيوخ، أو استمدتها من هيئات مدنية "علمانية" تملك سلطة التشريع دون الرجوع إلى شريعة الله..
وتدخل فيه المجتمعات اليهودية والنصرانية في أرجاء الأرض جميعا.. تدخل فيه هذه المجتمعات أولا: بتصورها الاعتقادي المحرف الذي لا يفرد الله -سبحانه- بالألوهية بل يجعل له شركاء في صورة من صور الشرك، سواء بالبنوة أو بالتثليث، أو بتصور الله سبحانه على غير حقيقته، وتصور علاقة خلقه به على غير حقيقتها.
وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها "مسلمة"!
وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها. فهي -وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله- تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله؛ فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها، وشرائعها وقيمها، وموازينها، وعاداتها وتقاليدها. وكل مقومات حياتها تقريبا!
كما أنه -سبحانه- قد وصف اليهود والنصارى من قبل بالشرك والكفر والحيدة عن عبادة الله وحده، واتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دونه؛ لمجرد أن جعلوا للأحبار والرهبان ما يجعله الذين يقولون عن أنفسهم إنهم "مسلمون" لناس منهم! واعتبر الله سبحانه ذلك من اليهود والنصارى شركا كاتخاذهم عيسى ابن مريم ربا يؤلهونه ويعبدونه سواء. فهذه كتلك خروج من العبودية لله وحده؛ فهي خروج من دين الله، ومن شهادة أن لا إله إلا الله.
وهذه المجتمعات بعضها يعلن صراحة "علمانيته" وعدم علاقته بالدين أصلا، وبعضها يعلن أنه "يحترم الدين"، ولكنه يخرج الدين من نظامه الاجتماعي أصلا، ويقول: إنه ينكر "الغيبية" ويقيم نظامه على "العلمية"؛ باعتبار أن العلمية تناقض الغيبية! وهو زعم جاهل لا يقول به إلا الجهال، وبعضها يجعل الحاكمية الفعلية لغير الله ويشرع ما يشاء، ثم يقول عما يشرعه من عند نفسه: هذه شريعة الله!.. وكلها سواء في أنها لا تقوم على العبودية لله وحده..
وإذا تعين هذا فإن موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها في اعتباره.
إن الإسلام لا ينظر إلى العنوانات واللافتات والشارات التي تحملها هذه المجتمعات على اختلافها.. إنها كلها تلتقي في حقيقة واحدة.. وهي أن الحياة فيها لا تقوم على العبودية الكاملة لله وحده. وهي من ثم تلتقي -مع سائر المجتمعات الأخرى- في صفة واحدة.. صفة الجاهلية

Post: #133
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 02-28-2007, 08:26 AM
Parent: #132

لمزيد من القراءة
المشاء

Post: #134
Title: بين تلاميذ المسيح وتلاميذ الأستاذ محمود!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-28-2007, 05:15 PM
Parent: #1

سلام للجميع..

تذكرت مداخلتك الأولى في هذا البوست يا عزيزي عبد الله الشقليني عندما قرأت اليوم بوستا آخر وعلقت عليه هنا:
Re: فيلم وثائقي عن اكتشاف "قبر المسيح" و"...; يثير جدلا واسعا!!!
وكتبت نفس التعليق في موقع العربية ولا أدري إذا كانوا سينشرونه أم لا..
http://www.alarabiya.net/Articles/2007/02/27/32108.htm
وقد كتبت فيها:

الفهم الإسلامي التقليدي بحسب ظاهر الآية التي تقول[وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم] لا يختلف كثيرا عن الفهم المسيحي التقليدي.. كلاهما يقول بأن المسيح قد رفعه الله إليه.. المسلمون يفهمون أن الرفع قد تم بدون موت وقتل وصلب، والمسيحيون يقولون بأن الرفع قد تم بعد الموت والصلب والقيامة..
الفهم الذي أراه مقنعا هو أن القتل والصلب قد حدثا وأن الرفع قد حدث بالرغم من ظاهر الموت ويسند ذلك بعض الآيات مثل قوله تعالى: "وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)" سورة مريم.. وقوله تعالى: "إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)" سورة آل عمران..
إذن حتى لو وجدت بقايا جسد المسيح في قبر فإن ذلك لا ينفي أنه قد رفع. ولكنه ينسف العقيدة المسيحية بأن الجسد نفسه قد اختفى من القبر بحسب روايات الإنجيل وبحسب كتب التفاسير التي تقول بأن الله قد رفع جسده إليه وألقى شبهه على إنسان آخر..
النظريات التي تقول بأن السيد المسيح قد أنجب من مريم المجدلية كلها تقوم على فرضية وجود القبور هذه وهي فرضية ضعيفة جدا..

قلت في مداخلتك الأولى:

Quote: ـ أنت تقول إني زنديق !. فقد ولدت أنا لأشهد للحق .

قالوا لِحَمَل الذبح :

ـ ألك أمنية ؟

قال : أمنيتي واحدة .

قالوا :

ـ أتشرب كأساً من مُخدر ، فبين فينة الحضور والمغادرة لن تقدر على ألم الفراق ؟
تبسَّم وقال :

ـ أمنيتى ، أكشفوا وجهي لأرى أُمة مُحمد ، قد صدق المولى وعده . أما أنت يا حبيبنا ( عبد اللطيف ) فستنكِرني قبل صياح الديك ثلاثاً . اللهم اغفر لهم جميعاً . من يَتزود ويرشُف رحيق الحقيقة العِرفاني ، فإنه كادح إلى ربه فملاقيه .


وهي مقاربة ترمي إلى أن تقارن بين موقف الحواري القديس بطرس أكبر تلاميذ السيد المسيح وبين موقف الأخ الأستاذ عبد اللطيف.. هناك أوجه شبه وأوجه اختلاف.. فمن أوجه الإختلاف أن إنكار القديس بطرس معرفته بمعلِّمه قد كانت قبل حادثة استشهاد المسيح على الصليب، أما مهزلة إستتابة الأخ عبد اللطيف عمر والأربعة الأخرين فقد تمت بعد استشهاد الأستاذ محمود على حبل المشنقة التي كانت تنتظرهم جميعا بحسب منطوق الحكم على خمستهم..
ما ترويه الأناجيل هو أن المسيح قد قال لتلاميذه أنهم كلهم سوف يشكُّون فيه في تلك الليلة، ليلة القبض عليه، بمعنى أنهم سوف يشكُّون في أنه المسيح المُخلِّص ويتركونه.. فقد جاء مثلا في إنجيل متَّى إصحاح 26:

Quote: 31وقالَ لهُم يَسوعُ: "في هذِهِ اللَيلَةِ ستَترُكوني..كُلٌّكُم، فالكِتابُ يَقولُ: سَأضرِبُ الرّاعيَ، فتَتَبدَّدُ خِرافُ القَطيعِ. 32ولكِنْ بَعدَ قيامَتي مِنْ بَينِ الأمواتِ أسبُقُكُم إلى الجليلِ". 33فقالَ بُطرُسُ: "لَو تَركوكَ كُلٌّهُم، فأنا لن أترُكَكَ". 34فقالَ لَه يَسوعُ: "الحقَّ أقولُ لكَ: في هذِهِ اللَّيلَةِ، قَبلَ أن يَصيحَ الدّيكُ، تُنكِرُني ثلاثَ مرّاتٍ". 35فأجابَهُ بُطرُسُ: "لا أُنكِرُكَ وإنْ كانَ علَيَّ أن أموتَ معَكَ". وهكذا قالَ التَّلاميذُ كُلٌّهُم.


وفي موضع تالٍ لهذا تقول رواية متَّى أن الجنود الرومان بصحبة رؤساء الكهنة اليهود قد جاءوا ليلا وقبضوا على يسوع بإرشاد أحد تلاميذه وهو يهوذا:

Quote: 48وكانَ الَّذي أسلَمَهُ أعطاهُم عَلامَةً، قالَ: "هوَ الَّذي أُقبَّلُهُ، فأمسِكوهُ!" 49ودَنا يَهوذا في الحالِ إلى يَسوعَ وقالَ لَه: "السَّلامُ علَيكَ، يا مُعَلَّمُ!" وقَبَّلَهُ. 50فقالَ لَه يَسوعُ: "اَفعَلْ ما جِئتَ لَه. يا صاحِبـي!" فتَقدَّموا وألقَوا علَيهِ الأيدي وأمْسكوهُ. 51ومَدَّ واحدٌ مِنْ رِفاقِ يَسوعَ يدَهُ إلى سَيفِهِ واَستلَّهُ وضرَبَ خادِمَ رئيسِ الكَهنَةِ، فقَطَعَ أُذُنَهُ. 52فقالَ لَه يَسوعُ: "رُدَّ سيفَكَ إلى مكانِهِ. فمَنْ يأخُذْ بالسّيفِ، بالسّيفِ يَهلِكُ. 53أتظُنٌّ أنَّي لا أقدِرُ أنْ أطلُبَ إلى أبـي، فيُرسِل لي في الحالِ أكثَرَ مِنْ اَثنَي عشَرَ جَيشًا مِنَ المَلائِكَةِ؟ 54ولكِنْ كيفَ تتِمٌّ الكُتبُ المقدَّسةُ التي تَقولُ إنَّ هذا ما يَجبُ أنْ يَحدُثَ؟"

55وقالَ يَسوعُ لِلجُموعِ: "أعَلى لِصٍّ خَرَجتُم بسُيوفٍ وعِصِيٍّ لتأخُذوني؟ كُنتُ كُلَ يومِ أجلِسُ مَعكُم في الهَيكَلِ أعَلَّمُ، فَما أخذتُموني. 56ولكِنْ حدَثَ هذا كُلٌّهُ لِتَتِمَّ كُتبُ الأنبـياءِ". فتَركَهُ التَّلاميذُ كُلٌّهُم وهرَبوا.


الشاهد في الأمر أن القديس بطرس قد ندم على إنكاره لمُعلِّمهِ، وعاد بعدها وكان هو التلميذ الذي عمل على نشر كلمة المسيحية وتقول الروايات أنه قد تعرض أيضا للقتل بواسطة الرومان في عام 65.. لا أستطيع أن أسمِّي موقف الأخ عبد اللطيف إنكارا وهذا يشهد عليه الحوار الذي تم بينه وبين فريق مهزلة الإستتابة إذ كان محور الحديث هو مسألة الأصالة، ومسألة الإنسان الكامل وما إلى ذلك وقد اتضح للأخ عبد اللطيف أن غرض المهزلة هو محاكمة الفكرة الجمهورية في أشخاص تلاميذها والتعريض بها فأراد أن يضع حدا لذلك ودفع من كرامته في هذا السبيل وهذا لعمري أصعب من أن يدفع الإنسان حياته.. وقد كان موقف قيادة التنظيم ممثلة في الأستاذ سعيد الذي زار الأخوان الأربعة في السجن صباح السبت 19 يناير، قبل جلسة مهزلة الإستتابة، هو أنه أقرهم على ما أجمعوا عليه الرأي من كتابة تنازل عن موقفهم في المحكمة وذلك لرفع عقوبة القتل عنهم بعد تنفيذ الحكم على الأستاذ.. قد يجادل الناس في صحة هذا الموقف ولكن لا أحد يحق له أن ينتظر من الآخرين أن يموتوا بالنيابة عنه، أو عن الفكرة الجمهورية، خاصة أن الأستاذ محمود لم يطالب أحدا بأن يموت في سبيل الدعوة، وإنما قد قال بالحرف أن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله.. الشاهد في الأمر أن الأستاذ سعيد ومن بعده الأستاذ جلال الدين الهادي، قد سارا في طريق حفظ كيان الجمهوريين إلى أن لحقا بالرفيق الأعلى في عام 2002، ثم جاء من بعدهما الأستاذ عبد اللطيف ولا يزال يسير في طريق الصبر على المكاره والعمل على حفظ كيان الجمهوريين.. حفظ كيان الجمهوريين كان من نتائجه حفظ تراث الفكرة وخروجها إلى العالمية كما نلاحظ وذلك بفضل الله ثم بفضل شبكة الإنترنيت ومواقع الحوار مثل هذا المنبر..

Post: #135
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-01-2007, 06:17 PM
Parent: #1

الأحباء هنا جميعاً
وأخص الكتاب :
أسامة
ياسر
حيدر

تشعب الأمر في غيبتي ، وأملي الإضافة على الثراء الضافي الذي نـزل علينا من بصائر شغلها الفِكَر . سأحاول أن أورد في كل منـزلة بعض رؤاي دون ترتيب :

جلسة الصفاء ، ومورد الفِكر :

اعتاد المتصوفة الحديث عن وثوق ، بغير ما نراه عند البحَّاثة ورجوعهم إلى التوثيق وأسانيد النصوص وغربلتها :
المثال الأول ( من الحلاج ) :



ورد عن الحلاج وفق ما ورد في ديوان الحلاج الذي جمعه وقدم له الدكتور سعدي ضناوي ( ص 156 ) ـ 6 ـ طاسين الأزل والالتباس في فهم الفهم في صحة الدعاوى بعكس العكس :

[ ـ ما صحت الدعاوى لأحد إلا لإبليس وأحمد ( صلعم ) ، غير أن إبليس سقط عن العين وأحمد ( صلعم ) كُشف له عن عين العين .
ـ قيل لإبليس ( أُسجد ) ولأحمد ( أُنظُر ) ، هذا ما سجد وأحمد ما نظر ، ما التفت يميناً ولا شمالاً { ما زاغ البصر وما طغى}صورة النجم 17

ـ أما إبليس فإنه ادعى تكبره ورجع إلى حوله .
ـ وأحمد ادعى تضرعه ورجع عن حوله .
بقوله ( بك أحول ، وبك أصول ) وبقوله ( يا مقلب القلوب ) وقوله ( لا أُحصي ثناءً عليك )
ـ ما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس . حيث أُلبس عليه العين ، و هجر اللحوظ والألحاظ في السر ، وعبد المعبود على التجريد . ولُعِن حين وصَل إلى التفريد ، وطُرد حين طلب المزيد . فقال له ( اسجد ) قال ( لا غير ) ، وقال له { إن عليك لعنتي } سورة ص 78 ، قال : لا ضير ، ما لي غيرك سبيل ، وإني مُحبٌ ذليل .


المثال الثاني ( من الأستاذ محمود ) :
كما تفضل الكاتب أسامة الخواض من عدم التقيد برصد المراجع في نصوص الأستاذ محمود ، كما ورد في مقدمة الطبعة الثالثة للرسالة الثانية من الإسلام نقطف الآتي :




[
السنة والشريعة
ولقد ذكر النبي في حديثه الغرباء، وقال انهم هم الذين يحيون السنة بعد اندثارها.. وهم، بالدعوة إلي هذا الإحياء، يصبحون غرباء بين أهليهم، وذلك لما يصحب هذه الدعوة من خروج على مألوف ما عليه الناس.. هم غرباء الحق بين قوم يغدو الحق بينهم غريبا لطول ما ألفوا الباطل فظنوه حقا، ولطول ما غفلوا عن الحق..
إن مما ألف الناس أن سنة النبي هي قوله، وإقراره، وعمله.. والحق أن هذا خطأ، فان قول النبي، وإقراره، ليسا سنة، وإنما هما شريعة.. وأما عمله في خاصة نفسه فهو سنة.. نعم هناك من قوله قول يلحق بالسنة، وذلك هو القول الذي ينم عن حال قلبه من المعرفة بالله.. أما أقواله التي أراد بها إلى تعليم الأمة في أمر دينها فهي شريعة، والفرق بين الشريعة، والسنة، هو الفرق بين الرسالة، والنبوة، أو هو الفرق بين مستوى الأمة، من أعلاها إلى أدناها، ومستوى النبي.. وذلك فرق شاسع وبعيد..
السنة هي عمل النبي في خاصة نفسه، والشريعة هي تنزل النبي، من مستوى عمله في خاصة نفسه إلى مستوى أمته، ليعلمهم فيما يطيقون، وليكلفهم فيما يستطيعون.. فالسنة هي نبوته، والشريعة هي رسالته.. وإنما في مضمار رسالته هذه قال: (( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم))
الإسلام والإيمان
والناس، اليوم، لا يملكون القدرة على التمييز الدقيق بين الإسلام والإيمان، فهم يعتقدون أن الإيمان أكبر من الإسلام، وقد ورطهم في هذا الخطأ عجزهم عن الشعور بحالة الوقت، ذلك بأن الوقت الذي كان فيه هذا الفهم صحيحا قد انقضى، وأقبل وقت تطور فيه فهم الدين، وانتقل من مستوى الإيمان، إلى مستوى الإسلام.. الأمر فحواه كالآتي:
الإسلام فكر يرتقي السالك فيه درجات سلم سباعي، أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد.. ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية، اختلاف مقدار، فهو في الدرجة الأولية انقياد الظاهر فقط، وهو في الدرجة النهائية انقياد الظاهر والباطن معا.. وهو في الدرجة الأولية قول باللسان، وعمل بالجوارح، ولكنه في الدرجة النهائية انقياد، واستسلام، ورضا بالله في السر والعلانية.. وهو في الدرجة الأولية دون الإيمان، ولكنه في الدرجة النهائية أكبر من الإيمان.. وهذا ما لا يقوى العلماء الذين نعرفهم على تمييزه.. ولقد لبس على علماء الدين هذا الأمر حديث جبريل المعروف، الذي رواه عمر بن الخطاب، قال: (( بينا كنا جلوسا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فجلس إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام.. قال الإسلام أن تشهد ألا اله إلا الله، وان محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصوم الشهر، وأن تحج البيت، إذا استطعت إليه سبيلا.. قال صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه!! ثم قال فأخبرني عن الإيمان.. قال الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر، خيره وشره، واليوم الآخر.. قال صدقت.. ثم قال فأخبرني عن الإحسان.. فقال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. قال صدقت.. ثم قال: أخبرني متى الساعة؟؟ فقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل!! قال فأخبرني عن علاماتها.. قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة، العراة، رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.. قال صدقت.. ثم انصرف، فلبثنا مليا.. ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت الله، ورسوله، أعلم.. قال هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم!!)).. هذا الحديث لبس على علماء الدين الأمر فظنوا أن مراقي ديننا إنما هي الإسلام، والإيمان، والإحسان.. ولما كان واردا في القرآن قول الله تعالى عن الأعراب (( قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا: أسلمنا.. ولما يدخل الإيماني قلوبكم.)) فقد أصبح واضحا أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام.. وما علموا أن الأمر يحتاج إلى نظر..
جلية الأمر
وجلية الأمر أن الإسلام، كما هو وارد في القرآن، قد جاء على مرحلتين: مرحلة العقيدة، ومرحلة الحقيقة أو سمها مرحلة العلم.. وكل مرحلة من هاتين المرحلتين تقع على ثلاث درجات..
فأما مرحلة العقيدة فدرجاتها الثلاث هي: الإسلام، والإيمان، والإحسان.. وأما مرحلة العلم فدرجاتها الثلاث هي: علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين.. ثم تجئ، بعد ذلك، الدرجة السابعة من درجات سلم الترقي السباعي، وتلك هي درجة الإسلام، وبها تتم الدائرة.. وتجئ النهاية، تشبه البداية، ولا تشبهها.. فهي في البداية الإسلام، وهي في النهاية الإسلام. ولكن شتان بين الإسلام الذي هو البداية، وبين الإسلام الذي هو النهاية.. وقد سبقت إلى ذلك الإشارة..
ومرحلة العقيدة هي مرحلة الأمة المؤمنة.. وهي أمة الرسالة الأولى..
ومرحلة العلم هي مرحلة الأمة المسلمة.. وهي أمة الرسالة الثانية.. وهذه الأمة لم تجئ بعد، وإنما جاء طلائعها، فرادى، على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل. وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدمتهم سيدهم، وخاتمهم، النبي، الأمي، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وهو قد بشر بمجئ هذه الأمة المسلمة، كما جاء برسالتها، مجملة في القرآن، مفصلة في السنة، وقد أسلفنا الإشارة إلى معنى السنة.. وحين تجئ هذه الأمة المسلمة فإنها لا تبدأ إلا بما بدأت به الأمة المؤمنة، وهي مرحلة العقيدة، ولكنها لا تقف في الدرجة الثالثة من درجات السلم التي وقف جبريل في أسئلته عندها، وإنما تتعداها في التطور إلى ختام الدرجات، فتكون بذلك صاحبة عقيدة، وصاحبة علم، في آن معا، فهي مؤمنة، ومسلمة، في حين أن الأمة الأولى مؤمنة، وليست مسلمة، بهذا المعنى النهائي للإسلام.. ]




الرأي :

أملي أن أورد توصيفاً يليق بالحالة المتصوفة التي لم يعتدها الكثيرون هنا ، وأن يكون شرحي أوفى وسنعود بالمصادر ( لا حقاً ) :

[ هذا مسلك معهود عند المتصوفة ، فجلوس الصفاء والتعبُد وما يصاحبه من مسلك وإيحاءات تجعل الجالس إلى منطق الاستبطان أقرب من منطق جمع المستندات وتمحيصها وتحليلها ، فالجالس جلوس الصفاء كما أوردت أنا من قبل يسلك مسلك أقرب لما أعرفه أنا بـ ( الإيحاء الذاتي التعَبُدي ) وهو مرحلة من مراحل ( التنويم المغناطيسي الذاتي ) وهي حالة غرائبية تحدث للذين يجلسون جلسات الصفاء ، بتمارين روحية تجعل من أذهانهم على درجة تشف وتستقبل مجموعة من الأفكار التي ترد إليها من مصادر غير محددة، وهي مرحلة من مراحل الترقي في التعبد والتصوف ينـزل الذهن منـزلة الوثوق في طبيعة الأفكار وتداعياتها الواردة ومن أهما مسلك الصلاة .
ومن الأقوال عن الصلاة :

قول غاندي : ( لولا الصلاة لجننت منذ زمن طويل )

امرسون : ( لا أحد يزاول الصلاة إلا وقد تعلم أشياء )

أو كمثل روماني : ( إذا كان الله معنا فلا أحد يمكن أن يكون ضدنا )

وعن الصلاة :

من خلال الصلاة يقوم الفرد وبكل اختيار عقائدي وبمحبة بنقل همومه إلى قوة أعظم وهو في نظره الخالق الأعظم . وهي الوسيلة لنقل الهموم والتخلص منها .
وهنالك الثقة بالنفس ، فمبدأ الشك عند الباحث هو من مسلك الاستنارة بالرأي والرأي المُضاد والتحليل ، أما عند المتصوفة فهنالك ( الثقة بالنفس ) وشك الإنسان بمقدرته يمكن أن تكون من ألد أعداء الإنسان .

و كما يقول شكسبير :

( شكوكنا تخوننا دائماً وتجعلنا نفقد ما كسبناه وما يمكن أن نكسبه عن طريق الخوف من الإقدام على عمل ما )

وتلك مقولة أنا أتذرع بها كثيراً من أن ( التصوف أراه درجة من درجات التحضير لمرحلة الإبداع )
وهنا أنا أتصور المتصوفة ونثرهم أو ما يكتبون يلتقون بالمُبدعين في الأفق ، فالمبدع الروائي ليس في حاجة لأن يُثبت تصوره لشخوصه الروائية وتقلباتها وإلباسها ما شاء من الرؤى دون الحاجة لدليل ، وكما هو معروف كيف اتخذت علوم النفس البشرية في أوائل القرن الماضي إلى نصفه الكثير من شخوص العبقري شكسبير وقد صنعهم بدون الحاجة لدليل سوى حالة ( غرائبية ) تلتقِ بحالات المتصوفة في جلسات صفائهم .

ولنا عودة حول بعض ما وعدت به ومتعلقات بشأن نص البوست والقبس من قصة السيد المسيح وبطرس وعبد اللطيف من جهة ، ونقاط أخرى مع الكاتب أسامة الخواض .
وسنعود







Post: #137
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-02-2007, 11:48 AM
Parent: #135

أخي العزيز عبد الله الشقليني،

تحية لك وللأخ أسامة وجميع من يمرون من هنا..

عندما قرأت مداخلتيك الأخيرتين جاءتني بعض ما يسميه الصوفية بـ "الوارد" فاسمح لي إذن بتسجيل هذه الواردات بعد كل مداخلة..

Quote: اعتاد المتصوفة الحديث عن وثوق ، بغير ما نراه عند البحَّاثة ورجوعهم إلى التوثيق وأسانيد النصوص وغربلتها


وكذلك كان الأستاذ محمود في أغلب كتاباته بقليل من الاستثناءات من بينها كتابي "الإسلام" و "مشكلة الشرق الأوسط".. ففي الأول استشهد الأستاذ بكتاب الدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية الشهيرة واسم الكتاب "مع الله في السماء".. أما في كتاب مشكلة الشرق الأوسط فقد وضع الأستاذ قائمة المراجع لطبيعة الكتاب البحثية ويجدر بي إثبات قائمة المصادر هنا:

Quote: 1-القرآن الكريم
2- الكتاب المقدس – التوراة
3- قضايانا في الأمم المتحدة لمؤلفه خيري حماد
4- تاريخ سورية ولبنان وفلسطين الدكتور فيليب حتي
5- الديمقراطية والشيوعية وليم اينشتين
6- لمحات من تاريخ العالم جواهر لال نهرو
7- الأمم المتحدة هارولد كورلاندر
8- المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية استالين
9- أضواء على قناة السويس وزارة الإرشاد القومي المصرية
10- العدوان الأنجلو أمريكي الاسرائيلي الهيئة البرلمانية للحزب الشيوعي السوداني
11- مجلة الجديد البيروتية
12- مجلة الطليعة الدمشقية العدد الخاص بعدوان 5 يونيو
13- مجلة القلم السودانية العدد الخاص عن حرب فلسطين
14- جريدة الأهرام المصرية
15- جريدة الأيام السودانية
16- جريدة الرأي العام السودانية
17- مشروعات الدفاع عن الشرق الأوسط دكتور راشد البراوي


قولك:
Quote: ورد عن الحلاج وفق ما ورد في ديوان الحلاج الذي جمعه وقدم له الدكتور سعدي ضناوي [.....]
ما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس . حيث أُلبس عليه العين ، و هجر اللحوظ والألحاظ في السر ، وعبد المعبود على التجريد . ولُعِن حين وصَل إلى التفريد ، وطُرد حين طلب المزيد . فقال له ( اسجد ) قال ( لا غير ) ، وقال له { إن عليك لعنتي } سورة ص 78 ، قال : لا ضير ، ما لي غيرك سبيل ، وإني مُحبٌ ذليل .


جاء في كتاب الأستاذ محمود "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" كلاما عن التجريد والتفريد أحب أن أنقله إلى هذا البوست.. وذلك لما أراه له من ضرورة هنا.. وآسف للإطالة.. كتب لي أحد الأصدقاء الذ
Quote: [ht]الشهادة المثنية [/ht]
الشهـادة المثنيـة هـي : (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) .. والشهـادة المفـردة هـي : (( لا إله إلا الله )).. وهذه شهادة (( توحيد )).. وتلك شهادة (( تصديق )).. وشهادة التصديق تجب مرة في العمر.. وتوجب الإتباع (( وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا !! واتقوا الله .. إن الله شديد العقاب )) هذا سند الإتباع من القرآن .. وسنده من الحديـث : (( صـلوا كما رأيتموني أصلي )) .. وفي بابـه أيضا (( خذوا مناسككم عني )) .. هذان في أمر الصلاة ، والحج .. وهما ينطبقان على سائر أعمال العبادات ، والطاعات .. وأما شهادة التوحيد فهي لن تنفك تقال ، في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة .. فهي خير ذكر أهل الدنيا ، في الدنيا ، وهي خير ذكر أهـل البرزخ ، في البرزخ ، وهي خيـر ذكر أهل الجنة ، في الجنة ، وهي خير ذكر أهل النار ، في النار .. وإنما يبتغي الذاكِرون من ذكرها أن يحققوها ، في حياتهم حتى ينتقل قولها بلسان المقال فيصبح قولا بلسان المقال ، ولسان الحال معا ، وذلك حين تتم ، بفضل الله ثم بفضل تجويدها ، وحدة البنية البشرية ، في كل نفس بشـرية .. وسنـد الشهادة المفردة من القرآن : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله !! واستغفر لذنبك ، وللمؤمنين ، والمؤمنات .. والله يعلم متقلبكم ومثواكم )) .. وسندها من الحديث : (( خير ما جئـت بـه ، أنا والنبيـون من قبلي ، لا إله إلا الله )) .. وبيـن الشهـادة (( المثنيـة )) - (( لا إله إلا الله ، محمـد رسـول الله )) – والشهـادة (( المفـردة )) - (( لا إله إلا الله )) - اختلاف مقدار .. فالشهادة المثنية هي القاعدة ، في الأرض ، والشهادة المفردة هي القمة ، في الإطلاق .. وسند ذلك من كتاب الله : (( شهد الله أنه لا إله إلا هو ، والملائكة ، وأولو العلـم ، قائما بالقسط .. لا إله إلا هو، العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام )) .. فقمة الشهادة المفـردة في الإطلاق ، عند الله ، حيث شهد بذاته ، لذاته ، بالتفرد بالأحدية .. وقاعدتها في القيد ، في الأرض ، عند المؤمنين بها ، وتلك هي الشهادة المثنية : (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) .. فقولك : (( محمد رسول الله )) مدخل على قولك : (( لا إله إلا الله )) .. هي الباب ، وليس بغيره دخول في الحضرة .. وبتطبيقها ، وهو ما أسميناه تجويد التقليد ، يكون السير في مراقي التوحيد - السير في تحقيق (( لا إله إلا الله )) ، من مستوى ما يقال في الأرض ، عند المؤمنين ، وعند أولي العلم ، وعند الملائكة ، إلى مستوى ما يقال في السموات ، عند الملائكة ، وملائكة الملأ الأعلى ، ثم إلى مستوى ما يقال في الإطلاق ، عند الذات ، وهيهات !! هيهات !! فإن هذا أمر يحصل تحقيقه ، كل يوم جديد ، ولا يقع الفراغ منه ، فالسير فيه سير في السرمد ، وبحسب أولي العلم منه أن يعلموا أن تحقيقهم لـ (( لا إله إلا الله )) ، بالغا ما بلغ ، ليس بشئ إذا ما قورن بتوحيد الله لذاته في قوله تعالى : (( شهد الله أنه لا إله إلا هو )) ..

[ht]دائرتان[/ht]
ينتج ، لدى التفصيل ، مما تقدم إجماله دائرتان - دائرة داخلية ، ودائرة خارجية .. ولكل من الدائرتين (( مركز )) ، أو قل : (( قلب )) ، إن شئت .. ولكل من الدائرتين مدخل ، أو قل : باب يؤدي من هيكلها إلي داخلها - إلى قلبها- .. أما الدائرة الخارجية فهيكلها قولك : (( محمد رسول الله )) ، وهو شطر الشهادة المثنيـة .. وباب هـذه الدائـرة محمد ، وبـه الدخـول إلى قلبـها .. وقلبـها إنما هو قولك : (( لا إله إلا الله )) وهو الشطر الآخر من الشهادة المثنية ..
وأما الدائـرة الداخلية فهيكلها (( لا إله إلا الله )) ، وقلبها (( الله )) ، وبابها (( الإله )).. فكأن محمدا باب الدخول على جملة (( لا إله إلا الله )) ، و(( الإله )) باب الدخول على خلاصتها .. وبين جملتها وخلاصتها أمد ما بين العبادة والعبودية ، وهو أمد تطير فيه القلوب ، بأجنحة بغير ريش ، طيرانها السرمدي .. وإلى هذا الطيران السرمدي الإشارة بقوله تعالى : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون .. )) ..
فالشهادة المثنية ليست بشهادة توحيد ، وإنما هي شهادة (( تثنية )).. و(( التثنية )) أدنى منازل التعدد من منزلة (( التوحيد )).. وفي السير منها إلى منزلة التوحيد يقع (( التجريد )).. والتجـريد هو معرفة مكانة (( الله )) من مكانة (( محمد )) .. ولا يتم (( التجريد )) إلا لمن أتقن (( التقليد )).. ومن أتقن التقليد يطالعه معنى لطيف من معاني قوله تعالى : (( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون )) ..
والشهادة (( المفردة )) ليست بشهادة (( توحيد )) أيضا إلا إذا وقع (( التفريد )) ، والتفريد هو معرفة مكانة (( الإله )) من مكانة (( الله )) ، وتلك معرفة محجبة ، وممتنعة .. يقع شميمها ، ولا يتم تحقيقها .. وكل من كان له قدم رفيع في (( التفريد )) يطالع بالمعنى الذي يقابله من قوله تعالى : (( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )) .. وإنما لم تكن الشهادة المفردة شهادة توحيد لأنها إنما تقوم على نفي وإثبات .. فهي حركة بين طرفين ، يمر الفكر أثناءها بخط الاستقامة ، وفي لحظة مروره تلك يتم له التوحيد ، ذلك بأنه في خط الاستقامة يجد الله .. وإلى ذلك الإشارة بقول هود : (( إني توكلت على الله ، ربي وربكم ، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها .. إن ربي على سراط مستقيم )) .. وشهادة التوحيد ، في شهادة التفريد ، هي حظ (( الله )) وحده .. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : (( قل الله !! ثم ذرهم في خوضهم يلعبون )) .. على أن يكون القول بلسان الحال ، وههنا يتـوحد الفـكر ، والقـول ، والعمـل .. فكأن (( قـل الله )) هنا هي (( كـن الله )) .. وتحقيـق هـذه الكينونـة هي وظيفـة الكلمة : (( لا إله إلا الله )) مدعـومة بالعمل الصالح ، وأعـلاه الصلاة الذكيـة .. وإلى ذلك الإشـارة بقولـه تعالى : (( إليه يصعـد الكلـم الطيـب والعمل الصالح يرفعه .. )) ..
وكل إنسان من الناس ، بالغا ما بلغ من الرفعة ، له (( إله )) غير (( الله )) ذلك (( الإله )) هو تصوره هو (( لله )) .. وما من تصور (( لله )) إلا و (( الله )) من حيث ذاته العلية ‍، بخلافه ، فوقعت الشقة بين التصور والحقيقة .. وكل العباد إنما محاولتهم أن ينطبق تصورهم على الحقيقة ، ليكون (( إلههم )) (( الله )) ، وهيهات !! وإلى ذلك المطلب الرفيع الإشارة بقوله تعالى : (( وأقيمـوا الوزن بالقسط ، ولا تخسروا الميزان )) فكان في إحدى كـفتي الميزان (( الله )) - (( الحقيقة )) ، وفي الكفة الأخرى (( الإله )) .. وفكـرة الإله تبـدأ من (( الباطل )) وتدخل مداخل (( الحق )) .. وإنما يطلب الحق (( الحقيقة )) .. يطلـب الحـق أن ينطـبـق على الحقيقـة تمـام الانطبـاق .. (( فالإله )) ، بمعنى آخـر ، هـو تصـورنا (( لله )) ، وهـو تصـور ، مهما بلـغ من الكمال ، قاصر قصـورا مزريا ، حتى أن النبـي الكريـم قـد قال : (( أعلـم عالـم ، بجانب الله ، أحمق من بعير .. )) ..
بإيجاز، من الناحية العملية ، والتطبيقية ، فإن (( إله )) كل إنسان إنما هو (( نفسه )).. ولما كانت نفوسنا هي حجبنا الناهضة بين عقولنا وبين الحقيقة - (( الله )) ، فقد قال المعصوم عنها : (( إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك )) .. وقال أحد العارفين عنها : (( وجودك ذنب لا يقاس به ذنب )) .. وهذه النفس إنما هي النفس (( السفلى )) ، وقد سميت بالنفس (( الأمارة )) ، وهي تنزل من النفس (( الكاملة )) - نسبية الكمال - وهي نفس (( الإنسان الكامل )) .. وهذه ، بدورها ، إنما هي تنزل عن النفس (( الكاملة )) - مطلقة الكمال - وهي نفس (( الله )) .. وإنما سير العباد كله مجاهدة للارتقاء من النفس (( الأمارة )) إلى النفس (( الكاملة )) - إلى نفس الله .. وهذا سير سرمدي ، يقع البدء فيه ، ولا يتفق الفراغ منه .. وإلى هذا السير المجيد الإشارة بالآية الكريمة : (( قل يا أيها الناس !! قد جاءكم الحق من ربكم ، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وما أنا عليكم بوكيل )) .. من اهتـدى فإنما يهتدي إلى نفسه (( العليا )) - (( الكاملة )) - ومن ضل فإنما يضل في متاهات نفسه (( السفلى )) - (( الأمارة )).. وطريق محمد إنما هو (( السنة )).. هو سنة (( محمد )) في أوليات السير ، ثم هو سنة (( الله )) في أخرياته .. وهـذه السنة إنما هي السراط المستقيم ، الممدود ، رأسيـا ، بيـن النفس السفلى في القاعـدة ، والنفس العليا في القمـة ، والمتمثـل ، أفقيا ، في نقطـة التقاء طـرفي الإفـراط ، والتفـريط ، أثناء تأرجـح (( النفس السفلى )) - ( اقرأ هنا (( النفس اللوامة )) بخاصة ، والأمارة موجودة ) بين هذين النقيضين .. نقطة التقاء هذين النقيضين ، في هذه القاعدة ، هي (( الحق )) .. والحق يتطور يطلب الحقيقة .. وإلى هذه السنّة النبوية الإشارة بقوله تعالى : (( قد جاءكم الحق من ربكم )).. وروح هذه الآية إنما هي في الفاصلة ، وهي قوله تعالى: (( وما أنا عليكم بوكيـل )) .. وإنما كانت هذه الفاصلة روح الآية لعظيم مكانتها في التأديب - تأديب النبي ، وتأديب أفـراد الأمـة - تأديـب (( المربي )) ، وتأديـب (( المتربي )) ، ذلك بأن بهـا يقـع على (( المتربي )) تحمل مسئولية عمله في مضمار سيره إلى تحقيق فرديته ، ويقع على (( المربي )) إخـراج نفسه من بين (( العبيد )) و (( ربهم )) حتى لا يكون قاطعا لطريق الرب ، وحتى تكتمل له هو عبوديته ، فلا تكون له رائحة ربوبية على أحد من الخلق .. وفي هذا التأديب من لطف التأتي إلى رياضة النفوس البشرية ما يلحق بحد الإعجاز .. بل إنه لهو إعجاز القرآن الحقيقي ..
في هذه الفاصلة إيجاز معجز لتفصيل ورد في آيتين شهيرتين ، طالما تحدثنا عنهما في عديد المواضع من كتبنا ، هما (( فذكر !! إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر )) ..
يحسن أن نذكر هنا أن الفاصلة إنما هي سنة (( الله )) في حين : (( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم )) هي سنة (( النبي )) .. وما يعقلها إلا العالمون ..

وآسف للإطالة.. كتب أحد الأصدقاء في بريد موقع الفكرة معلقا على بعض كتاباتي بأن فيها تطويل والناس هذه الأيام تمل من التطويل وأحب أن أقول له أن الغرض من الكتابة هو التعريف بالاستاذ محمود وذلك لا يتأتي في كثير من الأحيان بأحسن من إيراد نموذج من كتابته حول الموضوع المطروح خاصة عندما يكون من مسائل العرفان كمثل هذا الموضوع.. ويبدو أنني سأطيل.. ولكن عزائي أن هناك من يقرأون..

قول الشقليني:

Quote: أملي أن أورد توصيفاً يليق بالحالة المتصوفة التي لم يعتدها الكثيرون هنا ، وأن يكون شرحي أوفى وسنعود بالمصادر ( لا حقاً ) :

[ هذا مسلك معهود عند المتصوفة ، فجلوس الصفاء والتعبُد وما يصاحبه من مسلك وإيحاءات تجعل الجالس إلى منطق الاستبطان أقرب من منطق جمع المستندات وتمحيصها وتحليلها ، فالجالس جلوس الصفاء كما أوردت أنا من قبل يسلك مسلك أقرب لما أعرفه أنا بـ ( الإيحاء الذاتي التعَبُدي ) وهو مرحلة من مراحل ( التنويم المغناطيسي الذاتي ) وهي حالة غرائبية تحدث للذين يجلسون جلسات الصفاء ، بتمارين روحية تجعل من أذهانهم على درجة تشف وتستقبل مجموعة من الأفكار التي ترد إليها من مصادر غير محددة، وهي مرحلة من مراحل الترقي في التعبد والتصوف ينـزل الذهن منـزلة الوثوق في طبيعة الأفكار وتداعياتها الواردة ومن أهما مسلك الصلاة .

ليس باستطاعتي تلخيص المسألة كما فعلت يا عزيزي الشقليني.. ولحكمة قال الأستاذ محمود عن الصلاة ما لم يفهمه كثيرون.. مثل قوله في مقدمة الطبعة الخامسة من كتاب "رسالة الصلاة":
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=8&chapter_id=3
::

Quote: إن الصلاة إنما هي منهاج بممارسته نستطيع النظر إلى داخلنا حتى نلتقي بأنفسنا، ونعرفها، ونحقق السلام معها.. ذلك بأننا إنما نعايش العالم الخارجي مستغرقين بأوهام حواسنا عنه، لاهين به عن الحقيقة المركوزة وراءه، والتي إنما هو ظلها.. وقد جعله الله دليلا عليها، لا بديلا عنها، ثم قال في ذلك ((سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟؟)) فآيات الآفاق وسيلة، وآيات النفوس غاية، ولا تغني الوسيلة غناء الغاية.. وما الوقوف معها، والاحتجاب بها، إلا خسرانا مبينا، وذلك ما نحن لآفته معرضون، وفي خطره متورطون.. فلكأنما نحن من فرط ما تحوتشنا دواعي الغفلة قوم نيام.. نحن بحق قوم نيام.. ألم يقل المعصوم ((الناس نيام، فاذا ماتوا انتبهوا))؟؟ بلى!!
وإن لنا إلى الانتباه لوسيلة أخرى غير وسيلة الموت، وقبل وسيلة الموت، وهي وسيلة الصلاة الواعية، الصحيحة، الرشيدة.. وقد أمرنا بها المعصوم حين أمرنا: ((موتوا قبل أن تموتوا)) يعني ارفعوا حجاب الغفلة عنكم بالاطلاع على حقائق الأمور المركوزة وراء الظواهر، الآن، وذلك بوسيلة الصلاة، قبل أن يجرى عليكم ذلك بوسيلة الموت، فيما بعد، فيكون الأوان قد فات، والندم قد وقع، ولات حين مندم..


قولك يا عبد الله:

Quote: وتلك مقولة أنا أتذرع بها كثيراً من أن ( التصوف أراه درجة من درجات التحضير لمرحلة الإبداع )
وهنا أنا أتصور المتصوفة ونثرهم أو ما يكتبون يلتقون بالمُبدعين في الأفق ، فالمبدع الروائي ليس في حاجة لأن يُثبت تصوره لشخوصه الروائية وتقلباتها وإلباسها ما شاء من الرؤى دون الحاجة لدليل ، وكما هو معروف كيف اتخذت علوم النفس البشرية في أوائل القرن الماضي إلى نصفه الكثير من شخوص العبقري شكسبير وقد صنعهم بدون الحاجة لدليل سوى حالة ( غرائبية ) تلتقِ بحالات المتصوفة في جلسات صفائهم .

لقد أصبت.. والأستاذ محمود لم يكن في يوم من الأيام كاتبا أكاديميا ولم ينشر كتاباته في مجلات البحث ولم يكن له سيوبرفايزر ولم ينل شهادة دكتوراة أو غيرها.. إنه مُعلِّم يخاطب الإنسان البسيط والإنسان المتعلم وكل مستويات الناس يستطيعون فهم كلامه وكتابته.. ولكن الكتابة أو الكلام ليست هي أهم شيء لدى الأستاذ وإنما "التجسيد"، تجسيد القول والفكر.. ونحن نستطيع أن بسهولة فيما نقلته يا عزيزي عبد الله بعاليه من كتاب الرسالة الثانية أن نقول عن الأستاذ محمود أنه صاحب "علم"، بمعنى علوم اليقين التي ورد ذكرها فيما اقتبسته "علم اليقين وعلم عين اليقين وعلم حق اليقين" ويمكننا أن ندلل على ذلك.. وهذا يأخذني إلى قولك التالي:

Quote: من خلال الصلاة يقوم الفرد وبكل اختيار عقائدي وبمحبة بنقل همومه إلى قوة أعظم وهو في نظره الخالق الأعظم . وهي الوسيلة لنقل الهموم والتخلص منها .
وهنالك الثقة بالنفس ، فمبدأ الشك عند الباحث هو من مسلك الاستنارة بالرأي والرأي المُضاد والتحليل ، أما عند المتصوفة فهنالك ( الثقة بالنفس ) وشك الإنسان بمقدرته يمكن أن تكون من ألد أعداء الإنسان .

نعم القول ما قلت يا صديقي.. الثقة والتوكل.. الثقة بالنفس هي من الثقة بالله وهو التوكل على الله.. وجماعها قول الحق تبارك وتعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)" [التوبة].. من ضمن الأشياء التي نقلها الأستاذ عبد اللطيف من أقوال الأستاذ محمود لهم بعد صدور الحكم وهم في زنازين سجن كوبر في معنى: "هناك مرحلة في الترقي لا يقطعها الإنسان لا بصلاة ولا بصيام وإنما بالثقة بالله".. وهناك قولة لسيدنا الحسن بن علي قد أوردها الأستاذ كثيرا في كتبه: "من وثق بحسن اختيار الله له لم يَتَمَنَّ غير الحالة التي هو فيها" وهذا هو جوهر الإسلام بالمعنى الكبير.. ومنه قول العارف النابلسي:
وإني لأدري أن طرق وصاله * تدور على الأقوام فيها الدوائر
ولكن له سلمت نفسي فإن * يُرِدْ هداها وإن يضلل فما هو جائر

وقول شهيد العشق الإلهي الحسين بن منصور الحلاج بعد أن مسح الدم في وجهه: "ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم".. يا الله..
ويجيء رجل مثل المكاشفي طه الكباشي لكي يردد قول الجهلة بأن الحلاج زنديق..
وبهذا أدلف لمداخلتك الثانية يا عزيزي عبد الله لمناسبتها هنا فأنت قد قلت:


Quote: إن الحياة خير من الموت ،
وبعض الموت يقدم للإنسانية ما لم تسطع أن تقدمه الحياة ،
ويصدق هذا ويصدق ذاك .


وقد وردني فيه الحديث النبوي الشريف: "حياتي خير لكم ومماتي خير لكم"، وهكذا كانت حياة الأستاذ ومماته.. وهذه مناسبة لكي أحكي لك بعض ما دار في تلك الأيام الأخيرة.. بمجرد أن انتهى القاضي المهلاوي من النطق بحكم الإعدام على الأستاذ محمود والجمهوريين، قال الأستاذ للجمهوريين الأربعة ما معناه: "الآن تطهرتم".. وفي جلساته معهم في زنازين سجن كوبر نقلوا عنه أنه حكى لهم قصة سيدنا الحسن وسيدنا الحسين وكيف أن الموقفين كانا صحيحين مع أن موقف الحسن كان متنازلا وموقف الحسين كان مصادما.. سيدنا الحسن تنازل لمعاوية في قصة شهيرة حكاها لهم الأستاذ خلاصتها أنه يريد حقن الدماء وهو موقف صحيح وكان من كلمات الحسن التي قالها في ذلك الموقف مع معاوية والتي ذكرها الأستاذ: "الحمد لله الذي هدى بنا أوائلكم وعصم بنا دماء أواخركم" أو عبارة في هذا المعنى.. والموقف الآخر هو موقف الحسين الذي أحيط به في كربلاء فكانت الواقعة والاستشهاد..

وسوف أعود إلى بقية مداخلتك الثانية بالمهلة..

مع وافر المحبة..

ياسر

Post: #136
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-02-2007, 07:39 AM
Parent: #1


الأحباء الكُتاب هنا
تحية واحتراماً


ونخُص هُنا الحبيب ياسر و مداخلته الثرية حول المقابلة بين الرسول بُطرس أو
( الحواري بطرس ) وبين الأستاذ عبد اللطيف :

تمهيد :

1/ النص حول ( ستنكرني ثلاثاً ) بين عبد اللطيف وبطرس :
نبدأ :




من إنجيل يوحنا تقطُف :

إنجيل يوحنا ـ 17 و 18 :


( فقالت الجارية البوابة لبُطرس ألستَ أنتَ أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان . قال ذاك لستُ أنا )

( فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه .
أجابه يسوع أنا كلمت العالم علانية .
أنا علَّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً .
وفي الخفاء لم أتكلم بشيء . لماذا تسألني أنا .
أسأل الذين سمعوا ماذا كلمتهم . هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا .)

( وسمعان بطرس كان واقفاً يصطلي .
فقالوا له ألست أنت أيضاً من تلاميذه .
فأنكر ذاك وقال لستُ أنا .
قال واحد من عبيد رئيس الكهنة
وهو نسيب الذي قَطع بطرس أذنه أما رأيتَ أنا معه في البستان .
فأنكر بطرس أيضاً وللوقت صاح الديك ثلاثاً )

الإصحاح الخامس عشر 14و من انجيل يوحنا 15 :

( أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرَّام )

الإصحاح الخامس عشر من انجيل يوحنا 13:

( فلما خرج قال يسوع الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه .
إن كان الله قد تمجد فيه فإن الله سيمجده في ذاته ويمجده سريعاً .
يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعده .
ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم الآن .
وصيةً جديدةً أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا .
كما أحببتكُم أنا تُحبون بعضكم بعضا .
بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي وإن كان لكم حبٌ بعضاً لبعضٍ )

انتهت القطوف .



2/ نستطرد نحن :

إن علائق النصوص ذات الملمح القصصي علائق مموهة من الواقع ،
يُعيد فيها الكاتب رسم الدنيا بشخوص أُخر ،
تنهل من الواقع ومن النصوص الأخرى ( النص الديني )
وقُرب ذلك النص من التاريخ أو بعده منه
يقترب النص من تلك الأحداث المُدونة في كُتب الدين
وتلك التي دونها التاريخ تتقارب أو تتداخل أو تتقاطع بين بعضها البعض .

و ( قصة محاكمة الأستاذ ومن بعد وصيته لتلامذته ،
وتصريحه للمقربين بقرب استشهاده ( قبل اعتقاله الأخير )
وقصة الإستتابة على منبر التلفزة ،
وعندما عرض القضاة على طاولة السلطة الرخامية تكفير الأستاذ ،
واعترض أحد التلامذة من أنه في حال الإستتابة ليس المطلوب
أن نُكفر أبو جهل مثلاً لتُثبت الإستتابة ، ثم ما حدث بعد ذلك .... )

إن الحياة خير من الموت ،
وبعض الموت يقدم للإنسانية ما لم تسطع أن تقدمه الحياة ،
ويصدق هذا ويصدق ذاك .

ومقدمة لذلك نعلم قصة أوديب الملك ،
ونعلم صراعه في النص ونعرف نصاعة هذه العُقدة
وكيف أخرجها علم النفس في الأربعينات من القرن الماضي
وكيف تم اكتشافها وتسميتها وقطفها من أدب كُتب قبل قرون .

نعود أدراجنا للأستاذ عبد اللطيف ،
وما تفضلت به حبيبنا الكاتب ياسر من عِظم ما وقع على النفس في تفصيل لاحق .


وتقبلوا التحية والاحترام


Post: #138
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-02-2007, 02:53 PM
Parent: #136

سلامي للجميع.

قصة الرسول بطرس وردت في أكثر من رواية من الروايات الأربعة للإنجيل.. فماذا قال القرآن في شأن الحواريين؟؟

وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) المائدة
فالآية الثانية تقريبا تحكي عن العشاء الأخير الذي ورد في الأناجيل، والإشارة القرآنية بالمائدة من السماء كانت هي المسيح نفسه، والمُعبَّر عنها بما "جسد المسيح ودمه"..
أما قصة كفر اليهود به وتآمرهم عليه فقد جاء في هذه الآية من سورة آل عمران..
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
وفي خاتمة سورة الصف:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)

أما هذا التأييد للذين آمنوا بالمسيح عليه السلام والظهور على عدوهم قد أخذ زمنا طويلا بلغ 300 عام تقريبا لأنه بعد حادثة استشهاد السيد المسيح ورفعه "قيامته" ظل المؤمنون قليلون مطاردون وتفرقوا في البلاد، وكل هذا مثبت في سفر أعمال الرسل.. ولا شك كانت كلمات المسيح حقيقة وهي التي أعانت تلاميذه على مقاومة الظلم والغربة:


Quote: يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعده .
ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم الآن .
وصيةً جديدةً أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا .
كما أحببتكُم أنا تُحبون بعضكم بعضا .
بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي وإن كان لكم حبٌ بعضاً لبعضٍ

Post: #139
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-03-2007, 04:35 AM
Parent: #138

عزيزي ياسر
هنالك اهتمام واضح بالمسيح المنتظر وعودته في الخطاب الجمهوري ، و في ذلك ،
أعني ما صدر من كتب ومنشورات تحت اسم الاخوان الجمهوريين.
وهذا الاهتمام توطد في بداية الثمانينيات من خلال كتابين حول المسيح وعودة المسيح،
في حدود ما تيسر لي من الخطاب الجمهوري.
ولي ،أو بالأحرى هل يحق لي ان اسالك:
ما هي علاقة اعادة تعريف المسيح باعتباره ليس المسيح المعروف،بتلك الاصدارات،
وما تردد في حوار ابن البان مع الاستاذ حول عودة المسيح في السودان،
وما قال به النبي السوداني ابوبكر خاطر حول نبوءة السودانيين،وعودة المسيح؟
ولي سؤال اهم من تلك الاسئلة:
هل ثمة علاقة بين الرسالة الثانية ،وعودة المسيح؟؟؟؟؟؟؟؟
في انتظارك
المشاء

Post: #140
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-03-2007, 10:34 AM
Parent: #139

الأخ العزيز أسامة،

سلامات

Quote: هنالك اهتمام واضح بالمسيح المنتظر وعودته في الخطاب الجمهوري ، و في ذلك ،
أعني ما صدر من كتب ومنشورات تحت اسم الاخوان الجمهوريين.
وهذا الاهتمام توطد في بداية الثمانينيات من خلال كتابين حول المسيح وعودة المسيح،
في حدود ما تيسر لي من الخطاب الجمهوري.

ما حدث في بداية الثمانينات ما هو إلا تفصيل لما جاء من قبل وتوسيع عليه..

Quote: ولي ،أو بالأحرى هل يحق لي ان اسالك:
ما هي علاقة اعادة تعريف المسيح باعتباره ليس المسيح المعروف،بتلك الاصدارات،


لم يكن هناك إعادة تعريف.. من أين أتيت بهذا المفهوم؟؟ مسألة عودة المسيح جاءت في عديد الكتب مثل "الرسالة الثانية من الإسلام" "أسئلة وأجوبة الثاني" "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري".. وما جاء مؤخرا كان بمثابة التفصيل ولم يختلف عما جاء في السابق..

Quote: وما تردد في حوار ابن البان مع الاستاذ حول عودة المسيح في السودان،
وما قال به النبي السوداني ابوبكر خاطر حول نبوءة السودانيين،وعودة المسيح؟


أنا شخصيا لم أسمع بلقاء إبن البان هذا إلا في عام 1988 من خلال مقال لإبن البان نفسه في صحيفة سودانية ذكر فيه ذلك اللقاء الذي قدمه مع الأستاذ محمود في عام 1951.. ولم أقرأ اللقاء كاملا إلا في صفحة الفكرة الجمهورية في التسعينات.. ولم أفهم منه أن هناك نبي إسمه أبو بكر خاطر.. لاحظ أن الفكرة الجمهورية تفرِّق بين كلمة "نبي" وكلمة "رسول"..

Quote: هل ثمة علاقة بين الرسالة الثانية ،وعودة المسيح؟؟؟؟؟؟؟؟


طبعا الإجابة على هذا السؤال موجودة في كتابي "المسيح" و"عودة المسيح" اللذين وضعتهما أنت هنا بنفسك..

وشكرا
ياسر

Post: #141
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-04-2007, 03:11 AM
Parent: #140


شكرا عزيزي ياسر على اجاباتك.
اسئلتي هي جزء مما ساقول به عن العلاقة الوثيقة بين الرسالة الثانية و المسيح المنتظر.
عندما تحدثت عن :
Quote: إعادة تعريف المسيح

كنت اقصد انه تعريف يخالف ا لفهم السائد بانه المسيح الاسرائيلي ,
وتلك الاعادة للتعريف تفتح او قل قد فتحت الباب للحديث عن المسيح السوداني.وهو حديث كان محور نقاشات لم نعرف إلا طرفا منها.
ففي حوار ابن البان ،كان من الواضح ان هنالك خطابات متبادلة بين النبي خاطر والاستاذ،
و أن لأبي بكر خاطر دعوة محددة.
كما في سؤال ابن البان التالي:
Quote: ما هي خلاصة ما تعتقده عن العم خاطر بعد أن تبينت جانبا من دعوته في خطاباته إليك؟ وبعد ما ستري نقاطا من تلك النقاط المبينة بهذه الأسئلة الموجهة إليك.

ولنا ان نسال هل :
احتفظ الاستاذ بتلك المراسلات بينه وبين النبي أبي بكر خاطر.الاستاذ لم ينكر تلك المراسلات. لكنه من الواضح انكر دعوته ضمنا.

وقلت ايضا في ردك :

Quote: أنا شخصيا لم أسمع بلقاء إبن البان هذا إلا في عام 1988 من خلال مقال لإبن البان نفسه في صحيفة سودانية ذكر فيه ذلك اللقاء الذي قدمه مع الأستاذ محمود في عام 1951.. ولم أقرأ اللقاء كاملا إلا في صفحة الفكرة الجمهورية في التسعينات.. ولم أفهم منه أن هناك نبي إسمه أبو بكر خاطر

لقد وردت ادعاءات ابي بكر خاطر كنبي في سؤال ابن البان الاول للاستاذ:

Quote: يعتقد العم خاطر أنه نبي ورسول ، وأن الآيات القرآنية لا تؤكد عدم وجود الأنبياء بعد محمد كما أنه يعتقد أنك نبي ، وفي كلا الاعتقادين لدينا شك وشكوك.

شكرا مرة اخرى ،
وارجو ان اعود قريبا لمواصلة مقاربتي الطويلة نسبيا.
ارقدوا عافية
المشاء

Post: #142
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-04-2007, 03:06 PM
Parent: #141

عزيزي أسامة،

سلامات

قولك:

Quote: عندما تحدثت عن :

Quote: إعادة تعريف المسيح


كنت اقصد انه تعريف يخالف ا لفهم السائد بانه المسيح الاسرائيلي ,


أشكرك على التوضيح.. طبعا الفكرة الجمهورية قالت بالكثير الذي يخالف الفهم السائد.. ولكن الفهم السائد في مسألة عودة المسيح نفسها فيه تباينات كثيرة..


وبخصوص أبو بكر خاطر تقول أنت:

Quote: لقد وردت ادعاءات ابي بكر خاطر كنبي في سؤال ابن البان الاول للاستاذ


وهذا هو سؤال إبن البان الذي أوردته مشكوراً:

Quote: يعتقد العم خاطر أنه نبي ورسول ، وأن الآيات القرآنية لا تؤكد عدم وجود الأنبياء بعد محمد كما أنه يعتقد أنك نبي ، وفي كلا الاعتقادين لدينا شك وشكوك.


وأنا عندما قلت لك بأنني لم أفهم أن هناك نبي إسمه أبو بكر خاطر فإنما قصدت أن الأستاذ محمود لم يوافقه على دعواه بأنه نبي أو أن الأستاذ محمود نبي، وكانت عبارة الأستاذ واضحة وقد أوردها إبن البان:
Quote: لا نبي بعد محمد من لدن بعثه إلى قيام الساعة.

وقد كانت لأبي بكر خاطر اعتقادات أخرى منها ما قاله عنه إبن البان في سؤاله للأستاذ:

Quote: أن العم خاطر يعتقد أن ملك مصر ورؤيته وتعبير يوسف يدل علي أن ملك مصر نبي ولكنه كافر ، هكذا تعبيره ، فهل هناك نبي كافر ؟؟ وماهية ملك مصر ؟


وكانت إجابة الأستاذ محمود قد أوضحت الخطأ في اعتقاد أبو بكر خاطر:

Quote: لو كان ملك مصر نبيا لعرف تأويل رؤياه بنفسه كأن العبرة بالتأويل وليس بالرؤية، لأن في التأويل حظا من العلم بالحقوق المستكنة وراء الظواهر ومن عرف شيئا من هذه الحقوق فقد عرف الله بقدر ما تأتى له منها فأن لكل حق حقيقة : هذه الحقيقة هي الله وإنما بمعرفة الله نبيء النبي.
وليس هناك نبي كافر علي التحقيق لأن الكفر رأس الجهل والنبوة علم فكيف يجتمعان ؟!


ولديه اعتقاد آخر جاء في سؤال إبن البان وإجابة الأستاذ عليها أيضا:

Quote: (س): يعتقد العم خاطر أن الغراب الذي بعثه الله إلى قابيل ليريه كيف يواري سوءة أخيه هابيل رسولا .. رسولا بمعني الرسالة ..
(ج): وليس الغراب المبعوث لقابيل نبيا إلا مع تجوز كبير يخرج بالتعبير عن معناه الذي تواضع الناس عليه وهذا التجوز يأتي من المعرفة بأن كل ما في الوجود من حجر ومدر خاضع لإرادة الله العلي وقد عبر الله تعالي عن هذا الخضوع بالتسبيح فقال :"وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم". والمتعارف بين الناس في المسيح أنه عارف والعارف نبي فهل رأيت إلى هذا التجاوز الذي يشرك الجماد والنبات والحيوان والإنسان في معني؟ ولن يصح في الأذهان شيء إذا جاز أن تقول أن محمدا نبي وفي نفس اللحظة نفكر في أن الكرسي الذي نجلس عليه نبي أيضا ولكى نفهم ونفهم لابد لنا من تحديد معاني الألفاظ ، بأفرادها للمعاني السامية وإسقاط المعاني الدنيا عنها وتخصيص كلمات أخري للتعبير عن المعاني الدنيا وهذا هو الحاصل بالفعل وباعتبار هذا الحاصل ليس الغراب نبيا وليس هو رسولا لأن ملاك النبوة والرسالة التكليف ومدار التكليف العقل وليس لغير البشر عقل مكلف.


من أسئلة إبن البان وإجابات الأستاذ التي نقلها إبن البان في تلك المقابلة يستطيع الإنسان أن يكوِّن فكرة عن شخصية أبي بكر خاطر.. ولكنك لا تزال تظن أنه صاحب دعوة تضعه في كفة وتضع الأستاذ محمود في الكفة الأخرى!!! بل تتساءل:

Quote: ولنا ان نسال هل :
احتفظ الاستاذ بتلك المراسلات بينه وبين النبي أبي بكر خاطر.الاستاذ لم ينكر تلك المراسلات. لكنه من الواضح انكر دعوته ضمنا.

فإن كنت تبحث عن الإجابة عندي فإنني لا أعرف إن كان الأستاذ قد احتفظ بما كان يكتبه أبو بكر خاطر له ولكن يكفيني ما كتبه الأستاذ في الإجابة على أسئلة إبن البان هنا كي أكوِّن فكرة عن أبي بكر خاطر..
وقد نقل إبن البان عن الأستاذ محمود هذه العبارة التي تشير إلى أنه كان يعتبر نفسه صاحب دعوة وتكليف، بدون الحاجة إلى أن يكون نبيا..
Quote: أما الجزء الأخير من السؤال فانه الإجابة من الناحية الموضوعية وهي المهمة قد سلفت أعلاه ومن الناحية الشخصية "فإني أزعم لنفسي ذلك وأرجو أن أكون محقا".

ويستطرد الصحفي إبن البان فيسأل عن ما يتحدث عنه الناس بدعوة "عيسوية" بمعنى أن صاحبها هو "المسيح" قائلا:
Quote: (س): حتى هذه الآونة لم تحل البراهين الدالة علي نزول المسيح عيسي بن مريم حسب ما لدينا من نصوص الفقه والحديث ، وقد تطرق أن سمعنا أن هناك دعوة مثل هذا الحديث العيسوى تقومون بها. فماذا تقرر وماذا تقول ؟؟


وقد كانت إجابة الأستاذ بأن الدعوة فعلا يمكن اعتبارها كذلك، وأنه لا يهمه من يكون هو وإنما يهمه أن يعرف كيف يدعو الناس إلى الله.. لاحظ ما تحته خط..
Quote: (ج): إن القرآن من أوله إلى آخره في معانيه التي لا تدركها إلا أنوار البصائر بشارة بمجيء عيسي ، جهل المسلمون معاني القرآن المكنونة، فكيف يجهلون الأقوال الصريحة في البخاري وغيره المأثورة عن الصادق المصدوق وقد أوردت لك منها حديثا في ج1 واليك غيره " لو بقي من الدنيا قدر يوم واحد لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا". الذين يعرفون القرآن يعلمون أن محمدا ليس نبيا وإنما هو النبي وخاتم الأنبياء وأن عيسي ليس رسولا وإنما هو الرسول وخاتم الرسل.
"أما عن الجزء الأخير من السؤال فأنه قد ألقى إلى ذلك وتواتر الإلقاء وإنما يحقق الله الحق ويبطل الباطل بكلماته وليس المهم عندي من أكون وإنما المهم عندي أن أعرف كيف أدعو الناس إلى الله دعوة يكون بها صلاح الدين والدنيا".


وهنا يجدر بي أن أرجعك إلى مداخلتك التالية يا عزيزي أسامة:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

وفيها قلت:
Quote: عزيزي الكاتب:
الشقليني
عندما أوردت مثال "عبداللطيف"،
كنت أرمي الى أن أقول انك تنساق الى ما يقول به الجمهوريون حول ان المسيح هو محمود محمد طه،
وأنهم الآن في انتظار عودته،
لهم ان يقولوا بذلك ،
لكن أحببت ان أقول أنك بكلامك حول عبد
Quote: اللطيف الجمهوري،


تؤكد ما توافق عليه الجمهوريون من المؤمنين بأن الاستاذ هو المسيح
و الأن يتحدثون عن عودة الاستاذ،
باعتباره المسيح،



بعد كل هذه المداخلات باستطاعتي القول بأن ما قدمه الأستاذ محمود في حياته من خلال كتبه وأقواله ومن خلال تجسيده لهذه المعرفة بمواجهته للقتل في الحقيقة يشبه ما قدمه السيد المسيح.. والمسيح نفسه كان قد بشر بمجيء من أسماه "الأب" وقد تمثل ذلك في الصلاة المشهورة "أبانا الذي في السموات فليتقدس إسمك وليأت ملكوتك ولتكن مشيئتك في السماء كما هي على الأرض".. أنا كمسلم أنتظر هذا المجيء بهذا المعنى أيضا.. وليس من المهم الحديث عن هل المسيح القادم هو الأستاذ.. المهم هو هل كان الأستاذ محمود في حياته ومماته في مستوى الداعية الذي دعا دعوة واضحة وفداها بحياته أم لا؟؟

ولك شكري

ياسر

Post: #143
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-05-2007, 06:35 AM
Parent: #1

عزيزي ياسر
شكرا على ردك المسهب اللطيف
من الواضح ايضا ان الدعوة الى نهاية التاريخ كما أسميها ،او عودة المسيح ،كانت دعوة الاستاذ منذ الخمسينيات،وتوجب بكتابين عن عن عودة المسيح.و كل ما ذكر ،يؤكد ان صورة المسيح هي صورة المسيح السوداني،وما التقدير الذي تكنه الفكرة للسودان إلا صورة من صور التمهيد لعودة المسيح في صورته السودانية من خلال رسول الرسالة الثانية .
و من حوار ابن البان ،والذي ارى انه حوار مهم ،يكشف بعضا من الخلفية التاريخية التي شكلت الفكرة الجمهورية،خاصة ان ذلك الحوار قد عمل،بعد عودة الاستاذ من اعتكافه الشهير.
يقول الاستاذ عن "تباشير" عودة المسيح السوداني:
Quote: " فإذا ابتدأ هذا اليوم فقد ابتدأت الساعة التي بها نهاية توقيت ختم النبوة بمحمد وجاء وقت المبعوث الذي بشر به محمد والرسل من قبله وهو عيسي ومع عيسي يبعث جميع الأنبياء والصديقين والأولياء كأصحاب له .. في هذا اليوم يصح أن تكون هناك نبوة لا بمعني وحي محسوس يجيء به الملك كما كان الشأن بين محمد وجبريل فإن ذلك قد إنقطع باستقرار القرآن بالأرض ولكن بمعني إلقاء رحماني علي قلوب عباد تطهرت من شوائب الشرك ولهذا اليوم علامات لا تعرف إلا بأنوار البصائر فمن كانت له بصيرة يبصر ويعرف أن الوقت قد حان ومن كان لا يري إلا بعيني رأسه كما تري الدواب لا يبصر شيئا ويظن أن الوقت هو الوقت منذ الأزل ، لأن الشمس مازالت تشرق من المشرق وتغرب في المغرب كما فعلت دائما .. إن هذا اليوم قد أظلنا الآن والناس عنه في عماية عمياء وقد مد لهم في عمايتهم عنه إلتباس صورته في أذهانهم باليوم الآخر الذي أسميته أعلاه بيوم الله في السماء فأن ذلك لا يجيء إلا حين تنتصر الحياة علي الموت بتجربته واجتيازه وهو امتداد ليوم الله في الأرض و ليس مغايرا له والي ذلك الإشارة بقوله تعالي: "من كان في هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا".


لاحظ تأكيد تلك التباشير ،عن نبوة بالقاء رحماني على قلوب تطهرت من شوائب الشرك. وبعد فترة طويلة تم التحدث عن رسول الرسالة الثانية باعتباره المسيح المنتظر ،وهو بدون شك في حدود مخطط الاستاذ النظري* ،هو مسيح سوداني. و مايؤكد سودانية المسيح ،فهو رد الاستاذ على سؤال ابن البان،كما اشرته اليه يا عزيزي ياسر.
وجه ابن البان السؤال التالي الى الاستاذ محمود:

Quote: حتى هذه الآونة لم تحل البراهين الدالة علي نزول المسيح عيسي بن مريم حسب ما لدينا من نصوص الفقه والحديث ، وقد تطرق أن سمعنا أن هناك دعوة مثل هذا الحديث العيسوى تقومون بها. فماذا تقرر وماذا تقول ؟؟


فكان رد الاستاذ كالآتي:
Quote: أما عن الجزء الأخير من السؤال فأنه قد ألقى إلى ذلك وتواتر الإلقاء وإنما يحقق الله الحق ويبطل الباطل بكلماته وليس المهم عندي من أكون وإنما المهم عندي أن أعرف كيف أدعو الناس إلى الله دعوة يكون بها صلاح الدين والدنيا".

*كلامننا عن المخطط النظري للاستاذ ،مرتبط بما سنقول به ايضا عن المخطط النظري لسيد قطب في سبيل استعادة الاسلام لدوره القيادي بعد فشل "جاهلية " القرن العشرين.
المشاء

Post: #144
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-05-2007, 07:59 PM
Parent: #143

عزيزي أسامة،

سلامات

Quote: من الواضح ايضا ان الدعوة الى نهاية التاريخ كما أسميها ،او عودة المسيح ،كانت دعوة الاستاذ منذ الخمسينيات،وتوجب بكتابين عن عن عودة المسيح.


أنت تعتبر الحديث عن عودة المسيح نهاية التاريخ وهذا طبعا واحد من المفاهيم السائدة، ولكن هذا ليس مفهوم الأستاذ محمود.. لو رجعت إلى نفس المقابلة ستكتشف ذلك.. بل الفقرة التي أوردتها نفسها توضح ذلك ولكن في إيجاز شديد..

قولك:
Quote: و كل ما ذكر ،يؤكد ان صورة المسيح هي صورة المسيح السوداني،وما التقدير الذي تكنه الفكرة للسودان إلا صورة من صور التمهيد لعودة المسيح في صورته السودانية من خلال رسول الرسالة الثانية .

يبدو لي أن مفهوم نهاية التاريخ الذي ذكرته، وصورة السودان بالقياس إلى دول العالم الأخرى هي التي تجعلك تركز على مسألة صورة "المسيح السوداني" بهذه الطريقة.. كما أرجو أن لا يصح ظني [وبعض الظن إثم] أنك تستكثر على السودان أو على السودانيين أن يكون منهم من هو مسيح بمعنى "فادي".. ستكون دراستك ذات قيمة كبيرة لو تجاوزت مسألة "نهاية التاريخ" وركَّزت على ما جاء في كتب الأستاذ محمود عن مسألة الخلاص والسلام والتخلص من الخوف وأن الدعوة هي للناس لتحقيق هذا السلام في دواخلهم.. لاحظ أن المسألة بدأت في هذه المقابلة بأمر رأيتك لم تركِّز عليه وهو إنتصار الحياة على الموت "بتجربته واجتيازه".. وإذا رجعت إلى كتابي "عودة المسيح" و "المسيح" ستجد عديد الفقرات التي تؤكد انفتاح المسألة للناس جميعا.. ودعني أرشح لك كتاب "رسالة الصلاة" وبصورة خاصة المرحلة الرابعة من مراحل الإنسان المرتقبة بدخول الحاسة السادسة والحاسة السابعة..

Quote: و من حوار ابن البان ،والذي ارى انه حوار مهم ،يكشف بعضا من الخلفية التاريخية التي شكلت الفكرة الجمهورية،خاصة ان ذلك الحوار قد عمل،بعد عودة الاستاذ من اعتكافه الشهير.


كلامك صحيح يا أسامة.. هذا الحوار يكشف بعضا من الخلفية التاريخية التي شكلت الفكرة الجمهورية وشكلت حياة الأستاذ ولكن على مفهوم المسيح بوصفه "الشهيد" أو "الفادي" والدليل على ذلك أن الجمهوريين بعد الأستاذ قد وجدوا وصية مكتوبة بخط يد الأستاذ منذ الخمسينات يوصي فيها أن تقوم زوجته بتجهيزه إذا حدث عليه طارئ الموت وأن لا يوضع على قبره علامة وألا يُناح عليه.. أما مفهوم المسيح بوصفه الذي يظهر على يده الإسلام على كل الأديان ويصبح دين كل الإنسانية فإن الأستاذ محمود لم يكن منشغلا به برغم انتظاره وتوقع نزوله بل كان يركِّز على أداء الواجب المباشر في الدعوة بالصور العملية الواضحة..

قولك:
Quote: لاحظ تأكيد تلك التباشير ،عن نبوة بالقاء رحماني على قلوب تطهرت من شوائب الشرك. وبعد فترة طويلة تم التحدث عن رسول الرسالة الثانية باعتباره المسيح المنتظر ،وهو بدون شك في حدود مخطط الاستاذ النظري* ،هو مسيح سوداني.

يجب أن تذكر دائما يا أسامة أن الأمر ليس بنبوة جديدة أو وحي يختلف عن القرآن.. وحتى رسول الرسالة الثانية قد تم التأكيد على أنه هو النبي محمد عليه السلام في الأساس والأصل، ثم هو رجل آتاه الله الفهم عنه ليعرف هذا المستوى من القرآن وأذن له في الكلام بمعنى يسَّر له أسبابه وجعله ممكنا.. نعم، الأستاذ محمود هو الذي جاء بفهم الرسالة الثانية من القرآن وهو الذي أظهر صدقه في تفديته لدعوته وفكرته، وهو بهذا المعنى رسول الرسالة الثانية أيضا.. وقول المسيح الذي أورده الأستاذ في خاتمة مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب الرسالة الثانية هو مسألة مفتاحية "احذروا الأنبياء الكذبة.. قالوا كيف نعرفهم؟ قال بثمارهم تعرفونهم".. فالمسألة ليست ادعاء وإنما إخضاع الدعوة للنقاش والدفاع عنها ومواجهة المصاعب في سبيل التعريف بها ونشرها.. و"بثمارهم تعرفونهم" لها عدة معانٍ ففي القمة تعني أنكم تعرفونهم بأخلاقهم وبقوة فكرهم وبسلامة قلوبهم ثم بثباتهم على أمرهم حتى في وجه الموت يعني "السلامة من الخوف من الموت" وهذا ما قد عرفه القاصي والداني عن الأستاذ محمود..
Quote: *كلامننا عن المخطط النظري للاستاذ ،مرتبط بما سنقول به ايضا عن المخطط النظري لسيد قطب في سبيل استعادة الاسلام لدوره القيادي بعد فشل "جاهلية " القرن العشرين.


سأنتظر لأقرأ هذه الدراسة وأتمنى لك التوفيق.. أدعوك لقراءة كتاب "رسالة الصلاة" وكتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" إن لم تكن قد قرأتهما من قبل..

وشكرا

ياسر

Post: #145
Title: الانسان ما هو؟ ومن هو؟
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-06-2007, 09:38 AM
Parent: #1

الأخ عبد الله الشقليني والجميع
سلامات
الإنسان وإبن الإنسان من الكلمات التي تتكرر كثيرا في روايات الأناجيل عن السيد المسيح عليه السلام.. ودعوني آخذ مثالا من إنجيل متى:


Quote: 13ولمّا وصَلَ يَسوعُ إلى نواحي قيْصَرِيَّةِ فيلبٌّسَ سألَ تلاميذَهُ: "مَنْ هوَ اَبنُ الإنسانِ في رأيِ النّاسِ؟" 14فأجابوا: "بعضُهُم يقولُ: يوحنّا المَعْمدانُ، وبعضُهُم يقولُ: إيليّا، وغيرُهُم يقولُ:
إرميا أو أحَدُ الأنبـياءِ". 15فقالَ لهُم: "ومَنْ أنا في رأيِكُم أنتُم؟" 16فأجابَ سِمْعانُ بُطرُسُ: "أنتَ المَسيحُ اَبنُ الله الحيَّ". 17فقالَ لَه يَسوعُ: "هَنيئًا لَكَ، يا سِمْعانُ بنَ يُونا! ما كشَفَ لكَ هذِهِ الحَقيقةَ أحدٌ مِنَ البشَرِ، بل أبـي الَّذي في السَّماواتِ. 18وأنا أقولُ لكَ: أنتَ صَخرٌ، وعلى هذا الصَّخرِ سأبني كَنيسَتي، وقوّاتُ الموتِ لنْ تَقوى علَيها. 19وسأُعْطيَكَ مفاتيحَ مَلكوتِ السَّماواتِ، فما تَربُطُهُ في الأرضِ يكونُ مَربوطًا في السَّماءِ، وما تحُلٌّهُ في الأرضِ يكونُ مَحلولاً في السَّماءِ". 20وأوصى يَسوعُ تلاميذَهُ أنْ لا يُخبِروا أحدًا بأنَّهُ المسيحُ.


فالمسيح نفسه يتحدث عن "إبن الإنسان".. وبطرس يقول له: "أنت المسيح إبن الله الحي". والمسيح يقره على قوله وهذا يعني أن ما يفهمه المسيح عن "إبن الله الحي" هو نفس معنى "إبن الإنسان".. وبرغم ما قاله بطرس فإن المسيح أخبره بأنه سينكره ثلاثا قبل أن يصيح الديك لأنه سيكتشف أمرا جديدا عليه!! فالتلميذ بطرس له تصور مختلف عن تصور مُعَلِّمِهِ يسوع المسيح لـ "إبن الإنسان".. فالمسيح كان يعرف أن "إبن الإنسان" لا بد أن يُجَرَّب ويُمتحن ويتألم ويموت، ولذا عندما رأى بطرس أن الفريسيين قد قبضوا عليه وضربوه والبسوه تاجا من شوك دبَّ الشك إلى نفسه وأنكر معرفته بمعلمه.. ولكن لم يلبث أن أدركه الندم ورجع وتذكر ما كان قد قاله لهم المعلم يسوع المسيح:

Quote: 21وبدَأَ يَسوعُ مِنْ ذلِكَ الوَقتِ يُصَرَّحُ لِتلاميذِهِ أنَّهُ يجِبُ علَيهِ أنْ يذهَبَ إلى أُورُشليمَ ويَتألَّمَ كثيرًا على أيدي شُيوخِ الشَّعبِ ورُؤساءِ الكهَنةِ ومُعلَّمي الشَّريعةِ، ويموتَ قتلاً، وفي اليومِ الثّالثِ يَقومُ.

22فاَنفَرَدَ بِه بُطرُسُ وأخذَ يُعاتِبُهُ فيقولُ: "لا سمَحَ الله، يا سيَّدُ! لن تلقى هذا المَصيرَ!" 23فاَلتَفَتَ وقالَ لبُطرُسَ: "اَبتَعِدْ عنّي يا شَيطانُ! أنتَ عَقَبَةٌ في طريقي، لأنَّ أفكارَكَ هذِهِ أفكارُ البَشرِ لا أفكارُ الله".

24وقالَ يَسوعُ لِتلاميذِهِ: "مَنْ أرادَ أنْ يَتبعَني، فلْيُنكِرْ نَفسَهُ ويَحمِلْ صَليبَهُ ويتبَعْني، 25لأنَّ الَّذي يُريدُ أن يُخلَّصَ حياتَهُ يَخسَرُها، ولكنَّ الَّذي يخسَرُ حياتَهُ في سبـيلي يَجِدُها. 26وماذا يَنفَعُ الإنسانَ لو رَبِـحَ العالَمَ كُلَّهُ وخسِرَ نَفسَهُ؟ وبِماذا يَفدي الإنسانُ نَفسَهُ؟ 27سيَجيءُ اَبنُ الإنسانِ في مَجدِ أبـيهِ معَ ملائِكَتِهِ، فيُجازي كُلَ واحدٍ حسَبَ أعمالِه. 28الحقَّ أقولُ لكُم: في الحاضِرينَ هُنا مَنْ لا يَذوقونَ الموتَ حتَّ? يُشاهِدوا مَجيءَ اَبنِ الإنسانِ في مَلكوتِهِ".


الأستاذ محمود في مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب "رسالة الصلاة" كتب عن "الإنسان ما هو؟ ومن هو" أود أن أضع هذه الكتابة هنا في هذه المداخلة، خاصة أنني قد أشرت للأخ أسامة إلى هذا الكتاب، وسأواصل في مداخلة قادمة..
وشكرا
ياسر
6 مارس 2007




Quote:

الإنسـان..


الانسان ما هو؟ ومن هو؟
الانسان حيوان نزل منزلة الكرامة بالعقل.. والإنسان لا يزال في طور التكوين، ولن يكون لاستمرار تكوينه نهاية، فهو يتنقل في منازل الكمال تنقلا سرمدياً.. والحيوان يتنقل أيضا، وقصاراه في ذلك أن ينزل أدنى منازل الانسان.. فكأن الاختلاف بين الحيوان والإنسان اختلاف مقدار، وليس اختلاف نوع.. التوحيد يطلب إلينا أن ننظر الى جميع المخلوقات، بله الأحياء، كسلسلة واحدة متصلة الحلقات، وإن كان حجم الحلقات يختلف أثناء السلسلة.. ولدى هذه النظرة، فليس في الوجود الحادث غير الانسان، وجميع ما نراه، ومالا نراه، من هذا الوجود، إنما هو الانسان في أطوار مختلفة ومتتالية.. وإلى هذا المعنى المتكامل الإشارة بقوله تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟)) ومعنى ((هل)) هنا ((قد)) وهذا الحين من الدهر هو أمد ممدود، ودهر دهير..
وللإنسان في هذه النشأة الطويلة أربع مراحل متصلة الحلقات، ولا يفصل بينها إلا حلقات من السلسلة، أكبر من سابقاتها، تمثل قفزة في سير التطور.. وتمثل هذه القفزة بدورها حصيلة الفضائل العضوية التي استجمعت من خلال المرحلة السابقة.. وهذا التقسيم إلى أربع مراحل إنما هو لتبسيط البحث فقط: وإلا فإن في داخل كل مرحلة، مراحل يخطئها العد.. وسنجمل الحديث عن هذه المراحل فيما يلي: ـ

المرحلة الأولى من نشأة الإنسان ..


هذه تعني تطوره في المادة غير العضوية منذ بروزه في الجسد.. وهو بروز في الأزل - في بدء الزمن.. وإلى هذه البداية السحيقة أشار تعالى بقوله: ((أولم ير الذين كفروا أن السموات، والأرض، كانتا رتقاً، ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون؟)).. الرتق ضد الفتق، وهو يعني الالتئام.. وعن هذا الأمر المرتوق، قال تعالى، في موضع آخر: ((ثم استوى إلى السماء، وهي دخان، فقال لها، وللأرض، ائتيا طوعاً، أو كرها. قالتا أتينا طائعين)) والدخان هنا يعني الماء، في حالة بخار.. فقد كانت السموات والأرض سحابة من بخار الماء، مرتتقة، ففتقت، وبرز التعدد من هذه الوحدة.. ولم تكن جرثومة الانسان يومئذ غائبة.. وإنما كانت هي ذرات بخار الماء.. ومن يومئذ بدأ تطور الانسان العضوي يطرد، تحفزه، وتوجهه، وتسيره، وتقهره، وتصهره، الإرادة الإلهية المتفردة بالحكمة .. وقد أنفق في هذه المرحلة من مراحل النشأة أمداً يعجز الخيال تصوره.. ثم انتهت هذه المرحلة ببروز المادة العضوية..

المرحلة الثانية من نشأة الانسان ..


وببروز المادة العضوية من المادة غير العضوية ظهرت الحياة، كما نعرفها نحن.. وإلا، فإن جميع المادة، عضوية، أو غير عضوية، حية.. وكل ما هناك، أن الحياة بدأت تبرز في المادة العضوية، بعد أن كانت كامنة في المادة غير العضوية.. فهي لم تجئ من خارج المادة..
وأدنى درجات الحياة، التي نسميها اصطلاحاً حياة أن يكون الحي شاعرا بحياته، وآية ذلك أن يتحرك الحي، حركة تلقائية، وأن يتغذى، وأن يتناسل.. وقد بدأت هذه الحياة بحيوان الخلية الواحدة.. وبهذه الخطوة الجليلة، والخطيرة، افتتح عهد جديد.. عهد عظيم.. عهد الحياة والموت.. ومن يومئذ بدأ رأس سهم الحياة، وطليعتها في السير.. يالها من بداية!! وفي ذلك قال تعالى: ((ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون)) .. الحمأ الطين الأسود.. والحمأ المسنون الطين المتغير، المنتن.. والصلصال الطين اليابس، الذي يصل أي يصوت إذا لمسته.. وإنما احمومى الحمأ لأنه قد طبخ بحمو الشمس.. وذلك لأن الأرض قد كانت قطعة من الشمس انفصلت عنها، وأخذت تبرد، وتجمد، وتتهيأ لظهور الحياة عليها.. ثم ظهرت الحياة بين الماء والطين.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.؟ * إنا خلقنا الانسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا)).. فإن النطفة، في هذه المرحلة من مراحل النشأة البشرية تعني الماء الصافي.. وأمشاج ، جمع مشيج.. من مشج، يمشج، مشجاً، إذا خلط بين شيئين.. وهما هنا الماء والطين.. فالنطفة الأمشاج، هي الماء المخلوط بالطين ..
وهذه المرحلة الثانية، من مراحل النشأة البشرية، التي بدأت بحيوان الخلية الواحدة في القاعدة، تنتهي عند أعلى الحيوانات الثديية، في القمة.. وحين تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل النشأة، إنما تبدأ بقفزة جديدة، مذهلة، بها يدخل الانسان، كما نعرفه اليوم، في مسرح الحياة .

المرحلة الثالثة من نشأة الانسان ..


هذه هي المرحلة التي نحن نعيش الآن في أخريات أيامها، وهي قد بدأت يوم ظهور آدم النبي - الانسان المكلف - في الأرض.. وآدم هذا، ليس هو آدم الخليفة، الذي خلقه الله كاملا، أو يكاد، في الجنة، وأسجد له الملائكة.. وإنما هو طور من أطوار ترقى الخلقة التي انحطت عن آدم الخليفة، نحو مرتبة آدم الخليفة.. ذلك بأن آدم الخليفة - آدم الكامل - قد خلق في الجنة - في الملكوت - ثم لما أدركته الخطيئة طرد من الجنة، وأهبط الى الأرض.. وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ((فتعالى الله الملك الحق، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علماً * ولقد عهدنا إلى آدم، من قبل، فنسي، ولم نجد له عزماً * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا، إلا إبليس، أبى * فقلنا: يا آدم، إن هذا عدو لك، ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها، ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها، ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان، قال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ، وملك لا يبلى؟ * فأكلا منها، فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه، فغوى * ثم اجتباه ربه، فتاب عليه، وهدى * قال: اهبطا منها، جميعاً، بعضكم لبعض عدو، فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل، ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً، ونحشره، يوم القيامة، أعمى)) . وعن طرد آدم من الجنة، وإهباطه إلى الأرض، بعد خلقه في أقرب صورة إلى الكمال. ورد القول الكريم: ((لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون)) وكان آدم، وزوجه، من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فإنهما تابا، وندما، بعد الزلة، وقالا: ((ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكون من الخاسرين)) هذا في حين أن إبليس الذي تولى إغواءهما، لم يتب، ولم يندم، ولم يطلب المغفرة، ولا الرحمة، وإنما طلب الإمهال، والإنظار: ((أنظرني الى يوم يبعثون)) فلما أجيب الى طلبه: ((إنك من المنظرين)) أظهر إصراراً على الاستمرار في الإغواء: ((فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين)) ولذلك لما ردوا جميعا إلى أسفل سافلين ترك هو هناك، واستنقذ الله آدم وزوجه، وهداهما بإيمانهما سبيل الرجعى.. فهذا معنى قوله تعالى: ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون)) وعندما رد آدم إلى أسفل سافلين كان في نقطة بدء الخليقة - في مرتبة بخار الماء - ثم بدأ سيره، بتوفيق الله، في مراقي القرب، حتى إذا بلغ مبلغ النبوة على الأرض، فكان الإنسان المكلف الأول، كان قد بدأ ينزل بصورة، محسوسة، أول منازل القرب من مقام الخلافة العظيمة التي فقدها بالمعصية، ولكنه كان لا يزال عن كمالها بعيدا . وبنزوله هذه المنزلة الشريفة أصبح له ذكر في الملكوت، بعد أن سقط ذكره زمنا طويلا.. وفي ذلك يقول تعالى: ((هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟))

النبوة الأولى ـ خلافة الأرض:


وهذه المنزلة التي نزلها آدم في طريق العودة من التيه، والتي كان له بنزولها ذكر في ملكوت الله، هي منزلة أول نبوة على هذه الأرض، وبذلك فإن نازلها أول خليفة على ظهر هذه الأرض.. وقد حاول نزولها قبل آدم أبو البشر أوادم كثيرون، فلم يفلحوا، وانقرضوا، واستمرت محاولة طلائع سلالة الطين في نزول هذه المنزلة الشريفة، وكان الفشل لهم بالمرصاد، حتى إذا استقر في أذهان الملائكة أنهم لن يفلحوا، تأذن الله بظهور المحاولة الناجحة، فكان آدم أبو البشر.. ولما آذن الله ملائكته بأنه سيجعل، من سلالة الطين، في الأرض خليفة، عارضوا: ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك؟ قال: إني أعلم مالا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم * قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم، قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات، والأرض، وأعلم ما تبدون، وما كنتم تكتمون؟)).. ولقد عارض الملائكة في اتخاذ الله الخليفة من سلالة الطين قياسا على سابق علمهم، المستمد من سابق تجاربهم مع الأوادم السابقين.. فلما كشف الله لهم كمال النشأة البشرية المتمثل في مقدرتها على التطور، والترقي، والخروج باستمرار، من الجهل إلى العلم، أذعنوا، وانقادوا..
ولقد جرت جميع هذه الأمور ثلاث مرات، ثلاث مرات.. فآدم قد خلق ثلاث مرات: مرتين في عالم الملكوت، ومرة في عالم الملك.. ذلك بأن الأسماء المسيطرة على الخلق هي العالم، المريد، القادر.. فبالعلم أحاط الله بمخلوقاته، في عالم الملكوت، وبالإرادة نزل بالإحاطة إلى التخصيص فكان أقرب إلى التنفيذ، وإن لم يزل في عالم الملكوت، ولكن مما يلي عالم الملك.. وبالقدرة نفذ في عالم الملك ما تمت الإحاطة به إجمالا، وتم تخصيصه تفصيلا في عالم الملكوت.. فعالم الملكوت عالم العقول، وعالم الملك عالم الأجساد .. وكل شيء في عالم الملكوت مسيطر على نظيره في عالم الملك.. لأن عالم الملكوت عالم لطائف، وعالم الملك عالم كثائف.. ولكل لطيف سلطان على كل كثيف.. وهذا معنى قوله تعالى: ((فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ، وإليه ترجعون)) .. وإنما ترجع كثائفنا إلى لطائفنا ، وذلك بخضوع نفوسنا، وهي كثائف، لعقولنا وهي لطائف.. وقمة اللطائف في ذات الله، ومن ثم وجب الرجوع إليه تعالى، وإنما يكون الرجوع بتقريب صفاتنا من صفاته، وذلك بفضل مدركات العقول المرتاضة بأدب الحق، وأدب الحقيقة..


من مقدمة الطبعة الرابعة لكتاب "رسالة الصلاة" للأستاذ محمود محمد طه..
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=8&chapter_id=5

Post: #146
Title: Re: الانسان ما هو؟ ومن هو؟
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-06-2007, 10:37 AM
Parent: #145

مواصلة:

Quote:

نشأة العقل..


العقل هو القوة الدراكة فينا.. وهو لا يختلف عن الجسد اختلاف نوع، وإنما يختلف عنه اختلاف مقدار.. فالعقل هو الطرف اللطيف من الحواس.. والحواس هي الطرف اللطيف من الجسد.. وإنما بصهر كثائف الجسد، تحت قهر الإرادة الإلهية، ظهرت لطائف الحواس، ثم لطائف العقول..
ولقد امتازت هذه المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان بظهور العقل.. ولم يكن العقل غائبا عن المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية، من مراحل النشأة ولكنه كان كامناً كمون النار في الحجر، ثم صحب بروزه من الكمون إلى حيز المحسوس، هذه المرحلة الثالثة.. وعن حركة بروز العقل، ووسيلة بروزه، يخبرنا الله تبارك وتعالى، فيقول: ((إنا خلقنا الانسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل، إما شاكرا، وإما كفورا)).. فالنطفة الأمشاج تعني الماء المخلوط بالطين، وذلك عند ظهور الحياة بالمعنى الذي نعرفه، وهذا يؤرخ نهاية المرحلة الأولى، من مراحل نشأة الانسان، وبداية المرحلة الثانية.. ولا تزال الحياة، في القاعدة، تستمد من هذا المصدر.. ثم أخذت الحياة تلد الحياة، بطريقة، أو بأخرى، وذلك في مراحلها الدنيا، وقبل أن تتطور، وتتعقد، وتبرز الوظائف المختلفة، للأعضاء، وللأنواع.. وقبل أن تبرز الأنثى بشكل مستقل عن الذكر.. وتمثل هذه الحقبة طرفا من المرحلة الثانية من مراحل نشأة الانسان.. ثم عندما ارتقت الحياة، وتوظفت الوظائف، أصبحت الحياة تجيء من التقاء الذكر بالأنثى، وأصبحت النطفة الأمشاج تعني ماء الفحل المختلط ببويضة الأنثى..
وكل السر في عبارة ((نبتليه))، لأنها تشير إلى صهر العناصر في الفترة التي سبقت ظهور المادة العضوية.. وتشير إلى صراع الحي مع بيئته الطبيعية، بعد ظهور أول الأحياء، وإلى يوم الناس هذا.. ((فجعلناه)) نتيجة لهذا الابتلاء، والبلاء، ((سميعا بصيرا)) إشارة إلى بروز الحواس في الحي، الواحدة تلو الأخرى.. وبعد أن اكتملت الحواس الخمس، وأصبح الحي حيواناً سوياً انختمت المرحلة الثانية من مراحل النشأة البشرية، وبدأت المرحلة الثالثة، وذلك ببروز لطيفة اللطائف - العقل - وإلى ذلك الإشارة بالآية السابقة ((إنا هديناه السبيل، إما شاكراً، وإما كفوراً.)).. ((إما شاكراً، وإما كفوراً)) تعني إنا هديناه إلى الشكر عن طريق الكفر، أو قل إلى الصواب عن طريق الخطأ.. وإليه أيضاً الإشارة بقوله تعالى: ((ألم نجعل له عينين؟ * ولسانا وشفتين؟* وهديناه النجدين؟)).. قوله: ((ألم نجعل له عينين؟)) إشارة إلى الحواس جميعها.. قوله ((ولسانا وشفتين؟)) إشارة إلى العقل.. فإنه هنا لم يعن باللسان مجرد الشريحة المقدودة من اللحم، والتي يشارك الإنسان فيها الحيوان، وإنما أشار باللسان إلى النطق باللغة، ولذلك ذكر الشفتين لمكانهما من تكوين الأصوات المعقدة، المختلفة التي تقتضيها اللغة.. واللغة ترجمان العقل، ودليله.. ثم قال: ((وهديناه النجدين)).. أصل النجد ما ارتفع من الأرض.. وهو هنا الطريق المرتفع.. و((النجدين)) الطريقين: طريق الخطأ، وطريق الصواب.. ولقد هدى الله الانسان الطريقين.. فهو يعمل، فيخطئ، فيتعلم من خطئه.. وحين هدى الله الإنسان النجدين، لم يهد الملائكة إلا نجداً واحداً، وهو أيضاً لم يهد الشياطين إلا نجداً واحداً.. وذلك أن الله، تبارك وتعالى، خلق شهوة بغير عقل، وركبها في الشياطين، ومن قبلهم، إلى أعلى الحيوانات، ما خلا الانسان، فهم يخطئون، ولا يصيبون.. وخلق عقولا بلا شهوة، وركبها في الملائكة، فهم يصيبون، ولا يخطئون.. ثم جعل الانسان برزخاً، تلتقي عنده النشـأتان: النشأة السفلية، والنشأة العلوية، فركب فيه الشهوة، وركب فيه العقل، وأمره أن يسوس شهوته بعقله.. فهو في صراع، لا يهدأ، بين دواعي الشر، ودواعي الخير.. وبين موحيات الخطأ، وموجبات الصواب.. فذلك معنى قوله، تبارك و تعالى، ((وهديناه النجدين)).. وهذه النشأة ((البرزخية)) التي جمعت بين الخطأ والصواب هي التي جعلت مطلق بشر أكمل من مطلق ملك.. ولمكان عزتها قال المعصوم: ((إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيأت الله بقوم يخطئون، ويستغفرون، فيغفر لهم..)).. وعزة هذه النشأة في مكان الحرية فيها.. لأن حق الخطأ هو حق حرية أن تعمل، وتخطئ، وتتعلم من خطئك كيف تحسن التصرف في ممارسة حريتك، بغير حد، إلا حداً يكون منشأه عجزك عن حسن التصرف .. وذلك عجز مرحلي ، لن تلبث أن تخرج منه إلى قدرة أكبر على حسن التصرف، وهكذا دواليك.. والحرية هي روح الحياة.. فحياة بلا حرية إنما هي جسد بلا روح.. ويكفي أن نقول أن الحرية هي الفيصل بين حياة الحيوان، وحياة الانسان..
وفي بدء الحياة كان الشعور.. وأدنى درجات الحياة أن يشعر الحي بوجوده.. وليس فيما دون هذا الشعور حياة.. ويوجب هذا الشعور بالوجود إحساس الحي بالحر، وبالبرد، وبالألم.. وجاء من هذا الإحساس الحركة من الحر المضر، ومن البرد المضر، ومن كل ألم، وإلى كل لذة ممكنة.. وبوحي من الفرار من الألم، والسعي في تحصيل اللذة، جاءت القدرة على تحصيل الغذاء، والالتذاذ به، وجاءت القدرة على التناسل، والالتذاذ به .
وكان حيوان الخلية الواحدة يحس بكل جسده الرخو، ثم تعقدت الحياة، وارتقت، ورهف إحساسها بالخطر الذي يتهددها، فظهرت الحاجة إلى الوظائف المختلفة، فكان على الجلد أن يتكثف ، ويغلظ، ليكون درقة، ودرعا، وكان على بعض أجزاء الجسد، غير الجلد، أن يقوم بوظيفة الحس.. وهكذا بدأ نشوء الحواس.. ونحن لطول ما ألفنا الحواس الخمس نتورط في خطأ تلقائي، إذ نظن أن الأحياء قد خلقت وحواسها الخمس مكتملة.. والحق غير ذلك.. فإن الحواس نشأت، الواحدة، تلو الأخرى، كلما ارتقت الحياة، وتعقدت وظائف أعضاء الحي.. ففي البدء كان اللمس بالجسم كله - بالجلد - ثم لما توظف الجلد في الوقاية، خصصت بعض الأجزاء للمس.. ثم ارتقت وظيفة الحس لما أحتاج الحي للمس، والخطر على البعد، فامتدت هذه الوظيفة، امتداداً لطيفاً، فكان السمع، ثم كان النظر، ثم كان الذوق، ثم كان الشم .. وليس هذا ترتيب ظهور للحواس، ولا هو ترتيب اكتمال.. فإن بعض الأحياء يحتاج لحاسة معينة أكثر من احتياجه للأخريات، فتقوى هذه على حساب أولئك، مع وجود الأخريات، بصورة من الصور..
والآن ، فإن الحيوانات العليا، بما فيها الإنسان، ذات خمس حواس.. وليس هذا نهاية المطاف.. فإن، في الإنسان، الحاسة السادسة، والحاسة السابعة في أطوار الاكتمال، ولا يكون، بعد الحاسة السابعة، تطور في زيادة عدد الحواس، وإنما يكون تطور في كمالها.. وهذا لا ينتهي، وإنما هو سرمدي..

ما هي الحاسة السادسة؟؟


هي الدماغ.. ووظيفتها الادراك المحيط، والموحد ((بكسر الحاء)) لمعطيات الحواس الأخرى - اليد، والأذن، والعين، واللسان، والأنف - في الحس، والسمع، والبصر، والذوق، والشم.. فإذا قويت يكون إدراكها لكل شئ عظيم الشمول، فكأنها تحسه، وتسمعه، وتراه، وتذوقه، وتشمه، في آن واحد

ما هي الحاسة السابعة؟؟


هي القلب.. ووظيفتها الحياة.. وهذه الحاسة هي الأصل، وجميع الحواس رسلها، وطلائعها، إلى منهل الحياة الكاملة.. ولقد نشأت الحياة وسط الخوف.. قال تعالى في ذلك: ((لقد خلقنا الإنسان في كبد)) والكبد المشقة، ولقد دفعت هذه المشقة، التي وجدت الحياة نفسها محاطة بها، الخوف في أعماق الأحياء.. ولولا الخوف لما برزت الحياة، في المكان الأول، ولما ارتقت وتطورت، في المكان الثاني. ثم هي إن لم تنتصر على الخوف، في آخر المطاف، لا يتم كمالها.. وإنما تنتصر الحياة على الخوف عندما تقوى الحاسة السادسة، وتدرك الأمر على ما هو عليه، على النحو الذي وصفنا، ويومئذ سيظهر لها أن الخوف إنما هو مرحلة صحبت النشأة في إبان جهلها، وقصورها، وأنه ليس هناك ما يوجبه في حقيقة الأشياء.. فإذا بلغت الحاسة السادسة هذا المبلغ، انبسطت الحاسة السابعة - القلب - واطمأنت، وانطلقت من الانقباض الذي أورثها إياه الخوف، وأخذت تدفع دم الحياة قويا إلى كل ذرات الجسد، وكل خلايا الجلد، تلك التي كان الخوف قد حجرها، وجعل منها درقة، ودرعا لصيانة الحياة البدائية.. وبذلك يعود الشعور لكل الجسد، ويصبح حياً كله، لطيفاً كله، جميلا كله، غاية الجمال.. وتكون أرض الجسد الحي يومئذ هي المعنية بقوله تعالى: ((وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج))..
هذه هي وظيفة الحاسة السابعة - الحياة الكاملة - وليس للحياة الكاملة نهاية كمال، وإنما كمالها، دائما، نسبي.. وهي تتطور، تطلب الحياة المطلقة الكمال، عند الكامل المطلق الكمال - عند الله - وإنما يكون تطورها باطراد ترقي جميع الحواس، كل في مجاله، وانعكاس ذلك على ترقي العقل، بقوة الفكر، وشمول الادراك.. وعلى قدر صفاء العقل، وقوة الفكر، تكون سلامة القلب، واتساع الحياة، وكمالها.. وهذا التطور المترقي بالحواس هو ما عناه الله بقوله ((وأنبتت من كل زوج بهيج))..
لقد وصلنا باستقرائنا لنشأة العقل، وتطوره، إلى المرحلة الرابعة من مراحل نشأة الانسان. وخضنا فيها، بعض الخوض، ونحن لم نفرغ بعد من الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، وسنوقف هذا الاستقراء لنتحدث قليلا عن المرحلة الرابعة، ثم نعود، من جديد، إلى مواصلة الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، لأنها أهم النشآت الأربع..

Post: #147
Title: Re: الانسان ما هو؟ ومن هو؟
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-06-2007, 10:55 AM
Parent: #146

مواصلة.. أرجو ملاحظة ما قاله الأستاذ محمود بأن المرحلة الرابعة من مراحل نشأة الإنسان "لمَّأ تأت بعد"..


Quote:

المرحلة الرابعة من نشأة الانسان


هذه المرحلة هي مرحلة الكمال، وهي لما تأت بعد.. وبدايتها أرفع من نهاية المرحلة الثالثة، ولا يدخلها الداخل إلا بقفزة من قمة منازل هذه المرحلة..
لقد تحدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الانسان.. تحدثنا عن المرحلة الأولى، فقلنا: أن بدايتها في الأزل، حيث برز الانسان في الجسد، في المادة غير العضوية - تلك التي نسميها، اصطلاحا، ميتة - ونهايتها عند دخول المادة العضوية في المسرح..
وتحدثنا عن المرحلة الثانية، وقلنا: أن بدايتها عند ظهور المادة العضوية - تلك التي نسميها، اصطلاحا، حية - ونهايتها عند ظهور العقل.. ويتضح لنا، من هذا، أن الشبه كبير بين المرحلتين: الأولى، والثانية، فهما معا مرحلة الجسد الصرف، على اختلاف مستوياته، من ذرة بخار الماء، وإلى أعلى الحيوانات الثديية، ما خلا الانسان..
وأما المرحلة الرابعة فهي تتميز من المرحلة الثالثة بدخول الحاسة السادسة، والحاسة السابعة، في المسرح، وتلك درجة جديدة، من درجات الترقي، تصبح بها الحياة البشرية شيئا جديدا، مختلفا عما ألفنا من قبل.. ولذلك فإنا نستطيع أن نقول: أن لدينا ثلاث مراحل لنشأة الانسان: مرحلة الجسد الصرف، ومرحلة الجسد والعقل المتنازعين، وأخيرا مرحلة الجسد والعقل المتسقين.. ولقد تطورت، إلى الآن، الحياة على هذا الكوكب في مضمار المرحلتين: الأولى والثانية: فهي قد كان تطورها الأول تطورا عضويا صرفا، ثم لما بدأ بروز العقل، بفضل الله، ثم بفضل التطور العضوي الصرف، أخذت في تطورها الثاني، وهو تطور عضوي - عقلي.. وهذا الطور هو الذي نعيشه نحن الآن، وإني لأرجو أن نكون إنما نعيش في أخريات أيامه.. وسيجيء يوم، قريبا، يصبح التطور فيه عقليا صرفاً، في مقابلة البداية بالتطور العضوي الصرف، ذلك الذي كانت به بداية الحياة.. وأصحابنا الصوفية يقولون: النهاية تشبه البداية، ولا تشبهها.. والمؤرخون يقولون: التاريخ يعيد نفسه، ولكنه لا يعيدها بنفس الصورة.. وأحكم القائلين يقول: ((كما بدأنا أول خلق نعيده، وعداً علينا، إنا كنا فاعلين)).. وهو تبارك، وتعالى، لا يعيده بنفس الصورة لأنه من أسرار الألوهية، أنها لا تقف، ولا ترجع، ولا تكرر نفسها.. فلم يبق إلا ما قلنا.
وهذه المراحل الثلاث: مرحلة التطور العضوي الصرف، ومرحلة التطور العضوي - العقلي، ومرحلة التطور العقلي الصرف..يمكن التعبير عنه، بلغة الدين، بأنها تقابل العوالم الثلاثة: عالم الملك، وعالم البرزخ، وعالم الملكوت.. فأما عالم الملك فهو عالم الأجساد، وأما عالم الملكوت فهو عالم العقول، وأما عالم البرزخ فهو عالم المنزلة بين المنزلتين - عالم مرحلي- وهذا هو عالم الانسان الحاضر، الذي نعيش نحن الآن في أخريات أطواره، كما سلفت إلى ذلك الإشارة..
وعالم الملكوت مسيطر على عالم الملك، والبرزخ، فهما تحت قهره، وحركتهما دائبة في طلبه، لأنهما إنما عنه صدرا، وقمة الملكوت عند الله، في صرافة ذاته، وعن ذلك قال تعالى: ((فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه ترجعون)).. وقد سلفت إلى ذلك الإشارة..
ولقد خلق الله كل شئ بالذات، ثم خلق بالواسطة، وهي الأسماء والصفات والأفعال.. وقد اقتضت حكمته أن يبرز خلقه إلى حيز الوجود بثلاث حركات: حركة العلم بالإحاطة، وحركة الإرادة بالتخصيص، وحركة القدرة بالإبراز إلى عالم المحسوس.. وهو في عالم البرزخ قد خلق بثلاثة أسماء: ((العالم المريد القادر)).. وهو، في عالم الملكوت، وهو يلي عالم البرزخ من أعلى، قد خلق بثلاثة أسماء: ((الله الرحمن الرحيم)).. وهو، في عالم الملك، وهو يلي عالم البرزخ من أسفل، قد خلق بثلاثة أسماء: ((الخالق البارئ المصور))..
ومعنى الخالق الذي أحاط بمخلوقاته علما، ومعنى البارئ الذي أعطى خلقه الصورة الأولى، ومعنى المصور الموالي تقليب الصورة الأولى من خلقه في الصور المختلفة سيراً في مراقي التطور حيث يطلب الأخير كمال الأول.. وفي هذا المعنى قال تعالى: ((ولقد خلقناكم، ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا، إلا إبليس، لم يكن من الساجدين)) فههنا ((خلقناكم)) تعني أحطنا علما ببداياتكم، ونهاياتكم.. و ((صورناكم)) تعني أعطيناكم الصورة الأولى، وهي ذرة بخار الماء.. وأما قوله تعالى: ((ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)) تعني سخرنا الملائكة في خدمة البشر، وذلك لمكان كرامة النشأة البشرية على الملائكية.. وهو، تبارك وتعالى إنما عطف بالحرف ((ثم)) ليفيد الترتيب، والتراخي في الزمن، والملائكة سجدوا، وإبليس أيضا سجد، ولكن الملائكة سجدوا ((طوعاً)) وإبليس سجد ((كرها)) والفريقان، على سواء، مسخران للبشر.. فأما الملائكة فمن أعلى، وأما إبليس، وذريته، فمن أسفل، وبتأرجح البشر بين الاثنين يجيء الصواب، والخطأ.. وكلا الصواب والخطأ لمصلحة تطور الانسان إلى الكمال.. لأن بهما، من البداية، تم كمال النشأة..
وفي أعلى معاني التطوير في اختطاط البداية، والنهاية، وفي التسيير، بين البداية، والنهاية، جاء قوله تعالى: ((أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)) يعني هدى الله التطور في مراقيه.. فأما التطور العضوي الصرف، فهداه بالدين العام، وأما التطور العضوي - العقلي، فهداه بالدين الخاص - ((مرحلة العقيدة)).. وأما التطور العقلي الصرف، فهداه بالدين الخاص - ((مرحلة العلم)).. ولتبيين هداية الدين الخاص، بمرحلتيه، للتطور العضوي - العقلي، وللتطور العقلي الصرف، نعود لمواصلة الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، كما وعدنا، وستكون لنا عودة إلى الحديث عن المرحلة الرابعة، أيضا، حين يمس الحديث التطور العقلي الصرف..

عودة للمرحلة الثالثة من نشأة الانسان:


قلنا أن هذه المرحلة تبدأ ببروز العقل في الانسان، وقلنا أن العقل لم يكن غائبا عن المرحلتين الأولى، والثانية، من مراحل نشأة الانسان، ((وهما معاً قد أسميناهما بمرحلة التطور العضوي الصرف)).. العقل لم يكن غائباً، وإنما كان كامناً في المادة، فمخضته الحوادث حتى برز إلى حيز الوجود.. وقد تحدثنا عن نشأة العقل، بشئ من التفصيل، لا نحتاج إلى إعادته هنا.. ولكنا، مع ذلك، لا بد لنا من الحديث عن العقل بشئ من التحديد لم يظفر به حديثنا السالف عن نشأة العقل.. قلنا أن آدم، بعد أن أقصي إلى مقام البعد - مقام أسفل سافلين - استنقذه الله بالتوبة عليه، فأخذ في طريق الرجعى، فقطع المرحلة الأولى من مراحل نشأته، وقطع المرحلة الثانية، أيضا، ودخل المرحلة الثالثة، وفي هذه نزل منزلة أول نبوة في الأرض، وفي هذه المنزلة اعتبر خليفة، وجرى في شأنه حوار الملائكة مع ربهم، ولكنهم اقتنعوا في آخر الأمر وسجدوا له.. وقد حصلت له من هذا المقام نكسة، وجرى عليه الإقصاء، ولكن بصورة أخف من تلك التي جرى فيها إقصاؤه من عالم الملكوت إلى أسفل عالم الملك..
إن منزلة النبوة التي نزلها آدم، وهو في طريق العودة من البعد، لم تكن أول نبوة، على الإطلاق، ولكنها كانت أول نبوة ناجحة.. وآدم نفسه، على الأرض، قد كان مسبوقا بأوادم كثيرين.. فهو ليس أول آدم، على الإطلاق، ولكنه أول تجربة نجحت، من تجارب الأوادم الكثيرين.. ومعارضة الملائكة، حين قالوا: ((أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء؟)) لم تكن على غير وجه من وجوه الصحة، ولكنها كانت مبنية على تجربة محدودة مع بعض نماذج من سلالة الطين - مع بعض الأوادم- فلما أبان الله لهم كيف أن اطراد التحسين في أفراد هذه السلالة لا يقف عند حد، وأن النقص في أفرادها إنما هو مرحلي، اقتنعوا، وأذعنوا، وسجدوا.. وكان الأوادم السابقون لآدم أبي البشر الحاضرين، كلما وضعوا موضع الخلافة، فانحطوا عنها، عوقبوا بألوان الإقصاء.. وكانت ظاهرة الإقصاء المتواترة، الانقراض، مع استخلاص أفراد يكون لهم على معاصريهم ميزة، ولكنها ميزة غير كافية لإرساء التجربة المبتغاة، في الحكمة منهم.. ولنا فيما جرى لقوم نوح نموذج صريح، مع أن هؤلاء قد جاءوا في وقت متأخر كثيرا..
ثم إن صور إقصاء الخلفاء، المقصرين عن شأو الخلافة، قد لطفت، بمحض اللطف الإلهي، فلم تعد الانقراض الحسي، وإنما أصبحت في صورة ((السلب بعد العطاء))، والسقوط من مقام القرب بالمعرفة بالله، إلى مقام البعد بالجهل بالله.. ولنا في ذلك نموذج، فيما قص الله علينا، من خبر أحد العارفين، من المتأخرين، وذلك حيث يقول، تبارك من قائل: ((واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا، فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث.. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا.. فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)) هذه هي صورة الإقصاء، التي سبقت زلة آدم.. ثم إن هذه الصورة نفسها قد لطفت بمحض اللطف الإلهي، فأصبحت إبعاداً مؤقتا، تعقبه توبة، ثم مغفرة، ثم تقريب بعد إبعاد.. وهذا هو الذي جرى لآدم، فإن إقصاءه الثاني لم يكن بعيداً وإنما كان البعيد إقصاءه الأول، وفي هذا جرى العتاب: ((وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين)) وهما إنما قالا ذلك بإلهام الله إياهما.. وهو تعالى لم يكن ليلهمهما الاستغفار إلا وهو يريد أن يغفر لهما.. وقد فعل.. فكانت زلة آدم هنا موجبة لبعد قريب، وقد عاد منه للقرب وكأن شيئا من البعد لم يكن.. ولنا فيما جرى لموسى، وهو ليس بعيداً عن آدم أبيه، ما يدل على سرعة الرجعى بالمغفرة، حين ييسر الله الاستغفار من الذنب: ((ودخل المدينة، على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته، وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته، على الذي من عدوه، فوكزه موسى، فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان، إنه عدو، مضل، مبين * قال رب، إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فغفر له، إنه هو الغفور الرحيم * قال رب، بما أنعمت علي، فلن أكون ظهيرا للمجرمين)).. ثم لم يزل عقاب المخالفين، من المصطفين، يلطف، بمحض اللطف الإلهي، حتى على عهد الحبيب الأعظم، إلى أن يقدم الله المغفرة قبل العتاب.. قال تعالى لحبيبه محمد: ((عفا الله عنك، لم أذنت لهم، حتى يتبين لك الذين صدقوا، وتعلم الكاذبين؟))..

Post: #148
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مختار مختار محمد طه
Date: 03-08-2007, 01:40 PM
Parent: #1

تحيتى ومحبتى

Post: #149
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-10-2007, 11:00 AM
Parent: #148



نعود للحديث عن مصطلح الجاهلية كما تم تداوله في الخطاب الاسلامي المعاصر:

في مقابل الجاهلية يطرح سيد قطب مفهوم الحاكمية.و يرى ان ذلك النموذج للحاكمية يتحقق من خلال امة تتبنى القيم الاسلامية .وسنعود للكلام عن المخطط النظري لسيد قطب في مواجهة الجاهلية المعاصرة بأشكالها الاسلامية واشكالها الغربية و مقارنة ذلك بالمخطط النظري في الخطاب الجمهوري.

*****
في كتابه الشهير جاهلية القرن العشرين يواصل محمد قطب الشغل على مصطلح جاهلية القرن العشرين .ونرى ذلك بوضوح في مقدمته للكتاب:
يطرح محمد قطب تساؤلا مهما في نظره حول العنوان و حول القرن العشرين:

Quote: سيعجب الناس من العنوان00 وسيستنكره كثيرون!
القرن العشرون؟!00 الحضارة والمدنية00 العلم والكشوف00 التنظيم والتنسيق00 سيطرة الإنسان على الطبيعة00 الذرة والصاروخ0 كل ذلك جاهلية؟!
لقد بلغ الإنسان أوجاً من العظمة لم يبلغه فى تاريخه كله00 وبلغ من القوة والسيطرة والجبروت مدى لم يحلم به سكان الكوكب الأرضى قبل عشرات من السنين فقط؛ فضلاً عن عشرات من القرون! فكيف نقول بعد ذلك أن الإنسان يعيش فى الجاهلية فى هذا القرن العشرين؟
و((القيم)) التى يعيش فى ظلها البشر اليوم00 الحرية والتحرر00 الإخاء والمساوة00 الديمقراطية والعدالة الإجتماعية00
كيف بالله نقول إن هذا العصر الذى نعيش فيه00 عصر جاهلية؟!
ثم يحاول ان يعيد تعريف الجاهلية ،لا بحسبانها ما اندرج في الفهم السائد حول الجاهلية كفترة معينة من الزمن من خلا ل وجهة نظر الطيبين ووجهة نظر الخبيثين:
يحسب الكثيرون أن((الجاهلية))فترة معينة من الزمن- كانت- فى الجزيرة العربية- قبل الإسلام0
أولئك((الطيبون))00 الذين لا يجادلون فى صدق ما وصف الله به الحياة العربية فبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤمنون أنها كانت جاهلية حقا بالقياس إلى الإسلام0
أما((الخبيثون))- تدفعهم دوافع غير إسلامية، من تلك التى قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من دعا إلى عصبية00))( )- فأولئك يجادلون كثيراً فى هذا الأمر، منافحين عن الجاهلية العربية وأنها لم تكن((جاهلية)) كما وصفها القرآن! فقد كان فى البيئة العربية((فضائل)) و((قيم)) ذاتية، و((معلومات)) و((حضارة)) مكتسبة من الاتصال بالرومان والفرس00 مما كشفت عنه((الدراسات)) الحديثة التى قام بها المستشرقون! وهم من باب أولى لا يتصورون أن تكون الجاهلية قائمة فى هذا القرن العشرين، مادام مقياسهم هو هذا المقياس!


هؤلاء وأولئك لا يدركون معنى((الجاهلية)) كما هو فى واقع الأمر وكما عناه القرآن!
* * *
الطيبون يحصرون مظاهر الجاهلية فى الشرك الساذج والوثنية البدائية وأخذ الثأر والمفاسد الخلقية التى كانت سارية فى البيئة العربية00 أى أنهم يأخذون((مظاهر)) الجاهلية العربية على أنها هى(( الجاهلية)) ذاتها0 ومن ثم يحصرونها فى هذه الصورة المحدودة، فى هذه الفترة المعينة من التاريخ فى هذه البقعة من الأرض فى الجزيرة العربية00 ويظنون- من ثم- أنها مضت إلى غير رجعة فى الزمان أو المكان!
والخبيثون يظنون أن((الجاهلية)) هى مقابل ما يسمى((العلم)) أو((الحضارة)) أو((التقدم المادى)) أو((القيم)) الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية أو((الإنسانية!)) ومن ثم يجهدون أنفسهم إجهاداً- مدفوعين بتلك الدوافع غير الإسلامية التى نوه بها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم- لكى يثبتوا أن العرب لم يكونوا جهلاء، فقد كانوا يعرفون بعض المعارف0 ولا متأخرين، فقد كانوا ملمين بشئ مما يسمونه الحضارة وشئ من المدنية0 ولا خاوين من القيم، فقد كان لديهم من الفضائل: الكرم والشجاعة إغاثة الملهوف وبذل النفس فى سبيل الشرف أو النخوة أو الكرامة أو ما شابه ذلك من الأمور0 ومن ثم فوصف القرآن لهم بالجاهلية ليس حقيقة تاريخية!! ومن ثم كذلك فالقرن العشرون فى نظرهم هو قمة الارتفاع البشرى الذى يمكن أن يحلم به الإنسان00
وهؤلاء وأولئك كما قلنا لا يدركون معنى((الجاهلية)) كما هو فى واقع الأمر، وكما عناه القرآن!


ومن خلال وجهتي نظر الطيبين والخبيثين يطرح مفهومه للجاهلية باعتبارها حالة نفسية:
Quote: ليست الجاهلية((صورة)) معينة محدودة كما يتصورها الطيبون الذين يرون أنها فترة تاريخية مضت إلى غير رجوع0 إنما هى((جوهر)) معين، يمكن أن يتخذ صوراً شتى، بحسب البيئة والظروف والمكان؛ فتتشابه كلها فى أنها((جاهلية))وإن اختلفت مظاهرها كل الاختلاف0
وليست هى المقابل لم يسمى العلم والمعرفة والحضارة والمدنية والتقدم المادى والقيم الفكرية والاجتماعية والسياسية والإنسانية على إطلاقها، كما يتصورها الخبيثون، سواء بالنسبة للجاهلية العربية أو بالنسبة للقرن العشرين00
إنما الجاهلية- كما عناها القرآن وحددها- هى حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدى الله، ووضع تنظيمى يرفض الحكم بما أنزل الله: ((أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟!))( )0
هى إذن مقابل معرفة الله، والاهتداء بهدى الله، والحكم بما أنزل الله00 وليست مقابل ما يسمى العلم والحضارة المادية ووفرة الإنتاج!


ثم يمضي قائلا في تعريف الجاهلية:

Quote: الجاهلية- إذن- حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدى الله، ووضع تنظيمى يرفض الحكم بما أنزل الله00 ثم تصيبها النتائج الحتمية لهذا الانحراف0 نتائج تختلف باختلاف صورة الانحراف ومداه00 ولكنها تتفق فى أنها اضطراب فى حياة البشر وشقاء، وقلقلة وتدمير وعذاب00
ومن ثم فهى ليست محصورة فى الجاهلية العربية ولا فى فترة من الزمن معينة00 وإنما هى حالة يمكن أن توجد فى أى وقت وفى أى مكان00 كما توجد كذلك فى أى((مستوى)) من المعرفة و((الحضارة)) والتقدم المادى والقيم الفكرية والسياسية الاجتماعية و((الإنسانية!))00 إذا كانت هذه كلها لا تهتدى بالهدى الربانى، وتتبع أهواءها وترفض أن تتبع ما أنزل الله0
وأن((الجاهلية)) و((الهوى))00 سيان0


ثم يتحدث عن مفهومه للجاهلية الحديثة اي جاهلية القرن العشرين قائلا:

Quote: أما الجاهلية الحديثة فشأنها أوعر، وأخبث، وأعنف00
إنها جاهلية((العلم))!
جاهلية البحث والدراسة والنظريات!
جاهلية النظم المستقرة المتعمقة فى التربة!
جاهلية التقدم المادى المفتون بقوته، المزهو بما وصل إليه من آفاق!
جاهلية الكيد المنظم المدروس المخطط الموجه لتدمير البشرية00 على أسس علمية!
جاهلية لا مثيل لها فى التاريخ00


وعلى ضوء فهمه للجاهلية الحديثة يتحدث عن الهدف من تاليف كتاب عن تلك الجاهلية:
Quote: وهذا الكتاب معنى بدراسة هذه((الظاهرة)) التى يعيش فيها القرن العشرون00 ظاهرة الجاهلية00
معنى بدراسة أسبابها0 وملامحها0 وانعكاساتها فى تصورات البشر وسلوكهم الواقعى0 ونتائجها فى حياتهم0 ومستقبلها0
وشواهدنا فى هذه الدراسة مستمدة كلها من الواقع الذى نعيش فيه، سواء فى الشرق أو الغرب00
شواهد من كل الأرض00
وهدفنا من هذه الدراسة هو تصحيح التصور وتصحيح السلوك0 هو كشف هذه الجاهلية التى تفتن الناس باسم((التقدم)) و((التطور)) و((الحضارة)) و((المدنية))00 حتى يفيئوا إلى أنفسهم، ويعرفون حقيقة الهوة التى ينحدرون إليها، وهم يحسبون أنهم مهتدون00
وهدفنا كذلك التبشير بمستقبل البشرية00
المستقبل الذى نؤمن به00 حين يخرج الناس من الظلمات إلى النور00
وأنا أعلم بطبية الحال أن هذا الأمر لا يصنعه كتاب00 ولا ألف كتاب!
ولكنى هنا أسجل أمرين اثنين:
أولهما: أننى أومن حقا بأن((الكلمة)) لا يمكن أن تضيع00 وإن تجافتها الآذان فترة من الزمان00
والثانى: أننى أومن بأن هذا التحول من الظلمات إلى النور قد بدأ بالفعل!
بدأ فى الظلمات الحالكة بصيص من النور00 أراه رأى العين00 وعلى ضوئه أكتب هذا الكتاب0


نلاحظ ان محمد قطب يتحدث عن الحضارة والمدينة،وقد سبق لسيد قطب ان تحدث عن مفهومه الجديد للحضارة،وسنرى في خطاب الاستاذ انه ايضا يستند على مفهومي ا لحضارة والمدنية في سبيل تمهيده للحديث عن ان الاسلام برسالته الثانية هو المؤهل لقياد ة المجتمع الكوكبي .وسنعود لذلك.
المهم نلاحظ ان مصطلح الجاهلية اصبح مصطلحا مفتاحيا في الخطاب الاسلامي المعاصر الناقد لل"غرب" المادي المتحلل المتفسخ.وسنضرب مثلا واحدا عن استمرار استخدام وتوظيف مصطلح الجاهلية كما في حالة القرضاوي:

القرضاوي عن الجاهليات المختلفة
الشارقة – القرضاوي.نت / 23-8-2006
Quote: شدد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أن من واجب المسلمين في عصر العولمة أن يجتهدوا لإبراز الموقف الحقيقي للإسلام من حقوق ومشكلات المرأة، ذلك الموقف الذي ينصف المرأة، ويقف بجانبها ويحررها من ظلم الجاهليات المختلفة.
وأوضح الدكتور القرضاوي، في حوار مع صحيفة "الخليج" الإماراتية في 18-8-2006، أن هذه الجاهليات تشمل على حد سواء جاهلية عصر التخلف والتراجع الحضاري عند المسلمين أو جاهلية القرن العشرين الوافدة من الغرب، التي تريد أن تخرج المرأة من فطرتها أو تسلخها من جلدها، وأن تجعل منها رجلا أو كالرجل، وأن تبيح لها كل شيء، وأن تجعلها تتمرد على الزوجية والأمومة، وعلى الأنوثة، وتحرضها على التبرج والعري، والتمرد على الأسرة وأعبائها

http://www.qaradawi.net/site/topics/article.aspx?cu_no=...ent_id=114[/B[/GREEN]
]

Post: #150
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: على عمر على
Date: 03-10-2007, 11:43 AM
Parent: #1

كون انى متتلمدا على هدا البوست..ومند بدايته
لا اجد غضاضة فى ان اقول لاستادى ولصديقى اسامة
ان نجعل من حواره هدا مادة اكثر من انها تعلمنا..بل
هى مواد تؤكدلنا كمشائين ان نجعل من شكنا فى
هدا الفكر(الجمهورى ان شئت قل المحمودى)..مادة تفتح
لنا عن القادمات من آيامنا.. فكرا ..نزيها ..وحرية.
فالتحية للاستاد الشقلينى صاحب البوست..ومفتتحه
فواصلوا

Post: #151
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-10-2007, 02:34 PM
Parent: #150

مرحبا بك يا علي ,
و تحياتي لاماني
مصطلح جاهلية القرن العشرين ورد في خطاب الاستاذ،لكنه ،كما في معظم خطابه لا يشير الى اصوله،بل يتحدث عنه،و احيانا كثيرة يتبناه بدون الاشارة الى مصدره وكأنه هو ناحت المفهوم او المصطلح،وهذا ما سنشير اليه في كلامن عن ان الاستاذ يقوم بتبني العلامة اللغوية ثم يقوم بتفريغها من دلالتها الاساسية و ملأها بدلالته الخاصة،يحيث تصبح العلامة ملكا له ،وهي ليست كذلك.
و ما نقول به هو دفع لدعاوى مثل ان خطاب الاستاذ قد تجاوز الحداثة و ما بعدها,
وهذا كلا م تنقصه الدقة ،بل ان خطاب الاستاذ من بدايته يشي بانه يحاول تركيب مزيج من افضل ما انتج في الغرب والشرق،
بحسب التقسيمات الايديولوجية التي كانت سائدة في الوقت الذي انتج فيه الاستاذ خطابه،
وهو زمان الحرب الباردة.
لا نقول يشي خطاب الاستاذ بانه يحاول المزج بين الغرب والشرق المتخاصمين،
و انما اعلن صراحه ان مشروعه النظري يندرج في اطار توفيقي بين الشرق والغرب الايديولوجيين في زمن الحرب الباردة،
وفي حين آخر فقد تبنى الاستاذ مقولة ماوية ،من خلال ما اثير في الستينيات المايوية من كلام حول الثورة الثقافية،
وهي ثورة كريهة,
لكن الاستاذ قام بتبني المصطلح كدالة فقط،ثم افرغه من محتواه الايديولوجي وبعد ذلك قام بملء الدالة بما يريد ان يقول به ،
من دون الاشارة الى المنبع الذي اخذ منه المصطلح ،
وهذه سمة ملازمة لانتاج خطاب الاستاذ للمفاهيم والتصورات والمصطلحات،
وبالطبع لا يسلم من ذلك الخطاب الصوفي السابق للاستاذ.
وسنعود لمواصلة مقاربتنا لمفهوم "جاهلية القرن العشرين"بين الاستاذ و سيد قطب و تلامذة سيد.
محبتي
و في امان الله
المشاء

Post: #152
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 03-10-2007, 03:20 PM
Parent: #1


الأخ الكريم أسامة الخواض
تحية طيبة
قبل التوغل كثير في أمر استلاف الأستاذ محمود للمصطلحات وأفراغه لها من محتواها أرجو أن توضح لناأولا ما هو الكتاب الذي تنقل عنه ، هل هو كتاب محمد قطب أم كتاب سيد قطب؟ ومتى نشر؟ إذ أراك تخلط بين الإسمين فتارة تذكر الأول وتارة الأخير
ولكن قبل أن تأتي بالإجابة دعنا نفترض أن هذا الكتاب الذي أشرت اليه نشر بالفعل قبل أن يكتب الأستاذ محمود سطرا واحدا عن مفهوم جاهلية القرن العشرين! فهل هذا يطعن في أفكاره التي شخصت هذه الظاهرة وقدمت لها الحلول في مستوى طرح الرسالة الثانية؟ أولم يكن من الأجدر أن تتناول ذلك الطرح وتقارنه بأفكار سيد قطب أو محمد قطب لتدل على أن الأستاذ محمود ناقل لأفكار الغير بدل التمترس حول مصطلح لغوى لم يدع الأستاذ محمود أنه ألفه أساسا ..
وعلى أي حال فأن اللغة ومفرداتها هي وسيلة مشاعة للجميع يستخدم منها من يشاء من التركيبات ما يعبر به عن أفكاره وفلسفته وهي ليست حكرا على من يبادر بها والا لكانت جميع الكتب التي نقرأها اليوم لاتخلو من الحواشي والشروح والإثباتات الطويلة لمصادر تلك التعابير المستخدمة فيها بغض النظر عن محتواها الفكري .. أوليس هذا انشغال بالقشور عن اللب؟!!
في انتظار اجاباتك لنواصل معك الحوار
عمر

Post: #153
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-10-2007, 03:42 PM
Parent: #152

عزيزي عمر
تحية طيبة وبعد
انا اواصل مقاربتي ،و ما قلت به هو محاولة متواضعة لتتبع جذور المصطلح.
و ساعود للمقارنة بين المخطط النظري لسيد قطب و الاستاذ ،واختلاف رؤية الاستاذ للجاهلية عن مفهوم سيد قطب،
لكن هذا لا ينفي فكرتي المركزية حول ان الاستاذ يتبنى مصطلحات موجودة بدون الاشارة الى مراجعها، وفي احيان اخرى يفرغها من محتواها الاصلي ويلبسها محتوى آخر.
فاصبر علي .
محبتي
المشاء

Post: #154
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-10-2007, 05:26 PM
Parent: #153

عزيزي عمر
سلا م اعود بالتفصيل او قل بقليل من التفصيل لكلامك السابق الذكر
قلت في البداية
و اقول ردا على ذلك :
Quote: الأخ الكريم أسامة الخواض
تحية طيبة
قبل التوغل كثير في أمر استلاف الأستاذ محمود للمصطلحات وأفراغه لها من محتواها أرجو أن توضح لناأولا ما هو الكتاب الذي تنقل عنه ، هل هو كتاب محمد قطب أم كتاب سيد قطب؟ ومتى نشر؟ إذ أراك تخلط بين الإسمين فتارة تذكر الأول وتارة الأخير


الكتابان معروفان لمن له الما م معقول بالخطاب الاسلامي المعاصر.وهما معالم في الطريق و جاهلية القرن العشرين.
و لكن يبدو ان كثيرا من الناس يعتقدون ان الفكرة الجمهورية قد بدات من العدم ،او انها نتيجة العبادة فقط ،باعتبار ما كتبه الاستاذ هو علم لدني ليس له علاقة بالكتب التي نتحدث عبثا عنها الآن.كما قال لي احدهم في مساء ما .
وواضح انك لم تقرا ايا من الكتابين .وهذا ليس واجبا عليك ،وان كنت اعتقد انه واجب للمتتبع لسيرة الخطاب الاسلامي المعاصر.
المهم خلينا نمشي لي قدام.
ثم قلت عزيزي :
Quote: وعلى أي حال فأن اللغة ومفرداتها هي وسيلة مشاعة للجميع يستخدم منها من يشاء من التركيبات ما يعبر به عن أفكاره وفلسفته وهي ليست حكرا على من يبادر بها والا لكانت جميع الكتب التي نقرأها اليوم لاتخلو من الحواشي والشروح والإثباتات الطويلة لمصادر تلك التعابير المستخدمة فيها بغض النظر عن محتواها الفكري .. أوليس هذا انشغال بالقشور عن اللب؟!!


كلامك هذا يعبر عن انك لا تحتاج الى اي كتاب لكي تتعرف على جذور خطاب الاستاذ.
اللغة متاحة بشكل نظري ،لكن المصطلحات لا بد من اعادة الاعتبار لمن نحتها.
وهنالك مبحث نظري وعملي اسمه التناص. وهو يتحدث عن العلاقة بين النصوص في تداخلها.
وهذا للاسف لا يقول به الاستاذ ،في الاشارة الى المصطلحات التي تبناها من مصادر معرفية ،
لا يشير اليها.
ولذلك لا بد من الحاجة الى التنقيب عن المصادر المعرفية الغربية والصوفية معا والتي اسس بها الاستاذ محمود خطابه كله. و اذا ما –نزعنا أو قل اقتلعنا تلك المصطلحات التي لا يشير اليه الاستاذ-من خطابه،
فلن يتبقى سوى الخراب أو قل الخواء .
لذلك قلنا من وجهة نظرنا ان الاستاذ هو
Quote: اكبر مرحلة في التجسير بين الاسلام و الحداثة
.
وفي هذا يبدو واضحا انه حاول ان يعيد او ان يجتر مصطلحات الحداثة الغربية مع مزجها بالخطاب الصوفي.
و حتى في الخطاب الصوفي فهو يبدو في كثير من الاحيان متناصا مع الخطاب الصوفي السابق له.
محبتي
وساعود
المشاء


Post: #155
Title: الثورة الثقافية بين الأستاذ محمود وماو تسي تونغ وأشياء أخرى!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-10-2007, 07:05 PM
Parent: #1

الأخ العزيز أسامة،
سلامات
أنت تقول:

Quote: وفي حين آخر فقد تبنى الاستاذ مقولة ماوية ،من خلال ما اثير في الستينيات المايوية من كلام حول الثورة الثقافية،
وهي ثورة كريهة,
لكن الاستاذ قام بتبني المصطلح كدالة فقط،ثم افرغه من محتواه الايديولوجي وبعد ذلك قام بملء الدالة بما يريد ان يقول به ،
من دون الاشارة الى المنبع الذي اخذ منه المصطلح ،


كلامك هذا متناقض.. التناقض هو أنك في البداية تقول أن الأستاذ محمود تبنى مقولة ماو تسي تونغ "من خلال ما أثير في الستينيات من كلام حول الثورة الثقافية، وهي ثورة كريهة".. ثم تقول في السطر التالي أن الأستاذ "قام بتبني المصطلح كدالة فقط،ثم افرغه من محتواه الايديولوجي وبعد ذلك قام بملء الدالة بما يريد ان يقول به ،من دون الاشارة الى المنبع الذي اخذ منه المصطلح".. وهذا التناقض أوقعك أيضا في الخطأ؛ فبرغم قولك بأن محتوى ذلك المصطلح عند ماو هو "ثورة كريهة" إلا أنك تنعي على الأستاذ محمود أنه استعمل المصطلح، بينما استخدام الأستاذ للمصطلح هو الإستخدام الصحيح.. ويبدو لي أنك لم تقرأ ما كتبه الأستاذ محمود في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام" عن تلك الثورة الثقافية المزعومة.. والكتاب صدرت طبعته الأولى التي جاء فيها ذلك القول عام 1967..

Quote: روسيا، وهي تواجه الفشل اليوم في تحقيق الاشتراكية، بله الشيوعية وتنكص على أعقابها، إلى إجراءات هي أدخل في الرأسمالية منها في الاشتراكية، تتوخى بها إيجاد حوافز للإنتاج جديدة، تعطي أكبر الدليل على أن المدنية الغربية الحاضرة بلغت نهاية تطورها المادي الصرف، ووقفت عند نهاية الطريق المسدود وسيصبح لزاما عليها أن ترجع إلى مفترق الطرق، حيث تبدأ بسلوك طريق آخر، كانت شرة الثورة قد أذهلتها عن سلوكه منذ نصف قرن مضى. ولن تجد الصين فرصة التجربة الطويلة التي وجدتها روسيا، ذلك لأن الزمن قد أزف، وأن المفارقة الكبيرة بين طاقة المجتمع البشري الحديث، وقصور المدنية الغربية أصبحت تتضح كل يوم، وقد أخذت الصين تشعر بهذا التناقض الرهيب، ولكنها لم تهتد إلى متنفس له إلا في هذه الحالة العصبية، التي أسمتها سخرية، بالثورة الثقافية يقوم بها، في الشوارع والأماكن العامة، المراهقون ضد أساتذة الجامعات والعلماء، وهي تستهدف، فيما تستهدف، تأليه ماو تسي تونغ، وجعل كتاباته مصادر الثقافة الوحيدة، ومناهل الحكمة التي ينتهي عندها رأي كل ذي رأي.


ثم أنك قد أضفت:

Quote: وهذه سمة ملازمة لانتاج خطاب الاستاذ للمفاهيم والتصورات والمصطلحات،
وبالطبع لا يسلم من ذلك الخطاب الصوفي السابق للاستاذ.

أنت هنا تقرن إنتاج خطاب الأستاذ "للمفاهيم" بإنتاج "التصورات" و "المصطلحات".. وكلمة "تصورات" نفسها لا بأس بها إذا كانت نظرتك لها إيجابية ولكن يبدو أن نظرتك نحوها سلبية.. أما قولك بإنتاج خطاب الأستاذ محمود للمصطلحات فقول تنقصه الدقة لأن الأستاذ لم يدَّعِ إنتاج المصطلحات، ولكنه ينظر فيها فإذا وجد أن الشائع عن مفهوم المصطلح خاطئ قام بملئه بالمفهوم الصحيح، وهذه حسنة وليست سيئة.. والآن سأعطيك مثالا عن ملئه لمصطلح "الثورة الثقافية" وذلك من كتاب "الثورة الثقافية" الذي صدر في عام 1972.. ففي إهداء الكتاب جاء:
Quote: الذين يتوقون إلى تجديد شبابهم ،
من الأفراد و الأمم !!
الثورة الفكرية هي ((القابلة)) ،
لميلادكم الثاني !!

إذن الأستاذ يشترط أرضية للثورة الثقافية وهي "الثورة الفكرية".. وقد جاء في مقدمة الكتاب:

Quote: هذا كتاب عن الثورة الثقافية ، نخرجه للناس ، ونستهدف به إحداث التغيير الجذري ـ في حياة الأفراد والجماعات ، وذلك عن طريق إعادة التعليم ـ إعادة تعليم المتعلمين ، وغير المتعلمين .. والتغيير الجذري الذي نعنيه هو تغيير لم يسبق له مثيل ، منذ بدء النشأة البشرية .. هو تغيير تدخل به البشرية المعاصرة مرتبة الإنسانية .. وتلك مرتبة يتطلب دخولها قفزة أكبر من تلك التي حدثت لدى دخول الحيوان مرتبة البشرية .. وسيحدث ذلك ، بفضل الله ، ثم بفضل الفكر الصافي.


أما في مداخلتك التي قلت فيها:
Quote: في مقابل الجاهلية يطرح سيد قطب مفهوم الحاكمية.و يرى ان ذلك النموذج للحاكمية يتحقق من خلال امة تتبنى القيم الاسلامية .وسنعود للكلام عن المخطط النظري لسيد قطب في مواجهة الجاهلية المعاصرة بأشكالها الاسلامية واشكالها الغربية و مقارنة ذلك بالمخطط النظري في الخطاب الجمهوري.

أولا رأيتك تنقل من كتاب محمد قطب فقرات عديدة ولكنك لم تنقل عن كتب الجمهوريين ولا نص واحد تدعم به مزاعمك.. ولدي ملاحظة عن الفقرات التي تنقلهامن كتاب محمد قطب فإن النقط على السطر فيها مستبدلة بالصفر الإنجليزي وهذا يجعلني أظن أنك إنما تقتبس من كتابات موجودة في الشبكة فأرجو أن تتوخى الدقة بنقل الكتابة كما جاءت في الكتاب الأصلي حتى لو اضطررت لتصحيح النقط والشولات وعلامات الترقيم فإن ذلك يعطي كتابتك مصداقية بحثية..
Quote: و((القيم)) التى يعيش فى ظلها البشر اليوم00 الحرية والتحرر00 الإخاء والمساوة00 الديمقراطية والعدالة الإجتماعية00
كيف بالله نقول إن هذا العصر الذى نعيش فيه00 عصر جاهلية؟!


أسامة أنت قلت في تلك المداخلة:
Quote: نلاحظ ان محمد قطب يتحدث عن الحضارة والمدينة،وقد سبق لسيد قطب ان تحدث عن مفهومه الجديد للحضارة،وسنرى في خطاب الاستاذ انه ايضا يستند على مفهومي ا لحضارة والمدنية في سبيل تمهيده للحديث عن ان الاسلام برسالته الثانية هو المؤهل لقياد ة المجتمع الكوكبي .وسنعود لذلك.


ثم أتبعتها في المداخلة التالية بقولك:
Quote: مصطلح جاهلية القرن العشرين ورد في خطاب الاستاذ،لكنه ،كما في معظم خطابه لا يشير الى اصوله،بل يتحدث عنه،و احيانا كثيرة يتبناه بدون الاشارة الى مصدره وكأنه هو ناحت المفهوم او المصطلح،وهذا ما سنشير اليه في كلامن عن ان الاستاذ يقوم بتبني العلامة اللغوية ثم يقوم بتفريغها من دلالتها الاساسية و ملأها بدلالته الخاصة،يحيث تصبح العلامة ملكا له ،وهي ليست كذلك.


وبجانب أنك يا أسامة لم تكلف نفسك بإيراد الفقرات التي جاء فيها خطاب الأستاذ مستخدما مصطلح "جاهلية القرن العشرين" أو "الحضارة والمدنية" فأنت أيضا تقع في نفس الخطأ الذي أشرت لك إليه بعاليه بخصوص المصطلحات.. مرة أخرى أنت تفترض أن محتوى مصطلح "الحضارة والمدنية" ووصفه للحضارة الغربية بـ "جاهلية القرن العشرين" التي قال بها محمد قطب هو الدلالة الأساسية وتنعي على الأستاذ محمود إعطاء المصطلح مفهوما آخر عندما تقول "كانه هو ناحت المفهوم".. هذا ما كتبه الأستاذ محمود في كتاب الرسالة الثانية عن "المدنية والحضارة":

Quote:

الباب الأول


المدنية والحضارة


المدنية غير الحضارة ، وهما لا يختلفان اختلاف نوع ، وإنما يختلفان اختلاف مقدار .. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته .
ويمكن تعريف المدنية بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء ، والتزام هذه القيم في السلوك اليومي ، فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ، ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة . فهـو ذو قيـم وذو خلـق . وبعبارة موجزة ، فالرجل المتمدن هو الذي حقق حياة الفكر وحياة الشعور

هل المدنية هي الأخلاق؟؟


هي كذلك ، من غير أدنى ريب !! وما هي الأخلاق ؟؟ للأخلاق تعاريف كثيرة ، ولكن أعلاها ، وأشملها ، وأكملها هي أن نقول أن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة . ولقد قال المعصوم (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . )) فكأنه قال ما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق ، ومن أجل ذلك قلنا أن محمدا عاش في أوج المدنية التي جاء بها الله عن طريقه ، ووصفه تعالى فيها بقوله (( وإنك لعلى خلق عظيم )) .
وحين سئلت عائشة عن أخلاق النبي قالت (( كانت أخلاقه القرآن )) ومعلـوم أن القرآن أخلاق الله ، وأخلاق الله إنما هي في الإطلاق ، ومن ههنا جاء التعريف بأن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة .
ولقد كان محمد أقدر الناس على حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ، وذلك لشدة مراقبته لربه ، ولدقة محاسبته لنفسه ، على كل ما يأتي ، وما يدع ، في جانب الله ، وفي جانب الناس . أليس هـو القائل (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )) ؟
بل ان حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة إنما هو سنة النبي ، التي طالما تحدث عنها الناس ، من غير أن يدركوا حقيقتها . وهذه السنة هي التي أشار إليها في حديثه المشهور عن عودة الإسلام ، وذلك حيث يقول (( بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ! قالوا من الغرباء يا رسول الله ؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها . ))
فسنته هي مقدرته، في متقلبه ومثواه ، وفي منشطه ومكرهه ، على حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ، وتلك هي قمة الأخلاق ، وهي أيضا قمة المدنية .
وأما الحضارة فهي ارتفاق الحي بالوسائل التي تزيد من طلاوة الحياة ، ومن طراوتها .. فكأن الحضارة هي التقدم المادي ، فإذا كان الرجل يملك عربة فارهة ، ومنزلا جميلا ، وأثاثا أنيقا ، فهو رجل متحضر ، فإذا كان قد حصل على هذه الوسائل بتفريط في حريته فهو ليس متمدنا ، وان كان متحضرا ، وانه لمن دقائق التمييز أن نتفطن إلى أن الرجل قد يكون متحضرا ، وهو ليس متمدنا ، وهذا كثير ، وأنه قد يكون متمدنا ، وهو ليس بمتحضر ، وهذا قليل ، والكمال في أن يكون الرجل متحضرا متمدنا في آن . وهو ما نتطلع إليه منذ اليوم .

المدنية الغربية


على هذا الفهم الدقيق ، فان المدنية الغربية الحاضرة ليست مدنية ، وإنما هي حضارة ، وهي ليست مدنية لأن موازين القيم فيها قد اختلت ، فتقدمت الوسيلة وتأخرت الغاية . ولقد ورد في (( رسالة الصلاة )) قولنا (( ان المدنية الغربية الآلية الحاضرة عملة ذات وجهين : وجه حسن مشرق الحسن ، ووجه دميم .. فأما وجهها الحسن فهو اقتدارها في ميدان الكشوف العلمية ، حيث أخذت تطوع القوى المادية لإخصاب الحياة البشرية ، وتستخدم الآلة لعون الإنسان : وأما وجهها الدميم ، فهو عجزها عن السعي الرشيد إلى تحقيق السلام ، وقد جعلها هذا العجز تعمل للحرب ، وتنفق على وسائل الدمار أضعاف ما تعمل للسلام ، وأضعاف ما تنفق على مرافق التعمير ..
فالوجه الدميم من المدنية الغربية الآلية الحاضرة هو فكرتها الاجتماعية ، وقصور هذه الفكرة عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة .. حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة ، وفي الحق أن العجز عن التوفيق بين هاتين الحاجتين :
حاجة الفرد ، وحاجة الجماعة ظل آفة التفكير الاجتماعي في جميع عصور الفكر البشري .
وهذا التوفيق هو ، إلى اليوم ، القمة التي بالقياس إليها يظهر العجز الفاضح ، في فلسفة الفـلاسفة ، وفكر المفكرين ، ويمكن القول بأن فضيلة الإسلام لا تظهر ، بصورة يقصر عنها تطاول كل متطاول ، إلا حين ترتفع المقارنة بينه وبين المذاهب الأخرى إلى هذه القمة الشماء .)) هذا ما قلناه في (( رسالة الصلاة )) يومئذ ، ونقول اليوم أن من آيات اختلال موازين القيم في هذه المدنية الغربية المادية ، أن الشيوعية الروسية أعطت اعتبارا للمجتمع ، وهو وسيلة ، فوق ما أعطت الفرد ، وهو غاية وان الاشتراكية فيها تقوم على حساب الحرية الجماعية ، وعلى حساب الحرية الفردية ، وليست الرأسمالية في الغرب بأحسن حالا ، في هذا الباب ، من الشيوعية الروسية .
فشل المدنية الغربية
وهذه المدنية الغربية الآلية الحاضرة قد بلغت نهاية تطورها ، وقد فشلت فشلا نهائيا وظاهرا في أن تنظم حياة المجتمع البشري المعاصر ، وآية هذا الفشل أن مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يذق الاستقرار الذي ذاقه مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى ، حين كانت هذه المدنية الغربية لا تزال غنية بأفانين الحلول لمشاكل ذلك المجتمع ، فقد كان المنتصر في الحرب العالمية الأولى منتصرا في السلام أيضا ، وقد كان بذلك قادرا على تنظيم المجتمع العالمي يومئذ ، بصورة من الصور ، مهما يكن عيبها ، فقد كانت كافية لتحقيق نزع السلاح ، ولو إلى مدى ، والى حين ، وكانت كافية لتحقيـق لون من الاستقرار . وأما المنتصر في الحرب العالمية الثانية ، وهو بريطانيا ، فقد أصبح منهزما في السلام الذي أعقبها ، وان أردت الدقة فقل ، لم يكن في الحرب العالمية الثانية منتصر ومنهزم ، وإنما أصبح الجميع في مركب واحد ، تلفهم الحيرة في جناحها الأسود ، وها قد انقضى على نهاية الحرب نيف وعشرون عاما ، ولا تزال البشرية من خوف الحرب في حرب ، فهي تتحدث عن السلام ، وتنفق على التسلح أضعاف ما تنفق على مرافق التعمير وما ذاك إلا لأنها لا تعرف طريقا إلى السلام إلا طريقا يقوم على تخويف العدو من عواقب المجازفة بإشعال نار الحرب .
وسبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة في تنظيم المجتمع الحاضر هو أنها بلغت نهاية تطورها المادي الصرف ، في هذه المرحلة الحاسمة ، من مراحل تحولات المجتمع البشري المعاصر ، وأصبحت تفتقر إلى عنصر جديد تشفع به عنصرها القديم ، وتلقحه به ، وتزيد بذلك من طاقتها على التطور ، ومن مقدرتها على مواكبة ، وتوجيه حيوية المجتمع الحديث .
روسيا ، وهي تواجه الفشل اليوم في تحقيق الاشتراكية ، بله الشيوعية وتنكص على أعقابها ، إلى إجراءات هي أدخل في الرأسمالية منها في الاشتراكية ، تتوخى بها إيجاد حوافز للإنتاج جـديدة ، تعطي أكبر الدليل على أن المدنية الغربية الحاضرة بلغت نهاية تطورها المادي الصرف ، ووقفت عند نهاية الطريق المسدود وسيصبح لزاما عليها أن ترجع إلى مفترق الطرق ، حيث تبدأ بسلوك طريق آخر ، كانت شرة الثورة قد أذهلتها عن سلوكه منذ نصف قرن مضى . ولن تجد الصين فرصة التجربة الطويلة التي وجدتها روسيا ، ذلك لأن الزمن قد أزف ، وأن المفارقة الكبيرة بين طاقة المجتمع البشري الحديث ، وقصور المدنية الغربية أصبحت تتضح كل يـوم ، وقد أخذت الصين تشعر بهذا التناقض الرهيب ، ولكنها لم تهتد إلى متنفس له إلا في هذه الحالة العصبية ، التي أسمتها سخرية ، بالثورة الثقافية يقوم بها ، في الشوارع والأماكن العامة ، المراهقون ضد أساتذة الجامعات والعلماء ، وهي تستهـدف ، فيما تستهدف ، تأليه ماو تسي تونـغ ، وجعل كتاباته مصادر الثقافـة الوحيـدة ، ومناهل الحكمة التي ينتـهي عندها رأي كل ذي رأي .
وليس من الضروري أن نذكر الغرب الرأسمالي هنا ، لأن مفارقات المدنية الغربية تمثلها الشيوعية في روسيا وفي الصين أكثر مما يمثلها الغرب ، ولأن الغرب الرأسمالي ليس بصاحب رأي جديد في المدنية الغربية ، وإنما هو مقيم على القـديم ، على تطوير يسير سببه تطرف الثورة الشيوعية ، مما اضطره إلى ملاقاتها في نصف الطريق ، في محاولة الإبقاء على نظامه القـديم ، في وجه الثورة المجتاحة . فسبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة إذن ، هو أن تقدمها المادي والآلي ، لم يشفع بتقدم خلقي يصحح موازين القيـم ، ويضع الآلة في مكانها من حيث أنها خادم الإنسان وليست سيدته ، فالتقدم المادي غير متناسق ، ولا متساوق ، مع التقدم الروحي ، وفي تفكيرنا الاجتماعي المعاصر ، كما سبق بذلك القـول ، الرغيف يجد اعتبارا فوق ما تلقى الحرية ، وهـذه الظاهرة تنطبق على المذاهب الاشتراكية ، كما تنطبق على الرأسمالية ، وفي الحق أن الشيوعية لا تختلف عن الرأسمالية ، إلا اختلاف مقدار فهي كالرأسمالية ، مادية في الأصل ، ولكنها أكفأ منها ، من حيث المقدرة على تحقيق الوفرة المادية ، وعدالة توزيعها ، وما ينبغي أن نخدع عن هذه الحقيقة بملاحظة العداوة النائرة بينهما ، فإنما هي بمثابة العداوة التي تكون بين الفرق المختلفة في الدين الواحد فهي عـداوة لا تدل على اختلاف المنبت كما تدل على وحـدة الأديم الذي تقوم عليه هذه الفرق المتناحرة .
وإذا أردنا أن نضع سبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة وضعا محددا ، وجب علينا أن نقرر أن مرد هذا الفشل هو عجز هذه المدنية عن الإجابة على سؤالين ظلا بغير جواب صحيح طوال الحقب السوالف من التاريخ البشري ، وقد أصبحت الإجابة عليهما ضربة لازب .
والسؤالان هما : ما حقيقة العلاقة بين الفرد والجماعة ؟ وبيـن الفـرد والكون .


Quote: وفي كتاب "رسالة الصلاة" الصادرة طبعته الأولى في عام 1966 يرد قول الأستاذ:


Quote:

توطئة البحث..


السلام هو حاجة البشرية اليوم.. وهو في ذلك حاجة حياة أو موت، ذلك بأن تقدم المواصلات الحديثة، الذي يحاول باستمرار أن يلغي الزمان والمكان، قد جعل هذا الكوكب أضيق من أن تعيش فيه بشرية منقسمة على نفسها شاكة السلاح متحاربة.
ومع أن التجربة البشرية الطويلة في ممارسة الحروب دلت على أن الحرب لا تحل مشكلة، فإن أسلحة الدمار الحديثة أفادت معنى جديدا عن الحرب وهو أنها، زيادة على عدم جدواها في حل المشاكل، قد أصبحت وبالا على المنهزم والمنتصر.. بل انه أصبح واضحا أن الحرب العلمية الحديثة، إذا نشبت، فلن يكون فيها منهزم ومنتصر، وإنما سيكون فيها فناء المدنية الحاضرة، وتأخير عقارب ساعة التقدم الذي دفعت فيه البشرية كثيراً من عرقها ومن دموعها ومن دمها .
إن البشرية اليوم تقف في مفترق الطرق، ولا تملك طويلا من الوقت تنفقه في التردد وفي ممارسة الجهود التي لا تتسم بميسم الحذق والذكاء، ولا بد لها من سلوك أحد طريقيها: إما الطريق الصاعد إلى مشارف الحضارة والسلام، أو الطريق الهابط إلى مزالق الهمجية والحروب.. على أن الحروب الحديثة هي الفناء والدمار.. ومن أجل ذلك قلنا آنفا أن حاجة البشرية إلى السلام في الوقت الحاضر هي حاجة حياة أو موت..

المدنية الجديدة..


على أن السلام لا يمكن أن يتحقق بغير مدنية جديدة.. أو قل روح مدنية جديدة، ينفخ في هيكل المدنية الغربية الآلية الحاضرة فيوجهها وجهة جديدة ويعطيها قيماً جديدة فالمدنية الغربية الآلية الحاضرة - مدنية المظاهر الخارجية الكبيرة، والإنتاجيات الكبيرة، والمدن الكبيرة.. هي مدنية الجماعات التي تطوع الفرد لنظامها.. والمدنية الجديدة، التي تجعل السلام ممكنا، يجب أن تكون مدنية القيم الداخلية الدقيقة.. مدنية الفرد الذي يتوسل بوسيلة الجماعة ليحقق حريته الداخلية وليمكن رفقاءه من أن يحقق كل منهم حريته هذه الداخلية.
إن عصرنا الحاضر يمكن أن يوصف بأنه عصر الذرة، ويمكن أن يوصف بأنه عصر استكشاف الفضاء الخارجي، ولكن ينطبق عليه أكثر، كونه عصر رجل الشارع.. عصر الرجل العادي المغمور، الذي استحرت على مضجعه شمس الحياة الحديثة، فنهض وحمل عصاه على عاتقه وانطلق يسير في الشعاب، يبحث عن حياته وعن حريته وعن نفسه، بعد أن أذهل عن كل أولئك طوال الحقب السوالف من تاريخه المكتوب وغير المكتوب.. ذلك التاريخ الذي أخذ يراجع اليوم، ويكتب على هدى قيم جديدة.. وهذه القيم الجديدة هي التي ستوجه المدنية الغربية الآلية الحاضرة وجهتها الجديدة وتبني بذلك المدنية الجديدة..

المدنية الغربية ذات وجهين ..


إن المدنية الغربية الآلية الحاضرة عملة ذات وجهين: وجه حسن مشرق الحسن، ووجه دميم. فأما وجهها الحسن فهو اقتدارها في ميدان الكشوف العلمية، حيث أخذت تطوع القوى المادية لإخصاب الحياة البشرية، وتستخدم الآلة لعون الإنسان.. وأما وجهها الدميم، فهو عجزها عن السعي الرشيد إلى تحقيق السلام، وقد جعلها هذا العجز تعمل للحرب، وتنفق على وسايل الدمار أضعاف ما تعمل للسلام، وأضعاف ما تنفق على مرافق التعمير..
فالوجه الدميم من المدنية الغربية الآلية الحاضرة هو فكرتها الاجتماعية، وقصور هذه الفكرة عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، وفي الحق إن العجز عن التوفيق بين هاتين الحاجتين: حاجة الفرد، وحاجة الجماعة، ظل آفة التفكير الاجتماعي في جميع عصور الفكر البشري..
وهذا التوفيق هو إلى اليوم القمة التي بالقياس اليها يظهر العجز الفاضح في فلسفة الفلاسفة وفكر المفكرين، ويمكن القول بأن فضيلة الإسلام لا تظهر بصورة يقصر عنها تطاول كل متطاول إلا حين ترتفع المقارنة بينه وبين المذاهب الأخرى إلى هذه القمة الشماء.


فهل هناك أي علاقة قرابة أو شبه بين ما قاله الأستاذ محمود وبين ما قاله محمد قطب؟؟!!

وشكرا

ياسر

Post: #156
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 03-11-2007, 00:30 AM
Parent: #1


الأخ اسامة
تحيتي ومعزتي
الآن اتضح لي أن النصوص التي نقلتها هناهي من كتاب محمد قطب "جاهلية القرن العشرين" والذي لا أدعي الإطلاع عليه ولكن ببحث بسيط في الإنترنيت اتضح أنه نشر في التسعينات .. فهل تملك معلومات عن تاريخ أول طبعة له؟
نسمع الإجابة ونواصل

عمر

Post: #157
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2007, 02:23 AM
Parent: #1



الأحباء هُنا :
الكُتاب :
أسامة
ياسر
عمر
حيدر
نشكر الجميع هنا مُشاركين وقراء ومُدونين .
لم نزل نحن نتقصى هذا الثراء :
1 / المصطلح بين النحت والاستخدام ومنهج الأستاذ محمود في التعامل مع المصطلح .
2/ التناص
3/ المقارنة بين خطاب سيد قطب وخطاب الأستاذ محمود .
4/ الفلسفة

وتلك أراها عميقة الجذور ، وقد نهل السادة الأفاضل منها نهلاً .

ولدي نقاط تستوجب الوقوف عندها :

1/
في المباحث وفق النظم يكون الحديث بالتعميم عن الفلسفات أو التطور الرأسمالي أ والاشتراكي بتناول مُعمم يُخل و يبتسر التفاصيل ، ويمحى التراكم المعرفي للحياة الإنسانية ويبسط ما لا يمكننا تبسيطه ، فالفلسفة لها تاريخ وسلسلة بدأت وتطورت منذ آلاف السنين ، ومن يلج ساحتها يتعين النظر إليها بتفصيل أكثر عمقاً . وبالتالي يتعين التعامل مع المصطلحات تعاملاً دقيقاً . فخروج المُصطلح من دنيا النحت إلى دنيا التداول يحتاج مُصاحبة المُصطلح وفق ما أسسه صاحبه الذي نحته ، والرجوع لمعاييره وأركانه . ونستثني من ذلك الإبداع البلاغي من إفراغ مصطلح من المُصطلحات من محتواه وإلباسه ثوباً جديداً ، و الحديث التفريق بينها وبين المصطلحات الأخرى تحتاج فصل كامل فأبوابه مفتوحة على أجسام تعبير وأمثلة أكثر عمقاً وتحتاج درجة من الصفا والصبر على الأعماق .
2/
في حياة مؤسسي الأديان ، والمُجددين فينتهجون مسلك المتصوفة الذين يعيرون للمصطلح الكثير من الاهتمام ، ولكنهم لا يصلون الدقة التي ينهج أهل المباحث ،
ورد في مقدمة الطبعة الثالثة من الرسالة الثانية من الإسلام ،تحت عنوان ( السنة والشريعة ) :



الإسلام فكر يرتقي السالك فيه درجات سلم سباعي، أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد.. ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية، اختلاف مقدار، فهو في الدرجة الأولية انقياد الظاهر فقط، وهو في الدرجة النهائية انقياد الظاهر والباطن معا.. وهو في الدرجة الأولية قول باللسان، وعمل بالجوارح، ولكنه في الدرجة النهائية انقياد، واستسلام، ورضا بالله في السر والعلانية.. وهو في الدرجة الأولية دون الإيمان، ولكنه في الدرجة النهائية أكبر من الإيمان.. وهذا ما لا يقوى العلماء الذين نعرفهم على تمييزه.. ولقد لبس على علماء الدين هذا الأمر حديث جبريل المعروف، الذي رواه عمر بن الخطاب، قال: (( بينا كنا جلوسا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فجلس إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام.. قال الإسلام أن تشهد ألا اله إلا الله، وان محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصوم الشهر، وأن تحج البيت، إذا استطعت إليه سبيلا.. قال صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه!! ثم قال فأخبرني عن الإيمان.. قال الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر، خيره وشره، واليوم الآخر.. قال صدقت.. ثم قال فأخبرني عن الإحسان.. فقال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. قال صدقت.. ثم قال: أخبرني متى الساعة؟؟ فقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل!! قال فأخبرني عن علاماتها.. قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة، العراة، رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.. قال صدقت.. ثم انصرف، فلبثنا مليا.. ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت الله، ورسوله، أعلم.. قال هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم!!)).. هذا الحديث لبس على علماء الدين الأمر فظنوا أن مراقي ديننا إنما هي الإسلام، والإيمان، والإحسان.. ولما كان واردا في القرآن قول الله تعالى عن الأعراب (( قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا: أسلمنا.. ولما يدخل الإيماني قلوبكم.)) فقد أصبح واضحا أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام.. وما علموا أن الأمر يحتاج إلى نظر..
جلية الأمر
وجلية الأمر أن الإسلام، كما هو وارد في القرآن، قد جاء على مرحلتين: مرحلة العقيدة، ومرحلة الحقيقة أو سمها مرحلة العلم.. وكل مرحلة من هاتين المرحلتين تقع على ثلاث درجات..
فأما مرحلة العقيدة فدرجاتها الثلاث هي: الإسلام، والإيمان، والإحسان.. وأما مرحلة العلم فدرجاتها الثلاث هي: علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين.. ثم تجئ، بعد ذلك، الدرجة السابعة من درجات سلم الترقي السباعي، وتلك هي درجة الإسلام، وبها تتم الدائرة.. وتجئ النهاية، تشبه البداية، ولا تشبهها.. فهي في البداية الإسلام، وهي في النهاية الإسلام. ولكن شتان بين الإسلام الذي هو البداية، وبين الإسلام الذي هو النهاية.. وقد سبقت إلى ذلك الإشارة..
ومرحلة العقيدة هي مرحلة الأمة المؤمنة.. وهي أمة الرسالة الأولى..
ومرحلة العلم هي مرحلة الأمة المسلمة.. وهي أمة الرسالة الثانية.. وهذه الأمة لم تجئ بعد، وإنما جاء طلائعها، فرادى، على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل. وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدمتهم سيدهم، وخاتمهم، النبي، الأمي، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وهو قد بشر بمجئ هذه الأمة المسلمة، كما جاء برسالتها، مجملة في القرآن، مفصلة في السنة، وقد أسلفنا الإشارة إلى معنى السنة.. وحين تجئ هذه الأمة المسلمة فإنها لا تبدأ إلا بما بدأت به الأمة المؤمنة، وهي مرحلة العقيدة، ولكنها لا تقف في الدرجة الثالثة من درجات السلم التي وقف جبريل في أسئلته عندها، وإنما تتعداها في التطور إلى ختام الدرجات، فتكون بذلك صاحبة عقيدة، وصاحبة علم، في آن معا، فهي مؤمنة، ومسلمة، في حين أن الأمة الأولى مؤمنة، وليست مسلمة، بهذا المعنى النهائي للإسلام.. ] ]





وقد أعدت أنا ذلك الاقتطاف لتوضيح الدرجات السبع التي تحدث عنها الأستاذ محمود ، وذكرها كسلم سباعي ، ذكر منها :
مرحلة العقيدة لأمة الإسلام الأولى وفق ما ذكر :
( الإسلام والإيمان والإحسان )
مرحلة الرسالة الثانية لا تقف عند الدرجات الأولى بل ترتقي :
من بعد ( الإسلام والإيمان والإحسان ) لتصل إلى الدرجات السبع
( علم اليقين وعلم عين اليقين وعلم حق اليقين ثم سابعها الإسلام من جديد :
حسب ما اقتطفنا :


( الإسلام فكر يرتقي السالك فيه درجات سلم سباعي، أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد.. ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية )



وتلك أراها قد فارقت نظم المرجعيات البحثية ، لطرائق الجلوس للخلوة الصوفية ، وهنا أتفق أنا مع الكاتب أسامة من أن الأستاذ يُمسك خليطاً من المعارف ، منها ما هو متفق مع أصول المباحث دون تفصيل مُنضبط ، ومنها تجليات المتصوفة وتلك تحتاج مزيداً من التفصيل ،



3/
[ بل تحتاج أبواباً لكيف يتم تناقل العقول المعارف في لحظات صفاء أو لحظات موت ( درامي فظيع ) فتنتقل الذاكرة من عقل لعقل ، وهذا موضوع له صلة بعلوم النفس البشرية ، وما يسمى بحياة الأفراد الفكرية السابقة لميلادهم او ما يسمى ( تناسخ الأرواح ) .....و نحتاج روقة لنُفصله ولتقديم الدعم المرجعي ]





Post: #158
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-11-2007, 06:59 AM
Parent: #1





3/
[ بل تحتاج أبواباً لكيف يتم تناقل العقول المعارف في لحظات صفاء أو لحظات موت ( درامي فظيع ) فتنتقل الذاكرة من عقل لعقل ، وهذا موضوع له صلة بعلوم النفس البشرية ، وما يسمى بحياة الأفراد الفكرية السابقة لميلادهم او ما يسمى ( تناسخ الأرواح ) .....و نحتاج روقة لنُفصله ولتقديم الدعم المرجعي ]



لما أوردناه في الأعلى علاقة وثيقة لما تحدث عنه الأستاذ محمود من الصلاة التي يُصليها النبي ، وهي إن أورد كل ما وردمن التراث المنقول وفق طرائق المباحث سيتوقف عند المفاتيح دون التفاصيل ، ومن تلك المفاتيح توصل الأستاذ بذهنه المُبدع أن النبي الكريم كان يُصلي صلاة أكثر عمقاً مما كان يُعلم صحابته ... ، ربما نورد مما كتبه الأستاذ لاحقاً، وهو قد ورد دون أسانيد مبحثية وفق ما نعرف ، بل من بعض الدقائق التي عُرفت من حياة النبي واستقراء جلسات الصفاء التي كان يجلسها الأستاذ لوحدهو لا يعلم كثير منا كيف تتم .

ونواصل

Post: #159
Title: بين الأستاذ محمود وإيريش فروم في كتاب الأخ خالد الحاج!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-11-2007, 09:03 AM
Parent: #1

سلام للجميع..
إيريش فروم Erich Fromm المفكر والمحلل النفسي الأمريكي [1900 ـ 1980] مولود في ألمانيا من عائلة يهودية أورثوذوكسية متدينة، والطريف أن كلمة "فروم" نفسها هي صفة تعني تقي أو وَرِع، ولكنه يصف نفسه بأنه صوفي لاديني atheistic mystic.. كتب الأخ الأستاذ خالد الحاج كتابا ممتعا في التعريف بأساسيات دعوة الاستاذ محمود محمد طه نشر أيضا في هذا المنبر وقد استشهد فيه تحت عنوان جانبي إسمه "أزمة الحضارة، أزمة إطار" ببعض ما كتبه المحلل النفسي إيريش فروم، وقد شعرت أنه من المناسب وضع تلك الفقرة هنا في هذا البوست لمناسبته:


Quote: كل الناس، يشعرون، بمشكلة غياب المعنى، في حياتهم، على تفاوت بينهم في ذلك.. ولكن الأذكياء، من أبناء الحضارة، عبروا عن الأزمة، وحددوها بوضوح.. ونحن نورد هنا أقوال بعض هؤلاء، على سبيل المثال.. فمثلا الكاتب، والمحلل النفسي، الأمريكي إريك فروم، قال في هذا الإطار:"لم يقترب الإنسان في يوم ما من تحقيق أعز أمانيه، مثلما اقترب اليوم.. فكشوفنا العلمية، وانجازاتنا التقنية تمكننا من أن نرى رأي العين اليوم الذي تمد فيه المائدة لكل من يشتهون الطعام.. اليوم الذي يؤلف فيه الجنس البشري مجتمعا موحدا، فلا نعود نعيش في كيانات منفصلة، وقد اقتضى الأمر آلاف السنين حتى تفتحت على- هذا النحو- ملكات الإنسان الذهنية، وقدرته النامية على تنظيم المجتمع وتركيز طاقاته، تركيزا هادفا. وهكذا خلق الإنسان عالما جديدا له قوانينه الخاصة ومصيره. فإذا نظر الى ما أبدعه حق له أن يقول أن هذا الذي أبدعه، شئ حسن".. ويواصل ليقول: "ولكن ماذا يقول إذا نظر الى نفسه؟ هل اقترب من تحقيق حلم آخر للبشر، هو كمال "الإنسان"؟ الإنسان الذي يحب جاره، ويحكم بالعدل، وينطق بالصدق، محققا ماهيته، أي أن يكون صورة للإله؟.. إثارة السؤال تدعو للحرج، لأن الإجابة واضحة وضوحا أليما.. فبينما خلقنا أشياء رائعة، أخفقنا في أن نجعل من أنفسنا جديرين بهذا الجهد الخارق. فحياتنا حياة لا يسودها الإخاء والسعادة، والقناعة، بل تجتاحها الفوضى الروحية والضياع الذي يقترب اقترابا خطرا من حالة الجنون" ..الى أن يقول: "ولكن هل سيسمع أطفالنا صوتا يرشدهم الى ما يتجهون، وما الهدف الذي يعيشون من أجله إنهم يشعرون على نحو ما- كما يشعر الناس جميعا- أنه لا بد للحياة من معنى، ولكن ما هو؟ هل يجدونه في التناقضات، وفي الكلام المزدوج الدلالة، وفي الاستسلام السافر االذي يلتقون به عند كل منعطف؟ إنهم مشوقون الى السعادة والعدالة والحب، والى موضوع للعبادة، فهل نحن قادرون على إشباع شوقهم؟
عاجزون نحن مثلهم، بل إننا لا نعرف الإجابة لأننا نسينا حتى أن نسأل السؤال، ونزعم أن حياتنا قائمة على أساس متين ونتجاهل ظلال القلق، والهم، والحيرة التي تغشانا فلا تريم".. ومن أهم ما قاله فروم، في هذا الصدد، مما له علاقة بالوحدة، التي نتحدث عنها، وعن تشخيص أزمة الحضارة، قوله: "وينشئ التنافر(انعدام الانسجام)، في وجود الإنسان حاجات تتجاوز حاجات أصله الحيواني تجاوزا بعيدا.. وينتج عن هذه الحاجات دافع قاهر لاستعادة الوحدة، والتوازن بينه وبين بقية الطبيعة. ويحاول استعادة هذه الوحدة والتوازن في الفكر بادئ الأمر، وذلك بتشييد صورة ذهنية جامعة all-inclusive للعالم تكون بمثابة إطار للإشارة، يستطيع منه أن يستمد الإجابة على السؤال الخاص بموقفه، وما ينبغي عليه أن يفعله. بيد أن مثل هذه المذاهب الفكرية، ليست كافية. فلو كان الإنسان عقلا مجردا عن الجسم لبلغ غايته بمذهب فكري شامل.. ولكن ما دام الإنسان كيانا له جسم وعقل، فلا مناص من أن يواجه ثنائية وجوده لا بالتفكير فحسب، بل بعملية الحياة أيضا، وبمشاعره وأفعاله. وعليه أن يسعى جاهدا الى تجربة الاتحاد والوحدة في كل مجالات وجوده لكي يصل الى توازن جديد".. راجع كتاب: "الدين والتحليل النفسي" .. هذا تصور، رائع- جوهري، ومتكامل- لمشكلات الإنسان المعاصر، وأشواقه.. ونحن على يقين تام، أن هذه التحديات والأشواق، لا تجد الاستجابة الحقيقية لها، إلا في"التوحيد" كإطار مرجعي، وهذا ما نحن بصدد بيانه.


من هذه المداخلة هنا:
Re: خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشري...تعريف بأساسيات دعوته
الأخ أسامة يقول في مداخلة بعاليه:


Quote: و لكن يبدو ان كثيرا من الناس يعتقدون ان الفكرة الجمهورية قد بدات من العدم ،او انها نتيجة العبادة فقط ،باعتبار ما كتبه الاستاذ هو علم لدني ليس له علاقة بالكتب التي نتحدث عبثا عنها الآن.كما قال لي احدهم في مساء ما .


أريد هنا أن أقول ما أفهمه من الفكرة الجمهورية بخصوص العلم اللدني.. بطبيعة الحال فإن كل العلم مصدره من الله ولكن هناك علم يكون فيه الجانب الكسبي في المدارس هو الغالب وهذا يدخل فيه تعليم الحرف والصناعات وبقية التعليم المدرسي والجامعي والتعليم الذاتي عن طريق التحصيل بالقراءة والمطالعة.. وهناك العلم اللدني وهو الذي يكون فيه الجانب الوهبي هو الغالب عن طريق الوحي والإلهام والكشف والتأمل وهنا يدخل الأنبياء والمكتشفون والمخترعون والحكماء وقد جاء بها السياق القرآني من سورة الكهف عن لقاء نبي الله موسى وفتاه بنبي الله الخضر: "فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا"؛ ما قاله الأستاذ محمود عن فهم في الناسخ والمنسوخ والأصول والفروع والشريعة الفردية وتطوير التشريع يدخل في هذا النوع من العلم الوهبي "واتقوا الله ويعلِّمكم الله، والله بكل شيء عليم"، ولكن هذا العلم كان بوسيلة القرآن والتفكر في التراث الإسلامي وفي معطيات الحياة المعاصرة بما في ذلك الأفكار المعاصرة.. وقد تقدمت المسز هودجكينز إلى الأستاذ في لقاء تم عام 1972 بأسئلة في هذا الموضوع يحسن بي أن أضعها هنا ومنها يتضح أن الأستاذ محمود قد قرأ لمفكرين مثل ماركس ولينين وبرتراند رسل وبرنارد شو وإتش جي ويلز:

Quote: هي : نعود الآن إلي شخصك .. من هم المفكرون الذين تأثرت بهم في تطوير أفكارك ؟

هو : في الحقيقة لا يوجد مفكرون بالمعنى الذي كان لهم أثر علي حياتي. و لكن هناك أصحاب مناهج هم الذين تأثرت بهم وهم النبي .. والغزالي .. فلقد إتبعت المنهاج و قرأت شيئا قليلا .. شذرات من هنا و هناك و لهذا لا أقول تلمذتي علي مفكر معين.

هي : هل قرأت لمفكرين إسلاميين ؟

هو : لم أقرأ لمفكرين إسلاميين طبعا و لكن قرأت قليلا لماركس ولينين وبرتراند راسل وشو هزج ولز .. والموضوع الذي جئت به لم يأت به السابقون حتى ولا إبن عربي فهو جديد كل الجدة ..

المصدر:
http://alfikra.org/talk_page_view_a.php?talk_id=9&page_id=2
مما عايشته شخصيا في الحركة الجمهورية منذ ذلك اللقاء أستطيع أن أقول أن الأستاذ محمود لم يعد يجد الوقت للقراءة الشخصية الموسعة وذلك لإنشغاله الشديد بالإشراف على نشاطات الحركة ومراجعة كتابات "الأخوان الجمهوريين"، وهذا النشاط كان يأخذ كل يومه تقريبا، ولكن هذا الوضع نفسه مكَّنه من الإطلاع على الجديد من أبواب المعرفة في بعض المجالات وكان يحملها الجمهوريون الدارسون والمتخصصون ويبسطونها في الجلسات أو يكتبونها في كتب الحركة..
خلاصة ما أريد قوله هو أن أي فكرة أو اختراع أو دين إنما يبني على ما كان قبله وفي هذا لا تختلف الفكرة الجمهورية ولكن هناك بعض الأشياء التي لم تجئ إلا في الفكرة الجمهورية.. الأمر الأساسي يا عزيزنا أسامة ليس هو ما كتبه الأستاذ محمود، برغم أهميته، وإنما ما فعله الأستاذ محمود وبرهن به على اتساق الفكر والقول والفعل عنده..

الأخ أسامة يقول:

Quote: ولذلك لا بد من الحاجة الى التنقيب عن المصادر المعرفية الغربية والصوفية معا والتي اسس بها الاستاذ محمود خطابه كله. و اذا ما –نزعنا أو قل اقتلعنا تلك المصطلحات التي لا يشير اليه الاستاذ-من خطابه،
فلن يتبقى سوى الخراب أو قل الخواء .

نقِّب كما تشاء يا أخي أسامة وابحث كما تحب ولكن أن تصف ما يتبقى من الفكرة الجمهورية بعد نزع المصطلحات بهذه الطريقة فهو أمر لم أجد له أي سبب أو مبرر أو تأسيس من خلال ما كتبت، وأرجو أن يفتح الله عليك ويعلِّمك ما يثبت لك عكسه..

ياسر



Post: #160
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 03-11-2007, 10:18 AM
Parent: #1


Quote: وبالتالي يتعين التعامل مع المصطلحات تعاملاً دقيقاً . فخروج المُصطلح من دنيا النحت إلى دنيا التداول يحتاج مُصاحبة المُصطلح وفق ما أسسه صاحبه الذي نحته ، والرجوع لمعاييره وأركانه . ونستثني من ذلك الإبداع البلاغي من إفراغ مصطلح من المُصطلحات من محتواه وإلباسه ثوباً جديداً ، و الحديث التفريق بينها وبين المصطلحات الأخرى تحتاج فصل كامل فأبوابه مفتوحة على أجسام تعبير وأمثلة أكثر عمقاً وتحتاج درجة من الصفا والصبر على الأعماق .


أخي الأستاذ عبد الله الشقليني
تحية طيبة
أعتقد أننا يجب أن نحسم في البداية المسألة "الشكلية" التي بدأ بها الأخ أسامة فرضياته هنا وهي أن مصطلح "جاهلية القرن العشرين" جاء به محمد قطب في كتابه "جاهلية القرن العشرين" وقد دل على ذلك ببعض النصوص التي نقلها لنا من ذلك الكتاب ثم قرر أن الأستاذ محمود استلف ذلك المصطلح من غير أن يشيرالى أصله بعد أن أفرغه من محتواه ..
ولذلك فأنني سأكرر سؤالي حتى أجد له إجابة شافية: متى جاء محمد قطب بهذا المصطلح أذ أنني وبحسب اطلاعي اليسير عرفت أن كتاب محمد قطب هذا صدر في الثمانينات وأعيد نشره في التسعينات أي بعد عدة أعوام من استخدام الأستاذ محمود للمصطلح في الستينات (ويمكن تدعيم ذلك بالمراجع) ..
الشي الثاني ، والذي أظنه يختلف مع عبارتك التي اقتبستها لك بعاليه هو إصراري على أن الوقوف مع المصطلحات ودلالاتها التي أتى بها الأولون مسألة غير مجدية خاصة عندما يكون التناول في شمولية الفلسفة أو الفكر الديني (ربما يختلف الأمر اذا كان المجال مجالا فنيا ضيقا) ذلك أن اللغة في حد ذاتها متحركة ومرنة وربما تعني الكلمة أو التركيبة اللغوية أشياء أخرى في العلوم المختلفة وفي العصور المختلفة .. خذ مثلا كلمة "مركبة" فستجد أن معانيها تتطور مع مرور الزمن أو خذ مجالا جديدا مثل المعلوماتية والإنترنيت الذي ظهر في العقدين الأخيرين فهو قد أعاد استخدام الكثير من الكلمات والتعابير المتداولة ولكنه أعطاها معان جديدة .. فالتركيبات اللغوية لا تتعدى أن تكون مبان لا أهمية لها بغير المعاني التي ينفخها المستخدمون فيها .. والمتتبع لخطاب الأستاذ محمود لا بد يدرك حقيقة مثل هذا الفهم الذي يتمسك بظاهر اللغة ويعاملها كأنها شيء ثابت فهو لن يبلغ به صاحبه أي مبلغ يتعدى القشور حتى ولو كانت هذه التعابير هي القرآن نفسه - كلام الله - وهو أرقى صور الكلام ، فمعانيه (تأويله) أهم من ظاهر نصه ((حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا، لعلكم تعقلون * وإنـه، في أم الكتاب، لدينا، لعلي حكيم))..
فلو انصرفنا لمحتوى ما يقدمه الأستاذ محمود من فكر وقارنا ذلك بما يقدمه الآخرون من أمثال محمد قطب ، ثم بينا أوجه القصور أو الكمال فيهما ، أعتقد أن الأمر سيكون أكثر فائدة وسيدخلنا أكثر في البحر الذي أراك تغرف منه بحذق ..
الأستاذ استخدم كثير من التعابير السائدة في التراث الإسلامي وبخاصة الصوفي وحتى معارفه فهي بنت على المعرفة المتراكمة (روحية ومادية) ولكنه بالتأكيد قدم طرحا متكاملا وفريدا وجديدا ولم يكن بأية حال إعادة أواجترار لذلك التراث المعرفي المتراكم بل كان ثمرة لعمل في العبادة والتقوى والعلاقة بمصدر المعرفة الأساسي مما جعل طرحة متسقا وجديدا ولا يزال يقابل بالإستغراب والإنكار من الكثيرين وقد قال عنه الأستاذ محمود (إنا ما جئت به هو من الجدة بحيث أصبحت به بين أهلي كالغريب) ..
فمثلا الإستاذ محمود استخدم كلمة "اشتراكية" وكلمة "ديمقراطية" وكلمة "حرية" في إطار دعوته لعودة الإسلام من جديد وهذه الكلمات ذات تعريفات تأخذ دلالتها من الفلسفات التي تتبناها ومن التجربة البشرية والظروف التي تم تطبيقها فيها ولكن الأستاذ محمود اعطاها بعدا جديدا من المعاني يتسق مع رؤيته للدين وللحياة .. ولقد قال عن ماركس أنه "اشتراكي" ولكنه ليس آخر الأشتراكيين وهو من باب أولى ليس أولهم بالرغم من أن له مدرسته المعرفية الخاصة به والتي نقدها الأستاذ محمود نقدا موضوعيا أبان صور القصور فيها كما لم يتغاضى عن محاسنها .. وتحدث عن التجربة الغربية "الديمقراطية" وأبان أوجه القصور فيها وقدم لها بديلا أكثر "ديمقراطية" وأعمق فهما لأنه يتوجه لخلق الفرد الديمقراطي الحر في المقام الأول بعد أن بين علاقته بالكون وبالمجتمع وبعد أن تحدث عن الحرية "الفردية المطلقة" التي هي غاية الغايات ..
هذا وتقبل مني وافر المودة
عمر

Post: #161
Title: الأستاذ محمود وكلمة جاهلية، وعبارة القرن العشرين!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-11-2007, 06:58 PM
Parent: #160

الأخ العزيز عمر هواري
والأخ عبد الله الشقليني والأخ أسامة الخواض وجميع المشاركين والقراء..

تحية وسلاما

لا أعتقد أن عبارة "جاهلية القرن العشرين" تعتبر مصطلحا.. فالكلمة الأساسية هي "جاهلية" وهي ليست بجديدة.. وحتى عندما استخدمها القرآن لم يكن ذلك أول استخدام لها.. ربما يكون الجديد هو استخدامها لوصف حالة المجتمع المعاصر.. والعبارة جاءت في كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" الذي نشر عام 1964، ولكن بمحتوى يختلف عما استخدمه بها محمد قطب في كتابه "جاهلية القرن العشرين" الذي صدر في وقت متأخر؛ فبينما يستخدمها سيد قطب لوصف المجتمعات المسلمة نجد أن محمد قطب يستخدمها لوصف المجتمعات الغربية المعاصرة..

يقول الأخ أسامة في مداخلته بعاليه:

Quote: في مقابل الجاهلية يطرح سيد قطب مفهوم الحاكمية.و يرى ان ذلك النموذج للحاكمية يتحقق من خلال امة تتبنى القيم الاسلامية .وسنعود للكلام عن المخطط النظري لسيد قطب في مواجهة الجاهلية المعاصرة بأشكالها الاسلامية واشكالها الغربية و مقارنة ذلك بالمخطط النظري في الخطاب الجمهوري.


ولكنه أورد نصوصا من كتاب محمد قطب "جاهلية القرن العشرين"..
سوف أتجاوز مسألة من الذي استخدم العبارة أولا لأن ذلك غير مهم كما أوضح الأخ عمر هواري وكما أوضحت أنا.. وسأنتقل لكي أنقل بعض النصوص التي جاءت في كتابات الأستاذ محمود وجاء فيها ذكر كلمة "جاهلية" أو عبارة "جاهلية القرن العشرين".. استخدم الأستاذ محمود كلمة "جاهلية" وقرنها بـ "القرن العشرين" في معرض خطاب وجَّهه الحزب الجمهوري للرئيس المصري جمال عبد الناصر في 18 أغسطس عام 1958:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=6&chapter_id=5
وفيه قال :

Quote: أول ما تجب الإشارة إليه أن العرب لم يكونوا شيئا مذكورا قبل الإسلام وأنهم لم يدخلوا التاريخ إلا بعد أن أكرمهم الله عز وجل بالإسلام وعلمهم أن "العنصرية" هوس باطل وقال لهم ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) وأمر نبيهم أن يوضح لهم ذلك فقال ((ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى)) .. لقد كان كل هذا في القرن السابع الميلادي ونحن اليوم في القرن العشرين تقوم بيننا دعوة منكرة تئد تعاليمنا الإنسانية السامية وتضع في رؤوسنا وقلوبنا نعرة جاهلية رجعية متخلفة تحرر من سيطرتها من هم دوننا منذ القرن التاسع عشر ولم يعد لها مكان في عالم اليوم إلا عند قصار الأحلام غلف القلوب ..


ثم استخدمها مرة أخرى في عام 1968 في كتاب "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" وسأبسط النصوص كاملة حتى تتحدث بنفسها عن نفسها ولا تحتاج مني إلى شرح.. [أرجو ملاحظة أن النص التالي باللغة الدارجة لأنه منقول من المحاضرة إلى الشريط]

Quote: إنسانية القرن العشرين هي، في الحقيقة، في مرحلتنا الحاضرة، ((ما تشوفوه منها من انحرافات)) لو قارنتها بجاهلية القرن السابع لوجدت مجتمعنا أرقي بكثير جدا.. في ناس بتورطوا في الخطأ، ويقارنوا المجتمع الحاضر بمجتمع أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، غداة أسلموا، لكن دة وهم حقيقي، لأنو نحن في الوقت الحاضر، في جاهلية، والخطأ بيجي من رضانا عن أنفسنا.. نحن بنفتكر أننا نحن مسلمين، ناقص لينا شنو؟ لكن أنا أحب أن أذكركم أنو أصلو مافي جاهلية فارقت كل ما جاء في الماضي، خصوصا في الوقت الفيهو الكلمة المكتوبة، والتاريخ المتصل.. كل جاهلية من الجاهليات فقدت اللبة، واتمسكت بالقشرة.. مثلا الحج، ربنا فرضه علي سيدنا إبراهيم، وفي الجاهلية النبي لما جاء لقاهم بحجوا البيت، لكن بطوفوا فيه عريانين.. لبة الدين مافي، قشرة الدين في.. نحن هسع، بطول الأمد، بقت اللبة مافي.. نحن متمسكين بالقشور.. والإنسان الدقيق، والفاهم، يعرف أنو نحن على جاهلية برضو.. متمسكين بالقشور بمعني شنو؟.. أننا بنقول ((لا إله إلا الله)) لكن ما عندنا يقين بالله، أخلاقنا موش أخلاق المسلم.. نصلي، ونصوم، نحج، والبزكي مننا بيزكي، لكن مافي أخلاق الإسلام، في الشارع، وفي السوق، وفي المسجد، وفي المدرسة، وفي المكتب، مافي.. لو نحن عرفنا أننا نحن علي جاهلية، وأننا يجب أن نعود للدين لنبعثه في صدورنا، من جديد، وأن تكون ((لا إله إلا الله)) خلاقة، زي ما جات في القرن السابع، بنعرف أنو جاهليتنا دي ما بتتقارن بإسلام أبوبكر، وعمر، وعثمان وعلي.. بتتقارن بجاهليتهم، في جاهليتهم كانوا بيئدوا البنت، ويعبدوا الصنم، ويقطعوا الرحم.. إذا عاينت لإنسانية القرن العشرين، علي تفسخها، تلقاها أرفع من جاهليتهم.. إذا انتظرت لبشرية القرن العشرين حتي ينبعث فيها الدين، من جديد، زي ما انبعث زمان، من المؤكد أنو بتجي قمم غريبة.. فنحن لما بنتكلم عن انسانية القرن العشرين بنعني أنو حيرتها الحاضرة في مستوى حيرة الجاهلية .. ومستقبلها في أن ينبعث فيها الدين المرة الجاية على حسب موعود نبينا.. نبينا قال ((كيف أنتم إذا نزل عليكم ابن مريم حكما مقسطا يملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا)) وربنا يقول ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا)) دا وعد غير مكذوب.. أها تجي الأرض تمتلي عدلا بلا إله إلا الله ، ونورا بلا إله إلا الله – البشرية دي ترتفع من مستوى حيواني إلى مستوى إنساني ..

المصدر:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=15&chapter_id=11

أرجو مقارنة ما جاء في هذا النص بما جاء في كتاب "جاهلية القرن العشرين" التي نقلها الأخ أسامة..

ولمزيد مما قاله الأستاذ محمود عن "إنسانية القرن العشرين" أنقل ما جاء في نفس الكتاب وباللغة الدارجة:


Quote:

إنسانية القرن العشرين


هنا، نحن قلنا، في عنوان المحاضرة، إنسانية القرن العشرين، برضو في ناس قالوا إنسانية القرن العشرين المتفسخة! إنسانية القرن العشرين الطائشة! الإنسانية الداعرة! ونحن نقول نعم إنها إنسانية القرن العشرين المتفسخة الطائشة الداعرة!! الإنسانية دي لا تزال في ما يريده ليها الله لغاية اليوم.. والله ما هجرها.. الله ما تركها، الناس خلق الله، وعباد الله.. والله بحبهم.. لكن الله بسيِِّرهم ليه برجلين. بسيرهم ليه برجل المادة، وبسيرهم برجل الروح.. وفي كل المضمار الناس ماشين لي الله .. حتى أفجر الفجور، لما تشوفه، هو بارادة الله، لكن الله ما بيرضى ارادتو دي .. دا برضه من دقائق المعرفة بالدين .. الله يريد حاجة وما يرضاها.. الله يريد الكفر، ولكن لا يرضى الا الايمان .. ربنا قال: ((ان تكفروا فان الله غني عنكم، ولا يرضى لعباده الكفر، وان تشكروا يرضه لكم ..)) يعني، لما قال ربنا ((ان تكفروا فان الله غني عنكم)) الغني الما بيغلب .. ومعنى الكلام دا انو أن كفرتم ما كفرتم مغالبة لله، تعالى الله عن ذلك، وانما كفرتم بارادته .. ولكن الارادة دخلت فيها الضدية .. ((الثنائية)) الخير والشر دخلوا بالارادة .. الكفر والايمان دخلوا بالارادة .. ربنا يقول: ((وما كان لنفس أن تؤمن الا باذن الله، ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون)) ولكن ربنا أرسل الرسل لينقلونا من أرادته الى رضاه .. هنا، لما نكون نحن في حالة من حالات الفجور .. في حالة من حالات التحلل .. في حالة من حالات الجري وراء الدنيا .. في حالة من حالات التقدم المادي، زي ما نحن في حضارتنا الحاضرة، نحن سايرين لي الله في مضمار ارادته .. سايرين في هذه الحالات لي الله بالضلام – ان شئت – لأنو الله بيسوق ليهو الانسان بالنفس ((وهي ضلام)) وبالروح ((وهي نور)) بالصورة دي .. زي ما الزمان بسير بالليل والنهار، - اليوم نصو ليل ونصو نهار – كذلك البشرية ماشة لي الله بالمادة ((الضلام)) وماشة ليهو بالروح ((النور)) .. وهي، عندما تكون في حالة المادة، في السير، كأنها قدمت رجل المادة في السير، دا البنسميه نحن الضلال، والتفسخ، والطيش، والمجون، وأحسن منه أن تقدم رجل الروح .. أن تجي الهداية .. ولكن ما من شك أنها جاية .. زي ما الانسان ساير برجلين، يمين، وشمال، وأنت اذا رأيته في سيره مقدما رجله الشمال، لا تشك في أنه سيقدم رجله اليمين بعد أن يثبت رجله الشمال في الأرض .. الانسان ماشي لغايته عندما يقدم رجله الشمال كما هو ماشي عندما يقدم رجله اليمين .. وهو ماشي لي الله في جميع الحالات، لكن الاختلاف أنو لما أستعمل المادة بغرض المتعة، والترف، وحب الدنيا، واتباع الشهوات، دا ضال .. وهو لا بد سيهتدي فيستعمل المادة نفسها بوعي، واعتدال، وقصد، وبغرض القرب من الله .. وبكون بذلك مهتدي ..
الموضوع المهم أن انسانية القرن العشرين لأنها منحلة، ولأنها ضالة، ولأنها متفسخة، هي بحاجة الى الاسلام أكثر منها لو كانت مهتدية .. وكل انسان بيفهم يدرك أن الحيرة مطبقة في الأرض كلها، وأن خلق الله، حيث وجدوا، هم في التيه، هم حائرين .. هم ضالين، هم فاقدين حاجة .. كل الحركات اللي نحن بنشوفها في طلابنا، وفي طلاب العالم، في شبابنا، وفي شباب العالم، في رجالنا ونساءنا، وفي رجال العالم ونساء العالم .. انو البشرية في التيه بتبحث عن الله .. وهذه هي الحاجة الى الاسلام ..

الاسلام اليوم في المصحف


الاسلام اليوم لا وجود له الا في المصحف .. وقد نصلت حياتنا من الدين .. ما عليه الناس صور ميتة ومن أجل ذلك حياتنا متخلفة ومتأخرة .. دا عيبنا نحن موش عيب الاسلام .. كل ما تحتاجه البشرية موجود في المصحف، ولكن المصحف لا ينطق، وانما ينطق عنه الرجال .. والرجال ربنا بيهدي بيهم من شاء، ما راح يجيء نبي بعد نبينا فقد ختم الله بيهو النبوة .. قال تعالى: ((ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين ..)) .. والحكمة في انو ربنا ختم النبوة أنو كل ما أراد تعالى أن يقوله للبشر عن طريق الوحي من لدن آدم والى محمد قد استقر في الأرض بين دفتي المصحف .. وبعدين نبينا قال: ((انما أنا قاسم، والله يعطي)) .. أنا قاسم الشريعة، أنا رسول جيتكم بالشريعة، من يعمل بالشريعة الله يعطيه الحقيقة .. ((انما انا قاسم والله يعطي، ومن يرد به الله خيرا يفقهه في الدين)) .. وربنا قال: ((واتقوا الله ويعلمكم الله)) .. وفي القرآن دا ربنا بكلمنا .. كل وقت وكل ما نقرأ القرآن .. دا كلام الله لينا .. لكن نحن ما أتخذنا الأدوات البتخلينا نفهم عنه .. فالعلم مبذول بيننا، وموجود .. ولو رجعنا ليه كنا نتنور ..


المصدر:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=15&chapter_id=10
والسلام

ياسر



Post: #162
Title: Re: الأستاذ محمود وكلمة جاهلية، وعبارة القرن العشرين!!
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 03-11-2007, 11:48 PM
Parent: #161

UP

Post: #164
Title: Re: الأستاذ محمود وكلمة جاهلية، وعبارة القرن العشرين!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-12-2007, 06:29 PM
Parent: #162

الأخ محمد عبد الجليل
سلامات

لقد تابعت بوستك هذا وكانت هذه المداخلة أبرز ما شدني إلى البوست:

Re: صور تهز الكيان

رحم الله الثائر الأنصاري عبد القادر ود حبوبة.. أحسب أن قصة ود حبوبة الذي قتل عام 1908 على يد الإستعمار الإنجليزي المصري، وقصة الثائر الشيخ عمر المختار الذي قتل في عام 1931 على يد الإستعمار الإيطالي في ليبيا قد كانتا حاضرتين في تفكير الأستاذ محمود كنموذج لنهاية عهد الجهاد القتالي، وبداية عهد المقاومة السلمية والعصيان المدني كما مثله المهاتما غاندي في الهند.. وكذلك جاء نضال الأستاذ محمود بواسطة الحزب الجمهوري عام 1946 وتعرض فيه الأستاذ للسجن مرتين.. كانت تجربة السجن هي السبب في ظهور الفكرة الجمهورية التي أعلت من قيمة الفكر والتوعية من أجل التغيير فكانت عبارة الأستاذ محمود "قد يخرج الإنجليز غدا أو بعد غدٍ ثم لا نجد أنفسنا أحرارا ولا مستقلين وإنما متخبطين في فوضى لا قرار لها" [او كما قال].. الشاهد أن الأستاذ محمود أنفق حوالي 33 سنة بين عامي 1951 و 1984 يحاول توضيح فكرته ودعوته، وفي نهاية الأمر افتداها بمشهد يشبه مقتل ود حبوبة وعمر المختار ولكن للأسف بأيدي سودانية، وكان ذلك قمة تجسيد مقولة "ثم لا نجد أنفسناأحرارا ولا مستقلين"؛ فاغتيال الأستاذ محمود كانت تقف وراءه دول مثل السعودية التي ابتزت النميري وساقته بالترهيب والترغيب لارتكاب تلك الجريمة، وكان لعدة سنوات قبلها يحاول تجنب هذا العمل يشهد على ذلك اعتقاله للأستاذ في عام 1976 بعد كتاب إسمه "إسمهم الوهابية وليس إسمهم أنصار السنة" ثم إطلاق سراحه بغير شروط، ولكنه استجاب أخيرا وأقدم على اعتقاله بعد كتابي "بنك فيصل الإسلامي" و "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة" ثم رضح لفكرة التخلص منه بالتآمر مع الجهات التي كانت ترى مصلحتها في التخلص منه، ثم أقدم على تنفيذ التخلص من الأستاذ عندما ظن أن مقتله سوف يثبِّت له كرسي السلطة الذي بدأ يهتز من تحته، وظهر له أن السعودية تهدده بفضح عملية تهريب اليهود الفلاشا، التي كانت تجري في تلك الأيام من عام 1984 على قدم وساق، إذا هو لم يقم بالتخلص من الأستاذ محمود.. لقد اتضح أن تلك الخطوة قد عجَّلت بنهاية نظام الإمام نميري، ولكن لا تزال هناك أنظمة بحالها، ومنظمات إرهابية تقف عقبة في طريق وعي الشعوب والأفراد بحقوقهم الأساسية؛ وقد ثبت أن الصراع الدولي منذ أواسط الثمانينيات وحتى الآن هو بسبيل من إضعاف كل هذه الدول والمنظمات التي تقف عقبة في طريق وعي الشعوب والأفراد..

وشكرا
ياسر


Post: #163
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-12-2007, 03:08 AM
Parent: #1



التحية للأحباء هنا ،
ونستريح هُنا :


من منهاج قراءة محمود وهو يسعى في أثر النبي مُحمد :

نعيد هنا النظر في رؤى الأستاذ و نورد
قطوف مما قال به الأستاذ محمود بالعامية والفصحى
مصداقاً لما أدلى به الكاتب الأستاذ / ياسر في المُداخلة السابقة :
تحت العنوان : ( الإسلام اليوم في المصحف )
نقطف النصوص من قول محمود :

ــــــ



[ الإسلام اليوم لا وجود له إلا في المصحف ..

.. كل ما تحتاجه البشرية موجود في المصحف،
ولكن المصحف لا ينطق، وإنما ينطق عنه الرجال ..

وربنا قال: ((واتقوا الله ويعلمكم الله)) ..

وفي القرآن دا ربنا بكلمنا ..
كل وقت وكل ما نقرأ القرآن ..
دا كلام الله لينا ..
لكن نحن ما اتخذنا الأدوات البتخلينا نفهم عنه ..
فالعلم مبذول بيننا ، وموجود ..
ولو رجعنا ليه كنا نتنور ..]


ـــــــــ


الإقتداء بالنبي حين يسعى مأموراً بين نصوص الذكر الحكيم :

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1

{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }العلق3

{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78


{الرَّحْمَنُ }الرحمن1

{عَلَّمَ الْقُرْآنَ }الرحمن2

{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأعراف204


{الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ }الحجر1

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9



{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54

{مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى }طه2

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114

{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }النمل6

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ }ص1

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر17

{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }المزمل4

{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }القيامة18

ـــــــــــ

Post: #165
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-13-2007, 01:55 AM
Parent: #1

الأحباء هنا ،

نعود إلى الدرجات التي ذكرها الأستاذ محمود محمد طه و مراجع الاصطلاحات وفق ما ورد في الذكر الحكيم :

أولاً / نص الأستاذ محمود وهو يذكر الدرجات السبع في الترقي :

( الإسلام فكر يرتقي السالك فيه درجات سلم سباعي، أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد.. ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية )

ثانياً / أصل المصطلح وفق ما ورد في الذكر الحكيم :


1.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ }التكاثر7
2.
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }الحجر99
3.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }الواقعة95
4.
{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ }المدثر47
5.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ }التكاثر5
6.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ }التكاثر
7.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90

8.
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19
9.
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85
10.
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
11.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الصف7
12.
{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النحل106
13.
{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }الروم56
14.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }الحجرات7
15.
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14
16.
{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9




Post: #166
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-13-2007, 05:47 AM
Parent: #165

سلام كثير
اعتذر اولا عن غيابي لاسباب قاهرة.
اورد الصديق ياسر نقاطا كثيرة،
لكنه ظلمني في مسالة المقارنة بين توظيف الاستاذ لمصطلح جاهلية القرن العشرين ،
وما ورد في خطاب سيد قطب و محمد قطب مثلا،و قد قلت انني سأعود الى ذلك.
فتشت كثيرا قبل بسط بوستي عن تاريخ نشر كتاب جاهلية القرن العشرين،
ولم اجد جوابا شافيا ،
لكنني اعرف انه صدر بعد معالم في الطريق لسيد قطب ،
وقبل كتاب الاستاذ.
وقد قرأته في عام 1973.
ليس من شك في ان الاستاذ اقتبس مصطلح جاهلية القرن العشرين من "محمد قطب".
و للاسف فالمواقع العربية الاسلامية لا تشير الى تاريخ النشر.
لا املك نسخة ورقية من كتاب "جاهلية القرن العشرين"،
لكن ما اريد قوله ان هنالك اتفاقات بين سيد قطب و الاستاذ,
وهنالك ايضا اختلافات,لكن المثير في الامر ان الاستاذ اتبع نفس الاستراتيجية النصية التي اتبعها سيد قطب ،
في اعادة تعريف الحضارة كما في حالة سيد قطب ،
والتفريق بين الحضارة والمدنية كما في حالة الاستاذ،
وهما يتفقان في التشديد على مسالة الاخلاق باعتبارها الاضافة الاساسية التي سيقدمها الاسلام المعاصر،
و قد تم ذلك من خلال اتفاقهما على "مادية " الحضارة الغربية ،و روحانيةالاسلام،
و هي ثنائية معروفة عزف عليها و ما يزال الكثير من الاسلاميين.
وسنعود لاثبات ذلك بالادلة.
محبتي
المشاء

Post: #167
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-13-2007, 05:57 AM
Parent: #166

عزيزي الشقليني
سلام
ما قمت به هو مما ندعو اليه ،
اي كشف المصادر المعرفية للاستاذ،
وهي التي تتيح دراسة موضوعية له.
لك التقدير كله على هذا العمل الجرئ.
محبتي
المشاء

Post: #168
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-13-2007, 07:00 AM
Parent: #167

هنالك مسالة مشتركة بين سيد قطب و الاستاذ
و هي تتمثل في وجود تكرار لكثير من مقولاتهما.
و اتمنى ان يتكون فريق من المحررين لنشر اعمال الاستاذ مع حذف التكرار.
المشاء

Post: #169
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-13-2007, 07:57 AM
Parent: #166

الأخ أسامة
سلامات
قولك:

Quote: اورد الصديق ياسر نقاطا كثيرة،
لكنه ظلمني في مسالة المقارنة بين توظيف الاستاذ لمصطلح جاهلية القرن العشرين ،
وما ورد في خطاب سيد قطب و محمد قطب مثلا،و قد قلت انني سأعود الى ذلك.


أنا متأسف جدا أنني لم أفهم أنك لم تفرغ بعد من كتابتك.. ولكنني لا أتفق معك في الأساس على أن عبارة جاهلية القرن العشرين هي مصطلح..
Quote: فتشت كثيرا قبل بسط بوستي عن تاريخ نشر كتاب جاهلية القرن العشرين،
ولم اجد جوابا شافيا ،
لكنني اعرف انه صدر بعد معالم في الطريق لسيد قطب ،
وقبل كتاب الاستاذ.
وقد قرأته في عام 1973.
ليس من شك في ان الاستاذ اقتبس مصطلح جاهلية القرن العشرين من "محمد قطب".


لقد كتبت لك أن الأستاذ استخدم الكلمتين منذ عام 1958 لو جئنا للدقة.. أرجو عند عودتك أن تعلق على هذه المعلومة.. أما استخدام الأستاذ للعبارة بمعنى آخر خلاف ما استخدمه بها سيد قطب ومحمد قطب فلا أجد فيه بأسا البتة وأرى أنه الإستخدام الصحيح، حتى لو افترضنا أنه استعار "المصطلح" من سيد قطب أو محمد قطب.. فما هي فائدة أن يقول أن "هذا المصلطح هو ملك لسيد قطب"؟؟ ما دام محتوى العبارة يختلف عند الأستاذ محمود عنه عند محمد قطب أو سيد قطب.. نفس الاختلاف في استخدام عبارة "الثورة الثقافية" الذي أوضحته لك وللقراء فإن مفهوم الأستاذ محمود لها مغاير لمفهوم ماو تسي تونغ لها..
المسألة الأساسية التي بسببها لاقى الأستاذ ما لاقى ليست هي مثل هذه المصطلحات أو حتى المعاني التي أعطاها الأستاذ لها.. وإنما عبارات أخرى مثل "الرسالة الثانية من الإسلام" و "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" ومفهوم الأصالة والشريعة الفردية ومسألة تطوير التشريع.. وكما أوضحت لك بما أراه كافيا، الأستاذ محمود إبن عصره وإبن ثقافة هذا العصر وهو ليس بكاتب أو باحث أكاديمي وإنما صاحب دعوة.. وأنت الآن تترك مهمتك الأساسية التي انتدبت نفسك لها وتريد أن تغرق وتغرقنا معك في شبر موية هو مسألة المصطلحات!! وطبيعي أن تكون هناك اختلافات واتفاقات بين الأستاذ وبين غيره من الدعاة الإسلاميين فالأديم واحد.. ولذلك قولك أدناه إنما هو تحصيل حاصل..


Quote: لكن ما اريد قوله ان هنالك اتفاقات بين سيد قطب و الاستاذ,
وهنالك ايضا اختلافات


وقد سألت المسز هودجكينز الأستاذ سؤالا سيوضح لك هذا الموضوع:

Quote: هي : هل تعتقد أنك أقرب فكريا إلي الأخ المسلم أم إلي الاشتراكي الملحد ؟

هو : هذا سؤال في غاية الصعوبة و الإجابة عليه ليست بهذا القصر .. بطبيعة الحال الإنسان أقرب إلي الأخ المسلم و لكنه في نفس الوقت بعيد عنه و السبب في ذلك أن مسألة الإلحاد فرقة كبيرة .. و الأرض المشتركة مع الأخ المسلم العقيدة في الله .. و لقد وجدنا أن الماركسيين يتمتعون بحرية أكبر في الفكر ، فالماركسي متمرس علي الفكر و يسهل عليه أن يقتنع ، أما الأخوان المسلمون فإنهم مصبوبون في قوالب جامدة.

المصدر:
http://alfikra.org/talk_page_view_a.php?talk_id=9&page_id=3

قولك:

Quote: لكن المثير في الامر ان الاستاذ اتبع نفس الاستراتيجية النصية التي اتبعها سيد قطب ،
في اعادة تعريف الحضارة كما في حالة سيد قطب ،
والتفريق بين الحضارة والمدنية كما في حالة الاستاذ،
وهما يتفقان في التشديد على مسالة الاخلاق باعتبارها الاضافة الاساسية التي سيقدمها الاسلام المعاصر،
و قد تم ذلك من خلال اتفاقهما على "مادية " الحضارة الغربية ،و روحانيةالاسلام،
و هي ثنائية معروفة عزف عليها و ما يزال الكثير من الاسلاميين.


اقرأ بدقة يا أسامة تجد أن الأستاذ لا يتحدث عن روحانية الإسلام في مقابل مادية الغرب وإنما يقول بنفخ الروح الإسلامي في هيكل الحضارة المادية الغربية، أو عبارة "جئنا بفكر ديني مادي" وتجدها في نفس مقابلة المسز هودجكينز :
Quote: هي : أنا من المعجبين بحركتك فإن أهلي من فرقة ثورية في المسيحية هم الكويكرز ولكن أخشي أن أتحول .. إن الحياة في الوقت الحاضر تميل إلي إستقطاب الناس حول قطبين …. قطب المادة "الإلحاد" و قطب التعصب الديني.

هو : الصورة التي نراها أن القطبين إما ماديون أو سلفيون في التفكير الديني .. و بين هذين القطبين النقيضين جئنا بفكر ديني مادي .. فالإنسان عقل و معدة فنحن نشبع حاجات المعدة لنترك لهم مجالا للفكر .. و الإنسان بين الحيوان و الملك .. و نحن الدعاة للكتلة الثالثة بين القطبين اللذين تحدثت عنهما.

هي : "معترضة" و لكن الماركسية ليست كلها مادية ؟

هو : ماركس و الطريقة الأمريكية تنبعان من أرض واحدة .. أرض المادة .. الوجود المادي .. فالمسيحي يتحدث عن المسيح و لكنه لا يعيش المسيحية .. و لكن في الطريقة الأمريكية يذهب الناس يوم الأحد إلي الكنيسة.


أرجو متابعة هذه المداخلة لي في بوست الأخ أبو الريش.. وشكرا
فدعا ربه أني مغلوب فانتصر!!

ياسر

Post: #170
Title: في الأمانة الفكرية.. وأشياء أخرى.. مع الأخ أسامة الخواض..
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-13-2007, 10:23 AM
Parent: #169

بعد أن فرغت من مداخلتي هذه:

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

بعاليه قرأت مداخلة أسامة الأخيرة هذه:


Quote: هنالك مسالة مشتركة بين سيد قطب و الاستاذ
وهي تتمثل في وجود تكرار لكثير من مقولاتهما.
و اتمنى ان يتكون فريق من المحررين لنشر اعمال الاستاذ مع حذف التكرار.
المشاء


يبدو أننا أصبحنا ندور في دائرة.. يا أخي نعم هناك مسائل مشتركة بين سيد قطب وبين الأستاذ كما قال الأستاذ نفسه في إجابته على سؤال مسز هودجكينز.. ولكن عليك أن تعرف أن الاختلافات بين الأستاذ وبين السلفيين تطغى على الاتفاق معهما.. أول هذه المسائل هي انتهاج السلفيين طريق العنف للإطاحة بالطغاة ولمواجهة الحضارة الغربية ولإجبار المجتمع المسلم على سلوك هذا الطريق التكفيري وكان نتيجة ذلك أن خرجت منهم منظمات معروفة مثل التكفير والهجرة والجهاد الإسلامي والقاعدة وغيرهم.. أما سبيل الأستاذ محمود فقد كان عن طريق الإقناع والمقاومة السلمية والعصيان المدني.. فهذا هو فرق النهار من الليل يا صديقي.. ونهج الأستاذ يلخصه في كتابه "الثورة الثقافية" فيقول:

Quote: لقد أسلفنا القول بأن النبي مبعوث "بثورة الإسلام الأولى" ، "وبثورة الإسلام الثانية" .. و قلنا أنه في كلتيهما بشير ، و نذير .. و قلنا أن حظ البشارة في الثورة الأولى قد كان قليلاً ، و حظ النذارة كبيراً ، و من ثم جاء السيف .. و قلنا أن حظ البشارة في الثـورة الثانية سيكون كبيراً ، و حظ النذارة قليلاً .. و لن يتعدى حظ النذارة التنفير من الجهل ، و التشجيع على العمل .. و هذا معنى قوله ، من الآية التي تمنع الإكراه ، و التي أوردناها قبل قليل: "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد إستمسك بالعروة الوثقى ، لا إنفصام لها .. و الله سميع عليم" ..
و التبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين ، بصورة تقنع العقول الذكية .. و أن يكون من سعة الصدر بحيث لا ينكر على الآخرين حقهم في الرأي .. و أن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف ، و يؤلف من الذين يخالفونه الرأي .. و هذه من الصفات التي لا تكتسب إلا بالممارسة .. أعني ـ أن يمارس الداعي دعوته في نفسه ، و أن يعيشها ـ أعني أن يدعو نفسه أولاً ، فإن إستجابت نفسه للدعوة دعا الآخرين .. فإن شر الدعاة هم الوعاظ الذين يقولون مالا يفعلون .. ففي حق هؤلاء وارد شر الوعيد .. قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" .. ومقت الله شر ما يتعرض له العبد ..
الثورة التي لا تقترن فيها القوة بالعنف إسمها الدقيق "التطور" .. و هي ، إذ تسمى ثورة ، إنما تسمى من قبيل سرعة التغيير الذي يجري بها ، فإنه من المألوف أن "التطور" وئيد ، وأن "الثورة" سريعة .. و إنما كان التطور وئيد لأن الذكاء البشري قد كان متخلفاً ، و قد كانت العادة هي المسيطرة ، و الحائلة دون التجديد ، بل حتى دون الفضيلة ، في بعض الأحيان .. قال تعالى في النعي على العادة: "وإذا فعلوا فاحشة قالوا: وجدنا عليها آباءنا ، و الله أمرنا بها .. قل إن الله لا يأمر بالفحشاء . أتقولون على الله مالا تعلمون؟؟ * قل أمر ربي بالقسط ، و أقيموا وجهكم عند كل مسجد ، وأعدوه ، مخلصين له الدين ، كما بدأكم تعودون" .. والتقدم البشري جميعه إنما هو محاولة أن يقوى الذكاء البشري و يتولى قيادة سفينة التغيير في مدارج التطور المستمر ..


أما أعجب ما قرأت فهو عبارتك الأخيرة التي تقول "و اتمنى ان يتكون فريق من المحررين لنشر اعمال الاستاذ مع حذف التكرار."

فإذا قام إنسان بعمل مثل هذا في أي كتاب من كتب الأستاذ فلا يكون الكتاب هو كتاب الأستاذ.. وقد قلت لك من قبل شيئا في هذا المعنى.. فهل أنت جاد في مثل هذا القول؟؟ أين هي الأمانة الفكرية؟؟ وأين احترام عقول الناس؟؟
في منتصف التسعينات كتب كاتب سوداني هو الأستاذ محمد خلف الله عبد الله رئيس تحرير مجلة "ألواح" التي كانت تصدر في لندن مقالا فيها قال فيه شيئا قريبا من قولك بحذف بعض الأشياء من كتاب الرسالة الثانية وكان هذا من أعجب ما قرأت لمثقف سوداني.. قال محمد خلف الله:


Quote: "فإذا كانت الفكرة الجمهورية لدى محمود ترتبط بسياق العصر الذي كانت تهيمن فيه الدارونية والماركسية والفرويدية التي لا تخلو من تأثيرات على نظرته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإن المرء يتوقع أن تتلون قراءة تلاميذه، مثلاً، بتأثيرات بائدة ما بعد التي لحقت بتلك المذاهب. وإذا كان محمود، مثلاً، يرى أن الشيوعية أكفأ من الرأسمالية (مع تشابههما في الأصل المادي) من حيث المقدرة على تحقيق الوفرة المادية وعدالة توزيعها، فإن انكشاف أمر مسار التجربة السوفيتية كان كفيلا بتصحيح هذه الملاحظة، إن لم نقل إسقاطها من أي طبعة لاحقة من "الرسالة الثانية من الإسلام"؛ هذا بالطبع إن لم يكن محمود يقصد بالشيوعية شيئا آخر سوى تلك التجربة الزمنية الملموسة."

من مجلة ألواح العدد الثاني 4/1996.. وقد كتبت له خطابا بتاريخ 13/8/1996، ونشرت المقال في جريدة "الرأي الآخر" التي كانت تصدر في الولايات المتحدة وذلك في وقت لاحق.. وقد جاء تعليقي على الفقرة التي اقتبستها الآن بعاليه في نقاط سأعيد نشر بعضها هنا للمناسبة:

Quote: 1. إن الأستاذ محمود يقصد فعلاً بالشيوعية شيئاً آخر خلاف تلك التجربة الزمنية الملموسة؛ بل إنه توقع فشل تلك التجربة في روسيا منذ الستينات، وقد ورد ذلك في الطبعة الأولى من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام"، حيث جاء: (روسيا ، وهي تواجه الفشل اليوم في تحقيق الاشتراكية ، بله الشيوعية وتنكص على أعقابها ، إلى إجراءات هي أدخل في الرأسمالية منها في الاشتراكية ، تتوخى بها إيجاد حوافز للإنتاج جـديدة ، تعطي أكبر الدليل على أن المدنية الغربية الحاضرة بلغت نهاية تطورها المادي الصرف ، ووقفت عند نهاية الطريق المسدود وسيصبح لزاما عليها أن ترجع إلى مفترق الطرق ، حيث تبدأ بسلوك طريق آخر ، كانت شرة الثورة قد أذهلتها عن سلوكه منذ نصف قرن مضى .) أهـ. أما ماذا يقصد بالشيوعية فقد جاء في نفس الكتاب تحت عنوان "المساواة الاقتصادية:الاشتراكية" قوله: (ونحن عندما نتحدث عن الاشتراكية العلمية ، أو عن الشيوعية ، فيما ندعو إليه ، لا نريد مذهب ماركس هذا ، بل إنا لنعلم أن اشتراكية ماركس ليست علمية ، وإنما هي متورطة في خطأ أساسي..) وقوله: (ولقـد عاش المعصوم الشيوعية في قمتها حيـن كانت شريعتـه في مستـوى آية الزكاة الكبرى (( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )) ولقد فسر العفو بما يزيد عن الحاجة الحاضرة .) وقوله: (وهو ما داعب خيال ماركس وضل الطريق إليه كل الضلال ، ولن يبلغه إلا المسلمون الذين لما يأتوا بعد ..) اهـ. أكثر من ذلك، فإنه تحدث عن مرحلية الماركسية، فقد جاء في كتاب "الثورة الثقافية" الطبعة الأولى، مايو 1972 ص 21 قوله: (و لما كانت فكرة الخالق مجحودة عند كارل ماركس فقد تبع ذلك رفض وحدة الوجود .. و من ثم فإن المتناقضين عنده يقومان على إختلاف نوع .. و هذا ما يجعل العنف عنده أصلاً من الأصول .. و هو ، بطبيعة الحال ، أس الخطأ في تفكير ماركس ، مما يجعل الماركسية مرحلية .. و إن كانت هذه المرحلية في غاية الأهمية في تاريخ تطور المجتمع فكرياً ، و إجتماعياً ، و سياسياً ، في القرنين الأخيرين .. الماركسية مرحلية لأنها ، حين قطعت صلتها بالغيب ، عجزت عن إدراك القوة التي تؤثر في تطور الإنسان من خارج المادة .. لقد خدمت الماركسية غرضاً كبيراً و لكنها قد إستنفذت غرضها هذا ، و أخذت تدخل التاريخ .. و هي لن تكون لها في المستقبل غير قيمتها التاريخية هذه .. و هي قيمة كبيرة ، من غير شك ، إذ قد شكلت قنطرة تربط ، ربطاً علمياً ، في مجال الفكر ، ومجال التنفيذ ، بين المادة و الروح .. فهي بذلك ـ أعنى الماركسية ـ قد جعلت عودة الإسلام ، من جديد ممكنة ، و واجبة ..) اهـ.
2. بالرغم من أن كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" يرسم للحاضر والمستقبل، حسب ما أرى، إلا أن أمانة النشر والتأريخ وإعادة الطبع، لا تعطي أي إنسان حق حذف، أو إضافة أي شيء لم يجر به قلم الكاتب!
3. أنا لا أرى ما قلته أنت من أن للدارونية والماركسية والفرويدية تأثيرات على نظرة الأستاذ محمود السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا باعتبارها من آيات الآفاق ـ ثقافة العصر ـ. جاء في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" قوله: (إن قصة الخلق في القرآن، لهي أكمل، وأتم، مما هي في أي فكر نعرفه، حتى اليوم .. وقضية التطور، في القرآن، تذهب إلى بدايات، وتسير إلى نهايات، أبعد، في الطرفين، مما يدخل في ظن عالم من العلماء الذين تعرضوا لنظرية التطور، من دارون إلى آخر من كتبوا في هذا العلم ..
في القرآن الوجود لولبي، وهو، على كل حال، وجود ليست له بداية، ولن تكون له نهاية .. وكل الذي بدأ، وكل الذي ينتهي، هو مظهر الصور الغليظة ..
في القرآن، الوجود هو الله، تنزل من إطلاقه، فظهر في صور المادة المحسوسة، وهو إنما ظهر ليعرف .. ليعرفه من؟؟ ليعرفه الذي هو مثله – الإنسان – و(ليس كمثله شيء) ...) وقوله في آخر الفصل الثاني من نفس الكتاب: (وفي مثل هذا يقول تعالى: (يأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا، مصدقا لما معكم، من قبل أن نطمس وجوها، فنردها على أدبارها .. أو نلعنهم، كما لعنا أصحاب السبت، وكان أمر الله مفعولا) .. قوله: (من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) يعني: يردها راجعة في سلم التطور، إلى حيوات بدائية في صورها فتتأقلم على العذاب .. وعن أصحاب السبت قال تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، فقلنا لهم: كونوا قردة خاسئين * فجعناها نكالا، لما بين يديها، وما خلفها، وموعظة للمتقين) .. قوله (كونوا قردة خاسئين) ردة في سلم التطور، ولعنة ، وبعد عن الله ..) اهـ . وهذا ما لم يكن معروفا لدارون مثلاً. أما سيجموند فرويد، فإنني أعتقد أن أساس معرفته بالتوراة، وما جاء بجميع كتب العهد القديم، عن الرؤى والأحلام، كان له أثره الواضح، على نظريته، وهي، على كل حال، دون ما في القرآن، وما تحدث به الأستاذ محمود عن القرآن.. فقد ورد في ص 123 من كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" قوله: (ثم إنه من أجل هذا التذكير أيضاً، أرسل جميع رسله بشهادة "لا إله إلا الله".. وأنزل القرآن على نبينا.. ويسَّره لتذكيرنا بتلك الشهادة، فقال، تبارك من قائل: "ولقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكِر؟".. ويؤخذ من هذا، أيضاً، أننا لا نتعلم شيئاً جديداً على الإطلاق.. ولكننا، حين نتعلم، إنما نتذكر علماً، قديماً، أزلياً، نسيناه..) اهـ. وتأويل الرؤى والأحلام هو بسبيل من المعرفة التي تأتي من تأويل القرآن، وقصة نبي الله يوسف الصديق مع صاحبي السجن، ومع رؤية فرعون، مثال لذلك، قال تعالى: "رب قد آتيتني من الملك وعلَّمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السموات والأرض، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلماً، وألحقني بالصالحين".
4. أما قولك: (فإن المرء يتوقع أن تتلون قراءات تلاميذه... إلخ)، فهو، بالإضافة لكونه لا يعتبر انتقاداً للفكرة الجمهورية، فهو يمثل عين ما يأمله ويرجوه الأستاذ محمود من الدعاة والمبشرين، فقد جاء في كتاب "الثورة الثقافية" ص 17 قوله: (و التبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين ، بصورة تقنع العقول الذكية .. و أن يكون من سعة الصدر بحيث لا ينكر على الآخرين حقهم في الرأي .. و أن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف ، و يؤلف من الذين يخالفونه الرأي .. و هذه من الصفات التي لا تكتسب إلا بالممارسة .. أعني ـ أن يمارس الداعي دعوته في نفسه ، و أن يعيشها ـ أعني أن يدعو نفسه أولاً ، فإن إستجابت نفسه للدعوة دعا الآخرين .. فإن شر الدعاة هم الوعاظ الذين يقولون مالا يفعلون .. ففي حق هؤلاء وارد شر الوعيد .. قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" .. ومقت الله شر ما يتعرض له العبد ..) اهـ. ولقد نعيت أنت على الجمهوريين، أن [ذكاءهم قد أخذ طابعاً استدلالياً، وليس استقرائياً، وأنه في مجال الاستقراء، فقد ضعفت عند التجربة قدراتهم].. ولا شك أن المقدرة الاستدلالية عند الجمهوريين، قد كانت هي الغالبة، وذلك لجدَّة الفكرة، ولغرابتها، خاصة أنها كانت هدفا لتشويه خصومها السلفيين لها عند عامة الناس، بهدف صرفهم عنها. ومن هنا كانت الأعمال الاستقرائية للجمهوريين، قبل مقتل الاستاذ، قليلة، أذكر منها كتاب "بنك فيصل الإٍسلامي"، عن تجربة البنوك الإسلامية، وخطرها على الإقتصاد؛ وكتبهم عن فتنة إيران الخميني على سبيل المثال. أما قولك بأنها تنسج على منوال الأستاذ محمود فلا يشكِّل انتقاداً موضوعياً لها!! وعلى كل حال، أنا لا أعتبر أن الفكرة الجمهورية قد هزمت، بل على العكس، فإن صدق الأستاذ، ومقتله بالصورة التي تمت، وما حققه بذلك من انتصار على الخوف، يشكِّل عندي انتصاراً لها، وبشيراً بانتشار ما تدعو إليه من ثورة فكرية وثورة ثقافية. أكثر من ذلك، أنني أعتبر أن توقف الحركة، كحركة للأخوان الجمهوريين، قد نأى بها عن أن تكون حزباً، أو طائفة، وفتح الباب لأن تصبح، بالحوار، ميراثاً لكل السودانيين ومن بعدهم للإنسانية جمعاء.





وشكرا
ياسر

Post: #171
Title: Re: في الأمانة الفكرية.. وأشياء أخرى.. مع الأخ أسامة الخواض..
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 03-13-2007, 02:23 PM
Parent: #170

Quote: الشاهد أن الأستاذ محمود أنفق حوالي 33 سنة بين عامي 1951 و 1984 يحاول توضيح فكرته ودعوته، وفي نهاية الأمر افتداها بمشهد يشبه مقتل ود حبوبة وعمر المختار


التحية لكل من ذهب مخلصاً
لتكون مساحات الحرية أرحب

Post: #172
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-13-2007, 05:12 PM
Parent: #1



للأحباء هُنا
وللقراء الذين يسترِقُّون السمع وهم يقرءون ..
ألف سلام عليكم جميعاً وألف تحية .
وللعزيز : محمد عبد الجليل ألف سلام
لكَ وأنت تُطِل وتُنبه وتمد بساط الود

من فوق منصة الكتابة يحق لنا أن نرفع جزيل الشكر للأحباء هنا ،
وهم يضربون أمثالاً طال انتظارنا لمثلها :
حوار في الفكر أخَّاذ بالبينة تُنادي أختها ، وبصبر الجميع على الحوار ،
وترقيه السُلَم رقياً يُطرِب . يختلف المُتحاورون في الرؤى ، ولا يحتدون ،
بل يُفصلون تفصيلاً يجعلنا من منبر القراءة أن نشكُر من ساهم و يسر أن تكون
هذه المُدونة كأنها تُرتِل وترتقي .

شكراً لكم .. ونواصل



Post: #174
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-15-2007, 03:35 AM
Parent: #172

عزيزي ياسر
شكرا كثيرا على مداخلاتك ،و ارجو ان تعذرني في تأخير الرد عليك
و شكرا لانك جئتنا بما قال به صديقنا محمدخلف الله ،
فهو يتفق مع ما اريد القول به من كلام حول تأثر الاستاذ بما انتجته الحضارة الغربية من مصطلحات وتجارب،
وللاسف فان الاستاذ قد وصم الحضارة الغربية بانها مادية فقط،
بينما نلاحظ ان معظم جهازه المصطلحي هو مما افرزته تلك الحضارة التي يصفها بانها مادية فقط،
ولم يشر ولو تلميحا بانها انتجتت مصطلحات المجتمع الحديث،
مع ملاحظة انه اي الاستاذ يشيد في احايين كثيرة بماركس،
وما هو ماركس؟؟؟
هو من انتاج الحداثة في نموذجها الغربي.
أما بالنسبة لتحرير ما كتبه الاستاذ و حذف التكرار،
و لا اقول من النصوص الاصلية،
فهذا مما لا يجوز،
ولكن لتقديم الفكر بشكل لا يصيب القارئ بالملل من جراء التكرار.
واعتقد ان التكرار مرده ان الاستاذ لا يكتب بشكل اكاديمي وان حاول احيانا القيام بذلك من خلال هذا المخطط:
الاهداء -المقدمة -توطئة البحث-المتن -الخاتمة.
لكن الاستاذ لم يكن مفكرا فقط ،
فهو كان داعية في المقام الاول لرسالة ثانية ،
ولذلك كثيرا ما يعيد تكرار اسسها،
كما انه كان زعيم حرب منظم،
وكان يكتب البيانات السياسية ،و يكتب دستور الحزب،
انتهاء بكتابته لدستور للسودان،
وهذا ليس من مهام المفكر .
كان الاستاذ قارئا من الدرجة الاولى ،
و قد وظف ما انتتجه الحداثة الغربية من مصطلحات قانونية و اقتصادية و اجتماعية ونفسية وغيرها من المصطلحات العلمية التي قالت بها الحداثة الغربية،
وظف كل ذلك لكي يقول ان كل هذا كان موجودا في القرآن ،
وهذه استراتيجية تحتاج الى مزيد من الوقوف عندها.
وسنعود لذلك.
المشاء

Post: #175
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-15-2007, 04:49 AM
Parent: #174


نأتي للحديث عن سيد قطب و تعريفه الجديد للحضارة ،وهي استراتيجية اتبعها بعد ذلك الاستاذ محمود محمد طه،

في مقاربته للحضارة الغربية وما سمها بالتحدي الكبير الذي تشكله تلك الحضارة للدين، مما جعله ينفي عن تلك "الحضارة " صفة المدنية من خلال دمغها بالمادية ، لكي يصل الى انها حضارة وليست مدنية لان هنالك فجوة ضخمة بين التقدم المادي و الاخلاق التي عول عليها سيد قطب في نقده للحضارة الغربية.
في اطا ر مقاربته للحضارة الغربية ،يعلن سيد قطب افلاس تلك الحضارة وايغالها في المادية.

*مادية الحضارة الغربية و افلاسها:

يقول سيد قطب في معالم في الطريق معلنا افلاس الحضارة الغربية بشقيها الراسمالي والاشتراكي، ويبدأ اعلانه المدوي بالشق الراسمالي:
Quote:
تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية .. لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رأسها .. فهذا عَرَضٌ للمرض وليس هو المرض .. ولكن بسـبب إفـلاسها في عالم " القيم " التي يمكن أن تنمو الحياة الإنسانية في ظلالها نموًا سليمًا وتترقى ترقياً صحيحًا . وهذا واضح كل الوضوح في العالم الغربي ، الذي لم يعد لديه ما يعطيه للبشرية من " القيم " ، بل الذي لم يعد لديه ما يُقنع ضميره باستحقاقه للوجود ، بعدما انتهت " الديمقراطية " فيه إلى ما يشبه الإفلاس ، حيث بدأت تستعير- ببطء - وتقتبس من أنظمة المعسكر الشرقي وبخاصة في الأنظمة الاقتصادية ! تحت إسم الاشتراكية !


وينتقل بعد ذلك الى الشق الاشتراكي او ما يسميه بالمعسكر الشرقي:
Quote: كذلك الحال في المعسكر الشرقي نفسه .. فالنظريات الجماعية وفي مقدمتها الماركسية التي اجتذبت في أول عهدها عددًا كبيرًا في الشرق - وفي الغرب نفسه - باعتبارها مذهبًا يحمل طابع العقيدة ، قد تراجعت هي الأخرى تراجعًا واضحًا من ناحية " الفكرة " حتى لتكاد تنحصر الآن في " الدولة " وأنظمتها ، التي تبعد بعدًا كبيرًا عن أصول المذهب .. وهي على العموم تناهض طبيعة الفطرة البشرية ومقتضياتها ، ولا تنمو إلا في بيئة محطمة ! أو بيئة قد ألفت النظام الدكتاتوري فترات طويلة ! وحتى في مثل هذه البيئات قد بدأ يظهر فشلها المادي الاقتصادي - وهو الجانب الذي تقوم عليه وتتبجح به - فروسيا - التي تمثل قمة الأنظمة الجماعية - تتناقص غلاتها بعد أن كانت فائضة حتى في عهود القياصرة ، وتستورد القمح والمواد الغذائية ، وتبيع ما لديها من الذهب لتحصل على الطعام بسبب فشل المزارع الجماعية وفشل النظام الذي يصادم الفطرة البشرية .

ومن خلال تأكيده للافلاس المطلق "للحضارة الغربية" يقول:
Quote: ولابد من قيادة للبشرية جديدة !


ويرى قطب ان افلاس الحضارة الغربية مرتبط بانعدام منظومة الاخلاق في تلك الحضارة .يقول:

Quote: إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال .. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديًا أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية .. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيداً من " القيم " يسمح له بالقيادة .
لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية ، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي ، وتزود البشرية بقيم جديدة جدَّة كاملة - بالقياس إلى ما عرفته البشرية – وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته .
والإسلام - وحده - هو الذي يملك تلك القيم ، وهذا المنهج .
لقد أدَّت النهضة العلمية دورها .. هذا الدور الذي بدأت مطالعه مع عصر النهضة في القرن السادس عشر الميلادي ، ووصلت إلى ذروتها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .. ولم تعد تملك رصيدًا جديدًا .
كذلك أدَّت " الوطنية " و " القومية " التي برزت في تلك الفترة ، والتجمعات الإقليمية عامة دورها خلال هذه القـرون .. ولم تعد تمـلك هي الأخرى رصيدًا جديدًا .
ثم فشلت الأنظمة الفردية والأنظمة الجماعية في نهاية المطاف .
ولقد جاء دور " الإسلام " ودور " الأمة " في أشد الساعات حرجاً وحيرة واضطرابًا


وبعد ذلك يعيد سيد قطب تعريفه لمصطلح الحضارة ،و ذلك لا يتم من خلال تعريف الحضارة الغربية لذلك المصطلح، وانما من خلال مفهومه الخاص المتحرر كما يقول من الخطاب الغربي حول الحضارة، من خلال حديثه عن ضغط الرواسب الثقافية والتي أتت من مصادر "أجنية غريبة على حسه الاسلامي.
لسيد قطب فصل خاص في معالم في الطريق بعنوان :
Quote: الاسلام هو الحضارة

وفيه يحاول اعادة تعريف مصطلح الحضارة.يقول في ذلك معلقا على كلام قال به كاتب جزائري:

Quote: أنا أعذر هذا الكاتب .. لقد كنت مثله من قبل .. كنت أفكر على النحو الذي يفكر هو عليه الآن .. عندما فكرت في الكتابة عن هذا الموضوع لأول مرة ! .. وكانت المشكلة عندي - كما هي عنده اليوم - هي مشكلة : " تعريف الحضارة " !
لم أكن قد تخلصت بعد من ضغط الرواسب الثقافية في تكويني العقلي والنفسي ، وهي رواسب آتية من مصادر أجنبية .. غريبة على حسي الإسلامي .. وعلى الرغم من اتجاهي الإسلامي الواضح في ذلك الحين ، إلا أن هذه الرواسب كانت تغبِّش تصوري وتطمسه ! كان تصور " الحضارة " - كما هو الفكر الأوروبي - يخايل لي ، ويغبش تصوري ، ويحرمني الرؤية الواضحة الأصيلة .




ثم يقول موضحا ضرورة اعادة تعريف ذلك المصطلح:

Quote: الاختلاف إذن هو على " تعريف الحضارة " .. ولا بد من إيضاح إذن لهذه الحقيقة !



ويربط ربطا واضحا بين الحضارة والاخلاق التي يعتبرها ثابته ولا تقبل التطور:

Quote: وحين تكون " القيم الإنسانية " و " الأخلاق الإنسانية " التي تقوم عليها ، هي السائدة في مجتمع ، يكون هذا المجتمع متحضراً . والقيم الإنسانية والأخلاق الإنسانية ليست مسألة غامضة مائعة وليست كذلك قيماً " متطورة " متغيرة متبدلة ، لا تستقر على حال ولا ترجع إلى أصل ، كما يزعم التفسير المادي للتاريخ ، وكا تزعم " الاشتراكية العلمية " !


ثم يوضح بشكل لا لبس فيه ان الاخلاق ثابتة :

Quote: وحين توضع المسألة هذا الوضع يبرز فيها خط فاصل وحاسم " وثابت " لا يقبل عملية التمييع المستمرة التي يحاولها " التطوريون " ! و " الإشتراكيون العلميون " !
عندئذ لا يكون اصطلاح البيئة وعرفها هو الذي يحدد القيم الأخلاقية ، إنما يكون وراء اختلاف البيئة ميزان ثابت .. عندئذ لا يكون هناك قيم وأخلاق " زراعية " وأخرى " صناعية " ! ولا قيم وأخلاق " رأسمالية " وأخرى " اشتراكية " ، ولا قيم وأخلاق " برجوازية " وأخرى " صعلوكية " ! ولا تكون هناك أخلاق من صنع البيئة ومستوى المعيشة وطبيعة المرحلة .. إلى آخر هذه التغيرات السطحية والشكلية .. إنما تكون هناك - من وراء ذلك كله - قيم وأخلاق " إنسانية " وقيم وأخلاق " حيوانية " - إذا صح هذا التعبير ! - أو بالمصطلح الإسلامي : قيم وأخلاق " إسلامية " وقيم وأخلاق " جاهلية " .


ويعتبر سيد قطب،
ان المجتمع الاسلامي هو المجتمع المتحضر الوحيد :
Quote: المجتمع المسلم " هو " المجتمع المتحضر " . فكلمة " المتحضر " إذن لغو ، لا يضيف شيئاً جديداً .. على العكس تنقل هذه الكلمة إلى حس القارئ تلك الظلال الأجنبية الغربية التي كانت تغبش تصوري ، وتحرمني الرؤية الواضحة الأصيلة !


وبناء على اعادة تعريفه للحضارة يرى قطب ان المجتمع المتحضر هو المجتمع الاسلامي،
والمجتمع المتخلف هو المجتمع الجاهلي.

**المخطط النظري لسيد قطب:

ينطلق المخطط النظري لسيد قطب من القرآن المكي لتأكيد الحاكمية.
يقول في ذلك :
Quote: القرآن لم يقض ثلاثة عشر عاماً كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الأولى .. كلا! فلو أراد الله لأنزل هذا القرآن جملة واحدة، ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشرة عاماً، أو أكثر أو أقل، حتى يستوعبوا (النظرية الإسلامية).
ولكن الله -سبحانه- كان يريد أمراً آخر، كان يريد منهجاً معيناً متفرداً، كان يريد بناء جماعة وبناء حركة وبناء عقيدة في وقت واحد.. كان يريد أن يبني الجماعة والحركة بالعقيدة، وأن يبني العقيدة بالجماعة والحركة .. كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الحركي الفعلي، وأن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو الصورة المجسمة للعقيدة.. وكان الله -سبحانه- يعلم أن بناء النفوس والجماعات لا يتم بين يوم وليلة، فلم يكن هنالك بد أن يستغرق بناء العقيدة المدى الذي يستغرقه بناء النفوس والجماعة.. حتى إذا نضج التكوين العقيدي كانت الجماعة هي المظهر الواقعي لهذا النضوج.
هذه هي طبيعة هذا الدين -كما تستخلص من منهج القرآن المكي- ولا بد أن نعرف طبيعته هذه، وألا نحاول تغييرها تلبية لرغبات معجلة مهزومة أمام أشكال النظريات البشرية! فهو بهذه الطبيعة صنع الأمة المسلمة أول مرة، وبها يصنع الأمة المسلمة في كل مرة يراد فيها أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود كما أخرجها الله أول مرة.

*من سيخلف الحضارة المادية الغربية المفلسة عديمة الأخلاق:
في الاجابة على هذا السؤال الجوهري،
يقول سيد قطب في ذلك:
Quote: أننا - دون شك - نملك شيئا جديدًا جدَّة كاملة . شيئا لا تعرفه البشرية . ولا تملك هي أن تنتجه !
ولكن هذا الجديد ، لابد أن يتمثل -كما قلنا - في واقع عملي . لابد أن تعيش به أمة .. وهذا يقتضي عملية بعث في الرقعة الإسلامية هذا البعث الذي يتبعه - على مسافة ما بعيدة أو قريبة - تسلم قيادة البشرية .

فكيف تبدأ عملية البعث الإسلامي ؟
يوضح سيد قطب مخططه النظري قائلا في كلام له عن الطليعة الاسلامية:

Quote: لابد من طليعة تعزم هذه العزمة ، وتمضي في الطريق . تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعًا . تمضي وهي تزاول نوعا من العزلة من جانب ، ونوعًا من الاتصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة . .
ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من معالم في الطريق معالم تعرف منها طبيعة دورها ، وحقيقة وظيفتها ، وصلب غايتها . ونقطة البدء في الرحلة الطويلة .. كما تعرف منها طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعًا . . أين تلتقي مع الناس وأين تفترق ؟ ما خصائصها هي وما خصائص الجاهلية من حولها ؟ كيف تخاطب أهل هذه الجاهلية بلغة الإسلام وفيم تخاطبها ؟ ثم تعرف من أين تتلقى – في هذا كله – وكيف تتلقى ؟
هذه المعالم لابد أن تقام من المصدر الأول لهذه العقيدة . . القرآن . . ومن توجيهاته الأساسية ، ومن التصور الذي أنشأه في نفوس الصفوة المختارة ، التي صنع الله بها في الأرض ما شاء أن يصنع ، والتي حولت خط سير التاريخ مرة إلى حيث شاء الله أن يسير .


ويؤكد على مخططه النظري لقيادة البشرية في المقطع التالي:

Quote: ولكن الإسلام لا يملك أن يؤدي دوره إلا أن يتمثل في مجتمع ، أي أن يتمثل في أمة .. فالبشرية لا تستمع - وبخاصة في هذا الزمان - إلى عقيدة مجردة ، لا ترى مصداقها الواقعي في حياة مشهودة .. و " وجود " الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة .. فالأمة المسلمة ليست " أرضًا " كـان يعـيش فيها الإسـلام . وليست " قومًا " كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي .. إنما " الأمة المسلمة " جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي ... وهذه الأمة - بهذه المواصفات ! قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعًا .
ولا بد من " إعادة " وجود هذه " الأمة " لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى .
لا بد من " بعث " لتلك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات ، وركام الأوضاع ، وركام الأنظمـة ، التي لا صلة لها بالإسلام ، ولا بالمنهج الإسلامي .. وإن كانت ما تزال تزعم أنها قائمة فيما يسمى " العالم الإسلامي " !!!
الاستاذ محمود يرى ان الحل يأتي ايضا من خلال القرآن المكي ،اي ايات الاصول كما يسميها، وبالتحديد سيأتي من السودان، وهذا جزء مما سميناه بالمشاريع الحضارية الكونية السودانية التي تريد تغيير العالم انطلاقا من السودان ،نلاحظ ان سيد قطب لم يسم مصر كمركز لتلك الأمة.
ويتفق الاستاذ محمود مع سيد قطب في مادية الحضارة الغربية وسنعود لذلك .
المشاء

Post: #173
Title: صورة وثيقة وصية الأستاذ محمود مايو 1951
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-14-2007, 08:55 PM
Parent: #1

سلام للجميع..

كنت قد ذكرت في مداخلة لي بعاليه وصية الأستاذ محمود
<a href="http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=post&board=3&msg=1169283156&rn=144" target=_self>Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
وقد قلت فيها :


..

Quote: هذا الحوار يكشف بعضا من الخلفية التاريخية التي شكلت الفكرة الجمهورية وشكلت حياة الأستاذ ولكن على مفهوم المسيح بوصفه "الشهيد" أو "الفادي" والدليل على ذلك أن الجمهوريين بعد الأستاذ قد وجدوا وصية مكتوبة بخط يد الأستاذ منذ الخمسينات يوصي فيها أن تقوم زوجته بتجهيزه إذا حدث عليه طارئ الموت وأن لا يوضع على قبره علامة وألا يُناح عليه..


والآن هذه هي الوثيقة بخط يد الأستاذ محمود وعليها التاريخ وهو مايو 1951 يعني بعد أقل من شهرين من لقاء إبن البان الذي نال حظا وافرا من الحديث في هذا البوست.. وقد نشرها الأخ عمر هواري في بوست آخر هنا
"الديباجة" - آخر ما كتبه الأستاذ محمود محمد طه
والملاحظ أن الديباجة هي واحدة من الكتابات القليلة التي لم تنشر مطبوعة بصورة رسمية في زمن الأستاذ وإنما طبعت بعده مثلها مثل بعض المخطوطات والرسائل والخطابات الأخرى.. وأرجو أن يجيء الوقت لنشر كل هذه الرسائل والخطابات.. وسأحاول ذلك في هذا البوست بما يكون مناسبا للموضوع..

وصية الأستاذ محمود:



Post: #176
Title: كل ما أراد الأستاذ محمود قوله وفعله فقد أتمَّهُ..
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-15-2007, 12:32 PM
Parent: #1

سلامات يا أسامة

لماذا لا تبدأ بالإسم الذي بدأت به الحركة الجمهورية في الأربعينات؟؟ هذا أول مثال سأورده لك لكي أبين لك عدم الدقة البحثية في قولك التالي:


Quote: وللاسف فان الاستاذ قد وصم الحضارة الغربية بانها مادية فقط،
بينما نلاحظ ان معظم جهازه المصطلحي هو مما افرزته تلك الحضارة التي يصفها بانها مادية فقط،
ولم يشر ولو تلميحا بانها انتجتت مصطلحات المجتمع الحديث،


فالنظام "الجمهوري" "الديمقراطي" هو أول مصطلح استخدمه الأستاذ محمود حتى قبل نشأة الحزب الجمهوري في عام 1945 وذلك في مقالاته في الصحف خاصة مقال عنوانه "لماذا مصر ولماذا بريطانيا؟؟" وهو يرى أن هذه المقالات هي التي لفتت نظر الشباب الذين بدأت عندهم فكرة إنشاء حزب "جمهوري" ومن ثم قاموا بتقديم الدعوة للأستاذ محمود وانتخبوه رئيسا للحزب.. فقد جاء في كتاب "السفر الأول"

http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=1&chapter_id=6

Quote: الإسم : الحزب الجمهوري

المبدأ : الجلاء التام

الغرض:


أ) قيام حكومة سودانية جمهورية ديمقراطية حرة مع المحافظة عل السودان بكامل حدوده الجغرافية القائمة الآن.


وليس صحيحا قولك الذي وضعت لك تحته خطاً والذي تعني به أن الأستاذ محمود لم يحفظ للحضارة الغربية ذلك الحق.. فقد جاء في المذكرة التفسيرية لدستور الحزب الجمهوري منذ عام 1945 الموضوع في الوصلة بعاليه وأرجو منك ومن القارئ التركيز على ما تحته:

Quote:
مذكرة تفسيرية:
لما كانت الغاية من قيام الحكومات هي أن تهيئ للفرد أقصى ما يمكن أن يصل إليه من الرفاهية رأت هذه الجماعة التي تكونت بإسم الحزب الجمهوري ، أن أنسب نظام يلائم نفسية هذا الشعب ، ويتجاوب مع رغائبه ، و يخدم أغراضه ، ويحمي منافعه ، هو قيام حكومة جمهورية ديمقراطية حرة .. وقد توخت جماعتنا أن تبين نوع الحكم الذي تسعى إليه لئلا يكون هناك ما من شأنه أن يترك الناس في ظلام من أمرهم .. ولأن الحزب الجمهوري لا يجعل فضلاً لمواطن على آخر إلا بقدر صلاحيته ، و كفاءته ، للإضطلاع بالأعباء المنوطة به ، و لأنه ، من ناحية أخرى ، لا يقيد الناس بضرب من ضروب الولاء والتقديس اللذين لا مصلحة للإنسانية فيهما ..
وخلاصة القول إن هذا الحزب ، كما هو ظاهر ، يرى أن النظام الجمهوري هو أرقى ما وصل إليه إجتهاد العقل البشري في بحثه الطويل عن الحكم المثالي وعلى هذا الأساس و للأسباب المذكورة قبله .


قولك:

Quote: أما بالنسبة لتحرير ما كتبه الاستاذ و حذف التكرار،
و لا اقول من النصوص الاصلية،
فهذا مما لا يجوز،
ولكن لتقديم الفكر بشكل لا يصيب القارئ بالملل من جراء التكرار.

تقديم الفكر في كتابات جديدة بأسماء أصحابها يختلف عن قولك السابق بنشر أعمال الأستاذ بعد حذف التكرار في هذه العبارة "واتمنى ان يتكون فريق من المحررين لنشر اعمال الاستاذ مع حذف التكرار."
ولكن دعني أخبرك أن التكرار في مختلف الكتب، أو حتى في الكتاب الواحد، ليس عيبا ولا يصيب القارئ بالملل خاصة لو كان القارئ باحثا جادا في تقصي الأفكار لأنه في كل مرة يجيء السرد والشرح بطريقة مختلفة.. والأستاذ فعلا لا يكتب بشكل أكاديمي.. أنت الذي تريد أن تتعامل مع الأستاذ ككاتب أكاديمي، فلماذا؟؟ أما ما ذكرته من "الإهداء، المقدمة، توطئة البحث الخاتمة إلخ" فهو ليس بالضرورة شكل الكتابة الأكاديمية والأستاذ كما قلت لك أكثر من مرة لم يزعم أن كتابته أكاديمية..

قولك:

Quote: لكن الاستاذ لم يكن مفكرا فقط ،
فهو كان داعية في المقام الاول لرسالة ثانية ،
ولذلك كثيرا ما يعيد تكرار اسسها،
كما انه كان زعيم حرب منظم،
وكان يكتب البيانات السياسية ،و يكتب دستور الحزب،
انتهاء بكتابته لدستور للسودان،
وهذا ليس من مهام المفكر .

من أين لك أن المفكر ليس من مهامه كتابة مشروع الدستور سواء لحزبه أو لبلده؟؟ هل على أساس أن ذلك لم يحدث من مفكرين في السابق؟؟ الأستاذ معلِّم حُر، وقد جاء تعريف الرجل الحر عنده بأنه الذي يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول.. وكان شعاره "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين".. وقد تعلم منه الجمهوريون كتابة البيانات وكتابة الكتب..

قولك:


Quote: كان الاستاذ قارئا من الدرجة الاولى ،
و قد وظف ما انتتجه الحداثة الغربية من مصطلحات قانونية و اقتصادية و اجتماعية ونفسية وغيرها من المصطلحات العلمية التي قالت بها الحداثة الغربية،
وظف كل ذلك لكي يقول ان كل هذا كان موجودا في القرآن ،
وهذه استراتيجية تحتاج الى مزيد من الوقوف عندها.

هذا الذي وضعت لك تحته خطا يحتاج منك إلى إثباته بنص مما كتبه الأستاذ.. ولا أريد أن أظلمك فتعال بالدليل من كتابة الأستاذ وعندها سآتيك بالنصوص التي تقلب فرضيتك هذه رأسا على عقب..

قولك:


Quote: نأتي للحديث عن سيد قطب و تعريفه الجديد للحضارة ،وهي استراتيجية اتبعها بعد ذلك الاستاذ محمود محمد طه،

كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" خرج في عام 1964.. ماذا سيكون موقفك لو أخبرتك بأن حديث الأستاذ عن أن الحضارة الغربية المادية جاء منذ عام 1952 في كتاب "قل هذه سبيلي"؟؟ هل سوف تصر على أن الأستاذ محمود قال بهذا بعد سيد قطب؟؟ ومن الذي كان يعرف سيد قطب في عام 1952؟؟

Quote: الاسم: الحزب الجمهورى
الشعار: الحرية لنا ولسوانا
المبدأ: تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة والحرية الفردية المطلقة
الوسيلة: قيام حكومة سودانية ، جمهورية ، ديمقراطية ، حره داخل حدود السودان الجغرافية القائمة الى عام 1934 وذلك بالعمل المتصل


Quote: مذكرة تفسيرية

الحزب الجمهورى دعوة إلى مدنية جديدة تخلف المدنية الغربية المادية الحاضرة التى أعلنت افلاسها بلسان الحديد والنار فى هذه الحروب الطواحن التى محقت الارزاق وازهقت الارواح ثم لم تضع اوزارها الا وقد انطوت الضلوع على حفائظ تجعل فترة السلام فترة استعداد لمعاودة الصيال من جديد بصورة اكثر بشاعة واشد تسعيرا ..
والفلسفة الاجتماعية التى تقوم عليها تلك المدنية الجديدة ديمقراطية اشتراكية تؤلف بين القيم الروحية وطبائع الوجود المادى تاليفا متناسقا مبرأ على السواء من تفريط المادية الغربية التى جعلت سعى الانسانية موكلا بمطالب المعدة والجسد ومن افراط الروحانية الشرقية التى اقامت فلسفتها على التحقير من كل مجهود يرمى الى تحسين الوجود المادي بين الاحياء ، وطلائع هذه المدنية الجديدة اهل القرآن الذين قال تعالى فيهم "وكذلك جعلناكم امة وسطا" اى وسط بين تفريط الغرب المادى وافراط الشرق الروحانى ودستور هذه المدنية الجديدة "القرآن" الذى تقدم بحل المسالة التاريخية التى اعيت حكمة الفلاسفة: مسالة التوفيق بين حاجة الفرد الى الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة .. وسمة هذه المدنية الجديدة الانسانية فانها ترى ان الاسرة البشرية وحدة وان الطبيعة البشرية حيث وجدت فهى بشرية وان الحرية والرفاهية حق مقدس طبيعى للاسود والابيض والاحمر والاصفر.
وسيبدا الحزب الجمهورى بتنظيم منزله ومنزل الحزب الجمهورى السودان بكامل حدوده الجغرافية القائمة الى عام 1934 ذلك بان هذه المدنية الجديدة لا بد لها أن تطبق داخل هذه الحدود قبل ان تسترعى انتباه الانسانية اللاغبة الضاربة فى التيه وأول خطوة فى سبيل تطبيقها اجلاء الاستعمار فى جميع مظاهره إجلاءا تاما ناجزا وسلاحنا فى اجلاء الاستعمار عدم التعاون معه اول الامر ، نبلغ بعدم التعاون هذه درجة العصيان المدنى آخر الامر ، فإذا تم ذلك فقد أصبح بقاء الإستعمار ضربا من المحال. وأما سبيلنا الى تحقيق العصيان المدنى فهو الاستقتال فى سبيل نشر الدعوة حتى تتم لنا الوحدة القومية بخلق سودان يؤمن بذاتية متميزة ومصير واحد يفهم افراده المسائل العامة على نحو قريب من قريب فتزول بذلك الفوارق الوضعية من اجتماعية وسياسية فترتبط اجزاء القطر من شماله وجنوبه وشرقه وغربه فيصبح كتلة سياسية واجتماعية متحدة المنافع متقاربة الاحساس ..


والفكرة الجمهورية تطوَّرت كثيرا في الزمن بين 1952 و 1985 وانتهت بتتويج تقديم نموذج فردي جسَّده الأستاذ محمود في قمة وقد كان هذا النموذج متسق مع ما جاء في أدبيات الفكرة الجمهورية في كتب مثل "عودة المسيح" و "المسيح" و "أدب السالك في طريق محمد" و "عقيدة المسلمين اليوم" وهو الموضوع الذي بدأت أنت به التداخل في هذا البوست..

ولكنك بدل أن تتوجه للفكرة الجمهورية كما جاءت في الكتب وكما جسَّدها الأستاذ تذهب نحو "فلفلة" نصوص سيد قطب.. ثم تأتي في ختام المداخلة لكي تكتب:


Quote: الاستاذ محمود يرى ان الحل يأتي ايضا من خلال القرآن المكي ،اي ايات الاصول كما يسميها، وبالتحديد سيأتي من السودان، وهذا جزء مما سميناه بالمشاريع الحضارية الكونية السودانية التي تريد تغيير العالم انطلاقا من السودان ،نلاحظ ان سيد قطب لم يسم مصر كمركز لتلك الأمة.


كل ما أراده الأستاذ محمود بالقول أو الفعل فقد أتمه وقدم نفسه فداء بغير خوف ولا وجل.. والتغيير يسير من جهة ارتفاع الواقع ومن جهة تفهم الناس لحقوقهم في الحرية والحقوق الأساسية، والزمن عامل فيه ونحن نشاهد الآن أن المشاريع السلفية كالتي خرجت من عباءة سيد قطب تتلقى الهزائم المتتالية..

هذه بعض النصوص من كتاب "عودة المسيح" وهو كتاب وصفه الأستاذ بأنه من أهم كتب الفكرة الجمهورية، وقد قام بصياغته أحد الجمهوريين.. :

Quote: العالم يحتاج إلى رجل هو من صفاء الفكر، وسداده، وشموله، بحيث يوحد هذه الأمم، فكريا، في مذهبية واحدة، هي تتويج لكل الديانات، ولكل الفلسفات التي قطعت بالبشرية كل الشوط الماضي الطويل.. رجل يوحد هذه البشرية في حكومة عالمية واحدة تتألف من حكومات قومية تقوم كل منها على دستور إنساني يتوفر على حل التعارض البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة اللتين أشرنا إليهما آنفا.. وبذلك، وبذلك وحده، يحل النظام، ويحل السلام في الأرض..
البشرية تحتاج إلى رجل يقدم من نفسه، نموذجا للكمالات الإنسانية التي يشير، إلى حتميتها وإمكانيتها، رأس سهم التطور البشري منذ الأزل.. وهي الكمالات المتمثلة في كمال الحرية الداخلية من الخوف والجهل، وهما مصدر كل نقائص الحياة البشرية.. البشرية محتاجة إلى رجل استطاع أن يتواءم مع البيئة البشرية، والطبيعية، والحضارية الجديدة، فيتحدث بلغة العصر، وهي السلام، ويملك المفتاح لحل معضلات المشاكل العالمية المستعصية، بالمنهاج العلمي..
البشرية تحتاج إلى رجل يقيم المدنية الجديدة التي تؤلف بين القيم الروحية ومظاهر الوجود المادي، بحيث تضع القيمة المادية في مكانها الطبيعي كوسيلة، فحسب، ولكنها لا غنى عنها، للقيمة الأخلاقية.. كما قال محمد: (( الدنيا مطية الآخرة)).. وكما قال المسيح: (( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان))..
البشرية محتاجة لرجل يبرهن بكمال فكره، وكمال شعوره، على جدوى ممارسة المنهاج الديني، في العبادة، والمعاملة، وعلى مقدرة الدين التي لا تنفد على استيعاب تطور الحياة مهما تشعب، فيقدم الدين في المستوى العلمي الذي ينفخ الروح في هيكل الحضارة المادية، ويوحد بين الأديان، فيجمع البشرية على دين واحد– وعلى فكرة واحدة.. فينفتح، بذلك، دورة جديدة للحياة البشرية لم تشهدها البشرية من قبل..


Quote: وأول الدلائل على هذه الحاجة الماثلة إلى المسيح ( المخلِّص) هو مشكلة الشرق الأوسط التي تهدد مشكلة السلام العالمي كله.. فمشكلة الشرق الأوسط، في حقيقتها، إنما هي صراع عقيدي بين أهل الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، على الأرض التي نشأت عليها هذه الديانات.. أليست مدينة القدس اليوم هي محور هذا الصراع العقيدي؟؟ وهو، في الحقيقة، صراع بين أبناء عمومة واحدة جدّها الأكبر إبراهيم عليه السلام.. وهذا الصراع إنما يعبر عن بلوغ التعصب العقيدي مبلغا صار لا بد للبشرية أن تتجاوزه لمستوى أكبر منه في الدين، حفاظا على بقائها وسلامها.. فالتعصب العقيدي، إلى جانب أنه لا يحل مشكلة، إنما هو مهدد للسلام العالمي بصورة محتومة..
إن مشكلة الشرق الأوسط لا يحلها إلا المسيح، وهو يجيء بالسلام، فيوحد الأديان الثلاثة بعد أن يرى أهل هذه الأديان الحقيقة الواحدة!! فعلى أهل هذه الأديان أن يتفطنوا لدورهم الأساسي في قيادة البشرية بدين السلام، وعليهم أن يمهدوا أرضهم التي يقتتلون اليوم عليها لتكون عرش المملكة السماوية وهي تنزل اليوم إلى الأرض.. طوبى لمن عمل لها، وحلم بها، ولم يهدأ له بال حتى يراها ماثلة.. طوبى له وحسن مآب!!



وهذه بعض النصوص التي جاءت في كتاب "المسيح" وهو كتاب قام بصياغته أيضا أحد الأخوان الجمهوريين:


Quote: إلى المسلمين !!
ثم إلى النصارى واليهود !!
قال تعالى : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) ..
ولقد جاءت البينة في الماضي في صورة المسيح الإسرائيلي ، فأنكرها اليهود ! ثم جاءت في البعث الإسلامي الأول ، فأنكرها كلا اليهود والنصارى ..
وستجيء البينة اليوم ، في صورة المسيح المحمدي !!
وسينكرها ، في بادئ الأمر ، أهل العقائد الثلاث ، بما فيهم المسلمون !!
ثم لا يلبثون أن يذعنوا له أجمعـون !!

( هو الذي أرسل رسوله ، بالهدى ودين الحق ، ليظهره ، على الدين كله .. وكفى بالله شهيدا ) !!
فالمسيح المحمدي إنما سيأتي بالمستوى العلمي من الدين !!
هو سيأتي بآية العلم ، التي تخضع رقاب أصحاب العـقائـد الثلاث !!
( إن نشأ ننزّل عليهم من السماء آية ، فظلت أعناقهم لها خاضعين ) !!
إن الأمر آيل ، لا محالة ، إلى الوحدة !!
فإن الدين لواحد ( إن الدين عند الله الإسلام ) !!
ولكن الإسلام المعني هنا ، والذي سيتوافى عنده الناس ، من حيث هم ناس ، ليس ما يتحدث عنه المسلمون اليوم !!
وإنما الذي نتحدث عنه نحن .. دون سائر الدعاة !!

Quote:
وميزة الإسلام على كلتا الديانتين إنما تكمن في امتلاكه للمنهاج العملي الذي يضع السلّم بين اليهودية ، مطوّرة ، في القاعدة ، وبين المسيحية ، مطوّرة ، في القمّة ، ثم هو يتجاوز في النهاية ، معاني المسيحية نفسها ، وهو ، بنهجه القائم على المزاوجة ، إنما يفتح الطريق للتطور المطرّد الذي لا تحده حدود ، ولذلك فلقد جاء القرآن ليقرّر : ( وجزاء سيئة ، سيئة مثلها ) ، يكاد يقابل في اليهودية ( العين بالعين ، والسن بالسن ) ، لأنه هو عندما أعطى الفرد أن يقتص لنفسه ، الصاع ، بالصاع ، اتجه لينفّر عن ذلك الصنيع ، فقال : ( وجزاء سيئة ، سيئة مثله ) ، فوصف رد السيئة بـ ( سيئة مثلها ) أما قوله : ( فمن عفا ) فهو يكاد يقابل قولة السيد المسيح : ( فأدر له الآخر كذلك ) .. وأما قوله : ( وأصلح ) فأكبر من وصية السيد المسيح عليه السلام ، لأنها إنما تتعدى مستوى احتمال الأذى فيما دعت إليه المسيحية ، إلى مستوى الإصلاح .. والإصلاح إنما يكون بالنهج العملي الذي توفرت عليه شريعة أصول الإسلام .. ولذلك فإن احتفالنا بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام إنما هو احتفال ، في ذات الوقت بمجيء المسيح المحمدي الذي يطبّق أصول الإسلام التي تجعل وصايا المسيح الإسرائيلي ، وأكثر منها ، ممكنة التحقيق ، وفي الحق فإن حياة السيد المسيح لم تكن سوى إشارة متقدمة إلى ذلك المستوى المقبل من الكمالات الإنسانية التي ستتحقق بفضل الله ، ثم بفضل الإسلام ، على ظهر هذا الكوكب ..[/]


Quote: المسيح لا يعـود في فـراغ
إن المسيح إنما يأتي متوجا لعمل يعمل في الأرض .. هذا العمل ليس إلا المعيشة وفق نهج ( لا إله إلا الله ) في بعث السنة على النحو الذي صورناه هنا ، وفي العديد من كتبنا .. وهذا هو معنى قول السيد المسيح : ( اجعلوا طريق الرب ممهدا ) ولقد وردت في الإنجيل حكاية طريفة عن ضرورة الاستعداد للمجيء .. ولقد وردت هذه الحكاية في إنجيل متّى ـ الإصحاح الخامس والعشرون ـ ونصها : ( حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس ، خمس منهن جاهلات وخمس حكيمات . فأخذت الجاهلات مصابيحهن ، ولم يأخذن معهن زيتا ، وأما الحكيمات فأخذن زيتا في آنيتهن مع مصابيحهن ، وإذ أبطأ العريس نعسن كلهن ونمن ، فلما انتصف الليل ، فإذا صراخ هو ذا العريس قد أقبل ، أخرجن للقائه ، حينئذ قامت أولئك العذارى جميعا وهيّأن مصابيحهن ، فقالت الجاهلات للحكيمات ، أعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ ، فأجابت الحكيمات وقلن : لعله لا يكفي لنا ولكنّ ، فالأحرى أن تذهبن إلى الباعة وتبتعن لكنّ ، فلما ذهبن ليبتعن وفد العريس ودخل مع المستعدات إلى العرس ، وأغلق الباب ، وأخيرا أتت بقية العذارى قائلات : يا رب افتح لنا فأجاب وقال : الحق أقول لكنّ أني لا أعرفكنّ ، فاسهروا إذن فإنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان .. ) انتهى .. ولذلك فإن الانتظار إنما يكون بالعمل في الواجب المباشر ، ولا يكون بمجرد الانتظار .. وقيمة العمل بالواجب المباشر في كونها إنما تجسّد الحاجة لمجيء المسيح ، فتكون دعوتنا له للمجيء بلسان الحال .. والدعوة بلسان الحال إنما هي دعوة المضطر ، وهي ناجزة الإجابة عند الله ، قال تعالى : ( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، ويجعلكم خلفاء الأرض ؟؟ أإله مع الله قليلا ما تذكّرون !! ) لذلك فإن الانتظار عمل إيجابي وليس سلبيا كما يظن الكثيرون ..


Quote: الانتظار إنما يكون في اللحظة الحاضرة
إن الخوف الذي حفز الحياة ، فمخض ، في الحي ، قوى الإدراك ـ العقل . ولكن حياة الحي قد أصبحت ، بالرغم من القيمة الكبيرة التي أدخلها ظهور العقل عليها ، مؤوفة بالعقل نفسه .. وحركة الفكر إنما هي ذبذبة لا تكاد تستقر .. وحركة الفكر ذبذبة بين الخيال والذاكرة .. ولقد أصبح الإنسان بتلك الذبذبة موزعا بين الماضي والمستقبل ، ولقد كان كل ذلك بفعل الخوف ..
إن الاشتغال بالماضي وهْم لأننا لا نستطيع إرجاعه .. والاشتغال بالمستقبل هو الآخر وهْم أيضا لأننا لا نستطيع التحكم فيه حين يجيء .. والإنسان لا يعيش اللحظة الحاضرة إلا بمقدار ما يمر عليها فكره مرورا عابرا ، وسريعا ، أثناء جولانه بين الماضي والمستقبل .. والذي يوقف هذا الجولان إنما هو التحرر من الخوف الذي به يسلم الإنسان من الأخيلة المريضة ، ومن أحاديث النفس ، ووسوستها ، بالأماني ، وأحلام اليقظة .. أو بالانصراف إلى الذاكرة ، وتضييع الوقت في التجارب الماضية ، لا للعبرة ، وإنما للاستعاضة بها عن القدرة على المعيشة في اللحظة الحاضرة التي هي حياتنا الحقيقية .. قال تعالى : ( ما أصاب من مصيبة ، في الأرض ، ولا في أنفسكم ، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .. إن ذلك على الله يسير .. لكي لا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم .. والله لا يحب كل مختال فخور ..)).
إن أكبر من استرق الإنسان لهما الزمان والمكان .. ومحاولة الإنسان دوما إنما هي للخروج من قيدهما .. فبالخروج عنهما تتصل الحياة المحدودة ، بالحياة المطلقة ، فيتم استيقان أن الله خير محض .. وبذلك ، وبذلك وحده ، يتم لنا التحرر من الخوف من كل الشرور ، وعلى رأسها الموت .. والنهج في هذا المضمار إنما يكون بمنهاج الصلاة ، وبمنهاج ( لا إله إلا الله ) .. قال تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه ) والصلاة يقع في قمتها الشهود الذاتي ، وفي قاعدتها أداء الواجب المباشر جهد الإتقان .. وانتظار المسيح لا يكون انتظارا إلا في هذا الدرب .


Quote: ولكن المسيح يقفز بمجيئه بهذه الحركة قفزة أكبر من القفزة التي صاحبت دخول العقل في مسرح الحياة ، في بداية النشأة ، قال تعالى : ( ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) .. فالحياة البشرية على ظهر الأرض قد أتمت دورة كاملة ، وهي الآن إنما تحتشد وتستجمع قواها للقفزة المقبلة التي يكون بها الناس وكأنهم قد ولدوا في بيئة جديدة غير التي ألفوها وعرفوها ..
ومن أجل ذلك فقد صدّرنا هذا الكتاب بالآية : ( أفعيينا بالخلق الأول ؟؟ بل هم في لبس من خلق جديد !! ) .. فالمسيح إنما يجيء ليولد الناس من جديد ميلادا ثانيا ، في بيئة هي الأخرى جديدة .. قال تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه ، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ؟؟ كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون !! ) .. وهذه الآية تعني ، فيما تعني ، أن البشر موتى إذا ما قيسوا بالإنسان ، والمسيح إنما يجيء ليخرج الناس من البشر ، بقفزة كبيرة ، قلنا عنها أنها أكبر من القفزة التي دخل بها الحيوان مرتبة البشر في فجر النشأة ..


Quote: إن المنتظرين حقا لهم المقيمون على السنة الصرفة ، فالزموا نهج السنة ، ودعوا ما أنتم فيه ، تكونوا من الفائزين .. فإن هذا الأمر لا يخلو من خفاء حتى على أكابر العارفين ، فما بالكم بمن هم دونهم ؟ وهذا ما من أجله قيل : ( يأتي من جهة لا يعرفونها ، وعلى هيئة ينكرونها .. ) ..


هذه المقتطفات ربما تعين القارئ على مسألة فهم التطور في الفكرة الجمهورية التي تحدثت عنها بين 1952 و 1985..

وشكرا

ياسر


Post: #177
Title: الخطاب الجمهوري وعلاقته بالحداثة الغربية-أكبر محاولة تجسيرية بين الاسلام والحداثة
Author: osama elkhawad
Date: 03-16-2007, 03:47 AM
Parent: #176


توضيح مهم:

أحب أن اوضح ان ما احاوله وما حاولته قبل ذلك ،هو محاولة متواضعة لايضاح بعض من الطرق التي تم بها اللقاء بين نموذج الحداثة الغربي و الخطاب الجمهوري. و من الواضح جدا،كماأشار الصديق ياسر- ان الاسم نفسه اي نسبة الحزب او الحركة في ما بعد يوضح علاقتها الوثيقة بالحداثة الغربية .

وكما قلنا من قبل فان الخطاب الجمهوري هو أكبر محاولة للتجسير بين الحداثة و الاسلام .و اهتمامي هنا ليس اهتماما دينيا بقدر ما هو محاولة لاستكناه الطريقة التي قارب بها الخطاب الجمهوري النموذج الغربي للحداثة. للاستاذ مساهمات مهمة في تطوير شريعة الاحوال الشخصية ، والنظر الى الدستور الاسلامي بنموذج حداثي يأخذ مرجعيته من خطاب الحداثة الغربي و التجربة الغربية في مجال الديمقراطية.
وللجمهوريين مبادراتهم المهمة مثل أركان النقاش و حملات الكتاب وتقديم نموذج جديد للزواج الاسلامي وغيرها من الانجازات التي لا ينكرها أحد.
بالاضافة الى ذلك هنالك عامل شخصي ،وهي محبتي للاستاذ باعتباره كاتبا كبيرا ذا اسلوب شيق و شاعري في اوقات كثيرة.
********************
نعود لحوارنا مع الصديق ياسر الشريف.

قال الصديق ياسر الشريف الآتي عن استخدام الأستاذ لمصطلح الحضارة الغربية المادية قبل سيد قطب:

Quote: كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" خرج في عام 1964.. ماذا سيكون موقفك لو أخبرتك بأن حديث الأستاذ عن أن الحضارة الغربية المادية جاء منذ عام 1952 في كتاب "قل هذه سبيلي"؟؟ هل سوف تصر على أن الأستاذ محمود قال بهذا بعد سيد قطب؟؟ ومن الذي كان يعرف سيد قطب في عام 1952؟؟


حديثي كان منصبا على مصطلح الجاهلية وعلاقته بالحضارة الغربية المعاصرة أو قل بالمشروع الحداثي الغربي الذي شكل تحديا كبيرا الخطاب الإسلامي المعاصر في رؤيته للحداثة .
و من المعروف ان سيد قطب قد تعرف على افكار الندوي عن الجاهلية في 1951.يقول باحث في ذلك :

Quote: والجدير بالذكر أن سيد قطب قد تاثر كثيرًا بكتاب الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وربما كان أول تعرف له على مفهوم الجاهلية من خلال الكتاب، انظر مقدمة الكتاب التي كتبها سيد قطب سنة (1951م) ومقابلته للمؤلف التي ذكرها في كتاب الندوي، مذكرات سائح المشرق العربي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3: (1403هـ/ 1983م) وكانت المقابلة في (17/5/1370هـ – 23/2/1951م)، أنظر ص107 – 109. ص222-223.
http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/politic/2000/article7.shtml
و من الواضح ان بعثة سيد قطب الى امريكا لدراسة اصول و مناهج التربية في عام1948 قد ساهمت الى حد كبير في اتخاذه موقفا رافضا للحداثة الغربية.
ففي عام 1951، كتب مقالاً بعنوان "أمريكا التي رأيت" يقول فيه:

Quote: " شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك".


"موسوعة ويكيبيديا".

أما كلامك الآتي فتنقصه الدقة للاسف الشديد:

Quote: ومن الذي كان يعرف سيد قطب في عام 1952؟؟

سيد قطب كان معروفا في النقد الادبي وله كتاب مهم هو :
النقد الأدبي أصوله و مناهجه
كما كتب "كتب وشخصيات" وله رواية بعنوان "اشواك".

والجدير بالذكر ان مجلة محمد طه محمد احمد الحائطية في جامعة الخرطوم كانت تحمل اسم "أشوال".

ويعتقد الكثيرون ان انتماء سيد قطب للتيار الاسلامي قد حرم النقد الادبي من ناقد كان سيكون له اثر كبير في الخطاب النقدي العربي المعاصر.

وسنعود لمواصلة مقاربتنا حيث سنتحدث في الحلقة القادمة عن مقاربه خطاب الاستاذ لمصطلح الجاهلية و رايه في "القرن العشرين"، و مادية الحضارة الغربية.
وسأعود في وقت لاحق للتعقيب بشكل اكثر تفصيلا عن التكرار في خطاب الاستاذ.
المشاء

Post: #178
Title: Re: الخطاب الجمهوري وعلاقته بالحداثة الغربية-أكبر محاولة تجسيرية بين الاسلام والحداثة
Author: osama elkhawad
Date: 03-16-2007, 08:40 AM
Parent: #177

فاتني ان اقول تعقيبا على رأي سيد قطب في المجتمع الامريكي ابان بعثته المشهورة الى الولابات المتحدة الامريكية.
فهو قد قال الآتي نصه عن الشعب الامريكي في ذلك الزمان :
Quote: شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك".

حديثه عن بدائية الشعب الامريكي ،
أرجعني الى ما سبق لي ذكره عما قاله الاستاذ في اسس دستور السودان عن "بدائية " الشعب السوداني في بعض المناطق.
يقول في ذلك :
Quote: ان هذه الحقوق قد تبدو كثيرة علي شعب بدائي كالشعب السوداني ، وخاصة في اقاليمه


ويبدو ان البدائية في استعمال من استعمالاتها في خطاب الاستاذ هي من أضداد التهذيب و
Quote: التمدين
بشكل ادق ، او كما قال .

وسنعود باستشهاداتنا من خطاب الأستاذ عندما نقارب مفهومه للحضارة بالنظر الى الحضارة المادية الغربية.
محبتي


المشاء

Post: #179
Title: Re: الخطاب الجمهوري وعلاقته بالحداثة الغربية-أكبر محاولة تجسيرية بين الاسلام والحداثة
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-16-2007, 12:56 PM
Parent: #177

العزيز أسامة الخواض

سلامات

عندما قلت أن سيد قطب لم يكن معروفا في عام 1952 كنت أقصد أنه لم يكن مشهورا بكتابات إسلامية أو فكرية كالعقاد مثلا أو حتى طه حسين.. ومعلوماتك التي قلتها طبعا عُرفت فيما بعد.. عندما كتب الحزب الجمهوري خطابا لجمال عبد الناصر في أغسطس عام 1958 جاء فيه أن الثورة قد انحرفت كان سيد قطب من الذين زج بهم عبد الناصر في السجن منذ عام 1954 ولم يُفرج عنه إلا في عام 1964.. وقد استفاد من فترة السجن وكتب كتبه المشهورة ومن بينها "معالم في الطريق"..

قولك:

Quote: حديثي كان منصبا على مصطلح الجاهلية وعلاقته بالحضارة الغربية المعاصرة أو قل بالمشروع الحداثي الغربي الذي شكل تحديا كبيرا الخطاب الإسلامي المعاصر في رؤيته للحداثة .

Quote: وسنعود لمواصلة مقاربتنا حيث سنتحدث في الحلقة القادمة عن مقاربه خطاب الاستاذ لمصطلح الجاهلية و رايه في "القرن العشرين"، و مادية الحضارة الغربية.

قارب ما شاءت لك المقاربة ولكن لا تقل أن الأستاذ أخذ ذلك عن سيد قطب.. مضمون ما قاله الأستاذ كان عن "إفلاس" الحضارة الغربية في عام 1952 في التوفيق بين الحرية الفردية والعدالة الإجتماعية.. وهذا الإفلاس هو الذي جعل الشباب يرفضون تلك الحضارة ويفزعون إلى صور الرفض المعروفة.. وهذه الإنسانية الرافضة "إنسانية القرن العشرين" هي التي قال الأستاذ محمود في عام 1968 عنها بأنها في "جاهلية" ولكن جاهليتها أرفع من جاهلية القرن السابع.. هذا الكلام يختلف عما قاله سيد قطب.. [لا أريد العودة إلى كلمة مصطلح فحتى المصطلح استخدمه الأستاذ في عام 1958 كما قلت لك]..


إشارتك إلى العبارة التي جاءت في كتاب "أسس دستور السودان"

Quote: ان هذه الحقوق قد تبدو كثيرة علي شعب بدائي كالشعب السوداني ، وخاصة في اقاليمه

وتعليقك عليها بقولك:

Quote: ويبدو ان البدائية في استعمال من استعمالاتها في خطاب الاستاذ هي من أضداد التهذيب


هو استنتاج غير دقيق، وأدق منه الكلمة التي وضتها كـ "اقتباس" وهي التمدين بمعنى "التحضر".. طبعا دار بيننا حوار حول مسألة "بدائي" في كتابات الأستاذ في "أسس دستور السودان" ولكني لا أعرف وصلة ذلك الحوار فلو كنت تعرفها أرجو أن تضعها هنا منعا "للتكرار".. وتجدني "ستين آسف" لو كان ما أقوله الآن تكرارا لما قلته من قبل..
جاء في كتاب "أسس دستور السودان"

Quote: أساس الجمهورية السودانية
ان اهتمامنا بالفرد يجعلنا نتجه ، من الوهلة الأولي ، الي اشراكه في حكم نفسه بكل وسيلة ، والي تمكينه من أن يخدم نفسه ومجموعته في جميع المرافق ، التشريعية والتنفيذية والقضائية وذلك بتشجيع الحكم الذاتي ، والنظام التعاوني ولما كان السودان قطرا شاسعا وبدائيا فان ادارته من مركزية واحدة غير ميسورة ، هذا بالاضافة الي ما تفوته المركزية علي الأفراد من فرص التحرر والترقي والتقدم ، بخدمة أنفسهم ومجموعتهم ، ولذلك فانا نقترح أن يقسم السودان الي خمس ولايات:-
1- الولاية الوسطي
2- الولاية الشمالية
3- الولاية الشرقية
4- الولاية الغربية
5- الولاية الجنوبية

هذا النص، خاصة ما تحته خط، يؤكد ما يرمي إليه الأستاذ.. فبدائي يعني أنه ليست له طرق ووسائل اتصال جيدة وفعالة ومريحة ولا وسائل تعليم مدرسية ومهنية متقدمة ولا مرافق علاج متطورة ووسائل زراعة متطورة إلخ.. وهذا بالضبط ما حدث.. لقد أهملت الحكومات الوطنية المتعاقبة أطراف السودان التي باتت توصف الآن بـ "المهمشة"..

وما دمنا بصدد كتاب "أسس دستور السودان" فدعنا نبسط بعض ما جاء في ذلك الكتاب الذي يعتبر الآن وثيقة تاريخية هامة تبرز تفَرُّد الأستاذ وبعد نظره منذ ما قبل استقلال السودان.. وأرجو أن تقارن بين ما كتبه الأستاذ وما ساره من سيرة منذ ذلك الوقت وحتى وقفته في معارضة النموذج الذي أراده للسودان "الأخوان المسلمون" وغيرهم من السلفيين وهي من تأثيرات أناس مثل سيد قطب:


Quote: مجتمعنا الكبير ومجتمعنا الصغير
هناك ثلاث مسائل هامة قدمناها في ديباجة دستورنا هذا: واحدة منها غاية واثنتان وسيلتان ، فأما الغاية فهي انجاب الفرد الحر حرية مطلقة ، وأما الوسيلتان فاحداهما المجتمع السوداني ، وثانيتهما المجتمع العالمي ، ولقد قلنا ان المشاكل الراهنة لأي بلد هي في حقيقتها صورة مصغرة لمشاكل الجنس البشري جميعه ، وهي في أسها ، مشكلة السلام على هذا الكوكب ، وعندنا انه من قصر النظر أن نحاول حل مشاكل مجتمعنا السوداني داخل حدودنا الجغرافية ، من غير أن نعبأ بالمسألة الإنسانية العالمية ، ذلك بأن هذا الكوكب الصغير الذي نعيش فيه قد أصبح وحدة ربط تقدم المواصلات الحديثة السريعة بين أطرافه ربطا يكاد يلغي الزمان والمكان الغاء تاما ، فالحادث البسيط الذي يجري في أي جزء من اجزائه تتجاوب له في مدى ساعات معدودات جميع الأجزاء الأخرى ، يضاف الى هذا أن هذا الكوكب الصغير الموحد جغرافيا ، ان صح هذا التعبير ، تعمره انسانية واحدة ، متساوية في أصل الفطرة ، وان تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين. فلا يصح عقلا أن تنجب قمتها الانسان الحر ، اذا كانت قاعدتها لا تزال تتمرغ في أوحال الذل والاستعباد ، او قل ، على أيسر تقدير ، انه لا يمكن أن يفوز جزء منه بمغنم السلام والرخاء اذا كانت بعض اجزائه تتضرم بالحروب ، وتتضور بالمجاعات ، ولذلك فقد نظرنا الى المجتمع العالمي كانه وسيلة في المكان الثاني ، حين نظرنا الى مجتمعنا السوداني كأنه وسيلة في المكان الأول ولقد اخترنا لتنظيم مجتمعنا الصغير النظام الاتحادي المركزي لأمرين أولهما وأهمهما أن هذا النظام يناسبنا من جميع الوجوه ، وثانيهما أن تنظيمه لمجتمعنا الصغير يتجه في نفس الاتجاه الذي بمواصلة السير فيه نصل الى تنظيم مجتمعنا الكبير – المجتمع العالمي – فانه مما لا ريب فيه أنه ، وقد توحد هذا الكوكب جغرافيا بفضل تقدم العلم المادي ، لن يحل فيه السلام الا اذا ما توحد اداريا ، وذلك بأن تقوم فيه حكومة عالمية على نظام الاتحاد المركزي ، تقيم علائق الأمم فيه على أساس القانون كما تقيم كل حكومة في الوقت الحاضر علائق الأفراد في داخليتها على القانون ، وسيكون لهذه الحكومة العالمية المركزية دستور عالمي مركزي ، تقوم بمقتضاه هيئة تشريعية عالمية مركزية ، تسن من القوانين ما ينظم علائق الدول ببعضها البعض ، ويضعف من سلطان الحدود الجغرافية ، والحواجز الجمركية ، والسلطات المركزية لدى كل دولة ، كما تشرف على دستورية قوانين الهيئات التشريعية المحلية ، حتى لا تجيء معارضة للدستور العالمي المركزي ، الذي ستقوم بمقتضاه أيضا هيئة تنفيذية عالمية مركزية وهيئة قضائية ، بكل ما يلزم من جيش وقوات أمن ومال ، وسنحاول الا تغيب عن ابصارنا ، أثناء تنظيمنا مجتمعنا الصغير صورة تنظيم مجتمعنا الكبير. وسنعمل للأثنين معا من الوهلة الأولي ، وقد يكون أكبر همنا موجها ، بادئ ذي بدء ، الى تجويد الأنموذج الصغير ، بيد انا لن نتوانى عن نصرة المظلومين والمستعبدين في أرجاء هذا الكوكب أثناء ذلك ، جهد طاقتنا ، ولا نعتبر أنفسنا بذلك منصرفين عن أصل قضيتنا.
وبديهي أنه لن يكون هناك دستور عالمي مركزي موحد ، الا اذا استمد من الأصول الثوابت ، التي تشترك فيها جميع الأمم ، وجميع الأجيال ، وتلك هي الأصول المركوزة في الجبلة البشرية ، من حيث أنها بشرية ، ذلك بأن تلك الأصول هي نقطة الالتقاء التي يتوافى عندها سائر البشر ، بصرف النظر عن حظوظهم من التعليم والتمدين ، فهم عندما يختلفون فيها انما يختلفون اختلاف مقدار لا اختلاف نوع: وقوام تلك الأصول العقل والقلب ، أو ان شئت ، فقل ، الفكر والشعور ، وسنحاول أن نبرز هذا الدستور أثناء معالجتنا لقضية الفرد.

الانسان الحر
قلنا اننا قدمنا في ديباجة دستورنا هذا ثلاث مسائل: وسيليتن وغاية ، فأما الوسيلة الأهم ، وهي المجتمع السوداني فان الدستور يخصها ، واما الوسيلة المهمة ، وهي المجتمع العالمي ، فقد أسلفنا فيها القول بايجاز ، وأما الغاية ، وهي انجاب الفرد الحر ، حرية مطلقة ، فسنخصص لها من القول ما يبرزها ، ويبرز معها الدستور الذي نبتغيه.


هل هو ممكن؟
وأول ما نبدأ به هو تصحيح الخطا القائم في أذهان بعض الناس حين يظنون ان الحرية الفردية المطلقة غير ممكنة التحقيق ، وان أقروا ، بفضل ما يجدونه في أنفسهم ، بأن هذه الحرية الفردية المطلقة هي ، في الحقيقة ، حاجة كل فرد بشري. فانه ان صح ، وهو لا محالة صحيح ، أن الحرية الفردية المطلقة حاجة كل فرد وغايته ، فانها تكون بذلك حاجة الانسانية وغايتها ، فكأن من يظنها غير ممكنة التحقيق يقضي على الانسانية سلفا بالهزيمة والخزي ، وذلك أمر منكر اشد النكر ، ولا عبرة عندنا برأي من يزعمون أن الكمال ليس من حظ هذه الحياة ، وانما هو من حظ الحياة الأخري ، وان الحرية الفردية المطلقة ، من ثم ، لا تحقق هنا ، وانما تحقق هناك ، ذلك بأن كل شيء يكون هناك انما يتم نموذجه هنا.

وكيف؟؟
والانسان الحر حرية فردية مطلقة هو الذي استطاع ان يحل التعارض القائم بين عقله الباطن وعقله الواعي ، حتى يكون وحدة: ظاهره كباطنه وسيرته كسريرته ، فيفكر كا يقول ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول ، فتتحقق له حياة الفكر وحياة الشعور ويبلغ الانسان هذه الغاية بوسيلتين: اولاهما وسيلة المجتمع الصالح ، حيث تهيء الحكومة للفرد الحرية ، والعلم ، والفراغ وتوفر له حاجات معدته ، وجسده ، وحيث يكون الرأي العام من الاسماح ، بحيث لا يضيق بانماط الشخصيات المتباينة ، ولا يحارب مناهج الفكر المتحرر. وهذا المجتمع هو ما خططنا تنظيمه في دستورنا وثانيتهما وسيلة العقل الجاد في تحرير نفسه بمجهوده الفردي ، الذي يبدأ من حيث ينتهي مجهود المجتمع في تحرير كل فرد ، ويكون مجهود الفرد ، في هذا المستوي امتدادا وتتويجا للمجهود الذي أسهم به ، ويسهم دائما ، في كيان الجماعة .. وسبب التعارض القائم بين العقل الباطن والعقل الواعي الخوف ، ومنشأ الخوف الجهل ، ذلك بأن الانسان ، بكل مافي جسده من التركيب الآلي الضعيف ، وبكل ما في نفسه من الرغبات ، والمطامح ، والشكوك ، رأي نفسه امام عالم طبيعي ، امتزجت رحمته وقسوته ، وخطره وامنه ، وموته وحياته ، على اسلوب كأنه في ظاهره ، يعمل على أسس تناقض بناء التفكير البشري فشوهت هذه القسوة المستهترة التي تلقاه بها القوي الصماء في البيئة الطبيعية التي عاش فيها الصورة التي قامت بخلده عن أصل الحياة ، وعن غايتها ، وعن حقيقة العالم المادي الذي يحيط بها ، ويؤثر فيها ، فاذا ما أردنا ان نحرر الفرد حرية فردية مطلقة وجب أن يستهدف تعليمنا أياه وتعليمه نفسه تصحيح تلك الصورة الخاطئة الشائهة التي قامت بعقله ، حتى تقوم مكانها صورة صحيحة كاملة ، عن أصل الحياة ، وعن قانونها ، وعن غايتها ، وعن العالم المادي الذي يحيط بها ويؤثر فيها ، فتتركز هذه الصورة الصحيحة في خلده ، فتؤثر في اخلاقه وعاداته وتفكيره ، وتفضي به إلى الحرية من الخوف ، فيستعيد بذلك وحدة الفكر والقول والعمل في وجوده ووعيه كليهما ويحل حينئذ التوافق والاسماح بين العقل الباطن والعقل الواعي محل التعارض والكبت الذي هو سبب الجريمة بين الأفراد وسبب الحروب بين الأمم.



http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=4&chapter_id=9
لقد بدأ بالفعل كثير من المهتمين في العالم الحر بدراسة ما قدمه الأستاذ محمود..

وشكرا

ياسر

Post: #180
Title: Re: الخطاب الجمهوري وعلاقته بالحداثة الغربية-أكبر محاولة تجسيرية بين الاسلام والحداثة
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 03-16-2007, 05:59 PM
Parent: #179

العزيزان ياسر وأسامة،
نتابع باهتمام وتلذذ لحواركما الراقي، المفيد.
أرجو أن تستمرا في أمتاعنا.

والتحية عبركما للشقليني، صاحب الدار،
الذي فجر حزم الضوء التي تشع منكما بلا انقطاع.

Post: #181
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-16-2007, 06:38 PM
Parent: #1

شكرا للصديق حيدر ،
و نرجو ان نكون عند حسن ظن الجميع
الصديق ياسر:
هنا رابط البوست الذي اثرت فيه مصطلح البدائية في خطاب الاستاذ:
عن اثر مفهوم "البدائية" على الفكر "المحمودي"
و اعتقد ان لدى ما اضيفه لما سبق لي قوله،
عندما يحين وقته حسب مخططى في الكتابة.
تتبقى حقيقة ان ثراء خطاب الاستاذ هو الذي فجر وسيفجر نقاشات اخرى.
محبتي
ارقدوا عافية
المشاء

Post: #182
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبد المنعم عمر إبراهيم
Date: 03-17-2007, 01:50 AM
Parent: #181

التحيات الزاكيات للأخوة:
الشقليني
أسامة
ياسر

ولا أحسبني مؤهلاً - على الأقل - الآن، لأشارك إلا كقارئ (ولست حتي في هذه مؤهلاً كفاية).. لكن تأكّدوا أن في هذا البوست من الإضاءات ما يبعث على الأمل ابتداءً من هذا المنبر مروراً بالسودان وانتهاء بالبشرية في العصور الحاضرة،
والشكر لكم وانتم تبعدون/نا عن ضيق الأفق التاريخي لتتضح الروية و لفهم ما قد يتلجلج في الصدور.

-------------------
منعم عمر

Post: #183
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-17-2007, 06:43 AM
Parent: #181




الأحباء جميعاً

لكم يطرب المرء وهو يقرأ ، يجد البينة تتبعها أختها ،
وقد تفضل الأحباء هُنا جميعاً ، ونخص الكاتب ياسر
والكاتب أسامة ، بكثير من سعة الصدر على حجم الخلاف ،
وكسب الحوار تنوع يُكشف الثراء المعرفي للأحباء هنا ،
و الدِلاء المملوءة بما يروى العطش .
شكراً لكم جميعاً ،
والشكر موصول للجميع ، من قرأ ومن ثمَّن على الكتابة هنا ،

العزيز الكاتب : أسامة

أرى أنه من المهم هُنا وأنتَ حين تتحدث عن المُصطلح أن تورد لنا بعض من مفاتيح
المباحث في المصطلح ليكون التنوير هو المُصطلح أكثر فائدة ، إذ هي من أصول المباحث العلمية
، مثال : المعاني من القواميس ، النحت ، وربط المُصطلحات بزمانها

وأحاول أن أجد الوقت للإطلاع على كل ما سبق نشره في ( الوصل ) الذي تركت لنا
وآمل ألا أكسر برنامجك في الكتابة ، فقد لاحظت أن هنالك اتجاه عام لدى كثير من القراء
وفق ما قرأت من مُداخلات هنا أو هناك أو في كثير مما يكتب أصحاب المنتدى،
أن الكثير من الأحباء لا يأبهون بدقة للمصطلح . فالمُصطلح
لم يزل من مفاتيح المباحث التي لا غنى عن الاتفاق بشأنها ، وأن يتم ربطها بزمنها ، والمعاني التي تتقلب في ترقي المُصطلح ، وضرورات صلته بالشائع ثم تداخله وتزاوجه مع المُتاح في الإعلام .....

نترك لك حرية الحديث عن المصطلح ، وكنت أخطط إن وجدت زمناً ، أن نقوم بتحليل مصطلحات الأستاذ محمود في سلمه السباعي ، وأقوم برصد تطور المصطلح في القرآن ثم في التراث اللاحق ثم استخدام الأستاذ و مواقفه من المصطلح : إفراغاً من معانيه القديمة أو تجديده أو نحته مع ربط كل ذلك بزمانه ...الخ .

ربما أجد الوقت لاحقاً للتفصيل

ونواصل



Post: #184
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-17-2007, 10:04 PM
Parent: #1

ونواصل

Post: #185
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-18-2007, 06:08 AM
Parent: #184

عزيزي الشقليني -سارحا في حقول الكتابة-:
كلامك في محله بخصوص الرجوع الى الاصل القاموسي ،اذا لزم ذلك،
لكن الاستاذ يشتغل على مصطلحات هي في الاصل موجودة ،
وربما هذا جزء من مشروعه لتلقيح الحضارة الغربية او المدنية كما يسميها في معظم الاحيان،
ونحن نسميها مشروع الحداثة الغربي،
حتى نبعد عن الايحاءات التي يحاول المصطلح ان يقول بها الى القارئ,
و ساحاول ان اعود كان الله هون لانشغالات ما يوم الاثنين القادم.
محبتي للجميع
المشاء

Post: #186
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-18-2007, 08:22 AM
Parent: #185

عزيزي عبد المنعم
شكرا لكلامك المشجع حقا.
وهذا ما يجعل مهمتنا صعبة في هذا البوست،
لكي نقدم ما يمكن ان يعيد قراءة خطاب الاستاذ،
ولو بقدر ضئيل،
ذلك ان خطابه ،لم يجد الاهتمام الكافي بحيث نجد تراكما يساعدنا في سبر غور مجاهله الكثيرة.
ولذلك فنحن اقصد الشقليني و شخصي الضعيف ،
نمارس مقاربه في ظروف صعبة ،
وفي خطاب معقد مثل خطاب الاستاذ محمود يحتاج حسب ظني الضعيف ايضا الى متخصصين في خطابات معرفية كثيرة.
لكننا سنحاول.
لك محبتي
المشاء

Post: #187
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-20-2007, 05:45 AM
Parent: #186

سننشر بعضا من المقولات التي وردت في خطاب الاستاذ بخصوص جاهلية القرن العشرين
ومن بعد ذلك سنتطرق الى الفرق بين جاهلية القرن السابع وجاهلية القرن العشرين،
كما تبدى ذلك في خطاب الاستاذ عن رسالته الثانية.
الجاهلية كمفهوم في خطاب الأستاذ:
يقول في مقدمة كتابه طريق محمد" الطبعة الثالثة:
والآن ، وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، والبشرية تعيش الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ وهي جاهلية أرفع ، بما لا يقاس ، عن مستوى جاهلية القرن السابع ، فقد أصبحت الأرض مهيئة لتتلقى عن الأحمدية ، وتعي ، أكثـر مما تلقى ، ووعى ، أسلافها ، وكذلك جاء وقت الرسالة الأحمدية .. والرسالة الأحمدية تطوير للرسالة المحمدية ..
ثم يقول:
والمسلمون ، اليوم ، ليسوا على شئ ، وإنما هم في التيه .. يعيشون الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ والعاملون منهم بالدين لا يتعدى عملهم القشور إلى اللباب .. وليس لهم إلى خروج من هذا الخزي غير طريق محمد
ثم يقول في التمهيد للكتاب:
والآن ، فإن مسالك الدين قد انبهمت على الفقهاء ، وعلى أصحاب الطرق ، على تفاوت بين الفريقين في ذلك ، وأصبـح الناس في الجاهلية الثانيـة ، التي أشار إليهـا ، إشارة لطيفة ، قولـه تعالى (( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )) ولقد غربت شمس الشريعة الإسلامية ، منذ حين ، وطال ليلها ، وتوشك أن تشرق من جديد ، بصبح جديد .
إن محمدا قد أخرج الناس ، بفضل الله ، من ظلام الجاهلية الأولى إلى نور الإيمان ، وهو سيخرجهم ، بفضل الله ، من ظلام الجاهلية الثانية إلى ضياء الإسلام
ثم يقول:
وأمر الجاهلية الثانية ، التي تعيشها البشرية المعاصرة في هذه الآونة ، بالمقارنة إلى الجاهلية الأولى ، التي عاشتها البشرية قبل أربعة عشر قرنا ، وما كان من ضرورة البعث المحمدي الأول ، وما يكون من لزوم البعث المحمدي الثاني ، هو ما عنيناه في نفس ذلك المنشور حين قلنا (( أما بعد، فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم بعث الله محمداً ، داعيا إليه ، ومرشدا ومسلكا في طريقـه ، وقد انغلقت اليوم ، بتلك الاستدارة الزمانية ، جميع الطرق التي كانت فيما مضى واسلة إلى الله ، وموصلة إليه ، إلا طريق محمد .. فلم تعد الطرق الطرق ، ولا الملل الملل ، منذ اليوم )) .
ثم يتحدث عن بروز الامة المسلمة :
بروز الأمة المسلمة من الأمم الحاضرة، التي قد أنفقت قرابة أربعة عشر قرنا، في التجارب البشرية الخصبة، في معترك الحياة المادية، والفكرية، وإن بعدت الشقة، بين هذه الأمم وبين الدين في جميع صوره، وأصبحت بذلك في جاهلية جديدة، هي أرقى من جاهلية أمة البعث الأول بآماد بعيدة، وهذه الجاهلية الجديدة، هي ما أسميناها، في صدر هذه الرسالة، بالمدنية الغربية الآلية الحاضرة التي نعيش جميعا على هداها، والتي قلنا أنه عملة ذات وجهين، وجه حسن، ووجه دميم، وقلنا أنها تطلب السلام اليوم طلبا حثيثا، وأنها لا بد لها من اعتناق الإسلام لتحقيق حاجتها إلى السلام
ثم يتحدث عن حيرة القرن العشرين في كتاب:
الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين
.. فنحن لما بنتكلم عن انسانية القرن العشرين بنعني أنو حيرتها الحاضرة في مستوى حيرة الجاهلية .
ثم يقول:
.. نحن هسع على قشور من الإسلام .. اللبة ما في .. ما تفتكروا الجاهلية بتكون بالتفريط في القشور والتفريط في اللبة .. الجاهلية هي ، في الحقيقة ، تفريط في اللبة ، وتمسك بالقشرة .. ومعنى أننا نحن مفرطين في اللبة هو أن أخلاقنا موش أخلاق إسلام .. نعبد عبادة المسلمين لكن الأخلاق في السوق ، وفي الشارع ، وفي المدرسة ، وفي المكتب ، موش أخلاق مسلمين .. ودي انتو عارفنها .. وأي واحد يحاول يضللنا عن النقطة دي .. ويقول لينا أننا نحن مسلمين وبخير ، أفتكر بيهزم محاولتنا لنتغير ونتحسن
ثم يقول في كتابه الاسلام و انسانية القرن العشرين في اشارة ضمنية الى جاهلية القرن العشرين:
وبشرية اليوم هي المادة الخامة التي منها سيخرج الأخوان - أخوان النبي - كما خرج من مادة الجاهلية الأولى الأصحاب.
ثم يقول في "الدعوة الاسلامية الجديدة-بعث الاسلام-الناس على قشور من الاسلام :
الأرض التي نقف عليها اليوم ليست إسلاما.. هذه النقطة يجب أن تكون واضحة.. ونحن عندنا أن النذارة قد كانت واضحة في هذا الأمر، ذلك أنه، في آخر الوقت، الأمة تنخلع عن الإسلام.. يبقى الإسلام في جانب، وتطبيق الأمة في جانب آخر.. الأمة ترجع إلى جاهلية ثانية.. والناس البيفكروا، والبيعرفوا هذا الأمر ما بينخدعوا بالمظاهر.. لأن الجاهلية الثانية مش معناها ترك اللبة والقشرة معا.. الجاهلية معناها التمسك بالقشرة والتفريط في اللبة،
وسنعود
المشاء







































































































































































































































































































































انما يبعث الاسلام ببعث الصلاة :
.. والحق أن المسلمين اليوم إنما يعيشون على قشرة الإسلام ، دون لبته .. وهم لذلك يعيشون الجاهلية الثانية

Post: #188
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 03-20-2007, 08:08 AM
Parent: #187

الأستاذ عبدالله .. وجميع المشاركين في هذا البوست
الذي يناقش القضايا الكبرى .. ويناقش
فلسفة الأستاذ محمود محمد طه .. الذي شغل الناس
بالشكل الذي عاش به وبالشكل الذي أستشهد بـــه
من أجل مواقفه أيضاً، ليضع نفسه أحد أهم رجال
التاريخ للحد الذي جعل البعض يعتقد أنه الإنسان
الذي سيملآ الأرض عدلاً بعد أن طفح الجور .. وظن
البعض أنه المسيح .. وآخرين قالوا .. ليس
المسيح ولكن فيه منه .. ومن قال أن إجتهادات
الرجل إجتهادات متقدمة ينبغي عدم تحنيطها
بل إعتبارها نقطة الإنطلاق نحو آفاق أرحب تخفف
الإنكفائية التي تورد التخلف ..

فقد وددت المشاركة .. وليس بإمكاني سبر
المسائل .. قصدت أن يتواصل هذا الحوار
الفكري الهاديء الثري لنستفيد .. وتظل هنالك
أسئلة معلقة .. فرغم أني لم أخلص بعد من
قراءة ما كتب .. ولكن لاحظت أن الحوار
نفسه قد فتح كثير من الأسئلة آمل أن تتيسر
العودة لطرحها .. وتحياتي للجميع

Post: #189
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-20-2007, 08:45 AM
Parent: #188

الأخ عبد الله وجميع المشاركين والقراء
أرجو متابعة هذا البوست الذي يؤكد أن الواقع يرتفع دوما إلى ما انتهت إليه الحركة الجمهورية وما تزال الأيام حبلى بكل جديد..
إعلان مؤتمر سانت بيترزبيرغ!! فصل الدين عن الدولة وأشياء.... شرائح فيديو وتعريف

...

Post: #190
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-20-2007, 07:33 PM
Parent: #189

اعتذر للقراء عن الطريقة التي نشرت بها مداخلتي الاخيرة حول جاهلية القرن العشرين،
لخلل في كومبيوتري .
وسأحاول نشرها كاملة مرة اخرى.
تحياتي للاستاذ محمد عبد الجليل ،
ونتمنى ان يساهم معنا.
تحياتي للجميع .
المشاء

Post: #191
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-21-2007, 02:20 AM
Parent: #190

نعود لنشر مداخلتنا التي لم نتمكن من نشرها لظروف خاصة.
قبل الحديث عن كيفية مقاربة خطاب الاستاذ لجاهلية القرن العشرين و لمجتمع القرن العشرين،
نحب ان نبسط جدولا يتضمن بعضا من الثنائيات التي اشتغل عليها خطاب الاستاذ ،وهي ثنائيات مهمة لان الكثير منها يتعلق بالقرن العشرين مثل الايمان والاسلام و العقيدة والعلم. كما انها تضيئ لنا المخطط النظري لخطاب الاستاذ،كما سيرد لاحقا.
من ثنائيات الخطاب الجمهوري:
الإسلام الأخير الاسلام الأول
الرسالة الثانية الرسالة الاولى
الإسلام الإيمان
المسلمون-أمة المسلمين المؤمنون –أمة المؤمنين
الأخوان الأصحاب
الأحمدية المحمدية
السنة الشريعة
الأصول الفروع
المكي المدني
الاشتراكية الزكاة
الديمقراطية الشورى
الانسانية البدائية
قانون الانسان قانون الغابة
العقل الباطن العقل الواعي
القلب العقل
الباطن الظاهر
الحقيقة الشريعة
الفرد الجماعة
المجتمع الكوكبي المجتمع الصغير"المجتمع الجمهوري +المجتمع السوداني"
التخيير-الاختيار التسيير-الجبر
الحرية الوصاية
الدين الخاص الدين العام
الأنوثة الذكورة
المدنية الحضارة
الروح المادة
الشرق الغرب
الأصالة التقليد

***
كتمهيد للحديث عن "جاهلية الغرن العشرين "،يتحدث الاستاذ عن انعدام وجود الاسلام حين يقول :
Quote: الاسلام اليوم لا وجود له الا في المصحف .. وقد نصلت حياتنا من الدين .. ما عليه الناس صور ميتة ومن أجل ذلك حياتنا متخلفة ومتأخرة .. دا عيبنا نحن موش عيب الاسلام .. كل ما تحتاجه البشرية موجود في المصحف، ولكن المصحف لا ينطق، وانما ينطق عنه الرجال ..
الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين


ثم في مقام آخر يصف عدم وجود الاسلام بانه "جاهلية":
ا
Quote: نحن هسع فعلا مقبلين على عهد بعث حقيقي .. نحن المسلمين كلنا مقبلين على عهد بعث ديني كبير .. أنا افتكر النقطة الأولى التي تكون منها البداية لنتجه اتجاها صحيحا هي أن نعرف أن دينا محتاج لبعث فينا ، وما نغتر بأننا نحن مسلمين .. لأننا في الحقيقة في جاهلية

لا إلا الله-محمود محمد طه-أول طبعة - مايو 1969

مرة يرى الاستاذ ان جاهلية القرن العشرين متفسخة ،يقول في كتابه:
الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين

Quote: الموضوع المهم أن انسانية القرن العشرين لأنها منحلة، ولأنها ضالة، ولأنها متفسخة، هي بحاجة الى الاسلام أكثر منها لو كانت مهتدية .. وكل انسان بيفهم يدرك أن الحيرة مطبقة في الأرض كلها، وأن خلق الله، حيث وجدوا، هم في التيه، هم حائرين .. هم ضالين، هم فاقدين حاجة .. كل الحركات اللي نحن بنشوفها في طلابنا، وفي طلاب العالم، في شبابنا، وفي شباب العالم، في رجالنا ونساءنا، وفي رجال العالم ونساء العالم .. انو البشرية في التيه بتبحث عن الله .. وهذه هي الحاجة الى الاسلام ..


لعل الكلام عن تفسخ و انحلال و ضلال انسانية القرن العشرين،هو المبرر لكي يكون الاسلام في رسالته الثانية،
هو الوحيد المؤهل لاصلاح الحضارة الغربية.
لكن الحديث عن الجاهلية في خطاب الاستاذ ،يختلف عن حديث سيد قطب الذي كفر تماما بحضارة الغرب.

فعلى النقيض من سيد قطب فان الاستاذ من خلال نزعته التطورية في فهم نشوء و تطور المجتمع البشري،
فهو يرى ان الجاهلية المعاضرة أي جاهلية القرن العشرين تختلف اختلافا كبير ا عن جاهلية القرن السابع.
ثم يقول عن الفرق بين الجاهليتين لكنه يتحدث ايضا عن جاهليات:
Quote: انسانية القرن العشرين هي، في الحقيقة، في مرحلتنا الحاضرة، ((ما تشوفوه منها من انحرافات)) لو قارنتها بجاهلية القرن السابع لوجدت مجتمعنا أرقي بكثير جدا .. في ناس بتورطوا في الخطأ، ويقارنوا المجتمع الحاضر بمجتمع أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، غداة أسلموا، لكن دة وهم حقيقي، لأنو نحن في الوقت الحاضر، في جاهلية، والخطأ بيجي من رضانا عن أنفسنا .. نحن بنفتكر أننا نحن مسلمين، ناقص لينا شنو؟ لكن أنا أحب أن أذكركم أنو أصلو مافي جاهلية فارقت كل ما جاء في الماضي، خصوصا في الوقت الفيهو الكلمة المكتوبة، والتاريخ المتصل .. كل جاهلية من الجاهليات فقدت اللبة، واتمسكت بالقشرة

ثم يقول عن الفرق الكبير بين الجاهلية الساذجة المتخلفة وهي جاهلية القرن السابع و الجاهلية الذكية وهي جاهلية القرن العشرين.يقول في " طريق محمد :

Quote: ولما كانت البشرية ، على عهد الجاهلية الأولى ـ جاهلية القرن السابع ـ متخلفة ، وساذجة ، وجاهلة ، فقد اقتضى حكم الوقت تنزل المحمدية عن الأحمدية تنزلا كبيرا ، وذلك حتى تخاطب الناس على قدر عقولهم ، وحتى تشرع لهم في مستوى حاجتهم ، وهي حاجة بسيطة . وكان هذا التنزل من مستوى آيات الأصول في القرآن ، إلى آيات الفروع .. وأصبحت بذلك آيات الفروع صاحبة الوقت ، واعتبرت ناسخة ، فيما يخـص التشريـع ، لآيات الأصول . وقـد عالجنا هذا الأمـر بتوسع في كتابنا (( الرسالة الثانية من الإسلام )) وهو كتاب قد خرجت طبعته الثالثة قبل أيام قلائل ، فليراجعه من شاء ..
والآن ، وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، والبشرية تعيش الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ وهي جاهلية أرفع ، بما لا يقاس ، عن مستوى جاهلية القرن السابع ، فقد أصبحت الأرض مهيئة لتتلقى عن الأحمدية ، وتعي ، أكثـر مما تلقى ، ووعى ، أسلافها ، وكذلك جاء وقت الرسالة الأحمدية .. والرسالة الأحمدية تطوير للرسالة المحمدية .. وذلك ببعث آيات الأصول التي كانت في عهد المحمدية منسوخة لتكون هي صاحبة الوقت في القرن العشرين ، وتكون هي عمدة التشريع الجديد ، ولا يقتضي كل أولئك إلا فهما للقرآن جديدا ، به تحيا السنة بعد اندثارها ..

ثم يتحدث عن جاهلية حيرة الجاهلية الحديثة رغم انها ارفع من جاهلية القرن السابع::
Quote: اذا عاينت لإنسانية القرن العشرين، علي تفسخها، تلقاها أرفع من جاهليتهم .. إذا انتظرت لبشرية القرن العشرين حتي ينبعث فيها الدين، من جديد، زي ما أنبعث زمان، من المؤكد أنو بتجي قمم غريبة .. فنحن لما بنتكلم عن إنسانية القرن العشرين بنعني أنو حيرتها الحاضرة في مستوي حيرة الجاهلية .. ومستقبلها في أن ينبعث فيها الدين المرة الجاية علي حسب موعود نبينا .. نبينا قال ((كيف أنتم اذا نزل عليكم ابن مريم حكما مقسطا يملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا)) وربنا يقول ((هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفي بالله شهيدا)) دا وعد غير مكذوب .. أها تجي الأرض تمتلي عدلا بلا اله الا الله ، ونورا بلا اله الا الله – البشرية دي ترتفع من مستوي حيواني الي مستوي انساني ..
انسانية القرن العشرين معناها البشرية الخلفت وراها قانون الغابة .. خلفت صفات الوحش، ودخلت في صفات الانسانية، والرفاعة، والطيبة والخلق، والفهم


*مجتمع القرن العشرين:
يتحدث الأستاذ في "تطوير شريعة الأحوال الشخصية عن تفرد مجتمع القرن العشرين، من خلال حديثه عن مجيء وقت الآيات المكية، يقول:

Quote: وعندنا أن وقتها الآن قد جاء بمجيء هذا المجتمع البشري المعقـد، الذكي، ذي الطاقات العلمية، والفنية، والثقافية والاجتماعية التي لا يمكن أن تقارن بطاقات مجتمع القرن السابع، بحال من الأحوال..

يرى الأستاذ أن القرن العشرين هو نهاية التاريخ و بلغته فهو يصفه ب"آخر الزمان" و
يقول :
Quote: : اخوانه هؤلاء هم الذين ندعو نحن إليهم اليوم بما أسميناه: „الدعوة الإسلامية الجديدة“، وهي دعوة تبشر „بالرسالة الثانية من الإسلام“، تلك الرسالة التي كانت تقوم على آيات أصول الدين، وكان يعيشها النبي كنبي.. وهي تنهض امتدادا للرسالة الأولى التي قامت على آيات فروع القرآن، وكانت تعيشها „أمة المؤمنين“، وبلغها النبي كرسول، بها ينظم، ويرشد، ويسير، مجتمع القرن السابع ليعده لينهض عليه المجتمع الإنساني المطور على أسس تلك الرسالة في أخريات الأيام.. ذلك المجتمع الذي سيتحمل مسئولية: „الرسالة الثانية من الإسلام“.. „الرسالة الثانية من الإسلام“ هي سنة النبي عايدة لتكون شريعة „لأمة المسلمين“ الذين سيجيئون في آخر الزمان..

وفي موقع آخر يقول:

Quote: وحديثنا هذه الليلة، عن „الإسلام وإنسانية القرن العشرين“.. أو يمكن للإنسان أن يقول: أننا سنتحدث عن نهايات بدايات الأشياء.. الدين، جميعه، معرض لتحدي إنسانية القرن العشرين.. وإنسانية القرن العشرين، حاجتها هي حاجة الإنسان الأول.. ولكن هذه الإنسانية قد بلغت نهايات نضجها أو كادت.. إنسانية القرن العشرين، قد بلغت نهايات النضج.. ونحن نقول دائما: أن الإنسانية، في المرحلة الحاضرة، قد أخذت تستقبل عهد رجولتها..

ثم يعود ليقول ان المرحلة الحالية هي مرحلة المراهقة:
Quote: .. ونحن، اليوم، على التحقيق، نعيش في عهد مراهقة المجتمع البشري.. وعهد مراهقة المجتمع، كالعهد بمراهقة الفرد، عهد اضطراب، وقلق، وحيرة، وتغيرات كبيرة، وسريعة، تحدث في بنية الفرد البشري.. وهي، اليوم، نراها تحدث للمجتمع البشري.
و مهمة الرسالة الثانية هي تلقيح حضارة القرن العشرين المادية .و يتكرر كثيرا وصف المدينة الغربية بالمادية .


وسنورد بعضا من الاستشعادات كامثلة لما يسميه الخطاب بمادية الغرب.

*مادية الغرب:
يقول في :
البيان الذى ألقاه رئيس الحزب فى الإجتماع العام
محمود محمد طه-1951
Quote:
ويفرق الناس الآن ، تفريقا كبيرا بين الديمقراطية الرأسمالية ، والديمقراطية الشيوعية ، وهو خطأ مصدره النظر السطحي للمسألة .. والنظرة العميقة تظهر جليا أن الرأسمالية ، والأشتراكية ، والشيوعية ، والإشتراكية الوطنية - أي الفاشية ، والنازية - كل هؤلاء يرجع إلى فلسفة واحدة ، هي المادية الغربية الحاضرة ، والمادية الغربية الحاضرة مو من المادية الوثنية الرومانية ..
فكل هذه النظم الغربية التي يفتتن بها الشرقيون اليوم إنما هي في حقيقتها واحدة ..
هي واحدة في معنى أنها لا تهتم إلا بالرخاء المادي وحده وإلا بالرفاهية المادية وحدها ، ولا تعطي وزنا كبيرا للأخلاق المطلقة .. وهذا الإنصراف ، الذي أهمل جانب الأخلاق المطلقة ، هو المسئول عن الحالة السيئة التي يتورط فيها عالم اليوم

ويقول في مقدمة الطبعة االأولى من كتابه الاسلام:

Quote: الاضطراب الذي نشاهده في عالم اليوم يرجع إلى أسباب كثيرة ، ترجع جميعها إلى سبب أساسي واحد ، هو مدى الخلف بين تقدم العلم التجريبي ، وتخلف الأخلاق البشرية .


و يلجأ الاستاذ كما لجأ سيد قطب الى اعادة تعريف المدنية الغربية والتي يعتبرها حضارة وليست مدنية ،لانها ارتكزت على المادة .يقول الاستاذ عن المدنية في "الرسالة الثانية من الاسلام:

Quote: المدنية غير الحضارة ، وهما لا يختلفان اختلاف نوع ، وإنما يختلفان اختلاف مقدار .. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته .
ويمكن تعريف المدنية بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء ، والتزام هذه القيم في السلوك اليومي ، فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ، ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة . فهـو ذو قيـم وذو خلـق . وبعبارة موجزة ، فالرجل المتمدن هو الذي حقق حياة الفكر وحياة الشعور


ثم يوجه السؤال التالي حول ماهية المدنية :
Quote: هل المدنية هي الأخلاق؟؟

ليجيب :
Quote: هي كذلك ، من غير أدنى ريب !!


ويقول في تعريف الحضارة الآتي:

Quote: وأما الحضارة فهي ارتفاق الحي بالوسائل التي تزيد من طلاوة الحياة ، ومن طراوتها .. فكأن الحضارة هي التقدم المادي ، فإذا كان الرجل يملك عربة فارهة ، ومنزلا جميلا ، وأثاثا أنيقا ، فهو رجل متحضر ، فإذا كان قد حصل على هذه الوسائل بتفريط في حريته فهو ليس متمدنا ، وان كان متحضرا ، وانه لمن دقائق التمييز أن نتفطن إلى أن الرجل قد يكون متحضرا ، وهو ليس متمدنا ، وهذا كثير ، وأنه قد يكون متمدنا ، وهو ليس بمتحضر ، وهذا قليل ، والكمال في أن يكون الرجل متحضرا متمدنا في آن . وهو ما نتطلع إليه منذ اليوم .


وعلى ضوء هذا التفريق يصل الاستاذ الى الاستنتاج التالي حول ماهية الحداثة الغربية:

Quote: على هذا الفهم الدقيق ، فان المدنية الغربية الحاضرة ليست مدنية ، وإنما هي حضارة ، وهي ليست مدنية لأن موازين القيم فيها قد اختلت ، فتقدمت الوسيلة وتأخرت الغاية


رغم هذا التفريق بين الحضارة والمدنية ،الا ان الاستاذ يعود في مواضع كثيرة بعد اجراء ذلك التفريق ليتحدث عن المدنية الغربية التي قال انها حضارة وليست مدنية.
وهذا الارتباك المفهومي نجده في مواضع كثيرة .

فاحيانا يتحدث عن المدنية الفارسية و الرومانية و احيانا اخرى يتحدث عن الحضارة الفارسية و الرومانية .
يقول في مشكلة الشرق الأوسط متحدثا عن "مدنية الفرس والروم:

Quote: ان اللّه غيور على العرب في القرن العشرين، كما كان غيورا عليهم في القرن السابع، فهو قد حمّلهم رسالة الاسلام يومئذ فلقحوا بها المدنية الفارسية في الشرق، والمدنية الرومانية اليونانية في الغرب، وهو سيحمّلهم رسالة الاسلام اليوم ليلقحوا بها المدنية الشيوعية في الشرق، والمدنية الرأسمالية في الغرب.


وفي احيان اخرى يتحدث عن "حضارة " الفرس والروم.
يقول في "قل هذه سبيلي":

Quote: فقد ظهروا بالإسلام في منطقة مجدبة ، ومتخلفة ، فأشعلوا به الثورة في نفوسهم ، وبرزوا به بين الحضارة الفارسية – الشرقية – والحضارة الرومانية – الغربية


*الاخلاق بين سيد قطب و الاستاذ:

نلاحظ ان كلا من سيد قطب في اعادة تعريفهم للحضارة الغربية ،يتفقان حول أهمية الاخلاق،لكنهما يختلفان في النظر الى الجاهلية باعتبارها جاهليات وليست جاهلية واحدة صمدة ،كما يرى سيد قطب،تتميز بغياب الحاكمية.
كما نلاحظ ان سيد قطب يرفض كل الموروث الفكري الغربي، مع احتفاطه بالموروث المادي الغربي .
يقول سي غورمان في مقاله:
اسلامان متقابلان
سيد قطب - رفاعة الطهطاوي
غي سورمــان
ترجمة: مرام مصري



–نقلا عن موقع مجلة "نزوى" ،
عن نزعة سيد قطب ومن تاثروا بخطابه حول انقاذ العالم من خلال الاسلام :

Quote: إن <<قطب>> الذي نفذ فيه النظام الناصري أمر القتل في سنة 1966 بالقاهرة, بسبب اعتداء مفترض على أمن الدولة, هو مؤسس التمامية الإسلامية المعاصرة(1) <<الاسلاموية>>. إن كتاباته تلهم الأفعال, التي نصفها, في الغرب, ب-<<الارهابية>>, ولكن أتباعه, ومن بينهم <<ابن لادن>>, مفروض فيهم أن ينقذوا البشرية, وهو إنقاذ الإسلام الذي يتم تقديمه كديانة كونية, وليس فقط ديانة المسلمين.


ويسمي تلك النزعة بالتمامية معرفا لها كالآتي:

Quote: إن التمامية الإسلامية <<الاسلاموية>> هي إذا أيديولوجية حديثة, بسبب ولادتها من علاقة صراعية مع الحداثة الغربية. وهي كذلك بسبب استخدامها لوسائل العلوم الغربية, وسائل الاتصال كما أسلحتها التدميرية, وهي أيضا كذلك بسبب ادعائها أنها تقود الى حداثة أخرى ترفض أخلاقيات الغرب في الوقت الذي تلتجئ فيه الى اختراعاته التقنية, انها مفارقة شبه - حداثية متناقضة تطعم حضارة اسلامية على العلوم الغربية في الوقت الذي ترفض فيه المسعى النقدي الذي يؤسس هذه العلوم. وأخيرا فان التمامية الإسلامية <<الاسلاموية>> تتغذى من فشل المحاولات التي بدأت في بداية القرن التاسع عشر في البلدان الإسلامية, من أجل اللحاق بالغرب ومصالحة الاسلام بالحداث إن كان ممكنة
,

على النقيض من سيد قطب،لا يرفض الاستاذ الموروث الغربي ،كما في حالة الماركسية مثلا.

يقول حول الموقف الاسلامي من التراث البشري في "الماركسية في الميزان":
Quote: و من الخطأ أن نرفض أي شئ من التراث البشري بحكمنا عليه أنه باطل مطلق ..


لكنه يرى ان دور الاسلام يتمثل في تلقيح الحضارة الغربية بالروح.يقول في ذلك:
Quote: ان اللّه غيور على العرب في القرن العشرين، كما كان غيورا عليهم في القرن السابع، فهو قد حمّلهم رسالة الاسلام يومئذ فلقحوا بها المدنية الفارسية في الشرق، والمدنية الرومانية اليونانية في الغرب، وهو سيحمّلهم رسالة الاسلام اليوم ليلقحوا بها المدنية الشيوعية في الشرق، والمدنية الرأسمالية في الغرب.


ويضرب الاستا ذ مثالا عن كيفية "تلقيح " الماركسية باضفاء عنصر الروح عليها.يقول في ذلك:

Quote: وهنا يجئ دور الإسلام ليتمم النقص في الماركسية بإدخاله عنصر الروح الذي جحدته ، وبإدخاله لعنصر الروح تصبح القيمة على مستويين : المستوى المادي ، والمستوى الروحي : والمادة وسيلة للروح ، بمعنى "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة من الله" كما قال المسيح أو "الدنيا مطية الآخرة" كما قال المعصوم . وهذه النظرة تعوض دافع الإنتاج التقليدي الذي لابد له من أن يتقوض ليفتح الطريق للاشتراكية ، لأنه كما سبق أن قررنا ، لولا انك تنتج أكثر مما تستهلك ولولا أن ما يفيض من إنتاجك عن استهلاكك يؤخذ منك ، لما أمكن إمداد العاجزين عن الإنتاج بما يحتاجونه لاستهلاكهم ..وإمداد هؤلاء هو من ضمن محاسن النظام الاشتراكي ، لأن به تظهر إنسانية الإنسان . وفي إنسانية الإنسان كل القيمة للأفراد وللجماعة ، فإنك برضا نفسك ، أن تجتهد في زيادة الإنتاج ، وأن تقتصد في استهلاكك ، توفر السعادة لقوم آخرين ، من أطفال ، ونساء ، وعجزة ، وعجائز . وبتوفيرك السعادة لهؤلاء ، بتقديم تعبك ، وعرقك ، ووقتك وفكرك ، تجد زيادة ، وسعة في طمأنينة نفسك ، ورضا قلبك ، ورحابة إنسانيتك .. ومن ثم سعادتك


*القرأن و المعرفة-عن استراتيجية التأويل في خطاب الاستاذ:

سبق لنا ان قلنا:
Quote: كان الاستاذ قارئا من الدرجة الاولى ،
و قد وظف ما انتجته الحداثة الغربية من مصطلحات قانونية و اقتصادية و اجتماعية ونفسية وغيرها من المصطلحات العلمية التي قالت بها الحداثة الغربية،
وظف كل ذلك لكي يقول ان كل هذا كان موجودا في القرآن ،


فقام الصديق ياسر بالرد علينا قائلا:

Quote: هذا الذي وضعت لك تحته خطا يحتاج منك إلى إثباته بنص مما كتبه الأستاذ.. ولا أريد أن أظلمك فتعال بالدليل من كتابة الأستاذ وعندها سآتيك بالنصوص التي تقلب فرضيتك هذه رأسا على عقب..


وأدناه بعض الاستشهادات التي تدعم ما قلنا به قبل ذلك حول إستراتيجية خطاب الاستاذ.
يقول الاستاذ في كتابه:
الماركسية في الميزان:

Quote: .. و المجهود الإسلامي كله له هيمنته ، على النشاط البشري كله .. لما قال ، عن كتابنا: (مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ، و مهيمناً عليه ..) يعني أن كتابنا ، يعني أن ديننا ، مهيمن على الأديان ، و كتابنا مهيمن عل الكتب .. الكتب دي مش مجرد الكتب الأربعة المنزلة من السماء .. و إنما كل كتاب ، حتى كتاب (رأس المال) بتاع ماركس ، القرآن مسيطر عليهو ، و مهيمن عليهو ، و يستطيع أن يظهر الخطأ الفيهو ، و يظهر الصواب الفيهو ..


ثم يقول ان كل الاحتياجات الانسانية موجودة في المصحف:

Quote: الاسلام اليوم لا وجود له الا في المصحف .. وقد نصلت حياتنا من الدين .. ما عليه الناس صور ميتة ومن أجل ذلك حياتنا متخلفة ومتأخرة .. دا عيبنا نحن موش عيب الاسلام .. كل ما تحتاجه البشرية موجود في المصحف، ولكن المصحف لا ينطق، وانما ينطق عنه الرجال ..


ويقول في نفس المعني في "الاسلام و الفنون":

Quote: القرآن المقروء ، والمحفوظ بين دفتي المصحف الشريف ، قد حوى جميع الأكوان القديمة ، والحديثة ..

وهو اللحن العلوي الكبير ، المنطلق يرسم طريق صدور الإنسان ، من منبعه ، وطريق رجوعه ، إلى مصبه – الذات الآلهية – حواها ، وحوى حركاتها ، فلم يغادر منها شيئاً .. قال تعالى ، في الإشارة إلى ذلك: (ووضع الكتاب ، فترى المجرمين مشفقين مما فيه ، ويقولون: ياويلتنا!! مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها .. ووجدوا ما عملوا حاضراً ، ولا يظلم ربك أحداً ..) معلوم ، لدى المعنى القريب ، أن الكتاب المقصود هنا هو كتاب أعمال الأفراد ... ولكن ، لدى المعنى البعيد ، فإن الكتاب هو القرآن ... وهو لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، في ذرات ، واجرام ، الأكوان إلا احصاها ، قيداً وشمولاً


الاستشهادات أعلاه توضح لنا الحركة التي يسير بها التأويل في خطاب الأستاذ .فهي حركة تبدأ من الواقع ثم تنتهي في الخطاب القرآني باعتباره يحوي كل المعارف والاحتياجات الانسانية بشكل مطلق.وتلك الحركة تشابه ما اصطلح على تسميته بالاعجاز العلمي في القرآن.فهي تنطلق من انجازات العلم ثم تحاول ايجاد ذلك في القرآن باعتباره سابقا للعلم.

والواضح في الامر في ما يخص علاقة خطاب الاستاذ بالحداثة بشكل خاص ،وبالموروث البشري،الواضح انها علاقة توفيقية..وهو قدحاول التجسير بين الاسلام ومشروع الحداثة الغربية.

يقول الاستاذ حول التوفيقية ،
في خاتمة "قل هذه سبيلي":

Quote: اما بعد فهذا هذا فيما يتعلق بالمدنية الجديدة التى ينشدها الحزب الجمهورى وهى مدنية اسلامية لا شرقية ولا غربية وانما الفت بين فضائل الشرق وفضائل الغرب فى نسق وورثت تراث البشرية فى بحثها الطويل عن الحق..


وهذا القول بالتوفيق يخالف ما ذكره النور حمد وأسماء محمود محمد طه في مقدمتهما لكتاب نحو مشروع مستقبلي للإسلام-ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه:
Quote: في تقديرنا أن رؤى الأستاذ محمود محمد طه،متجاوزة للتفكير الإسلامي السلفي بكل تشكلاته،كما هي متجاوزة أيضا، للأطر المعرفية لحقبة الحداثة الغربية الممتدة من عصر التنوير وحتى يومنا هذا.و هذا هو ما يعطي أفكاره أهمية خاصة،ففكره بالإضافة إلى كونه يمثل مخرجا جيدا، من أزمة التفكير الإسلامي المزمنة،بإزاء مفاهيم الحداثة،فهو أيضا فكر متجاوز لما أصطلح على تسميته بحقبتي "الحداثة" و "ما بعد الحداثة" الغربيتين.
ص 6.


و نواصل
المشاء

Post: #192
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 03-22-2007, 04:57 AM
Parent: #191

سأعود يوم الاثنين القادم ان شاء الله.
وهنالك متسع للمداخلات .
محبتي للجميع
المشاء

Post: #193
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Osman Musa
Date: 03-22-2007, 06:15 PM
Parent: #192

أجىء الى هذا المكان الخصب _ بوست يعج بكلام جميل . مفيد ( وسمح ..
. أجد الخواض فى مدرسته الرحبة _ والشقلينى كانه قد اتى من يثرب علم صافى
وعقل _ يا للجمال _ انا اعرف طريقة اسامه الذكية فى خرط الحديث والقتال
من اجل جر الاجابة
اسامه كاتب ينفلت من قيود السكات الى رحاب الادب الواسع وفى كل مجال
______________--
الشهيد / محمود محمد طه فى رؤى الأحلام بوست افادنى كثيرا .. بوست
يجب الوقوف فى بابه .. تحياتى اليكم يا سادتى
عثمان عدالرحيم موس

Post: #196
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-24-2007, 05:40 AM
Parent: #193



عزيزنا عثمان موسى

تحية لك وأنت بيننا

لقد فَتَّح الأعزاء الكُتاب :

أسامة الخواض
و ياسر الشريف

دوحة لنا كقراء ، ونأمل أن نكون مُبحرين
معهم في تبيان ملامح من مُفكر في قامة الأستاذ محمود
لديه رؤى في الحياة و الدين واضحة ، ومن ورائها
فلسفة واضحة القسمات
سنعود من بعد صبر بإضافة في استخدام الأستاذ للمُصطلحات
مقارنة بغيره من المُفكرين
شكراً لك
والتحية مجدداً للأحباء :

الكاتب : أسامة
والكاتب: ياسر

وجميع المشاركين


Post: #194
Title: تقييم الفكرة الجمهورية يتطلب قراءة كلية متأنية!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-23-2007, 12:27 PM
Parent: #191

تحية للجميع
أشكر الصديق العزيز أسامة الخواض لما تفضل به من مداخلة غنية مفيدة ..

قولك:


Quote: كتمهيد للحديث عن "جاهلية الغرن العشرين "،يتحدث الاستاذ عن انعدام وجود الاسلام


عبارة "إنعدام وجود الإسلام" عبارة غير دقيقة.. ولتحري الدقة فإن الأستاذ محمود يقول بأن الموجود من الإسلام هو القشرة وليس الجوهر، ويقول أن الإسلام موجود في المصحف في نفس النص الذي نقلته أنت..

قولك:

Quote: لعل الكلام عن تفسخ و انحلال و ضلال انسانية القرن العشرين،هو المبرر لكي يكون الاسلام في رسالته الثانية،
هو الوحيد المؤهل لاصلاح الحضارة الغربية.

كلامك غير دقيق.. الأستاذ يرى أن ضلال وانحلال وتفسخ إنسانية القرن العشرين إنما هو تعبير عن رفض للحضارة الغربية وهو علامة صحة وليس علامة مرض.. ويرى أن الإسلام برسالته الثانية مؤهل لإصلاح الحضارة الغربية الآلية لأنه يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة، وهو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يصنع السلام، وهذا هو ما أسماه الأستاذ بأس الفشل في الحضارة الغربية.. [راجع النصوص التي وضعتها في مداخلاتي بعاليه]..

قولك:

Quote: يرى الأستاذ أن القرن العشرين هو نهاية التاريخ و بلغته فهو يصفه ب"آخر الزمان"

عبارة "نهاية التاريخ" عبارة غير دقيقة بل عبارة خاطئة بالرغم من أن كثيرا من الكتاب والمثقفين يستخدمونها ويقصدون بها نهاية الوجود.. الأستاذ محمود لم يستخدمها أبدا.. وحتى عبارة "آخر الزمان" التي جاءت في الحديث "قوم يجيئون في آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم"، وجاءت في النص الأول الذي نقلته أنت، لا تعني عند الأستاذ محمود نهاية الوجود.. فلو أنك قلت بأن الأستاذ محمود يرى أن بداية نهاية مرحلة "الحياة الدنيا" [وهي ليست بحال نهاية الوجود] قد بدأت من القرن العشرين الذي جاء فيها هو بالحديث عن الرسالة الثانية وسوف تبلغ أوجها بظهور المسلمين بالمعنى الأخير للإسلام [الذي جاء في جدول الثنائيات الذي كتبته أنت] لكان كلامك أكثر دقة.. لاحظ معي أن الأستاذ يتحدث عن مرحلة "رجولة" قادمة ويصف المرحلة الحاضرة للمجتمع البشري بأنها فترة مراهقة وهذا في حد ذاته دليل على أن الأستاذ يتوقع تطور جديد وقد قال بأن هذا التطور سوف يتضمن قفزة من مرتبة البشرية نحو الإنسانية بدخول الحاسة السادسة والحاسة السابعة وأسماه أيضا بالمرحلة الرابعة من نشأة الإنسان.. [راجع المقدمة الرابعة لكتاب "رسالة الصلاة"]..
الوجود عند الأستاذ محمود لا ينتهي لأنه سرمدي.. الوجود هو مظهر الله، والله مطلق بطبيعة الحال..

ثم أنك يا أسامة أوردت هذه الفقرة باعتبار أنها نص من كتب الأستاذ محمود:


Quote: .. ونحن، اليوم، على التحقيق، نعيش في عهد مراهقة المجتمع البشري.. وعهد مراهقة المجتمع، كالعهد بمراهقة الفرد، عهد اضطراب، وقلق، وحيرة، وتغيرات كبيرة، وسريعة، تحدث في بنية الفرد البشري.. وهي، اليوم، نراها تحدث للمجتمع البشري.
و مهمة الرسالة الثانية هي تلقيح حضارة القرن العشرين المادية .و يتكرر كثيرا وصف المدينة الغربية بالمادية .

جزء من النص صحيح أنه من كتاب "الإسلام وإنسانية القرن العشرين" ولكن ما وضعت لك تحته خطاً ليس جزءا من النص الذي تجده في هذه الصفحة:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=29&chapter_id=3

ولعل إيراد الفقرة بأكملها تعين كثيرا في هذه المداخلة:

Quote: الإسلام وإنسانية القرن العشرين

وحديثنا هذه الليلة، عن „الإسلام وإنسانية القرن العشرين“.. أو يمكن للإنسان أن يقول: أننا سنتحدث عن نهايات بدايات الأشياء.. الدين، جميعه، معرض لتحدي إنسانية القرن العشرين.. وإنسانية القرن العشرين، حاجتها هي حاجة الإنسان الأول.. ولكن هذه الإنسانية قد بلغت نهايات نضجها أو كادت.. إنسانية القرن العشرين، قد بلغت نهايات النضج.. ونحن نقول دائما: أن الإنسانية، في المرحلة الحاضرة، قد أخذت تستقبل عهد رجولتها.. ذلك بأن المجتمع البشري، كالفرد البشري، يمر بمراحل.. فإنه يكون جنينا في الرحم، ثم يولد، ثم ينشأ في الأطوار المختلفة من أطوار النمو، إلى أن يبلغ مرتبة الرجولة.. المجتمع البشري بهذه الصورة.. والفرد البشري في حياته القصيرة، في الرحم، وفيما بعد الميلاد، إلى أن يهرم، وإلى أن يندثر - إلى أن يموت - يحكي صورة من صور تطور، ونمو، ونضج، المجتمع البشري، غير أن دورة الفرد البشري نراها دائما، ولكن دورة المجتمع البشري طويلة، وئيدة.. ونحن، اليوم، على التحقيق، نعيش في عهد مراهقة المجتمع البشري.. وعهد مراهقة المجتمع، كالعهد بمراهقة الفرد، عهد اضطراب، وقلق، وحيرة، وتغيرات كبيرة، وسريعة، تحدث في بنية الفرد البشري.. وهي، اليوم، نراها تحدث للمجتمع البشري.. وحاجة الفرد البشري إنما هي دائما الحرية.. وحاجة المجتمع البشري، إنما هي حاجة أفراده، هي دائما الحرية..


لا أعرف بالضبط ما الذي تعيبه على الأستاذ محمود في مسألة نقده للمادية سواء كانت في الشرق "الشيوعي" أو الغرب "الرأسمالي".. فهو لم ينكر ضرورة "المادية" وإنما أنكر فشلها في صناعة السلام وفي التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. وجميل أن تلجأ إلى مصادر كتابات الأستاذ منذ أول كتاباته إلى آخر كتاباته ولكن لا بد أن تقرأ قراءة كلية وليس قراءة اجتزائية أو قراءة "متربصة" كما يصف الدكتور نصر حامد أبو زيد مثل هذا النوع من التعامل مع النصوص.. فمثلا البيان الذي ألقاه الأستاذ محمود في أول إجتماع للحزب الجمهوري في أكتوبر 1951 والذي نقلت منه أنت هذا النص نجد فيه أن الأستاذ محمود يقول "الديمقراطية الشيوعية" وربما يظن القارئ، الذي لم يقرأ البيان كاملا أو لم يقرأ كتب الأستاذ اللاحقة والتي فصَّلت كثيرا في فكرته، أن هذا خطأ لأنه يعرف أن الشيوعية ليس فيها "ديمقراطية" بالمعنى الصحيح وإنما هي "ديكتاتورية".. ولكن إذا قرأنا ما قبل وما بعد هذه الفقرة التي نقلتها سنجد أن الأمر واضح:

Quote: عرّفت الديمقراطية بأنها : حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، لمصلحة الشعب .. والذي عرفها هذا التعريف هو ابراهام لنكلن ، الرئيس الأمريكي في القرن التاسع عشر .. ولكن الديمقراطية ، بهذا المعنى ، لم تحقق بعد .. ولدى العالم الآن نوعان من الديمقراطية : الديمقراطية الرأسمالية ، والديمقراطية الشيوعية .. وكلا الديمقراطيتين مقصّر ، ومعيب ..
فأما الديمقراطية الرأسمالية فإنها قد ورثت التفاوت الطبقي ، الرأسمالي والإقطاعي ، المتبقي من العصور المواضي ، وقبلته ، وحاولت ، تحت ضغط المتطرفين الثائرين على الماضي ، أن تتطور منه إلى اشتراكية تحقق العدالة الإجتماعية ، والحرية الفردية ولكن ظهورها كان ، ولا يزال ، بطيئا جدا ، وذلك لشدة المقاومة التي تلقاها من الرأسماليين الذين يسيطرون على نظام الحكم فيها فإن هؤلاء ، بما يملكون من وسائل الدعاية ، وموارد الرزق ، قد استطاعوا أن يروجوا ، بين الشعب ، لمن يريدون انتخابه من عملائهم ، ممن لا يخدمون مصالح الشعب .. واستطاعوا أيضا ، بتركيزهم للرأسمالية ، أن يجعلوا نواب الأمة يهتمون بمصالحهم الشخصية ، أكثر مما يهتمون بمصالح موكليهم ، فأصبح البرلمان لا ينقد الهيئة التنفيذية على هدى سياسة شعبية ، مراعى فيها إلى مصلحة الأمة ، وإنما على هدى سياسة حزبية ، مراعى فيها إلى استمرار الحزب الذي ينتمي إليه النائب في الحكم ، لئلا يتعرض النائب للخسارة المادية التي تصيبه إذا ما انهزمت حكومته ، وحل البرلمان ، مثلا ، لينتخب غيره .. وهكذا شلت حركة التطور ، والتقدم ، في الديمقراطية الرأسمالية ، فلم يتحقق تحت ظلها ، ولن يتحقق ، العدل الإجتماعي ولا الحرية الفردية ..
وأما الديمقراطية الشيوعية فإنها قد ثارت على وراثة الماضي ، فحطّمت المجموعة الرأسمالية والإقطاعية التي سبقتها ، وبنت على أنقاضهما ديكتاتورية غاشمة ، جعلت همها تغيير الوضع السيئ الذي وجدت فيه الشعب الروسي المتأخر ، ونصبت نفسها وصية عليه ولما كانت حالة الشعب متأخرة فعلا .. ولما كان هذا النظام ثورة جديدة ، وتجربة جديدة ، فإنه قد تورط في الشطط الذي يتورط فيه أمثاله ، وذلك أن هذا النظام الشيوعي قد أهدر حق الفرد في الحرية ، ليستطيع أن يحقق للمجموعة العدالة الإجتماعية ، أي المساواة الإقتصادية ، ولقد قطعت الشيوعية ، في تجربتها شوطا بعيدا ، تعد فيه ناجحة ، ولكنها سارت في طريق خطأ ، حين ظنت أن الإنسان يكفيه من حياته ، المتاع المادي ، ويعوضه عن حريته .. ويظن بعض الناس أن الشيوعية ستحقق الحرية الفردية بعد أن تثبت قواعدها .. وهذا فهم خاطئ ، لأن نظاما قام على كبت الحرية ، من بداءته ، واستمر في كبتها إلى اليوم ، لا يمكن أن يبقى إذا تسامح في إطلاقها في غده ، وسيظل دائما كابتا لها ، غير متسامح فيها .. وإنه لمن طبائع الأشياء أن أي نظام يقوم على الثورة ، كما قامت الشيوعية ، لا يمكن أن يبلغ الكمال ذلك لأن للثورة دائما رد فعل ، يحطمها في آخر الأمر .. ولا يبلغ الكمال إلا التطور الواعي ، السريع ، فهو وحده الملائم لطبيعة الحياة ..
ويفرق الناس الآن ، تفريقا كبيرا بين الديمقراطية الرأسمالية ، والديمقراطية الشيوعية ، وهو خطأ مصدره النظر السطحي للمسألة .. والنظرة العميقة تظهر جليا أن الرأسمالية ، والأشتراكية ، والشيوعية ، والإشتراكية الوطنية - أي الفاشية ، والنازية - كل هؤلاء يرجع إلى فلسفة واحدة ، هي المادية الغربية الحاضرة ، والمادية الغربية الحاضرة مـوروثـة من المادية الوثنية الرومانية ..
فكل هذه النظم الغربية التي يفتتن بها الشرقيون اليوم إنما هي في حقيقتها واحدة ..
هي واحدة في معنى أنها لا تهتم إلا بالرخاء المادي وحده وإلا بالرفاهية المادية وحدها ، ولا تعطي وزنا كبيرا للأخلاق المطلقة .. وهذا الإنصراف ، الذي أهمل جانب الأخلاق المطلقة ، هو المسئول عن الحالة السيئة التي يتورط فيها عالم اليوم ..
والديمقراطية الشعبية ، كما عرفتها سالفا ، تتلخص في نظام يكفل العدالة الإجتماعية ، والحرية الفردية ، في ميزان لا يجور - نظام يعمل الشعب فيه بنفسه لنفسه ، على هدى المعرفة - في هذا النظام المنشود تكون الحكومة خادمة الشعب ، لا سيدته .. في هذا النظام تفهم الحكومة نفسها ، ويفهمها كل فرد ، كما فهمها أبو العلاء المعري حين يقول :

ملّ المقام فكم أعاشـر أمـة أمرت بغير صلاحها امـراؤها
ظلموا الرعية واستباحوا كيدها وعدوا مصالحها وهم اجراؤها

فالحاكم أجير لي ، ولك وهو ، أصلح ما يكون ، خادم لي ، ولك ، وليس سيدا ، متسلطا على الرقاب .. ولقد نظر الحزب الجمهوري في هذه المسائل فتبين له جليا أن الديمقراطية الشعبية لم تحقق حتى اليوم ، وأنه لانجاة للإنسانية مما يتهددها من فناء ، إلا بتحقيقها .. وأن أيا من الديمقراطتين - الرأسمالية والشيوعية - لا يمكن أن تحققها ، البتة .. وأنه لابد ، لتحقيق الديمقراطية الشعبية ، من الإسلام ، لأنه الفلسفة الإجتماعية الوحيدة ، في هذا العالم ، التي حاولت ، وأفلحت ، في الجمع بين الروح والمادة ، على هدى ، وبصيرة ، والجمع المستبصر ، بين الروح والمادة ، هو وحده الذي يمكن أن يحقق الحرية الفردية ، والعدالة الإجتماعية ، في نظام متكافل للجميع ..


[ملاحظة هامة: عندما قرأت النص الذي نقلته يا أسامة لاحظت أن فيه كلمة ظهرت ناقصة هي "مو" والسبب في ذلك أن المدقق الآلي في سودانيز أونلاين يشطب بعض الكلمات وقد قمت أنا بالإحتيال على المدقق وكتبت الكلمة بإضافة تمديدة لحرف الميم وتمديدة لحرف الثاء لتصير "مـوروثـة" فتخطئها عين هذا المدقق المبرمجة سلفا]

أعود إلى مسألة "المدنية والحضارة".. فأنت ترى أن هناك إرتباكاً مفهوميا عند الأستاذ في استعماله لهاتين الكلمتين، فتارة يقول "الحضارة الفارسية" أو "الحضارة الرومانية" وتارة يقول "المدنية الفارسية" أو "المدنية الرومانية"، وبينما ينفي صفة "المدنية" عن الحضارة الغربية الآلية نراه في بعض المرات يقول "المدنية الغربية".. فهل هذا إرتباك مفهومي؟؟ وسأحاول أن أفسِّر ما يظهر من أنه خلط في استخدام الكلمتين.. فالحضارة الفارسية والرومانية كانتا أيضا مدنيات بالمعنى المتعارف عليه في السابق حيث كانت الكلمتان مترادفتين لمعنى واحد تقريبا في اللغة العربية.. والحضارة الغربية هي أيضا مدنية واستعمال الأستاذ لهما كمترادفتين لا غبار عليه لأنهم بالفعل كذلك في المفهوم الشائع.. وليس صحيحا قولك:


Quote: و يلجأ الاستاذ كما لجأ سيد قطب الى اعادة تعريف المدنية الغربية والتي يعتبرها حضارة وليست مدنية ،لانها ارتكزت على المادة .

فالأستاذ لم يُعِدْ تعريف "المدنية الغربية" "كذا" وإنما أعطى كلمة المدنية نفسها تعريفا أكثر دقة هو الذي تفضلت أنت بنقله.. القراءة الكلية لفكر الأستاذ محمود تقول بأنه يعتبرها حضارة ليس لأنها ارتكزت على المادة، كما تقول، وإنما لأنها عندما ركَّزت على المادة أهملت السلام، وأهملت "الأخلاق" بمعنى "التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة"، واعتبرت المادة غاية بينما الصحيح أن تكون المادة وسيلة..

الأخلاق:
أنت تقر في بداية المداخلة بأن نظرة الأستاذ لمسألة "جاهلية القرن العشرين" تختلف عن نظرة السيد قطب وهذا هو قولك:

Quote: لكن الحديث عن الجاهلية في خطاب الاستاذ ،يختلف عن حديث سيد قطب الذي كفر تماما بحضارة الغرب.

فعلى النقيض من سيد قطب فان الاستاذ من خلال نزعته التطورية في فهم نشوء و تطور المجتمع البشري،
فهو يرى ان الجاهلية المعاضرة أي جاهلية القرن العشرين تختلف اختلافا كبير ا عن جاهلية القرن السابع.

ولكنك هنا تقول:
Quote: نلاحظ ان كلا من سيد قطب في اعادة تعريفهم للحضارة الغربية ،يتفقان حول أهمية الاخلاق،لكنهما يختلفان في النظر الى الجاهلية باعتبارها جاهليات وليست جاهلية واحدة صمدة ،كما يرى سيد قطب،تتميز بغياب الحاكمية.
كما نلاحظ ان سيد قطب يرفض كل الموروث الفكري الغربي، مع احتفاطه بالموروث المادي الغربي .


مرة أخرى، الأستاذ لم يقم بإعادة تعريف "الحضارة الغربية" ولا أعتقد أن سيد قطب قد فرَّق بين المدنية والحضارة، وهو طبعا لم يقم بإعادة تعريف "الحضارة الغربية".. ومرة أخرى كلمة "الأخلاق" التي أوجز بها الأستاذ محمود معنى "المدنية" ليس لها نفس المعنى عند سيد قطب.. وبصراحة لا أرى سببا لتشبيه رؤية الأستاذ هنا لكلمة "أخلاق" برؤية سيد قطب.. وفي الجانب الآخر لكلمة "أخلاق" في مفهوم سيد قطب والتي يرى أن نقصها [نقص الأخلاق] هو السبب في مسألة "الانحلال والتفسخ" ولكن على العكس يعتبرها الأستاذ علامة صحة وليست علامة مرض!!!!!!!!!!!!!!!

القرآن يشتمل على كل شيء ويعِّلمك كل شيء ولا يعلِّمك شيئا بعينه، فما معنى ذلك؟؟ هو نفس معنى الآية "ما فرَّطنا في الكتاب من شيء" وسأفصِّل..

أنت قلت في السابق:


Quote: كان الاستاذ قارئا من الدرجة الاولى ،
و قد وظف ما انتجته الحداثة الغربية من مصطلحات قانونية و اقتصادية و اجتماعية ونفسية وغيرها من المصطلحات العلمية التي قالت بها الحداثة الغربية،
وظف كل ذلك لكي يقول ان كل هذا كان موجودا في القرآن ،

ولهذا قلت لك:

Quote: هذا الذي وضعت لك تحته خطا يحتاج منك إلى إثباته بنص مما كتبه الأستاذ.. ولا أريد أن أظلمك فتعال بالدليل من كتابة الأستاذ وعندها سآتيك بالنصوص التي تقلب فرضيتك هذه رأسا على عقب..

والآن تقول أنك أتيت بالشواهد من كتابات الأستاذ ونقلت بعض النصوص.. وهنا سوف أنقل نفس النصوص التي نقلتها أنت وبنفس الخطوط التي وضعتها أنت ثم أعلق عليها.. هذا أولا ما جاء في كتاب "الماركسية في الميزان":
Quote: و المجهود الإسلامي كله له هيمنته ، على النشاط البشري كله .. لما قال ، عن كتابنا: (مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ، و مهيمناً عليه ..) يعني أن كتابنا ، يعني أن ديننا ، مهيمن على الأديان ، وكتابنا مهيمن على الكتب .. الكتب دي مش مجرد الكتب الأربعة المنزلة من السماء .. وإنما كل كتاب، حتى كتاب (رأس المال) بتاع ماركس ، القرآن مسيطر عليهو ، ومهيمن عليهو ، ويستطيع أن يظهر الخطأ الفيهو ، و يظهر الصواب الفيهو ..


فالخطوط التي وضعتها أنت هنا لا تعطي المعنى الذي تفترضه والذي قلته قبل ذلك.. مهيمن عليه ومسيطر عليه تعني ما جاء في نهاية النص "يستطيع أن يظهر الخطأ الفيهو، ويظهر الصواب الفيهو" ولا تعني أن ما جاء في كتاب "رأس المال" كان موجودا في القرآن.. ومع أن عبارة "رؤوس أموالكم" موجودة في نصوص القرآن ولكن كلمات مثل "شيوعية" و"اشتراكية" أو حتى كلمة "مادة" أو "مادي" أو "مادية" أو "تاريخ" ليست موجودة هكذا في القرآن.. قراءة النص كاملا ربما تعين على توضيح فكرة الأستاذ:

Quote: مـا لمـاركس و مـا عليـه

و نحن ، في الميزان إذن ، عايزين نرى ما ليهو ، و ما عليهو .. النقطة البنبتدئ منها ، هي نقطة عدم الرفض المطلق لماركس ، و نقطة عدم القبول المطلق لماركس .. يجئ هذا من إعتبار أن فكره إنما هو نشاط بشري ، فيهو خطأ ، و فيهو صواب .. و لما نحن نقول إننا سنرى ما ليهو و ما عليهو في الميزان معناه إننا سنضع ، في كفة الحسنات ، حسناته ، و نضع ، في كفة السيئات ، سيئاته .. و المجهود الإسلامي كله له هيمنته ، على النشاط البشري كله .. لما قال ، عن كتابنا: (مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ، و مهيمناً عليه ..) يعني أن كتابنا ، يعني أن ديننا ، مهيمن على الأديان ، و كتابنا مهيمن على الكتب .. الكتب دي مش مجرد الكتب الأربعة المنزلة من السماء .. و إنما كل كتاب ، حتى كتاب (رأس المال) بتاع ماركس ، القرآن مسيطر عليهو ، و مهيمن عليهو ، و يستطيع أن يظهر الخطأ الفيهو ، و يظهر الصواب الفيهو .. من هذا المنطلق نستطيع أن نتكلم عن (الماركسية) ..


ثم أنك أوردت هذا النص وعليه خطوطك أيضا:

Quote: الاسلام اليوم لا وجود له الا في المصحف .. وقد نصلت حياتنا من الدين .. ما عليه الناس صور ميتة ومن أجل ذلك حياتنا متخلفة ومتأخرة .. دا عيبنا نحن موش عيب الاسلام .. كل ما تحتاجه البشرية موجود في المصحف، ولكن المصحف لا ينطق، وانما ينطق عنه الرجال ..

مرة أخرى، موجود في المصحف لا يعني موجود لفظا طبعا ولا حتى موجود كمفهوم وإنما يعني أن المصحف هو وسيلة تنقية العقل ليقوم بالإدراك الصحيح.. والجزء الأخير من النص لا يعني أن الرجال ينطقون الألفاظ الموجودة في القرآن وإنما يتوصلون إلى العلم المركوز في النفس البشرية وما القرآن والدين عموما والإسلام خصوصا إلا وسيلة لتلك المعرفة.. وهذا هو معنى العبارة التي أوردتها أنت من كتاب "الإسلام والفنون" ووضعت تحتها خطاً:

Quote: القرآن المقروء ، والمحفوظ بين دفتي المصحف الشريف ، قد حوى جميع الأكوان القديمة ، والحديثة ..


ثم أنك تقول بعد إيراد تلك الفقرات:
Quote: الاستشهادات أعلاه توضح لنا الحركة التي يسير بها التأويل في خطاب الأستاذ .فهي حركة تبدأ من الواقع ثم تنتهي في الخطاب القرآني باعتباره يحوي كل المعارف والاحتياجات الانسانية بشكل مطلق.وتلك الحركة تشابه ما اصطلح على تسميته بالاعجاز العلمي في القرآن.فهي تنطلق من انجازات العلم ثم تحاول ايجاد ذلك في القرآن باعتباره سابقا للعلم.


مع أن القرآن يشتمل في بعض آياته على بعض الإشارات إلى معارف تم التوصل إليها مؤخرا إلا أن الأستاذ محمود ليس من الذين يقولون أن القرآن كنصوص لفظية ظاهرة يحوي كل المعارف والاحتياجات الإنسانية.. بل على العكس من ذلك تماما فقد قال للدكتور مصطفى محمود في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري":
Quote: فإذا كان النظر يعطي أن الأرض مسطحة فإن القرآن لا يصادم هذه البداهة المرئية، وإنما يسير في إتجاهها، فيقول: (والسماء بنيناها بأيد .. وإنا لموسعون * والأرض فرشناها، فنعم الماهدون) ويقول: (الذي جعل لكم الأرض فراشا، والسماء بناء، وأنزل من السماء ماء، فأخرج به من الثمرات رزقا لكم .. فلا تجعلوا لله أندادا، وأنتم تعلمون) ويقول: (والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا) .. فأنت لا تجد ما يزعجك حين تقرأ عبارة: (والأرض فرشناها) .. أو عبارة: (جعل لكم الأرض فراشا) .. أو عبارة: (جعل لكم الأرض بساطا) .. لأن كل هذه العبارات تستقيم مع ما تعتقده الحق في أمر الأرض كما يعطيك نظرك .. وإنما أنت لم تنزعج لأن القرآن قد جارى وهم حواسك، ريثما يخلصك من هذا الوهم بتسييرك من ظواهر الأمور إلى بواطنها .. وبواطنها، في هذا الأمر، هي ما تعطيه العقول، بعد غربلة معطيات الحواس


قولك بخطوطه:
Quote: والواضح في الامر في ما يخص علاقة خطاب الاستاذ بالحداثة بشكل خاص ،وبالموروث البشري،الواضح انها علاقة توفيقية..وهو قدحاول التجسير بين الاسلام ومشروع الحداثة الغربية.

يقول الاستاذ حول التوفيقية ،
في خاتمة "قل هذه سبيلي":

وعبارة الأستاذ في ختام كتاب "قل هذه سبيلي" التي أوردتها مع أنها صحيحة لكنها لا تلخص كل فكر الأستاذ محمود، وعموما فإنني أرى أن كتاباته يجب ألا تؤخذ بمعزل عن حياته ومواقفه التي هي التجسيد الحقيقي لفكره.. وهو يشكِّل عندي إضافة وتتويجا لكل المجهود الفكري والديني وأرى أن الواقع يرتفع نحوه باستمرار..
وشكرا

ياسر







Post: #195
Title: Re: تقييم الفكرة الجمهورية يتطلب قراءة كلية متأنية!!
Author: osama elkhawad
Date: 03-24-2007, 05:24 AM
Parent: #194

قلت عزيزي ياسر:

Quote: أعود إلى مسألة "المدنية والحضارة".. فأنت ترى أن هناك إرتباكاً مفهوميا عند الأستاذ في استعماله لهاتين الكلمتين، فتارة يقول "الحضارة الفارسية" أو "الحضارة الرومانية" وتارة يقول "المدنية الفارسية" أو "المدنية الرومانية"، وبينما ينفي صفة "المدنية" عن الحضارة الغربية الآلية نراه في بعض المرات يقول "المدنية الغربية".. فهل هذا إرتباك مفهومي؟؟ وسأحاول أن أفسِّر ما يظهر من أنه خلط في استخدام الكلمتين.. فالحضارة الفارسية والرومانية كانتا أيضا مدنيات بالمعنى المتعارف عليه في السابق حيث كانت الكلمتان مترادفتين لمعنى واحد تقريبا في اللغة العربية.. والحضارة الغربية هي أيضا مدنية واستعمال الأستاذ لهما كمترادفتين لا غبار عليه لأنهم بالفعل كذلك في المفهوم الشائع

الاستاذ محمود فرق بين الحضارة والمدنية في :
الرسالة الثانية
لكنه لم يكترث لذلك الا في موضع واجد،
ثم استمر في الحديث عن الحضارة باعتبارها "مدنية".
المهم ان الاستاذ يخلط بين الحضارة والمدنية والثقافة.
وسنعود لذلك.
المشاء

Post: #197
Title: Re: تقييم الفكرة الجمهورية يتطلب قراءة كلية متأنية!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-24-2007, 11:05 AM
Parent: #195

عوافي وسلام للجميع

قولك يا أسامة:


Quote: الاستاذ محمود فرق بين الحضارة والمدنية في :
الرسالة الثانية
لكنه لم يكترث لذلك الا في موضع واجد،
ثم استمر في الحديث عن الحضارة باعتبارها "مدنية".


طيب ومالو؟؟ الأستاذ فرَّق بين الحضارة والمدنية في موضع وجب التفريق بينهما "لدى الدقة" لكي يقول عن فشل هذه المدنية التي أصبحت فيها الآلة سيدة الإنسان وليست خادمة له ولم تسخر للسلام ولا للعدالة والمساواة.. لو لاحظت أن الأستاذ محمود في كثير من المواضع يقول "المدنية الغربية الآلية الحاضرة".. هذا التعريف الجديد يكفي في مرة واحدة وفي أهم كتاب "الرسالة الثانية".. وأما في المواضع الأخرى، مثل كتاب مشكلة الشرق الأوسط، فإن المهم لم يكن هو التعريف الجديد، وإنما المعنى العمومي لكلمة حضارة أو مدنية ولذلك تبادل الكلمة لا غبار عليه خاصة أن المسألة ليست مسألة "مصطلحات"..
قولك:
Quote: المهم ان الاستاذ يخلط بين الحضارة والمدنية والثقافة.

طيب إنتهينا من مسألة الحضارة والمدنية.. نأتي للثقافة..
كلمة ثقافة يعادلها في القاموس الإنجليزي ثلاث كلمات هي:
education وبهذا يكون معنى ثقافة هو التحصيل العلمي المهني أو الأدبي أو الفني
culture وبهذا يكون معنى ثقافة هو الأدب والفنون والإبتكار عموما..
literacy وبهذا يكون معنى ثقافة هو مجرد المعرفة بالقراءة والكتابة، يعني ضد الأمية..

كلمة ثقافة لم ترد في القرآن بهذا الشكل "ثقافة" أبدا ولكن جاءت مشتقات لها في "ثقفتموهم"
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ
وثقفتموهم تعني: وجدتموهم
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
أين ما ُثُقفوا بمعنى أين ما وُجدوا..
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
فإما تثقفنهم: تعني إن وجدتهم..
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ
إن يثقفوكم تعني: إن يظفروا بكم..
"تثقفنهم" وتعني "وجدتموهم" "تجدهم" :

وهناك استعمال آخر في اللغة العربية القديمة هو الذي استدعاه الأستاذ محمود لكي يعطي الكلمة معنى زائدا ولكنه لا يشطب المعاني الأخرى طبعا.. وهذه فرصة لإثبات تلك الفقرة من كتاب "الثورة الثقافية"

وشكرا
ياسر


Quote: لقد كان العرب يعرفون الرجل المثقف بأنه هو الذي يملك محصولاً كبيراً من معرفة تاريخ العرب ، و أنسابهم ، و عاداتهم ، و أشعارهم .. ثم جاء وقت قريب أعتبر فيه المثقف هو الذي يستطيع أن يفهم حين يقرأ الكتاب العلمي ، أو المجلة العلمية ، و الكتاب الفني أو المجلة الفنية .. و مهما يكن من الأمر فإننا نعيش الآن في عهد إزدهار العلوم ، و الفنون ، و الفلسفات البشرية .. و تخرج المطبعة لنا عشرات الآلاف من الكتب الجديدة ، في صنوف المعارف ، كل يوم .. و يعتبر الرجل المثقف عندنا هو الذي يتابع حركة التأليف ، و النشر ، في الكتب و المجلات ، التي تساير آخر تطور العلوم ، و الفنون ، ثم يكون له في كل مسألة ، من هذه المسائل ، رأي عتيد .. و آفة الثقافة ، بهذا المدلول ، إنما هي أن المثقف قد يحمل شذرات كثيرة من المعارف من غير أن تتأثر بها أخلاقه ، تأثيراً كبيراً ، و من غير أن يتحرر بها فكره ، تحريراً كبيراً .. ثم أن الثقافة ، حتى بهذا المدلول الموسوم بالسطحية ، أصبحت تتعرض اليوم لآفة التخصص ، الذي هو سمة العصر الحاضر .. ذلك بأن كثرة العلوم ، و تشعبها في كل فن من فنونها ، قد أصبحت تستحوذ علي نشاط العلماء كله .. فأنت ، من أجل التجويد في الإنتاج ، لا بد لك من أن توقف نشاطك العلمي كله على فرع معين من فروع العلوم ، تتخصص فيه ، و لا تتعداه لغيره .. و أخذت آفات التخصص تظهر ، و تلك هي النظرة الجانبية ، التي تتوفر على شئ واحد ، يستغرقها ، وتحاول إستغراقه ، حتى يصبح الإنسان و كأنه آلة مصممة على إنتاج صنف واحد في صناعة واحدة ..
جاء في "المنجد" في اللغة قوله (ثقف الرمح: قومه ، وسواه .. . و ثقف الولد فتثقف: هذبه ، و علمه ، فتهذب و علم .. فهو مثقف ، و هي مثقفة .. و هذا مستعار من ثقف الرمح .. و الثقاف آلة تثقف بها الرماح ) قال شاعرهم: ـ
إنا إذا عض الثـقــا*ف برأس صعدتنا لوينا
نحمي حقيقتنا و بعض*الناس يسـقط بيـن بينا
و الصعدة هي قناة الرمح .. فإذا قطعت من شجرتها و بها إعوجاج ثقفت بالثقاف ، لتكون مستوية ، و مستقيمة .. فإذا إستوت ، و إستقامت فهي قناة مثقفة .. و أراد الشاعر بقوله:
إنا إذا عض الثقـاف برأس صعدتنا لوينا
إنه هو وقومه شديدو المراس ، لا يلينون لتقويم المقومين ، لأن في خلقهم ، وعورة ، وإباء .. و أبان هذا حين قال:
نحمي حقيقتنا وبعض * الناس يسقط بين بينا
فكلمة "الثقافة" في اللغة العربية كلمة طيبة جداً ، ذلك بأنها تشير إلى التقويم ، و التهذيب .. و هذا أمر يشير إلى الأخلاق .. فلكأن "الثقافة" في اللغة العربية هي "الثقافة" في الدين الإسلامي ، "التقويم" و "التهذيب" ، فإنه ، في الإسلام ، قد قال المعصوم: "الدين المعاملة" و قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .. و مكارم الأخلاق هي: حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة .. و الحرية الفردية المطلقة هي حظ الرجل ، ذي الفكر الثائر .. الرجل الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ، و يعمل كما يقول .. ثم يتحمل مسئولية قوله و عمله ، و فق قانون دستوري .. و قد أسلفنا تعريف القانون الدستوري .. و حسن التصرف في الحرية ، إذا كانت في قاعدتها ـ الحرية المقيدة بالقانون ـ أو في قمتها ـ الحرية المقيدة بالأخلاق ـ لا يتأتى إلا إذا تهذب الداخل ، و استقام ، فسلم القلب من مذام الأخلاق ، و صفا العقل من أوضار الأباطيل ، و الخرافات .. هذه هي الثقافة .. سلامة القلب ، و صفاء الفكر .. و إنما يتم ذلك بتثقيف الباطن .. و من الممتع حقاً أن نلاحظ أن القامة البشرية تشبه صعدة الرمح ـ قناة الرمح ـ هي تشبهها في ظاهرها ، و في باطنها ـ في ظاهرها "الجسم" و في باطنها "النفس" و لذلك فإن العرب تقول: فلان صلب القناة ، يريدون أنه صعب المراس ، قوي الشكيمة ، شديد الأسر ..

Post: #198
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-25-2007, 01:12 PM
Parent: #1

سلام للجميع

في المداخلة قبل الأخيرة كنت قد أوردت ما جاء في البيان الذي أخرجه الحزب الجمهوري في أكتوبر 1951عند أول إعادة للنشاط بعد السجن والخلوة الشهيرة للأستاذ محمود، http://alfikra.org/book_view_a.php?book_id=2
أريد أن أشير فيه إلى هذه الفقرة وأربطها بمسألة نظام مايو..

Quote: وأما الديمقراطية الشيوعية فإنها قد ثارت على وراثة الماضي ، فحطّمت المجموعة الرأسمالية والإقطاعية التي سبقتها ، وبنت على أنقاضهما ديكتاتورية غاشمة ، جعلت همها تغيير الوضع السيئ الذي وجدت فيه الشعب الروسي المتأخر ، ونصبت نفسها وصية عليه ولما كانت حالة الشعب متأخرة فعلا .. ولما كان هذا النظام ثورة جديدة ، وتجربة جديدة ، فإنه قد تورط في الشطط الذي يتورط فيه أمثاله ، وذلك أن هذا النظام الشيوعي قد أهدر حق الفرد في الحرية ، ليستطيع أن يحقق للمجموعة العدالة الإجتماعية ، أي المساواة الإقتصادية ، ولقد قطعت الشيوعية ، في تجربتها شوطا بعيدا ، تعد فيه ناجحة ، ولكنها سارت في طريق خطأ ، حين ظنت أن الإنسان يكفيه من حياته ، المتاع المادي ، ويعوضه عن حريته .. ويظن بعض الناس أن الشيوعية ستحقق الحرية الفردية بعد أن تثبت قواعدها .. وهذا فهم خاطئ ، لأن نظاما قام على كبت الحرية ، من بداءته ، واستمر في كبتها إلى اليوم ، لا يمكن أن يبقى إذا تسامح في إطلاقها في غده ، وسيظل دائما كابتا لها ، غير متسامح فيها .. وإنه لمن طبائع الأشياء أن أي نظام يقوم على الثورة ، كما قامت الشيوعية ، لا يمكن أن يبلغ الكمال ذلك لأن للثورة دائما رد فعل ، يحطمها في آخر الأمر .. ولا يبلغ الكمال إلا التطور الواعي ، السريع ، فهو وحده الملائم لطبيعة الحياة ..


ثورة مايو جاءت بإنقلاب عسكري لتغير وضعا سيئا أوشك أن يتحول إلى دكتاتورية مدنية بإسم الدستور الإسلامي على طريقة السلفيين.. كانت مايو مستلهمة لتجربة ثورة يوليو المصرية خاصة تحت قيادة جمال عبد الناصر بفارق هام هو أن الحزب الشيوعي السوداني شارك فيها، بل إن ثلاثة من الضباط الشيوعيين كانوا في مجلس قيادتها.. الفرق الآخر بين الثورتين هو أن ثورة مايو تعرضت لمواجهة مسلحة قبل أن تكمل عامها الأول وذلك من القوى الحزبية التي فقدت السلطة ـ تحالف الأنصار والأخوان المسلمين المسلح في الجزيرة أبا وودنوباوي مارس 1970 ـ وقد قامت مايو بالقضاء على تلك الحركة بعنف مفرط استخدمت فيه سلاح الجو.. وكعادة أي ثورة عسكرية بدأ فيها صراع على السلطة تمثل فيما يسمى بثورة يوليو للتصحيح وقد قامت مايو بالقضاء على تلك الحركة التي قام بها فصيل من الشيوعيين في النظام.. لقد كان الأستاذ محمود يدرك إمكانية إنحدار مايو إلى إلى نظام فاسد يعارضه الجمهوريون فقد جاء عن الأستاذ محمود في جلسة داخلية في الأبيض بعد قيام الإنقلاب في عام 1969 ما أورده قصي همرور من واحدة من كتابات عمر القراي [خطاب خاص] نشر في هذا البوست:
Re: آن الأوان لكى يتخلص الجمهوريون من هذا العبء التاريخى الثقيل
[في أسفل هذه المداخلة سوف أنقل الفقرة الكاملة من خطاب الأخ القراي:

Quote: واغرب من كل هذا ان الاستاذ ذكر في ذلك الاجتماع بان نظام مايو سوف يسقط تحت ضربات الازمة الاقتصادية حين يتحالف مع قوى التخلف ، وانه في ذلك الوقت سوف يعارضه الجمهوريون !!

ومن بيان 1951 يتضح رأي الأستاذ في الأنظمة التي تأتي إلى الحكم عن طريق الثورة:
Quote: وإنه لمن طبائع الأشياء أن أي نظام يقوم على الثورة ، كما قامت الشيوعية ، لا يمكن أن يبلغ الكمال ذلك لأن للثورة دائما رد فعل ، يحطمها في آخر الأمر


وقد انحرفت الثورة المصرية وسلكت طريق الكبت والدكتاتورية منذ منتصف الخمسينيات، وجاء نقد الجمهوريين لها في خطاب الحزب الجمهوري لجمال عبد الناصر في عام 1958 ، وكنت قد أوردته في مداخلة بعاليه وهو موجود في هذه الوصلة أيضا:
http://alfikra.org/book_view_a.php?book_id=6
وقد كانت جهود الجمهوريين متجهة نحو إبعاد النظام عن سلوك طريق الكبت وذلك بدعوته إلى تبني فكرة المنابر الحرة منذ عام 1976 ، ولكن النظام لم ينتصح بل ذهب في خط المصالحة الوطنية الذي استغله الأخوان المسلمون في إحتواء النظام وترسيخ أقدام تنظيمهم، بالتغلغل في الجيش والهيمنة على مجلس الشعب والسيطرة الإقتصادية عن طريق البنوك الإسلامية.. وقد نجحوا في تغيير خط النظام لتغيير القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية، وأخيرا استغل النميري ورقة الإسلام لإحكام قبضته على السلطة وكان ذلك هو سبب نهاية نظامه بعد أن قاومه الجمهوريون بحركة سلمية قوية..
مرة أخرى نرى أن نظام الإنقاذ الذي جاء بثورة وانقلاب عسكري قد أوشك على السقوط الآن بنفس ردود الفعل التي قال عنها الأستاذ في ذلك البيان عام 1951..
لقد كتبت هذه المداخلة في بوست للدكتور إبراهيم كرسني هنا:
Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الرا...فص الآيديولوجى"
الجدير بالذكر أن الأستاذ محمود كان قد تحدث عن مسألة فشل الثورة العنيفة في كتاب "الثورة الثقافية" عندما تحدث عن "الثورة الإسلامية الأولى" في القرن السابع في هذا الرابط:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=24&chapter_id=4
وذلك عندما قال:

Quote: إن الثورة حين تكون عنيفة ، إنما تحمل عناصر فنائها في عنفها لأنها لا تملك ، مع العنف ، أن تعتدل ، فلقد وردت كلمة عن المسيح يقول فيها: "من أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ" و لكن الثورات لا تملك أن تجد طريقها ميسراً ، حتى تستغنى عن العنف ، ذلك بأن رواسب قانون الغابة ، و أفكار عهد الغابة ، تبرر في نظر المغلوب ، العبارة المأثورة: "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" .. و القوة عندهم هنا ليست كما هي عندنا في العبارات التي إقتبسناها من كتاب "لا إله إلا الله" .. و إنما القوة هنا مرادفة للعنف.
إن التحول ، والتغيير ، و الثورة ، التي تتم عن طريق الإقناع ، والفكر ، هي التغيير المأمون العواقب ، الثابت ، الذي يطرد كل حين و لا ينتكس .. و لكن محاولة مثل هذه الثورة الفكرية السليمة ، إنما هي محاولة مكتوب عليها الفشل ، إذا جاءت في غير أوانها .. و يمكن القول ، على التحقيق ، بأن التغييرات التي حدثت في المجتمع البشري جمعيها ، قد كانت القوة فيها مدفوعة إلى إستعمال العنف ، لأن المستوي البشري ، في الماضي ، و إلى يوم الناس هذا ، لم يبلغ المستوى الذي يغني القوة عن إستعمال العنف .. و الثورة الإسلامية مثل من أبلغ الأمثلة في التاريخ ، على إضطرار الثائر للجوء إلى العنف ، بعد محاولة طويلة ، و جادة ، في تجنبه ..


وفي نفس الكتاب نجده يتحدث عن "الثورة الإسلامية الثانية" هكذا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=24&chapter_id=5
....
Quote: ثورة الإسلام الأولى إذن إقترنت فيها القوة بالعنف ، و إن كان عنفها يختلف عن العنف الذي تراد به السيطرة من القوي على الضعيف في غير حكمة نفع يعود على الضعيف ، إلا نفعاً يجئ عن طريق عرضي ، غير مراد من القوى .. و لكنه عنف على أي حال .. و قد حاولنا تبيين ذلك .. و أما ثورة الإسلام الثانية ، التي بها تكون عودته من جديد ، فإنها ثورة تقوم على القوة المبرأة من العنف ، و ذلك بفضل الله ، ثم بفضل حكم الوقت ، حيث أن البشرية قد تقدمت تقدماً كبيراً ، و أصبحت مستطيعة أن ترى الحق ، و أن تتخذ الحق سبيلاً حين تراه ..


وشكرا

ياسر





ــــــــ
ــــــــــ
ــــــــــــ

وهذه هي الفقرة من خطاب عمر القراي التي أوردها قصي:

Quote: 1- ان الجمهوريين كانوا قبل مايو ، يطالبون بايقاف الدستور الاسلامي ، وايقاف حرب الجنوب ، وابعاد الطائفية من فرض هذا الجهل بقوة السلاح .. فجاءت مايو وايدت ، عملياً ، هذا الطرح.. ولم تأت مايو ببرامج مختلفة ثم ايدها الجمهوريون لضمان سلامتهم أو لضمان فرصة خاصة لهم للعمل .. فاذا كانت هذه المبادئ هي ثورة مايو ، فان الجمهوريين قد ظلوا مخلصين لهذه المبادئ ، حتى بعد ان تنصل عنها نميري واخذ يهدم فيها ابتداء بالتحالف مع الطائفية وانتهاء باشعال حرب الجنوب ، واعلان الدستور الاسلامي مرة أخرى ..

2-لما كانت سلبيات مايو كانقلاب عسكري ، وكنظام عنيف لا يملك للاصلاح غير البطش ، ولموقفه من خصومه من الاعتقال ، لم يستطع الجمهوريون تاييده ، وانما كان موقفهم في البداية التاييد السلبي أي عدم المعارضة أو مساعدة المعارضة ، حتى لا يسقط النظام الذي كان بديله الجاهز اسوأ بكثير ..

وهذا ما قرره الجمهوريون في اجتماع الابيض الشهير الذي تم يوم 26 مايو 1969 ، حيث ذكر الاستاذ ان هذا النظام الجديد لن نؤيده ولن نعارضه لانه يؤدي عملاً كبيراً للبلاد .. ولكنه لا يمثل الحق الذي ظللنا ندعو له .. وفي ذلك الاجتماع ايضاً ذكر اننا قد نضطر الى تاييده السافر لو تحركت المعارضة لاسقاطه !! واغرب من كل هذا ان الاستاذ ذكر في ذلك الاجتماع بان نظام مايو سوف يسقط تحت ضربات الازمة الاقتصادية حين يتحالف مع قوى التخلف ، وانه في ذلك الوقت سوف يعارضه الجمهوريون !! ( وقائع ذلك الاجتماع مسجلة عند الأخ عبد الرحيم محمد أحمد ويمكن الرجوع اليها ) .

لقد حاول الشيوعيون منذ البداية أحتواء نظام مايو ، لانه قد جاء في الاساس لاحباط مؤامرة (اليمين الرجعي) .. وفي ظل التأثر بالشيوعيين مارس النظام دكتاتورية عقائدية صعبة .. وادخل مبدأ التطهير للخصوم السياسيين من الخدمة المدنية ، وكان فاروق ابو عيسى وزير العمل الذي حل جميع النقابات !! بل ان الاساتذة المخالفين للشيوعيين طردوا من جامعة الخرطوم .. وحل الاتحاد الذي كان يتكون من عدة اتجاهات ، وحلت محله "لجنة الخدمات" .. وفي هذا الوقت الذي تدخلت فيه السلطة في الجامعة لأول مرة في تاريخ السودان ، كان هذا التدخل يجد السند من الشيوعيين .. هذا هو الوقت الذي وقف فيه الخاتم عدلان في النشاط ليقول ( لن تظل الجامعة جزيرة رجعية في محيط ثوري هادر) .. وحين رفض الطلاب واعتصموا بالجامعة كانت الدبابات التي يقودها ابو القاسم محمد ابراهيم تحاصر الجامعة ، والطلاب بالداخل والشيوعيون بالخارج وهم يهتفون (اضرب اضرب يا ابو القاسم ) !! ثم انقلبت مايو على الشيوعيين ، وحالت بين الشعب وبين دكتاتوريتهم العقائدية التي لا تفضبل كثيراً دكتاتورية الاحزاب الطائفية في مشروعها الاسلامي المزيف .. فحسبت هذه ايضاً من حسنات مايو واوجبت الاستمرار في تاييدها غير المعلن أو الامساك عن مشايعة المعارضة في معارضتها لها ..

في اغسطس /شعبان 1973 تحالف الشيوعيون والاخوان المسلمون داخل الجامعة ، وجماهير الاحزاب خارجها ، فكانت احداث شعبان المشهورة ، وبدات النقابات تتحرك نحو الاضراب .. في هذا الوقت بالذات بدات مساعدة الجمهوريين للنظام ، وتاييدهم السافر له . فأخرجوا المنشورات ، واتصلوا بقادة النقابات ، وتحدثوا داخل الجامعة مع الطلاب ، واعلنوا للشعب بان مايو أفضل من الشيوعيين ، وافضل من الاخوان المسلمين .. وسقطت محاولة أغسطس /شعبان 1973 وازداد النظام بسقوطها قوة واكتسب أعداداً من المؤيديين .. هذا هو موقف الجمهوريين في تاييد مايو فماذا كان يمكن ان تفعل حركة وطنية نشأت على نقد الطائفية ومقاومة الاستعمار ، ثم استمرت بعد الاستقلال تنشر فهم متقدم للدين وللحياة ، لا يحول دون الشعب ودونه شئ مثل الطائفية الدينية والدكتاتورية الشيوعية ؟
ولقد استمر التأييد لنميري حين سار في اتجاه التنمية ، فشق الطرق ، واقام المشاريع ، ذلك ان حكومات الاحزاب درجت على تناسي التنمية تماماً ، وانشغلت عنها بالنزاع حول (الرخص التجارية) ولا يعني هذا ان نظام نميري لم يكن ضالعاًُ في الفساد المالي ، ولكن الفساد مع العمل في التنمية ليس مثل فساد الاحزاب الذي ليس فيه شئ غير اللهث وراء المصالح الشخصية ..

تاييد الشيوعين لنظام مايو في أول عهده مبرر عندهم بانه طرح برنامج يتفق مع فكرتهم .. ومع ذلك لا يعذرون الجمهوريين في تاييدهم لنميري !! في نقاشنا معهم كانوا يقولون ان الفكرة الجمهورية فكرة دينية تؤمن بالمطلق ولا تعتمد على "التكتيك" أو الموازنات السياسية ، وليس هي فكرة (براغماتية) تبحث عن الاصلح والانسب .. فلماذا لم تعارض نميري وتظل على معارضتها للطائفية والاخوان المسلمين ؟ ومثل هذا التساؤل ناتج عن الجهل بالفكرة الجمهورية ، وعن الغرض في معارضتها .. فالفكرة وان كانت تؤمن بالمبادئ المطلقة كالخير والسلام والعدل الا انها ترى في تطبيقها ضرورة التقييد بالواقع ، ومن ثم ترى نسبية هذه المبادئ .. فما يكون اليوم حق يمكن ان يكون غداً باطل .. ومن هنا يجئ الفهم الداعي لتطوير التشريع نزولاً عند حكم الوقت ، وهو فهم مؤسس وعتيد .. فالمقارنة ليست بين نظام نميري الدكتاتوري ونظام الاحزاب الديمقراطي ، ولكن المقارنة بين النظام الدكتاتوري العسكري ، والنظام الدكتاتوري المدني ، الذي حل الاحزاب وعقد محاكم التكفير !!

Post: #199
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-25-2007, 06:18 PM
Parent: #1



الأحباء هنا :
الكاتب : أسامة الخواض
الكاتب : ياسر الشريف
الأحباء الذين اشتركوا معنا الحوار والقراءة
لكم دعوة للراحة بين كثافة النصوص :


كيف تيسر لنا كتابة نص : محمود محمد طه في رؤى الأحلام ؟
كيف هي غريبة خواطر الكتابة !
كيف راودتنا الكتابة وكيف هبط الخاطر هبوط النسور على الفرائس ؟


ملمح أول :

كان لي صديق من الزمن الجميل زارني منذ أعوام : ( إبراهيم الكامل آل عكود ) ، وهو أستاذ جامعي وشاعر ومُترجم يُترجم أغرب النصوص ، كشعر ( الشايقية ) العامي مثلاً يترجمه إلى العربية الفصيحة ثم يترجمه إلى الإنجليزية !!

قلت لإبراهيم آل عكود : ـ

ــ أراك سيدي وأنت في عُمر تجاوز الخمسين ، كنخل فارِع الطول حين تُداعِبه الريح يضحك . فجذوره قد استشرت شرايينها تُمسِك بعروق الذهب في صخر الأرض .أعرف من يقول اترك في جيب سُترتك مُفكرةً صغيرة على الحِمل ، ناعمة رشيقة في رفقتك حتى وأنت نائم ، وعند هبوط صرخة الخواطر ، انـزع نفسك من النوم وامسِك القلم واتبِع الأوامِر .

قال لي إبراهيم : ـ

ــ أذكر في زمان قديم كُنت أعرف سيدة أجنبية تعشق مثل هذه الخواطر ، وتجلس في حضرتها جلوس الطفولة أمام الجَّد حين يقُص من أحسن قصصه التي تُلهِب الخيال . كان قلمها يُطيع الخواطر المجنونة و ينقل الشِعر والنثر . يهبط ذهباً لامِعاً برياحه الشيطانية يلتهب بالتمرُد ، حتى عبثت تلك الخواطر بذهنها ، وأسرجتْ بُراق الأحلام وطافت الآفاق ، استعصى عليها العودة لعالمنا . كانت تلك مأساة مُجلجلة .كَتبتْ تلك السيدة أسفاراً تُـذهل العقول . ترمي الأحجار في البِرك النائمة ، وتلون أقصان الخيال بألوان الدنيا الساحِرة . إياك يا عبد الله أن تستجيب لتلك الخواطر فتتملكك وتُبعدك عن القريب والحبيب . استجِب قدر المُستطاع ، ولا تُسلس لها قيادك كل الوقت . إنها تضرِم نارها حزاماً حولك حتى يستعصِي علينا أن نُعيدك لدنيانا . أنت تعرف الشاعِر إدريس محمد جمّاع ، فعند تآلفه مع تلك الخواطِر سرقت دَنياه ، وسرقته عنا . قبل غيبته الكُبرى نفث غُبار الشِعر ندياً حنيناً دافقاً ، واستغرقت نفسه محبة لا شواطئ لها . أمطرنا جمَّاع ترياقاً يُقينا شاطحات الخيال ، وغاب هو شهيد سِحرها .

ملمح ثانٍ :

قلت للروائي : عثمان حامد سليمان ذات تلفنة :

في كثير من الأحايين أصحو ثم أذهب لجهاز الحاسوب وأكتُب ، كأن خاطرٌ تملكني . أهو كما يُقال في الأثر : شيطان الكتابة أو ماردها ؟

قال عثمان :

نعلم جميعاً أن الذهن حين ننام لا ينام كله ، البعض يستريح والبعض الآخر يُعيد الترتيب . ذهنك وكل معارفك في مقابل الفكرة نهضت تمور في قدر خُرافي ، سمه أنت ما تُسمِه ، ففي آخر المطاف يولد نص من رحم صراع ضخم ، يقوم ذهنك في وعيه و لاوعيه بالتفكُر . لم يكن هنالك ماردٌ أو شيطان كتابة ، بل ذهن يُجدد نفسه ويقف في وجه الكون ويتفَكَّر .


كيف كانت واقعة كتابة النص ؟


لم يكُن في خاطري لمحة من ذكرى الشهيد الراحل الأستاذ محمود ، ولا هاتف ولا مُصادفة تُذكرنا به ، بل ولم أكُ من تلامذة الأستاذ ولم أكن من مريديه . كان فكره والندوات التي تنشأ زمان حياته بثاً يتعين للناظر للمُجددين في الرؤى أن يتلمس خطوه ويرقب كيف يمكن أن ينتصر الإبداع في رؤى الأديان على مدراس الإتباع الراكدة في ماءٍ آسن .

في يومٍ غريب الملامح نمت عصراً من بعد يوم عمل . كنتُ حينها في الغرفة وحدي . وتجمعت الرؤى في حلمي كأنها ضجة كبرى تصرخ في سمائي . صحوت صحو من يمتلئ صدره بهواء ساخن آن له أن يُخرجه فخرج . جلست إلى جهاز الحاسوب وحدي . لا صوت من حولي يُكسر انسياب الخواطر ولا شريك يدلُف فجأة يُذيب الأحلام . أغلقت الباب وكتبت الحُلم كما هبط في خاطري فكان :

( محمود محمد طه في رؤى الأحلام )

أصدقكم القول :
كأن يداي ليست بيداي وهي تكتُب ، كأن يدٌ أخرى تكتُب . تلبثتني خواطر كأنها تُملي عليَّ ما أكتُب . الصفاء غير الصفاء . السكون من حولي مساحة من فراغ كوني تجسد . لو شغلني في ذاك الميعاد شاغل أو همٌّ من هموم الركض الذي يُكسر لحظات الصفاء لما خرج النص بتلك الكثافة ، بل لغشته سُموم صحارى الكتابة التقريرية التي لا أُحب .

ونسكُت عن الكلام المُباح

عبدالله الشقليني
25/03/ 2007 م





Post: #200
Title: ويبدو انك-يا ياسر- لم تلحظ تنبيه الاستاذ الى خلطه بين الحضارة والمدنية
Author: osama elkhawad
Date: 03-26-2007, 01:25 AM
Parent: #199

عزيزي ياسر :
سلام
هذه اطلالة سريعة فقط ،
الى حين عودتي لمشاغل ضاغطة بشكل موسع.
قلت:
Quote: هذا التعريف الجديد يكفي في مرة واحدة وفي أهم كتاب "الرسالة الثانية


أولا :

كلامي لم يكن عن اعادة التعريف للفرق بين الحضارة والمدنية في "الرسالة الثانية"،
و لكن أعني ان الاستاذ بعد ذلك لم يشر الى هذا التفريق الا في مرة واحدة.

وللاسف ،
أنه بعد تلك الاشارة اللماحة ،
عاد الى خلطه بين الحضارة و المدنية.
وساعود لاثبات ذلك ،
ويبدو انك لم تلحظ تنبيه الاستاذ الى خلطه بين الحضارة والمدنية،
و استدراكه،

ثانيا :
التعامل مع المصطلحات امر مهم،لانه من انجازات البشرية في التعامل مع الفكر وتحديده ،و ليس امرا عارضا،كما اعتدنا من الذين يحتفرون الفكر المقعد ، في مفاهمية واستنتاجاته ،و انتقاداته.
لذا فالقول برسالة ثانية كبعث اسلامي ،يقتضي بالضرورة ضبطا للمصطلح.
أليس كذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وفي انتظار ردك
محبتي
المشاء

Post: #201
Title: مصطلح الرسالة الثانية مضبوط تماما..
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-26-2007, 07:56 AM
Parent: #200

سلامات يا أسامة..

Quote: كلامي لم يكن عن اعادة التعريف للفرق بين الحضارة والمدنية في "الرسالة الثانية"،
و لكن أعني ان الاستاذ بعد ذلك لم يشر الى هذا التفريق الا في مرة واحدة.


ما قاله الأستاذ عن التفريق "لدى الدقة" بين الحضارة والمدنية في كتاب الرسالة الثانية يكفي لأن كل دعوة الأستاذ محمود في الحقيقة قائمة على مسألة الرسالة الثانية وتوضيحها.. ثم ما هي المشكلة في أن الحديث عن التعريف الجديد لم يجيء في كتاب آخر إذا كان كتاب الرسالة الثانية يعاد طباعته وهو أكثر الكتب توزيعا وانتشاراً!!؟؟؟ لا أفهم ما تقوله بـ "مرة واحدة" فهل تستطيع أن تشرح لي ضرورة إعادة الكلام في كتاب آخر؟؟
في مرة سابقة قلت أن الأستاذ يكرر نفسه، والآن تقول أنه لم يشر إلى هذا التفريق إلا مرة واحدة..

Quote: أنه بعد تلك الاشارة اللماحة ،
عاد الى خلطه بين الحضارة و المدنية.
وساعود لاثبات ذلك ،
ويبدو انك لم تلحظ تنبيه الاستاذ الى خلطه بين الحضارة والمدنية،
و استدراكه،


أولا هي ليست إشارة وإنما شرح وتوضيح.. وقد بنى على ذلك كل الدعوة إلى نفخ الروح في المدنية الغربية [وأنا أستعمل الكلمة "المدنية" ولا أشعر بأي إشكال ولا خلط] لأن الموضوع ليس هو "مدنية" أو "حضارة" وإنما المهم هو الفكرة الإسلامية الجديدة..
مرة أخرى ليس هناك خلط.. ولم أفهم ما تقوله فيما تحته خط فأرجو أن توضح نفسك..


Quote: لذا فالقول برسالة ثانية كبعث اسلامي ،يقتضي بالضرورة ضبطا للمصطلح.
أليس كذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟




لم تستطع أن تبين لي كيف أن مصطلح "رسالة ثانية" غير مضبوط.. دعنا نحصر المسألة هنا..
المفهوم الأساسي الجديد هو "الرسالة الثانية" أو ما جاء في كتاب "الثورة الثقافية" الثورة الإسلامية الثانية.. والتعامل مع الفكرة الجمهورية يتحدد على أساس المفهوم ..

وشكرا..

ياسر

Post: #203
Title: مصطلحا الحضارة و المدنية مرتبكان
Author: osama elkhawad
Date: 03-27-2007, 04:57 AM
Parent: #201

عزيزي ياسر
يبدو انك لم تستوعب سؤالي جيدا.
قلت عزيزي:
Quote: لم تستطع أن تبين لي كيف أن مصطلح "رسالة ثانية" غير مضبوط.. دعنا نحصر المسألة هنا..
المفهوم الأساسي الجديد هو "الرسالة الثانية" أو ما جاء في كتاب "الثورة الثقافية" الثورة الإسلامية الثانية.. والتعامل مع الفكرة الجمهورية يتحدد على أساس المفهوم ..

لم أقل ان مصطلح الرسالةالثانية غير مضبوط،
و انما قلت ان التعامل مع مصطلحي الحضارة والمدنية ليس منضبطا.
وعندما تحدتث عن "المرة الاولى " لم اقصد تفريق الاستاذ بين "الحضارة " و "المدنية"،
وانما انه اشار مرة اخرى الى ذلك التفريق عندما احس ان القارئ سيرتبك.
لكنه بعد كل ذلك ،عاد الى خلطه القديم بين "الحضارة " و "المدنية".
ساعود لاثبات ذلك .
المهم كلامي حول ضبط المصطلح ،ليس متعلقا كما فهمت خطا ب"الرسالة الثانية"،
وانما كلامي ينصب حول ان الخطاب الذي يدعوالى رسالةثانية ينبغي ان يكون منضبطا في مصطلحاته،
حتى لا يتوه القارئ.
وهذا يعيدنا الى المسالة التي اثرناها قبل ذلك حول :

Quote: تحرير نصوص الاستاذ


زمني ضيق ،
و ساعود كان الله هون غدا،للمزيد من الاضاءات حول مصطلحي الحضارة والمدنية،
ومواصلة مقاربتي
محبتي
المشاء

Post: #202
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 03-27-2007, 04:53 AM
Parent: #1


الأستاذ اسامة الخواض
تحية طيبة
أراك لاتزال غارقا في حَجرة المصطلح من غير أدنى محاولة للولوج للمعنى المقصود من وراء التمييز الذي أراد الأستاذ محمود أن يشرحه .. والسبب في ذلك انك عندما تقرأ كتب الأستاذ محمود تجهد نفسك في تصيد الأخطاء والتناقضات فترمي بشباكك ثم هي لاتكاد تظفر الا بما تتمنى أن تجده حتى وأن لم يكن أصلا موجود (وألقاه فلا ألقى سوى وهمي وحاجاتي) .. فمثلا في مسألة الحضارة والمدنية فأن تفريق الأستاذ بينهما ليس تفريق لغوي أو مصطلحي بقدر ما هو تفريق قيمي وحتى في هذا فأن الأستاذ محمود ذكر أن الاختلاف بينهما هو اختلاف مقدار لا اختلاف نوع .. ويعني ذلك انك يمكن أن تقول أن المدنية هي الطرف اللطيف من الحضارة والحضارة هي الطرف الكثيف من المدنية (أي قاعدتها) وهذا ينسجم مع رؤية الأستاذ محمود التوحيدية لكل شيء .. والأستاذ محمود عندما يستخدم كلمة حضارة فهو يشير للتطور المادي التكنلوجي ولكنه عندما يستخدم كلمة مدنية فهو يشير للجانب الأخلاقي والقيمي .. وهو في هذا متسق تماما في استخداماته فعندما يتحدث عن "المدنية" الغربية فهو يعني الجانب الأخلاقي منها وقد نسب لها الفشل برغم اقراره وإشادته بجانب التطور المادي "الحضاري" منها .. فلا أدري ما هو وجه الإشكال هنا ..
دعنا نرى بعض النصوص التي تدعم هذه النقطة ابتداءا من التعريف الذي ميز فيه الأستاذ محمود بين الحضارة والمدنية .. فقد ورد في كتاب الرسالة الثانية قوله:
Quote: المدنية غير الحضارة ، وهما لا يختلفان اختلاف نوع ، وإنما يختلفان اختلاف مقدار .. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته .
ويمكن تعريف المدنية بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء ، والتزام هذه القيم في السلوك اليومي ، فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ، ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة . فهـو ذو قيـم وذو خلـق . وبعبارة موجزة ، فالرجل المتمدن هو الذي حقق حياة الفكر وحياة الشعور

وقال أيضا:
Quote: على هذا الفهم الدقيق ، فان المدنية الغربية الحاضرة ليست مدنية ، وإنما هي حضارة ، وهي ليست مدنية لأن موازين القيم فيها قد اختلت ، فتقدمت الوسيلة وتأخرت الغاية . ولقد ورد في (( رسالة الصلاة )) قولنا (( ان المدنية الغربية الآلية الحاضرة عملة ذات وجهين : وجه حسن مشرق الحسن ، ووجه دميم .. فأما وجهها الحسن فهو اقتدارها في ميدان الكشوف العلمية ، حيث أخذت تطوع القوى المادية لإخصاب الحياة البشرية ، وتستخدم الآلة لعون الإنسان : وأما وجهها الدميم ، فهو عجزها عن السعي الرشيد إلى تحقيق السلام ، وقد جعلها هذا العجز تعمل للحرب ، وتنفق على وسائل الدمار أضعاف ما تعمل للسلام ، وأضعاف ما تنفق على مرافق التعمير ..
فالوجه الدميم من المدنية الغربية الآلية الحاضرة هو فكرتها الاجتماعية ، وقصور هذه الفكرة عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة .. حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة ، وفي الحق أن العجز عن التوفيق بين هاتين الحاجتين :
حاجة الفرد ، وحاجة الجماعة ظل آفة التفكير الاجتماعي في جميع عصور الفكر البشري .
وهذا التوفيق هو ، إلى اليوم ، القمة التي بالقياس إليها يظهر العجز الفاضح ، في فلسفة الفـلاسفة ، وفكر المفكرين ، ويمكن القول بأن فضيلة الإسلام لا تظهر ، بصورة يقصر عنها تطاول كل متطاول ، إلا حين ترتفع المقارنة بينه وبين المذاهب الأخرى إلى هذه القمة الشماء .)) هذا ما قلناه في (( رسالة الصلاة )) يومئذ ، ونقول اليوم أن من آيات اختلال موازين القيم في هذه المدنية الغربية المادية ، أن الشيوعية الروسية أعطت اعتبارا للمجتمع ، وهو وسيلة ، فوق ما أعطت الفرد ، وهو غاية وان الاشتراكية فيها تقوم على حساب الحرية الجماعية ، وعلى حساب الحرية الفردية ، وليست الرأسمالية في الغرب بأحسن حالا ، في هذا الباب ، من الشيوعية الروسية .

فأنت هنا لابد تلاحظ ما يرمي اليه الأستاذ من التعريف ، فهو بالرغم من اثباته التفريق بين المدنية والحضارة فقد تحدث عن فشل "المدنية" الغربية ويعني بذلك الجانب اللطيف من حضارة الغرب وهو ما يتعلق بقيم العدالة الاجتماعية والسلام وهذا استخدام منسجم من التعريف المثبت في بداية الاقتباس .. فهو هنا وصفها بأنها مدنية ونفى عنها الصفة في نفس الوقت وذلك لتوكيد بعدها عن الجانب القيمي الأخلاقي .. وهنالك أمثلة أخرى من كتب أخرى تؤكد نفس المعنى:
Quote: إنني لا أشكو من الوضع الحاضر، ولا أرفض الحضارة الغربية ((التكنولوجية)) المادية.. بل، على العكس، فإني لأرحب بها، وأعتبرها مرحلة هامة جداً من مراحل تطور الفرد، والمجتمع البشري..

كتاب "تعلموا كيف تصلون"

Quote: وأصبحت منطقة العرب مسرحا لصراع حضاري جديد، هو الصراع بين الحضارة الغربية الآلية كما يمثلها اليهود، فيحسنون تمثيلها، كل الإحسان، وبين المدنية الإسلامية ((الروحية ـ المادية)) كما يمثلها العرب، فيسيئون تمثيلها، كل الإساءة..

كتاب "مشكلة الشرق الأوسط"
(لاحظ المقارنة هنا بين التطور التكنلوجي عند اليهو والفشل الأخلاقي عند العرب)

Quote: فشل المدنية الغربية
وهذه المدنية الغربية الآلية الحاضرة قد بلغت نهاية تطورها ، وقد فشلت فشلا نهائيا وظاهرا في أن تنظم حياة المجتمع البشري المعاصر ، وآية هذا الفشل أن مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يذق الاستقرار الذي ذاقه مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى ، حين كانت هذه المدنية الغربية لا تزال غنية بأفانين الحلول لمشاكل ذلك المجتمع ، فقد كان المنتصر في الحرب العالمية الأولى منتصرا في السلام أيضا ، وقد كان بذلك قادرا على تنظيم المجتمع العالمي يومئذ ، بصورة من الصور ، مهما يكن عيبها ، فقد كانت كافية لتحقيق نزع السلاح ، ولو إلى مدى ، والى حين ، وكانت كافية لتحقيـق لون من الاستقرار .

كتاب "الرسالة الثانية"
(لاحظ مرة أخرى فإن الحديث هنا عن فشل "المدنية" وهي الجانب الأخلاقي وليس عن فشل "الحضارة" - الجانب التكنلوجي ..)

Quote: وقد عمّق افلاس هذه المدنية، وعجزها، شعور البشرية المعاصرة بالحاجة الى بزوغ شمس مدنية جديدة، تلّقح الحضارة الغربية الآلية الحاضرة، وتنفخ فيها روحا جديدا به يتسق التناسق بين التقدم التكنولوجي، والتقدم الخلقي، وبذلك تصبح المدنية الغربية الحاضرة قادرة على التوفيق بين حاجة الفرد الى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة.

كتاب "مشكلة الشرق الأوسط"

Quote: فالتحدي الذي يواجه البشرية اليوم، من بيئتها الجديدة، يتطلب بزوغ شمس مدنية جديدة، تلقح الحضارة الغربية الآلية، الحاضرة، وتنفخ فيها روحا جديدا، يعطيها المقدرة على التوفيق بين حاجة الفرد الى الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة.. مدنية تضع حاجة الفرد هذه في مركز التنظيم، ثم تفرع تشريعها في الاشتراكية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على اعتبار يجعل المجتمع البشري الوالد الشرعي للفرد البشري الكامل.. وهو ذلك الفرد الذي تحقق له كمال حياة الفكر، وكمال حياة الشعور.. وما نريد ان نطيل هنا الحديث عن فشل المدنية الغربية فانا قد فصلنا ذلك في كتابنا "الرسالة الثانية من الاسلام".

كتاب "التحدى الذى يواجه العرب"

من كل هذه النصوص يتضح أن استخدام الأستاذ محمود لمصطلحي "مدنية" و "حضارة" هو استخدام شائع ومتسق مع الفكرة الأساسية التي طرحها عندما ميز بين التقدم المادي أو التكنلوجي "الحضارة" والتقدم القيمي الأخلاقي "المدنية" ..

عمر

Post: #204
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-27-2007, 09:52 AM
Parent: #1

سلام للجميع

أعتقد أن الإضافة التي كتبها الأخ عمر عبد الله قد أوضحت المسألة بصورة ممتازة.. يقول الأخ عمر:


Quote: فمثلا في مسألة الحضارة والمدنية فأن تفريق الأستاذ بينهما ليس تفريق لغوي أو مصطلحي بقدر ما هو تفريق قيمي وحتى في هذا فأن الأستاذ محمود ذكر أن الاختلاف بينهما هو اختلاف مقدار لا اختلاف نوع .. ويعني ذلك انك يمكن أن تقول أن المدنية هي الطرف اللطيف من الحضارة والحضارة هي الطرف الكثيف من المدنية (أي قاعدتها) وهذا ينسجم مع رؤية الأستاذ محمود التوحيدية لكل شيء .. والأستاذ محمود عندما يستخدم كلمة حضارة فهو يشير للتطور المادي التكنلوجي ولكنه عندما يستخدم كلمة مدنية فهو يشير للجانب الأخلاقي والقيمي .. وهو في هذا متسق تماما في استخداماته فعندما يتحدث عن "المدنية" الغربية فهو يعني الجانب الأخلاقي منها وقد نسب لها الفشل برغم اقراره وإشادته بجانب التطور المادي "الحضاري" منها .. فلا أدري ما هو وجه الإشكال هنا ..


كملة civlization باللغة الإنجليزية من قاموس Multilingual Dictionary الموجود بالشبكة يقابلها باللغة العربية:
تَحَضُّر , تَمَدُّن , حَضَارَة , مَدَنِيَّة , مَدِينِيَّة
القاموس يعطي كلمة civilization هذا الشرح باللغة الإنجليزية:
making or becoming civilized;state of being civilized or system , stage of , social development or civilized States collectively
ويعطي كلمة تَحَضُّر هذا الشرح باللغة الإنجليزية:
be or become citified , be or become a city dweller , be or become civilized , be or become urbanized , be or become an urbanite , live in an urban region

وفي اللغة العربية أيضا كلمة حضارة ومدنية "وتحضُّر وتمدُّن" هما عكس بداوة وبادية.. كلمة حضارة لم ترد في القرآن ولكن وردت مشتقات بادية مثل "بادون في الأعراب".. والقاموس المذكور يعطي كلمة "بادية" هذه الكلمات باللغة الإنجليزية
desert , steppe , semidesert , wilderness
وهي تقابل "بالترتيب : برِّية، شبه صحراء، فلاة، وصحراء

وكلمة حاضرة تعني عاصمة أو مدينة.. وكلمة مدينة تعني تجمُّع عمراني مسكون..
الحضارة والمدنية ارتبطتا في الماضي بالزراعة والاستقرار والكيانات المتوحدة تحت حكم معين [حضارة مصر، حضارات الهند، حضارات الصين، حضارات كوش، حضارات بابل والفرس والروم، ملوك بني إسرائيل، ملوك الحثيين والفلسطينيين، خلفاء بني أمية وبني العباس وحضارة الأندلس إلى سلاطين الأتراك، وحضارات أمريكا القديمة إلخ]
الحضارات أو المدنيات الحديثة ارتبطت بالزراعة والصناعة بعد الثورة الصناعية والتجارة العالمية مثل الحضارة الأوروبية والأمريكية واليابانية، وكلها يمكن إجمالها في "الحضارة الغربية" أو "المدنية الغربية الآلية الحاضرة".. هذا التعبير هو الذي جاء في كتاب "السفر الأول" وفي كتاب "قل هذه سبيلي" وفي كتاب "أسس دستور السودان".. التعامل مع عبارة ومفهوم "الحضارة الغربية" لم يتغير منذ أول كتاب ـ "السفر الأول" ـ وحتى آخر ما كتب الأستاذ ـ الديباجة.

فمثلا جاء في كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" فقرة يحسن بي أن أوردها لأنها تتحدث عن فشل المدنية الغربية الحاضرة [في زمن وجود الإتحاد السوفيتي] في التعامل مع المرأة تعاملا أخلاقيا يعلي من قيمة المرأة كإنسان، وهي متسقة كما ذكر عمر لأن التركيز هنا هو على القيمة لتأكيد فشلها كمدنية..


Quote: المسـاواة بين الرجـال والنساء..

يخطيء كثير من الناس فهم معنى المساواة بين الرجال والنساء، فيظنون أن المساواة تقوم على المقدرة المتساوية على قوة الاحتمال، وشدة الأسر، حتى إنك لتسمع بعض الناس في المركبات العامة ينهون بعض الشبان عن أن يتركوا مقاعدهم لبعض النساء، ممن لا يجدن مقاعد، فيظللن قائمات في المركبة.. ثم هم إنما يبررون هذا النهي بقولهم: ((لا تقوموا لهن فإنهن يطالبن بالمساواة مع الرجال)).. وهذا فهم خاطئ، خطأ أساسيا.. فإن المساواة، بين الرجال والنساء، ليست مساواة الميزان، والمسطرة.. وإنما هي مساواة القيمة.. ومعنى ذلك أن المرأة، في نفسـها، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطنة، ذات قيمة مساوية لقيمة الرجـل، في نفسه، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطن.. وهذه المساواة تقوم وإن وقع الاختلاف في الخصائص، النفسية، والعضوية، في بنية الرجال والنساء.. وهي تقـوم، وإن اختلفـت الوظيفة الاجتماعيـة، وميدان الخدمة للمجتمع، الذي يتحرك فيه الرجال والنساء..
إن النظرة المادية للأمور، هذه النظرة التي هي سمة المدنية الغربية الحاضرة، هي التي طوعت لهذا الخطأ المؤسف أن يتركز في أذهان الناس.. ذلك بأن قيمة الإنسان، في هذه المدنية المادية، هي قيمة ما ينتج من آلات الإنتاج، ومن أدوات الاستهلاك.. فعندما بدأت الرأسمالية تتبلور في الإقطاع، والصناعة، وفي الصناعة بشكل خاص، كان استغلال النساء، والصبيان، وسائر العمال، يجري بصورة بشعة.. فقد كانت ساعات العمل طويلة، وكانت الأجور زهيدة.. فلكأنما العامل إنما كان يعطى الأجر الذي يحفظ الحياة عليه، ويعطيه القدرة على مواصلة الانتـاج، من أجل صاحب المصنع، أو صاحب المزرعة.. ومن هذا المستوى بدأ الصراع، بين العمال والعاملات من جانب، وأصحاب العمل من الجانب الآخر.. وأخذت التنظيمات العمالية تظهر، وتنتظم، وتنضبط، وتناضل.. وأخذت المرأة، وهي مشمولة في هذا التنظيم، تتطلع إلى منافسة الرجل، وتطمح إلى المساواة معه في الأجر.. ومعلوم، ومقدر، أن شعار الإنتاج الطبيعي أن الأجر المتساوي لا يكون إلا للعمل المتساوي.. ومن ههنا، ومن وقت بعيد، بدأ مفهوم المساواة الخاطئ يجد طريقه إلى الأذهان.. ولم تغير الاشتراكية التي جاءت بالثورة السوفيتية في هذا المفهوم الخاطئ، بل مدت له، وعمقته.. ولا غرو، في ذلك!! فإن القاعدة المشتركة بين الرأسمالية والاشتراكية الماركسية إنما هي النظرة المادية.. واليوم فإنه، في الدول الاشتراكية، لا تعرف للمرأة كرامة إلا إن كانت مستقلة اقتصاديا.. وهذا يعني عندهم، أن تكون امرأة عاملة في ميادين الإنتاج التقليدية، وفي الحركة الشيوعية كلها تظهر حركة المرأة وكأنها قضية عمل، وإنتاج.. فاتجهت المرأة اتجاه الرجال حتى استرجلت، أو كادت.. ويحدثنا باحث اجتماعي، هو فرانك لوريمر، ان اشتغال نساء الاتحاد السوفيتي بالأعمال الشاقة قد تسبب في زيادة في الإجهاض، وزيادة في انخفاض الخصوبة في النساء.. وهذا عندنا أمر طبيعي ما دامت الدولة لا تدخل في تقييمها الاقتصادي عمل المرأة في المنزل.. فالمرأة السوية، التي تتجه إلى ممارسة وظيفتها الأساسية، في إنجاب الأطفال، وتكوين الأسر، ورعاية شئونها في بيـوت سعيدة، إنما تقوم بذلك على حساب راحتها، وصحتها.. ذلك بأن الدولة لا تعتبر هذا العمل إنتاجا يقاس إلى إنتاج أدوات الاستهلاك.. فهي مطلوب منها أساسا أن تؤدي ساعات عملها كما يؤديها زوجها، ثم إذا هما رجعا للمنزل، يكون من حظ زوجها أن يرتاح، ويكون من حظها هي أن تواصل العمل فيما يحتاج إليه منزلهما المشترك، من خدمة ضرورية، ومن عناية بالأطفال.. ومثل هذا الشقاء تكون له نتيجة نفسية واحدة، محتمة، هي الرغبة عن كثرة إنجاب الأطفال.. وهذا الميل النفسي يترك أثرا عضويا هو انخفاض الخصوبة..
إن الاشتراكية السليمة يجب أن تدخل قيماً جديدة في التقدير.. وتلك هي القيم التي تجعل المادة وسيلة الإنسان إلى الحرية، لا بديلا عن الحرية.. إذ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..
فإذا ما دخلت هذه النظرة التقييمية الجديدة فإن الإنسان سيكون سيد الآلة، وليس خادمها.. وستكون المرأة المنتجة، وفي القمة، هي المرأة التي تنجب الأطفال، وتعنى بهـم، كما ً، وكيـفاً.. وستكون هي أولى بالتكريم من العلماء، والفنيين الذين يعملون في إنتاج الطائرات، والصواريخ.. وهي، من ثم تستحـق من المجتمع المكافأة الأدبيـة، والماديـة التي بـها تتحقـق، وتتوكد، كرامتها..


أما هذا النص من "الديباجة" التي أكمل الأستاذ كتابتها في أكتوبر 1984 وقصد بها أن تكون ملحقة بكتاب "أسس دستور السودان" فهو يتحدث عن "الحضارة الغربية" لأن التركيز هنا على المنجزات التكنولوجية ثم إبراز الفشل في القيمة بعدم العدل في توزيع الثروة.. وأرجو ملاحظة ما وضعت لك تحته خطأ "هي حضارة، وليست مدنية" لأنه يرد على حجتك السابقة بأن الأستاذ لم يذكر هذا غير مرة واحدة وأنا لم أقم باستقصاء كل الكتب لكي أبحث عن موضع آخر ولا أستبعد وجوده، ولكن الأمر المهم هو القيمة كما قال عمر:
Quote:
"16"

الحضارة الغربية الحاضرة بشقيها - الاشتراكي والرأسمالي - إنما هي حضارة مادية – قيمة الإنسان فيها مهدرة، وقيمة الحطام مرتفعة‏.‏‏.‏ هي حضارة، و ليست مدنية‏.‏‏.‏ هي حضارة التكنولوجيا الهائلة، والآلات الرهيبة، ولكن الإنسان فيها ليس سيد الآلة ‏.‏‏.‏ لقد نمت التكنولوجيا الثروة بصورة خيالية، و لكن، لغياب القيمة، لم يكن هناك عدل في توزيع الثروة، وإنما انحصـرت في أيدي القلة، وأصبح الفقر نصيب الكثرة، فذهل الغني، بالغنى، عن إنسانيته، كما شُغل الفقير، بالفقر، عن إنسانيته، فانهزم الإنسان، في هذه الحضارة المادية، الآلية الهائلة، المذهلة‏.‏‏.‏ ‏


وشكرا

ياسر

Post: #205
Title: رؤية الأستاذ بخصوص وظيفة المرأة في البيت تتجاوز ما وصلت إليه الحداثة وما بعد الحداثة!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-27-2007, 10:23 PM
Parent: #204

الأخ العزيز أسامة،

تحية طيبة

في تقديري أن رؤية الأستاذ محمود في مسألة التعامل مع المرأة تعاملا يعلي من قيمتها كإنسان ويعتبر دورها كأم في المنزل وظيفة قائمة بذاتها من غير أن يحرمها من المشاركة في الوظائف الأخرى التي تبدع فيها مثل الطب والقانون والتعليم والمسرح والتمثيل وغير ذلك، هذه الرؤية لم تتوصل إليها لا حقبة الحداثة ولا حتى ما يسمونه بما بعد الحداثة.. وهذا المثال وحده كاف ليبرر القول في الفقرة التي نقلتها أنت من المقدمة التي كتبتها الأستاذة أسماء محمود والأستاذ النور حمد لمجلد "نحو مشروع مستقبلي للإسلام" الذي يحوي ثلاثة كتب رئيسية من كتب الأستاذ محمود.. وهي من الرؤى التي أرجو أن تضمن في الأنظمة الإقتصادية والإجتماعية في كل الدول.. ولا أعتقد أن ما ورد في تلك الفقرة يختلف مع القول الذي نقلته أنت أيضا من كتاب "قل هذه سبيلي"..


Quote: في تقديرنا أن رؤى الأستاذ محمود محمد طه،متجاوزة للتفكير الإسلامي السلفي بكل تشكلاته،كما هي متجاوزة أيضا، للأطر المعرفية لحقبة الحداثة الغربية الممتدة من عصر التنوير وحتى يومنا هذا.و هذا هو ما يعطي أفكاره أهمية خاصة،ففكره بالإضافة إلى كونه يمثل مخرجا جيدا، من أزمة التفكير الإسلامي المزمنة،بإزاء مفاهيم الحداثة،فهو أيضا فكر متجاوز لما أصطلح على تسميته بحقبتي "الحداثة" و "ما بعد الحداثة" الغربيتين.


وشكرا

ياسر

Post: #206
Title: وعلمتني من تأويل الأحاديث.. الرؤى..
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-29-2007, 10:34 AM
Parent: #1

عزيزي عبد الله الشقليني،

سلامي لك وللجميع..

في مداخلة لك في الصحفة الأولى من هذا البوست قلت:


Quote: حبيبناالأستاذ ياسر الشريف .
تحية واحتراما

يوم لن يُنسى . صحوت من النوم عصرا .
نداء من الحُلم لست أدري من أين .
من فراغات في الذاكرة نهض الحُلم جلياً ناصعاً . التبستني روح بهية .
هبطت إلى ذاكرتي تطلُبني أن أكتُب حُلمي .
لم أُدر نقاشاً أو أقرأ كتاباً أو أُفرد صحيفة تتحدث عنه .
كأن روائح هبطت تُعطرني . وجدتُ نفسي كمن هبط عليه روح قُدس .
نفسي غير التي عهدتها . جسدي غير الذي عهدت .
كأن غُبار الذاكرة ينجلي ، وظهرت صورته البهية ناطقة .
تراها العينُ ويُعشيها الضوء . الجمعة العظيمة هي الجُمعة العظيمة ،
بين الأولى والثانية ما يقارب الألفي عام .


كتب الأستاذ محمود في إهداء كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري":

Quote: إلى الذي ظلت البشرية ..
تنتظره
وتترقب ظهوره ..
إلى الإنسان!!
ثم .. إلى الرجال والنسوان
هل تحلمون به؟؟
إنه فيكم!!
يظهره القرآن ..


واحد من معاني هذا القول أن الإنسان في داخل كل واحد منا.. والرؤية باب من أبواب المعرفة والأحلام مصنوعة من نفس المادة التي صنع منها القرآن، وهذا ما كتبه الأستاذ محمود في خطاب إلى الدكتور توريز بوديت مدير عام هيئة اليونسكو عام 1953 ونشر في صحيفة يومها ثم نشر فيما بعد في كتاب "رسائل ومقالات الأول" ويمكن قراءة الخطاب كاملا في هذه الوصلة:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=26&chapter_id=8
ما يهمني هو الفقرة التي تتحدث عن القرآن والمادة التي صنعت منها الأحلام وقصة النفس البشرية:


Quote: القرآن للجميع

ولكن أين نجد الصورة الصحيحة، عن أصل الحياة، وأصل الوجود؟؟ ذلك ما من أجله أكتب إليك.. إنك، لا بد، قد سمعت بالقرآن، وما يقال عنه من أنه كتاب المسلمين، وهذا غير الحق، فإن القرآن كتاب الإنسانية جمعاء، لأنه سيرة الحياة جمعاء.. هذا الكتاب هو قصة النفس البشرية الخالدة في الجوهر، المتقلبة في الصور المختلفة، في الأزمنة المختلفة، والأمكنة المختلفة.. فلم يمر عليها زمان قط، لم تكن فيه في مكان ما، تبحث عن الخلود.. تريد أن تكون خالدة في الصور، كما هي خالدة في الجوهر..
هذه القصة الطويلة هي قصتي، وقصتك، وقصة كل فرد بشري، ولكنا جميعا نسيناها.. ومعنى أننا نسيناها أنها رسبت في العقل الباطن، ثم غطت عليها طبقة كثيفة من الأوهام، والمخاوف، التي ورثناها من عهود الجهل، والخرافات.. وليس لنا إلى السعادة من سبيل إلا بكسر هذه القشرة الكثيفة التي أحكمت سبكها، وافتنت في حياكتها، يد الخرافات، والأوهام، والمخاوف، التي حجبت صور العقل الباطن، من أن تنعكس على صفحة العقل الواعي، فتستجلي، بانعكاساتها، الحقيقة الكبرى – حقيقة الحقائق المحجبة بستائر الأنوار..
وهذه القصة الطويلة التي نبتت في العقل الباطن مصنوعة من نفس المادة التي صنعت منها الأحلام.. ومن نفس المادة صنع القرآن.. وهو لم يصنع إلا ليذكرنا القصة – القصة العجيبة التي هي دورة كاملة من دورات الوجود، من تذكرها علم العلم الذي لا جهل بعده، وخلد الخلود الذي لا فناء بعده..
إن وظيفة التعليم لا تتعدى تذكيرنا بهذه القصة، البتة.. ولذلك فالتعليم، في حقيقته، مجهود فردي، يقوم به كل رجل، وكل إمرأة، لتحرير المواهب الطبيعية – العقل، والقلب – من الأوهام التي تحول بينه وبين الحياة السعيدة – حياة الفكر، وحياة الشعور.. ولا يتعدى واجب الحكومة تنظيم الحياة الخارجية، على شكل يمكن الفرد، من رجل، وإمرأة، من أن يجد فيه أقل عدد من الصعاب، وأكبر قدر من التشجيع، في سبيل جهوده الفردية، في نيل الحرية – حرية العقل، والقلب.. فإذا كان ذلك حقا، فقد وصلنا إلى الدستور العالمي.. ونستطيع أن نقول عنه: أنه هو الدستور الذي يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة..
إن الفرد هو مدار الوجود.. وكل شيء مسخر له، بما في ذلك النظام الإجتماعي.. فما ينبغي أن يؤخذ من حريته إلا بالقدر الضروري لصيانة النظام، الذي، بدونه، لا يتيسر للفرد الجو الملائم لتحرير مواهبه.. هذا ما عن لي أن أقوله، لك وللإنسانية جمعاء، وهو قول أريد ان أقدم به إلى الإنسانية الكتاب – كتاب الخلود – القرآن..


قلت بعاليه أن الرؤية باب من أبواب المعرفة.. والنبي عليه الصلاة والسلام قال: الرؤية الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة.. جاء في السيرة أن أمر النبي بدأ قبل الوحي بالرؤى الصادقة، فكان يرى الرؤية وتأتي كفلق الصبح.. طبعا هناك رؤى واضحة وهناك رؤى رمزية تحتاج إلى تأويل، ومسألة تأويل الرؤى هو أيضا باب من أبواب المعرفة؛ وسيدنا إبراهيم قال لإبنه ما حكاه القرآن بأنه قد رأى في المنام أنه يذبحه فاعتبر أن ذلك أمر من ربه: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ".. ثم جاءت قصة سيدنا يوسف وأول رؤية قالها لأبيه يعقوب: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".. ثم قصة "صاحبي السجن": "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ" والقرآن يحكي كيف أن سيدنا يوسف نبَّأهما بتأويل رؤيتيهما: "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ" وكانت هذه القصة سببا في تأويله لرؤيا ملك مصر التي بسببها أخرجه من السجن وجعله على "خزائن الأرض" في مصر؛ وتمضي القصة إلى أن يجيء إخوته وأبويه وكل أهله من البدو إلى كنف الحضارة المصرية:

"فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"

في تقديري المتواضع أن عظمة الأستاذ محمود لا تتجلَّى في فكره ومواقفه فحسب، بل أهم من ذلك في أنه قد علَّمَ أن بإمكان كل إنسان أن يكتشف نفسه ويحقق السلام معها ويسعد بحياة الفكر والشعور عن طريق المنهاج النبوي الذي يصفِّي العقول والقلوب ويورث المعرفة بحسب ما جاء في القرآن:"واتقوا الله ويعلمكم الله"، وما جاء في الحديث: "من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم"؛ من هذه المعرفة التي تورثها التقوى معرفة التأويل؛ تأويل الأحاديث ومنها كلام الله في القرآن وحديث الرؤى في الأحلام.. ولننظر معا إلى ما جاء في كتاب الأستاذ محمود: "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" في فصل "أسماء الله" من حديث عن التأويل

..:


Quote: وعن موسى في أمر الله له: (فاخلع نعليك .. إنك بالوادي المقدس طوى)، أنت تقول: (إن المقصود بالنعلين هما النفس والجسد .. هوى النفس وملذات الجسد .. فلا لقاء بالله إلا بعد أن يخلع الإنسان النعلين: نفسه وجسده بالموت أو بالزهد. والله يصورهما كنعلين لأنهما القدمان اللتان تخوض بهما الروح في عالم المادة وعن طريقهما نزلت من سماواتها إلى الأرض. ولهذا يبادر المتصوف بأن يخلع النعلين ليخطو أول خطوة في الوادي المقدس) .. هذا قولك في صفحة 135: ما من شك أن للصوفية تأويلات تختلف في أمر النعلين، ولكن أنضج التأويلات ما يتمشى مع واقع حال موسى يومئذ .. ذلك أنه بعد أن قضى الأجل لشعيب، وهو عشر سنوات، أنفقها في رعي غنم شعيب، وقضاء حوائجه المختلفة، وقد كانت بمثابة مهر لزواجه من إحدى بنتي شعيب، سار بأهله قاصدا مصر .. فلما كان في بعض طريقه، في سيناء، وكان ظلام ليلته تلك شديدا، وبردها قارسا، وكان قد ضل طريقه، آنس نارا من جانب الطور .. فترك أهله، ويمم شطر النار .. وقد قص علينا القرآن من خبره، فقال (وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا، فقال لأهله: امكثوا!! إني آنست نارا، لعلي آتيكم منها بقبس، أو أجد على النار هدى * فلما أتاها نودي: ياموسى!! * إني أنا ربك .. فاخلع نعليك .. إنك بالوادي المقدس: طوى * وأنا اخترتك .. فاستمع لما يوحى) .. فالنعلان هنا، هما نفسه وزوجته .. فقد كان، في المكان الأول، مشغولا بزوجته، إذ تركها في الظلام الدامس .. وكان البرد عليها شديدا .. فلما أتى النار، وسمع الخطاب، إنزعج، وخاف، وانشغل بنفسه .. فخوطب: أن أترك همك بنفسك، وهمك بزوجك، وفرغ بالك منهما، جميعا: (أخلع نعليك) .. و(استمع لما يوحى) .. فكأنه أعد لاستماع الوحي، بتفريغ باله، وبجمعية نفسه .. فإنه قد كان باله مشغولا بزوجه، وبنفسه، موزعا بالخوف بينهما .. وفي إشارات الصوفية من القرآن يجيء معنى النعلين: الدنيا والآخرة .. وتفريغ البال من الدنيا معلوم، ولكن أمره دقيق فيما يخص الآخرة .. فقد روي أن أبا يزيد البسطامي قال: (الزهد عندي ليس بشئ .. فقد مكثت فيه ثلاثة أيام .. ففي اليوم الأول زهدت في الدنيا، وفي اليوم الثاني زهدت في الآخرة، وفي اليوم الثالث زهدت في كل ما سوى الله .. فقيل لي ما تريد؟؟ فقلت: أريد ألا أريد ..) .. يعني أن أترك الإرادة للمريد الحقيقي – أريد أن أسلم إرادتي لله، وأن أرضى بما يريده هو– وفي حكم ابن عطاء الله السكندري: (لا ترحل من كون إلى كون، فتكن كحمار الرحى، المكان الذي انتقل منه هو المكان الذي يصل إليه .. ولكن انتقل من الأكوان إلى المكون) .. أراد: لا يكن همك في الدنيا العمل لإحراز درجات الآخرة، فإنها كون أيضا، وعملك، بهذه الصورة، إن هو إلا انتقال من كون إلى كون .. فاترك الدنيا، والآخرة، وارتحل إلى رب الدنيا، والآخرة، جميعا .. وزوج الرجل هي نفسه، منبثقة عنه، خارجه .. فإذا قال الله تعالى: (سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم)، فإن جماع آيات الآفاق في المرأة .. وأقرب النساء، لكل رجل، هي زوجه .. وهي عنده، في التحليل الأخير، وزان الكون .. فإذا هيئ لتلقي الوحي بتفريغه من همه بزوجه، ومن همه بنفسه، فقد تهيأ .. وهو تهيؤ، لا يتم في مجلس واحد، كما قد يتبادر إلى ذهن القارئ للقرآن، وإنما بدأ في تلك الليلة، واستغرق وقتا طويلا .. فإنه، فيما يخص المعصوم، قد استغرق وقتا طويلا .. فأما في القرآن، فقد وردت وسيلته هكذا: (يأيها المزمل * قم الليل، إلا قليلا * نصفه، أو انقص منه قليلا * أو زد عليه، ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) .. وهو تهيؤ مسبوق بتهيؤ آخر، استغرق خمس عشرة سنة في غار حراء .. وقد أوجزه المعصوم في قوله (أدبني ربي فأحسن تأديبي، ثم قال: خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) .. (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) هذه حالة هي ثمرة القول الثقيل في حالة النبي (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) .. وهي ثمرة ما يوحى في حالة موسى: (فاستمع لما يوحى) .. وكانت تحتاج لإعداد وقد جرى هذا الإعداد في حالة نبينا، كما جرى في حالة موسى ..


من أراد أن يقرأ هذا الفصل عن الصوفية فعليه بالضغط في هذه الوصلة، ففيه حديث عن رؤية النبي عليه السلام في المنام ومسائل أخرى ممتعة مثل رؤية الله:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=25

والسلام..

ياسر



Post: #207
Title: Re: وعلمتني من تأويل الأحاديث.. الرؤى..
Author: osama elkhawad
Date: 03-30-2007, 09:00 AM
Parent: #206

معذرة على التاخير لاسباب خارجة عن الارادة.

مرحبا بعودة الاستاذ عمر هواري.
سبق لي الاشارةالى ضرورة توفير امكانية للبحث في خطاب الاستاذ وخطاب الجمهوريين من خلال الموقع.
ولقد سعدت بتحقيق تلك الامنية التي افادتني كثيرا،
وبالتاكيد ستفيد كل القراء والباحثين،وستوفر لهم كثيرا من الجهد و الزمن.
لكن لاحظت أن بعض نتائج البحث احيانا لا تتطابق مع المطلوب.
اي انها تعرض لك صفحة لا يوجد فيها تظليل ولا ننائج تتوافق مع المطلوب.
ارجو معالجة هذه المسألة ، مع خالص شكري وتقديري لمجهود الاستاذ :
عمر هواري
المقدر في تطوير موقع الفكرة.

ساعود غدا للتعليق على ما قال به الاستاذان عمر هواري و ياسر الشريف،
ومواصلة مداخلتي.
خالص شكرنا لكل المتابعات والمتابعين ،
وسيد الحوش الصغير ,
الشقليني وهو يغرف من فيض الرؤى،
في انتظار مساهمته.
المشاء

Post: #208
Title: حول مصطلحي الحضارة و المدنية
Author: osama elkhawad
Date: 03-30-2007, 11:18 PM
Parent: #207

نأتي للرد على الاستاذين ياسر الشريف وعمر عبد الله "هواري"،في ما يتعلق باستخدام الاستاذ لمصطلحي الحضارة والمدنية.

يقول ياسر الشريف ان الاستاذ استخدم المدنية والحضارة كمترادفات:

Quote: فالحضارة الفارسية والرومانية كانتا أيضا مدنيات بالمعنى المتعارف عليه في السابق حيث كانت الكلمتان مترادفتين لمعنى واحد تقريبا في اللغة العربية.. والحضارة الغربية هي أيضا مدنية واستعمال الأستاذ لهما كمترادفتين لا غبار عليه لأنهم بالفعل كذلك في المفهوم الشائع..


ويقول ايضا مؤكدا ترادف ا لحضارة والمدنية في خطاب الاستاذ:

Quote: الحضارات أو المدنيات الحديثة ارتبطت بالزراعة والصناعة بعد الثورة الصناعية والتجارة العالمية مثل الحضارة الأوروبية والأمريكية واليابانية، وكلها يمكن إجمالها في "الحضارة الغربية" أو "المدنية الغربية الآلية الحاضرة"..


يثبت ياسر ترادف المصطلحين في خطاب الاستاذ ،ثم يعود بعد ذلك لتبني راي الاستاذ عمر هواري الذي لا يقول بترادف المصطلحين ،وانما ان الحضارة هي الجانب المادي و المدنية هي الجانب الروحي او القيمي .

يقول عمر هواري:
Quote: والأستاذ محمود عندما يستخدم كلمة حضارة فهو يشير للتطور المادي التكنلوجي ولكنه عندما يستخدم كلمة مدنية فهو يشير للجانب الأخلاقي والقيمي.


و من الملاحظ في الاستشهادات التي اتى بها عمر هواري ان الاستاذ في الاستشهاد التالي يفهم الحضارة على انها الجانب المادي ،و المدنية هي الجانبان المادي والروحي معا.
تأمل هذا الاستشهاد:

Quote: ان الزمان قد استدار استدارة كاملة، وأصبحنا نعيش اليوم في فترة تؤرخ نهاية عهد وبداية عهد.. وأصبحت منطقة العرب مسرحا لصراع حضاري جديد، هو الصراع بين الحضارة الغربية الآلية كما يمثلها اليهود، فيحسنون تمثيلها، كل الإحسان، وبين المدنية الإسلامية ((الروحية ـ المادية)) كما يمثلها العرب، فيسيئون تمثيلها، كل الإساءة.. وستكون نتيجة هذا الصراع الحضاري، مولد المدنية الجديدة المرتقبة، إن شاء الله، ولكن على العرب ان يهبوا، وان ينهضوا، وان يحسنوا تمثيل المدنية الإسلامية في كفاءة، وكفاية، حتى يتم التزاوج والتلاحق.


وفي المثال التالي يهفم الاستاذ المدنية باعتبارها تمثل الجانب الروحي والجانب المادي معا.تأمل :

Quote: وهم لن ينتصروا الا اذا اقاموا أخلاقهم على لباب من الإسلام، ولباب من المدنية الغربية ـ مدنية الإسلام الروحية ـ المادية.. وهذا لا يتأتى، على الإطلاق، بالسير وراء الزعامات الحاضرة.. جمال عبد الناصر والقومية العربية ـ فيصل والتفكير الإسلامي، السلفي، المتخلف


بعد ان انتهى الاستاذ من التفريق بين الحضارة والمدنية ،عاد بعد اسطر معدودات ليتحدث عن المدنية الغربية الآلية الحاضرة،فكيف يمكن ان نتحدث عن مدنية غربية وهو اصلا قد نفى عنها "المدنية" وقال انها حضارة .فلكي يتسق الخطاب بعد ذلك التفريق بين المصطلحين ،كان ينبغي ان يتحدث عن "الحضارة الغربية الآلية" وليس عن "المدنية الغربية الآلية".
ويتمثل ذلك الارتباك المفهومي في المثال التالي.

بعد ان ذكر "المدنية الغربية" ،تذكر انه فرق بين الحضارة والمدنية،نافيا صفة المدنية عن الحداثة الغربية قبل قليل ،
فعاد الى الاستدراك بعد ان احس انه يربك القارئ:

Quote: ولا يجئ الحل إلا من تلقيح المدنية الغربية . أو قل ، إن أردت الدقة ، الحضارة الغربية - بروح جديد ، هو روح الإسلام ، وإنما رشح الإسلام لهذا المقام مقدرته على حل الإشكال القائم بين الفرد والجماعة ، وبين الفرد والكون ، وهو أمر أسلفنا في تفصيله القول.

ونواصل
المشاء

Post: #209
Title: ما هو الغائب في خطاب الاستاذ في ما يتعلق باستخدامه لمصطلحي "الحضارة و المدنية"؟؟؟
Author: osama elkhawad
Date: 03-31-2007, 08:05 AM
Parent: #208

في انتظار مداخلات المتناقشين حول استخدام الاستاذ لمصطلحي الحضارة والمدنية،
وبعدها في يوم الاثنين- كان الله هون،
سنعود للحديث عن "الغائب " في استخدامه للمصطلحين.
ارقدوا عافلية
المشاء

Post: #212
Title: Re: حول مصطلحي الحضارة و المدنية
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-01-2007, 01:11 PM
Parent: #208

عزيزي أسامة،

تحية لك وللجميع..


Quote: يقول ياسر الشريف ان الاستاذ استخدم المدنية والحضارة كمترادفات


الترادف الذي قلته ليس كما فهمت أنت هنا.. وسأحاول التوضيح أكثر فيما يلي من مداخلة..

قولك:


Quote: يثبت ياسر ترادف المصطلحين في خطاب الاستاذ ،ثم يعود بعد ذلك لتبني راي الاستاذ عمر هواري الذي لا يقول بترادف المصطلحين ،وانما ان الحضارة هي الجانب المادي و المدنية هي الجانب الروحي او القيمي

لا الأمر ليس إثبات ترادف للمصطلحين على إطلاق العبارة هكذا لأنني ربطت ذلك بمعنى الحضارة والمدنية في السابق ـ وفي الشائع.. أما في الحاضر فإنني أقول بالتفريق الدقيق يعني لدى الدقة.. والأخ عمر عمر لم يقل ما وضعت أنت تحته خطاً.. لقد قال:
Quote: والأستاذ محمود عندما يستخدم كلمة حضارة فهو يشير للتطور المادي التكنلوجي ولكنه عندما يستخدم كلمة مدنية فهو يشير للجانب الأخلاقي والقيمي

وأنا لم أفهم منه قولك بأنه يقصد أن الأستاذ يعتبر الحضارة هي الجانب المادي والمدنية هي الجانب الروحي.. المدنية هي الجمع بين المادة والروح، بين التقدم التكنولوجي وبين الأخلاق والعدل.. ولذلك فكلامك عن النصوص التي أوردها عمر صحيح:
Quote: و من الملاحظ في الاستشهادات التي اتى بها عمر هواري ان الاستاذ في الاستشهاد التالي يفهم الحضارة على انها الجانب المادي ،و المدنية هي الجانبان المادي والروحي معا.


قولك:
Quote: بعد ان انتهى الاستاذ من التفريق بين الحضارة والمدنية ،عاد بعد اسطر معدودات ليتحدث عن المدنية الغربية الآلية الحاضرة،فكيف يمكن ان نتحدث عن مدنية غربية وهو اصلا قد نفى عنها "المدنية" وقال انها حضارة .فلكي يتسق الخطاب بعد ذلك التفريق بين المصطلحين ،كان ينبغي ان يتحدث عن "الحضارة الغربية الآلية" وليس عن "المدنية الغربية الآلية".


كلمة "الآلية" دي هي جوهر الموضوع يا أسامة فأرجو أن تلاحظ ذلك.. وصف المدنية بالآلية يعني أنها لدى الدقة حضارة.. أنظر إلى هذه الآية التي ينفي الله سبحانه فيهاالعلم عن أكثر الناس ثم يثبته لهم:
"وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون".. فهو قد نفى عنهم العلم، ثم أثبته لهم وأردف وصف العلم بأنه "ظاهرا من الحياة الدنيا".. وكذلك الأمر في نفي "المدنية": هي ليست "مدنية" ولكنها "مدنية آلية".. أو قل بعبارة أوضح، نفى أنها "مدنية إنسانية" وأثبت أنها "مدنية آلية قيمة الحطام فيها مرتفعة وقيمة الإنسان فيها منحطة".. ولهذا فإن عبارة الأستاذ التالية صحيحة تماما وأرجو أن تلاحظ الخطوط التي وضعتها هنا:


Quote: ولا يجئ الحل إلا من تلقيح المدنية الغربية . أو قل ، إن أردت الدقة ، الحضارة الغربية - بروح جديد ، هو روح الإسلام ، وإنما رشح الإسلام لهذا المقام مقدرته على حل الإشكال القائم بين الفرد والجماعة ، وبين الفرد والكون ، وهو أمر أسلفنا في تفصيله القول.


إذن ليس هناك ارتباك.. فهو يقول "إن أردت الدقة".. ويقصد بذلك إصلاح الجانب القيمي الفاشل..

في موضع آخر يجيء وصف الأستاذ بطريقة أخرى هي استعماله لكلمتي "علمية" و "علمانية".. فهو يقول عن إشتراكية كارل ماركس بأنها علمانية وليست علمية.. نقرأ ذلك في الفقرة 15 من الديباجة وهي آخر كتابات الأستاذ..




Quote: "15"

يسمي كارل ماركس اشتراكيته: الاشتراكية العلمية ‏.‏‏.‏ في حين يسمي اشتراكية روبرت أوين: الاشتراكية المثالية‏.‏‏.‏ و الناس يتحدثون، في الوقت الحاضر، عن العلمية بتأثر كبير برأى كارل ماركس عن اشتراكيته، ولكنهم غير دقيقين في هذه التسمية ‏.‏‏.‏ اشتراكية ماركس علمانية، و ليست علمية ‏.‏‏.‏ وكذلك كل ما يتحدث عنه الناس الآن، إنما هو علماني، وليس علميا ‏.‏‏.‏ الفرق بين العلمية، والعلمانية، أن العلمانية علم ناقص ‏.‏‏.‏ وتجيء العبارة عنه في القرآن: ((وعد الله ، لا يخلف الله وعده، و لكن اكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون!!)) سماه، ونفي عنه، أنه علم ‏.‏‏.‏ قال ((لا يعلمون)) ثم قال ((يعلمون ظاهرا)) ‏.‏‏.‏ وهذا الظاهر إنما هو المادة كما تتبادر إلى حواسنا ‏.‏‏.‏ العلمانية تتعلق بالحياة الدنيا - الحياة السفلى - حياة الحيوان، وتغفل عن الحياة الأخرى ‏.‏‏.‏ الحياة العليا، وهي حياة الإنسان ‏.‏‏.‏ كارل ماركس ينكر الغيب، وينكر الحياة الأخرى، وتتعلق اشتراكيته بالسعي في الحياة الدنيا، وفي، ظاهرها، و من ثم فهو علماني، وليس عالما ‏.‏‏.‏ العالم هو الذي ينسق بين الحياة الدنيا، والحياة الأخرى، على غرار العبارة النبوية: ((الدنيا مطية الآخرة)) ‏.‏‏.‏ العالم ذكي، والعلماني شاطر‏.‏‏.‏ والفرق بين الذكي والشاطر أن الذكي يملك ميزان القيمة، ويقيم الوزن بالقسط ‏.‏‏.‏ والشاطر لا يملك هذا الميزان، فهو يخبط كحاطب ليل ‏.‏‏.‏ الذكي يعرف الوسائل والغايات، وينسق بينها، فلا يصرف، في سبيل الوسيلة، من الجهد، ما ينبغي أن يصرف في تحصيل الغاية ‏.‏‏.‏ والشاطر قد يفني حياته في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل، والغايات‏.‏‏.‏ الدنيا وسيلة الآخرة، فيجب أن تنظم بذكاء، وبعلمية لتتأدى إلى الغاية المرجوة منها‏.‏‏.‏ ولا يستطيع ذلك العلمانيون وإنما يستطيعه العلماء‏.‏‏.‏


وفي الفقرات 17 و 18 و 19 نجد المزيد من النصوص..

Quote: "17"

من الأمم الإسلامية أمم متقدمة، بمقاس الوقت الحاضر، فدخلت خلف طلائع الحضارة الغربية في هذا الطريق العلماني، وقطعت فيه شوطا، به اعتبرت متقدمة، في الوقت الحاضر‏.‏‏.‏ ومن الأمم الإسلامية أمم متخلفة، بمقاس الوقت الحاضر، فلم تصل حتى إلى مفترق الطريقين - الطريق العلمي والطريق العلماني - هي بذلك اعتبرت متخلفة ‏.‏‏.‏ أما نحن السودانيين، فإننا، بفضل الله علينا، نقف اليوم في مفترق الطريقين ‏.‏‏.‏ لقد دخل بعضنا في طريق الحضارة الغربية الحاضرة، تبعا لطلائـع هذه الحضارة، و لكنه لم يوغل، و لم يبعد عن مفترق الطريقين ‏.‏‏.‏ أما الشعب فانه بفضل الله علينا، وعلى الناس، يقف عند مفترق الطريقين، تماما، محتفظا بأصائل طبائعه التي قد قدها الله تعالى له من شريحة الدين‏.‏‏.‏ أما نحن الجمهوريين، فبفضل الله علينا، وعلى الناس، قد امتد بصرنا حتى رأينا قافلة البشرية الحاضرة، وهي تقف حائرة، عند نهاية طريق العلمانية المسدود، وأصبح واضحا عندنا، أن علينا لأن ندخل بشعبنا طريق العلمية حتى نكون للبشرية - قل للإنسانية - طليعة جديدة ‏.‏‏.‏ طريق العلمية طريق مفتوح على الإطلاق، وسير الإنسانية فيه سير سرمدي ‏.‏‏.‏ فهو يحقق فيه، كل حين، قدرا من إنسانيته، ومن كرامته، ومن عزه، ومن كماله‏.‏‏.‏ وليست لكمال الإنسان نهاية، لأن نهايته عند الله ((وأن إلى ربك المنتهى)) ولا منتهى لكمال الله تبارك و تعالى‏.‏



"18"

إن العلمية لا تستغني عن العلمانية، وإنما تضعها في موضعها، وهو موضع الوسيلة من الغاية، على غرار ((الدنيا مطية الآخرة)) ‏.‏‏.‏ فمن استغنى بالدنيا عن الآخرة، فقد ضل ضلالا بعيدا ‏.‏‏.‏ ومن حاول أن يطلب الآخرة بدون الدنيا فقد ضل ‏.‏‏.‏ والقصد القويم هو أن تأخذ من دنياك زاد الراكب، إلى أخراك ‏.‏‏.‏ هذا هو المقصود بقولنا إن العلمية لا تستغني عن العلمانية ‏.‏‏.‏ الحضارة العلمانية، المادية الآلية، الحاضرة، حضارة عملاقة، و لكنها بلا روح، فهي تحتاج إلى مدنية جديدة تنفخ فيها هذا الروح، وتوجهها الوجهة الجديدة، التي تجعلها مطية للإنسان بها يحقق إنسانيته، وكماله‏.‏‏.‏ وهذا ما علينا أن نقدمه نحن من الإسلام‏.‏‏.‏ إن الطريق العلمي الجديد الذي على الشعب السوداني أن يدخله منذ اليوم، هاديه كتاب الأجيال - القرآن - ودليله محمد، النبي الأمي، الذي جسد القرآن، في اللحم والدم ‏.‏‏.‏ فمعرفة الأكوان - العلمانية - ومعرفة الله - العلمية - يجب التنسيق بينهما بعلم، لان الأكوان إنما هي مطية الإنسان، في سيره إلى الله ‏.‏‏.‏ يقول تعالى: ((سنريهم آياتنا في الآفاق، و في أنفسهم، حتى يتبين لهم: أنه الحق‏.‏‏.‏ أو لم يكف بربك ، انه على كل شيء شهيد؟؟))‏.‏ ويقول: ((خلقت الأكوان للإنسان، وخلقت الإنسان لي))‏.‏ و هذا هو معنى قوله تعالي: ((ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن!!))‏.‏


"19"

علينا أن نُعَلِّم أنفسنا! وأن نعلِّم شعبنا، وأن نعيد تعليم المتعلمين منا، من جديد، فنخرجهم من الطريق العلماني، إلى الطريق العلمي‏.‏‏.‏ إن علينا لأن ننشئ التربية، والتعليم ‏.‏‏.‏ فأما التربية فببعث سنة النبي فينا معاشة ‏.‏‏.‏ وهي معنى "العدل": العدل بين العبد والرب، والعدل بين العبد ونفسه، والعدل بين العبد وأهله، والعدل بين العبد والناس، والعدل بين الناس‏.‏‏.‏ وهذا كله وارد في الكتب الجمهورية – "طريق محمد" و "أدب السالك في طريق محمد" و"الرسالة الثانية من الإسلام" و"رسالة الصلاة" و"تعلموا كيف تصلون" الخ، الخ ‏.‏‏.‏ وسيكون مجال التربية التعليم الرسمي، في المدارس، والمنابر الحرة، في كل ميادين القرى، المدن، ومنابر المساجد، ومنابر المدارس، والمعاهد، والجامعات، وكل مجاميع الشعب ‏.‏‏.‏ وأما التعليم الرسمي سيكون مجاله المدارس، والمعاهد، والجامعات، هو تعليم يقوم على العلم المادي التجريبي، حتى يتقن المواطن، والمواطنة، المقدرة على تصميم الآلة، وصنعها، واستعمالها، و صيانتها، لكي يكون نافعا لمجتمعه بتسخير العالم المادي لخدمته ‏.‏‏.‏ لقد قلنا إن العلم المادي، و العلم الروحي، قد اتفقا على وحدة الوجود، و ذلك يعني أن بيئتنا التي ظللنا نحاول التعرف عليها في الآماد السحيقة بوسيلة العلم المادي، والعلم الروحي، قد ظهرت لنا على حقيقتها، بفضل الله علينا، ثم بفضل هذين العلمين‏.‏‏.‏ إن علينا لأن نعيد توجيه برامج تعليمنا حتى يجد الفرد منا المقدرة على المواءمة بين حياته وبيئته هذه الجديدة، ولما كانت هذه البيئة الجديدة، إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي، كما سبق أن قررنا، أصبح على الحي أن يعلم مظهرها ومخبرها - خصائصها و كنهها - وهذا ما يوجب تعلم العلم المادي، التجريبي، والعلم الروحي، كليهما، لكي يتم تواؤم الحى مع بيئته هذه القديمة، الجديدة‏.‏‏.






Post: #210
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-31-2007, 09:34 AM
Parent: #1





إلى الأحباء جميعاً هنا
ألف سلام وألف تحية

هنا بالفعل دوحة القراء ، يستظل فيها من توهج بالفكر .
لكم الشكر الجزيل على هذا الثراء ، وذاك التداول
الرفيق للغة الاختلاف .


ثم نواصل ما بدأنا بشأن المصطلح ، وأثمن كثيراً ما تفضل به الأعزاء هُنا
من إعطاء المُصطلح حقه فهو من المفاتيح الهامة في نقل المفاهيم والقيم في كبسولة ،
ويتعين علينا جميعاً أن نُعيره الكثير من الاهتمام حتى يرتقي الحوار بيننا
ونرُد فضل المُحتفى به : أننا نبحث ما وسعنا في الفكر والتحديث الذي أتى به الأستاذ
. وبقدر الخلاف بيننا حول رؤاه أو التقارب معها ، فهو طريق مسيرنا ،
فالنظر الناقد هو الذي يرتقي بالحوار وبالفكرة .



الإحسان


الإحسان وفق مختصر تفسير الجلالين :

1/

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90

90 - (إن الله يأمر بالعدل) التوحيد أو الإنصاف (والإحسان) أداء الفرائض أو أن تعبد الله كأنك تراه كما في الحديث (وإيتاء) إعطاء (ذي القربى) القرابة خصه بالذكر اهتماما به (وينهى عن الفحشاء) الزنا (والمنكر) شرعا من الكفر والمعاصي (والبغي) الظلم للناس خصه بالذكر اهتماما كما بدأ بالفحشاء كذلك (يعظكم) بالأمر والنهي (لعلكم تذكرون) تتعظون فيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي المستدرك عن ابن مسعود وهذه آية في القرآن للخير والشر

2/


{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60
60 - (هل) ما (جزاء الإحسان) بالطاعة (إلا الإحسان) بالنعيم

3/

{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60
60 - (هل) ما (جزاء الإحسان) بالطاعة (إلا الإحسان) بالنعيم

الإحسان وفق تفسير ابن كثير :
ص 279


1/

{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60
التفسير :

أي ما لمن أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الآخرة ، كما قال الله تعالى
( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) يونس 26

وذكر في موضع من نفس الصفحة :

...عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلعم ) في{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } :
وقال ( هل تدرون ما قال ربكم ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال ( يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة ) . ولما كان في الذي ذكر نعماً عظيمة لا يقاومها عمل بل مجرد تفضل وامتنان .

2/

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
التفسير :

ص 584 :

قال سعيد بن قتادة : عن قول ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ )
الآية ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به ،
وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم ،
إلا نهى الله عنه و قدم فيه . وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها .

المشتقات في المعجم الوسيط :

أحسن : فعل ما هو حَسَن
حِسان : للمذكر والمؤنث
أحسَن : فعل ما هو حسَن
وفي التنـزيل العزيز :
( وصوركم فأحسن صوركم ) : أتقن صوركم
حَاسَنه : عامله بالحُسنى
تحسن : تجمل وتزيَّن
استحسنه : عدَّه حسناً
الأحسن : الأفضل
وفي التنـزيل العزيز : ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه )
وفي الحديث :
( إن أقربكم مني مجالسَ يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً )
الاستحسان : ) في الاصطلاح ) ترك القياس والأخذ بما هو أرفق .
الحَسَنُ : ( في مصطلح الحديث ) : ما عُرِفَ مُخرجُه واشتهر رجاله .
الحُسن : الجمال
الحُسنى : مؤنث الأحسن
الحُسَان : يقال رجُل حُسان : شديد الحُسن

الإحسان عند الأستاذ محمود
الملخص لمعنى لمصطلح ( الإحسان ) عند الأستاذ محمود :
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وهو الدرجة الثالثة من درجات السلم السباعي للفكر الإسلامي وفق رؤيا الأستاذ .

ونقطف هنا من سفر ( الرسالة الثانية من الإسلام ) ما ندُلل به على ذلك :


مقدمة الطبعة الثالثة

هذه مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب (( الرسالة الثانية من الإسلام)) وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت في يناير من عام 1967، الموافق لشهر رمضان المكرم من عام 1386.. ثم صدرت الطبعة الثانية منه في إبريل من عام 1968، يوافق المحرم من عام 1388.. وعند صدور هذه الطبعة صرفتنا صوارف العمل عن تصديرها بمقدمة خاصة بها..

الإسلام والإيمان


والناس، اليوم، لا يملكون القدرة على التمييز الدقيق بين الإسلام والإيمان، فهم يعتقدون أن الإيمان أكبر من الإسلام، وقد ورطهم في هذا الخطأ عجزهم عن الشعور بحالة الوقت، ذلك بأن الوقت الذي كان فيه هذا الفهم صحيحا قد انقضى، وأقبل وقت تطور فيه فهم الدين، وانتقل من مستوى الإيمان، إلى مستوى الإسلام.. الأمر فحواه كالآتي:
الإسلام فكر يرتقي السالك فيه درجات سلم سباعي، أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد.. ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية، اختلاف مقدار، فهو في الدرجة الأولية انقياد الظاهر فقط، وهو في الدرجة النهائية انقياد الظاهر والباطن معا.. وهو في الدرجة الأولية قول باللسان، وعمل بالجوارح، ولكنه في الدرجة النهائية انقياد، واستسلام، ورضا بالله في السر والعلانية.. وهو في الدرجة الأولية دون الإيمان، ولكنه في الدرجة النهائية أكبر من الإيمان.. وهذا ما لا يقوى العلماء الذين نعرفهم على تمييزه.. ولقد لبس على علماء الدين هذا الأمر حديث جبريل المعروف، الذي رواه عمر بن الخطاب، قال: (( بينا كنا جلوسا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فجلس إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام.. قال الإسلام أن تشهد ألا اله إلا الله، وان محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصوم الشهر، وأن تحج البيت، إذا استطعت إليه سبيلا.. قال صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه!! ثم قال فأخبرني عن الإيمان.. قال الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر، خيره وشره، واليوم الآخر.. قال صدقت.. ثم قال فأخبرني عن الإحسان.. فقال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. قال صدقت.. ثم قال: أخبرني متى الساعة؟؟ فقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل!! قال فأخبرني عن علاماتها.. قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة، العراة، رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.. قال صدقت.. ثم انصرف، فلبثنا مليا.. ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت الله، ورسوله، أعلم.. قال هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم!!)).. هذا الحديث لبس على علماء الدين الأمر فظنوا أن مراقي ديننا إنما هي الإسلام، والإيمان، والإحسان.. ولما كان واردا في القرآن قول الله تعالى عن الأعراب (( قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا: أسلمنا.. ولما يدخل الإيماني قلوبكم.)) فقد أصبح واضحا أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام.. وما علموا أن الأمر يحتاج إلى نظر..


ثم نواصل



Post: #211
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-31-2007, 08:46 PM
Parent: #1


الأحباء هُنا
تحية طيبة


رؤيتنا في المُصطلح

. لم يعُد المصطلح ترفاً ، إذ يشكو المُصطلح في اللغة العربية من أزمة تتعلق بضبط المُصطلح في معظم كتابات الباحثين . ويحتاج الأمر بعض الصبر حتى يعطى الاسترسال في الأمر أُكله آخر المطاف . من المُسلم به في طرائق المباحث أن يتم تعريف المُصطلح ،

دون الخلط بـ ( أو ) ، لأن ( أو ) هلامية فضفاضة ،
مثلاً لو قلنا :

وَلَد أو طفل

فإننا ساوينا بين مُصطلح ( وَلَد ) و مصطلح ( طفل )
وذاك تجاوزاً في تعريف الطفل ، وتجاوزاً أيضاً في تعريف الولد .
من هُنا ننبه وفق ما نرى أن المُصطلح لا ينفصل عن الفكرة ،
فهو ترميز يتعلق بتعريف فكرة في كبسولة يتفق عليها الجميع
و يتعين ضبط معانيها والاتفاق عليه دون خلط .

ثم نواصل


Post: #213
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عشة بت فاطنة
Date: 04-01-2007, 01:42 PM
Parent: #211

الاستاذ عيد الله شقليني ، شكرا لهذا البوست العالي ذو الرؤى الثاقبة
والمضمون العميق ، وطوبى لاستاذنا الصوفي محمود في عليائة وسظل فينا الى
الابد وخاب كيد الظالمين .

Post: #218
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-02-2007, 03:51 PM
Parent: #213

العزيزة الأستاذة / عشة بِت فاطنة
تحية لكِ وأنتِ بيننا .

لقد كان ولم يزل ( البوست ) عالي بعلو المُتداخلون بثرائهم قد اغتنى ،
وعمتُه رِفعة شأن وثِقل مَقُولة .
تنبهنا جميعاً أن الأستاذ / محمود محمد طه قامة في الفكر ، بدأ الأمر
إضاءة لذكرى ، ونما وبدت الساق والأفرُع وبانت الأغصان وتكورت الثمار .
بك وبفضل الكُتاب الأفاضل فتحنا نافذة لقراءة فكر الأستاذ وتبيُن ملامح رؤاه .
تجمع بيننا نفرٌ عزيز ، آخت بينهم رؤى يشتركون جميعاً منهاجها العام
ويفترقون في الخاص . ارتضى الجميع أن نفتح صفحات الخلاف بجدية
وبود وتقدير لرؤى بعضنا البعض ، وبالخطو بالمنطق لتبيان المواقع .

شكراً لكِ وشكراً للجميع .
ونواصل

Post: #214
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 04-01-2007, 08:09 PM
Parent: #1


الأخ أسامة
تحية طيبة لك ولصاحب البوست الأستاذ عبد الله الشقليني وللضيوف الكرام
بالإضافة لما ذكره دكتور ياسر هنا فالمتابع لتفاصيل دعوة الأستاذ محمود لا بد يعلم أنها دعوة تقوم على الجمع بين المادة والروح في إطار واحد وهو ما يميزها على الدعوات الصوفية الأخرى التي أهملت الجانب المادي وذلك كما في قولهم "الدنيا جيفة وخليناها لكلابها" فحديثه عن المدنية اذا ، سواءا كانت غربية أو اسلامية ، فهو لابد يعني هذا الجمع بين المادة والروح .. ولذلك تجد أن دعوة الأستاذ محمود لعودة الإسلام تقوم على الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية في نظام واحد .. والإشتراكية كما تعلم تقوم على تنمية الإنتاج وعدالة التوزيع وقد كرر الأستاذ محمود أن التطور التكنلوجي الحاضر جعل الدعوة لها ممكنة الآن بينما تعذر ذلك في الماضي حيث أن الإشتراكية بنت الآلة .. اذا فالمدنية التي يريدها الأستاذ محمود أساسها مادي ولكنها لا تفرط في القيم الأخلاقية كما فرطت المدنية الغربية الآلية الحاضرة فأضحت بذلك مدنية فاشلة حتى أنه ليصح أن يقال عنها أنها "حضارة" وليست "مدنية" "لدى الدقة" وذلك لاهتمامها فقط بالجانب المادي وتفريطها في الجانب الأخلاقي .. فوصف الأستاذ محمود لها بالمدنية ليس وصفا غير مشروط ولا يحتاج لتصحيح فقد أوضح الأستاذ في أكثر من موقع وأبان أنها مدنية آلية "فاشلة" نجحت في المجال المادي ولكنها فشلت في المجال الأخلاقي والروحي .. المسألة في غاية الوضوح والبساطة اللهم الا إذا أردنا أن نصبح مثل الفقهاء في تمسكنا بظاهر النصوص والانشغال بالقشور دون اللباب .. فهل نطمع في أن تناقش ، أخي اسامة ، جوهر دعوة الأستاذ محمود ، للمدنية المرتقبة التي تجمع بين الروح والمادة في أطار معرفي وتطبيقي موحد يختلف عن النظرية الغربية وعن التطبيق الغربي؟! أرجو ذلك كما أرجو أن تكون متابع لكتابات الأستاذ خالد الحاج في هذا الجانب ، في الخيط أدناه:
خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين مح...تعريف بأساسيات دعوته
عمر


Post: #215
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-02-2007, 00:09 AM
Parent: #214

عزيزي عمر
سلامات
شكرا لتعقيبك
ما تعتقد انه قشور في مقاربتي خطاب الاستاذ ،
هو بالنسبة لي بعض مما احاوله في ظروف صعبة ،
من بينها انعدام مقاربة نصية لخطاب الاستاذ.
فنحن نحاول الغوض ولو لمدى متواضع في خطاب الاستاذ ،
وهذا ما لم تحاوله الكثير من الكتابات التي إما اكتفت بتكفير الاستاذ ،او تمجيده.
فكلامي عن استخدام الاستاذ لمصطلحي "المدنية والحضارة" يهدف الى بحث الطريقة التي ينتج بها الاستاذ خطابه حول المصطلحين.
و كما لاحظت في ردي ،فان ما تقول به عن استخدام الاستاذ لمصطلحي الحضارة والمدينة،
مختلف عما قال به الاستاذ ياسر الشريف الذي تحدث عن ترادف بينما انت تتحدث عن ان هنالك وضوحا كاملا لا لبس فيه في انتاج خطاب الاستاذ للمصطلحين.
وحتى من كلامك الآتي الذي ورد في تعقيبك الاخير نكتشف مدى الربكة التي احدثها انتاج الاستاذ لذينك المصطلحين.
قلت عزيزي:
Quote: كما فرطت المدنية الغربية الآلية الحاضرة فأضحت بذلك مدنية فاشلة


كيف تتحدث عن مدنية بينما انك تقول ان الاستاذ يصف الحداثة الغربية بالحضارة وينفي عنها المدنية؟؟؟
وهذا من ضمن كلامك الاساسي الذي يخالف مفهوم الترادف عند الاستاذ ياسر.
فانت ترى ان الحضارة هي المستوى المادي و المدنية هي المستوى القيمي الاخلاقي في المجتمعات البشرية.
هذا هو الارتباك بعينه،المتولد من ارتباك انتاج الاستاذ للمصطلحين.

أفهم تماما عزيزي ان الاستاذ دعا مرارا ،وهذا جوهر دعوته،للمزج بين المادي والروحي،
لكن تبقى المسالة متمثلة في كيفية انتاج نص عن هذه الثنائية.
وهنالك اشكاليات اخرى متعلقة بالنموذج النظري للاستاذ في كيفية البعث.
وسنعود لذلك ،
بعد ان نكمل كلامنا حول ذينك المصطلحين،
وما هو الغائب في خطاب الاستاذ،
ولماذا حدث ذلك الارتباك المفهومي.

محبتي

و شكري لعشة بت فاطمة.

وفي انتظار الشقليني للمواصلة.

ارقدوا عافية
المشاء

Post: #216
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-02-2007, 11:54 AM
Parent: #215

سلامات يا عزيزي أسامة،
هذا قولك للأخ عمر:
Quote: و كما لاحظت في ردي ،فان ما تقول به عن استخدام الاستاذ لمصطلحي الحضارة والمدينة،
مختلف عما قال به الاستاذ ياسر الشريف الذي تحدث عن ترادف بينما انت تتحدث عن ان هنالك وضوحا كاملا لا لبس فيه في انتاج خطاب الاستاذ للمصطلحين.


أعيد ما قلته لك بعاليه بإضافة وتوضيح أكثر:
ما أقول به ليس إثبات أن الأستاذ محمود يستخدم المصطلحين بطريقة مترادفة.. ولكن الفهم الشائع للكلمتين فيما يخص الحضارات السابقة كان مترادفا [وقد أوضحت لك هذا من التعريفات]، والأستاذ ينظر إلى تلك الحضارات بنفس هذا الترادف، والتعريف الجديد لا يشمل المدنيات أو الحضارات السابقة.. مرة أخرى: الأستاذ محمود يستخدم كلمتي "حضارة" و "مدنية" فيما يخص الحاضر بالدقة التي عرَّف بها الكلمتين ويعتبر أن المدنية يجب أن تكون هي الجمع بين التقدم المادي والتقدم القيمي والأخلاقي [العدل والمساواة والسلام].. وعمر هواري كلامه واضح ولا يختلف من كلامي.. لاحظ قوله في مداخلته:

Quote: اذا فالمدنية التي يريدها الأستاذ محمود أساسها مادي ولكنها لا تفرط في القيم الأخلاقية كما فرطت المدنية الغربية الآلية الحاضرة فأضحت بذلك مدنية فاشلة حتى أنه ليصح أن يقال عنها أنها "حضارة" وليست "مدنية" "لدى الدقة" وذلك لاهتمامها فقط بالجانب المادي وتفريطها في الجانب الأخلاقي

وأنا لا أتفق مع قولك لعمر :
Quote: كيف تتحدث عن مدنية بينما انك تقول ان الاستاذ يصف الحداثة الغربية بالحضارة وينفي عنها المدنية؟؟؟

فهو قد ألحق كلمة المدنية بـ "الآلية الحاضرة".. [لا تنس هذا التوصيف].. ثم أنه قال "لدى الدقة" وهي نفس العبارة التي استخدمها الأستاذ محمود فيما نقلته أنت..



وشكرا..

ياسر



Post: #217
Title: الأستاذ محمود يوضح الفرق بين التفسير والتأويل...
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-02-2007, 01:04 PM
Parent: #1

سلامي للجميع..

في هذه المداخلة أريد أن أعرض إلى توضيح الأستاذ محمود للفرق بين التفسير والتأويل.. فهو يقول بأن التفسير هو قاعدة هرم المعنى والتأويل قمته.. وهذا [يا أسامة] يشبه قوله عن أن الحضارة قاعدة الهرم والمدنية قمته..
مسألة الحديث عن التأويل جاءت بتفصيل في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري".. وكان الدكتور مصطفى قد أسمى كتابه "محاولة لتفسير عصري للقرآن" ونشره في صباح الخير في حلقات، ولكن عندما طبع الكتاب أسماه "القرآن محاولة لفهم عصري".. وكانت مجلة الأضواء السودانية، في أثناء نشر تلك الحلقات، قد تقدمت بسؤال للأستاذ محمود عن: هل يملك الدكتور مصطفى محمود مؤهلات المفسر العصري للقرآن.. وقد نشرت إجابة الأستاذ بعدد السبت الموافق 4/4/1970، وكان نصها:



Quote: (مؤهلات المفسر العصري للقرآن تقوم على أمرين: أن يكون المفسر ملما إلماما صالحا بحاجة العصر، وأن يكون عالما علما وافيا، ودقيقا، بحقيقة القرآن ..
فأما حاجة هذا العصر فإلى الهداية .. فإن البشرية لم تكن يوما في التيه كما هي اليوم .. وسمة هذا العصر هي القلق، والحيرة، والاضطراب .. هذا عصر الثورات: الثورة الثقافية، والثورة الجنسية، وثورة الشباب، وكلها دليل على القلق، والحيرة، والاضطراب .. هذا عصر (الهيبيز) .. جماعات من الشباب، من الجنسين، يزيد عددهم كل يوم، ويستطير شرهم كل يوم، حتى لقد عم جميع الأقطار .. يقوم مجتمعهم على الرفض، فهم قد وجدوا مجتمع الحضارة الغربية، الآلية، مجتمع إنتاج واستهلاك، فقد الإنسان المعاصر فيه روحه، وقيمته، وحريته، واستحال إلى آلة تنتج وتستهلك، فرفضوه، ورفضوا معه كل عرف، ودين .. وفزعوا إلى صور من مجتمعات الغابة، فهم يلبسون المرقعات، ويسيرون حفاة، ويرسلون شعورهم، ويبيتون على الأرصفة، والطرقات، ويستبيحون بينهم من العلائق الجنسية ما ظلت البشرية على صيانته حريصة خلال تاريخها الطويل .. هم يبحثون عن حريتهم، وعن إنسانيتهم، وعن فرديتهم، فلا يكادون يجدون غير الضياع، وغير القلق، وغير الإضطراب .. فهل عند مصطفى محمود إدراك واسع لهذه الظاهرة، واهتمام بها، وسعي لإيجاد الهداية لها من القرآن بتفسيره العصري؟؟
ثم حقيقة القرآن .. ما هي؟؟ هي العلم المطلق .. وعندما تأذن الله أن يسرع الإنسان في معرفة المطلق نزله من الإطلاق إلى القيد، فكانت، في قمة القيد، الإشارة، وفي قاعدة القيد العبارة .. فأما العبارة فهي (الكلمة العربية) .. وأما الإشارة فهي (حرف الهجاء العربي) وأما حقيقة القرآن فهي فوق الإشارة، وفوق العبارة .. ولقد قال تعالى في ذلك: (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا، عربيا، لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب، لدينا، لعلي حكيم) فاما قوله: (حم) فإشارة .. وأما قوله: (والكتاب المبين) فعبارة .. وكذلك قوله: (إنا جعلناه قرآنا، عربيا، لعلكم تعقلون ..) فإنه عبارة تفيد العلة وراء تقييد المطلق .. وأما قوله: (وأنه، في أم الكتاب لدينا، لعليّ حكيم ..) فإنما هو عبارة، تفيد، بقدر طاقة العبارة، عن حقيقة القرآن .. وحقيقة القرآن لا تعرف عن طريق القراءة، وإنما تعرف عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم، عبادة وسلوكا، وهو ما سمي، في أخريات الأيام، (بالتصوف) ..
فهل عند مصطفى محمود قدم في التصوف؟؟ لا‍!! ولا كرامة‍!!
إن ما أسماه الدكتور مصطفى محمود تفسيرا عصريا للقرآن ليس بتفسير، على الإطلاق، وإنما هو خواطر .. ولو قد كان للدكتور الفاضل قدم في التصوف لمنعه الورع أن يخوض فيما خاض فيه من أمر الدين بهذه الخواطر الفطيرة .. ومهما يكن من الأمر، فإن البشرية اليوم لا تحتاج إلي تفسير القرآن، وإنما تحتاج إلي (تأويله) .. وليس ههنا مجال الخوض في هذا الأمر، وإنما موعدنا مع القراء الكرام كتاب، هو الآن تحت الإعداد، في الرد على محاولة الدكتور مصطفى محمود لما أسماه بتفسير عصري للقرآن ..


أما في متن الكتاب فقد جاء توضيح أكثر للمسألة:

Quote: التفسير والتأويل:

للقرآن تفسير، وله تأويل ..
وبين التفسير والتأويل إختلاف مقدار، لا اختلاف نوع .. فالتفسير قاعدة هرم المعاني، والتأويل قمته .. وتتفاوت المعاني، بين القاعدة والقمة، من صور الكثافة إلى صور اللطافة .. فلكأن التأويل هو الطرف اللطيف من التفسير ..
وقمة هرم المعاني عند الله، حيث لا عند، وفي ذلك قال تعالى: (عن القرآن بين القمة والقاعدة) (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا، لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب، لدينا، لعليّ حكيم) فإن كلمة (لدينا) هنا، ليست ظرف مكان، وإنما هي للتناهي، حيث ينتهي الزمان، والمكان، وذلك لدى عتبة الذات، التي لا يحويها الزمان، ولا المكان .. وبهذا المستوى فإن تأويل القرآن لا يعرفه، عند التناهي، إلا الله، وهذا معنى قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، ابتغاء الفتنه، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله .. والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا .. وما يذكر إلا أولو الألباب)
ولقد أخطأ قوم فظنوا أن التأويل، من حيث هو، لا يعرفه إلا الله .. وذلك لا يستقيم، لأن تنزلات القرآن، من لدن الذات، عديدة، وللعارفين فيها مواضع، ولا ينقطع حظهم من المعرفة إلا عند حضرة الذات .. فإنه، في حضرة الذات، مبلغ العلم الحيرة .. وفي الحيرة خير كثير .. لأن بها يعرف العقل قدر نفسه .. و (من عرف نفسه فقد عرف ربه) كما قال المعصوم .. وقد إعتصمت الذات العلية عن أن يعرفها أحد معرفة استقصاء، وإحاطة، لأنها قد تفردت بالوحدة المطلقة، فليست ذات تشابهها، فتعرفها، ولذلك فقد قيللا يعرف الله إلا الله) .. وإنما، من ههنا، جاء قوله تبارك، وتعالى: (قل لا يعلم، من في السموات والأرض، الغيب إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون * بل ادارك علمهم في الآخرة، بل هم في شك منها، بل هم منها عمون) .. فالغيب هنا، هو الله، في إطلاق ذاته، فإنه لا يعلمه أهل السموات من الملائكة المقربين، ولا أهل الأرض من علماء الجن والإنس .. بل استغرق علم هؤلاء علم الآخرة .. بل، حتى هذه، لم يستقصوها علما، ولم يحصوها يقينا .. قال تعالى: (بل ادارك علمهم في الآخرة) يعني اجتمع، ونفد، فلم يستقص، ولم يحط .. (بل هم في شك منها) لقصور علمهم بها .. (بل هم منها عمون) .. فتلك ثلاث درجات من العلم، كلها انحصرت في حضرات التنزلات، وانحسرت عن حضرة الذات .. وحضرات التنزلات كثيرة، لا تحصى، ولكنها جميعا تنضوي تحت ثلاث، فإن الذات العلية، تنزلت من إطلاقها، وصرافتها، إلى مرتبة الاسم – العلم – ثم إلى مرتبة الصفة – الإرادة – ثم إلى مرتبة الفعل – القدرة – .. ومن هذه الثلاث جاء خلق المخلوقات، فحضرة العلم أحاطت بالمخلوقات، وحضرة الإرادة خصصت الصورة الأولى، وحضرة القدرة أبرزتها إلى الوجود الأول، وفق تخصيص الإرادة، وإحاطة العلم، ثم باشرت إبراز تعاقب الصور في نسق حكيم، وتسلسل دقيق، تضبط منازله الإرادة الرشيدة، ويوجه خطوه العلم المحيط إلى سدة الذات العلية في علاها .. والسير إلى سدة الذات العلية، في علاها، إنما هو تطور من الكثافة، إلى اللطافة، أو قل من الجهل، إلى المعرفة .. وذلك هو مقصود الله حين قال، تعالى من قائل: (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون) وهو مقصود المعصوم حين قال: (تخلقوا بأخلاق الله .. إن ربي على سراط مستقيم) ..
وفي هذا التطور يقول تعالى: (يأيها الإنسان!! إنك كادح إلى ربك كدحا، فملاقيه) ولا تكون ملاقاة الإنسان ربه بقطع المسافات، وإنما هي بتقريب الصفات من الصفات – بتقريب صفات العبد، من صفات الرب – وذلك هو معنى الأمر بالتخلق بأخلاق الله ..



Quote: التأويل

قلنا في صدر حديثنا هذا : (للقرآن تفسير، وله تأويل .. وبين التفسير والتأويل اختلاف مقدار لا اختلاف نوع .. فالتفسير قاعدة هرم المعاني، والتأويل قمته .. وتتفاوت المعاني، بين القاعدة والقمة، من صور الكثافة، إلى صور اللطافة .. فلكأن التأويل هو الطرف اللطيف من التفسير) .. هذا ما قلناه في صدر هذا الحديث، ونقول الآن بعد أن عددنا مراتب تنزلات الذات، وهي عينها تنزلات القرآن أن التفسير يتناول القرآن فيما تعطي ظواهر الكلمات العربية .. وهذا حظ مشترك، أو يكاد يكون مشتركا بين العارفين .. ثم تتفاوت حظوظ العارفين من القرآن في التنزلات، من منزلة صفة الكلام، إلى منزلة صفة الحياة .. والصورة العامة لهذا التفاوت ما حكته الآية: (وفوق كل ذي علم عليم)، إلى أن ينتهي العلم إلى (علام الغيوب) في معنى الآية: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب، إلا الله) .. والتفاوت بين حظوظ العارفين من القرآن، إنما مجاله التأويل، وليس مجاله التفسير، على الإطلاق .. وكلما تسامت المعاني نحو القمة، كلما قل عدد العارفين، وكلما قصر تطاول المتطاولين .. ثم يسيرون في الندرة حتى ينقطعوا .. فإن المجال مجال سير، وترق غير متناه .. والغاية عند الله، حيث لا عند .. وذلك مضمار السير السرمدي، والترقي السرمدي، في الآن، وفي الأبد، وفيما بعد الأبد، من السرمد الذي يخرج عن الزمان، أو يكاد إلى من لا يحويه الزمان، ولا المكان ..
وعندما يتناهى القرآن إلى الذات، لا يعرفه عارف، ولن يعرفه .. وما يعرفه ههنا غير الله، لأنه (لا يعرف الله إلا الله) أو ، على غرار الآية السالفة،: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب، إلا الله) وهذا هو مستوى التأويل، الذي لا يعلمه إلا الله، ويؤمن به الراسخون في العلم .. ولقد أشرنا إلى خطأ أصحاب التفسير، حين ظنوا أن التأويل، من حيث هو، لا يعلمه إلا الله، وما ينبغي أن يخوض فيه العارفون .. ومثل هذا الخطأ، قد أنى له أن يصحح، لينفتح باب التأويل أمام العباد المجودين، فإن فيه حقائق القرآن .. والتأويل ليس هواجس نفس كثيرة الخطرات، وإنما هو واردات عقل تأدب بأدب الشريعة، ثم بأدب الحقيقة، حتى باشر حق اليقين .. والتفسير مشمول في التأويل، بمعنى أن كل تأويل يجب ألا يتجافى مع ظاهر النص، وكل ما هناك أن الكلمات تنتقل إلى دقيق المعاني، ولطيفها، بدل غليظها، وكثيفها ..
وإنما في مضمار التأويل، وفي أدنى منازله من التفسير، تجيء معرفة الحكمة، وراء النصوص، لأن النصوص، إنما هي وسيلة إلى غاية، وليست هي غاية في ذاتها .. وعلى النصوص تقوم قوانين التعامل، وتقوم قواعد الأخلاق .. والدين كله أخلاق، حتى لقد قال المعصوم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .. وقال: (حسن الخلق خلق الله الأعظم) .. وما القرآن إلا كتاب أخلاق .. والكلمة: (لا إله إلا الله) التي هي خير ما جاء به القرآن، إنما هي مطالبة بالتخلق بتوحيد القوى المودعة في البنية البشرية – العقل، والقلب، والجسد – ولقد قلنا مرارا أن التوحيد صفة الموحد (بكسر الحاء)، وليس هو صفة الموحد، وسيجيء ذكر ذلك عند الحديث في هذا الكتاب عن (لا إله إلا الله).
والقانون والأخلاق شيء واحد فليس الاختلاف بين القانون والأخلاق اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار .. فالقانون قاعدة الأخلاق .. والقانون يتطور من قاعدة كثيفة نحو قمة لطيفة، هذه القمة هي الأخلاق .. وكل قانون لا يتطور فهو ميت .. وكل قانون ، حين يتطور، إنما يتطور باستلهام قضايا كانت قبلا في منطقة الأخلاق ليجعلها ضمن قواعده هو، وهذا العمل لا يتم إلا حين نعرف نحن دقائق معاني النصوص، ونعرف تأويل الظاهر .. وأصل التأويل هو تفسير ما يؤول إليه الشيء، أي ما يرجع إليه الشيء .. وقول الله تعالى: (وأوفوا الكيل، إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير، وأحسن تأويلا) يعني أحسن عاقبة، ومآلا، ومرجعا .. ولما كانت عاقبة الأمور جميعها إلى الله، أصبح التأويل هو معرفة الله في تنزلاته في مراتب القرب من العباد ليعرفوه، حتى إذا انتهى الأمر في عروجه إلى الذات انبهمت السبل، وظهر العجز، ووقعت الحيرة، وجاء معنى قوله تعالى: (ولا يعلم تأويله إلا الله) ..
وبمعرفتنا للتأويل نطور القاعدة، وهي الشريعة، ونطور القمة، وهي الأخلاق، ويرتقي بذلك مستوى الجماعة، ويرتقي مستوى الأفراد .. والسير إنما هو سير من المحدود إلى الإطلاق .. وليس في مثل هذا السير مجال للتوقف عن الترقي في الأطوار .. والقاعدة المثلى هي قوله، تبارك، وتعالى، عن نفسه (كل يوم هو في شأن) .. وهذه في حق العبد أن يكون في كل لحظة جديدة، جديدا في فكره، جديدا في شعوره ..

الأصول والفروع

ومن معرفة التأويل تجيء معرفة أصول القرآن، وفروعه، من الآيات المكية، والآيات المدنية، وكيف أن آيات الأصول هي المقصودة بالأصالة، وآيات الفروع هي المقصودة بالحوالة .. ومعنى هذا أن الناس، لما لم يستطيعوا التكليف في مستوى الأصول نزل بهم إلى مستوى ما يستطيعون، فكانت آيات الفروع .. وآيات الأصول هي الآيات المكية، وآيات الفروع هي الآيات المدنية .. ولقد اعتبرت آيات الأصول يومئذ منسوخة .. واعتبرت آيات الفروع صاحبة الوقت .. وما نسخ آيات الأصول، يومئذ، إلا إرجاء لها ليوم يجيء فيه وقتها، وذلك حين تستعد البشرية لتطبيقها .. ولقد تحدثنا عن كل أولئك بتفصيل واف في كتابنا (الرسالة الثانية من الإسلام) .. فليراجع في موضعه .. فإن فيه يظهر ما أردنا، حين قلنا في مجلة الأضواء في الرد على سؤالها عن مؤهلات الدكتور مصطفى محمود، إن البشرية اليوم لا تحتاج إلى تفسير جديد للقرآن، وإنما تحتاج إلى التأويل .. هذا ولنا إلى (القرآن بين التفسير والتأويل) عودة إن شاء الله، كما وعدنا آنفا ..

Post: #219
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-06-2007, 06:10 AM
Parent: #1


قلنا ان هنالك ارتباكا مفهوميا في خطاب الاستاذ في ما يتعلق بمصطلحي الحضارة والمدنية.
ولعل الغائب في فهم ذلك ان الاستاذ لم يكتب معادل ذينك المصطلحين في اللغة الانجليزية مثلا.
ذلك ان هنالك ترجمتين لمصطلح Civilization وهما الحضارة والمدنية .وكان يمكن للاستاذ ان يستخدم مصطلح الثقافة للاشارة الى الجانب الروحي مثلا ثم يستخدم مصطلح المدنية او الحضارة باعتباره يمثل جماع الجانبين الروحي والمادي.
لكنه استخدم مصطلح الثقافة Culture باعتباره مرادفا للمدنية اي الاخلاق .يقول الاستاذ حول مصطلح الثقافة في كتابه:
الثورة الثقافية

Quote: جاء في "المنجد" في اللغة قوله (ثقف الرمح: قومه ، وسواه .. . و ثقف الولد فتثقف: هذبه ، و علمه ، فتهذب و علم .. فهو مثقف ، و هي مثقفة .. و هذا مستعار من ثقف الرمح .. و الثقاف آلة تثقف بها الرماح ) قال شاعرهم: ـ
إنا إذا عض الثـقــا*ف برأس صعدتنا لوينا
نحمي حقيقتنا و بعض*الناس يسـقط بيـن بينا
و الصعدة هي قناة الرمح .. فإذا قطعت من شجرتها و بها إعوجاج ثقفت بالثقاف ، لتكون مستوية ، و مستقيمة .. فإذا إستوت ، و إستقامت فهي قناة مثقفة .. و أراد الشاعر بقوله:
إنا إذا عض الثقـاف برأس صعدتنا لوينا
إنه هو وقومه شديدو المراس ، لا يلينون لتقويم المقومين ، لأن في خلقهم ، وعورة ، وإباء .. و أبان هذا حين قال:
نحمي حقيقتنا وبعض * الناس يسقط بين بينا
فكلمة "الثقافة" في اللغة العربية كلمة طيبة جداً ، ذلك بأنها تشير إلى التقويم ، و التهذيب .. و هذا أمر يشير إلى الأخلاق .. فلكأن "الثقافة" في اللغة العربية هي "الثقافة" في الدين الإسلامي ، "التقويم" و "التهذيب" ، فإنه ، في الإسلام ، قد قال المعصوم: "الدين المعاملة" و قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .. و مكارم الأخلاق هي: حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة .. و الحرية الفردية المطلقة هي حظ الرجل ، ذي الفكر الثائر .. الرجل الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ، و يعمل كما يقول .. ثم يتحمل مسئولية قوله و عمله ، و فق قانون دستوري .. و قد أسلفنا تعريف القانون الدستوري .. و حسن التصرف في الحرية ، إذا كانت في قاعدتها ـ الحرية المقيدة بالقانون ـ أو في قمتها ـ الحرية المقيدة بالأخلاق ـ لا يتأتى إلا إذا تهذب الداخل ، و استقام ، فسلم القلب من مذام الأخلاق ، و صفا العقل من أوضار الأباطيل ، و الخرافات .. هذه هي الثقافة .. سلامة القلب ، و صفاء الفكر .. و إنما يتم ذلك بتثقيف الباطن .. و من الممتع حقاً أن نلاحظ أن القامة البشرية تشبه صعدة الرمح ـ قناة الرمح ـ هي تشبهها في ظاهرها ، و في باطنها ـ في ظاهرها "الجسم" و في باطنها "النفس" و لذلك فإن العرب تقول: فلان صلب القناة ، يريدون أنه صعب المراس ، قوي الشكيمة ، شديد الأسر ..
والمقال الآتي يكشف لنا بعضا من تاريخ هجرة المصطلحات الغربية المتعلقة ب:
Civilization and Culture
يقول الدكتور نصر عارف:
الحضارة في القراءة العربية:

وفي بدايات القرن العشرين، ومع دخول الاستعمار الأوروبي إلى الدول العربية، انتقل لفظ "Civilization" إلى القاموس العربي، وقد حدث اضطراب واضح في المفاهيم لعدم وضوح تعريفات ألفاظ: "ثقافة" و"حضارة" و"مدنية" خاصة مع وجود المفاهيم الثلاثة في اللغة العربية على حين لا يوجد سوى مفهومين في اللغة الإنجليزية، مما أدى إلى انقسام اتجاهات ترجمة المصطلح إلى اتجاهين:
1-اتجاه ترجمة مفهوم "Civilization" إلى اللفظ "مدنية":
على الرغم من عدم شيوع هذه الترجمة لمفهوم "Civilization" إلا أنها أكثر دقة في اختيار اللفظ العربي، وقد بدأ هذا الاتجاه منذ أوائل القرن التاسع عشر، حيث تُرجم في عهد محمد علي باشا كتاب "إتحاف الملوك الألباب بسلوك التمدن في أوروبا"، كما استخدم رفاعة الطهطاوي في كتابه "مناهج الألباب المصرية" مفهوم التمدن في التعبير عن مضمون المفهوم الأوروبي ومشيرًا لوجود بُعد التمدن في الدين والشريعة.
وظل هذا الاستخدام لمفهوم المدنية سائدًا حتى وقت قريب وبالدلالات والمعاني نفسها التي تمثل بها مفهوم "Civilization"، فقد استخدم المفهوم عام 1936م على أنه "حالة من الثقافة الاجتماعية تمتاز بارتقاء نسبي في الفنون والعلوم وتدبير الملك"، وكذلك أطلق عام 1957م على الظواهر المادية في حياة المجتمع مقابل إطلاق لفظ الحضارة على "Culture"، قاصدًا الظواهر الثقافية والمعنوية في هذه الحياة، حيث المدنية تنقل وتورث، بينما الحضارة "Culture" إنتاج مستقل يصعب اقتباسها ونشرها.
ويختلف الباحثون حول تحديد الجذر اللغوي لكلمة "المدنية" فيرجعها البعض إلى "مدن" بمعنى أقام في المكان، ويرجعها آخرون إلى "دان" وهي جذر مفهوم الدين وتعني خضع وأطاع، وأيًّا كان مصدرها فقد اقترن اللفظ بتأسيس الدولة الإسلامية، وارتبط بمفهوم الدين بما يعنيه من دلالات الطاعة والخضوع والسياسة، ولقد ارتبطت المدينة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنظام مجتمعي حياتي وتنظيمي جديد في الجزيرة العربية ارتكز على القيم الإسلامية والمبادئ التنظيمية المنبثقة عنها.
وعلى خلاف التجربة الغربية، فالمدينة في الخبرة الإسلامية هي نتيجة لوجود قيم التهذيب والعلاقات الاجتماعية والسياسية في الدين الإسلامي، وليست سببًا فيها. ومن ناحية ثانية، فقد بدأت المدينة في الخبرة الإسلامية مما انتهت عليه المدينة في التجربة الأوروبية "مرحلة المتروبوليتان"، أي المدينة التي تتبعها مدن أخرى وترتبط بها) فقد كانت المدن الإسلامية جميعها حواضر راقية تتبعها مئات المدن الأخرى المنتشرة في الإمبراطورية الإسلامية، على سبيل المثال: كانت المدينة المنورة ثم الكوفة وقرطبة والآستانة مراكز للإمبراطورية الإسلامية على مر تاريخها.
ومن ناحية ثالثة، إذا كان تطور المدينة الأوروبية المعاصرة يعد دليلاً على الرقي الإنساني -طبقًا للفكر الغربي- فإن ابن خلدون اعتبر ذات الصورة من رفاهية العيش والاستهلاك طورًا تحدث فيه اختلالات في تطبيق منظومة القيم الإسلامية والضوابط التي تحدد حدود الإنسان، ومنهج تفاعله في الكون، وبالتالي تنافي مفهوم استخلاف الإنسان في الأرض، واعتبر أن مؤشر ذلك هو سكنى الحضر والمدن -مرحلة الحضارة-، وبالتالي فهي لديه نهاية العمران وخروجه إلى الفساد ونهاية الشر والبعد عن الخير.

-2اتجاه ترجمة "Civilization" إلى اللفظ العربي "حضارة":

يُعد هذا الاتجاه هو الأكثر شيوعًا في الكتابات العربية ابتداء من الربع الثاني من القرن العشرين، وبملاحظة التعريفات المقدمة لمفهوم "الحضارة" نلحظ أنها هي نفسها التعريفات التي وضعت إزاء "المدنية"، فالخلاف لفظي والمحتوى واحد وهو المضمون الأوروبي. فعادة، يربط مفهوم الحضارة إما بالوسائل التكنولوجية الحديثة، أو بالعلوم والمعارف والفنون السائدة في أوروبا، أي خلاصة التطور الأوروبي الحالي. وينطلق هؤلاء من أن الحضارة هي جملة الظواهر الاجتماعية ذات الطابع المادي والعلمي والفني الموجود في المجتمع، وأنها تمثل المرحلة الراقية في التطور الإنساني.
بالنظر إلى تطور المفهوم في الكتابات العربية في العلوم الاجتماعية لوحظ أنها تخرج عن ذات الدلالات للمفهوم في الفكر الأوروبي؛ الذي يوحي بعالمية العلم والمنهج والمفاهيم وبالتالي الحضارة.

http://www.khayma.com/almoudaress/takafah/hadarah.htm

ان الترجمة المترادفة اي الحضارة والمدنية للمصطلح الغربي :
Civilization
قد اوقعت الاستاذ في ذلك الارتباك.وقد صدق الاستاذ ياسر الشريف حين تحدث عن ترادف الحضارة والمدنية .

و نذكر في هذا الصدد ان مقررات دراسية مثل "المدنيات القديمة" والمدنيات الحديثة ،
كانت تدرس في مناهج التاريخ في مرحلة الثانوي العام سابقا.
وحتى في استخدام الاستاذ لمصطلح المدنية نجده في الاصل،حينما فرق بين الحضارة والمدنية ،
انه يشير الى "الأخلاق" ،بينما يشير في موضع آخر الى المدنية الروحية والمادية،
وسبق لنا ايراد ذلك .
فهنا تكون المدنية هي الجمع بين الجانب الروحي والمادي معا.

كان يمكن للاستاذ ان يستخدم ثلاثة حدود في كلامه عن الجانب الروحي والمادي،
اي استخدام الثقافة كجانب روحي و الحضارة كجانب مادي و المدنية كجامع بين الاثنين،
لكن رؤيته التوحيدية تمنعه من ذلك .
المشاء

Post: #221
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-08-2007, 11:54 AM
Parent: #219

الأخ العزيز أسامة والجميع
سلامات
في واحدة من مداخلاتي بعاليه كنت قد أوردت الكثير مما جاء في القاموس عن الحضارة والمدنية وقلت أن الكلمة الإنجليزية المقابلة لهما هي civilization. والآن أريد أن أعود إلى كملة "كلشر" Culture
باللغة الإنجليزية أو "كولتور" Kultur باللغة الألمانية.. وطبعا نحن نعرف أن اللغة الإنجليزية جاءت من اللغات الجيرمانية.. وإذا رجعنا إلى أصل معنى الكلمة في اللغتين نجد أن له ارتباط بالزراعة، وقد قلت أن الحضارات والمدنيات في السابق كان ارتباطهما أساسا بالزراعة، فدعنا الآن نراجع جذور معنى كلمة Kultur ومركَّباتها من القاموس:
Baumkultur تعني غراسة وكلمة Baum تعني شجرة..
Bodenkultur تعني زراعة وكلمة Boden تعني أرض..
Hochkultur تعني حضارة وكلمة Hoch تعني عالي أو عالية..
Kulturgeschichte تعني تاريخ الحضارة وكلمة Geschichte تعني قصة أو تاريخ..
ومؤخرا استعملت الكلمة Kultur لتعطي معنى ثقافة ومركباتها:
Kulturaustausch تعني تبادل ثقافي
kulturell ثقافي
Kulturfilm فيلم ثقافي
Kulturindustrie ثقافة الصناعة
Kulturmensch إنسان مثقف
Kulturzentrum مركز ثقافي
ــــــ
ونجد نفس الجذور لمعنى كلمة culture باللغة الإنجليزية
culture تعني زراعة
culture تعني مستنبت أو مستزرع
agriculture تعني الحياة الزراعية أو الإقتصاد الزراعي
ونفس هذه الكلمة Culture استعملت في اللغة الإنجليزية مؤخرا لتعني "ثقافة"..

الشاهد أن أي كلمة تأخذ مزيدا من المعاني بمرور الزمن وهذا ينطبق على كل اللغات، وقد تتكون كلمات جديدة تماما لم تكن مستعملة من قبل وهكذا تتطور اللغة.. من هنا يمكننا أن ننظر إلى المعنى الذي أعطاه الأستاذ لكلمة "مدنية" وكلمة "ثقافة".. ولذا فأنت يا عزيزي أسامة لست في حاجة لأن تقرر أن هناك ارتباكا مفهوميا في خطاب الأستاذ فيما يتعلق بكلمتي الحضارة والمدنية..

قولك:

Quote: كان يمكن للاستاذ ان يستخدم ثلاثة حدود في كلامه عن الجانب الروحي والمادي،
اي استخدام الثقافة كجانب روحي و الحضارة كجانب مادي و المدنية كجامع بين الاثنين،
لكن رؤيته التوحيدية تمنعه من ذلك .


في الحقيقة ما أوردته من نص في كتاب "الثورة الثقافية" كان مجرد استطراد من الأستاذ لمتابعة جذور معنى كلمة الثقافة في اللغة العربية وفي الإسلام ليخلص من ذلك إلى الدخول في موضوع الكتاب الأساسي وهو "الثورة الثقافية" حيث قال عنها:
Quote: "الثورة الثقافية" هي النتيجة المباشرة "للثورة الفكرية" الثورة الثقافية هي نقطة إلتقاء الفكر بالواقع .. و المقصود هنا بالطبع هو الفكر "الثائر" .. فإذا إلتقى الفكر الثائر بالواقع فإن التغيير سريعاً ، و مع ذلك ، فإنه يجب أن يكون تغييراً بغير عنف .. "فالثورة الثقافية " ، على هذا هي التغيير السريع للأحسن ، من غير عنف .. هي تملك "سرعة" الثورة ، و تبرأ من "عنف" الثورة .. فالثورة الثقافية ، بإيجاز ، هي علم ، و عمل بمقتضى العلم .. و هذا ما به يحصل التغيير ..

إذن اقتراحك بأنه كان يمكن للأستاذ أن يستخدم الثلاث لفظات بالطريقة التي قلتها ليس له مبرر فاستخدام عبارة "الثورة الثقافية" لم يكن في معرض الحديث عن الحضارة أو المدنية وإنما كان في معرض الكلام عن التغيير.. والثقافة ليست هي المقصود الأساسي وإنما المقصود الفكر المقوَّم "المثقف" لتطعيم الحضارة الغربية الهائلة لتصبح حضارة ومدنية..
كل هذا التمكن من استخدام اللغة ومن ابتداع معاني جديدة إنما هو نتيجة "التوحيد" يا أخي أسامة.. أكثر من ذلك، فإن فهم الأستاذ لمدلول كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هو فهم متقدم إذا قورن بالفهم الفقهي السلفي الموروث لتلك العبارة.. أقترح عليك أن تقرأ فصل "لا إله إلا الله" في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" ولكني سأضع بعض الفقرات التي توضح ما أردت قوله لك هنا:


Quote: (لا إله إلا الله .. إذن لا معبود إلا الله) هذا قول الدكتور، وهو قول منقول ومأثور بإضافة كلمة (بحق) بعد كلمة معبود وقد كان صحيحا في مرحلة عبادة الأصنام – مرحلة الشرك الغليظ – أما الآن وقد إنتقل الشرك الغليظ إلى الشرك الخفي فقد تطور مفهوم (لا إله إلا الله) ولم يعد: (لا معبود بحق إلا الله) وإنما أصبح معناها لا فاعل لصغير الأشياء وكبيرها إلا الله .. الفاعل واحد للكبيرة وللصغيرة، وذلك أن الإله هو تنزل الله إلى مرتبة الفعل .. فالتنزلات ثلاث: إلى مرتبة الاسم – الله – وإلى مرتبة الصفة – الأحد – وإلى مرتبة الفعل – الواحد – والواحد دائما صفة الإله ..


وشكرا

ياسر






Post: #222
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-09-2007, 07:14 AM
Parent: #221

شكرا عزيزي ياسر على ردك الاخير
الوقت متاخر عندنا ،
لذا ساكتفي بايراد جزء من مقطع لك،
وهو مثال جيد على ان الارتباك المفهومي قد انتقل ايضا الى خطابك ،
الذي يحاول ،كما نحن،قراءة خطاب الاستاذ:

Quote: ]وإنما المقصود الفكر المقوَّم "المثقف" لتطعيم الحضارة الغربية الهائلة لتصبح حضارة ومدنية

فالاستاذ لا يقول بذلك ،
وانما يعتقد ان مهمة الاسلام الحضارية في رسالته الثانية،
تلقيح الحضارة لتصبح مدنية،
وليس تلقيحها لكي تصبح مدنية وحضارة،
ذلك ان المدنية،
تجمع بين الاثنين في فهم من أفهام الاستاذ،
رغم انها احيانا في فهم آخر تعني الجمع بين المادي والروحي،
ولعل هذا هو الارجح لكن خطاب الاستاذ لا يحافظ على اتساقه في مقاربة مصطلحي الحضارة والمدنية،
وسنعود في مهلة اخرى.
محبتي
المشاء

Post: #223
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-09-2007, 07:58 AM
Parent: #222

سلامات يا أسامة
عندما جمعت الكلمتين وقلت "لتطعيم الحضارة الغربية الهائلة لتصبح حضارة ومدنية" فإنما قصدت "لتصبح حضارة ومدنية في آن واحد" وليس هناك أي ارتباك، لا عندي ولا عند الأستاذ محمود..

قولك:

Quote: فالاستاذ لا يقول بذلك ،
وانما يعتقد ان مهمة الاسلام الحضارية في رسالته الثانية،
تلقيح الحضارة لتصبح مدنية،
وليس تلقيحها لكي تصبح مدنية وحضارة،


يا أخي إنت مضيق فرص التعبير كدا ليه؟؟ يمكنني أن أقول تلقيح الحضارة لتصبح مدنية ويمكنني أن أقول "تلقيح الحضارة لتصبح حضارة ومدنية في آن واحد".. ويمكنني أن أحذف عبارة "في آن واحد" إذا ظننت أن العبارة هكذا أيضا مفهومة..

ولك الشكر
ياسر

Post: #224
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-09-2007, 08:29 AM
Parent: #223

عزيزي ياسر
قلت:
Quote: سلامات يا أسامة
عندما جمعت الكلمتين وقلت "لتطعيم الحضارة الغربية الهائلة لتصبح حضارة ومدنية" فإنما قصدت "لتصبح حضارة ومدنية في آن واحد" وليس هناك أي ارتباك، لا عندي ولا عند الأستاذ محمود..

ثم اوردت ضيقك بردي حين قلت:

Quote: يا أخي إنت مضيق فرص التعبير كدا ليه؟؟

يمكنني أن أقول تلقيح الحضارة لتصبح مدنية ويمكنني أن أقول "تلقيح الحضارة لتصبح حضارة ومدنية في آن واحد".. ويمكنني أن أحذف عبارة "في آن واحد" إذا ظننت أن العبارة هكذا أيضا مفهومة..


كلامي متعلق باتساق الخطاب.
فانت مثلا تعتقد ان الحضارة هي الجانب المادي و المدنية هي الجانب الروحي.
وقد قلنا ان الاستاذ كان يمكن ان يستخدم مصطلح الثقافة كحد ثالث،
لكن رؤيته التوحيدية تمنعه من ذلك .

وكلامك يتحدث عن "حد ثالث".لكن ذلك غير ممكن في حدود رؤية الاستاذ التوحيدية لك ظاهرة.
فهو قد تحدث عن ان الحضارة والمدنية تختلفان اختلافا مقداريا ،
وليس كيفيا كما بدا من قراءتك لخطاب الاستاذ.
لذلك ليس من "حد ثالث" وانما ثنائيات ،تختلف فقط في المقدار.
ولذلك فان المدنية هي جماع المادة والروح،
وقد قال الاستاذ عمر هواري في ذلك:
Quote: اذا فالمدنية التي يريدها الأستاذ محمود أساسها مادي ولكنها لا تفرط في القيم الأخلاقية كما فرطت المدنية الغربية الآلية الحاضرة فأضحت بذلك مدنية فاشلة حتى أنه ليصح أن يقال عنها أنها "حضارة" وليست "مدنية" "لدى الدقة"


اذا المدنية في فهم الاستاذ هواري هي الروح +المادة.
عموما تظل مسالة التوحيد ،
و اختلاف المقدار لا النوع ،مسالة تتطلب كثيرا من التفكير.
فاختلاف الحضارة والمدنية اي الجانب المادي والروحي ،
هو اختلاف كيفي ،لا كمي،
كما يرى الاستاذ.
فلذلك لا بد من حد ثالث.
وهو ما لا يقول به خطاب الاستاذ ،
محبتي
المشاء

Post: #225
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-09-2007, 10:29 AM
Parent: #224

عزيزي أسامة..

قولك لي:


Quote: فانت مثلا تعتقد ان الحضارة هي الجانب المادي و المدنية هي الجانب الروحي.



لا ليس هذا ما أعتقده.. لقد قلت كثيرا أنني أرى مع الأستاذ أن المدنية هي الجانب المادي والجانب الروحي مع بعض وليس فقط الجانب الروحي ..

قولك:


Quote:
فاختلاف الحضارة والمدنية اي الجانب المادي والروحي ،
هو اختلاف كيفي ،لا كمي،
كما يرى الاستاذ.


كيف لا يكون الإختلاف بين الحضارة والمدنية اختلاف مقدار في فهم الأستاذ إذا كان يرى أن الحضارة هي الجانب المادي والمدنية هي الجانب المادي مضافا إليه الجانب الروحي أو الأخلاق والقيمة؟؟ هذه واحدة..
أما الأخرى فإنه لا يوجد في الوجود إختلاف نوع أبدا إذا جئنا للدقة طبعا..
فنحن نتوهم أن الحديد الصلب يختلف عن النحاس مثلا اختلاف نوع ونقول أن هذا حديد وهذا نحاس ونعرف الإختلاف بين خواص كل من الحديد والنحاس، ولكن لدى الدقة فإنه ليس هناك اختلاف إلا في عدد البروتونات والإلكترونات في كل من ذرتي الحديد والنحاس.. وعلى هذا يمكن لنا أن نقول أن الإختلاف بين الحديد والنحاس هو اختلاف مقدار وليس اختلاف نوع، لدى التحليل الأخير..
فإذا اقتنعت بهذا المثال في أن الإختلاف بين الحديد والنحاس إنما هو اختلاف مقدار فيمكنك أن تقتنع بمقولة الأستاذ بأنه لا يوجد في الوجود اختلاف نوع أبدا..
بهذا المستوى الدقيق من الفهم، لا يختلف الجماد عن النبات أو الحيوان إلا اختلاف مقدار، وبهذا المستوى الدقيق من الفهم أيضا، لا يختلف الموت عن الحياة اختلاف نوع وإنما اختلاف مقدار..



آسف لو شعرت بأنني ضقت عندما قلت لك:

Quote: يا أخي إنت مضيق فرص التعبير كدا ليه؟؟


فأنا لم أقصد إظهار الضيق..
وشكرا

ياسر

Post: #226
Title: تجاوز أم توطين:الاستاذ محمود و تجسير الهوة بين الحداثة و الاسلام
Author: osama elkhawad
Date: 04-10-2007, 07:33 AM
Parent: #225

[]تجاوز أم توطين:الاستاذ محمود و تجسير الهوة بين الحداثة و الاسلام

ذكرنا من قبل ان الاستاذة اسماء محمود محمد طه والدكتور النور حمد،
قد تحدثا في في مقدمتهما لكتاب نحو مشروع مستقبلي للإسلام-ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه عن تجاوز اطروحات الاستاذ لمقولات الحداثة وما بعدها.يقولان:

Quote: في تقديرنا أن رؤى الأستاذ محمود محمد طه،متجاوزة للتفكير الإسلامي السلفي بكل تشكلاته،كما هي متجاوزة أيضا، للأطر المعرفية لحقبة الحداثة الغربية الممتدة من عصر التنوير وحتى يومنا هذا.و هذا هو ما يعطي أفكاره أهمية خاصة،ففكره بالإضافة إلى كونه يمثل مخرجا جيدا، من أزمة التفكير الإسلامي المزمنة،بإزاء مفاهيم الحداثة،فهو أيضا فكر متجاوز لما أصطلح على تسميته بحقبتي "الحداثة" و "ما بعد الحداثة" الغربيتين.

ص 6.

و هما لم يقدما دليلا على ذلك التجاوز .

اذن كيف يمكن ان ننظر الى مساهمة الاستاذ في مشروع الحداثة الذي غدا مشروعا عالميا؟؟؟
في البدء ننطلق من اللحظة التي تعرف فيها الخطاب الاسلامي على الحداثة.
فينما نجد صدمة حضارية لدى رواد عصر التنوير مثل محمد عبده الذي قال قولة مشهورة"لقد وجدت هناك مسلمين بلا إسلام، ووجدت هنا إسلامًا بلا مسلمين،نرى ان الخطاب الإسلامي المعاصر صار يربط بين القرن العشرين باعتباره رمزا للحداثة الغربية،وبين الجاهلية.

فعلى النقيض من خطاب سيد قطب في مقاربته لمشروع الحداثة الغربي ،
لا يتفق الاستاذ مع طرح سيد قطب حول تبني مادية الغرب ،و الاحتكام بشكل مركزي على مقولات الاسلام، والتي يسميها الاستاذ بمرحلة الشريعة.

ولذلك يمكن ان نقول ان مساهمة الاستاذ تمثلت في توطين الحداثة من خلال كلامه عن الرسالة الثانية.
فهو قد حاول من خلال التأويل ان يقول ان منجزات الحداثة الغربية كانت موجودة في القرن السابع ،لكن طاقة المجتمع لم تحتملها.وهذا كلام فيه نظر .

المهم نعتقد ان الاستاذ قد جسر بين الاسلام و مشروع الحداثة الغربية في مرحلته التنويرية عبر تبني الديمقراطية، وقد دافع عن الحقوق الاساسية التي ارساها النموذج الغربي للحداثة،ودافع عن الاشتراكية.
نقول بذلك التجسير بالرغم من ان الاستاذ ينعي في موضع من خطابه على الحداثة الغربية نكرانها للفكر.
يقول في ذلك :

Quote: وتوحيد البشرية عن طريق الفكر - وليس هنالك من طريق سواه - يتطلب مدنية تعطي منزلة الشرف للفكر، وما هكذا المدنية الغربية الحاضرة: لا في شقها الراسمالي الغربي، ولا في شقها الشيوعي الشرقي.. بل ان هذه المدنية الغربية لتقوم أساسا على انكار الفكر.. فهي مدنية مادية، يستوي في ذلك شقها الشيوعي، مع شقها الراسمالي. فليس الاختلاف بين الشيوعية والرأسمالية الا اختلاف مقدار.. وواضح جدا عند الشيوعية تحقير الفكر، وكبت حريته.
والمدنية الغربية أعلنت افلاسها، ووصلت الى نهاية مقدرتها التطورية


ينعي الاستاذ على الحداثة الغربية بشقيها انكار الفكر،
بالرغم من ان مشروعه للبعث الاسلامي يتأسس على مفاهيم قد تأسست من خلال الحداثة الغربية مثل الديمقراطية والاشتراكية،والشيوعيةالعلمية، والحقوق الاساسية والدستور و الفيدرالية والجمهورية و العقل الواعي والعقل الباطن وعلم النفس و الثورة الثقافية، ،فهو يلحق الصين بنموذج الحداثة الغربية ،ويبدو ان ذلك ناتج من تأثير الماركسية في الصين.والاستاذ يحتفي بشكل عال بالماركسية ويصفها بالذكاء،وهو وصف لا يطلقه الاستاذ جزافا.

على النقيض من سيد قطب ،و الخطاب الاسلامي في مجمله ،لا ينكر الاستاذ بعضا من الافضال التي قدمتها الحداثة الغربية ،

يقول في كتابه"السفر الأول":
Quote: و رأي هذا الحزب في المدنية الغربية ، هو أنها محاولة إنسانية نحو الكمال .. و هي ككل عمل إنساني خطير ، مزاج بين الهدى و الضلال .. و هي لهذا ، جمة الخير ، جمة الشر .. و شرها أكبر من خيرها .. و هي كذلك بوجه خاص على الشرقي الذي يصرفه بهرجها ، و بريقها ، و زيفها ، عن مجال الخير فيها ، و مظان الرشد منها .. ويرى هذا الحزب : أننا ما ينبغي أن نتقي هذه المدنية ، بكل سبيل ، كما يريد المتزمتون من أبناء الشرق .. و لا ينبغي أن نروج لها ، بكل سبيل ، و نعتنقها ، كما يريد بعض المفتونين ، المتطرفين ، من أبناء الشرق .. و إنما ينبغي أن نتدبرها ، و أن ندرسها ، وأن نتمثل الصالح منها ..


ويؤكد الدكتور النور حمد راينا حول ان الاستاذ قد جسر بين الحداثة الغربية والاسلام .و يمكن ان نصف ذلك،
بلحظة شبيهة بما قام به المصلحون المسيحيون الغربيون البروستانتيون عبر الاصلاحات التي قاموا بها.وقد تحدث ماكس فيبر عن ذلك في كتابه المعروف.
و ذلك حين تحدث عن اثر العامل الديني في ظهور الراسمالية في الغرب،
من خلال ثورة الاصلاح الديني البروستانتية ،ودور القيم البروستانتية في نشوء الراسمالية في الغرب .
يتحدث الدكتور النور حمد عن الدور البروستاتني الذي لعبه الاستاذ،رغم انه لم يقل بذلك صراحة،لكنه تحدث عن أهمية الدين كعامل ثقافي في توطين الحداثة.
يقول الدكتور النور حمد في هذا الصدد الآتي:
Quote: وقد يحاجج هنا بعض المغالين من دعاة العلمانية، بأن فكر الأستاذ محمود، فكر جيد، في حالة أنه لا خيار لنا، إلا في إقامة دولة دينية. غير أن الدولة الدينية، مرفوضة، من الأساس، لدى العلمانيين. ومشكلة هذا الإعتراض، تكمن في كونه اعتراض صفوي محض. فهو اعتراض يفترض أن الجماهير، مؤمنة بإشكاليات الدولة الدينية، تماما كما تؤمن بها الصفوة، ذات التوجه الغربي. وظن الصفوة والنخب السياسية التي تستلهم النموذج الغربي، ظن لا سند له في الواقع العملي. وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.


ثم يتحدث في فقرة أخرى عن ضرورة ما أسمها بالتاسيس للتحديث من خلال الثقافة المحلية ،وهو ما نسميه بتوطين الحداثة.
يقول في ذلك :

Quote: الإتجاه للتحديث، من غير التاسيس له من مصادر ثقافتنا، يفقد حركة التحديث كثيرا من حجيتها، وشرعيتها، خاصة في نظر السواد الأعظم من الجماهير. ومن ثم يصبح التحرك في وجهة التحديث، مثار شك لدى الجماهير العريضة. وفي الناحية الأخرى، فإنه ولو بقي الناس على قديمهم، فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية، وظلوا يلوكون ذلك القديم البالي، ويعيدون تدويره، فإن فرص الرقي، والتمدن، والإنسجام مع المحيط الكوكبي المشرئب، كل صبح جديد، إلى التقارب، والتشابك، سوف تصبح ضعيفة جدأ. هذا إن لم نقل باحتمال أن نرتد إلى أوضاع أسوأ من أوضاعنا الراهنة، من حيث الإنغلاق، والعزلة. ومن يقرأ ما جرى لنا في العقود الثلاث التي الأخيرة، لابد أن يلحظ مستوى تراجع الفهوم، وتراجع الممارسة عن مكتسبات التحديث، في كثير من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وحادثة إعدام الأستاذ محمود، نفسها، لأبلغ دليل على هذا التراجع المخيف.


ثم يتحدث الدكتور النور حمد عن ضرورة تبني المرجعية الغربية ،باعتبارها تمثل روح العصر،
ولا يرى في ذلك غضاضة .
يقول في ذلك:

أن قضية الحقوق الأساسية، قضية عالمية، ولابد من أخذ المرجعية الغربية فيها، بعين الإعتبار. والمرجعية الغربية نفسها لم تأت من العدم. وإنما تعود إلى مرجعيات سبقتها، في الفكر الإسلامي، وفي الفكر الإغريقي. مشكلتنا أننا نسينا سمة التركيب في تراثنا. وأصبحنا ننظر إلى ثقافة الغير، بعين الريبة. حتى بلغنا درجة العجز عن رؤية عناصر، ومكونات ثقافتنا التي حدث أن تبناها الآخرون، وطوروها.
http://www.metransparent.com/texts/ttaha_Aniv.htm

وسنعود للمواصلة ،

كان الله هوّن

المشاء

Post: #220
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-06-2007, 06:57 AM
Parent: #1

الأحباء :

الكاتب : أسامة
والكاتب : ياسر

والكاتب : عمر
والأعزاء المشاركين :

تبحر الأعزاء ياسر والخواض ،
يلقيان علينا ( قولاً ثقيلا)

ما أجمل زاد الفكر ،
تجده أنت على طبقٍ من نور .
ألف شكر لكما

هُنا بالفعل يطيب الجلوس ،

وسأعود من بعد تروٍ
ونواصل

Post: #227
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-10-2007, 10:07 AM
Parent: #1

سلام لك يا أسامة وللجميع..
قلت:

Quote: ذكرنا من قبل ان الاستاذة اسماء محمود محمد طه والدكتور النور حمد،
قد تحدثا في في مقدمتهما لكتاب نحو مشروع مستقبلي للإسلام-ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه عن تجاوز اطروحات الاستاذ لمقولات الحداثة وما بعدها.

ثم قلت أنهما لم يقدما دليلا على قولهما.. وكنت قد كتبت في مداخلة لي هنا في هذا البوست مداخلة ذكرت فيها مثالا لما يمكن أن نعتبره أمرا متقدما على مقولات الحداثة وحتى ما بعد الحداثة أرجو الرجوع إليه:
رؤية الأستاذ بخصوص وظيفة المرأة في البيت تتجاوز ما وصلت...ة وما بعد الحداثة!!!
قولك:


Quote: ولذلك يمكن ان نقول ان مساهمة الاستاذ تمثلت في توطين الحداثة من خلال كلامه عن الرسالة الثانية.

لا أظن أن عبارة "توطين الحداثة" تعطي المعنى الذي قصده الأستاذ.. لقد قصد إدخال القيمة الأخلاقية الإنسانية إلى الحضارة الغربية التكنولوجية الرأسمالية وذلك بالجمع بين الديمقراطية وبين الإشتراكية، وأيضا تطوير مفهوم الديمقراطية نفسه، وتوسيع مفهوم المساواة الإجتماعية.. وأخيرا تقديم الدين كمنهاج لترقية النفس وربطها بمصدرها "الله".. إذن المسألة لها عدة أوجه.. وفي الديباجة تحدث الأستاذ عما يمكن أن تسميه "توطين الحداثة" بمعنى نشر التعليم التكنولوجي بين المواطنين:
Quote: وأما التعليم الرسمي سيكون مجاله المدارس، والمعاهد، والجامعات، هو تعليم يقوم على العلم المادي التجريبي، حتى يتقن المواطن، والمواطنة، المقدرة على تصميم الآلة، وصنعها، واستعمالها، وصيانتها، لكي يكون نافعا لمجتمعه بتسخير العالم المادي لخدمته‏.‏‏.


أنت تقول عن الأستاذ محمود:
Quote: فهو قد حاول من خلال التأويل ان يقول ان منجزات الحداثة الغربية كانت موجودة في القرن السابع ،لكن طاقة المجتمع لم تحتملها.وهذا كلام فيه نظر .

هذا الكلام، بهذه الصيغة، غير دقيق ومضلل جدا.. فما هي منجزات الحداثة الغربية التي قال أنها كانت موجودة في القرن السابع؟؟ وكيف تكون موجودة في القرن السابع ثم أن طاقة المجتمع لم تحتملها؟؟

قولك:


Quote: المهم نعتقد ان الاستاذ قد جسر بين الاسلام و مشروع الحداثة الغربية في مرحلته التنويرية عبر تبني الديمقراطية، وقد دافع عن الحقوق الاساسية التي ارساها النموذج الغربي للحداثة،ودافع عن الاشتراكية.
نقول بذلك التجسير بالرغم من ان الاستاذ ينعي في موضع من خطابه على الحداثة الغربية نكرانها للفكر.

قولك هذا صحيح، وقد أوردت له من كتب الأستاذ نصا يوضحه وأستطيع أن أعطيك نصا آخر يوضح أن ممارسة الديمقراطية في الغرب لا يزال دون المرجو منه، وقد كتب الأستاذ ذلك في الديباجة في هذه الوصلة
Re: "الديباجة" - آخر ما كتبه الأستاذ محمود محمد طه

حيث يقول:

Quote: إن الإنسان المعاصر يرى أن الديمقراطية والاشتراكية، يمثلان معا الحقوق الأساسية له - حق الحياة، وحق الحرية ‏.‏‏.‏ و يرى أن الاشتراكية وسيلة لازمة لتحقيق الديمقراطية‏.‏‏.‏ ففي حين أن الديمقراطية هي الحرية السياسية، فان الاشتراكية هي الحرية الاقتصادية فمن غير المعقول أن يطلب إلى الإنسان التنازل عن حريته الديمقراطية لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية، كما تريد الماركسيـة، أو يطلب إليه أن يحقق حريته الديمقراطيـة في ظل نظام اقتصأدى تستأثر فيه القلة بالثروة كما تريد له الرأسمالية‏.‏‏.‏ أما النظام الماركسي فهو نظــام ديكتاتـوري، لا يمارس الديمقراطية أصلا، و إنما يزيفها، فيسميها دكتاتورية البروليتاريا - العمال والمزارعين - وما هي في الحقيقة إلا ديكتاتورية المثقفـين على العمــال والمزارعــين ‏.‏‏.‏ وأما النظـام الرأسـمإلى الغربـي فانه يمارس الديمقراطية، و لكنه يتسـم بقصور الممارسة، حيث تسعى القلة الرأسمالية للسيطرة على السلطة، حتى تخدم مصالحها الرأسمالية ضد مصلحة طبقات الشعب الاخري‏،‏ فلا تتحقق الديمقراطية مع الرأسماليه‏.‏‏.‏
وفي أمريكا! أقوى، وأغنى دول العالم، فان تجربة الديمقرطية النيابية تعتبر فاشلة، إذا ما قورنت بالمرجو منها، وما ذاك إلا لأن القلة التي تتولى السلطة لا تستطيع أن ترتفع فوق أنانيتها، وطمعها، وإثرتها! فهـي تحكم الشعـب لمصلحتها هي، لا لمصلحته هو، وآية ذلك ما جرى في السبعينات من رئيس الجمهورية – ريتشارد نيكسون – فيما سمي بفضيحة ووترقيت ‏.‏‏.‏ فقد مارس الرئيس الأمريكي مع كبار موظفي إدارته: مثل جون ميتشل النائب العام، وعن طريق أعوانهـم، عملية تجسس، وسطو على مقر الحزب الديمقراطي، بفندق ووترقيت: وذلك لجمع معلومات عن هذا الحزب لمعركة انتخابات الرئاسة‏.‏‏.‏ فلما كشف أمر النائب العام، وكبار الموظفين المتورطين في العملية، بادرت الإدارة الجمهورية باتهام صحيفة الواشنطن بوست، التي كشفت العملية، بالعمل لحساب الحزب الديمقراطي، ووصفت الاتهامات بالسخف ‏.‏‏.‏ ثم أخذت خيوط المؤامرة تتكشف، حيث أثبتت تحقيقات المحكمـة العليا، أن النائب العام، و بعض معاوني الرئيس، قد أعدوا، وأشرفوا على العملية ‏.‏‏.‏ثم اتهم بعض هؤلاء المعاونين بتعطيل العدالة‏.‏‏.‏ و خاطب الرئيس نيكسون الشعب الأمريكي بان هناك تقدما ملحوظا نحو كشـف الحقائق حول القضية!! ثم قبل استقالة أعوانه المتورطين معه في القضية‏.‏ ‏‏وخاطب الشعب الأمريكي، مرة أخرى بأن هناك محاولات لإخفـاء الحقيقة عنه هو، وعن الشعب!! و أخــذ تـورط الرئيس يتضـح جليـا مـع استمرار التحقيقات فلما طلبت المحكمة منه الشرائط التي سجلت عليها محادثاته في مكتبه، سلم بعضها و أخفى بعضها‏.‏‏.‏ فلما كشف عن التسجيلات المفقودة وجد أنها مسحت‏.‏‏.‏ فاستقال الرئيس نيكسون! تجنبا للمحاكمة، و خلفــه أحد أعوانـه في البيت الأبيـض - الرئيس جيرالد فورد- فأعلن عفوا عاما عنه‏.‏‏.‏ وهكذا حاول الرئيس نيكسون ممارسة الكذب، و تضليل الشعب، حتى انكشف أمره، وحوصر، واضطر إلى الاستقالة، من أقوى منصب تنفيذي في العالم‏.‏‏.‏ و قد حاول نائب الرئيس نيكسون، سبيرو اقنيو، الكذب والتضليل للشعب، من قبل، وهو يواجه الاتهام باستغلال النفوذ وسوء استخدام المال العام، أثناء توليه منصب حاكم ولاية (ميريلاند)، حتى انكشف أمره، واضطر إلى الاستقالة، من منصب يعتبر المنصب الثاني في تلك الدولة ‏.. ‏ولقد استطاع أن يتجنب المحاكمة حتى قاضاه أحد مواطني تلك الولاية مؤخرا على تلك المخالفات‏.‏‏.‏
لقد كان هذا في أمريكا في السبعينات، والآن، وفي الثمانينات، فقـد لاحظ المعلقــون السياسيون أن مناظرات الرئيس ريغان، ومنافسه على الرئاسة، المستر مونديل، قد كانت تتجه نحو المواقف المسرحية، أكثر مما كانت تتجه نحو تنوير الشعب ‏.‏‏.‏ وقالوا إن هذه المناظرات ستربـك الشعب أكثر مما تنوره، و توعيه‏.‏‏.‏ و قالوا إنه لمن الغريب أن يختلف المرشحان حول حقائق تاريخية كل هذا الاختلاف، حتى لكأنما قد حضر أحدهما من كوكب الزهرة، والآخر من كوكب المريخ‏.‏ و لقد أوردت مجلة الحوادث 2 نوفمبر1984 أن بين السكرتير الصحافي لنائب الرئيس "بوستن" وبين فريق الإعلام الذي يقوم بتغطية حملة "بوستن" أزمة شديده سببها موقـف هذا السكرتير من التصريحات المنافية للحقائق التي يطلقها المرشحون في مناظراتهم التلفزيونية‏.‏‏.‏ فقد استفسر الصحافيـون من السكرتير عن عــدة وقائـع منافيـة للحقيقـة سردها "بوستن" في مناظرته مع منافسته جيرالدين فيرارو‏.‏‏.‏ فكان رد السكرتير: و ماذا يهم؟ يمكن الإدلاء بأي شيء في مناظرة تلفزيونية و يستمع إليك 80 مليون مشاهـد ‏.‏‏.‏ وإذا ثبت عدم صـدق ذلـك، فمـن سيقرأ التصحيح؟؟ ألفان، أو ربما عشرون ألفا، لا أكثر!! و علقت صحيفة واشنطن بوست على ذلك بقولها: "لا نذكر في تاريخ الولايات المتحدة أن صدر مثل هذا الاحتقار، والاستهزاء بالشعب الأمريكي"


قولك:
Quote: ينعي الاستاذ على الحداثة الغربية بشقيها انكار الفكر،
بالرغم من ان مشروعه للبعث الاسلامي يتأسس على مفاهيم قد تأسست من خلال الحداثة الغربية
مثل الديمقراطية والاشتراكية،والشيوعيةالعلمية، والحقوق الاساسية والدستور و الفيدرالية والجمهورية و العقل الواعي والعقل الباطن وعلم النفس و الثورة الثقافية، ،فهو يلحق الصين بنموذج الحداثة الغربية ،ويبدو ان ذلك ناتج من تأثير الماركسية في الصين.والاستاذ يحتفي بشكل عال بالماركسية ويصفها بالذكاء،وهو وصف لا يطلقه الاستاذ جزافا.


وما هي المشكلة يا عزيزي أسامة في أن ينعي الأستاذ على الحداثة الغربية ما يراه أنه لا يرقى للمرجو منها؟؟ فالأستاذ يبني على ما تقدم ولا يعفي الممارسات من الانتقاد البنَّاء.. فهو قد انتقد طريقة المعكسر الشيوعي في تطبيق الإشتراكية التي أنكرت الحرية، وانتقد طريقة الغرب الرأسمالي في تطبيق الديمقراطية التي أنكرت الإشتراكية وتنكرت حتى للحرية.. والأستاذ محمود ذكر محاسن الماركسية وذكر مساوئها على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق.. وليس دقيقا قولك أن مشروع الأستاذ للبعث الإسلامي قد تأسس على مفاهم تأسست من خلال الحداثة الغربية.. يكون أدق إذا قلت أن الحداثة الغربية قد طورت هذه المفاهيم وقد ساعدها الوقت وانتشار التعليم على ذلك.. فمثلا الديمقراطية ليست اختراعا حداثيا وإنما جاء من الحضارة اليونانية ولكن ديمقراطية اليونانيين لم تكن تتسع للعبيد وللنساء مثلا.. وهنا يحضرني ما كتبه الأستاذ محمود في صدر الديباجة:
Quote: كلمة "الديمقراطية" كلمة يونانية و هي كلمة يدل بها علي: حكم الشعب بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب‏ .‏‏.‏ و لقد تطور مدلول هذه الكلمة بتطور مدلول كلمة الشعب‏ ..‏ فان كلمة الشعب كانت تضيق ، علي عهد اليونان ، فلا تشمل النساء ، و لا العبيد ‏.‏‏.‏ ثم اخذ معناها يتسع ، علي مر الزمان ، بفضل الله ، ثم بفضل يقظة المستضعفين في الأرض ، حتى اصبح ، في آخر القرن الماضي ، يشمل المواطنين جميعا من الرجال البالغـين سن الرشد ‏..‏ ثــم تداعـي التطور بكلمة الشعب هذه حتى أصبـح، في القـرن الحاضـر، عند البــلاد التي تــمارس الديمقراطية، يعني كل المواطنين، من رجال، ونساء منذ يبلغون سن الرشد ‏.‏‏.‏

المصدر:
Re: "الديباجة" - آخر ما كتبه الأستاذ محمود محمد طه

ولك الشكر
ياسر

Post: #228
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-13-2007, 10:01 AM
Parent: #1



في تقصي المصادر حول مصطلح ( الإحسان )



كما ورد في ، حديث أورده الأستاذ محمود محمد طه في تفصيل خاص بدرجات السلم السباعي للترقي العقدِي في سلالم العبادة ، ورد أيضاًفي منتدى شبكة الفرسان الإسلامية نص حديث في مقال الشيخ عبد السلام يس :

و نقطف بعض من نص حديثه :

[ نأخذ الرواية الأتم، ننقلها بتمامها لأهميتها البالغة، أخرجها مسلم وأبوداود والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لايرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تومن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق. فلبثت مليا (أي قليلا) ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". ]
وهنا الوصل :

http://www.forsan.net/books/ahdat_makalat/alehsan.htm

انتهى النص المنقول عن الشيخ عبد السلام يس ،
ونعود للتنقيب ونورد الآتي :


1/

النص الوارد في الحديث الشريف ، هو من إخراج مسلم وأبو داوود والنسائي ، كما أورد الشيخ عبد السلام .

2/

المصدر للحديث هو من مصادر أهل المذهب السُني.

3/

لم نعثُر من خلال التنقيب عن رواية أخرى لنفس الحديث وردت في روايات أهل السنة من غير الصحابي عمر بن الخطاب . إذ أن النصوص الموجودة أمامنا برواية الصحابي الجليل دون غيره ، رغم أن نص الحديث يورد :
( كنا جلوس ... ) أي نحن جلوس ، ونحن تفيد بأن هنالك من جلس بصحبة النبي الكريم إضافة للصحابي عمر بن الخطاب وشارك الحضور ولم يرد الحديث من أي راوٍ آخر ممن كانوا ضمن الجلسة النبوية التعليمية .

4/

اعتمد ابن كثير أيضاً على تفسير الإحسان كما ورد في الحديث المُشار إليه كما أورده الأستاذ محمود محمد طه كمعنى من معاني ( الإحسان ) . ولمعرفة الكثيرين من العامة والخاصة من المذهب السُني لنص الحديث ، لم يذكر الأستاذ محمود مصدره كما يقتضي التوثيق في المباحث المُعتادة ، أو أنه لا يرى ضرورة من التوثيق كما اعتادته الأسفار .
5/ تم إعادة صياغة ( الإحسان ) من قِبل الأستاذ محمود محمد طه من بعد ورود الحديث المنقول عن النبي معنى آخر للإحسان كدرجة جديدة من درجات الترقي في درجات سُلم العقيدة .

ثم نواصل


Post: #229
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 04-14-2007, 06:09 PM
Parent: #1


الأستاذ عبد الله
تحية طيبة
نتابع معك وأحب هنا أن أثبت رواية الأستاذ للحديث وهي لا تختلف عن الرواية المنقولة بعاليه .. فقد ورد في كتاب "بيننا وبين محكمة الردة" قوله:
Quote: والذي ورط هؤلاء الفقهاء في الخطأ هو فهم سلفي خاطئ لحديث جبريل المشهور، الذي رواه عمر بن الخطاب: ونصه: (عن عمر رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم اذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس الى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: ((يا محمد أخبرني عن الاسلام)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الاسلام أن تشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا)) قال ((صدقت)) قال ((فعجبنا له يسأله ويصدقه)) قال ((فاخبرني عن الايمان)) قال ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) قال ((صدقت)) قال ((فأخبرني عن الاحسان)) قال ((ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك)) قال ((فاخبرني عن الساعة)) قال ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) قال ((فاخبرني عن أماراتها)) قال ((أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)) قال ((ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم قال "فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم") هذا هو حديث جبريل، وهو مشهور، وقد ظن فيه الفقهاء، كما ظن الشيخ حسين أن النبي لم يبين غير ايمان واحد، وهذا خطأ، والصواب أن النبي بين ايمانا يزيد وينقص، ويبدأ بعد أن لم يكن.. فهو بذلك لم يبين ايمانا واحدا.. فقد بين ايمانا في درجة قول ((اشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله)) فان من قالها، لا ينافق بها، مؤمن بمحمد، وان لم يبلغ أن يكون مؤمنا بالله وهذا ايمان أول.. ثم ان ايمانه بمحمد يقوده الى الايمان بالله فيدخل على الايمان الذي عرفه المعصوم في حديث جبريل أعلاه، وهذا ايمان ثان، ثم ان ايمانه هذا يزيد فيصبح احسانا على النحو الذي عرفه المعصوم في حديثه أعلاه، وهذا ايمان ثالث، والاختلاف بينهما اختلاف مقدار..

http://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=16&chapter_id=5
وصحيح أن الأستاذ محمود لا يذكر في كتاباته مصادر الأحاديث أو ترقيم الآيات وذكر سورها وقد استغل بعض السلفيين ذلك في أنكار بعض هذه الأحاديث وإثارة الشبهات حولها خاصة في أركان النقاش ولكن الجمهوريون كانوا بالطبع جاهزين بالمصادر وأن كانوا لايشاركون بعض الفقهاء في تصنيفهم للأحاديث وأنكارها بناءا على قلة رواتها أو غرابتها .. ويكفي هنا أن نقول أن راوي الأحاديث الشهير أبي هريرة قال أنه وعى عن رسول الله وعائين أحدهم بثه أما الآخر فإنه لو بثه لقطع منه البلعوم .. والسبب في ذلك أن العلم النبوي يقع على ثلاث مراحل: علم رسالة (وهو لعامة الأمة) وعلم نبوة وهو خص به النبي وخير في تبليغه لمن يشاء من أمته وعلم ولاية نهي عن تبليغه .. ومن علم النبوة هذا جاءت بعض الأحاديث التي استغربها الناس وأنكروها لأنها أتت على غير مألوف فهمهم ..
على أي حال فأن تركيز الأستاذ محمود في كتبه كان دائما على المحتوي الفكري وعلى الطرح التوحيدي المتكامل الذي قدمه وربما كان هذا سببا رئيسا في عدم حشو كتبه بالروايات والتحقيقات المطولة كعادة الكتاب السلفيين أذ تجد ان جل جهدهم مركز على اثبات صحة النصوص وسرد رواتها وإعادة تكرارها في المناسبات المختلفة من غير فهم جديد ..
عمر

Post: #230
Title: درجة الإحسان.. ومراتب اليقين!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-15-2007, 10:27 AM
Parent: #229

الأخ عبد الله الشقليني

تحية لك وللأخ عمر عبد الله والجميع..

وأشكرك على ما أثرته في مداخلتك.. وأريد الإضافة على ما ذكره الأخ عمر في مداخلته..


Quote: في تقصي المصادر حول مصطلح ( الإحسان )


مفهوم الإحسان جاء في القرآن في عديد الآيات وقد أورده الأستاذ محمود في كتبه.. أرجو أن ترجع إلى كتاب "الإسلام" في هذه الصفحة:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=7&chapter_id=10
وسأنقل لك منها ما يهم الموضوع هنا:

Quote: الترقي بين الرسالتين

إن كل فرد يبدأ بالإسلام الذي هو مجرد الشهادة باللسان ، والعمل بالجوارح في تقليد النبي ، ثم يتمكن التصديق من قلبه ، بتوكيد العمل ، فيصير مؤمنا ، ثم يزيد الإيمان ، فيدخل في طرف الإحسان ، الغليظ ، ثم يترقى في مراحل الإحسان . وقد سئل المعصوم عن الإحسان فقال (( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) فهذه ثلاث مراحل . المرحلة الأولى مما يلي الإيمان وهي أن يؤمن الساير بأن الله يراه ، وهو ما عبر عنه النبي (( فإنه يراك )) والمرحلة الثانية تأتي بعد ذلك ، حين يقوى الإيمان بالمرحلة الأولى ، وهي أن يبدأ يقين الساير بأنـه يـرى الله ، وهـو ما عبـر عنه النبي (( كأنك تراه )) ثم المرحلة الأخيرة ، وهي أن يرى الساير الله وهو ما أشار إليه النبي بقوله (( فإن لم تكن تـراه )) ولذلك قال بعـض العارفيـن (( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن ، فإنك تراه )) يشير بذلك إلى أن الإنسان محجوب بأوهام نفسه ، عـن الله فإن فني عنها ، فإنه يـرى الله . ورؤية الله هي مرتبة الإحسان التي هي قمة الإسلام ، وإليها الإشارة في قوله تعالى (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وإن الله لمع المحسنين )) وإليها الإشارة أيضا بقوله تعالى (( ليس على الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، جناح فيما طعموا ، إذا ما اتقوا ، وآمنوا ، وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، والله يحب المحسنين )) فإذا بلـغ السايـر مرتبـة الإحسان هـذه ، فقـد أصبـح مسلماً في المستـوى المقصود بقولـه تعالى : (( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ، واتبع ملة إبراهيم حنيفا ؟ واتخذ الله إبراهيم خليلا )) .
وبقوله تعالى: (( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن ، فقد استمسك بالعروة الوثقى )) فإن جميع المخلوقات مسلمة وجهها إلى الله ، ولكنها غير محسنة ، أي غير عالمة بذلك . والقرآن يحدثنا باستسلام جميع المخلوقات ، فيقول : (( ولله يسجد من في السموات ، والأرض ، طوعا وكرها ، وظـلالهم بالغـدو والآصال . )) ويقـول : (( إني تـوكلت على الله ، ربي وربكـم ، ما من دابـة إلا هو آخـذ بناصيتـها ، إن ربي على سـراط مستقيـم )) ويقـول (( وإن من شئ إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم . ))


قولك:
Quote: لم نعثُر من خلال التنقيب عن رواية أخرى لنفس الحديث وردت في روايات أهل السنة من غير الصحابي عمر بن الخطاب . إذ أن النصوص الموجودة أمامنا برواية الصحابي الجليل دون غيره ، رغم أن نص الحديث يورد :
( كنا جلوس ... ) أي نحن جلوس ، ونحن تفيد بأن هنالك من جلس بصحبة النبي الكريم إضافة للصحابي عمر بن الخطاب وشارك الحضور ولم يرد الحديث من أي راوٍ آخر ممن كانوا ضمن الجلسة النبوية التعليمية .

نعم، هناك بعض الأحاديث التي وردت بصيغ مختلفة قليلا عن بعضها البعض، وهذه في الغالب الأحاديث التي يذكرها النبي في أكثر من مناسبة فيسمعها أكثر من واحد من الرواة.. وهذا الحديث بالذات تأتي شهرته من أن راويه هو سيدنا عمر وهذه وحدها تعطي الحديث قوة زائدة، وربما روى صحابي آخر من الحاضرين لذلك المجلس نفس الحديث ولكن الصيغة التي اشتهرت وحفظت حتى وصلت إلى مصادر جامعي الأحاديث كانت هي رواية سيدنا عمر.. طبعا نحن لا نعرف عدد الحاضرين ذلك المجلس ولا أشخاصهم..

نقطة ثانية: المعروف أنه في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وفي صدر الإسلام الأول لم يكن هناك إهتمام بالأحاديث وتدوينها مثلما حدث فيما بعد، ويقال أن النبي قال للصحابة أن لا يكتبوا عنه سوى القرآن.. أكثر من ذلك فإن التاريخ يخبرنا أن جمع القرآن وحفظه مدونا لم يتم إلا في عهد سيدنا عثمان..
نقطة ثالثة: لاحظت أنك بحثت في مصادر "أهل السنة" وتعليقي هو أن تقسيم المسلمين إلى "أهل السنة" و "الشيعة" هو نتيجة الفرقة والفتنة في الإسلام.. ما أريد قوله هو ألا نحدد لأنفسنا مصدرا للأحاديث "أهل سنة" أو "شيعة" أو غير ذلك وإنما علينا أن نعرض الحديث على القرآن.. ذاك كان نهج الأستاذ محمود.. فمثلا الحديث المشهور والذي ورد كثيرا في كتب الأستاذ محمود هو "وا شوقاه لإخواني " لا نجد أن الأستاذ ذكر رواة الحديث أو حتى مصدر الحديث في الصحائح ولكنه عرضه على القرآن ووجد ما يدعمه في القرآن..
سأضع النص من واحد من الكتب وذلك هو كتاب "من دقائق حقائق الدين"

http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=79&chapte...id=11&keywords=شوقاه
Quote: وموضوع الرسالة الثانية من الإسلام هو نبوة النبي أحمد .. وهي شريعة الأمة المسلمة.. وهي الأمة التي لم تأت بعد .. قال تعالى في حقها: (يسبح لله ما في السموات ، وما في الأرض ، الملك ، القدوس ، العزيز ، الحكيم * هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ، يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب ، والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين * وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم ، وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ..) ومن هاتين الآيتين أخذ حديث الأخوان: (وا شوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم أصحابي .. وا شوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم أصحابي .. فلما قال للثالثة: وا شوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: من إخوانك، يا رسول الله؟؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان ، للعامل منهم أجر سبعين منكم!! قالوا: منا، أم منهم؟ قال: بل منكم . قالوا: لماذا؟؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا ، ولا يجدون على الخير أعوانا!) إجابته على سؤالهم (لماذا؟؟) الواردة في آخر الحديث ـ (لأنكم تجدون على الخير أعوانا ، ولا يجدون على الخير أعوانا!!) ـ مأخوذة من الآية: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم ..) ..


قولك:
Quote: 4/

اعتمد ابن كثير أيضاً على تفسير الإحسان كما ورد في الحديث المُشار إليه كما أورده الأستاذ محمود محمد طه كمعنى من معاني ( الإحسان ) . ولمعرفة الكثيرين من العامة والخاصة من المذهب السُني لنص الحديث ، لم يذكر الأستاذ محمود مصدره كما يقتضي التوثيق في المباحث المُعتادة ، أو أنه لا يرى ضرورة من التوثيق كما اعتادته الأسفار .


في الحقيقة الأستاذ أوصى بالإطلاع على كتب الحديث والسيرة ولكنه في كتابته يضع الأحاديث من غير أن يشغل القارئ بالسند والرواة والمصدر كما قال الأخ عمر عبد الله، ولكنه في نفس الوقت يشجع على الإطلاع على كتب الحديث والسيرة ويشجع على الإكثار من قراءة القرآن، والإطلاع على كتب التفسير..

Quote: 5/ تم إعادة صياغة ( الإحسان ) من قِبل الأستاذ محمود محمد طه من بعد ورود الحديث المنقول عن النبي معنى آخر للإحسان كدرجة جديدة من درجات الترقي في درجات سُلم العقيدة .

طبعا درجة "الإحسان" كانت معروفة.. الجديد الذي أضافه الأستاذ محمود هو درجات الإيقان، والإحسان موجود بداخل كل درجة في هذه الدرجات.. وكما أوردت أنت في مداخلة سابقة أن مصدر الأستاذ محمود كان القرآن.. "كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" "إنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم".. الأستاذ محمود قال في عديد المرات أن اليقين يتم بالرؤية الفعلية وضرب مثالا لدرجات الإيقان بقصة الموز والفكهاني والرجل القروي الذي لم يسبق له أن رأى الموز.. تجدها هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=33&chapte...id=6&keywords=فكهاني
Quote: بيان أمر الإسلام نزل تفصيله في القرآن، فيما سمي بعلوم اليقين، وهذه هي ما سميت بمرحلة العلم – علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين.. بعد الإسلام، والإيمان، والإحسان، التي هي "ثلاثتها" مرحلة "إيمان" (أو مرحلة عقيدة يمكنك أن تقول) تجيء الثلاثة التي هي مرحلة إيقان، (أو مرحلة علم يمكنك أن تقول) وارد في القرآن قوله تعالى: "كلا!! لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن، يومئذ، عن النعيم".. فههنا وارد علم "اليقين" وعلم "عين اليقين" ثم يجيء، في موضع آخر، بقوله تعالى "وإنه "لحق اليقين"* فسبح باسم ربك العظيم".. ودي كلها زيادات في الدرجة.. يعني هي الإيمان يتنقل في المراقي.. فانت عندما تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله" في أول أمرك، أنت مؤمن بالنبي أنو صادق.. انت ما بتعرف عن الله حاجة.. أول دخول من دخل في الإسلام إنما دخل لأنه معلوم عندهم أن النبي صادق.. لأنهم لم يجربوا عليه الكذب.. زي ما جاء في القصة المشهورة عن هرقل قال ليهم: "هل جربتم عليه من كذب؟؟ قالوا: لا!! قال: ما كان ليدع الكذب على الناس ويدعيه على الله.." وهو قد كان في الجاهلية إسمه "الأمين".. فربنا لما اختاره للرسالة حفظه من كل ما يشكك في سلوكه.. ثم أنه لما جاء وقال للناس: "إني رسول الله إليكم" البيعرفوه آمنوا بيه طوالي.. آمن من الرجال أبوبكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي.. وإنما أسلم دول طوالي لمعرفتهم المباشرة بيهو.. فهم قد كانوا مؤمنين بيهو هو.. فهم عندما قالوا: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" إنما آمنوا بأنه هو ما كاذب.. هو صادق ما دام قد قال أنا رسول الله.. ثم أن الإيمان بالرسول زاد فجاء الإيمان بالله.. من القول باللسان والعمل بالجوارح دخل في القلوب شيء هو الإيمان بالله.. ثم زاد الإيمان فبقى إحسان.. ثم زاد الإحسان فبقى علم "يقين".. ثم زاد علم اليقين فبقى "عين يقين".. ثم زاد علم عين اليقين فبقى "حق يقين".. هنا أصبح العلم كأنه ملموس..لما تبقى انت في درجات اليقين الثلاثة العلم النظري يصبح محسوس عندك، ومجسد، تلمسه بيديك، وتقتنع بيه نفسك، لذلك تستيقن انت.. تاني انت ما عندك شك.. هناك مسألة بتقرب ليكم صور المعاني في تنقل الإيمان في درجات اليقين.. التمثيل دا ليقرب ليكم المعنى.. قالوا إذا كان انت عندك صديق في البادية وهذا الصديق لا يعرف الموز مثلا، فقلت ليهو، يا فلان في المدينة عندنا فاكهة اسمها الموز، وصفها كذا، وكذا، وكذا.. هو بيعرف الصدق الفيك، وعنده أنك انت صادق في كلامك دا، ولذلك فقد آمن بوجود الموز كما وصفته انت.. بعدين لما جاء عندك في المدينة مرة قلت ليهو يا فلان بتذكر أني أنا قلت ليك عندنا فاكهة في المدينة اسمها الموز؟؟ فيقول آي نعم!! فتقول انت أهو داك، شايف الأصابع الصفراء المعلقة من السلسلة، مثلا، إذا كان مقابلك في محلك محل واحد فكهاني.. في هذه الحالة يصبح عنده يقين بالموز.. يصبح عنده بيه علم يقين.. إيمانه الأول الذي انبنى على الخبر الذي سمعه منك زاد فأصبح علم يقين وذلك لأنه شاف ولو من على البعد.. وبعدين لو انت قلت ليهو كدا بالله نمشي عليهو، وسقته، وجيت بيه للفكهاني، واتناولت واحد من الأصابع، وأديته اياهو في ايده، فلمسه، وانبعثت رائحته إلى أنفه فشمها، أصبح علم اليقين بتاعه في زيادة كبيرة، أصبح علمه عين اليقين.. فإذا انت بعد دا كله اتناولت منه الأصبع وقمت قشرته وقلت ليه كدي اكلها بالله، فأكلها أصبح عنده بالموز علم حق اليقين.. المراقي دي هي درجات في الإيمان فيها الإيمان يزيد حتى يرتفع من العقيدة إلى العلم وهو يزيد في سلم سباعي له سبعة درجات وهذه الدرجات السبعة هي نفسها ما سميت مراتب النفوس، وهي كلها في الإسلام، يعني إسلام يزيد على إسلام، إسلام يزيد على إسلام، طبقات داخل بعض، لغاية ما يجيء الإسلام الكبير، والأخير.. ودا ما أوردنا فيهو الحكاية البسيطة القصيناها في مسألة الموزة.. حكاية الموزة هذه هي صورة مما حصل لسيدنا إبراهيم عندما نادى ربه، وقال: "ربي أرني كيف تحيي الموتى!! قال: أولم تؤمن؟؟ قال: بلى!! ولكن ليطمئن قلبي.." فهو إذن يطلب اليقين حيث طمأنينة القلب فجاءه جواب المسألة ليسوقه في المراقي.. القرآن يورد علينا: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات، والأرض، وليكون من الموقنين" ما قال ليكون من المؤمنين.. لاحظ دا.. ليه؟؟ لأنه مؤمن ومنتهي، حتى أنه لما سأله: "أو لم تؤمن؟؟" أجاب: "بلى!!" فقال تعالى "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات، والأرض، وليكون من الموقنين".. ثم تمشي التجارب مع سيدنا إبراهيم في كثرة كثيرة لغاية ما يجيء قوله تعالى: "إذ قال له ربه أسلم!! قال: أسلمت لرب العالمين.." وهو إنما أسلم لأن علمه بالله بلغ درجة "حق اليقين".. وهو قد ترقى في الدرجات القبيلك ذكرناها وذلك بأن أراه الله المعاني بصورة محسوسة.. كانت المعاني عنده محسوسة لغاية ما أيقنت نفسه، واطمأن قلبه، فلما طلب منه الإسلام قال: "أسلمت لرب العالمين"، يعني انقدت، رضيت، استسلمت.. أسلم هنا معناها استسلم، معناها انقاد ظاهرا وباطنا.. أسلم هناك انقاد ظاهرا فقط، إذ أن الإسلام الأولاني هو الانقياد الظاهري.. والإسلام الأخير هو الانقياد الظاهري والباطني في آن معا.. فهو لا اعتراض عنده على الله، لأنه قد أيقن.. هذا الإسلام، في مستويات العلم، هو المعني بقولنا: "الإسلام دين الفطرة".. العبارة في قولة النبي: "الإسلام دين الفطرة".. والعبارة في قول الله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام" والعبارة في قوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين" كلها تعني وتخص الإسلام في مرحلة العلم، لا الإسلام في مرحلة العقيدة.

ولك الشكر يا عزيزي عبد الله على متابعة الحوار..

ياسر

Post: #231
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Omer Abdalla
Date: 04-15-2007, 02:47 PM
Parent: #1


الأعزاء عبد الله ود. ياسر
تحية طيبة
لقد تطرق الأستاذ خالد الحاج لمسألة الأحاديث "وتنقيحها" في الحلقة التي نشرت بالأمس من سلسلة مقالاته:
خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين مح...تعريف بأساسيات دعوته
ويحسن تثبيت ذلك الجزء من حديثه هنا:
Quote: وفناء النار وردت حوله أحاديث نبوية كثيرة خصوصا في البخاري.. ولكنك ربما لا تجدها الآن!؟ لماذا؟! لأن الطبعات الجديدة، تعرضت لتنقيح!! ونستميح القارئ عذرا، فنعلق على هذا الموضوع.. كنت قد اطلعت على أحاديث عديدة، في نسخة قديمة للبخاري خاصة بعمنا المرحوم عبد الله أب سالف برفاعة، ومنها الحديث المشهور "يضع الرحمن رجله على النار فتقول غط غط، وينبت مكانها شجر الجرجير" وهو شجر شديد الخضرة.. وحاولت أن أرجع لهذه الأحاديث في كتب البخاري، فلم أجدها!! خصوصا الكتب المطبوعة في مصر والسعودية.. فاكتشفت أن جميع هذه الكتب منقحة!! وفي واحدة من الطبعات الصادرة من مصر، جاء في المقدمة أن الكتاب نقحه طائفة من العلماء!! وذكر هؤلآء العلماء أنهم أبعدوا من البخاري الأحاديث التي لا تتمشى مع العقل!! وذكروا كمثال انهم أبعدوا حديثا جاء فيه أن رجلا ركب على بقرة، أو حمل عليها، فقالت البقرة: "ليس لهذا خلقنا"!! فاعتبر هؤلآء الفقهاء أن هذا الحديث لا يتمشى مع العقل فأبعدوه!! والسؤال لايتمشى مع عقل من!؟ إذا كان كل انسان يجعل من نفسه حكما على عقل النبي صلى الله عليه وسلم، أوعلى القرآن، فلا شئ يبقى لا من الحديث ولا من القرآن، .. ببساطة لولا أن هؤلآء القوم يعتبرون أنفسهم أوصياء على خلق الله، وعلى دين الله، كان يمكن ترك الأحاديث كما اوردها صاحبها، ثم يعلقوا عليها ما شاؤوا.. وإذا كان ليس من العقل أن تتكلم بقرة، فليس من العقل ايضا أن يتكلم النمل، أو أن يتكلم الطير!! وكلام النمل والطير وارد في القرآن.. وحسب منطق هؤلآء القوم، لو وجدوا الفرصة، لنقحوا القرآن بما يتمشى مع عقولهم هم!! قال تعالى: (قالت نملة: يأيها النمل ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنكم سليمان وجنوده، وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها) وهذا لايعني فقط أن النمل يتكلم، بل وأن الانسان يمكن أن يفهم كلامه، وجاء عن سيدنا سليمان، من القرآن، قوله تعالى: (علمنا منطق الطير).. أكثر من ذلك كل شئ متكلم!! يقول تعالى: (وقالوا لجلودهم، لم شهدتم علينا؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ)!! - نحن سنعود لهذا الأمر عندما نتحدث عن اللغة- المهم أن نقول هنا إن عمل الفقهاء، في تنقيح كتب الأحاديث، عمل غير أخلاقي، ويقوم على وصاية غليظة من جهلاء، في معارف الدين والدنيا.. ومن أسباب التشديد على الناس، ومحاولة إخفاء النصوص التي تتحدث عن سعة الرحمة، أنهم يزعمون أن هذه الأحاديث تجعل الناس يتكاسلون عن العمل!! هل هذا الذي عرفتموه أنتم، يفوت على حكمة النبي الكريم؟! وما الذي يجعلكم أنتم عندما تعرفون هذه النصوص، لا تتقاعسون عن العمل، ويجعل الآخرين يتقاعسون!؟
المهم لكي أتحصل على بخاري غير منقح بحثت كثيرا، ولم أتمكن من الحصول عليه، إلا عن طريق الأخ حسن شرف الدين، وجده بعد جهد مضني بمكتبة واحدة، باستانبول بتركيا، فكانت آخر نسخة بالمكتبة، والنسخة مكتوب في أولها "هذه الطبعة موافقة لطبعة العامرة باستانبول سنة 1315هـ" .. فعلى المثقفين أن يعوا هذا التزييف الموبق الذي يتم لكتب التراث الاسلامي، ويقفوا ضده، ويرفضوا هذه الوصاية الغليظة.

Post: #232
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-16-2007, 02:57 AM
Parent: #231

معذرة لتأخري في الرد
في هذه العجالة التي ساعقبها بمقتطفات من مقدمة الاستاذة اسماء و الدكتور النور لثلاثة من كتب الاستاذ،

في هذه العجالة احب ان أعقب على ما قال به الصديق ياسر الشريف:
Quote: لا أظن أن عبارة "توطين الحداثة" تعطي المعنى الذي قصده الأستاذ


حديثي عن التوطين مرتبط بان الاستاذ حاول ان يوفق بين تيارات الحداثة الغربية ،في شقيها الغربي والشرقي،
وهذا مختلف عن كل التيارات الاسلامية ،
التي لا ترى في الغرب غير شقه المادي،
وهي ترى ان المادية غير مرتبطة بسياق يساهم في انتاجها.
ولنا في ذلك حديث آخر حول العلاقة بين المادة والاخلاق.

فالخطاب الاسلامي المعاصر يعتقد ان المادة ،
لا تحتاج الى سياق ،
وكذلك يعتقد ان المادة لا تساهم-في نفس الوقت-
في تغيير اسلوب الحياة الانسانية.

و سنعود لذلك بعد ايراد الاستشهادات التي وعدنا بايرادها.

شكرا الشقليني على مواصلتك في البحث عن المصادر المعرفية لخطاب الاستاذ.

محبتي

المشاء

Post: #233
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-16-2007, 03:42 AM
Parent: #1



الشكر لكل الأحباء الكُتاب :

ياسر
عمر
أسامة

على هذا المورد ومياهه العذبة ،
تبدأ خيطاً ، وتجد من يغزله .
تقبض لوناً وتجد من يرسم به .
لقد تم رفد المُصطلح بالكثير من التفصيل
والتنبيه .
الشكر مُجدداً للجميع .

ثم نواصل


Post: #234
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-16-2007, 09:13 AM
Parent: #1

الأخ عبد الله الشقليني

تحية لك وللجميع..

أحببت أن ألفت نظرك إلى أنني أضفت مداخلة لبوستك الذي هو بنفس هذا العنوان في منبر "سودان للجميع" :

http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=361&sid=9...8eb1a2b62bbdbb3f8892


ياسر

Post: #235
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-17-2007, 08:30 AM
Parent: #234

قبل ان نناقش ما قالت به الاستاذة اسماء محمود والدكتور النور حمد حول علاقة خطاب الاستاذ بالحداثة و مابعدها ،
نحب ان نشير الى ما ذكرناه سابقا،
حول الارتباك المفهومي في خطاب الاستاذ في ما يتعلق بمصطلحي الحضارة والمدينة.
ففي حدود ما رشح من فهم هنا،
فان هنالك فهما يقول بان الحضارة هي الجانب المادي ،
و المدنية هي الجانب الروحي .
فلنتأمل ما قالا به حول مفهوم الحضارة والمدنية في خطاب الاستاذ.

يقولان في ص 49 عن انتصار معاوية باعتباره نقلة بها تطورت الحياة خارج الدين الذي مثلته الفروع آنذاك:
Quote: بتلك النقلة ،تحولت مدنية الاسلام الروحية إلى حضارة مادية،على أيدي الأمويين و العباسيين.


على ضوء ذلك الفهم يمكن ان يقرأ كلامهما كالآتي:
بتلك النقلة النوعية تحولت مدنية الاسلام المدنية الى حضارة حضارية .
وهذا تكرار في غير محله اذا ما نظرنا الى المدنية باعتبارها الجانب الروحي ،
والى الحضارة باعتبارها الجانب المادي.
ولذلك كما نرى،
يبدو ان شارحي الاستاذ ومقاربيه من الجمهوريين ،
يقعون في فخ التفريق بين الجانب الروحي والمادي.
وعندما نقول فخ التفريق ،
فنحن نرى ان هنالك ارتباكا مفهوميا ،
يحيل القارئ الى خيارات كثيرة ،
وليس هنالك مفهوم محدد لماهية الحضارة والمدنية ،
في ما يتعلق بالجانب الروحي والمادي في اطار النظر الى المجتمعات الانسانية.

وسنعود
المشاء

Post: #236
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Salwa Seyam
Date: 04-18-2007, 09:42 AM
Parent: #235

ما قلنا به من ارتباك الاستاذة اسماء و الدكتور النور ،
يعود في الاصل الى ارتباك مفهوم الاستاذ لمصطلحي الحضارة و المدنية.
و سنعيد نشر ما قلنا به حتى يرى القارئ كيف ان ارتباك اسماء والنور هو في الاصل ناتج من ارتباك مفهومي في بنية الخطاب الذس سثدمان به.
قلنا قبل ذلك الآتي:

رغم هذا التفريق بين الحضارة والمدنية ،الا ان الاستاذ يعود في مواضع كثيرة بعد اجراء ذلك التفريق ليتحدث عن المدنية الغربية التي قال انها حضارة وليست مدنية.
وهذا الارتباك المفهومي نجده في مواضع كثيرة .

فاحيانا يتحدث عن المدنية الفارسية و الرومانية و احيانا اخرى يتحدث عن الحضارة الفارسية و الرومانية .
يقول في مشكلة الشرق الأوسط متحدثا عن "مدنية الفرس والروم:


Quote: ان اللّه غيور على العرب في القرن العشرين، كما كان غيورا عليهم في القرن السابع، فهو قد حمّلهم رسالة الاسلام يومئذ فلقحوا بها المدنية الفارسية في الشرق، والمدنية الرومانية اليونانية في الغرب، وهو سيحمّلهم رسالة الاسلام اليوم ليلقحوا بها المدنية الشيوعية في الشرق، والمدنية الرأسمالية في الغرب.



وفي احيان اخرى يتحدث عن "حضارة " الفرس والروم.
يقول في "قل هذه سبيلي":


Quote: فقد ظهروا بالإسلام في منطقة مجدبة ، ومتخلفة ، فأشعلوا به الثورة في نفوسهم ، وبرزوا به بين الحضارة الفارسية – الشرقية – والحضارة الرومانية – الغربية
و يبدو الارتباك المفهومي واضحا في حديث الاستاذ التالي حين يتحدث عن مدنية روحية مادية:

يقول في مشكلة الشرق الاوسط:
ان الزمان قد استدار استدارة كاملة،واضبحنا نعيش اليوم في فترة تؤرخ بداية عهد ونهاية عهد..واصبحت منطقة العرب مسرحا لصراع حضاري جديد،هو الصراع بين الحضارة الغربية الآلية كما يمثلها اليهود،فيحسنون تمثيلها كل الاحسان،وبين المدنية

الاسلامية)) الروحية-المادية ((كما يمثلها العرب فيسئون تمثيلها كل الاساءة.
من كل تلك الاستشهادات نخلص الى ان ارتباك اسماء و النور ناجم من ارتباك النص الذي يقاربانه
و يبدو الارتباك جليا في غياب مفهوم حول مصطلحي الحضارة و المدينة، يمكن ان يساهم في النظر النقدي الى مقاربة الاستاذ لمصطلحي الحضارة والمدينة.
المشاء

Post: #237
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-18-2007, 09:50 AM
Parent: #236

اعتذار:
تقرأ المداخلة السابقة باسمي،
ذلك انني استخدمت كمبيوتر سلوى ،
ولم انتبه الى ان الحساب اساسا هو حسابها.
كثير اسفي
المشاء

Post: #239
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-18-2007, 01:28 PM
Parent: #1




الإحسان (3)
حول مصطلح الإحسان عند الأستاذ محمود


الأحباء الكُتاب :
ياسر
وعمر
وأسامة

وكل الذين يقرءون أو يشتركون معنا فتنة التَفَكُر .

اطلعت على الحوار الثري الذي رفد الحديث عن مُصطلح الإحسان عند الأستاذ محمود مقارنة بابن كثير والجلالين الذي حدثنا عنه تفضلاً الأستاذان عمر وياسر ، وذكرنا أن المصطلح أورده الأستاذ محمود بسند حديث الصحابي عمر بن الخطاب :

( بمعنى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك )

ولا خلاف بيننا عن مراحل الإحسان ودرجاته .

أوردنا سابقاً أن المرجع في النص المنقول هو من سند أهل السنة .
وبناء عليه نرغب توضيح أن إسناد مصطلح الإحسان هو من أسانيد المذهب السُني ، وليس من أسانيد المذهب الشيعي . على الأقل لا ينطبق مع المذهب الشيعي الاثنا عشري ، وذاك لسبب معروف من أن الصحابة عمر وأبو بكر في اجتماع سقيفة بني ساعدة عقب وفاة النبي الكريم قد قرروا في أمر الخلافة بعد خلاف الأنصار والمهاجرين ، وكان ذلك في غيبة الصحابي علي بن أبي طالب ، إذ لم يكن حاضراً ذاك الاجتماع ، فأن علياً اعتذر عن القدوم لبيعة أبو بكر وتعلل بجمع القرآن وأنه قد نذر نفسه ألا يخرج من بيته إلا للصلاة في المسجد . ورفض البيعة زماناً من بعد السقيفة حتى دبت الفتنة وبايع أبو بكر درءً لتلك الفتنة التي كما هو معروف أفضت لحروب الردة كما تقول مصادر التاريخ . وبناء عليه فلا يعتد الشيعة وخاصة الاثنا عشريين بما يُنقل عن عُمر أو أبو بكر من أحاديث أو روايات عن النبي ، وهو أمر لا حاجة لنا بأن نُبحث دليله .
وبما أن المصدر المشترك بين ابن كثير والجلالين والأستاذ محمود هو الذي قاد المصطلح الخاص بالإحسان بمعناه الذي أورده الأستاذ وأفاض عليه وفق ما تفضل الأستاذ ياسر ، وتلك إضافة لمعاني الإحسان في اللغة الواردة في المعاجم .

عليه فإن أي حديث يرد عن الصحابي عمر بن الخطاب فهو غير موثوق من قبل الشيعة الاثنا عشرية لأنهم يرون أبعد من رأينا الأول وهو أن الإمامة وليست الخلافة هي حق أصيل أوصى به النبي لعلي ، بل أنهم وإلى تاريخ اليوم يحمِّلون الصحابيين الجليلين وزر نـزع الإمامة عن علي منذ المُبتدأ .

لذا نرى أن المصادر التي بنى عليها الأستاذ محمود محمد طه المصطلح كانت بمرجع سُني الأصل وفق ما أوردنا سابقاً .

ثم نواصل






Post: #240
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-19-2007, 03:49 AM
Parent: #1

http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=361&sid=9...8eb1a2b62bbdbb3f8892

العزيز الأستاذ/ ياسر

لقد قرأت المداخلة الثرية ، وكتبت ما تيسر ،
وهي رؤى عميقة للكاتب ولك أنت الباحث في تلك الدُرر
أتمنى أن يتيسر لي الوقت لإثراء المقال هُنا أو هناك .

شكراً لك

Post: #241
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-19-2007, 08:50 AM
Parent: #1

عزيزي عبد الله الشقليني،

تحية لك وللجميع.. لدي تعليق على مداخلتك قبل الأخيرة وفي نفس الوقت رد على الأخ أسامة الذي ذكر عبارة وردت في مقدمة الأستاذة أسماء والدكتور النور لكتاب "نحو مشروع مستقبلي للإسلام" والعبارة تقول:

Quote: بتلك النقلة ،تحولت مدنية الاسلام الروحية إلى حضارة مادية،على أيدي الأمويين و العباسيين.

المسألة نسبية يا أسامة.. وقد ورد في الأثر أن النبي عليه الصلاة والسلام تنبأ بها عندما قال: الخلافة بعدي ثلاثون عاما ثم تكون ملكا عضوضا.. هذا الجانب من العبارة "الملك العضوض" هو الذي يصح فيه أنه أضاع جوهر الإسلام الروحي فحمل المسلمون السيوف ضد بعضهم البعض فحاربت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عليًّا كرم الله وجهه واحترب علي ومعاوية رضي الله عنهما.. وبالرغم من هذا إذا تمت مقارنة الحكم الإسلامي بغيره من الملكيات يصح أيضا وصفه بالمدنية الإسلامية.. والأستاذ محمود قال في غير موضع أن شمس الشريعة الإسلامية قد غربت منذ زمن بعيد ولن تشرق بوجهها القديم وإنما بوجه جديد.. وأرجو أن تسمح لي بوضع هذا النص من كتاب "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" فهو يقول الكثير:

Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
(( ومن الليل فتهجد به ، نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ))
(( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ))
عندما انتشر الإسلام وساد حياة الناس ، كان النبي هو إمامهم ووسيلتهم إلى الله ، ولم تكن الدنيا أكبر همهم . بل كانت الدنيا عندهم مطية الآخرة كما علمهم النبي ، ثم لما لحق النبي بربه سار الأمر على ذلك خلافة الشيخين وصدرا من خلافة عثمان ، وفي أخريات خلافة عثمان بدأ حب الدنيا يشغل قلوب الناس ، حتى إذا جاء علي عقب مقتل عثمان ، وأراد أن يرد الأمر إلى ما كان عليه على عهد الشيخين ، دفع حب الدنيا الناس إلى خذلانه ونصرة معاوية عليه ، وأصبح أمر الدنيا بذلك عاليا على أمر الدين ، وصارت الخلافة على يدي معاوية ملكا عضوضا ، كما أخبر بذلك النبي ، وقد عهد معاوية بأمر المؤمنين إلى ابنه يزيد ، وجعل هذا الأمر وراثة في عقبه من بعده ، ولقد قتـل علي بن أبي طالب في زمن معاوية ، ولقد قتـل الحسن بن علي . وعلى يدي رجال يزيد بن معاوية ، قتل الحسين بن علي ، وقتل من أبناء على عدد كبير . ثم لم يزل أمر الدنيا عاليا ، وأمر الدين منحطا بين الناس . كلما قام لنصرته قائم من أبناء علي خذله الناس ونصروا عليه أعداءه من الأمويين ثم من العباسيين ، حتى استيأس أنصار الدين من صلاح أمر الناس ، ففروا بدينهم إلى المغاور ، والكهوف ، والفلوات يقيمونه في أنفسهم ، وينشرونه بين الراغبين فيه ممن حولهم ، من غير أن يتعرضوا إلى منازعة السلطة الزمنية ، فنشأ بذلك التصوف الإسلامي ، وظهر مشايخه ممن أخذوا أنفسهم بتقليد سيرة النبي ، من قبل أن يبعث ، حين كان يتحنث في غار حراء ، وبعد أن بعث . فظهرت معارف الدين وأسراره ، وأنواره ، عليهـم وعلى مريديهم ، وكانوا هم حفظة الدين وعلماءه ومرشدي الناس إليه ، واضطلعوا بدورهم العظيم هذا زمنا طويلا ، مما لا تزال بقاياه ، في التربية والإرشاد ، ظاهرة إلى يوم الناس هذا ، في بعض تلك البقع المباركة ، التي يحفظ فيها القرآن الكريم ، ويسلك فيها المريدون .
إن التصوف الإسلامي ، في حقيقته ، هو تقليد السيرة النبوية ..
فالنبي ، في خاصة عمله ، قبل البعث ، وبعد البعث ، هو عمدة الصوفية ، وإن كان اسم الصوفية لم يظهر إلا مؤخرا . فالصوفية ، في حقيقة نشأتهم هم أنصار السنة المحمدية ، ولقد ازدهر التصوف في القرون السبعة التي تلي القـرن الثالث ، وكانت قمتـه في القرنين السادس والسابع ، ثم لحـق التصـوف من التبديل ، والتغيير ، والضعف ما لحقه ، مما نراه الآن ، وهـو ، على ما هو عليه ، من هذا الضعف ، وهذا الانحراف عما كان عليه السلف ، أقرب إلى الدين ، من كثير من المظاهر الكاذبة ، التي تدَّعي الدين وتعيش باسمه .
هذا ما كان من أمر أصحاب الدين ـ أصحاب علي بن أبي طالب وأبنائه من بعده .
وأما ما كان من أصحاب الدنيا ـ أصحاب معاوية ـ الذين بدأ عهدهم بانتصار معاوية ، وهزيمة علي ، فإنهم أخذوا ينظمون دنياهم وفق الشريعة الإسلامية ، حتى إذا اتسعت وزاد إقبالهم عليها وتشعبت حاجاتهم فيها ، نشأ الفقه الإسلامي ، وأخذ يستنبط ويقيس ويجتهد ، حتى أسرف على الناس في أخريات الأيام وبعد بهم عن المعين واهتم بالقشور وفرط في اللب فأصبح صورا تحكي الدين بلا دين وجاء الفقهاء الذين يعيشون للدنيا ويأكلونها باسم الدين .
والآن ، فإن مسالك الدين قد انبهمت على الفقهاء ، وعلى أصحاب الطرق ، على تفاوت بين الفريقين في ذلك ، وأصبـح الناس في الجاهلية الثانيـة ، التي أشار إليهـا ، إشارة لطيفة ، قولـه تعالى (( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )) ولقد غربت شمس الشريعة الإسلامية ، منذ حين ، وطال ليلها ، وتوشك أن تشرق من جديد ، بصبح جديد .
إن محمدا قد أخرج الناس ، بفضل الله ، من ظلام الجاهلية الأولى إلى نور الإيمان ، وهو سيخرجهم ، بفضل الله ، من ظلام الجاهلية الثانية إلى ضياء الإسلام ، وسيكون يومنا أفضل من أمسنا ، وسيكون غدنا (( ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ))
إن غدنا هذا المأمول ـ غد البشرية جميعها ـ لا يعدنا له ، ولا يرقينا فيه ، مرشد أقل من محمد المعصوم ، ولقد خدمت الطرق الصوفية غرضا نبيلا ، وقامت بـدور عظيم ، في حفظ الدين وإرشاد الناس ، ولكنها أقل من أن تنهض بأعباء هذا الغد ، ولا بد إذن من الأخذ بالطريقة الجامعة للطرق كلها ، طريقة محمد ، فإنه قد قال (( قولي شريعة وعملي طريقة وحالي حقيقة . )) .
هذا المضمون هو ما عنيناه في منشورنا الأول حين قلنا (( إن محمدا هو الوسيلة إلى الله ، وليس غيره وسيلة منذ اليوم )) .
وأمر الجاهلية الثانية ، التي تعيشها البشرية المعاصرة في هذه الآونة ، بالمقارنة إلى الجاهلية الأولى ، التي عاشتها البشرية قبل أربعة عشر قرنا ، وما كان من ضرورة البعث المحمدي الأول ، وما يكون من لزوم البعث المحمدي الثاني ، هو ما عنيناه في نفس ذلك المنشور حين قلنا (( أما بعد، فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم بعث الله محمداً ، داعيا إليه ، ومرشدا ومسلكا في طريقـه ، وقد انغلقت اليوم ، بتلك الاستدارة الزمانية ، جميع الطرق التي كانت فيما مضى واسلة إلى الله ، وموصلة إليه ، إلا طريق محمد .. فلم تعد الطرق الطرق ، ولا الملل الملل ، منذ اليوم )) .
هذا هذا ، بخصوص الطرق ، وأما الملل ، فإن اليوم يؤرخ بداية تنفيذ وعيد الله حين قال ، جل من قائل (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين )) .
إن محمدا ليس غايبا اليوم ، وإنما نحن غافلون عنه لجهلنا به ، ولذلك ، فقد دعونا مشايخ الطرق المعاصرين أن يكونوا مرشدين لأتباعهم إلى سيرة النبي ، في عبادته ، وفي عادته ، بأفعالهم ، وبأقوالهم فقلنا (( إن على مشايخ الطرق ، منذ اليوم أن يخرجوا أنفسهم من بين الناس ومحمد )) وأردنا بذلك إلى دعوتهم أن يحيلوا أتباعهم على النبي ، ليكون شيخ الجميع ، ومرشد الجميع ، وأن تنشأ بينهم ، من علائق المحبة المتبادلة ، والاحترام المتبادل ، ما يكون بين زملاء الطريق ، ورفقاء السفر إلى الحج الأكبر .
إن هذه الدعـوة ، إلى العـودة إلى محمد ، التي نقـدمها تحقـق ، في أول الأمـر ، وحدة الأمـة ، وتحـررها من الطائفية ، التي هي آفـة الآفات ، وذلك بجمعها على تقليـد رجل واحد ، هو مثلنا الأعلى .. ثم إنها ، في آخـر الأمـر ، تجعل (( لا إله إلا الله )) ثـورة فعالة ، في صـدور الرجال والنساء ، كما كانت في العهـد الأول ، حيـن نادى بها محمد في المجتمـع المكي .. ويـومئذ تتوحد الأمة باجتماعهـا على الله عن معرفة ويقيـن .
إننا قد استيقنا من أنه بتقليـد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها ، ولذلك فإنا قد جعلنا وكـدنا تعميق هذه الدعـوة ، ونقـدم فيما يلي نموذجا يعيـن كل من يريـد أن يتخـذ إلى الله سبيـلا .



..
في هذا الجانب أيضا أحب أن أخبرك أن الأستاذ محمود يرى أن دولة الخلافة الإسلامية هي التي كانت على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعلى عهد الخلفاء من بعده أبو بكر وعمر وعثمان.. تجد ذلك في تعليق الأستاذ على كتاب الأستاذ خالد محمد خالد "من هنا نبدأ" الذي نشر في مارس 1951 وأعيد نشره في كتاب رسائل ومقالات الأول.. تقول العبارة:


Quote: إن الخلفاء أربعة: محمد، وأبوبكر، وعمر، وعثمان.. والحكومات الدينية إنما هي تلك التي كانت على عهدهم..


والخلافة التي يقصدها الأستاذ هنا إنما هي خلافة الله والـ "خليفة" المقصود في الأساس هو خليفة الله وبهذا كان الخليفة الأول في البعث الإسلامي هو النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون الثلاثة من بعده هم خلفاء الرسالة.. وقد بدأت أول خلافة في الأرض بسيدناآدم، ومعلوم قول الله تبارك وتعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)" "سورة البقرة"، وأيضا قول الله عز وجل في سورة "ص": " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)".. وهذا يأخذني إلى مداخلة الأخ الأستاذ الشقليني العامرة لأوضح رأي الأستاذ محمود.. يقول الشقليني:

Quote: وبما أن المصدر المشترك بين ابن كثير والجلالين والأستاذ محمود هو الذي قاد المصطلح الخاص بالإحسان بمعناه الذي أورده الأستاذ وأفاض عليه وفق ما تفضل الأستاذ ياسر ، وتلك إضافة لمعاني الإحسان في اللغة الواردة في المعاجم .

عليه فإن أي حديث يرد عن الصحابي عمر بن الخطاب فهو غير موثوق من قبل الشيعة الاثنا عشرية لأنهم يرون أبعد من رأينا الأول وهو أن الإمامة وليست الخلافة هي حق أصيل أوصى به النبي لعلي ، بل أنهم وإلى تاريخ اليوم يحمِّلون الصحابيين الجليلين وزر نـزع الإمامة عن علي منذ المُبتدأ .

الأستاذ محمود يستأنس بكل مصادر السيرة من كل المذاهب ويستخرج منها ما يرى أن نوره يتصل بنور القرآن.
أعتقد أن القول المنسوب إلى الشيعة الإثناعشرية والذي وضعت لك تحته خطاً ليس صحيحا.. فالنبي في الحقيقة اختار سيدنا أبوبكر ليكون إماما للناس في الصلاة في آخر أيامه وتلك كانت إشارة واضحة إلى أن الخلافة والإمامة أمر واحد في ذلك الوقت.. وقد سمعت الأستاذ مرة يروي القصة المشهورة وهي أن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن أشار إلى أبي بكر أن يصلي بالناس أتى ووقف هو أيضا في الصف يريد أن يصلي خلف أبي بكر وعندما شعر أبو بكر بذلك رجع إلى الصف برغم إشارة النبي له بأن يواصل ولكنه بقي حيث هو في الصف وتقدم النبي وأتم الصلاة وبعد الصلاة قال لسيدنا أبي بكر: ما منعك أن تصلي بالناس إذ أمرتك يا أبا بكر.. فقال سيدنا أبو بكر: ما كان لإبن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله!! فتأمل هذا الأدب مع النبي!! وكان النبي عليه السلام يقول له ما بالك باثنين الله ثالثهما.. طبعا الشيعة لهم أيضا بعض الأحاديث التي تشير إلى مقام سيدنا علي مثل قول النبي عليه السلام: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".. والأستاذ محمود يقول بأن سيدنا أبو بكر هو خليفة الرسالة وسيدنا علي هو خليفة النبوة، وهو الذي من ذريته يجيء المهدي الذي هو المسيح.. وقد جاء في كتاب "المسيح" الموضوع في هذا البوست فقرة أحب لك أن تقرأها بتأمل:


Quote: المسيح والمهــدي
ولذلك فقد فهم بعض المسلمين الحديث النبوي القائل : ( لو لم يبق من عمر الدنيا إلا مقدار ساعة لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ) ، فهموا أن المقصود منه إنما هو المهدي وليس المسيح .. وهم إنما فهموا ذلك كذلك لاعتقادهم أن المسيح إنما هو عيسى الإسرائيلي عليه السلام .. والحق غير ذلك .. فالحديث إنما يعني ، في المقام الأول ، المسيح .. وأما المهدي فإنه يأتي قبل المسيح ويبقى بعـده .. وذلك لأن المسيح إنما هو رجل من أمة محمد يجتبيه الله إليه فيرقى المراقي إلى أن يحقق ، بفضل الله ، مقام المسيح .. وهو في طريقه لتحقيق ذلك المقام العظيم ، يمر بمقام المهدي ، فيكون فيه المهدي ، ثم هو لا يلبث أن يبلغ مقام المسيح فيكون بذلك صاحب مقامين : المهدي والمسيح ( عيسى ) .. وهنا يجيء الحديث : ( لا مهدي إلا عيسى ) .. ثم يرقى من بعده رجل فيبلغ مقام المهدي ، ويظل فيه ، ولا يتعـدّاه ، وهذا هو المهدي ، وهو معاصر للمسيح ، ووزيره ..

[....]
إن خلاصة القول في هذا الصدد أن المسيح المقبل رجل من أمة محمد يرقى المراقي ليحقق ذلك المقام ، وهو في سيره لبلوغ ذلك المقام يمر بمقام المهدي فيكون المهدي ، ثم لا يلبث أن يحقق مقام المسيح ، وبعد ذهابه يخلفه المهدي ، ولذلك فإن الحديث القائل : ( لو لم يبق من عمر الدنيا إلا مقدار ساعة ، لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ) إنما يعني المسيح ، بالأصالة ، وهو عندما يعني المهدي لا يعنيه إلا في معنى أن المسيح نفسه وهو يسير لبلوغ مقام المسيح يمر بمقام المهدي ، ويتجاوزه وهو في لحظة إقامته بمقام المهدي يسمى المهدي .. وما ذاك إلا أن ملء الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا إنما يكون بالمسيح .. فالمسيح هو صاحب العلم من القرآن الذي به تحل مشاكل الأفراد ، ومشاكل الجماعات .. والمهدي لا يعمل من بعده إلا بعلمه ، أو قل بإذنه لأنه إنما هو خليفة المسيح ..



والسلام

ياسر

Post: #242
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-19-2007, 04:53 PM
Parent: #1

الحبيب / ياسر الشريف
تحية طيبة وأمنية لكَ بخير كثير .
والتحية للأحباء المشاركين بالرفد وبالقراءة .

وأثمن كثيراً ما أوردت من قطوف واستدلال ، ونأمل أن يصبح ثراء للموضوع حتى لو ابتعد قليلاً عن لُب الحوار ، ففي بعض الخروج تجديداً ونفضاً للغبار عن كثيرٍ من المسلمات التي نقرأ ، ولا نقرأ من موارد أخرى ربما تكون ميسرة ، ونغفل عنها بحُكم الاعتياد .فيما سأورد نُثري الحديث ، ولا نتشكك في ثقل الصحابة ودورهم ، وهو له علاقة فيما أوردت أنت منقولاً عن الأستاذ ، وما أوردناه من مصادر خلافية في مراجع الاثني عشرية :

ففي موضوع الإمامة الخاصة بالاثنا عشرية ، ختماً لفرع أنشأناه ، وما نحب أن نوغل فيه لبُعده عن رافد الدراسة التي نحن بصدد تأسيسها حول المُصطلح في فكر الأستاذ محمود والتحديث في رؤى الدين الإسلامي الذي قام بتأسيسه ، وليس من قبيل الترويج لفكر . ونذكر هُنا ما يورده الاثنا عشرية في سفر من أسفارهم لتأكيد الإمامة ، وليس من قبيل التقليل من شأن الرؤى المخالفة التي ربما يختلف الكثيرون عليها بل من قبيل رفد ما نورد بأدلة من مصادرها ، ونأمل ختم الموضوع الذي يتعلق بالإمامة بقطف قطفناه من نص من أحد أسفار الجماعة التي ذكرنا .

والمصدر :

سبيل المعرفة للشيخ خليل رزق .
شارك في إعداده :
الشيخ محمود كرنيب
الشيخ محمد المستراح
الشيخ حسن بدران
الشيخ نضال أرسلان
الحاج محمد قطايا
الناشر دار الأمير ـ بيروت لبنان
الطبعة الثالثة 2001 م ـ 1422 ه
النص المنقول من ص (50) بغرض الدراسة :

[3ـ حديث الثقلين :


وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " .


4ـ حديث الغدير :


وذلك عندما جمع الناس في حجة الوداع عند غدير خم ، وقال لهم : " ألستُ أولى بكم من أنفُسكم ؟ "

قالوا بلا .

قال : " فمن كنتُ مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصُر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار "

ومع كل هذه النصوص فقد أنكر جماعة من المسلمين إمامة علي عليه السلام بحُجج واهية طاعةً لكُبرائهم وتسليماً لما يقوله ساداتهم .

النص على الأئمة ألاثني عشر :

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كبير جداً من الروايات التي تنص على الأئمة ألاثني عشر بأسمائهم واحداً واحداً ، وقد حرص صلى الله عليه وسلم أن يخبر بذلك خاصة أصحابه لكي يحفظوا ذلك ولا يضيعوه . ومن الروايات قوله لجابر بن عبيد الله الأنصاري عندما سأله عن الذين وجبت طاعتهم في قوله تعالي :

{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }.

فقال صلى الله عليه وسلم : " هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي وأولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي سميي وكُنيتي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده الحسن بن علي "

انتهى النص .

ثم من بعد نعود لمتابعة ما أسلفنا من متابعة المُصطلح لدى الأستاذ محمود ، وهو من بعد تثميناً لرؤاه وغوصاً في عميق جلوسه مجلس المفكرين الذين أثروا النصوص الدينية بفتوحات مُبدعة ، انتهجت نهج الفكر والتفكر الذي يدعوا له الذكر الحكيم ، رغم أن الكثيرين يغفلون دوماً عن تلك الإشارات القُرآنية التي تدلف عند كل سانحة من آيات ترد موارد حَرِيَّة بالدراسة والتمحيص .

ثم نواصل

19/04/07

Post: #243
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-20-2007, 02:51 PM
Parent: #1




الإحسان ( 4)


للأحباء وللأستاذ ياسر :

أما ما نقلت حبيبنا ياسر فيما ورد عن الأستاذ محمود محمد طه :


[ .. حين يقوى الإيمان بالمرحلة الأولى ، وهي أن يبدأ يقين الساير بأنـه يـرى الله ، وهـو ما عبـر عنه النبي (( كأنك تراه )) ثم المرحلة الأخيرة ، وهي أن يرى الساير الله وهو ما أشار إليه النبي بقوله (( فإن لم تكن تـراه )) ولذلك قال بعـض العارفيـن (( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن ، فإنك تراه )) يشير بذلك إلى أن الإنسان محجوب بأوهام نفسه ، عـن الله فإن فني عنها ، فإنه يـرى الله . ]

فهي مقولة شائعة عند بعض المتصوفة فهي من درجات الترقي وقد تبدو عند غير العارفين ضرباً من خيال أو إسرافاً في التخيل الذاتي أو ما يدعوه من خبر علوم النفس :
( self hallucination ) ، وهي وفق ما أرى عميقة الغور وأوسع مما نحسب ، بل و أكثر فتنة مما قد تبدو وأكثر تعقيداً . تلتحم بعلوم النفس البشرية وتتداخل مع أهل الذكر جميعاً وفي كافة العقائد والملل . من يقرأ عن تاريخ الذكر في الأديان القديمة : البرهمية أو المسيحية أو عن أساطين المتصوفة المسلمين يجدهم جميعاً أسبق في فتوحات علوم النفس البشرية ، وتلك مراحل تتأتى من الاستغراق في الفكرة في مساحة زمانية تطول مع تركيز ذهني عميق وكثير من الصبر و من مُحفزات الاستغراق ، تنتج صوراً تفلق الذهن وتُشرق شُموسه الخفية ، و تحتاج منا الكثير من الشروح ، وأعتقد أن الأمر يستدع موضوعاً متشعباً لا قبل لنا به في تلك العُجالة .. لنُسمه :

( التصوف وعلوم النفس البشرية )

ليت لنا سعة من الزمان أو أن تصبر الدُنيا علينا حتى نلج مورداً صعباً يحتاج كثيراً من التمهيد والتفصيل ، فلغته ونهجه غير ما ننهج وغير اللغة التي بها نتحدث ، يحسبها الذي يطفو ولا يدخل أعماق البحار كُفراً :

إن العلوم التي تقع فيما يعُرف بعلوم ما وراء الطبيعة ، والتي أرى أنها اصطلاح غير دقيق لعلوم قيد الفتح المعرفي والتي يمكن للعقل البشري الوصول أيها لاحقاً ولم نحصل بعد على كنوزها كاملة . وقد قيل قديماً نقلاً عن بعض المتصوفة أن الملوك لو عرفت نعيم التصوف لقاتلت أهله عليه بالسيوف .
ومن هنا تنبع الأسرار الغريبة التي تسكن الآية الكريمة :


{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6



و نواصل

Post: #244
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-21-2007, 00:30 AM
Parent: #243

أخي العزيز عبد الله الشقليني،

تحية طيبة

توقفك فيما كتبه الأستاذ محمود عن الإحسان من قول العارفين: "فإن لم تكن فإنك تراه" جميل جدا.. والصوفية طبعا يعمدون إلى ترك الإرادة للمريد الواحد حتى ينعموا برؤيته وملاقاته.. والأستاذ محمود يقول بأن لقاء الإنسان ربه إنما يتم في الإنسان نفسه وهو مثل قول الصوفية "سيرك منك وصولك إليك".. وهذا يذكِّرني بمسألة "القيام بالله".. وقد قال الشيخ عبد الغني النابلسي:
إن تكن بالله قائم ** لم تكن بل أنت هو
أنت ظل الغيب من ** أسمائه والشمس هو

وقد قال الأستاذ محمود عن هذين البيتين في كتابه للدكتور مصطفى محمود "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري":


Quote: قوله: (إن تكن بالله قائم) .. يعني إن تخلصت من وهم قيامك بأمر نفسك، وشاهدت شهودا ذوقيا، حسيا ألا حول لك، ولا قوة، وأنه: (لا حول، ولا قوة، إلا بالله)، فقد أمحت عنك رعونات نفسك .. يعني: تخليت من نقص صفاتك، وتحليت بكمال صفاته ..


لا أزال سعيدا بما تكتب خاصة قولك:

Quote: إن العلوم التي تقع فيما يعُرف بعلوم ما وراء الطبيعة ، والتي أرى أنها اصطلاح غير دقيق لعلوم قيد الفتح المعرفي والتي يمكن للعقل البشري الوصول أيها لاحقاً ولم نحصل بعد على كنوزها كاملة . وقد قيل قديماً نقلاً عن بعض المتصوفة أن الملوك لو عرفت نعيم التصوف لقاتلت أهله عليه بالسيوف .
ومن هنا تنبع الأسرار الغريبة التي تسكن الآية الكريمة :


{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6


وأرجو أن تسمح لي بأن أضع هنا خطاب الأستاذ للأخ عابدين الذي توجه ببعض الأسئلة الشيقة وقد كانت أجوبة الأستاذ محمود مختصرة ولكنها تفتح الطريق للمزيد من البحث الذي سأعود إليه:

Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
ام درمان في 8/2/1973
ص ب 1151
عزيزي عابدين : تحية طيبة
وصلني جوابك وسرتني أسئلتك كثيرا ، ولا بد أن أعتذر إليك ، وعذري أني لا أجد الزمن الكافي .
أنت تقول " وهناك بعض التساؤلات التي تدور بخلدي ولقد أجهدني التفكير فيها ، فرجائي إجابتي عليها علي أستيقن فأنا أعيش في دوامة من أمري ، وهي تتلخص في عدة تساؤلات " ثم تمضي تعدد التساؤلات .
وأحب ان أخبرك قبل أن أرد عليك بالتفصيل المطلوب أن اليقين لا يجئ نتيجة الاجابات على التساؤلات التي تدور في الذهن ، ولكن يجئ نتيجة الممارسة على منهاج تعبدي يسوق الطمأنينة إلى النفس ، وذلك المنهاج هو " طريق محمد " لأنه طريق نفس أحرزت طمأنينتها فأصبحت تشعها فيما يلامسها من نفوس .
سؤالك الأول : ما هو سر الحياة ؟ ولماذا هذا النزاع الذي ينتاب الإنسان ويعتريه ، وكيف الخلاص منه ؟؟ والجواب أن سر الحياة هو الله ، وهو الخير الصرف المحض الذي لا يعرف الشر إليه سبيلا . سر الحياة هو اللذة الكاملة الحسية والمعنوية ، لذة القلب والعقل والجسد .
وأما النزاع الذي ينتاب الإنسان فإنما سببه الكلف الشديد بالوصول إلى سر الحياة . الوصول إلى هذه اللذة التي لا تؤوفها آفة النقص – ولا آفة الفناء .. والنزاع إنما هو من معوقات هذا الوصول إلى اللذة .. فأكبر هذه المعوقات إنما هو الجهل بأصل الخير .. قال تعالى :" قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء "
وأما كيف الخلاص منه " فإنما يكون الخلاص باتباع شريعة الله بإتقان وصدق ، حتى يثمر هذا الاتباع العلم بالله الذي به وحده الخلاص " واتقوا الله ويعلمكم الله "
هذه هي القاعدة الذهبية ، وفي حديث النبي الكريم تفريع على هذه الاية وذلك حيث يقول " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم " وهذا من أجله أخبرتك في صدر كتابي هذا بأن طريق الاستيقان إنما هو باتباع طريق محمد بإتقان وبوعي .
السؤال الثاني : هل هذا الكون المترامي الأطراف من حركة وسكون ومن خير أو شر إلخ ... هل هو الله ؟ أم هو ماذا وهل يمكن التغلب على الموت الحسي بعد أن استطاع الإنسان أن يتغلب على الكثير من الصعاب والكثير من الأمراض المعضلة ؟
الجواب أن الكون هو الله . هو فعل الله وفعل الله هو مظهره المجسد . فإن الله قد فعل فعله بمقتضى الحكمة فأصبح الكون المحسوس هو تجسيد حكمة الله الخفية .. خلق الله الكون " بالعلم والإرادة والقدرة " فكان عالما بالكون مريدا له وقادرا عليه فكان الكون هو تجسيد العلم ، وعلم الله قديم قائم بذاته وما هو في التناهي إلا الذات .
فليس الكون إلا الله .
وأما هل يمكن التغلب على الموت الحسي ؟ فالجواب نعم وذلك حين يبلغ علمنا بالله مبلغا ننتصر به على الخوف ، فتتوحد ذواتنا حتى لا يكون هناك في بنيتنا معنى ً ناقص يتوجب عليه الموت وإنما نكون أحياء كلنا – حية كل بنيتنا .. إن مصير الإنسان أن يقهر الموت ، ويتحرر من الفناء .. وينعم بالخلود ..
إقرأ الرسالة الثانية من الإسلام "
وأنت تسأل وهل هذه الأرواح التي تفارق الأجساد تتواءم مع أجساد أخرى كما نلاحظ ذلك في عقلية الجيل الحالي . والجواب نعم !! فإن الروح قديمة ، تتبدل جلودها كلما نضجت ، بجلود جديدة .
واحب أن أوكد لك .. أن أسئلتك لطيفة جدا ، وأنها تستحق استقصاء أكثر ، والمعنى حاضر عندنا ولكن الوقت لا يسعف ولقد كرهت تأخير الرد عليك ، فرأيت أن أعجل بالممكن الآن ، فإن ما لا يقال كله قد لا يترك جله
هذا وإني لأوصيك بالممارسة – فإن عقلك المتفتح ، المتطلع لا يغنيه غير ممارسة العبادة على نهج محمد .. هداك الله سبل الرشاد وهدى بك أقواما
اقرأ سلامي على من قبلك
المخلص
محمود محمد طه


وفي كتاب "أسئلة وأجوبة" الجزء الأول جاء هذا السؤال والجواب اللذين أعتبر أن لهما علاقة وثيقة بما نحن بصدده:

Quote: هل الروح شيء أصيل في المادة، أم هي شيء قائم بذاته، أم هي مكانيكية، كمايقول بعض الفلاسفة؟

(الإجابة التي وردت على السؤال نمرة 13 من أسئلة السنوسي تكاد تكون واضحة ولكنها ((ميتافيزيقية)) فيما يختص بالروح)
الجواب: عبارة ((ميتافيزيقة)) تستعمل في مقابلة عبارة ((فيزيقية)) عادةً.. ((فيزيقية)) تقال عن الوجود المادي، الظاهر، المؤثر في الحواس. و ((ميتافيزيقية)) تقال عن الوجود النظري، المجرد، الذي لا يؤثر في الحواس، ولكن يدرك بالعقل، ويتصور، على نحو من الأنحاء.. والكلام عندنا عن الروح لا يوصف بأنه ((ميتافيزيقي)) لأننا نقول أن المادة المحسوسة، الظاهرة للحواس، روح، ولكنها في حالة من الإهتزاز تتأثر بها الحواس.. والروح ـ في المدلول الشائع عنها ـ مادة في حالة من الإهتزاز لا تتأثر بها حواسنا.. فالأمر عندنا وحدة وليس ينطبق عليه تعبير ((الفيزيقية)) و ((الميتافيزيقية)).. فالوجود وحدة ذات شكل هرمي، قاعدته مادة، وقمته روح.. والإختلاف بين القاعدة، والقمة، إختلاف مقدار، وليس إختلاف نوع.


وشكرا

ياسر




Post: #245
Title: المادة روح في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-21-2007, 11:29 PM
Parent: #244

مواصلة....

كتاب "الإسلام" للأستاذ محمود من أمتع الكتب وقد كتب فيه الأستاذ محمود مقدمة يحسن بي أن أضعها هنا تكملة للحديث بعاليه وتمهيدا لما سأضعه أيضا بعد ذلك:


Quote: العلم المادي التجريبي

أما عن العلم التجريبي فاستمع إلى العالم العربي الكبير الدكتور أحمد زكي يحدثك في كتابه : مع الله في السماء تحت عنوان (( لو انفرط هذا الكون )) فيقول :-
(( ثم نعود إلى الكون ، إن هذه عناصر الأرض ، وهذه مركباتها ، وهى كل شئ فيها ، وقد بناها بانيها من لبنات ثلاث : إلكترونات فبروتونات فنيترونات .
وتحدثنا عن الكواكب السيارة ، فقلنا أن عناصرها من عناصر الأرض ..
وتحدثنا عن النجوم ، فقلنا أن عناصرها من عناصر الأرض ، تستوي في ذلك نجوم في مجرتنا هذه ، دنيانا ، سكة التبانة ، ونجوم في مجرات نركب إليها الضوء فلا نبلغها إلا بعد مئات الملايين من السنين ..
الكون أجمع إذن يتألف من عناصر هي بعض هذه التسعين .
الكون أجمع إذن يتألف من تلك اللبنات الثلاث ..
فلو أننا أمرنا الأرض أن ينفرط عقدها : أمـرنا أجسـام الإنسان أن تنـفرط ، وأجسام الحيوان ، وأجسام النبات ، وأجسام الصخر بهذه الأرض ، والصخور بهذه الكواكب ، وأمرنا كل غاز الشمس أن ينفرط ، وأن تنفرط غازات النجوم جميعها ، ما قرب منها وما بعد ، واختصاراً أن ينفرط كل شئ في الوجود ، لنتج عن انفراطه كومات هائلة ثلاث من : إلكترونات- وبروتونات- ونيوترونات ، فهل في معاني الوحدة أبلغ من هذا المعنى ؟ ونقول ثلاث لبنات ، وهل هي حقا ثلاث ؟ وفي الوقت الذي ترد فيه المادة إلى ثلاث لبنات ، يـرد العلماء (( القوى )) إلى أصـل واحد : الضـوء ، الحـرارة ، الأشعـة السينيـة ، الأشعـة اللاسلكية ، الأشعة الجيمية ، وكـل إشعـاع في الدنيا ، كلها صور متعددة لقوة واحدة ، تلك القوة المغناطيسية الكهربائية ، إنها جميعا تسير بسرعة واحدة ، وما اختلافها إلا اختلاف موجة .
المادة ثلاث لبنات ، والقوى موجات متآصلات ..
ويأتي أينشتين ، وفي نظريته النسبية الخاصة ، يكافئ بين المادة والقوى ..
ويقول : ان المادة ، والقوى ، شئ سواء ، وتخرج التجارب تصدق دعواه ، وخرجت تجربة أخيرة صدقت دعواه بأعلى صوت سمعته الدنيا : ذلك انفلاق الذرة في القنبلة اليورنيومية ..
المادة والقوى ، إذن ، شئ سواء .
فماذا بقي من أشياء هذا الكون ؟
بقيت الجاذبية ، ذلك الرباط الذي يربط الكون أجمـع ، وبقي المكان SPACE ، وبقي الزمان ، ويحاول أينشتين أن يوحد بينها ، أن يربط بينها ،
وهو في نظريته ، نظرية النسبية العامة ، يربط بين الزمان والمكان ، فيجعـل منهما شيئاً متواصلاً ، غير متفاصل وفي نظريته الجديدة ، نظرية الحقل الواحد UNITED FIELD THEORY يهدف أينشتين إلى أن يثبت أن القوى المغناطيسية الكهربائية ، تلك التي تتمثل في الضوء والحرارة وصور الإشعاع عامة ، هي وقوى الجاذبية شئ سواء .
وأقول السـواء وما أعني بـه السوية . ولكني أعنـي أنهما في الأصـول في أعمـاق الحقيقة الطبيعية ، متواصلان ، قال أينشتين : (( إن روح العالم النظري لا تحتمل أن يكون في الوجود الواحد شكلان للقوى لا يلتقيان ، شكل للجاذبية القياسية ، وشكل للمغناطيسية الكهربائية )) .
وهكـذا يتحلل المركب ، ويتبسط المعقد ، وتتشاكل الحقائق التي تتستر وراء الظواهر المختلفة ، وتتشابه ، وتجتمع كلها لتصب في مجرى واحد ، تلك الوحدة العظمى التي تجـري في الكون أجمع ، ولكن ، هل قضى الإنسان من ذلك وطرا ؟
إن الإنسان ما زال يتساءل : وما وراء كل هذا ؟
إن الإنسان إن كان وجد جوابا لبعض ( كيف ) تساءل عنه ، فهو ما زال يتساءل ( لماذا ) وهو يسأل في شئ من الهلع الفكري ، والتقديس الديني ، قال أينشتين: (( إن أعظم جائشة من جائشات النفـس وأجملـها تلك التي تستشعرها النفـس عنـد الوقـوف في روعـة أمام هـذا الخفاء الكـوني ، والإظلام ، إن الذي لا تجيش نفسه لهذا ولا تتحرك عاطفته ، حي كميت ، إنه خفاء لا نستطيع أن نشـق حجبه ، وإظلام لا نستطيع أن نطلع فجره ، ومع هذا نحن ندرك أن وراءه شيئا هو الحكمة ، أحكم ما تكون ، ونحس أن وراءه شيئا هو الجمال ، أجمل ما يكون ، وهي حكمة ، وهو جمال ، لا تستطيع أن تدركهما عقولنا القاصرة ، إلا في صور لهما بدائية أولية ، وهذا الإدراك للحكمة ، وهـذا الإحساس بالجمال ، في روعـة ، هـو جوهر التعبد عند الخلائق )) . ويقول أينشتين ، وهو أعلـم علماء الأرض في الكـون وظواهـره ، وأحقهم بالكفـر ، إن كان علم يدعو إلى كفـر ، وأولاهم باتباع ما اعتاد بعض علماء الغرب ومقلـدوهم من أهل الشرق ، من إغفالهم ذكـر الله ، يقـول أينشتين : (( إن الشعور الديني الذي يستشعره الباحـث في الكـون ، هو أقـوى حافـز على البحـث العلمي ، وأنبل حافـز )) وهو يقول: (( إن ديني هو إعجابي ، في تواضع ، بتلك الروح السامية التي لا حد لها ، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة القليلة التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة العاجزة ، وهو إيماني العاطفي العميق بوجود قدرة عاقلة ، مهيمنة ، تتراءى حيثما نظرنا في هذا الكون المعجز للأفهام ، إن هذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله )) !! ) انتهى حديث الدكتور العالم أحمد زكي .


الفيزيقيا وسيلة إلى الميتافيزيقيا

فأنتم ترون ، من هذا الحديث ، كيـف رد العلـم التجـريبي الظواهر المختلفة إلى أصل واحد ، وكيف حمل هذا العلم أكبر علمائنا المعاصرين - أينشتين - ليقول هذه الكلمة الخالدة ، التي أوردناها في آخر ما اقتبسناه من كتاب الدكتور أحمد زكي ، فكأن العلم التجريبي لا يريد أن يكتفي بأن يظهر لنا وحدة العالم المحسوس ، وإنما يذهب إلى أبعد من ذلك ، فيرينا كيف أن العالم المحسوس ، إذا أحسن استقصاؤه ، يسوقنا إلى عتبة عالم وراءه ، غير محسوس ، ويتركنا هناك وقوفا ، في خشوع ، وإجلال ، نلتمس وسائل ، غير وسائل العلم التجريبي المادي ، بها نهتدي في مجاهيل الوادي المقدس ، الذي يقع وراء عالم المادة . أقرأوا ، مرة ثانية ، الكلمة الخالدة التي حمل العلم التجريبي المادي الحديـث أكبر علمائنـا المعاصرين على قـولها !! وأقـرأوا ، بشكـل خاص ، قـوله فيها (( وهو إيماني العاطفي ، العميق ، بوجود قدرة عاقلة ، مهيمنة ، تتراءى حيثما نظرنا ، في هذا الكون المعجز للأفهام )) !!
إن العالم المادي إنما هو بمثابة الظـلال للعالم الروحي ، أو قل بتعبيـر أدق ، أن المادة روح ، في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا ، وأن الروح مادة ، في حالة من الاهتزاز لا تتأثر بها حواسنا ، فالاختلاف ، على ذلك ، بين عالم المادة ، وعالم الروح هو اختلاف مقدار وليس اختلاف نوع ، وهذا يفتح الباب على الوحدة .. وحدة جميع العوالم .
وحين ينتهي بنا العلم التجريبي المادي إلى رد جميـع ظواهـر الكـون المادي إلى وحـدة هي (( الطاقة )) ، يبرز لنا من جديد ، وبصورة خلابة ، العلم التجريبي الروحي ، ليتولى قيادنا في شعاب الوادي المقدس ، الذي يقع وراء المادة ، ونستطيع ، بمواصلة البحث والاستقصاء ، في العلم التجريبي الروحي ، أن نرى هل يمكن أن ترد ظواهر الأخلاق البشرية إلى أصل واحد ، كما ردت ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد ، ويتم بذلك الاتساق ، والتلاؤم ، بين سلوك البشر ، وبين البيئة المادية التي يعيشون فيها ، فينتهي بذلك القلق الحاضر ، ويعم الأرض السلام ؟؟




شاهدت حلقة ممتعة في قناة الجزيرة الوثائقية عن نظرية "الأوتار الفائقة" وبحثت في الشبكة فوجدت هذا الفيلم باللغة الإنجليزية في الرابط التالي:
http://www.pbs.org/wgbh/nova/elegant/program.html
ويمكن أيضا قراءة الكتابة الممتازة باللغة العربية في الرابط أدناه في ويكيبيديا لمزيد من التعرف على النظرية المعروفة بـ String Theory

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D...88%D8%AA%D8%A7%D8%B1
أرجو ملاحظة الفقرة التالية التي وردت في ويكيبيديا وخاصة الأجزاء التي وضعتها باللون الأحمر ومقارنتها بما كتبه الأستاذ في عام 1960 في كتاب الأسلام في الفقرات بعاليه:


Quote:
نظرية الأوتار String Theory هي مجموعة من الأفكار الحديثة حول تركيب الكون تستند إلى معادلات رياضية معقدة، تنص هذه المجموعة من الأفكار على أن الأشياء أو المادة مكونة من أوتار حلقية مفتوحة و أخرى مغلقة متناهية في الصغر لا سمك لها و أن الوحدة البنائية الأساسية للدقائق العنصرية، من إلكترونات و بروتونات و نيترونات و كواركات، عبارة عن أوتار حلقية من الطاقة تجعلها في حالة من عدم الاستقرار الدائم وفق تواترات مختلفة وإن هذه الأوتار تتذبذب و تتحدد وفقها طبيعة وخصائص الجسيمات الأكبر منها مثل البروتون والنيوترون والإلكترون، أهم نقطة في هذه النظرية أنها تأخذ في الحسبان كافة قوى الطبيعة: الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوى النووية، فتوحدها في قوة واحدة ونظرية واحدة، تسمى النظرية الفائقة M-Theory.



تهدف النظرية إلى وصف المادة على أنها حالات اهتزاز مختلفة لوتر أساسي
وتحاول هذه النظرية الجمع بين ميكانيكا الكم Quantum Mechanics التي تفسر القوى الأساسية المؤثرة في عالم الصغائر (القوة النووية الضعيفة، القوة الكهرمغنطيسية، القوة النووية القوية) و بين النظرية النسبية العامة General Theory of Relativity التي تفسر قوة الجاذبية في عالم الكبائر ضمن نظرية واحدة والتي تقول بإن الكون هو عالم ذو عشرة أو أحد عشر بُعدًا، على خلاف الأبعاد الأربعة التي نحس بها و أن هنالك 6 أو 7 أبعاد أخرى، إضافةً لأبعاد عالمنا الثلاثة معالزمن، غير محسوسة و منطوية على نفسها.




رسم توضيحي للوتر أو "الخيط"..

خيط مفتوح

خيط مغلق
كتب الأستاذ محمود في "الديباجة" هذه الفقرات وهي تقريبا في نفس معنى ما جاء في كتاب "الإسلام":

Quote:
"13"

إنما من أجل التواؤم بين حياة الحى البشري، و بين البيئة، نشأ الدين، و نشأ العلم المادي، ونشآ كتوأمين، في وقت واحد، كما سبقت إلى ذلك الاشارة‏.‏‏.‏ ثم نشا المجتمع، فعمق معنى الدين، وطور العلم المادي ‏.‏‏.‏ ولقد ظلت البشرية، في طول عمرها، تسير على رجلين من روح، و من مادة‏.‏‏.‏ و هي لم تستغن، في أي وقت من أوقاتها، عن أي رجل من هذين الرجلين‏.‏‏.‏ و كل ما هناك أنها كانت، في سيرها، تقدم رجل الروح تارة، و رجل المادة تارة أخرى ‏.‏‏.‏ كما يفعل الإنسان حين يسير على رجليه من يمين و شمال ‏.‏‏.‏ والآن فان البشرية قد قدمت رجل الروح في القرن السابع‏.‏‏.‏ ثم أخذت تتهيأ لتقديم رجل المادة، من ذلك الوقت البعيد ‏.‏‏.‏ اليوم العالم مادي ‏.‏‏.‏ و حتى المتدينون من يهود، ومن نصاري، ومن مسلمين، ومن غيرهم من الملل، والنحل، إنما يظهرون التدين، ويبطنون المادية ‏.‏‏.‏ أسوأ من ذلك!! فان أغلبية المتدينين إنما يتوسلون بالدين، و يستغلونه، للمادة‏.‏‏.‏ و لقد تطور، بفضل الله، ثم بفضل الصراع بين الأحياء البشرية، السلاح، من مستوى السلاح الحجري، حتى وصل القنبلة الذرية، على يد علماء العلم المادي التجريبي المعاصرين ‏.‏‏.‏ وبمحض الفضل الإلهي، فإن العلم المادي التجريبي قد أعان البشرية على مزيد من التعرف على البيئة التي نعيش فيها، و ظللنا، طوال حياتنا الطويلة، نتوق إلى التعرف عليها ‏.‏‏.‏ لقد أظهر العلم التجريبي، بانفلاق الذرة، أن المادة، بصورها المتعددة، كلها وحدة‏.‏‏.‏ بل لقد اظهر أن المادة التي نعرفها فيما مضي، ونلمسها، ونحسها بحواسنا، أو ندركها بعقولنا، ليست هناك، وإنما هي طاقة، تدفع، و تجذب، في الفضاء ‏.‏‏.‏ ويعرف العلم المادي التجريبي هذه الطاقة، و لكنه يجهل كنهها ‏.‏‏.‏ بل إن كنهها لا يدخل في نطاق تجاريبه ‏.‏‏.‏ ولا هو يدعي أنه سيدخل، يوما ما، في نطاق تجاريبه ‏.‏‏.‏ و حين تطور العلم التجريبي المادي حتى رد المادة في جميع صورها إلى أصلها الأصيل في الوحدة - في الطاقة - تطور توأمه الدين، حتى لقد وصل بتصعيد التوحيد إلى رد كل المناشط البشرية، و الطبيعية، في العوالم المنظورة، و غير المنظورة، إلى اصل واحد ‏.‏‏.‏ إن العالم جميعه، ماديه، وروحيه، إنما هو مظهر الله الذي خلقه، وقدره، و سيره‏.‏‏.‏ على ذلك اتفق إنجاز العلم المادي التجريبي، و العلم الروحي التوحيدي ‏.‏‏.‏ بإيجاز فان البيئة التي نعيش فيها اليوم، و ظللنا نعيش فيها في عهودنا السحيقة، ونحاول التعرف عليها، بكل وسائل البحث، و التقصي، قد انكشفت اليوم، بفضل الله علينا و على الناس‏.‏‏.‏ أنها ليست بيئة مادية كما توهمنا - بمعنى المادة التي نألفها - و إنما هي في الأصل بيئة روحية ذات مظهر مادي ‏.‏‏.‏ هي ذات الله متنزلة إلى حياته، ثم متنزلة إلى علمه، ثم متنزلة إلى إرادته، ثم متنزلة إلى قدرته ‏.‏‏.‏ فبعلمه الإحاطة، و بإرادته التخصيص، و بقدرته التجسيد ‏.‏‏.‏ وبالتجسيد جاء المظهر المادي، بمعنى ما اصطلحنا عليه من معنى المادة ‏.‏‏.‏ فلما فتت العلم التجريبي المادة، فردها إلى طاقة معروفة الخصائص، مجهولة الكنه، و صلنا إلى الإرادة الإلهية التي قهرت الوجود، و سيرته إلى الله ‏.‏‏.‏ إن العلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التجريبي - التوحيدي ‏.‏‏.‏ اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود‏.‏ لقد انفلقت نواة المادة فأحدثت دويا عظيما، و توشك أن تنفلق نواة الدين وسيُسمع لها دوي أعتى، وأعظم، من ذلك الذي أحدثته الذرة حين انفلقت‏.‏‏.‏

"14"

إن البيئة التي نعيش فيها إذن إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي‏.‏‏.‏ وهذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة، التي ظهر قصورها، وإليها يرجع فساد الحكم، وقصور الحكام، والمحكومين ‏.‏‏.‏ ما هي الروح؟؟ هي الجسد الحى الذي لا يموت!! وفي المرحلة، قبل ظهور الجسد الحي، الذي لا يموت، فإن الروح هي الطرف اللطيف من الجسد الحاضر - الروح هي العقل المتخلص من أوهام الحواس، ومن أوهام العقل البدائي الساذج ‏.‏‏.‏ الروح هي العقل المتحرر من سلطان الرغبة - الهوى ‏.‏‏.‏ ونحن لا نصل إلى الروح إلا بالإيمان، و بتهذيب الفكر، ومن أجل ذلك قال النبي الكريم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به‏.‏‏.‏)) و ما جاء به هو الشريعة، والطريقة، والحقيقة ‏.‏‏.‏ هذا شرط أول الطريق‏.‏‏.‏

Post: #246
Title: Re: المادة روح في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا!!!
Author: osama elkhawad
Date: 04-22-2007, 07:25 AM
Parent: #245

العزيز ياسر
سلامات
قلت :
Quote: المسألة نسبية يا أسامة.. وقد ورد في الأثر أن النبي عليه الصلاة والسلام تنبأ بها عندما قال: الخلافة بعدي ثلاثون عاما ثم تكون ملكا عضوضا

كلامك عن تدهور الخلافة الاسلامية ،
مع اهميته،
إلا أنه لا يصب في ما قلت به عن مقاربة الاستاذة اسماد والدكتور النور حمد،
لمصطلحي الحضارة والمدنية .
وهذان المصطلحان مهمان جدا في فهم ما اسميناه بالمخطط النظري للاستاذ محمود
في مقاربته للحضارة الغربية ،
وايجاد بديل لها كما فعل سيد قطب.
ليست هنالك نسبية في استخدام المصطلحات.
فما اوردته من اقتباس من مقدمتهما لثلاثة كتب من خطاب الاستاذ,
يكشف عن ذلك الارتباك،وإلا كيف نفهم المدنية الروحية والحضارة المدنية،
اذا كان أن الفهم لذينك المصطلحين مرتبط بالروح والمادة على التوالي؟؟
كيف نفهم ذلك ؟؟
اهتمامي هنا منصب على طريقة انتاج الخطاب ،
وهو انتاج مرتبك في ما يتعلق بالمصطلحين.
محبتي
المشاء

Post: #247
Title: Re: المادة روح في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-22-2007, 09:46 AM
Parent: #246

يا مراحب يا عزيزي أسامة،

قولك:

Quote: ليست هنالك نسبية في استخدام المصطلحات.

استخدام المصطلحات محدد جدا، ولكن النسبية في مفهوم الكلمة.. مثلا الإسلام في زمن النبي عليه السلام هو مدنية "مادية ـ روحية" "الدنيا مطية الآخرة"، والإسلام في زمن الأمويين هو حضارة مادية أكثر منها روحية إذا قارنتها بالعهد النبوي، ولكن إذا قارنتها بالحضارات الرومانية والفارسية فهي تعتبر مدنية أكثر منها حضارة.. هذا ما قصدته بالنسبية..

قولك:

Quote: فما اوردته من اقتباس من مقدمتهما لثلاثة كتب من خطاب الاستاذ,
يكشف عن ذلك الارتباك،وإلا كيف نفهم المدنية الروحية والحضارة المدنية،
اذا كان أن الفهم لذينك المصطلحين مرتبط بالروح والمادة على التوالي؟؟
كيف نفهم ذلك ؟؟
اهتمامي هنا منصب على طريقة انتاج الخطاب ،
وهو انتاج مرتبك في ما يتعلق بالمصطلحين.

وضعت لك خطا تحت كلمة المدنية وأظن أنك قصدت أن تكتب "المادية"..
الخط الثاني: كيف تفهم؟؟ والجواب أنك تسير في خط موازي للأستاذ ولذلك لن تفهمه.. أنت تتحدث عن طريقة إنتاج المصطلح عند الأستاذ، بينما الأستاذ يرتفق بالمصطلح ليوضح المفاهيم!! وهو يقول أن اللغة نفسها حجاب عن المعاني.. قال في ذلك في كتاب "الإسلام":

Quote: وسائل العلم التجريبي الروحي

ولا بد من كلمة قصيرة عن وسائل التجربة الدينية ، وأولها وأولاها ، القرآن ، ونحن نسمع الناس يقولون أن القرآن كلام الله ، فما معنى هذا ؟؟ إن الله ليس كأحدنا، وليس كلامه ككلامنا ، بأصوات تنسل من الحناجر ، فتقرع الآذان .. إن كلام الله خلق .. فالشمس تطلع ، فترسل الضوء ، والحرارة ، فتبخر الحرارة الماء ، وتثير الرياح ، وتحرك الهواء ، وتحمل الرياح بخار الماء ، في سحب كثيفة ، إلى بلد بعيد ، فينزل المطر ، فيروي الأرض ، ويحييها بعد موتها ، فينبت الزرع ، وتدب الحياة ، بمختلف صورها ، وشكولها .. هذه صورة موجزة ، قاصرة ، مفككة الحلقات ، لكلام الله . فالقرآن صورة هذا الكلام ، أو قل هذا العلم ، مفرغ في قوالب التعبير العربية .. ويظن كثير من كبار العلماء أن القرآن هو اللغة العربية ، وذلك خطأ شنيع .. وهو خطأ جعلهم يلتمسون معاني القرآن في اللغة العربية ، فانحجبوا بالكلمات ، وهم يظنون أنهم على شئ .. واللغة أساسا ، نشأت بدوافـع الحاجة اليومية ، في الحياة الجسدية ، فهي ، مهما تطورت ، فإنها تعجز ، كل العجز ، عن تحمل معنى كلام الله وهي ، على خير حالاتها ، لا تقوم منه إلا مقام الرمز ، والإشارة .. والقرآن لا يدع لنا مجالا للشك طويلا ، فهـو يقـول (( الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه ، هدى للمتقين )) والإشارة هنا (( بـذلك )) إلى (( الم )) .

وفي كتاب "أسئلة وأجوبة" الجزء الأول هناك فقرة توضح المسألة بصورة طيبة جداً جاءت في معرض الحديث عن "هل القرآن مخلوق"؟ من رد على السيد الكردي:
Quote: اللغة حجاب في المعاني...

حجاب اللغة، الذي أشرنا إليه في صدر هذا الحديث، ظاهر في العبارة المنسوبة للإمام محمد عبده، فأنت، حين تسمعه يقول... ((هذا القرآن المكتوب من حروف هجائية، التي ينطق بها كل إنسان، وأنها مادية، بشرية))، تشعر بأن كل شئ معروف بداهة، ولكن إذا أمعنت النظر، وسألت نفسك... ما هي الحروف الهجائية ؟ أو ما هي المادة ؟ لوجدت أنك تعرف المظهر فقط، وتجهل الحقيقة التي وراء المظهر، وبذلك تكون خرجت بحيرة، بدلاً من العلم الذي ضللتك العبارة عنه، وأوهمتك أنك تملكه، من قبيل البداهة، وأخونا طه الكردي أورد في بحثه طرفاً من الآية حين أورد... ((إنا جعلناه قرآناً عربياً)) ولو أورد كل الآية... ثم أورد الآية السابقة لها، والآية اللاحقة، لأعانه ذلك كثيراً... فلنوردها نحن، ولنلفت نظره إليها، فلعله يحدث فهماً جديداً لموقفه... قال تعالى... ((حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآناً، عربياً، لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب لدينا، لعلي حكيم)) أوردنا هذه الآيات ليتفكر فيها الأخ السيد طه، لا ليكتفي منها بأن يذهب ليدلل على أن كلمة ((جعل)) تعني كلمة ((خلق)) فإن ((الجعل)) و (الخلق) كيفهما مجهول، وإن خيل إليه أنه يعرفه، والله تعالى يقول ((حم)) وهي آية تمثل قمة القرآن، وما من مفسر للقرآن إلا يقول عنها ((الله أعلم بمراده))... ثم يقول تعالى ((إنا جعلناه قرآناً، عربياً، لعلكم تعقلون)) فيفهم الفاهمون أن الله صب معاني القرآن في قوالب التعبير العربي، فحملت منه ما أطاقت.. وذلك الصنيع إنما جرى بفضل الله علينا لعلنا نعقل عنه... ثم قال تعالى عن القرآن ((وإنه في، أم الكتاب لدينا، لعلي حكيم)) فعرفنا أيضاً أن القرآن أصله عند الله... و ((لدينا)) هذه لا تشير إلى المكان، كما جرت العادة بها في اللغة العربية، وهي لا تشير إلى المكان، لأن الله تبارك وتعالى، لا يشمله المكان، وإنما هي تشير إلى التناهي في الكمال، حتى تنتهي إلى الذات العلية... فالقرآن في حقيقته هو الله... هو ذات الله تنزلت في المستويات المختلفة.. لماذا تنزلت ؟ الجواب ((لعلكم تعقلون))... وهذا يذكرنا بالحديث القدسي الذي وردتت الإشارة إليه... ((كنت كنزاً مخفياً، فأردت أن أعرف، فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم، فبي عرفوني)).


وبنفس الطريقة، ألا تلاحظ أنك عندما تستخدم كلمة "مادة" تظن أنك قلت كل شيء؟؟ ولكن الحقيقة غير ذلك.. وسأضرب لك مثلا بالكتابة التي أكتبها أنا هنا بالكيبورد وتقرأها أنت على الشاشة.. هل هي كتابة بحبر أو بمداد ؟؟ فنحن نعرف أن الكتابة تكون عادة بالمادة.. هذه الكتابة هي أيضا مادة ولكنها تختلف عن الكتابة بالحبر، وهنا أتمنى أن تتأمل في قول الأستاذ بأن عالم المادة بمثابة الظلال لعالم الروح وهذا يظهر جليا في المثال الذي سقته إليك.. فإن الحروف والصور التي تظهر على شاشة الكمبيوتر إنما هي ظلال لأشياء إليكترونية وكهروماغنطيسية معقدة لا نراها..
وعندما تقول روح.. ماذا تفهم من ذلك بالضبط؟؟ دعني أضع لك بعضا مما كتبه الأستاذ عن موضوع الروح في كتاب "أسئلة وأجوبة الثاني" في محاولة أن أبين لك أن الأستاذ لا ينتج مصطلحات أو ينتج "خطاب" وإنما يحاول أن يوضح مفاهيم تعجز عنها اللغة نفسها في بعض الأحيان:

Quote: الخرطوم في ربيع الآخر 1378 الموافق 5/11/1958م
بسم الله الرحمن الرحيم ، نستغفره و نستعينه .
أما بعد ـ فإلى الأخ الكريم موسى أبو زيد . تحية طيبة .
فقد وصلني خطابك الطريف يسأل عن (الروح) ، ويورد مانشرته مجلة (الإسلام والتصوف) عما دار في ندوة عقدتها في القاهرة ، اشترك فيها بعض العلماء الأجلاء ، وناقشوا فيها أمر (الروح) ، وتعرضوا للآية الكريمة: "يسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي .. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" .. ولست أريد هنا أن أتعرض لما قاله العلماء الأجلاء في تلك الندوة الطريفة ، وإنما أريد أن أحدثك عن (الروح) كما طلبت ، وسيكون حديثي مستقلاً .. وعلى الله قصد السبيل ..
الحق و الحقيقة

ويطيب لي أن أفترع حديثي إليك عن (الروح) بجملة مأثورة ، شائعة ، وهي قولهم: "لا يعرف الله إلا الله ، ولا يدخل في ملكه إلا ما يريد" ، وبذلك نكون قد دخلنا على المسألة كلها من الباب ، وهو معرفة الله ، سبحانه وتعالى ..
ومعرفة الله تقع على مستويين: معرفة (حقيقة) ، ومعرفة (حق) .. فأما معرفة (الحقيقة) فتلك معرفة الذات .. وهي معرفة ممتنعة لعدم الضدية فيها .. فإنه ، سبحانه ، وتعالى ليس له كفء ، ولا ضد .. ولوجود الثنائية ، في عقولنا فإنها لا تعرف إلا بالضدية . فلولا النور ما عرفنا الظلام ، ولولا الحر ما عرفنا البرد ، وهكذا سائر معارفنا .. وكل ما يمكن أن نحققه في باب معرفة ذات الله هو الإيقان القاطع بوجوده ، سبحانه ، وتعالى ، وإستحالة الإحاطة بمعرفته ، والشعور بالعجز التام عن إدراكه ، ولذلك قيل: (العجز عن الإدراك إدراك) ..
وأما معرفة (الحق) فهي معرفة الأسماء ، والصفات ، والأفعال .. وتلك معرفة ممكنة ، وميسورة ، ويقع تفاوت الناس فيها على مراتب ، ومراحل .. و كلما عظمت معرفتها عند العارف ، كلما ازداد اليقين بوجود الذات .. ومعرفة (الحق) إنما كانت ممكنة لوجود الضدية فيها .. فإن الحق ضده الباطل .. ثم إنها لما كانت معرفة الأسماء ، والصفات ، والأفعال ، فإن الضدية تكتنفها إكتنافاً تاماً ، وذلك لمشاركة الخلق في جميع صفات الخالق ، ولقد قال المعصوم: "إن الله خلق آدم على صورته" .. ومعلوم أن ليس لله ، تبارك ، وتعالى ، صورة حسية ، وإنما المقصود هنا أن الله ، تبارك ، وتعالى ، حين كان حياً ، وعالماً ، ومريداً ، وقادراً ، فقد خلق آدم حياً ، وعالماً ، مريداً ، وقادراً .. إلا أن صفات الله جميعها في نهاية الكمال ، وصفات الخلق في جانب النقص .. وحين قال المعصوم: "تخلقوا بأخلاق الله .. إن ربي على سراطٍ مستقيم" ، إنما أراد أن نحاول بالعبادة ، والإستقامة ، والعلم ، أن نخرج من نقص صفاتنا لندخل في كمال صفات الله ، تبارك ، وتعالى . فليس سير العابد إلى الله قطع مسافات ، وإنما هو تقريب صفات من صفات ..
والكلمة الجامعة التي صدرت بها حديثي هذا تشير إلى هذين المستويين من المعرفة .. فهي حين قالت: "لا يعرف الله إلا الله" ، إنما أشارت إلى الحقيقة ، أو (الذات) وحين قالت: "ولا يدخل في ملكه إلا ما يريد" ، إنما أشارت إلى (الحق) ، أو الأسماء .. ومعنى "لا يدخل في ملكه إلا ما يريد" إشارة إلى الصفة الأزلية ، وهي (الإرادة) .. فإنه ما من خير ، أو شر ، وما من هدى ، أو ضلال ، وما من إيمان ، أو كفر ، إلا وقد أراده الله ، تبارك ، وتعالى .. ولقد ظن بعض الفرق الضالة ، من فرق المسلمين ، أن الله ، تبارك ، وتعالى ، لا يخلق الشر ، والضلال ، والكفر ، وإنما يخلق الخير ، والهدى ، والإيمان .. فأشركوا مع الله خالقاً آخر ، من حيث أرادوا تنزيهه .. والإرادة صفة وسط بين صفتين: أعلاها العلم ، وأدناها القدرة .. وبهذه الصفات الثلاث .. العلم ، والإرادة ، والقدرة برزت المخلوقات جميعها للوجود .. فبالعلم أحاط الله تبارك وتعالى بالمخلوقات ، أوائلها وأواخرها ، وما بين ذلك .. وبالإرادة خصص صور البدايات ، وما يليها .. وبالقدرة أبرزها إلى حيز الوجود ، ووالى إبرازها .. وتلحق بهذه الصفات الثلاث صفات ثلاث أخر: هي الخالق ، البارئ ، المصور ..
الإرادة الإلهية

ولما كانت الإرادة صفة وسطاً بين صفتي العلم والقدرة ، فإن فيها خصائصهما معاً ، ولذلك فحيث تذكر الإرادة مفردة فإنها تعنيهما معاً ..
والإرادة صفة أزلية قائمة بذات الله ، تبارك ، وتعالى والمخلوقات جميعها صور لتجلياتها في الوجود المادي .. ومن هنا جاء السؤال القديم عند الصوفية: "هل الخلق هم الحق أم هل هم غيره؟؟" .. ولقد حاول النابلسي ، عليه رحمة الله ورضوانه التعبير عن ذلك حين قال:-
إن تكن بالله قائم * لم تكن بل أنت هو

أنت ظل الغيب من أسمائه و الشمس هو
و هذا استطراد ما نحب أن نواصله ، فلنرجع إلى الحديث عن (الإرادة) .. لقد قلنا إنها صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى .. وقلنا أيضاً أن المخلوقات ـ عظيمها وحقيرها ، علويها وسفليها ـ إن هي إلا صور لتجليات الله في الوجود .. وبين المخلوقات تفاوت عظيم في العلم والقدرة ، ولكنه تفاوت مقدار فقط .. فقول الله تعالى: "وفوق كل ذي علمٍ عليم" ينطبق على جميع المخلوقات ، من أدناها إلى أعلاها .. وينظمها في شكل هرمي ، له قاعدة عريضة ، وله قمة دقيقة ، عليها واحد .. وفيما بين القاعدة والقمة جميع صور المادة ـ الغاز ، والسائل ، والجامد ، والشجر ، والحيوان (بما في ذلك الإنسان) ، والأرواح ، .. وقد يتبادر إلى الذهن استغراب أن توصف جميع هذه المستويات بالعلم حتى يكون تفاوتها فيه تفاوت مقدار ، وما ذاك إلا لأننا نعرف العلم تعريفاً بعينه ، ولا نعلم علماً وراء ما اصطلحنا على تسميته بالعلم .. ولذلك يقول الله تعالى في الخلق ، وفينا: "وإن من شئٍ إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم" .. والعقول الفطرية الأولية في الحياة البدائية تنسب الحياة لكل جسم تراه ـ فللحجر حياة ، وللأرض حياة ، وللحطب حياة ، وكذلك يفعل الأطفال .. ولأمر ما كان ذلك !! ومهما يكن من شئ فإن المخلوقات جميعها ، وبشكلها هذا الهرمي ، من قمتها إلى قاعدتها ، تطلب الله ، وتسير إليه .. وكما سبق القول فإن السير إلى الله ليس بشد الرحال ، ولا بقطع المسافات ، وإنما هو بتقارب صفات المخلوق من صفات الخالق ، والتقلب في هذا السير هو المعبر عنه بالفناء في قول الله سبحانه وتعالى: "كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" .. وللوجه هنا معنيان: الوجه البعيد هو الذات ، والوجه القريب هو الوجه الذي يلي الذات من المخلوقات ـ أي هو أرفعها جميعاً ، وهو الذي على قمة الشكل الهرمي ، وهو هو الذي نطلق عليه (الحق) حين نطلق على الله (الحقيقة) .. أو قل هو خلاصة المخلوقات التي هي ، كما سبق وقررنا ، مظهر تجليات الله في الوجود ..
أطوار سبعة

ومع أن معارج التقارب بين القاعدة والقمة لا حصر لها إلا أنها تقع في سبع مراتب ، أو قل سبع طبقات .. ولقد ورد التعبير عنها في القرآن كثيراً وبصور مختلفة ـ فمثلاً قول الله تعالى: "إن ربكم الله الذي خلق السموات ، والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاُ ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، مسخرات بأمره .. ألا له الخلق ، والأمر ، تبارك الله رب العالمين" .. فذكر ستة الأيام هنا ، وأشار إلى اليوم السابع بقوله: "ثم استوى على العرش" .. وهذه الأيام السبعة إشارة إلى أطوار الخلق السبعة .. وقوله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرارٍ مكين * ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاماً ، فكسونا العظام لحماَ ، ثم أنشأناه خلقاً آخر .. فتبارك الله أحسن الخالقين" ، شبيه بقوله تعالى ، الأول .. عبر عن الأطوار الستة بهذا التطور ، والتدرج .. وعن الطور السابع بقوله: "ثم أنشأناه خلقاً آخر" ، وهو هو نفس معناه في قوله: "ثم استوى على العرش"..
وقوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشراً من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ، ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين" ، شبيه بقوله تعالى في الآيتين السابقتين .. فإنه هنا أجمل الأطوار الستة في قوله تعالى "فإذا سويته" ، ثم عبر عن الطور السابع بقوله تعالى: "و نفخت فيه من روحي" ، وهو تعبير مقابل تماماً للتعبيرين في الآيتين السابقتين ، وذلك حين قال في الأولى: "ثم استوى على العرش" ، وفي الثانية: "ثم أنشأناه خلقاً آخر"..
ولما كان كل شئ موجود في الآفاق موجوداً في النفس البشرية ، ـ في البنية البشرية ـ فإن هذه الأطوار السبعة موجودة أيضاً .. والله تعالى يقول: "سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أو لم يكف بربك أنه على كل شئٍ شهيد ؟؟" .. وهذه الأطوار السبعة في النفس البشرية وردت العبارة الصريحة عن ستة منها ، وتركت السابعة للإشارة ، كما جرى في آية خلق السموات ، والأرض ، التي أوردتها هنا ، وكما جرى ، وبصورة أقل خفاءً ، في الآيتين الأخريين اللتين أوردتهما آنفاً .. فالطور الأول من أطوار النفس هو طور النفس الأمارة ، وهو طور مشترك بين الإنسان والحيوان .. وقد ورد ذكره في قوله تعالى ، على لسان يوسف الصديق: "وما أبرئ نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء" .. والطور الثاني هو طورالنفس اللوامة ، وقد ورد في قوله تعالى: "لا !! أقسم بيوم القيامة * ولا !! أقسم بالنفس اللوامة" وهو أول أطوار الترقي في سلم البشرية .. والطور الثالث هو طور النفس الملهمة ، وقد ورد في قوله تعالى: "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" .. والطور الرابع هو طورالنفس المطمئنة ، والطور الخامس طور النفس الراضية ، والطور السادس طور النفس المرضية .. وقد ورد ذكر هذه الثلاث في قوله تعالى: "يأيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية" .. وأما الطور السابع فقد أشار إليه إشارة لطيفة ، خفيفة ، في الآية التي تليهما حين قال: "فادخلي في عبادي" وهو طور النفس السابعة ..
و حدة الوجود

ويهمني من هذه الأطوار السبع التي أبرزتها لك في حديثي هذا ، والتي تظهر في شكل هرمي ، له قاعدة غليظة وقمة رفيعة ، أن أقرر أن الوجود مكون من مادة واحدة ، وأن الإختلاف في أطوارها إختلاف مقدار ، لا إختلاف نوع .. فالروح ، مثلاً ، هي الطرف الرفيع ، الشفاف ، من النفس .. ويمكن القول بأن النفس هي الطرف الغليظ ، الكثيف ، من الروح .. والحق ، (وهذا أمر يقتضيه التوحيد) أن الوجود كله مصنوع من مادة واحدة ، وهذه المادة تكون في حالة من الذبذبة العالية حتى يتكون منها أرفع الأرواح ، أو تكون في حالة من الذبذبة المنحطة حتى يتكون منها أغلظ الأجسام .. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: "إلا إبليس ، كان من الجن ، ففسق عن أمر ربه " .. و"من الجن" يعني من الملائكة
فأنت ترى ، إذن ، ألا فرق بين المادة والروح ، إلا فرق هذه الذبذبة في المادة الواحدة .. وكل صوفي مجرب يعرف ذلك جيداً . فهو ، في حالات التجليات ، والإشراقات ، التي تجيء نتيجة للعبادات الجسدية ، من صيام وصلاة ، يشعر بأن حظ روحه من كيانه المادي أكبر ، حتى ليخيل إليه أن الزمان لا يحده ، وأن المكان لا يحويه ، وأنه روح أثيري ، طليق ، حر ، لا سلطان لغير الله ، سبحانه ، وتعالى عليه .. وعندما أسرى بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وعرج به ، كان في حالة من هذه الحالات ، ولقد بلغت مداها ، وتحررت من الزمان ، والمكان ، حين حكى الله تعالى عنها بقوله: "ما زاغ البصر ، وماطغى" .. أي اتحد البصر والبصيرة ، واستغرق وحدتهما "الحاضر" فلم يكن ندم على "الماضي" ، "ما زاغ البصر" ولا خوف من "المستقبل" ، "وما طغى" .. ثم فرضت عليه الصلاة ساعتئذ لتكون له ، وللمسلمين ، معراجاً يحقق بلوغ تلك المرتبة الرفيعة بالسير الثابت ، المتصل ، الدائم في الترقي الروحاني ، وإلى ذلك المقام الرفيع الإشارة بقوله تعالى ، وهو خطاب لمحمد ولسائر الخلق ، "ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا" .. ونحن نعرج بالصلاة كلما صلينا صلاة حسنة ، متقنة ، وترتفع بهذه الصلاة ذبذبة أجسامنا ، ارتفاعاً يتصل بالسماء ، نورانياً ، مشعاً ، قوياً .. وإذا ما صلينا في جماعة كان ارتفاع ذبذبة أجسامنا أقوى مما لو صلينا منفردين .. وهذا هو السر في فضل صلاة الجماعة .. وهذا هو السر في الأمر بتسوية صفوف المصلين ، وتلاصق كتوفهم حتى تكون الأجسام المتراصة ، المتصلة ، جسماً واحداً ، فيرتفع ضعيفها بارتفاع أقواها .. ومهما يكن من الأمر ، فلابد من تسمية الأطوار بأسماء تجعل التفاهم ممكناً ، ولذلك فقد سمى الطرف الرفيع من النفس بالروح .. وبذلك فهي قمة الشكل الهرمي الذي تحدثنا عنه كثيراً.. فالروح هي المعنية بالوجه في قوله تعالى: "كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ، ذو الجلال ، والإكرام" وهي هي المعنية بنهايات الأطوار في جميع الآيات التي أوردتها آنفاً ، أي هي الطور السابع فيها جميعاً ـ ونجيء هنا إلى الروح مباشرةً ..
ما هو الأمر

"ويسألونك عن الروح ، قل: الروح من أمر ربي ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" فأولاً !! ما هو الأمر ؟
لقد تحدثنا عن الإرادة ، فقلنا أنها الصفة القديمة ، المتعلقة بالقديم ، وما المخلوقات جميعها إلا مظاهر لتجلياتها في الوجود المادي ـ فلم يدخل في الوجود شئ إلا عنها ـ فلا كفر ، ولا إيمان ، ولا شر ، ولا خير ، إلا منها .. فهي تتسع لجميع الثنائيات ، والمتناقضات ، ولها شكلها الهرمي ، بقاعدته وقمته .. وتعدداتها وثنائياتها تكون في القاعدة ، وتتفاوت إلى القمة ، حيث لا يكون إلا الوحدة ـ هذه هي الإرادة ـ وأما الأمر فهو الإرادة عندما تفضي فيها الثنائية إلى الوحدة ، لأن الوحدة هي الأصل ، والثنائية المظهر .. فمثلاً: الله خير محض ، ولا يصدر عنه إلا الخير .. ولكنا ، نحن ، لقصور عقولنا ، ولاعتبارنا لأنفسنا وحدها ، نرى أن بعض الأشياء خير ، وبعضها شر .. ونجزع مما نسميه شراً ، ويستبد بنا البطر عندما نظفر بما نسميه خيراً .. ولذلك فإن الله تعالى يقول في تربيتنا: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم ، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ، والله يعلم ، وأنتم لا تعلمون" .. أو يقول: "والله أعلم بأعدائكم ، وكفى بالله ولياً ، وكفى بالله نصيراً" .. ولقد قال بعض العارفين في قوله تعالى: "وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة": إن النعم الظاهرة هي العوافي ، والنعم الباطنة هي المصائب .. ونحن حين نتربى على هذا التهذيب السماوي ، ونتفطن لقول الله تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ، ولا في أنفسكم ، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختالٍ فخور" ، نسير في الترقي حتى نرتفع إلى مرتبة التوحيد ، ونصبح قادرين على التوحيد بين المظاهر المختلفة في الوجود ، ويظهر لنا جلياً أن الخير هو الأصل ، والموت ، الذي هو في نظرنا أكبر الشرور ، يبدو لنا في حقيقته ، فإذا هو ميلاد جديد ، في عالم جديد ، أرحب ، وأنضر ، من عالمنا الحاضر .. هذا للصالحين ، بالطبع .. يتضح من هذا أن الأمر هو قمة الإرادة ، وأنه ، بذلك ، أخص من الإرادة ، والإرادة أعم منه .. اقرأ قول الله تعالى: "وإذا فعلوا فاحشة قالوا: وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها .. قل: إن الله لا يأمر بالفحشاء .. أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل: أمر ربي بالقسط ، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ، وادعوه ، مخلصين له الدين ، كما بدأكم تعودون" .. أو اقرأ قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء ، والمنكر ، والبغي .. يعظكم ، لعلكم تذكرون" .. يتضح لك ما أردت من خصوص الأمر ، بعد أن اتضح لك شمول الإرادة ..
والإيمان بالأمر ، أو قل: اليقين به ، يوجب الرضا بالإرادة ، وذلك حظ النفس الراضية ، التي تجيء في المرتبة بعد النفس المطمئنة .. وقد سلفت الإشارة إلى ذلك .. والرضا بالإرادة مرتبة توحيد تام عند العابد ، وبه تتغذى روحه ، ويرتفع كيانه جميعه ..
الأمر محرر من الزمان و المكان

وتخلص الأمر من الثنائية التي اشتملت عليها الإرادة خلصه من الزمان والمكان .. اقرأ قوله تعالى: "إنا كل شئ خلقناه بقدر ، وما أمرنا إلا واحدة ، كلمحٍ بالبصر" .. فما يكون الخلق إلا في الزمن ، ولكن الأمر خارج الزمن .. "إنما أمره إذا أراد شيئاُ أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ ، وإليه ترجعون" ..
وسنذكر في مقام التحرر من الزمن هذا كل ما سبق ذكره في قوله تعالى: "ثم استوى على العرش" ومن قوله تعالى: "ثم أنشأناه خلقاً آخر" ، ومن قوله تعالى: "ونفخت فيه من روحي" .. كما لا بد أن نذكر الحديث عن النفس الكاملة ، تلك التي انتهى بها تطور النفس في أطوار الترقي حتى بلغت قوله تعالى: "ما زاغ البصر وما طغى" ، إلى آخر هذه العبارات التي تدل على نهايات الأطوار التي حدثتك عنها ، والتي جاءت كقمة للشكل الهرمي دائماً .. ولا بد أن نذكر قولنا: أن الروح هي الطرف الرفيع من النفس ، أو هي قمة الشكل الهرمي .. وسيتبين من كل أولئك أن الروح هي "الأمر" ..
الروح ، العلم ، الحياة ، الله

"ويسألونك عن الروح ، قل: الروح من أمر ربي ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" .. وقد وردت الإشارة إلى العلم في هذه الآية ، وهي تحمل كناية طريفة بأن الروح هي العلم أيضاً .. ولو تمعنت في حديثي الماضي يتأكد عندك أن الروح هي العلم .. فقد حدثتك أن الأمر هو قمة الإرادة ، وحدثتك أن الإرادة صفة وسط بين صفتين: من أعلاها العلم ، ومن أسفلها القدرة .. ومعنى هذا أن العلم هو قمة الإرادة أيضاً .. والعلم هو الحياة ، وهو الله .. فإن صفات الله القديمة قائمة بذاته القديمة ، وهي ليست غيره .. ونحن إنما نجهل أصل الحياة لأننا نجهل الله .. والحق أن علمنا بكنه الأشياء جميعها قاصر ، وإنا لا نعلم إلا خصائص القوى ، دون كنهها .. فالمادة مثلاً ، على اختلاف صورها ، قد ردت إلى أصل واحد ، وذلك بفضل تقدم العلم الطبيعي في اكتشاف أسرار الذرة .. وقد وجد أخيراً أن المادة بصورها المألوفة ليست هناك ، وإنما هي شحنة كهربائية ، أو هي طاقة ، تعرف خصائصها ، ولا يعرف كنهها .. ونحن عندنا أن المادة هي مظهر "للإرادة" وأن الإرادة هي الله .. ونحن لا نعرف الله معرفة إحاطة ، ولن نعرفه ، ولكننا سنظل نطلبه حثيثاً .. ولن تكون نهايتنا إلا عنده ، وليس لذلك نهاية .. "وأن إلى ربك المنتهى" .. ولا منتهى ..
وهذا الشكل الهرمي الذي صورناه في المخلوقات موجود في كل ذرة من ذرات الوجود ، وهو ، فيما اصطلحنا على تسميته بالأحياء ، أظهر مما في عداه .. وهو في الإنسان ، أظهر منه في النبات ، والحيوان .. ويبدو أن الروح التي دار حولها نقاش العلماء في تلك الندوة الطريفة هي روح الإنسان ، ولذلك فلا بد من الإشارة إليها في ردي هذا عليك ..
الروح الإنساني

يقول الله تبارك وتعالى: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" .. ولقد اختلف المفسرون في الشجرة هنا ، ما هي؟؟ وهي عندي شجرة التين ، وهي كناية عن النفس الأمارة .. ولقد ذكرنا أن النفس الأمارة هي الطور الذي يشترك فيه الإنسان ، والحيوان السائم .. ولا يبدأ الإنسان في إرتقاء أطوار الإنسانية إلا حين تبدأ جرثومة النفس اللوامة ، وإنما تجئ تلك كنتيجة لكبح جموح النفس الأمارة بإخضاعها لمقتضيات الحلال ، والحرام .. وهذا هو السر في تحريم الشجرة على آدم وزوجه في الجنة ..
وعند بروز النفس اللوامة تكون قد برزت ثلاث قوى: ذكاء لمعرفة الحلال ، والحرام ، وإرادة لاجتناب الحرام وعمل الحلال ، ومقدرة على تنفيذ العمل ، أو الترك .. وهذه القوى الثلاث هي ما نسميه في الإنسان بالعلم ، والإرادة ، والقدرة ، التي أسلفنا عنها القول ، عندما تحدثنا عن قول المعصوم: "إن الله خلق آدم على صورته" ، في الآية الكريمة: "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ، و نفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين" .. والتعبير: "ونفخت فيه من روحي" يشير إلى بدء جرثومة النفس اللوامة ، وهي كما بينا آنفاً طور من أطوار ترقي النفس .. ولكنه طور ارتفع به الإنسان لفوره عن مستوى الحيوان ، ولذلك فهو طور مشهود .. ولولا أن هذا الجواب قد طال لتحدثت قليلاً عن كيفية النفخ .. وقد أفعل في وقتٍ آخر ، في جواب مستقل ..
هذه الإشراقة النورانية البسيطة ، التي بها يقع التمييز بين الحلال ، والحرام ، هي الروح ، حين قلنا أنها الطرف الرفيع من النفس .. وكلما ترقت النفس في المعارج التي سلف ذكرها من أمارة ، إلى لوامة ، إلى ملهمة ، إلى مطمئنة ، إلى راضية ، إلى مرضية ، إلى كاملة ، كلما زادت رفعة ، وخفة ، وشفافية .. وكلما زاد طرفها الرفيع ـ "الروح" ـ رفاعة ، وشفافية ، ونفاذاً إلى دقائق التمييز .. قد تسمى الجانب الغليظ ، الكثيف من النفس ، الذاكرة ، أو الماضي .. فإذا ما التقى الخيال والذاكرة نشأ الفكر بينهما ، كما ينشأ الجنين بين الأب والأم .. وهذا الثالوث يسمى العقل .. وقد ذكرت لك هذه النبذة البسيطة عن العقل لأني رأيت أن ذكر العقل ورد في نقاش السادة العلماء مع ذكر الروح ..
ولا بد من ختام هذا الجواب بعد أن طال ، وإن كنت أريد أن أحدثك عن الموت ، وعن البرزخ .. ولكن ذلك مما يزيد في طول هذا الجواب فيجعله مملاً ، إن كان قد أبقى من الإملال شيئاً ..
وختاماً أرجو الله أن يعلمنا ، ويعلمك وأن ينفع بعلمنا ، وبعلمك ..
المخلص
محمود محمد طه


مع وافر المحبة والتقدير..
وشكرا
ياسر

Post: #248
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-23-2007, 03:55 AM
Parent: #1

الأحباء الكُتاب :
أسامة
ياسر

لكما الشكر الجزيل أن جعلتُم من نبتةً صغيرة
في طرف قصي : شجرة باسقة بالفكر ،
ثرية بالحوار الهادف
والإختلاف السلس بلطائفه من احترام
المُشاركين ، وثقل المباحث التي
وردت وتنوعها البديع


والشكر موصول للأخ عمر ،
ولكل القراء

Post: #249
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-24-2007, 07:09 AM
Parent: #248

شكرا شقليني ايها الماسك على جمرة الكلم الطيب .

الأستاذ واحد من مفكرينا الأفذاذ ،
وقد حورب في حياته،
وانتقص من شأنه الباذخ،
وختم شيخوخته مبتسما فوق منصة الإعدام،
فلعل كليماتنا القاصرات في مقاربة خطابه،
ترد بعض الدين الذي هو في أعناقنا الى يوم القيامة.
******************
نعود لمداخلة الصديق ياسر.
يا مراحبين يا ياسر
قلت:
Quote: وضعت لك خطا تحت كلمة المدنية وأظن أنك قصدت أن تكتب "المادية"..


أشكرك على انتباهك العالي ،وعلى تصحيحي.

نعود لما قلت به.

قلت:
Quote: استخدام المصطلحات محدد جدا، ولكن النسبية في مفهوم الكلمة.. مثلا الإسلام في زمن النبي عليه السلام هو مدنية "مادية ـ روحية" "الدنيا مطية الآخرة"، والإسلام في زمن الأمويين هو حضارة مادية أكثر منها روحية إذا قارنتها بالعهد النبوي، ولكن إذا قارنتها بالحضارات الرومانية والفارسية فهي تعتبر مدنية أكثر منها حضارة.. هذا ما قصدته بالنسبية..

مما يفرح اننا متفقان حول تحديد المصطلحات. ولكنني لم افهم كلامك حول نسبية مفهوم الكلمة.
فهل المقصود نسبية المصطلح؟
و اذا كان أن المصطلح نسبي ،فما جدواه؟

المصطلح في زعمناالضعيف يهدف الى مقاربة ظاهرة محددة في تاريخ ومكان محددين.
واذا اكتشف الباحث ان المصطلح لا يغطي كل الظاهرة ،فعليه نحت مصطلح آخر.
وهذا ما حدث مثلا لماركس حين اكتشف في دراسته لانماط الانتاج الآسيوية ،أنها لا تخضع لما حاول ان يقول به من تحقيب للتاريخ البشري .فلذلك قال بمصطلح نمط الانتاج الآسيوي.
ولذلك فاذا كان ان هنالك مجتمعا ما ،لا نستطيع ان نطبق عليه مصطلحي الحضارة والمدنية ،فعلينا القول بمصطلح آخر يمكن ان يكون مقاربا بشكل علمي مقبول للظاهرة التي فلتت من المصطلحين الاساسين.
وحتى في اطار فهمك لمصطلحي الحضارة والمدنية ،فاننا نجد انك تمارس نفس الخلط الذي قام به الدكتور النور حمد والاستاذة أسماء محمود محمد طه في مقدمتهما التي اشرنا اليها سابقا.

نعود لكلامك حول مصطلحي الحضارة و المدنية،من خلال ما قال به الاستاذ من فهم لهما ،وطريقة استخدامك لهما.
قلت :
Quote: مثلا الإسلام في زمن النبي عليه السلام هو مدنية "مادية ـ روحية" "الدنيا مطية الآخرة"


أولا:
كيف يمكن ان تكون المدنية هي الجانب الروحي و المادي معا؟
وهذا الكلام يمكن ان يكون مفهوما لو ان الاستاذ يستخدم حدا ثالثا مثل ان يقول ان الثقافة هي الجانب الروحي،
والحضارة هي الجانب المادي ،ثم يستخدم مصطلحا ثالثا مثل المدنية،
بحيث يجمع الثقافة "الجانب الروحي " و الحضارة "الجانب المادي "،لكن نظرته التوحيدية تمنعه من ذلك كما قلنا سابقا.
وحتى في اطارالحدود الثلاثة لفهم التطور الانساني ،فيكفي ان نقول مدنية كي تعبر عن الجانبين الروحي و المادي معا.
ثانيا:
كان عهد الرسالة الأول هو مدنية ولم تكن هنالك حضارة.فلم يتغير شيئ من حياة العرب المادية ،ولم يضيفوا شيئا الى بيئتهم المادية.
وكون ان الاسلام في ذلك الزمان ربط الدنيا بالآخرة،فهذا لا يعني اطلاقا انه كانت هنالك انجازات ملموسة على الصعيد المادي في حياة البادية العربية .ولك ان ترجع الى تعريف الاستاذ لمصطلح الحضارة.
تعريف الاستاذ للحضارة يقول بالآتي:
Quote: وأما الحضارة فهي ارتفاق الحي بالوسائل التي تزيد من طلاوة الحياة ، ومن طراوتها .. فكأن الحضارة هي التقدم المادي ، فإذا كان الرجل يملك عربة فارهة ، ومنزلا جميلا ، وأثاثا أنيقا ، فهو رجل متحضر ، فإذا كان قد حصل على هذه الوسائل بتفريط في حريته فهو ليس متمدنا ، وان كان متحضرا ، وانه لمن دقائق التمييز أن نتفطن إلى أن الرجل قد يكون متحضرا ، وهو ليس متمدنا ، وهذا كثير ، وأنه قد يكون متمدنا ، وهو ليس بمتحضر ، وهذا قليل ، والكمال في أن يكون الرجل متحضرا متمدنا في آن . وهو ما نتطلع إليه منذ اليوم.


ومن الواضح رغم نظرة الاستاذ التوحيدية للعلاقة بين المادي والروحي ،إلا أنه في مخططه النظري للخروج من مأزق الحضارة الغربية ،فانه عول على الجانب الروحي أكثر من المادي .
وسنعود لذلك.
ثم قمت عزيزي ياسر بالحديث عن الخط الثاني ،
حين قلت:
Quote: الخط الثاني: كيف تفهم؟؟ والجواب أنك تسير في خط موازي للأستاذ ولذلك لن تفهمه.. أنت تتحدث عن طريقة إنتاج المصطلح عند الأستاذ، بينما الأستاذ يرتفق بالمصطلح ليوضح المفاهيم!! وهو يقول أن اللغة نفسها حجاب عن المعاني.

و اسمح لي ان ارد عليك بشكل مقتضب.
الحديث عن اللغة كحجاب عن المعاني ،يمكن ان ينطبق على احوال المتصوفة مثلا،لكنه لا ينطبق على مفاهيم مثل الفيدرالية والجمهورية والاشتراكية والديمقراطية.وهذا يعني اذا انسقنا وراء فهمك لحجاب اللغة،فان كل ما كتب في الديباجة وأسس دستور السودان ،لا يمكن مناقشته،لان اللغة التي كتبا بها تحجب المعاني الاصلية لتلك المفاهيم الدنيوية.

كونك تنعي علي عدم فهمي للاستاذ،
فهذا يصب في خانة الفهم الوحيد بل الأوحد لخطاب الاستاذ.
وخطاب الاستاذ يمكن ان يقارب بمناهج مختلفة ومتعددة.وليس هنالك مرجع يقول ان هذه القراءة هي القراءة الوحيدة والمثالية لخطاب الاستاذ.

ما أحاوله من مقاربة متواضعة،
يصب في بدء مرحلة جديدة تتمثل في الغور عميقا في الخطاب.وكما قلت من قبل فان خطاب الاستاذ وقع ضحية هجوم الخصوم ،ودفاع الأنصار.
فهذه ياسيدي محاولة متواضعة ،اتمنى ان اكملها وأقوم بنشرها ،
كان الله هون،والا فسيأتي من يطورون ما قلته به ،
أو انتقاده سعيا نحو قراءة منصفة لخطاب الاستاذ.

و بهذه المناسبة أريد أن أشيرالى ملحوظة تتعلق بفهم الاستاذ لتطور خطابه .
فمثلا نجد ان الاستاذ يرى أن هنالك كتابين يسمي كل منهما بالكتاب الأم للاخوان الجمهوريين.

ففي مارس 1960 تحدث الاستاذ عن ان كتاب "الإسلام" هو:

Quote: الكتاب (( الأم )) بالنسبة ( للأخوان الجمهوريون) 1


يقول عن كتاب:
الاسلام
Quote: هذا كتاب خرجت الطبعة الأولى منه في مارس عام 1960 ، وكان الناس يومئذ تحت وطأة (( حكم العساكر )) لا أحوجهم الله إلى ذكـراه بالخير ، وقشع الله ، عن أمم الأرض التي لا تزل بأمثاله مرزوءة ، سحابة ظلمته وجهله.
ولقد خرج هذا الكتاب عقيب حادث فصل الطلبة الجمهوريين الثلاثة من المعهد العلمي ، وما صحب ذلك الفصل من تشويه شديد للفكرة الجمهورية . ولقد حاولنا تصحيح ذلك التشويه فلم يتيسر لنا النشر ، ولقد منعنا المحاضرات في الأندية ، وفي دور العلم المختلفة .
خرج هذا الكتاب في طبعته الأولى مركزا ، شديد التركيز ، مضغوطا ، كأشد ما يكون الضغط، ومع ذلك، فهو الكتاب (( الأم )) بالنسبة ( للأخوان الجمهوريون) 1.. فيه كل ما نريد أن نقول عن الإسلام ، فلم يبق أمر مستأنف ، إلا أن يكون زيادة شرح ، وزيادة توسيع لما جاء فيه موجزاً .



ثم يقول عن الرسالة الثانية من الاسلام:

Quote: هذه مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب (( الرسالة الثانية من الإسلام )) .. وهو كتاب قد صدرت طبعته الأولى في يناير من عام 1967 ، الموافق لشهر الله المكرم رمضان من عام 1386.. ولقد لاقى رواجا عظيما ، ونجـد أن رواجه يزداد كلما تقادم عليه العهـد ، ذلك أن الناس قـد أخذوا يتفهمونه ، ويتقبلونـه ، ويقبلون عليه .. وهـذا الكتاب هـو ، بالنسبة للدعوة الجمهـورية ، الكتاب الأم .. ومع ذلك ، فانه موجز ، أشد الإيجاز ، ويتطلب شرحاً ، وتفصيلا ، وتبيينا ، ليس إليه اليوم من سبيل


في النسخة الالكترونية ،يوجد رقم ا،بخصوص الحديث عن "الكتاب الام"،لكن لا يوجد اي تفصيل حول مغزى ذلك الواحد.

المهم ،
لم يشر الاستاذ الى انه قد سبق له ان ذكر ان الكتاب الام للأخوان الجمهوريين هو كتاب "الاسلام".
وفي زعمنا ان الرسالة الثانيةهي تطوير لكتاب "الاسلام".
و السلام
المشاء

Post: #250
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-26-2007, 07:42 AM
Parent: #249

قلنا في مداخلتنا السابقة ان كتاب "الاسلام" هو الكتاب الأم حقيقة،
بالنسبة للأخوان الجممهوريين.

ذلك أن كتاب الرسالةالثانية ،ما هو إلا تطوير لذلك الكتاب.

ومن خلال مداخلة للصديق ياسر الشريف ،
نجده لا يشير الى ذلك ،
بل أنه يكتفي بوصف الكتاب الام اي كتاب "الرسالة" بأنه :
Quote: ممتع
.

يقول ياسر في ذلك :
Quote: كتاب "الإسلام" للأستاذ محمود من أمتع الكتب وقد كتب فيه الأستاذ محمود مقدمة يحسن بي أن أضعها هنا تكملة للحديث بعاليه وتمهيدا لما سأضعه أيضا بعد ذلك:

المشاء

Post: #252
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-27-2007, 08:39 AM
Parent: #249

الأخ الصديق أسامة،

تحية طيبة

قولك:

Quote: مما يفرح اننا متفقان حول تحديد المصطلحات. ولكنني لم افهم كلامك حول نسبية مفهوم الكلمة.


نعم الكلمة محددة ولكن المفهوم نسبي وأضيف أنه غير ثابت أيضا.. فمثلا الشرح الذي بيَّنه الأستاذ محمود لكلمة حضارة في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" ونقلته أنت هو المفهوم في الزمن الذي كتب فيه الأستاذ ذلك الكتاب.. "السيارة والمنزل والأثاث والحديقة".. ولكن يمكن أن تقول أن الإنسان المتحضر على أيامنا هذه هو الذي لديه كل ما يحتاجه من مسائل أساسية للحياة، ومواصلات مريحة، وكذلك يستطيع أن يستخدم الكمبيوتر ويدخل الشبكة العالمية "زي حالتنا كدا يا أسامة.. عُمَد وخالين أطيان ولكننا نعتبر مالكين للحضارة".. ولكن الرجل البدائي الذي اكتشف النار والسلاح الحجري يعتبر أيضا متحضرا إذا ما قورن بالإنسان الذي لم يعرف تلك الأدوات..
وقد أوضحت لك في مداخلة بعاليه أن الإسلام يعتبر حضارة أكثر منه مدنية على زمن الأمويين مثلا وذلك بالمقارنة إلى عهد النبي، ولكنه في نفس الوقت يمكننا أن نعتبره مدنية فيها القيمة الإنسانية أكثر إذا قارنته بالمدنيات الفارسية والرومانية [لاحظ أن المقارنة هنا هي مكان القيمة الإنسانية الأخلاقية]..

قولك:

Quote: أولا:
كيف يمكن ان تكون المدنية هي الجانب الروحي و المادي معا؟

المدنية هي الحضارة زائدا القيمة الإنسانية والأخلاقية وبسط العدل والمساواة. ولذلك على زمن النبي كان الإسلام مدنية "مادية وأخلاقية روحية"..
قولك:


Quote: كان عهد الرسالة الأول هو مدنية ولم تكن هنالك حضارة.فلم يتغير شيئ من حياة العرب المادية ،ولم يضيفوا شيئا الى بيئتهم المادية.


كيف لم تكن هناك حضارة على عهد الرسالة الأول؟؟ لاحظ أن الحضارة لها مستويات مختلفة في الأوقات والأماكن المختلفة، والإستدلال بما أوردته من قول الأستاذ عن الحضارة لا يفيدك كثيرا، فمجرد توحيد القبائل العربية تحت حكم واحد وقانون معين يعتبر حضارة.. وصحيح أن حياة العرب البدوية من جمال وشياه وخيام وتجارة والحضرية من زراعة وتجارة كانت موجودة قبل الإسلام، ولكن قيمة العدل الإنساني [النسبي طبعا] هو الذي استجد بدولة الخلافة.. كما أن الرفاهية الحضرية على زمن الممالك الإسلامية قد اتسعت.. على الأقل المسلمون دخلوا بلاد الشام ومصر وفارس وفيما بعد الأندلس وورثوا حضارات لم تكن لهم من قبل ولكن القيمة العدلية نقصت كثيرا ..
إذن قولك التالي يحتاج إلى مراجعة:

Quote: وكون ان الاسلام في ذلك الزمان ربط الدنيا بالآخرة،فهذا لا يعني اطلاقا انه كانت هنالك انجازات ملموسة على الصعيد المادي في حياة البادية العربية .ولك ان ترجع الى تعريف الاستاذ لمصطلح الحضارة.


في مداخلتي بعاليه قلت لك:

Quote: أنك تسير في خط موازي للأستاذ ولذلك لن تفهمه.. أنت تتحدث عن طريقة إنتاج المصطلح عند الأستاذ، بينما الأستاذ يرتفق بالمصطلح ليوضح المفاهيم!! وهو يقول أن اللغة نفسها حجاب عن المعاني.


وكان تعليقك عليه كالتالي:

Quote: و اسمح لي ان ارد عليك بشكل مقتضب.
الحديث عن اللغة كحجاب عن المعاني ،يمكن ان ينطبق على احوال المتصوفة مثلا،لكنه لا ينطبق على مفاهيم مثل الفيدرالية والجمهورية والاشتراكية والديمقراطية.وهذا يعني اذا انسقنا وراء فهمك لحجاب اللغة،فان كل ما كتب في الديباجة وأسس دستور السودان ،لا يمكن مناقشته،لان اللغة التي كتبا بها تحجب المعاني الاصلية لتلك المفاهيم الدنيوية.


الكلمات والمصطلحات وحدها لا تنقل المفاهيم ولذلك نشأت الحاجة إلى التوضيح والتعريف خاصة للمفاهيم المعقدة.. أرجو ألا تفهم من قول الأستاذ بأن "اللغة حجاب عن المعاني" بأنه يعتبر اللغة غير مهمة.. المقصود أن الكلمات تحتاج إلى توضيح حتى تنقل المفهوم المعين، ولكن عندما تدق المعاني فإن الكلمات نفسها تصبح حجابا عن المعنى.. ودعني أضرب لك مثلا بعبارتك التي قلت فيها في مقدمة مداخلتك:

Quote: فلعل كليماتنا القاصرات في مقاربة خطابه،
ترد بعض الدين الذي هو في أعناقنا الى يوم القيامة.


ما هو يوم القيامة في تقديرك؟؟ أم أن الكلمة من "أحوال المتصوفة" يا صديقي أسامة؟؟ المرة دي قبضتك.. عاد يحلِّك مني "الحلَّ بلَّة من القيد والمذلَّة" فأنا أريد الإجابة..
والآن نأتي إلى كلمة "ديمقراطية" فهي إذا أخذت كمفردة لا تعطي أي معنى في اللغة العربية وهي في الأصل كلمة وافدة من خارج اللغة العربية.. ولكن تعارف الناس على أن معناها هو "حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب".. مفهوم الديمقراطية أيضا نسبي يا أسامة ففي عهد الإغريق لم يكن النساء والعبيد ضمن الشعب..
إذن يمكننا أن نقول أن مناقشة ما جاء في كتب الفكرة الجمهورية يجب ألا يتوقف عند المصطلحات سواء كانت قديمة أو مستحدثة وإنما نتجه إلى المفهوم المبسوط بالكتابة المفصلة المبوبة كما فعل الأستاذ محمود.. هذا هو كل الموضوع بيني وبينك والذي قادني لكي أقول لك بأنك تنحجب بالمصطلحات عن متابعة الأفكار..

قولك:

Quote: كونك تنعي علي عدم فهمي للاستاذ،
فهذا يصب في خانة الفهم الوحيد بل الأوحد لخطاب الاستاذ.
وخطاب الاستاذ يمكن ان يقارب بمناهج مختلفة ومتعددة.وليس هنالك مرجع يقول ان هذه القراءة هي القراءة الوحيدة والمثالية لخطاب الاستاذ.


طبعا ليس هناك فهما واحدا لما جاء به الأستاذ، والناس يتفاوتون في درجة فهمهم لفكرته.. ولكن في تقديري أنك لن تفهمه، في الحد الأدنى من الفهم، بسبب أنك لا تتجه إلى فهم الفكرة بقراءة تغوص عميقا كما تريد أنت أن تقول، وإنما تقف عند المصطلحات وهذا وقوف بالساحل يا صديقي وليس غوصا في الأعماق فـ "غص في بحار الجمع تُبدَ الجواهر".. سأضرب لك مثلا آخر بكلمة "الأبد" في فهم الأستاذ محمود للقرآن خاصة أن لها علاقة بكلمة "القيامة" التي طلبت منك أن تقول لي ماذا تعني لديك.. القرآن يقول أن الكفار خالدين في النار إلى الأبد والمفهوم الشائع لذلك هو "إلى ما لا نهاية".. فانظر ماذا قال الأستاذ للدكتور مصطفى محمود في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=32
لتعرف كيف أن اللغة يمكن أن تكون حجابا عن المعاني في مفهوم "الأبد".. طبعا هذا لا يعني أن كل الكلمات تحجب المعنى، هذا أمر بديهي فكلمة "شمس" مثلا لها معنى واضح أكثر من كلمة "أبد"..
الطريف أن الدكتور مصطفى محمود كان معجباً بـ "أحوال المتصوفة" وقد كتب له الأستاذ في هذا الأمر كتابة يحسن بي أن أضع لك وصلتها هنا فإن بها بعض ما أحب لك أن تقرأه:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=26


وفي الختام لك شكري ووافر التقدير
ياسر



Post: #251
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-26-2007, 11:30 AM
Parent: #1

أخي العزيز أسامة الخواض،

تحية المودة والتقدير

سأبدأ بالتعليق على ما جاء في مداخلتك الأخيرة، والجزء الأخير من المداخلة التي سبقتها حول مسألة الكتاب الأم، وعن الرقم "1".. أولا الرقم هذا لا يعدو أن يكون خطأ من الشخص الذي قام بنقل الكتاب عن النسخة الورقية وقد قمت بتصحيح الوضع الآن في النسخة الرقمية في موقع الفكرة وأشكرك على أن كلامك كان بمثابة تنبيه لتصحيح الخطأ.. هذه هي صورة الصفحة من النسخة المصورة للكتاب ويتضح أنه ليس فيها هذا الرقم..




ولا أدري أين تكمن المشكلة في أنني لم أكتب عن كتاب الإسلام أنه الكتاب "الأم" بل قلت عنه بأنه كتاب ممتع.. كما لا أدري أين تقع المشكلة في أن يصف الأستاذ كتاب الإسلام الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1960 بالكتاب "الأم" وذلك في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب والتي كانت في عام 1968، ثم يأتي فيما بعد في بداية السبعينيات ليكتب في مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" ويصف ذلك الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1967 بأنه الكتاب الأم؟؟ لقد كان كتاب الإسلام هو الكتاب الأم، ثم أصبح كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" هو الكتاب الأم.. أين المشكلة؟؟ فالأستاذ نفسه قد قال بأن جوهر ما أرادت الفكرة الجمهورية أن تقوله قد كتب في كتاب "الإسلام"، فما الذي يمنع أن تنتقل صفة "الأم" إلى كتاب الرسالة الثانية إذا كان قد جاء فيه لب ما جاء في كتاب "الإسلام" مع مزيد من الشرح والتوضيح؟؟
قولك:

Quote: المهم ،
لم يشر الاستاذ الى انه قد سبق له ان ذكر ان الكتاب الام للأخوان الجمهوريين هو كتاب "الاسلام".


نعم لم يشر الأستاذ إلى هذا الأمر في الموضع الذي أوردته، ولكن ما هي أهمية أن يذكر أو لا يذكر!! هل تستطيع أن تقول لي ما هي أهمية ذلك؟؟

قولك:


Quote: وفي زعمنا ان الرسالة الثانية هي تطوير لكتاب "الاسلام".


تطوير ليست الكلمة الدقيقة ويمكنك أن تقول توسيع أو إسهاب في التوضيح.. الفكر الجمهوري استخدم كلمة تطوير فيما يخص التشريع الإسلامي وهذا هو جوهر فكرة الرسالة الثانية..

وفي مرة قادمة سأعود للتعليق على الجزء الأول من المداخلة قبل الأخيرة..
وشكرا
ياسر

Post: #253
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-28-2007, 07:47 PM
Parent: #1



الأحباء تحية طيبة .
ونثمن جهدكم والصبر على الحوار وعلى الكنوز ، وليعلم الجميع أن هنالك
قراء كُثر ينتظرون الثمار التي توردون تباعاً.


حبيبنا ياسر الشريف

عثرت على نصين مما سبق أن أوردنا ، وعثرت فيهما شُبة اختلاف :

الأول :

أ/ في النص الأول وهي إجابات وردت سابقاً من ردود الأستاذ محمود عام 1970 م وفيها :


(وحقيقة القرآن لا تعرف عن طريق القراءة، وإنما تعرف عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم، عبادة وسلوكا، )

الثاني :

والنص الآخر ورد ضمن مقدمة الطبعة الرابعة من ( الرسالة الثانية من الإسلام ) :

( أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، )

بناء على ما ورد وجدنا رأيين ، نرجو إن تفضلت التوضيح . لأننا بصدد بناء رؤى ويتعين أن نتقصى
شِعابها .

هنا مقتطف من النصين ( 1 و 2 ) على التوالي :



(1)
وقد نشرت إجابة الأستاذ بعدد السبت الموافق 4/4/1970، وكان نصها:
{ مؤهلات المفسر العصري للقرآن تقوم على أمرين: أن يكون المفسر ملما إلماما صالحا بحاجة العصر، وأن يكون عالما علما وافيا، ودقيقا، بحقيقة القرآن ..
فأما حاجة هذا العصر فإلى الهداية .. فإن البشرية لم تكن يوما في التيه كما هي اليوم .. وسمة هذا العصر هي القلق، والحيرة، والاضطراب .. هذا عصر الثورات: الثورة الثقافية، والثورة الجنسية، وثورة الشباب، وكلها دليل على القلق، والحيرة، والاضطراب .. هذا عصر (الهيبيز) .. جماعات من الشباب، من الجنسين، يزيد عددهم كل يوم، ويستطير شرهم كل يوم، حتى لقد عم جميع الأقطار .. يقوم مجتمعهم على الرفض، فهم قد وجدوا مجتمع الحضارة الغربية، الآلية، مجتمع إنتاج واستهلاك، فقد الإنسان المعاصر فيه روحه، وقيمته، وحريته، واستحال إلى آلة تنتج وتستهلك، فرفضوه، ورفضوا معه كل عرف، ودين .. وفزعوا إلى صور من مجتمعات الغابة، فهم يلبسون المرقعات، ويسيرون حفاة، ويرسلون شعورهم، ويبيتون على الأرصفة، والطرقات، ويستبيحون بينهم من العلائق الجنسية ما ظلت البشرية على صيانته حريصة خلال تاريخها الطويل .. هم يبحثون عن حريتهم، وعن إنسانيتهم، وعن فرديتهم، فلا يكادون يجدون غير الضياع، وغير القلق، وغير الإضطراب .. فهل عند مصطفى محمود إدراك واسع لهذه الظاهرة، واهتمام بها، وسعي لإيجاد الهداية لها من القرآن بتفسيره العصري؟؟
ثم حقيقة القرآن .. ما هي؟؟ هي العلم المطلق .. وعندما تأذن الله أن يسرع الإنسان في معرفة المطلق نزله من الإطلاق إلى القيد، فكانت، في قمة القيد، الإشارة، وفي قاعدة القيد العبارة .. فأما العبارة فهي (الكلمة العربية) .. وأما الإشارة فهي (حرف الهجاء العربي) وأما حقيقة القرآن فهي فوق الإشارة، وفوق العبارة .. ولقد قال تعالى في ذلك: (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا، عربيا، لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب، لدينا، لعلي حكيم) فاما قوله: (حم) فإشارة .. وأما قوله: (والكتاب المبين) فعبارة .. وكذلك قوله: (إنا جعلناه قرآنا، عربيا، لعلكم تعقلون ..) فإنه عبارة تفيد العلة وراء تقييد المطلق .. وأما قوله: (وأنه، في أم الكتاب لدينا، لعليّ حكيم ..) فإنما هو عبارة، تفيد، بقدر طاقة العبارة، عن حقيقة القرآن .. وحقيقة القرآن لا تعرف عن طريق القراءة، وإنما تعرف عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم، عبادة وسلوكا، وهو ما سمي، في أخريات الأيام، (بالتصوف)
فهل عند مصطفى محمود قدم في التصوف؟؟ لا‍!! ولا كرامة‍!!

(2)
هذه مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب (( الرسالة الثانية من الإسلام )).. :

ورد تحت عنوان ( من المأذون ؟ ) :

{ أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنه مشغولون.. قال تعالى في ذلك: (( كلا‍‍!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله.. }



Post: #254
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-29-2007, 12:04 PM
Parent: #253

عزيزي عبد الله الشقليني

سلامات، وقد سعدت بما تفضلت به فهو يثري الحوار حول فكر الأستاذ محمود..
في الحقيقة ليس هناك اختلاف أو تناقض بين العبارة التي تقول:

Quote: وحقيقة القرآن لا تعرف عن طريق القراءة، وإنما تعرف عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم، عبادة وسلوكا،

والعبارة التي تقول:

Quote: وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه


فالعبارة الأولى المقصود منها أن قراءة القرآن أو الإطلاع والدراسة بدون ممارسة العبادة وتقليد النبي عليه الصلاة والسلام في العبادة والسلوك لا تؤدي إلى معرفة حقيقة القرآن، وإن أدَّت إلى معرفة ظاهر القرآن، لأن حقيقة القرآن لا تعرف إلا بالتوحيد.. والتوحيد علم ذوق لا يُدرك بالقراءة وإنما بالتذوق وقد تكون القراءة مدخل عليه طبعا.. فأنت مثلا تستطيع أن تصف فاكهة الموز في شكلها وحجمها وطعمها لإنسان لم يعرفها من قبل ولكن إدراكه للموز سيتسع جدا عندما يراه ويشمه ويتذوقه.. والأستاذ محمود في موضع آخر من نفس الكتاب أوضح هذه المسألة عند الحديث عن "لا إله إلا الله" فأرجو تأملها:


Quote: و(لا إله إلا الله) هي هادية التوحيد .. والتوحيد هو العلم اللدني، الذي يؤخذ من الله مكافحة .. فهو لا يعلمنا إياه النبي، إلا في معنى أنه فاتح بابه، وقدوة السلوك إليه .. ولقد قال النبي في ذلك: (إنما أنا قاسم، والله يعطي، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .. ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم، حتى يجيء أمر الله.) أراد بقوله (إنما أنا قاسم) أنه معلم الشريعة، ومعلم الطريقة، وقدوة السلوك .. وأراد بقوله: (والله يعطي) أن الله هو الذي يعلم حقائق الدين، لا أنا .. وهذا هو معنى قوله تعالى: (واتقوا الله، ويعلمكم الله) ..
والتوحيد علم ذوق، فهو لا يدرك بالقراءة .. ومعنى (علم ذوق) أنه إنما يجيء عن طريق الممارسة، والتجربة في العبادة .. فمن إلتمسه عن غير هذا الطريق سقط على الدعاوى، وتخبط في متاهات الجهل .. ونحن نتهم الدكتور مصطفى محمود بأنه اعتمد على القراءة في تحصيله للتوحيد .. وليس معنى هذا أن الدكتور لا يعبد، ولكن معناه أنه لم يتقن العبادة حتى يدخل بها مداخل العبودية، إذ ليست مرحلة العبادة مرحلة تذوق الحقيقة، وإنما هي مرحلة إعداد لهذا التذوق .. هي مرحلة عقيدة، في حين أن مرحلة تذوق الحقيقة مرحلة علم .. ولا يستقيم الحديث لمتحدث عن أصول الدين قبل إتقانه مرحلة العلم هذه .. ذلك بأن الإسلام يقع على مرحلتين: مرحلة الإيمان، ومرحلة الإيقان ... فأما مرحلة الإيمان فلها ثلاث درجات: الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان .. وأما مرحلة الإيقان فلها ثلاث درجات، أيضا: علم اليقين، ثم علم عين اليقين، ثم علم حق اليقين، وبعد حق اليقين يجيء الإسلام، الذي هو دين الله، الذي لا يقبل غيره .. قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) .. وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين) ولا يشم أحد شميم معرفة أصول الدين قبل أن ينزل أدنى منازل الإيقان، وهي منزلة علم اليقين ..
فمرحلة الإيمان مرحلة عقيدة، ومرحلة الإيقان مرحلة علم .. ويتضح من كلام الدكتور مصطفى أنه لم ينزل هذه المنزلة .. وخير ما يكشف لنا ذلك منه حديثه عن هذا الفصل، (لا إله إلا الله) .. ثم حديثه عن الفصل الذي يليه، وعنوانه (مخير أم مسير) .. فلنأخذ في استعراض حديثه عن (لا إله إلا الله) .. وأول الدلائل على أن الدكتور مصطفى لم يرح رائحة اليقين قوله من صفحة 240: (لا إله إلا الله .. إذن لا معبود إلا الله ..
(ولن يعبد بعضنا بعضا .. ولن يتخذ بعضنا بعضا أربابا ولن نقتتل على شيء وقد أدركنا أنه لا شيء هناك ..
(ولن يأخذنا الغرور وقد أدركنا أننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء ..
(ولن نفرح بثراء ولن نحزن لفقر ولن نتردد أمام تضحية ولن نجزع أمام مصيبة فقد أدركنا أن كل هذه حالات عابرة ..
(وسوف تلهمنا هذه الحقيقة أن نصبر على أشد الآلام .. فهي آلام زائلة شأنها شأن المسرات ..
(لن نخاف الموت.
وكيف يخاف ميت من الموت؟؟)
إنتهى حديث الدكتور مصطفى .. وأنت، حين تقرأه، يخيل إليك أنه يمكنك تحصيل هذا الإدراك في جلسة واحدة، أو في أيام قلائل، بعدها تملك الصبر على (أشد الآلام) ..
وما هو هذا الإدراك؟؟ هو إدراكنا (أننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء)!! وهل نحن حقا خيالات ظل؟؟ أم هل نحن خلائف الله في الأرض؟؟
و(لن يخاف ميت من الموت) يقول الدكتور، ثم يردف: (وكيف يخاف ميت من الموت؟؟) فهل رأيت كيف يرى الدكتور انتصارنا على الخوف من الموت؟؟ هو يراه في اليأس من الحياة، وفي اليأس من القدرة على الفرار من الموت .. (وكيف يخاف ميت من الموت؟؟) .. والحق غير ذلك .. فإن انتصارنا على الخوف من الموت إنما يجيء من إطلاعنا على حقيقة الموت، ومن استيقاننا أن الموت، في الحقيقة، إنما هو ميلاد في حيز جديد، تكون فيه حياتنا أكمل، وأتم، وذلك لقربنا من ربنا .. وبالموت تكون فرحتنا، حين نعلم أن به نهاية كربنا، وشرنا، وألمنا .. قال تعالى عنه: (لقد كنت في غفلة من هذا، فكشفنا عنك غطاءك، فبصرك اليوم حديد) .. وإنما بالبصر الحديد ترى المشاكل بوضوح، وتواجه بتصميم ..
وعندما اشتدت بالنبي غصة الإحتضار، وقالت السيدة فاطمة البتول: (وا كرباه لكربك يا أبي !!) أجابها المعصوم: (لا كرب على أبيك بعد اليوم) .. وقد سمى الله، تبارك، وتعالى، الموت (اليقين) فقال: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) و (اليقين)، أيضا، العلم الذي لا يكاد يكون فيه شك، والذي به تتكشف الحقائق المستورة وراء الظواهر .. وإنما سمي الموت اليقين لأن به اليقين، ولأن به يتم اليقين الذي يكون قد بدأ هنا عند العارفين، وإنما يكون بدؤه بالموت المعنوي الذي هو نتيجة العبادة المجودة .. وعن هذا الموت المعنوي قال المعصوم (موتوا قبل أن تموتوا) .. وقال عن أبي بكر الصديق: (من سره أن ينظر إلى ميت يمشي في الناس فلينظر إلى أبي بكر) هذا هو اليقين الذي باطلاعنا عليه، لا نتحرر من خوف الموت فحسب، وإنما به قد يكون الموت أحب غائب إلينا ..
وما هو الإدراك الذي به توصل الدكتور إلى مثل هذا القول الذي قاله: (وكيف يخاف ميت من الموت؟؟) ؟؟
إنه من غير شك الإدراك الذي تعطيه العقول لحقيقة الموت – الإدراك الذي يعطيه النظر – وهو إدراك قاصر، ومخيف .. فإن الموت، كما يعطيه النظر العقلي، هو، عند أكثر الناس، نهاية، به تنقطع الحياة، وتسكن الحركة، ويتصلب البدن، ويعود إلى تحلل، ونتن، ويستحيل إلى تراب .. ألم يقل الدكتور نفسه في صفحة 237: (أين كل هذا؟ تحت الردم .. انتهى .. أصبح تربا .. كان حلما في مخيلة الزمان وغدا نصبح، أنا وأنت، تحت الردم ..) إن هذا هو الموت كما يعطيه نظر العقول غير المرتاضة، ولكن الموت، كما تعطيه حقائق القلوب السليمة، والعقول الصافية، فهو شيء يختلف اختلافا كبيرا .. ولا عبرة بالعقول غير المرتاضة بأدب القرآن فإن علمها ليس بعلم، لأنه يقف عند الظاهر، ولا يتعداه إلى بواطن الأمور .. وقد قال تعالى في ذلك: (وعد الله، لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون) فهم لا يعلمون اللباب، وإنما يعلمون القشور، (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) ولا يكون بعلم القشور تحرير من الخوف .. هذا هو مبلغ علم الدكتور، وهو به يظن أنه (لن يخاف الموت ..) ويقول، فيما يشبه البداهة، (وكيف يخاف ميت من الموت؟) ألا ترى أنك قد هونت صعبا، وأرخصت عزيزا؟؟ أني لأرجو أن تحدث مراجعة لأمرك هذا ..


أما العبارة الثانية التي تحث على قراءة القرآن والتفكر فهي تأتي في إطار ممارسة العبادة، حتى يرتقي الإنسان إلى رفع حجاب الفكر والإدراك الوتري، وقد كتب الأستاذ محمود في كتبه ما يوضح ذلك، ففي كتاب "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" جاء قوله:

Quote: إن أفضل العبادة على الإطلاق قراءة القرآن ، وأفضله ما كان منه في الصلاة ، وطريق محمد الصلاة بالقرآن في المكتوبة وفي الثلث الأخير من الليل ..


وفي كتاب "تعلموا كيف تصلون" كتب تحت عنوان "الفكر هو السنة":

Quote: لقد كرم الإسلام الفكر كل التكريم ، وأعظمه كل الإعظام.. قال تعالى : ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم.. ولعلهم يتفكرون)) قوله ، تبارك وتعالى : ((وأنزلنا إليك الذكر)) يعني القرآن كله.. قوله : ((لتبين للناس ما نزل إليهم)) يعني لتوضح للناس ، بالتشريع ، وبالتفسير ، ما نُزِّل إلى مستواهم من جملة القرآن.. قوله : ((ولعلهم يتفكرون)) هو الغرض المطلوب من إرسال الرسول ، ومن إنزال القرآن ، ومن تشريع الشريعة.. فلكأن الإسلام كله إنما هو نهج لتحرير الفكر ، ولتسديد الفكر.. ولقد قال المعصوم : ((تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة)) ثم إن ((السنة)) النبوية المشرفة إنما كانت نهجاً مرسوماً لمحاربة العادة ، ولإيقاظ الفكر..

وأيضا كتب في كتاب "تعلموا كيف تصلون" تحت عنوان "أدب الوقت" :


Quote: ومن ((أدب الوقت)) في الصيام مرافقته للقيام ـ قيام الثلث.. القيام مطلوب ، في رمضان ، وفي غير رمضان ، ولكنه في رمضان أوكد منه في غيره ، وذلك للقرينة القائمة بين رمضان والقرآن.. ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)).. قم الثلث ، وأكثر من قراءة القرآن ، في الصلاة ـ أكرر ! ! في الصلاة ـ فإن القرآن ، في الصلاة ، خير العبادة.. والقرآن يعطي أسراره في رمضان ، أكثر مما يعطيها في غيره من الأزمان.. وأنت حين ، تقرأ القرآن ، في رمضان ، في الثلث ، في الصلاة ، إستمع له وأنصت.. قال ، جل من قائل : ((وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له ، وأنصتوا.. لعلكم ترحمون * واذكر ربك ، في نفسك ، تضرعاً ، وخيفة ، ودون الجهر من القول ، بالغدو ، والآصال.. ولا تكن من الغافلين * إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ، ويسبحونه ، وله يسجدون)).. ((استمعوا له)) ، يعني كونوا حاضرين ، عند القراءة ، ((فاستمعوا)) و((فكروا)).. إستمعوا بآذانكم ، وفكروا بعقولكم.. ومما يعينك على ((الإستماع)) تجديد الآيات المقروءة في الصلاة.. فإنك كلما صليت بقرآن جديد ، كلما وجدت عقلك مشدوداً إلى الحضور.. وهذه من أنفع الحيل ليكون الإنسان حاضراً ، أثناء القراءة.. أما قوله : ((وأنصتوا)) فليس معناه مرادفا لـ ((فاستمعوا)) ، وإنما معناه أن نحاول بالإنصات أن نرفع ((حجاب الفكر)) ، وذلك بأن يؤدي السمع إلى القلب ، في غير تفكر في المعنى.. فكأنه ، في ((الإستماع)) ، الأذن تؤدي إلى العقل ، وأما ، في ((الإنصات)) ، فإن الأذن تؤدي إلى القلب ، بلا واسطة العقل.. وهذا هو معنى قوله تعالى : ((إن ناشئة الليل هي أشد وطأً)).. يعني يواطئ القلب فيها اللسان.. فإذا خرج الصوت بالقرآن ، من اللسان ، أحدث نقرة ، في القلب ، من غير أن يتفكر العقل في المعنى.. فتكون الأذن ، كأنما هي صبابة ، تصب نور القرآن في القلب صباً.. وهذه تبعث واردات القرآن ، من القلب إلى العقل ، فيكون العبد ، ساعتئذ ، متلقياً من الله بلا واسطة.. والإنصات أعز حالات التلقي.. وهو لا يتم ، إلا بفضل الله ، ثم بفضل المران الطويل على ((الإستماع)).. ومن الأدب الذي يعين على تحصيل ((الإنصات)) أنك ، حيث سمعت القرآن يتلى ، سواء ، أكان في بيت مأتم ، أو من المذياع ((فاستمع)) له ، ولا تنشغل عنه بغيره.. حتى ولو وصلك صوت التلاوة من مذياع الجيران ، متقطعاً، مرة يبلغك ، في وضوح ، ومرة ينخفض ، فلا يكاد يبلغ أذنك ، فحاول أن ((تستمع)) ، وأن تتابع.. إن هذا التنفيذ ((الحرفي)) ((للأمر)) ((بالإستماع)) من قوله تعالي : ((فاستمعوا له)) يفيض عليك من البركة ، والخير ما ينقلك لإحسان ((الإنصات)).. أحب القرآن ، ووقره ، وأعظم شأنه ، يبح لك بأسراره..



ولك مني الشكر والتقدير، وسلامي للجميع..

ياسر



Post: #255
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 04-29-2007, 04:11 PM
Parent: #254

أحبابنا،
نحن هنا. شكراً لإبقائنا معكم.
كم أنتم كرماء، مخلصون!

Post: #256
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 04-30-2007, 06:51 AM
Parent: #1

أبدأ ردي على الصديق ياسر الشريف،
بشكر الصديق حيدر بدوي على كلماته المشجعة.
نعود للرد على الرد الصديق ياسر الشريف.
******
عزيزي ياسر
لعلك والاسرة طيبين
سابدا بالرد على مداخلتك الأولى ،
ثم في براح آخر سأعود للمداخلة الاولى.
أولا:
قلت عزيزي في ما يتعلق بالحضارة:
Quote: نعم الكلمة محددة ولكن المفهوم نسبي وأضيف أنه غير ثابت أيضا..


أتقف معك في ذلك ،لكن يجب ان نضع في الحسبان ان النسبية تعود الى محاكمة الظاهرة تاريخيا من خلال معيار محدد.فمثلا اذا قلنا ان المدنية هي الجانب الروحي ،فهذا يعني ان مقاربتنا للمدنية عبر التطور التاريخي ،والذي يفرز مفهوم النسبية كما تفضلت، على تلك المقاربة ان تستند على معيار محدد للمدنية الا وهو جانب الاخلاق.
ولذلك لا اتفق مع كلامك الآتي:

Quote: المدنية هي الحضارة زائدا القيمة الإنسانية والأخلاقية وبسط العدل والمساواة. ولذلك على زمن النبي كان الإسلام مدنية "مادية وأخلاقية روحية"..


ما تقول به حول ان المدنية هي الحضارة +الاخلاق ،
ينسف كل دفاعك عن تعريف الاستاذ لمصطلح المدنية .فهو قد قال بشكل قاطع ،لا لبس فيه ولا يحتمل التراجع، والتأويل،قال ان المدنية هي الاخلاق.

فكيف تأتى لك ان تقول ان المدنية هي الحضارة +الجانب الاخلاقي؟
كل مصطلحات الاستاذ تستند على حدين ،والاختلاف بينها هو اختلاف مقدار.
وانت تنسف كل ما قال به الاستاذ حين تقول ان حدا واحدا،
يشمل الحدين.

ألا ترى تناقضا واضحا في كلامك يا عزيزي؟

الاستاذ كما قلنا لا يستند الى حدود ثلاثة،
في فهم الظاهرة المحددة.والا لكان له ان يقول ان الحضارة هي الجانب المادي والثقافة هي الجانب الروحي ،و المركّب منهما هو المدنية،كما يتبنى ذلك بعض علماء الاجتماع وغيرهم عبر حدود ثلاثة في مقاربة ظاهرة المجتمع الانساني، و نشأته و تطوره.

ثانيا ردا على كلامي الآتي :
Quote: كان عهد الرسالة الأول هو مدنية ولم تكن هنالك حضارة.فلم يتغير شيئ من حياة العرب المادية ،ولم يضيفوا شيئا الى بيئتهم المادية.


قلت يا صديق الآتي نصه:

Quote: كيف لم تكن هناك حضارة على عهد الرسالة الأول؟؟ لاحظ أن الحضارة لها مستويات مختلفة في الأوقات والأماكن المختلفة، والإستدلال بما أوردته من قول الأستاذ عن الحضارة لا يفيدك كثيرا، فمجرد توحيد القبائل العربية تحت حكم واحد وقانون معين يعتبر حضارة.


عزيزي ياسر انت ايضا للآسف واقع في نفس الارتباك المفهومي الذي أشرنا اليه في ما يتعلق بخطاب الاستاذ.

فانت مثلا تقول أنه كانت هنالك حضارة في عهد الرسالة الاول،لاحظ ان حديثي كان منصبا على ذلك ،أنت تقول ان وجود الحضارة يستند على عامل واحد فقط هو توحيد القبائل العربية تحت حكم واحد وقانون معين.

صحيح انه حصل توحيد لتلك القبائل المتنافرة المتحاربة،
ولكن لنا أن نتساءل:
على اي ِأساسٍ حصل ذلك التوحيد؟
هل هو أساس مادي نشا بحكم ظروف مادية ملموسة ؟أم هو أساس مديني كما في حالة الاسلام الاول أي على اساس ديني؟
والصحيح في رأينا أنه تم على اساس مديني ،
استنادا على تعريف الاساس لمصطلح المدنية.

ثالثا:
نعود الى ارتباكك في فهم مصطلحي الحضارة والمدنية.
بعد أن استشهدت بدليل حضاري ،للاسف هو دليل يتيم،
تعود صديقي كي تقول أن حياة العرب في عهد الاسلام لم تتغير ،وان الشيئ الوحيد الذي تغير هو قيمة العدل الانساني النسبي.
تقول في انعدام التغيير المادي في عهد الاسلام الاول:
Quote: وصحيح أن حياة العرب البدوية من جمال وشياه وخيام وتجارة والحضرية من زراعة وتجارة كانت موجودة قبل الإسلام، ولكن قيمة العدل الإنساني [النسبي طبعا] هو الذي استجد بدولة الخلافة..


فانت تعترف وتؤكد ان الشيئ الوحيد الذي استجد بدولة الخلافة كان هو العدل الانساني النسبي،وأن الظروف المادية للعرب في ذلك العهد لم يحصل فيها اي تغيير مادي ملموس.

اذن لنا ان نعيد تساؤلنا :
كيف يمكن ان يكون الاسلام في عهده الاول هو مدنية روحية ومادية معا؟؟؟؟

يمكننا أن نقول ان اساس الارتباك ناشئ من ان الاستاذ رغم استخدامه المبكر لمصطلحي الحضارة والمدنية ،انه لم يقم بتعريفهما إلا في وقت متأخر.و بالرغم من ذلك التعريف ،إلا ان الاستاذ واصل ارتباكه ،ولعل ذلك يعود الى أنه تعود أن يمارس ذلك الخلط ،وكانت الحاجة الى ضرورة التفريق بين المدنية والحضارة هي حاجة مؤقتة للتمييز بين البعث الاسلامي القادم ،وبين الحضارة الغربية القائمة في محاولة لتبرير أهمية ذلك البعث الاسلامي الموعود الذي يحقق قانون العدل الانساني و يلقِّح الحضارة الغربية القائمة بالجانب الاخلاقي .
ولو لم تكن الحاجة مؤقتة،لكان على الاستاذ ان يقوم بمراجعة مفهومه القديم للحضارة والمدنية ،
ونقد ما قال به مثلا حول ان الاسلام في عهده الاول كان مدنية روحية ومادية معا.

رابعا ، قلت عزيزي الآتي نصه:
Quote: كما أن الرفاهية الحضرية على زمن الممالك الإسلامية قد اتسعت.. على الأقل المسلمون دخلوا بلاد الشام ومصر وفارس وفيما بعد الأندلس وورثوا حضارات لم تكن لهم من قبل ولكن القيمة العدلية نقصت كثيرا ..


لم أتطرق اطلاقا الى هذه الفترة التي تحدثت عنها.فحديثي كان منصبا على عهد الاسلام الاول ،وكون ان الاستاذ يصف ذلك العهد بانه كان مدنية روحية ومادية معا،اي انه كان حضارة ومدنية ,رغم اعتراضنا المسبق على الجمع بين المدنية والعامل المادي ،في ضوء تعريف الاستاذ.

لكن كلامك عن الرفاهية المطلقة ،وتجاهل ان هذه هي الفترة التي قام فيها المسلمون برفد العالم بابداعاتهم في مجالات شتى، يعني انك تهمل أو قل تغض النظر عن ان هذه الفترة ،هي التي شهدت الترجمات ،وانفتاح المسلمين على حضارات اخرى ، ولغات اخرى، ظهر تأثيرها في خطابات كثيرة .

ويبدو ان تحدثك عن الرفاهية الحضارية فقط ،واهمال النهضة الاسلامية في حقول معرفية كثيرة ،وانفتاح العالم الاسلامي على ثقافات كثيرة ،له علاقة بنظر الاستاذ لمسائل الابداع الفلسفي والفكري و الفني في مختلف اشكال الفنون .

فللاسف فان مسالة الابداع الفلسفي والفكري و الفني ،لا تجد لها محلا في تعريفات الاستاذ.
فهو يتحدث فقط في مفهومه لتطور المجتمع الانساني عن العامل المادي والاخلاق ،وليس في منظومته الفكرية مساحة غير ذلك ،رغم ان الاستاذ تحدث عن الفنون ،طارحا فهما متقدما للفنون ،مقارنة بالرؤية السلفية التي تحرم الفنون.
ففي كتابه الاسلام و الفنون ،وهو في الاصل محاضرة بالدارجية السودانية ،يقول:

Quote: لعل الفنان ، الموزع بالصورة دي ، بتلقاه يظهر بمظهر البهدلة كدا .. يرسل لحيته بصورة بدون تهذيب ، ولا تنظيم ، أو يلبس ملابس مهزأة ، أو يكون ماسائل في النظام ، أو في رأي المجتمع ، قد يكون أنا أفتكر ، أنه هو بيبحث عن قيمة ، أنا بحب أن اهديه للقيمة دي ، هي في العبادة والقرآن .. سيجدها حاضرة حين يتجه للالتزام بأدب القرآن – ادب شريعته وأدب حقيقته.


فهو يرى ان القيمة الاساسية للفنان تتمثل عبر مدخلين أي العبادة والقرأن.والفن ابعد من ذلك بكثير وكثير جدا.

ومثل ذلك التصور ،رغم ثورية ما قال به الاستاذ حول ان الفنون حلال،مثل ذلك التصور يجعل الفنان آحادي الرؤية ،و موظفا لخدمة فكرة محددة .

و حتى في تعريفه للجمال ،
فان الاستاذ يستند على الأخلاق.وهذا من أدلة كلامنا حول ان الاستاذ يعول على الأخلاق بشكل رئيس .

يقول الاستاذ في محاضرته السابقة الذكر حول تعريفه للجمال:

Quote: إذا كان قلت: أن الجمال هو التناسق ، مثلاً ، فأنت على حق ، ولكن ما كل الحق .. أنا أحب أن اقترح حاجة هي في البداية في الموضوع ، اقترح أن الجمال هو العدل الإنساني ، العدل الإنساني يمكنك أن تقول عليهو جمال .. زيد على العدل الإنساني ... تعال في المحبة الإنسانية ، المعيشة مع الناس في سلام – السلام


و هذا ما ينبهنا الى اهمية مقاربة رؤية الاستاذ للفنون و الابداع عموما.
وهذا حديث آخر.

خامسا ،قلت :

Quote: أنك تسير في خط موازي للأستاذ ولذلك لن تفهمه.. أنت تتحدث عن طريقة إنتاج المصطلح عند الأستاذ، بينما الأستاذ يرتفق بالمصطلح ليوضح المفاهيم!! وهو يقول أن اللغة نفسها حجاب عن المعاني
.

ليس من واجب المقاربة النقدية-على الأقل تلك التي احاولها- ان ترتفق بالمصطلح لتوضيح المفاهيم ،فلذلك أناس آخرون.
ما أحاوله هو علاقة الاستاذ بمشروع الحداثة الغربي ،ومن ضمن ذلك كيفية انتاجه وأيضا اعادة انتاجه للمصطلحات التي اسسها المشروع الغربي للحداثة.
و لا أزعم ،وما ينبغي لي،ان اقول انني أقارب كل خطاب الاستاذ.وسبق لي ان قلت ان مثل تلك المقاربة الشاملة ،لو كان ان هنالك مقاربة مثل تلك، تحتاج الى جيش من الباحثين، او ما يشبه سالف القول.

خامسا، قلت عزيزي:

Quote: طبعا ليس هناك فهما واحدا لما جاء به الأستاذ، والناس يتفاوتون في درجة فهمهم لفكرته.. ولكن في تقديري أنك لن تفهمه، في الحد الأدنى من الفهم، بسبب أنك لا تتجه إلى فهم الفكرة بقراءة تغوص عميقا كما تريد أنت أن تقول، وإنما تقف عند المصطلحات وهذا وقوف بالساحل يا صديقي وليس غوصا في الأعماق فـ "غص في بحار الجمع تُبدَ الجواهر"..


في زعمي الضعيف انني احاول ان اغوص في اعماق أخرى ،لم ترد بخاطرك،مثل الغوص في اعماق كيفية انتاج المصطلح وعلاقة ذلك بمشروع الحداثة الغربي،بحسب قدراتي المتواضعة،لكن يبدو ان فهمك للاعماق متصل بالخطاب الصوفي ،وهو ما لم اقل به .
أحاول مقاربة محاور محددة لها علاقة بالحداثة ،وهذا يصب في ما استطيع عمله،
أما حديثك عن الخطاب الصوفي،
أو كما تراءى لي ،فانني لم اقل بذلك .
دعونا نفهم الغوص في العميق بشكل متعدد،لا بشكل آحادي .
محبتي
وآمل ان اعود لارد على الجزء المتبقي من مداخلتك.
المشاء

Post: #257
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-30-2007, 09:32 AM
Parent: #256

سلامات يا عزيزي أسامة،


قولك:


Quote: في زعمي الضعيف انني احاول ان اغوص في اعماق أخرى ،لم ترد بخاطرك،مثل الغوص في اعماق كيفية انتاج المصطلح وعلاقة ذلك بمشروع الحداثة الغربي،بحسب قدراتي المتواضعة،لكن يبدو ان فهمك للاعماق متصل بالخطاب الصوفي ،وهو ما لم اقل به .


أتمنى لك التوفيق في دراستك.. ولكن أحب أن أنبهك إلى أمر قد تكون أنت غافل عنه وهو أن الأستاذ ليس بأكاديمي ولا فيلسوف.. فإذا أردت أن تدرسه فليس لك بد من أن تضع في اعتبارك ما يتحدث عنه في جذور فكرته وهي التوحيد.. ولذلك لن تستطيع أن تفهمه ما لم تتعامل مع هذه الجذور التي تحاول أن تصرفها بقولك "الخطاب الصوفي"..

قولك:


Quote: ما أحاوله هو علاقة الاستاذ بمشروع الحداثة الغربي ،ومن ضمن ذلك كيفية انتاجه وأيضا اعادة انتاجه للمصطلحات التي اسسها المشروع الغربي للحداثة.

لن تستطيع أن تفصل ما يقوله الأستاذ بخصوص الحضارة والمدنية وتعامله مع مشروع الحداثة الغربي عن فكرته الأساسية المتمثلة في علاقة الفرد بالكون ومسألة التسيير ولذلك تجد أنه قال في ختام الباب الذي جاء فيه الحديث عن المدنية والحضارة:
Quote: وإذا أردنا أن نضع سبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة وضعا محددا ، وجب علينا أن نقرر أن مرد هذا الفشل هو عجز هذه المدنية عن الإجابة على سؤالين ظلا بغير جواب صحيح طوال الحقب السوالف من التاريخ البشري ، وقد أصبحت الإجابة عليهما ضربة لازب .
والسؤالان هما : ما حقيقة العلاقة بين الفرد والجماعة ؟ وبيـن الفـرد والكون .

وهذا الجانب من أهم المسائل في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" وفي الفكرة الجمهورية عموما.. ولذلك تجده حتى في كتاب مثل "أسس دستور السودان".. "معضلة الجبر والإختيار".. لذلك يا أسامة الحديث عن إنتاج المصطلحات أو إعادة إنتاجها هو وقوف بالساحل، في تقديري طبعا، ولكنك حر فيما تريد أن تدرسه..




وشكرا

ياسر

Post: #258
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-30-2007, 06:10 PM
Parent: #257

الأخ أسامة،
تحية لك ولجميع المتابعين..

قلت لك في المداخلة قبل الفائتة أن تعريف الأستاذ للحضارة الذي جاء في الباب الأول من كتاب الرسالة الثانية لا يفيدنا كثيرا في اعتبار أن عهد الرسالة الأول كان حضارة ومدنية.. يعني حكم ودولة قائم على العدل.. وهذا هو سبب قولي أن المفهوم نسبي ومتغير..

وقد قلت لك:


Quote: كيف لم تكن هناك حضارة على عهد الرسالة الأول؟؟ لاحظ أن الحضارة لها مستويات مختلفة في الأوقات والأماكن المختلفة، والإستدلال بما أوردته من قول الأستاذ عن الحضارة لا يفيدك كثيرا، فمجرد توحيد القبائل العربية تحت حكم واحد وقانون معين يعتبر حضارة.


وأضفت:
Quote: وصحيح أن حياة العرب البدوية من جمال وشياه وخيام وتجارة والحضرية من زراعة وتجارة كانت موجودة قبل الإسلام، ولكن قيمة العدل الإنساني [النسبي طبعا] هو الذي استجد بدولة الخلافة..

إذن كانت هناك حضارة موجودة قبل الإسلام وزاد تنظيمها بقيام الدولة الموحدة وصارت أدخل في مفهوم المدنية بسبب العدل والقيمة الإنسانية.. ولكنك تقول:

Quote: نعود الى ارتباكك في فهم مصطلحي الحضارة والمدنية.
بعد أن استشهدت بدليل حضاري ،للاسف هو دليل يتيم،

لنفترض أن الدليل يتيم فهل ينقص ذلك من قيمته؟؟ ولكن الدليل ليس يتيما فقد كان هناك إلى جانب التجارة والزراعة قبل الإسلام جانب أدبي تمثل في الشعر مثلا بأبوابه المختلفة والتاريخ حفظها لنا في المعلقات وفي غيرها، ثم بقيام دولة الإسلام تم توحيد الجزيرة تحت حكم صار يجمع الزكاة [زكاة الزرع وزكاة التجارة وزكاة الإبل والشياه وغيرها] من المسلمين ويفرض الجزية على أهل الكتاب ويفرض حكم الشريعة على الجميع.. هذا يجيب على تساؤلك:

Quote: على اي ِأساسٍ حصل ذلك التوحيد؟
هل هو أساس مادي نشا بحكم ظروف مادية ملموسة ؟أم هو أساس مديني كما في حالة الاسلام الاول أي على اساس ديني؟

إذن التوحيد تم على أساس مادي اقتصادي وقانوني ديني عليه قامت الدولة..

والآن إلى تساؤلك المعاد:

Quote: كيف يمكن ان يكون الاسلام في عهده الاول هو مدنية روحية ومادية معا؟؟؟؟

فهل وضح لك المقصود؟؟ الإسلام في عهده الأول مدنية مادية ـ روحية بمعنى أنها نظمت المسائل الدنيوية المالية وفرضت القوانين ، ولأنها ربطت الدنيا بالآخرة، وهذا هو معنى عبارة "الدنيا مطية الآخرة" التي أوردتها لك من قبل.. أرجو أن ترجع إلى ما كتبه الأستاذ بخصوص الحكم الديني على عهد النبي والخلفاء الثلاثة بعده وذلك في كتاب "رسائل ومقالات" الأول:


Quote: إن الخلفاء أربعة: محمد، وأبوبكر، وعمر، وعثمان.. والحكومات الدينية إنما هي تلك التي كانت على عهدهم.. ولقد كانوا، وكان الناس تبعا لهم، يطلبون الأخرى بحسن العمل في الدنيا.. وحسن العمل هو إفشاء السلام، وإشاعة المحبة والخير بين الناس، والجد بإخلاص في إصلاح أمورهم، والمساواة بينهم، وإقامة العدل، ونشر الحق، والخير، بين سائرهم، والسعي للكسب من الوجوه المشروعة، ثم اخذ ما تحتاجه مما تكسب، والعود بما يزيد عن الحاجة في محاويج المسلمين.. فكم مرة في حياة محمد نزل أبوبكر عن ماله جميعه، وكم مرة نزل عمر عن جزء كبير منه.. وكذلك فعل عثمان، وكذلك فعل عبدالرحمن.. وكان أبوبكر، وعمر، حين استخلفا، وانشغلا بتدبير أمور المسلمين عن الكسب، لا يأخذان من مال المسلمين لمعاشهما إلا ما يأخذه الرجل منهم.. ولما كان الناس، وحكامهم، يطلبون غرضا واحدا هو وجه الله، بعمل واحد هو الصالحات، لم يكن فرق بين عمل الحكومات وعمل الرعية، إلا تصريف الأمور العامة الذي تفرد به الخليفة، وكانت كلمته فيه، في كثير من الأوقات، الكلمة الأخيرة.. وكان الناس، مع ذلك، لا يألونه نصحا، ولا يترددون في الإعتراض عليه، ولا يتهيبون نقده.. وكان هو لا يستكبر عن الحق، ولا يستنكف أن ينزل على رأي أقلهم، حين يكون صوابا..



وقد كتبت لك ما يلي:

Quote: كما أن الرفاهية الحضرية على زمن الممالك الإسلامية قد اتسعت.. على الأقل المسلمون دخلوا بلاد الشام ومصر وفارس وفيما بعد الأندلس وورثوا حضارات لم تكن لهم من قبل ولكن القيمة العدلية نقصت كثيرا ..



ولكنك علقت بالقول:

Quote: لم أتطرق اطلاقا الى هذه الفترة التي تحدثت عنها.فحديثي كان منصبا على عهد الاسلام الاول ،وكون ان الاستاذ يصف ذلك العهد بانه كان مدنية روحية ومادية معا،اي انه كان حضارة ومدنية ,رغم اعتراضنا المسبق على الجمع بين المدنية والعامل المادي ،في ضوء تعريف الاستاذ.

لكن كلامك عن الرفاهية المطلقة ،وتجاهل ان هذه هي الفترة التي قام فيها المسلمون برفد العالم بابداعاتهم في مجالات شتى، يعني انك تهمل أو قل تغض النظر عن ان هذه الفترة ،هي التي شهدت الترجمات ،وانفتاح المسلمين على حضارات اخرى ، ولغات اخرى، ظهر تأثيرها في خطابات كثيرة .

ويبدو ان تحدثك عن الرفاهية الحضارية فقط ،واهمال النهضة الاسلامية في حقول معرفية كثيرة ،وانفتاح العالم الاسلامي على ثقافات كثيرة ،له علاقة بنظر الاستاذ لمسائل الابداع الفلسفي والفكري و الفني في مختلف اشكال الفنون .

فللاسف فان مسالة الابداع الفلسفي والفكري و الفني ،لا تجد لها محلا في تعريفات الاستاذ.


نعم، أنا لم أتطرق إلى الحياة الأدبية والشعرية والفكرية الثقافية على عهد الممالك الإسلامية ولا على عهد النبي والخلفاء الثلاثة بعده، ولكن هذا لا يعني أنني أهملها أو أغض الطرف عنها.. وهو على كل حال تقصير مني .. ولكني أستغرب قولك بأن هذا له علاقة بنظر الإستاذ لمسائل الإبداع الفلسفي والفكري والفني في مختلف أشكال الفنون!!! أليس التصوف نفسه جزء من الحياة المعرفية والفكرية؟؟ ألم يكتب الأستاذ محمود عنه؟؟ وألم يقل عن الحكومات التي كانت على عهد بني أمية وبني العباس أنها حكومات ناجحة؟؟ لقد قال للأستاذ خالد محمد خالد في نفس المقال الذي اقتطفت لك منه طرفا بعاليه، عن حكومات بني أمية وبني العباس ما يلي :

Quote: وهذه الحكومات نفسها، في أول عهدها بالإنحطاط حين أعطت الصدارة فيها لشئون الدنيا، ولم تتخل عن الدين بعد، كانت أرقى حكومات عالمها، بدون منازع.. فقارن، إن شئت، بين حكومات بني أمية التي افترعها معاوية، وكان من حكامها عبدالملك، والوليد، وسليمان، وعمر، ثم حكومات بني العباس التي افترعها السفاح، وكان من حكامها المنصور، والمهدي، والرشيد، والمأمون، والمعتصم، وبين حكومات العالم على عهدهم، ثم جئني بمثلها، إن إستطعت..


ومع أنك كتبت أن للأستاذ رأيا متقدما حول الفنون إلا أنك عدت وأوردت نصا من كتاب "الإسلام والفنون" لتقول بعده:

Quote: فهو يرى ان القيمة الاساسية للفنان تتمثل عبر مدخلين أي العبادة والقرأن.والفن ابعد من ذلك بكثير وكثير جدا.

ومثل ذلك التصور ،رغم ثورية ما قال به الاستاذ حول ان الفنون حلال،مثل ذلك التصور يجعل الفنان آحادي الرؤية ،و موظفا لخدمة فكرة محددة .


وكنت أتمنى أن تورد النصوص التي توضح رأي الأستاذ بطريقة مفصلة وليس أن تبتسر المسألة في نقل عبارات قصيرة من نص المحاضرة باللغة الدارجة وهي عبارة قد جاءت في سياق محدد وموجهة لجمهور معين هو طلبة كلية الفنون في أواخر الستينيات.. ولك أن تلاحظ أن الكتاب لم يكن عبارة عن المحاضرة وحدها وإنما قدَّم له الأستاذ بمقدمة بلغة الكتابة.. يمكن للقراء الرجوع إلى الكتاب في موقع الفكرة ولكن سأقتطف منه ما يفيد الجانب الذي لم تركز عليه أنت يا أسامة، وللقارئ أن يقارنه بما كتبته أنت ويلاحظ ما وضعت تحته خطا..

Quote: فأما الفن ، فقد سبق لنا أن عرفناه في متن هذه المحاضرة ، وذلك حيث قلنا ، ان الفن هو وسيلة التعبير عن ملكة التعبير .. وقلنا يومها أن ملكة التعبير إنما هي الحياة .. والحياة تعبر عن نفسها بوسائل مختلفة ، في مستويات مختلفة ... فهي تعبر عن نفسها بالحركة ، وتعبر عن نفسها بالغذاء ، وتعبر عن نفسها بالتناسل ، كما تعبر عن نفسها بالشعر ، وبالنثر ، وبالغناء ، وبالرقص ، وبالنحت ، وبالرسم ، وبالتصوير ، وبالتمثيل ، وبالموسيقى ، وبغيرها من ضروب الطاقة الفكرية ، والجسدية ، التي تفيض وتنبجس .. فهل يعني هذا أن كل أساليب الحياة للتعبير عن نفسها فن ؟؟ .. نعم هذا على التعميم ، وفي جملة الأمر ، صحيح ... بيد أن صور التعبير التي تمارسها الحياة البدائية تعتبر فناً فجاً ، وتزيد فجاجته كلما انحصر في التعبير عن مجرد نوازع المعدة ، والجسد ... اننا لا نسمي أساليب الحياة ، في التعبير عن نفسها ، فناً ، بالمعنى المخصص لهذه الكلمة ، إلا إذا ما دخلت هذه الأساليب على مستوى التعبير عن القيمة – القيمة في الحياة – وأعلى قيم الحياة الحرية .. هناك الطاقة الحياتية ، وهناك الطاقة العقلية ، وإنما بالطاقة العقلية دخلت القيمة في الحياة .. فالفن إنما هو تعبير الطاقة الحياتية عن نفسها من خلال مصافي العقول المرتاضة ، الصافية ، القوية الإدراك ... الفن هو التعبير عن حياة الفكر وحياة الشعور ، في آن معاً .. والطاقة الحياتية إنما هي أصل الحياة ، في سذاجة ، وبساطة ، وهي لا تفلسف ، ولا تتأنق ، ولا تحتفل ، حين تعبر عن نفسها .. وأسلوبها في التعبير اسلوب القصد الصريح ، في ممارسة اللذة ، واجتناب الألم ، ولكننا نحن لا نعتبر اندفاعات الشهوة في هذا المستوى فناً من الفنون ، وإنما الفن تعبير الشهوة المحكومة بالعقل المهذب ، المروض المنضبط بقواعد الخلق الرصين .. وإنما من أجل ترويض ، وتهذيب العقول حمدت مساعي الفنون ، في صورها المختلفة ، وبأساليبها المختلفة .. وإنما قيمة كل أسلوب من أساليب الفنون هي قيمة ما يقربنا من تلك الغاية ...وفي هذا المضمار يقع التفاوت بين أفانين الفنون ، وفيه أيضاً يقع اختلاف ما بين الفن والدين – الإسلام ... ومعلوم انه إنما هو دائماً اختلاف مقدار ، ، ولقد تعرضنا لتعريف الفن في الأسطر القليلة الماضية ، ولقد قررنا هناك أن الفن والإسلام لصيقان ، وهذا يعني أنهما وجهان لأمر واحد ... وهذا الأمر الواحد إنما هو الحياة ... فالفن أسلوب تعبير للحياة به يزيد عمقها ، واتساعها .. والإسلام اسلوب تعبير للحياة ، به يزيد عمقها واتساعها ، ولكن أسلوب الإسلام أشمل وأعمق ، وأبعد مدى من أسلوب الفنون .. ولقد وردت الإشارة إلى الاسلوبين: أسلوب الفنون ، وأسلوب الإسلام ، في الآية الكريمة: (سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق ، أو لم يكف بربك أنه على كل شي شهيد ؟؟) فهذه آيات الآفاق ، وآيات النفوس ... وهي جمعيها موضوع الفنون ، وموضوع الإسلام .. فأما الفنون فإنها تعنى بآيات الآفاق ، أكثر مما تعنى بآيات النفوس ، ولكن عنايتها بهذه غير غائبة .. وأما الإسلام فإنه يعني بآيات الآفاق ، ويتخذها مجازاً إلى آيات النفوس ، وعنايته بهذه ، وبخاصة في آخريات مراقيه أكبر وأعظم ، وللعلم التجريبي في هذين مجال ، ولكنه ليس هنا بذي بال ، ويكفي فيه أن يقال: إن الفن ، والدين ، والعلم ، متداخلة ، والاختلاف بينها إنما هو اختلاف مقدار.


وتنقل أيضا من متن المحاضرة ليست هي كل ما قاله الأستاذ عن الجمال، وتعلق عليه قائلا:


Quote: و حتى في تعريفه للجمال ،
فان الاستاذ يستند على الأخلاق.وهذا من أدلة كلامنا حول ان الاستاذ يعول على الأخلاق بشكل رئيس .


وأنا سأنقل الفقرة الكاملة من المحاضرة حتى يقارن القارئ بينها وبين النتيجة المبتسرة التي توصلت أنت إليها:

Quote: الحياة والفنون والجمال:

إذا كان قلنا: الفنون هي وسيلة التعبير عن ملكة التعبير فينا ، يبقى ملكة التعبير دي عاوزة شنو ؟؟ ملكة التعبير (الحياة) عاوزة أن يكون في تنغيم للحياة ، عاوزة أن تكسر ، وتطامن الشذوذ ، والنشوز الفي الحياة ، عاوزة تناسق ، عاوزة جمال ، ان شئت .. لأنه في الجمال ، النفس البشرية بتجد طمأنينتها ، بتجد راحتها بتجد خروجها من شذوذ المغامرة ، والمخاطرة ، والمفاجأة .. يعني النغم الموسيقي المنسجم يريح أنفسنا لأنو بيوجد ، في الداخل ، طمأنينة تخرج مسألة الانزعاج البيجئ بالأصوات الصاخبة ، المفاجئة ، النشاز ، زي ما بنسميها ، كل صورة فنية من صور التعبير محاولتها هي أن توجد الجمال .. الفنون بشتى وسائلها ، وطرقها ، محاولتها انما هي أن توجد الجمال .. إذا كان الإنسان سأل عن الجمال هو شنو:

ما هو الجمال ؟

إذا كان قلت: أن الجمال هو التناسق ، مثلاً ، فأنت على حق ، ولكن ما كل الحق .. أنا أحب أن اقترح حاجة هي في البداية في الموضوع ، اقترح أن الجمال هو العدل الإنساني ، العدل الإنساني يمكنك أن تقول عليهو جمال .. زيد على العدل الإنساني ... تعال في المحبة الإنسانية ، المعيشة مع الناس في سلام – السلام .. أنا أحب أن أقدم ليكم النقطة دي لتكون هي نقطة اعتبار .. ما من شك أنا عندي أن الجمال هو السلام .. بعدين نحن ما بنصل للسلام مع الآخرين إلا إذا كنا في سلام مع أنفسنا .. السلام مع أنفسنا معناهو إخراج النشاز القائم في البنية البشرية .. البنية البشرية مقسومة .. القسمة الأولانية ، القبيل قلناها .. ولولا أن الإنسان انقسم لما اترقى ، في المكان الأول .. الحيوان ما منقسم ، الطفل ما منقسم ، إلا بما ورث ، لكن في عمره البيعيشه في بداية حياته ، ما منقسم ، لكنو وارث للانقسام ، وبيعش في المجتمع البيقسمه ، ماشي لينقسم ، فلولا أن الإنسان انقسم لما ترقى ، ولما كمل .. انقسامه بيمثل أنو عندو رغائبه الأولانية البسترسل فيها كحيوان ، ما بقيف عند حد .. مافي ضابط ، إلا تحصيل اللذة ، والفرار من الألم .. وأستمر الاندفاع دا ، ولكنه عندما جاء الإنسان ليكون بيعيش في مجتمع ، وجاء العرف ، وجاء القانون ، وجاء الحلال والحرام ، اللي نحن نوشك أن ندخل في الكلام عنو ، فيما سنتحدث عن الإسلام ، لما جاء الحلال والحرام ، أو قل ، إن أردت الدقة لما جاء العرف الأولاني (يمكن دا تجوز كثير في استعمال الكلمة ، لما نحن نبدأ في البدايات) ، لكن مجرد أن يكون في عرف يقول أنو دا يعمل ، ودا ما يعمل ، بدأت الشخصية البشرية تنقسم ، بمعنى أنو أنت أصبحت في حاجة تضبط اندفاعاتك الأولانية ، الكانت قبيل عندك مندفعة بدون ضابط .. رغائبك كلها ما في استعداد لأن تستجاب .. المجتمع عاوز حاجات ما تعمل .. أنت أحد رجلين بتكون .. الفرد كان في الوضع دا احد رجلين .. أما رجل استرسل ليقضي لبانته ، زي ماكانت ، وبطبيعة الحال ، بتقع عليهو العقوبة البتقع ، وهي قد كانت عقوبة صارمة جداً في المجتمعات البدائية .. أو رجل يكون عندو مقدرة على أن يضبط نفسه .. كانت العقوبات العملت في المجتمعات الماضية جلها من شريعة التحريم والتحليل .. العقوبات التي لا تزال عندنا الآن .. هذه العقوبات الغرض منها أن تقوى الإرادة البشرية البتسيرك وفق ما يجب .. ومن ههنا جاء الانقسام .. والانقسام دا مرحلة .. لولا أن الانقسام جاء ، لما ترقى الإنسان .. إذا لم يزل الانقسام ، لا يكمل الإنسان .. فنحن إذن بنترقى في مرحلتين: المرحلة الأولانية هي الانقسام ، والمرحلة الثانية هي ضم الانقسام ، وتوحيد البنية البشرية الانقسمت.
إلى حد كبير ، الفنون في التعبيرات المختلفة ، في إبراز الجمال ، وقيم الجمال ، في تنغيم حياتنا الداخلية ، وحياتنا الخارجية ، غرضها أن يكون الإنسان مع المجتمع إنسان محب للقانون ، إنسان منظم ، إنسان عندو سيطرة على اندفاعاته ، وعلى نفسه ، إنسان يملك أن يسير بسفينته وسط الأنواء في الجماعة ... وهناك نوعان من التنغيم: تنغيم الفرد مع الجماعة .. وتنغيم الفرد مع نفسه .. نحن بنحاول أن نطور الجماعة لتكون راقية ، حتى أنك لمجرد تنغيمك نفسك معها ، وإنسجامك فيها ، وتوائمك معاها ، تكون أنت ترقيت .. ثم لا بد لك من المحاولة الفردية في أن توجد التنغيم الداخلي بين انقسامك ، لأننا نحن لما انقسمنا قامت فينا قوة ضد قوة – قوة العقل الواعي (الإرادة) ضد الفطرة الأولانية (الشهوة) العاوزة تحصل لذتها بكل سبيل .. نحن عاوزين نوجد التنغيم دا بيناتن .. يمكنك أن تقول: في نغمتين نحن عاوزين نملا الفراغ بيناتن .. زي ما قلت ليكم عن الموسيقى ، عن التعبير الفني كله .. بالصور دي نوجد السلام الداخلي .. بالسلام الداخلي يجيء السلام الخارجي .. إذا كان الأمر بالصورة دي ، فإني محق إذ قلت أن العدل هو الجمال ، وزدت على المسألة دي وقلت الخلق ، وزدت وقلت المعيشة في سلام .. السلام .. هو الجمال .. أنا افتكر أنو دا قمة ما نحاول أن نعبر عنو .. حتى التناسق في أعضاء الجسد اللي انت بتنحته ، دا يمكنك أن تسميه عدل ، إذا شئت .. اذا زدت عليهو ، فهي تبقى مسألة إعطاء كل كل عضو مكانته من الضبط والنسبية ، والدقة ، والقوة ، حتى لكأنك بتوجد جسد في سلام مع بعضه ، ما متنافر .. التناسق سلام .. دا كل ما يمكن أن تهدف ليهو الكلمة .. إذا كانت شعراً أو نثراً أو غناء .. كل ما تهدف ليهو الموسيقى .. كل ما يهدف ليهو النحت .. والتصوير .. كل ما تهدف ليهو التعبيرات في الرقص .. وفي كل وسائل التعبير عن ملكتنا .. وهو هو كل ما تهدف ليهو العبادة أيضاً.


وهذا القول يعيدنا إلى مسألة علاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة الفرد بالكون التي قلتها لك في ختام المداخلة السابقة بعاليه.. هناك عبارات كتبها الأستاذ في جريدة الجمهورية عام 1954 عنوانها "خلق الجمال" يحسن بي أن أثبتها هنا لأنها غير موجودة في موقع الفكرة:

Quote: نَحْنُ نُبَشِّرُ بِعَالَمٍ جَدِيدٍ، ونَدْعُو الى سَبِيلِ تَحْقيقِهِ، ونَزْعَمُ أنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ السَّبِيلَ مَعْرِفَةً عَمَلِيَّةً.. امَّا ذَلِكَ العَالَمُ الجَّدِيدُ، فَهوَ عَالَمٌ يَسْكُنُهُ رِجَالٌ ونِسَاءٌ، أحْرَارٌ، قَدْ بَرِئَتْ صُدُورُهُم مِن الغِلِّ والحِقْدِ، وسَلِمَتْ عُقُولُهُم مِن السَّخَفِ والخُرَافَاتِ.. فَهُمْ فى جَمِيعِ أقْطَارِ هَذَا الكَوْكَبِ مُتَآخُوْنَ، مُتَسَالِمُوْنَ، مُتَحَابُّونَ.. قَدْ وَظَّفُوا أنْفُسَهُم لِخَلْقِ الجَّمَالِ فى أنْفُسِهِم، وفى مَا حَوْلَهُم مِن الأشْيَاء.. فَأصْبَحُوا بِذَلِكَ سَادَةَ هَذَا الكَوْكَبِ.. تَسْمُو بِهِم الَحيَاةُ فِيهِ سَمْتاً فَوْقَ سَمْتٍ، حَتَّى تُصْبِحَ وكَأنَّهَا الرَّوْضَةُ المُونِقَةُ.. تَتَفَتَّحُ كُلَّ يَوْمٍ عَنْ جَدِيدٍ مِن الزَّهرِ، وجَدِيدٍ مِن الثَّمَرِ.

وهذا يأخذني إلى أن أنقل لك رأي الأستاذ عن الأدب في تعليق عن الأستاذ ميخائيل نعيمة نشر في الصحف في عام 1954 وأعيد نشره في كتاب "رسائل ومقالات" الأول فيما بعد في السبعينيات..

Quote: الأدب - رد على الأستاذ ميخائيل نعيمة

إسترعى إنتباهي حديث طريف معزو إلى الأديب ميخائيل نعيمة عالج فيه ماهية الأدب ومهمته .. أما ماهية الأدب عنده فهو المحيط الذي تنصب فيه، وتلتقي عنده، جميع المعارف البشرية: العلم، الدين، الفلسفة، الفنون إلخ.. أما مهمة الأدب فهي ((التعبير عن الإنسان، وكل حاجاته، وحالاته، تعبيرا جيدا، صادقا من شأنه أن يساعد الإنسان على تفهم نفسه وتفهم الغاية من وجوده، وأن يمهد له الطريق إلى نهايته)) أهـ. والحقيقة أن في هذا خلطا سببه أمران: التعصب للأدب، ((شأن كل ذي مهنة لمهنته)) وسطحية التفكير.. إذ، الأدب، في حقيقته، لا يبلغ هذا المبلغ، وإن كان يتجه إليه.. فالمسعاة الإنسانية كلها، في المعارف والعلوم تتجه إلى الإستزادة من الحياة لتحقيق حياة الفكر، وحياة الشعور.. فالمعارف وسائل، والحياة الخصبة، المحيطة – حياة الفكر الحر، والشعور المتيقظ – هي الغاية.. والأدب ليس خير الوسائل إلى تحقيق هذه الحياة، بل هو لا يمكن أن يفضي إليها، على الإطلاق، لأسباب!! منها الأدب لا يقدم أسلوبا للحياة، وإنما يقدم متاعا للفكر، بما يرصد من تجارب الأديب المنتج.. ومنها أن الأدب لا يعرف قوانين الحياة، ولا يتسع للتعبير عنها، حتى يستطيع أن يرشد إلى أسباب الإستزادة منها، ذلك بأن حياة الفكر، وحياة الشعور، لا تحقق إلا بالحياة، وفق قانون الحياة.. فالوسيلة التي تفضي إليها يجب أن تقدم من أول وهلة، أسلوبا للحياة، وأسلوبا للفكر، وفق قوانين الحياة العليا، حتى يستطيع الحي باتباع تلك الأساليب، أن يترقى من الحياة الدنيا إلى الحياة العليا – حياة الفكر وحياة الشعور.. وأنت لا تجد وسيلة من وسائل المعارف البشرية غير الدين – الدين بوجه عام – والدين الإسلامي بوجه خاص، تقوم هذا المقام.. ذلك بأن أكبر عائق في سبيل تحقيق الحياة العليا – حياة الفكر والشعور – إنما هو الخوف.. ولا تتجه وسيلة إلى تحرير الفرد من الخوف إتجاها مليئا بالنجاح غير وسيلة الدين.. فإذا أخبرنا أديب أن الدين بمثابة ((جدول أو نهر)) يصب في محيط الأدب لم يكن ذلك الأديب إلا متعصبا للأدب، سطحي التفكير..
ويجب التنبيه إلى أن الشبه شديد بين الوسائل الإنسانية إلى تحقيق الحياة العليا التي هي وحدها الغاية من السعي البشري في هذا الكوكب، ولذلك صعب التمييز، وكثر الخلط.. ولهذا إهتم القرآن إهتماما بالغا أن ينفي من الأخلاد أنه شعر، أو أن محمدا شاعر، كما توهم المتوهمون..

جريدة صوت السودان 1954

ولك شكري ووافر المحبة والمودة..

ياسر

Post: #259
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-02-2007, 07:21 AM
Parent: #258


نواصل حوارنا مع الصديق ياسر الشريف.
****
سلامات يا ياسر.
وسيكون ردي في نقاط معدودات،
وسأعود لاحقا للحديث حول هل ان كتاب الرسالة الثانية من الاسلام هو توسيع لكتاب الاسلام أم أنه تطوير له.

*عن الفنون:
نرجع لحديثنا العابر حول الفنون في خطاب الاستاذ.
أولا:
نحب ان نقول أن موقع الفنون في خطاب الاستاذ،
يتطلب دراسة منفصلة متقصية .وهذا واجب الفنانين والنقاد وغيرهم من المشتغلين بمسائل الابداع والفنون.
ثانيا:
سبق لي ان قلت الآتي:
Quote: فهو يرى ان القيمة الاساسية للفنان تتمثل عبر مدخلين أي العبادة والقرأن.والفن ابعد من ذلك بكثير وكثير جدا.

ومثل ذلك التصور ،رغم ثورية ما قال به الاستاذ حول ان الفنون حلال،مثل ذلك التصور يجعل الفنان آحادي الرؤية ،و موظفا لخدمة فكرة محددة .

وقلت:
Quote: و حتى في تعريفه للجمال ،
فان الاستاذ يستند على الأخلاق.وهذا من أدلة كلامنا حول ان الاستاذ يعول على الأخلاق بشكل رئيس

مثل هذا الكلام يشبه كلام الواقعية الاشتراكية السوفيتية حول التزام الكاتب بقضايا الطبقة العاملة،
وهنا يمكن ان نستبدله بالتزام الكاتب بقضايا الرسالة الثانية،من خلال عمل المبدعين على ثيمات تتعلق بالاخلاق من خلال فهم الرسالة الثانية للأخلاق.
ثالثا:
ينعي علينا الصديق ياسر ويستغرب اننا قلنا ان مسائل الابداع الفلسفي والفكري والفني ليست لها علاقة نظر الأستاذ الى تلك المسائل ،حين يقول:
Quote: ولكني أستغرب قولك بأن هذا له علاقة بنظر الإستاذ لمسائل الإبداع الفلسفي والفكري والفني في مختلف أشكال الفنون!!!


وفي الحقيقة فانني لم أقل ذلك بشكل مطلق ،
والا لما أشرت الى محاضرته المهمة حول "الإسلام والفنون"،
بل قلت في ذلك ،في إطار محدد ،
حين قلت:
Quote: فللاسف فان مسالة الابداع الفلسفي والفكري و الفني ،لا تجد لها محلا في تعريفات الاستاذ.

فكلامي ينصب حول تعريف الأستاذ لمصطلحي الحضارة والمدنية.
ولذلك قلنا ان الاستاذ يتعامل مع العلامة اللغوية الغربية ،
أي المصطلح ،
في كثير من الاحيان ،
من خلال تفريغ العلامة وملئها بدلالة مختلفة عن المصطلح الاصلي ،
كما في حالة مصطلح المدنية.
ذلك ان مصطلحا الحضارة والمدنية ،اضافة الى مصطلح الثقافة ،
تحاو أن تغطي كافة اوجه المجتمع الانساني ،
لكن الاستاذ في تعامله مع ذينك المصطلحين،
يركز على الجانب المادي،
اما الجانب الروحي ،فهو يتعلق بالاخلاق فقط ،
ويهمل بقية المساهمات الانسانية مثل الفكر والفن والفلسفة،
و خلافه من الانشطة الروحية،
التي يمكن ان تندرج تحت مظلة مصطلح الثقافة او مصطلح المدنية بحسب رؤيته التوحيدية،
لكنه لم يفعل ذلك .
واذا كان أن مصطلحات مثل الحضارة والمدنية والثقافة تهدف الى مقاربة تطور المجتمع و جوانب تلك التطور ،
فان تعريف الاستاذ لمصطلحي الحضارة والمدينة عبر رؤيته التوحيدية تجعل تطور المجتمعات الانسانية يتكون من الآتي:
الجانب المادي +الجانب الاخلاقي،
وتبقى جوانب روحية أخرى مثل الفلسفة و الابداع الانساني بكل جوانبه المتعددة خارج ذينك المصطلحين.

وفي تعليقك حول استشهادي بتعريفات الاستاذ ،قلت :
Quote: قلت لك في المداخلة قبل الفائتة أن تعريف الأستاذ للحضارة الذي جاء في الباب الأول من كتاب الرسالة الثانية لا يفيدنا كثيرا في اعتبار أن عهد الرسالة الأول كان حضارة ومدنية.. يعني حكم ودولة قائم على العدل.. وهذا هو سبب قولي أن المفهوم نسبي ومتغير..


كيف لا يفيدنا تعريف الاستاذ لمصطلحي الحضارة والمدنية ،وهو قد وصف ذلك التفريق بين المصطلحين بأنه دقيق،حين قال:
Quote: المدنية غير الحضارة ، وهما لا يختلفان اختلاف نوع ، وإنما يختلفان اختلاف مقدار .. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته

ثم قال:
Quote: على هذا الفهم الدقيق ، فان المدنية الغربية الحاضرة ليست مدنية ، وإنما هي حضارة ، وهي ليست مدنية لأن موازين القيم فيها قد اختلت ، فتقدمت الوسيلة وتأخرت الغاية


واذا كان هذا الفهم دقيقا بحسب عبارة الاستاذ،فان الكلام عن مدنية روحية مادية ،كلام يجانب الصواب وكثيرا جدا.
واذا اردنا ان نقول ان مجتمعا ما ،قد حقق توافقا بين الجانبين المادي والروحي معا،فعلينا ان نقول ان هذا مجتمع حضاري ومتمدن او مدني.لكن القول بانه مدنية روحية مادية،يجعلنا نأتي بوصف روحية كوصف زائد لا لزوم له اذ ان كلمة مدنية تكفي للتعبير عن ا لتزام المجتمع بالاخلاق ،او كما يرى الاستاذ في تفريقه الدقيق كما يرى.

ولذلك لم تكن صدقة ان الصديق ياسر في نظره الى الحضارة والمدنية الاسلامية،لم تكن صدقة
ان الصديق ياسر لم يشر الى الانجازات الفكرية والفلسفية للمدنية الاسلامية ،
حين قال:
Quote: نعم، أنا لم أتطرق إلى الحياة الأدبية والشعرية والفكرية الثقافية على عهد الممالك الإسلامية ولا على عهد النبي والخلفاء الثلاثة بعده، ولكن هذا لا يعني أنني أهملها أو أغض الطرف عنها.. وهو على كل حال تقصير مني


والسهو ،والنسيان ،بحسب فرويد،
لا يتم عفوا،
وانما ان ذلك مركوز في النفس التي تنسى.
وعلى ذلك فنسيان الصديق ياسر لتلك الانجازات الفلسفية والفكرية والابداعية للمدنية الاسلامية ،بحسب تعريفي الذي أتبناه،ذلك النسيان مرتبط بنسيان الاستاذ لها في تعريفه لمصطلحي الحضارة والمدنية.
*عن اكاديمية الاستاذ:

قلت عزيزي ياسر:
Quote: أتمنى لك التوفيق في دراستك.. ولكن أحب أن أنبهك إلى أمر قد تكون أنت غافل عنه وهو أن الأستاذ ليس بأكاديمي ولا فيلسوف.. فإذا أردت أن تدرسه فليس لك بد من أن تضع في اعتبارك ما يتحدث عنه في جذور فكرته وهي التوحيد.. ولذلك لن تستطيع أن تفهمه ما لم تتعامل مع هذه الجذور التي تحاول أن تصرفها بقولك "الخطاب الصوفي"..


هذا كلام غير دقيق ،وفي المقدمة المشار اليها سابقا ،
تحدث الدكتور النور حمد و الاستاذة اسماء محمود محمد طه عن جانبين من خطاب الاستاذ،
علاقته بالحداثة الغربية وعلاقته بالتصوف.
واراك ،وقد صدق حدسي ،انك تفضل الجانب الصوفي ،
وتهمل الجانب الحداثي،او على الاقل تقلل من اهميته.
فعلاقة الاستاذ بالمشروع الغربي للحداثة ،علاقة مهمة،
ذلك أن الاستاذ يطرح مفهوما نظريا كبديل للحضارة الغربية ،وهذا المفهوم ينطلق من الرسالة الثانية،
ومن السودان كفضاء ستنطلق منه فكرة البعث الاسلامي الجديد.

أما عن أكاديمية الأستاذ،فقدسبق لي ان قلت ان الاستاذ يجمع صفات ومهام كثيرة في رجل واحد.فهو مناضل سياسي ،ورئيس حزب،و أول سوداني وضع برنامجا سياسيا او قل برنامجا سياسيا كونيا،لانه لا يتحدث عن المجتمع الصغير اي السوداني وانما يتحدث عن المجتمع العالمي اي المجتمع الكوني الكبير فهو كان كما قلت سابقا مواطنا كونيا في المقام الاول رغم تسمكه الشديد بسودانيته،وهذا امر طبيعي لان المجتمع العالمي الفاضل الموعود سينطلق من مركز دائرة الوجود كما في وصفه في السودان حين رد على لطفي السيد ،ان لم أكن مخطئا.
المهم ان الاستاذ ايضا كان واضعا لاهداف ولائحة الحزب الجمهوري.كما انه واضع ديباجة دستور السودان ،وايضا واضع الدستور نفسه.
كما أنه هو رسول الرسالة الثانية ،وهو أيضا المسيح المنتظر .
وعلى ضوء ذلك الفهم صدرت كتيبات من الاخوان الجمهوريين عن المسيح ،وعودة المسيح ،وعن الاصالة.وكلها تشير الى ان الأصيل والمسيح هما الاستاذ محمود محمد طه.
وهذه جوانب كثيرة،تجعل دراسته دراسة وافية أمرا معقدا.
ولذلك اخترنا ان نقارب محورا محددا وهو علاقته بمشروع الحداثة الغربي ممارسة وتنظيرا كما في شأن المصطلحات التي انتجها مشروع الحداثة الغربي.

*حول الكتاب الأم:
قلت يا عزيزي ياسر في تعقيب لك:

Quote: لا أدري أين تقع المشكلة في أن يصف الأستاذ كتاب الإسلام الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1960 بالكتاب "الأم" وذلك في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب والتي كانت في عام 1968، ثم يأتي فيما بعد في بداية السبعينيات ليكتب في مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" ويصف ذلك الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1967 بأنه الكتاب الأم؟؟ لقد كان كتاب الإسلام هو الكتاب الأم، ثم أصبح كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" هو الكتاب الأم.. أين المشكلة؟؟

بالتأكيد صديقي هنالك مشكلة، ومشكلة كبيرة جدا.

المشكلة الأولى:
تتمثل في وعي الذات الكاتبة بتطور خطابها،ولذلك كنا نتوقع ان يوضح لنا الاستاذ لماذا لم يعد كتاب الاسلام هو الكتاب الام بالنسبة للفكرة للجمهورية ؟ولماذا صار كتاب الرسالة الثانية من الاسلام هو الكتاب الام؟ما السبب وراء هذا التحول الجوهري ،خاصة ان الاستاذ قد قال عن كتاب الاسلام الآتي:

Quote: خرج هذا الكتاب في طبعته الأولى مركزا ، شديد التركيز ، مضغوطا ، كأشد ما يكون الضغط، ومع ذلك، فهو الكتاب (( الأم )) بالنسبة للحزب الجمهوري.. فيه كل ما نريد أن نقول عن الإسلام ، فلم يبق أمر مستأنف ، إلا أن يكون زيادة شرح ، وزيادة توسيع لما جاء فيه موجزاً .

لماذا لم يقل الأستاذ-مثلا كما يتوقع القارئ-
ان الرسالة الثانية من الاسلام هو مجرد زيادة شرح وتوسيع لما جاء موجزا في كتاب "الاسلام"؟؟؟
والمشكلة الثانية تتمثل في ان الاستاذ دقيق في النظر الى التغييرات التي تحدث في الكتاب الواحد،فما بالك حول فكرة جوهرية تتمثل في ان كتابا ما قد حل مكان الكتاب السابق له ككتاب أم بالنسبة للفكرة ا لجمهورية.
لاحظ\ي عزيزي القارئ\ة كيف ان الاستاذ دقيق في توضيح ما جرى من تعديلات طفيفة للطبعات اللاحقة من الكتب ،كما في حالة كتاب "الاسلام"،
يقول الاستاذ عن التغييرات التي حدثت لكتاب "الإسلام"الآتي نصه:
Quote: والآن ، وقد نفدت الطبعة الأولى ، منذ زمن بعيد ، فإنا ندفع بالكتاب إلى المطبعة لنخرج الطبعة الثانية ، من غير أن نجري فيها تعديلا . اللهم إلا إدخال العناوين الفرعية عليه ، لتكون للقارئ متوكأ ، يعينه على حسن متابعة معانيه الدقاق ، من غير إملال ، ولا سأم .


ولذلك على ضوء هذه الدقة في توضيح التعديلات التي طرأت في طبعات الكتاب الواحد،كنا نتوقع أن يوضح للقارئ مثلا لماذا عدّل رأيه في كون ان كتاب الاسلام لم يعد هو الكتاب الأم ،وما هي الاسباب والدوافع الفكرية،والايمانية التي تجعل كتاب "الرسالة الثانيةمن الاسلام" .هو الكتاب الأم الجديد،والذي نسخ كتاب "الإسلام" باعتباره الكتاب الأم.

والمشكلة الثالثة تتمثل في كيف للسالك الجديد في الفكرة الجمهورية ان يعرف لماذا أن كتاب "الرسالة الثانية من الاسلام" هو الكتاب الأم ؟
و قبل ذلك :
لماذا هذا التضارب في خطاب الاستاذ؟؟؟
*****
عموما أشكرك-صديقي ياسر- على هذا الحوار الراقي بحق وحقيقة،
وليسمح لي كل متابع وكل متابعة ،بأن اتفرغ قليلا لانجاز بوستي في لاهوت الوردة "2".
وأرجو أن يتواصل النقاش ،الى حين عودتي،
وقد أطل من حين لآخر ،
لو تطلب الامر ذلك .
شكرا على صبركم\ن علينا.
ارقدوا عافية
مع محبتي
المشاء

Post: #260
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-02-2007, 07:54 AM
Parent: #259

شكرا يا أسامة.. أرجو أن أجد الوقت أنا أيضا للعودة إلى هنا فلدي كتابة أخرى أحاول أن أنجزها.. ولكن قبل أن تذهب أرجو أن تكتب إجابتك على سؤالي عن فهمك لمسألة "يوم القيامة" لأن على ذلك ينبني أمر هام..

وسلامي وكثير المودة

ياسر

Post: #261
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-02-2007, 08:28 AM
Parent: #260

شكرا عزيزي ياسر على ردك
و أتمنى ان تجد الوقت ،
لكي نواصل هذا الحوار الهادئ.
سؤالك لي عن معنى يوم القيامة بالنسبة لي ،
لا أعتقد أنه مهم ،
و أنا اعرف انه يصب في فهم آخر لمسالة يوم القيامة،
ومسالة الجنة و النار ،
والتسيير والتخيير،
وموضوعة الابد ،
وغيرها من المسائل التي لا تعنيني على الاقل في مقاربتي للاستاذ .
ولذلك اذا اردت التحدث عن اللغة كحجاب عن المعاني ،
فيمكنك ان تجدها في ما يقول به الناس ،
حول التعبير عن شعورهم تجاه مسالة ما ،
فهو شعور لا تحيط به الكلمات،
و ان كانت تحاول أن تعبر عن بعض من فيض الشعور.
ولك ان تجده في الشعر و النحت والموسيقى،
فما تقول به الكلمات لا يعبر عما تقول به .
ولذلك ،ففي الأصل ان هذا ليس مشروعي في مقاربة خطاب الاستاذ.
ولذلك حينما قلت الى يوم القيامة ،
فهذا تعبير مجازي ،
وأنت تعرف المجاز بالتأكيد.
وما تأسس من علوم في اللغة العربية تأسس على "القرآن".
ويمكن ان أقول لك ان يوم القيامة بالنسبة لي ،
هو يوم قيامة المعنى ،
أي قيامة ما لم نحط به علما .
فأنا أتحدث عن زمن ما ،
لكنه زمن محدود بقيامة المعاني الاصلية،
ومتى تكون قيامة المعاني الاصلية.
هل تعرف ذلك ،عزيزي ياسر؟؟
والقيامة في الفهم العام ،
هي قيامة الناس ليوم الحساب.
لكنني لا أفهمهما كذلك ،
فهي قيامة المعنى الشعري للوجود.
وما هو المعنى الشعري للوجود في عرفك ،
يا صديقي ؟
انه قيامة لن تحصل.
ذلك ان الاحاطة بالمعني الشعري ،
تعني انعدام الشعري.
فالشعري ،قابل للأفهام.
لكنه لن يستنفذ.
هذا هو مفهومي الشعري للقيامة.
لكنه بالنسبة لمقاربتي للاستاذ،
لا يضيف شيئا.
و أرجو ان نواصل حوارنا حول علاقة خطاب الاستاذ بالمشروع الغربي للحداثة.
محبتي
المشاء

Post: #262
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-02-2007, 12:21 PM
Parent: #261

عزيزي أسامة،
سلامات

قولك:
Quote: سؤالك لي عن معنى يوم القيامة بالنسبة لي ،
لا أعتقد أنه مهم ،
و أنا اعرف انه يصب في فهم آخر لمسالة يوم القيامة،
ومسالة الجنة و النار ،
والتسيير والتخيير،
وموضوعة الابد ،
وغيرها من المسائل التي لا تعنيني على الاقل في مقاربتي للاستاذ .


بالطبع يمكنك أن تختار ما يروقك من فكر الأستاذ محمود وتدرسه بالطريقة التي تروقك.. ولكنك عندما تداخلت منذ البداية وبالذات في هذه المداخلة:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
كنت قد ولجت إلى منطقة لا تعنيك حسب عبارتك بعاليه.. فأنت قد قلت للأخ عبد الله:


Quote: ان نصك ينفتح على ما يقول به معظم الجمهوريين اليوم،
في المقارنة بين صلب المسيح وصلب الاستاذ،
وما يترتب بعد ذلك على مستقبل الخطاب الجمهوري.


وقد أوضحت لك في البوست بأن وجه الشبه قائم بين الأستاذ محمود وبين المسيح في هذه المسألة.. وقد بسطت لك الكتب التي كتبت في هذه المسألة حسب طلبك، وكتبت الكثير في هذا البوست عن هذا الموضوع ولكنك لم تشأ أن تشتغل به.. ثم أنك قلت في نفس تلك المداخلة:

Quote: أما المنتظرون لعودة الاستاذ،
فلن ننتظر منهم تطويرا لهذا الخطاب المهم،
و الذي ينبع مأزقه في ان الاستاذ محمود ،
رهن كل خطابه بنهاية التاريخ ،
أي القرن العشرين،
كما رهن ذلك بشخصه باعتباره رسول الرسالة الثانيةالأخيرة حسب خطابه.


ومع أن فكر الأستاذ محمود ليس بحاجة إلى تطوير حتى الآن، فإن فيه جوانب ليست معروفة لمن لا يهتمون بالآخرة، ويصرفونها من تفكيرهم كما تفعل أنت.. وبرغم عدم اهتمامك بها فأنت تعطي نفسك الحق بأن توحي للقارئ أنك تعرف "كل خطاب الأستاذ" بل تقول في ثقة أن الأستاذ رهن كل خطابه بـ "نهاية التاريخ" وتُقَوِّل الأستاذ ما لم يقله بأن ذلك يعني "القرن العشرين"، وتقول بأنه رهن ذلك بشخصه باعتباره "رسول الرسالة الثانية الأخيرة حسب خطابه"، وكل هذا الذي تقوله خطأ في خطأ وقد أوضحته لك وللقراء في مداخلاتي العديدة في هذا البوست.. يا صديقي أسامة، هذه الجوانب في فكر الأستاذ محمود والتي تحاول أن تصرفها هي التي تجعلك تجهله كثيرا.. وقولك التالي طريف وجيد:

Quote: ويمكن ان أقول لك ان يوم القيامة بالنسبة لي ،
هو يوم قيامة المعنى ،
أي قيامة ما لم نحط به علما.

فما هو الذي "لم نحط به علما"؟؟ أليس هو الغيب؟؟ تأمل هذه الآيات من بداية سورة البقرة:
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

الأستاذ محمود يريد لنا أن نعلم عن الآخرة علم "يقين" ولكنه يقول أن ذلك لا يحدث إلا إذا مرَّ عن طريق الإيمان بـ "الغيب" ومحاولة كشفه.. ولكنك أنت يا صديقي لم تترك فرصة لإيمان عندما قلت في مداخلتك التي وضعت لك وصلتها بعاليه:

Quote: فها نحن نشهد فصلا آخرا من انتظار الغائب.

هل تبين لك التناقض بين عبارتك هذه وعبارتك عن "قيامة ما لم نحط به علما"؟؟ الحمد لله أننا كلنا ننتظر "ما لم نحط به علما".. (( ونفخ في الصور فصعق من في السموات، ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها، ووضع الكتاب، وجيء بالنبيين، والشهداء، وقضي بينهم بالحق، وهو لا يظلمون.))
( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة، وقضي الأمر، وإلى الله ترجع الأمور)

ثم أنت تقول هنا:
Quote: فأنا أتحدث عن زمن ما ،
لكنه زمن محدود بقيامة المعاني الاصلية،
ومتى تكون قيامة المعاني الاصلية.
هل تعرف ذلك ،عزيزي ياسر؟؟


المعاني الأصلية هي العلم الذي ليس فيه شك.. وقد بشَّرنا الأستاذ محمود بأن في استطاعتنا أن نُحصِّل هذا العلم في هذه الحياة، ولكن بالعدم نحصّله بالموت "اليقين" "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" .... "لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد".. والأستاذ محمود قد حصَّل هذا العلم وهو الذي مكَّنه من مواجهة الموت بدون خوف..

قولك:


Quote: والقيامة في الفهم العام ،
هي قيامة الناس ليوم الحساب.
لكنني لا أفهمهما كذلك ،
فهي قيامة المعنى الشعري للوجود.
وما هو المعنى الشعري للوجود في عرفك ،
يا صديقي ؟
انه قيامة لن تحصل.
ذلك ان الاحاطة بالمعني الشعري ،
تعني انعدام الشعري.
فالشعري ،قابل للأفهام.
لكنه لن يستنفذ.
هذا هو مفهومي الشعري للقيامة.
لكنه بالنسبة لمقاربتي للاستاذ،
لا يضيف شيئا.


قيامة الناس ليوم الحساب واحدة من معاني القيامة.. ولكن هناك مستوى آخر ليوم الحساب يتم في كل لحظة من حياتنا هذه ويصل قمته في لحظة الموت.. فالموت نفسه حساب، تعقبه حياة أخرى بعد الموت.. وأنالا أعرف إذا كنت تؤمن أصلا بهذا الفهم العام لمسألة القيامة الذي أرودته أم لا.. ولكن ما كتبته عن فهمك للقيامة بأنه قيامة "المعنى الشعري للوجود" قد أربكني.. فأنت تسألني "وما هو المعنى الشعري للوجود في عرفك، يا صديقي؟".. فلماذا تسألني عن شيء تصفه بأنه في "عرفي أنا" مع أنك أنت الذي تحدثت عنه ولست أنا؟؟.. ثم تأتي بعد ذلك لتتحدث عنه وتقول بأنه "قيامة لن تحصل"، وتقول بأن السبب في ذلك أن "الإحاطة بالمعنى الشعري" للوجود غير ممكنة [إذا كنت قد فهمتك بصورة صحيحة].. وأن "الإحاطة بالمعني الشعري تعني إنعدام الشعري".. فلكأنك تريد أن تقول أن معاني الشعر "مطلقة".. فإذا كان هذا ما تريد أن تقوله، فهل تستطيع أن تكتب لي نموذجا من هذا الشعر الذي تقول عنه كل هذا؟؟ فأنا في أشد التشوق لذلك..

ولك شكري ومودتي..

ياسر

Post: #263
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-03-2007, 06:15 AM
Parent: #262



عزيزي ياسر
شكرا على ردك.
و أتمنى ان تجد الوقت الكافي لترد على مداخلتي الاخيرة.
المهم:
قلت- عزيزي-:
Quote: كنت قد ولجت إلى منطقة لا تعنيك حسب عبارتك بعاليه

ثم قلت:
Quote: وقد أوضحت لك في البوست بأن وجه الشبه قائم بين الأستاذ محمود وبين المسيح في هذه المسألة.. وقد بسطت لك الكتب التي كتبت في هذه المسألة حسب طلبك، وكتبت الكثير في هذا البوست عن هذا الموضوع ولكنك لم تشأ أن تشتغل به.


كلامي كله كان مرتبطا بالمشروع النظري للاستاذ،
ذلك ان القرن العشرين كان بالنسية اليه هو نهاية التاريخ ،
وبداية عهد يذكر باليوتوبيا ،
وقد ذكر في أكثر من موقع ان ما يقول به هو حقيقة وليس خيالا.

حين تحدثت عن كيف سيتعامل الجمهوريون مع خطاب الاستاذ ،
كنت اقصد المشروع النظري الذي اختطه ،
اي ان القرن العشرين هو نهاية التاريخ ،
وهو عهد البعث الاسلامي الثاني.

أما كلامك عن وجه شبه بين المسيح و الاستاذ،
فهذا كلام تنقصه الدقة للاسف.
فهنالك اشارات واضحة عن العلاقة بين المسيح المنتظر والاستاذ عبر الرسالةالثانية،

وما نفي حكاية المسيح الاسرائيلي الشائعة ،
الا مقدمة لتقديم مسيح أخر ذي سمات سودانية،
عبر قيامه بتطبيق الرسالة الثانية .
وهنا استشهاداتي ،وليس نقلي .
**********

في كتاب عودة المسيح الصادرة طبعته الاولى في يوم الخميس 25 ديسمبر 1980 ،
ورد الآتي في الاهداء عن قرب الرسالة الثانية التي جاء بها الاستاذ محمود:
Quote: الى الانسانية!!!
لقد اظلنا عهد الرسالة الخاتمة!!!
الرسالة الثانية من الاسلام.


ثم ورد الآتي عن الرجل المنتظر لحل كل مشاكل البشرية ،
ألا وهو المسيح المنتظر ،ونلاحظ من الحديث عن أوصا ف الرجل ،انه هو الذي يحقق ما تقول به الرسالة الثانية:
Quote: رجل* يوحد هذه البشرية في حكومة واحدة تتألف من حكومات قومية تقوم كل منها على دستور انساني يتوفر على حل التعارض البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة اللتين أشرنا اليهما آنفا.


ثم ورد الآتي عن "الانسان الكامل" او الاصيل:
Quote: البشرية تحتاج الى رجل يقدم من نفسه،نموذجا للكمالات الانسانية التي يشير،الى حتميتها و امكانياتها ،رأس سهم التطر البشري منذ الازل.


وقد ورد توضيح لمسألة "الانسان الكامل" في المقطع التالي:
Quote: و الانسان الكامل (المسيح) إنما ظل هو متعلق أحلام الفلاسفة،والادباء ،و الفنانين،منذ أقدم العصور،كما هو متعلق نبؤات الأنبياء، والقديسينِ، والصوفية في سائر الأديان.


ثم يرد الاتي عن المدنية الروحية المادية:
Quote: البشرية تحتاج الى رجل يقيم المدنية الجديدة التي تؤلف بين القيم الروحية ومظاهر الوجود المادي".


نلاحظ نفس الخلط في تعريف المدنية التي هي جما ع بين المادة والروح ،بينما يعرف الاستاذ المدنية باعتبارها الاخلاق وفقط.

ثم يقول عن الرجل الذي تحتاجه البشرية ،وهو مفصل بحيث يحقق ما قالت به الرسالة الثانية التي اتى بها الاستاذ:
Quote: البشرية محتاجة الى رجل يطبق قوانين العدالة الاجتماعية الشاملة،في الرسالة الثانية من الاسلام.

ثم يرد كلام صريح عن العلاقة بين المسيح المنتظر والرسالة الثانية:
Quote: و الرسالة الثانية من الاسلام التي يجيئ المسيح الاخير لتطبيقها، والتي نبشر نحن بها اليوم ،لنجعل مجيئه ممكنا،انما هي القمة التي تتوج مرحلة العقيدة من كل الاديان،كما تتوج كل التراث البشري،وهي تقدم الدين في مستواه العلمي لأول مرة في التاريخ ..وهو ما عنينا بتوحيد الاديان.

وفي الاستشهاد المطول التالي ،نرى ان المسيح المنتظر هو الذي يحقق ما تقول به الرسالة الثانية:
Quote: لاحظ روح السلام التي تعم الارض بمجيئ المسيح الاخير في كلا بشارتي المسيح الأول ،ومحمد،به،والتي ستنتهي بها جميع صور العداوات على الارض.وملء الارض عدلا،انما هو في القاعدة،بتحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة (الاشتراكية والديمقراطية والمساواة الاجتماعية التي ينمحي بها التمييز بسبب العقيدة او الجنس).وفي عبارة (ويفيض المال حتى لا يقبله احد) اشارة الى ما ستفضي اليه الاشتراكية ،بزيادة الانتاج و عدالة التوزيع،من شيوع خيرات الارض حتى لا تضيق باحد.كما أن عبارة (ويضع الجزية) انما تعني وضع ا لجزية عن الناس،أي رفعها عنهم ،وفي ذلك اشارة الى نسخ آيات السيف، وسائر آيات الوصاية في القرآن المدني، التي هي ظل لآية السيف،و منها آية الجزية ،وذلك ببعث ،وإحكام آيات الاسماح في القرآن المكي..وكل أولئك اشارات واضحة إلى أن مجيئ المسيح إنما هو بالرسالة الثانية من الاسلام يطبقها على سائر الناس كشريعة عامة بعد أن كانت شريعة فردية خاصة بالنبي الكريم.وهي المعنى المقصود باحياء السنة في أخريات الايام .فان السنة هي شريعته الفردية كنبي ،بينما كانت الشريعة العامة التي طبقها الرسول على الناس كرسول.


هنا أشارة الى "نهاية التاريخ " عبر الكلام عن "أخريات الايام".وهو ما انكره علينا الصديق ياسر .

ثم نجد بعد ذلك اشارة واضحة الى علاقة المسيح المنتظر بالرسالة الثانية:
Quote: ولذلك فالمسيح الأخير انما هو المسيح المحمدي في معنى أنه يجيئ بالرسالة الثانيةمن الاسلام التي عاشها محمد،وظلت مدخرة ،في القرآن،و في سيرته،لتعيشها بشرية القرن العشرين.

لقد مر القرن العشرون ،ولم يجيئ المسيح المنتظر ،
فماذا نقول عن ذلك ؟؟؟

وفي خاتمة كتاب "عودة المسيح" نجد هذا الكلام الصريح الواضح عن علاقة المسيح المنتظر بالرسالة الثانية:
Quote: وسيجيئ المسيح المحمدي ليطبق الرسالة الثانية(الرسالة الاحمدية ) على المجتمع المعاصر.ولذلك فان الرسالة لم تختم ..ختمت النبوة ،و لم تختم الرسالة.وأدل الدلائل على عدم ختم الرسالة هو بشارة النبي الكريم نفسه بمجيئ المسيح لييطبق شريعة الرسالة الثانية ،وينظم الحياة البشرية وفقها ،فيختم هو الرسالة!!!

في كتاب المسيح الصادرة طبعته الاولى في ديسمبر 1981،ورد الآتي:
ونحن عندما نحتفل بميلاد السيد المسيح،عليه السلام،إنما نحتفل به للصلة القائمة بين المعاني التي دعا هو اليها ،وبين المعاني التي ندعو اليها نحن فيما أسميناه"الرسالة الثانية من الاسلام"..هذه الصلة هي ما جعل أكثرية المسلمين يظنون أن المسيح المنتظر إنما هو عيسى الاسرائيلي ،عليه السلام..وحقيقة الأمر بخلاف ذلك .

ثم يقول في اشارة لعلاقة المسيح المنتظر بالرسالة الثانية :
Quote: ولذلك فان احتفالنا بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام،عليه السلام ،انما هو احتفال في ذات الوقت بمجيئ المسيح المحمدي الذي يطبق أصول الاسلام التي تجعل وصايا المسيح الاسرائيلي،وأكثر منها ممكنة التحقيق.


ثم يقول عن علاقة الرجل المنتظر اي المسيح غير الاسرائيلي :
Quote: ولذلك فالرجل المنتظر رجل من أمة محمد يأتي ليبعث أصول الاسلام ويقيم عليها دولة السلام.
ثم يقول في اشارة الى أمه الاخوان وهي امة الرسالة الثانية:
وفي مستوى امة الاخوان يتم تطبيق وصايا السيد المسيح وأكبر منها.وهذا هو سر البشارات القرآنية المستفيضة بعودة المسيح.


ويقول عن المسيح الذي سيطبق ما يقول به كل كتاب من كتاب الاستاذ اي التوفيق بين الفرد والجماعة ،وكذلك ما يقول به الاستاذ عن القانون الدستوري:
Quote: إن أول صور الخلاص التي يجيئ بها المسيح انما هي ا لتوفيق بين حاجة الفرد الى الحرية [الفردية المطلقة،و حاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة،وذلك بما يحيئ به من علم من القرآن به يقوم ا لقانون الدستوري ،لأول مرة في التاريخ.


ثم يقول عن علاقة ما سماه الاستاذ بطريق محمد بالمسيح المنتظر :
لم نبق غير طريقة الطرق-طريق محمد و طريقة الطرق انما هي السنة الصرفة التي كتبننا في تبنيها عديد الكتب،وهي ما سيعود به الدين ،وهي ما به سيجئ المسيح.
محبتي
وأتمنى عودتك قريبا،
رغم انشغالي ببوست لاهوت الوردة،القسم الثاني.
ارقد عافية
مع تحياتي للصديق الشقليني
المشاء

*نلاحظ ان الكلام عن الرجل المنتظر ،قدجاء بعد كلام الاستاذ في طبعة من الرسالة الثانية عن الرجل المنتظر.وقد اولها الدكتور بولا في مقالته المعروفة ،تأويلا يجانب الصواب،
حين تحدث أن هذا دليل على بعض من ذكورية خطاب الاستاذ.وسنعود لذلك.

Post: #264
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-03-2007, 08:06 AM
Parent: #263

سلامات يا عزيزي أسامة..

أهو كدا إنت جيت في موضوع البوست.. وأرجو أن أجد الوقت للتعليق على مداخلتك قبل الفائتة وهذه المداخلة الأخيرة..

ولك شكري ومودتي

ياسر

Post: #265
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-03-2007, 09:52 AM
Parent: #264

بعد الكتابة هنا قمت بكتابة هذه المداخلة :

Re: الإحتفاء بالذكرى الأولى للأستاذ محمود محمد طه

في بوست الأخ الدكتور إبراهيم الكرسني، ومتابعة الوصلة تأخذ القارئ إلى كتابات ممتعة للأخ كرسني تستحق أن توضع وصلاتها في بوست "محمود محمد طه في رؤى الأحلام"..
بينى... وبين الأستاذ محمود محمد طه... و الوالدة "نفيسسى بت عسمان" (1)

بينى... وبين الأستاذ محمود محمد طه... و الوالدة "نفيسسى بت عسمان" (الأخيرة)

Post: #266
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-04-2007, 07:43 AM
Parent: #265

عزيزي ياسر
سلامات شديدة جدا
ومراحب.

قلت صديقي:
Quote: أهو كدا إنت جيت في موضوع البوست

اشكر ك على هذه الاشارة،
وقد كنت احرص-بقدر الامكان- على ان اقول ما يمكن ان ادافع عنه على الاقل.
ولذلك فما اطرحه واضح جدا ومحدد .
وهو علاقة خطاب الاستاذ بمشروع الحداثة الغربي ،
و طريقة تناصه مع ما انتجته تلك الحضارة من مصطلحات،
و مخططه النظري البديل للحداثة الغربية.
محبتي
وارجو ان تعود الينا ،
حينما تسمح ظروفك.
المشاء

Post: #267
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-04-2007, 08:12 AM
Parent: #266

سبق للدكتور بولا أن تحدث عن ذكورية خطاب الاستاذ من خلال ما قال به الاستاذ في الاهداء في طبعة من الرسالة الثانية.
وهذا ما قال به ،
وسنعود للتعليق عليه في حينه:
Quote: لست مقتنعا أيضا بحجاج الأستاذ المتصل بمقولة "المساواة الكاملة بين الرجل و المرأة حتى في "الرسالة الثانية". (و الأستاذ بالطبع لم يقل بمساواتهما في الرسالة الاولى أصلاً). و ستكون أولى ملاحظاتي لفت النظر إلى ذكورية خطاب الأستاذ نفسه. هذه الذكورية التي اجتهد في تفاديها أحد تلاميذه اللامعين (د.عبدالله النعيم) (30) فالرجال "يستأثرون" بالنصيب الأوفر بما لا يقاس في خطاب الرسالة الثانية نفسه ويبين ذلك بصورة قاطعة لمن يقرأ الكتاب. وأكتفي هنا بمثل يغني عن التفصيل من فرط قوة دلالته، يتساءل الأستاذ: "من هو رسول الرسالة الثانية؟ " و يجيب "هو رجل آتاه الله الفهم عن القرآن و أذن له في الكلام .."(31) وهو يقول قبل ذلك في الإهداء "إلي الإنسانية ! بشرى .. وتحية. بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتحية للرجل وهو يمتخض، اليوم، في أحشائها، وقد اشتد بها الطلق، وتنفس صبح الميلاد."(32) والرجل المعني هو رجل الرسالة الثانية، داعيتها "المأذون له"، و إنسانها المتخلق من قيمها وبها. و هذا قول يطاول قمم الشاعرية المجيدة و لكنه، مع ذلك، لا ينفي ذكورية الخطاب ويحرج منطق مقولة المساواة التامة بين الرجل والمرأة وهذه معضلة لم يتوفر للأستاذ، ولا لأاي واحد من المجددين حلها بصورة متماسكة تمام التماسك، وإن ظل رأيه فيها متميزاً جداً.

Re: مقال عبد الله بولا عن التجديد في فكر الأستاذ محمود محمد طه

Post: #268
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-04-2007, 04:19 PM
Parent: #1



إن من الفكر ما يُنبِتُ دُرراً ،
وإن لحديثكًم حلاوته وطلاوته .

تصغُر الكُتب التي يُسوِّدها العامة في وجه ما تكتبون .
ما كُنا نحلمُ أن نرتقي ما رقيناه .
خير حفاوة بما كتب الأستاذ محمود محمد طه
هو النثر الموفور العافية .

شكراً للأصدقاء والكتاب الأحباء :

أسامة الخواض
ياسر الشريف



Post: #269
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-04-2007, 04:22 PM
Parent: #1


الحبيب الكاتب :
ياسر

تحية واحتراما
سوف أعود للحديث عن التلقي المُباشر عند قراءة الذكر الحكيم ،
بعد تجميع الأشتات والعود بما يُثري .


التحية للجميع : كتاباً وقُراء


Post: #270
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-05-2007, 04:45 PM
Parent: #1




في الفتوحات الربانية (1)


دعوة للترويح ، نتقصى صفحة من منهاج الأستاذ محمود حين يسلُك مسلكه ، ويفتح قلبه للمعشوق . نُريق فيها دماً من المعارف مسفوحة عندما تهبُ أعاصير الهوى .نستريح الآن في حُلل النفوس وزينة الرؤى ، نتخطف ما كان ولم يزل يستعصي علينا الإمساك به :
لم يعتد الواحد منا البوح على سكين الصراط ، فالسير في الفتوحات الربانية كالسير في الظلام . يُنبهُكَ الصوت تُصدره أنتَ ، ومن رجع صَداه تعرف أنكَ اقتربت أو ابتعدت عن حوائط المعرفة التي تُحيط بالمَكان .
لم يكُن الخفاش وحده يطير في الظلام ويلد كالأنثى .

كان الماضي نُقطة تبدأ منها الحياة ، حتى صرنا إلى ما نحنُ فيه .
الفتوحات الربانية تأتي عند الوصال عبر مسلك الحياة العِرفانية . لا تَصلُح المُصطلحات التي تعارفنا عليها للنهل من تواصل الأذهان في عوالم الأكوان .

لا تتعجب سيدي
لا تتعجبين سيدتي

الدُنيا أعقلُ مما كُنا نَحسَب ، والكون كُرةٌ تتفكر ، فأنا سادتي ( مَجذوب )
إلى الأرض التي أمشي عليها بخَطوي ، وإلى حبات رملها الساجد الساكن فأنا أيضاً ( مَجذوب ) إلى عالم لا نهاية لمعارفه ولا أواخر لأمواه بحوره .

كَوْننا نسيجٌ ينتظم في حُللٍ تُرفرف على جنباتها الدُهور ، ويسير الزمن سير النمل دبيباًأو كرفرفة أجنحة البعوض فوق السرعة التي يرتد فيها الطرف .

فالذكر الحكيم روى من القصّ الأعاجيب :

تحدث عن جالس في حَضرة ورفقة فيها من الدِينٍ و من الدُنيا كما روى:

{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }النمل40

ومشى القص القُرآني ثم هرول إلى السرد الموجز :

{فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ }النمل42

ومن اشتكى فقد أحزنه العلم بالبواطن :

{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }يوسف86


نظرنا ما كتب الأستاذ محمود ، وتقمصنا اللباس الذي يلبسه ، والجلوس الذي يَجلسه و نور الصفاء الذي اعتلى جبهته ، ورأينا كيف كان يجلس بعد أن نضد العبادة على نهج النبي الذي أحب ، ثم إلى النص القُرآني ليقرأ مثل الذي نقرأ ثم تنفتح الرؤيا :

{قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً }الإسراء107

{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف62

عبدالله الشقليني
05/05/2007 م







Post: #271
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-06-2007, 03:40 AM
Parent: #1



دعوة للترويح ، نتقصى صفحة من منهاج الأستاذ محمود حين يسلُك مسلكه .



Post: #272
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 05-06-2007, 03:55 AM
Parent: #271

في سبيل التحية للكريم صاحب الدار ولضيوفه الكرام!
وفي سبيل تأكيد عدم قدرتنا على الانفكاك من أسر المحبة!
هل لكم وقفة هنا نتشاكى؟

Post: #273
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-06-2007, 09:45 AM
Parent: #1

سلام يا أخي حيدر والسلام على الأخ عبد الله والأخ أسامة وجميع المتابعين.

قبل قليل يا أسامة كتبت مداخلة في بوست الأخ "كوستا" وعزمت على أن آتي برابطها إلى هذا البوست على سبيل التعريف بالمداخلة وبالفعل نسخت الرابط وعندما أعدت فتح المنبر وجدتك قد كتبت في نفس بوست كوستا ذاك، وأنا أعرف أنك من المهتمين بمسائل الروح وعالم الأرواح.. المهم لا بأس من وضع رابط المداخلة هنا فقد كان هذا الموضوع من المسائل التي كتب فيها الأستاذ محمود وسيكون لي عودة إلى هنا عندما أجد الوقت..

Re: و يسألونك عن الروح

وشكرا

ياسر

Post: #274
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-06-2007, 10:01 AM
Parent: #273

شكرا صديقي ياسر ،
ما قلت به في ذلك البوست هو ارجاع المسالة الى أصلها ،
كما ورد في "قصص الانبياء " لابن كثير ،
وانا الآن اتحدث من الذاكرة،
فهذا الكتاب متهم بانه يحتوي على اسرائيليات كثيرة .
المهم ان مثل هذه الظواهر اصبحت موضوعا لعلم جديد يسمى الباراسيكلوجي،
وفي حدود ما قرأته ،
فان الظواهر الخارقة ،لا تقتصر على دين معين،
وأشكر لك كلامك حول ان تلك الظواهر الخارقة ليست مرتبطة بدين محدد،
لكن ما يقول به هذا العلم الجديد،
يتعدى الكلام عن الاديان ،
ويتحدث عن أن هذه ظاهرة توجد بين كثير من الناس ،
بغض النظر عن ديانتهم.
وأيضا بغض النظر عن تدينهم.
فكثير من الحالات المدروسة ،لم يكن لاصحابها علاقة قوية بالدين ،
واحيانا ينتج كشفهم نتيجة لحادث ،
أو لاسباب أخرى ،لا علاقة لها بالتدين.
المهم ،
خلينا في الحديث و الحوار العذب عن خطاب الاستاذ،
والخطاب الجمهوري بشكل عام.
المشاء

Post: #275
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-06-2007, 10:27 AM
Parent: #274

نعم يا عزيزي أسامة هذه الظواهر لا ترتبط بدين بعينه ولكنها ترتبط بالإنسان.. والإنسان، عرف أم لم يعرف، فإن فيه روح الله..

وتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر

فالإنسان هو مظهر الله وروحه من روح الله.. ولكن كما قلت هناك فإن هذه الظواهر سوف تلفت الناس إلى أهمية الدين، ولكني لا أعني الدين في مستوى ما تسميه "الإسرائيليات" أو ما جاء في كتب مثل "قصص الأنبياء" وإنما الدين الذي يعترف بقيمة العلوم في مستوى معرفة الكون والعلوم الحديثة وعلوم الدماغ ووظائف الأعضاء ويتعداها إلى معرفة النفس البشرية وإمكانيات هذه النفس ومصيرها..

نحن في موضوع البوست تماما، ولكني سأعود بالتفصيل إلى ما قلته في المداخلتين اللتين لم ارد عليهما..

أرجو أن أجد الوقت، فهما يحتاجان إلى الكثير منه..

وشكرا مع تحياتي..

ياسر


Quote: فكثير من الحالات المدروسة ،لم يكن لاصحابها علاقة قوية بالدين ،
واحيانا ينتج كشفهم نتيجة لحادث ،
أو لاسباب أخرى ،لا علاقة لها بالتدين.
المهم ،
خلينا في الحديث و الحوار العذب عن خطاب الاستاذ،
والخطاب الجمهوري بشكل عام.

Post: #276
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-07-2007, 03:35 AM
Parent: #1


الأحباء
تحية طيبة

ونواصل المبحث حول رؤى الأستاذ محمود
والخُطى التي خطاها .

شكراً مجدداً :
للكاتب أسامة والكاتب ياسر
ونواصل

Post: #277
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-07-2007, 06:16 AM
Parent: #276

عزيزي ياسر
سلامات
يازول أخد راحتك.
المهم ،
ربما اعود بمداخلة أخرى،
كان الله هون.
محبتي
المشاء

Post: #278
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-08-2007, 08:43 AM
Parent: #277



عن خطاب الاستاذ ،والحداثة:
في التهميش والتذكر

________________________________________
في مقاله المهم:
معالم الخطاب الاسلامي الجديد-ورقة أولية
يقوم الدكتور عبد الوهاب المسيري بتحقيب وتصنيف لمستويات الخطاب الاسلامي المعاص من خلال موقفه من مشروع الحداثة الغربية.
يقول في ذلك:
ونحن نميل إلى تصنيف مستويات الخطاب الإسلامي على النحو التالي:
1 -خطاب إسلامي ظهر مع دخول الاستعمار العالم الإسلامي، وحاول أن يقدم استجابة إسلامية لظاهرتي التحديث والاستعمار، وقد ظل هو الخطاب المهيمن حتى منتصف الستينيات، وهو ما نشير إليه بالخطاب الإسلامي القديم .
2 -ظهر خطاب آخر كان هامشيًا، ولكن معالمه بدأت تتضح تدريجيًا في منتصف الستينيات، وهو ما نشير إليه بالخطاب الإسلامي الجديد.
http://www.islamonline.net/iol-arabic/qadaya/art4.asp

ويعترض دكتور جمال الدين عطية على هذا ا لتقسيم والتأريخ له قائلا:
وإذا سايرنا الكاتب في هذه النقطة فإننا نجد أن سنة 1928م وليس 1965م هي النقطة الفاصلة في الموقف من الحداثة الغربية؛ ففي هذه السنة بدأ "حسن البنا" دعوته التي ترفض الغرب وتندد بمن دعا إلى أخذ الحضارة الغربية بحلوها ومرها وخيرها وشرها، والتي تبشر برؤية شاملة للإسلام على أنه حضارة تنظم جميع جنبات الحياة، وأنه دعوة عالمية للناس كافة، وليس للعرب أو المسلمين فحسب، كما أنه احتوى الدعوة القومية على أساس أنها إحدى الدوائر التي ينطلق إليها العمل الإسلامي، واعتبر تجديد الدين ضرورة بكل ما تشمله كلمة التجديد من عودة إلى الأصول، واجتهاد لمقتضيات العصر، وهو في هذا كله دعوة إلى تحديد الهوية والانتماء.
وإذا كانت هذه الأفكار قد سبقه إلى بعضها الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، إلا أنه هو الذي بلورها ونقلها من مجال الفكر إلى مجال الحركة، ولا يمكن-إذن- تجاوز سنة 1928م إلى سنة 1965م التي لا تمثل أية نقلة نوعية في هذا الصدد.

http://www.islamonline.net/iol-arabic/qadaya/art-b.asp

في مقاله ذاك ،يتحدث المسيري عن الموقف من الحداثة الغربية من خلال التمييز بين مواقف الخطاب الاسلامي انطلاقا من موقفهما من مشروع الحداثة الغربية.وقد شكلت الحداثة الغربية القادمة من خلال الاستعما ر،صدمة كبير للبنية العربية والاسلامية في مختلف مستوياتها. يقول عن تلك الصدمة الحداثية :
ولنبدأ محاولة التمييز هذه من نقطة محورية؛ أي موقف كل من الخطاب الإسلامي القديم والجديد من الحضارة الغربية؛ فهذا الموقف هو الذي حدد كثيرًا من ملامحهما وتوجههما وأطروحاتهما. ويجب أن ندرك أن دعاة الإصلاح الأُوَلَ كانوا يتعاملون مع الحضارة الغربية في مرحلة مختلفة عن المرحلة التي نتعامل نحن فيها مع هذه الحضارة، فرغم أن النموذج العلماني (الشامل) هو النموذج الأساسي في التشكيل الحضاري الغربي الحديث منذ بدايته، ورغم أنه يشغل المركز في وجدان الإنسان الغربي الحديث ويشكل رؤيته إلى الكون، ورغم أن الحضارة الغربية الحديثة كانت قد اتضحت هويتها باعتبارها حضارة إمبريالية شرسة: إلا أنها مع هذا كانت تحوي قدرًا كبيرًا من الثبات والإيمان بالقيم المطلقة على مستوى الرؤية إن لم يكن -أيضًا- على مستوى الممارسة، كما كانت هذه الحضارة تدعي أنها حضارة إنسانية هيومانية متمركزة حول الإنسان، وكانت المجتمعات الغربية مجتمعات لا تزال متماسكة من الناحية الاجتماعية والأسرية، ولم يكن كثير من الظواهر المرضية التي تسم المجتمعات الغربية في الوقت الحاضر قد ظهر بعد، وقد يكون من المستحسن أن نتصور العلمانية (الشاملة) لا باعتبارها نموذجًا ثابتًا، وإنما باعتبارها متتالية آخذة في التحقق تدريجيًا في الزمان والمكان، فالحياة الخاصة كانت لا تزال بمعزل عن عمليات العلمنة، فكان الإنسان الغربي علمانيًا شاملاً في حياته العامة متدينًا ملتزمًا بأهداب الفضيلة وبالمنظومة الدينية المسيحية في حياته الخاصة؛ ولذا فالحضارة الغربية لم تكن حضارة علمانية مادية تمامًا، فالقيم (الدينية والإنسانية) كانت تلعب فيها دورًا واضحًا إيجابيًا؛ منحها قدرًا من التماسك والغائية .
وحينما احتك المصلحون الإسلاميون الأُوَلُ بهذه الحضارة فهم لم يحتكوا بحضارة علمانية بالمعنى الشامل، وإنما احتكوا بحضارة علمانية بشكل جزئي تمت علمنة بعض جوانب الحياة العامة فيه فحسب، ولم تكن الحلقات الأخيرة من متتالية العلمانية الشاملة قد تحققت بعد؛ أي أن كثيرًا من الظواهر السلبية التي نلاحظها بأنفسنا ونقرأ عنها في كتبهم وصحفهم ومجلاتهم، والتي أصبحت نمطًا ثابتًا وظاهرة محددة كانت مجرد حوادث متفرقة لا ظواهر دالة، ومن ثم كان من السهل تهميشها. علاوة على هذا لم يكن الخطاب النقدي الغربي للحداثة
والاستنارة قد تبلور بعد، رغم تعالي بعض الأصوات، فالأدب الرومانتيكي الغربي على سبيل المثال هو في جوهره أدب احتجاج على كثير من جوانب الحداثة الغربية، وكتابات المفكر الإنجليزي "إدموند بيرك" وبعض المفكرين المحافظين تحتوي على إشارات لكثير من الموضوعات التي طوَّرها الخطاب النقدي الغربي فيما بعد، إلا أن مثالب الحضارة الغربية -سواء على مستوى النظرية أو على مستوى الممارسة- لم تكن مسألة واضحة بعد لدارسي ومراقبي هذه الحضارة .
ثم يتحدث عن الوضع الثقافي والفكري المختلف لما اسماهم بحملة الخطاب الاسلامي الجديد:
أما بالنسبة لحملة الخطاب الإسلامي الجديد فالوضع جدُّ مختلف؛ فمعظمهم قد تشكل فكريًا في الخمسينيات واحتك بالحضارة الغربية في الستينيات. ونحن نذهب إلى أن الحضارة الغربية دخلت مرحلة الأزمة في تلك الآونة، وأدرك كثير من مفكريها أبعاد الأزمة والطريق المسدود الذي دخلته منظومة الحداثة الغربية. (انظر: مقدمة لتفكيك الخطاب العلماني، أربعة أجزاء، القاهرة، ديسمبر 1997م). إن حملة الخطاب الجديد أدركوا من البداية الجوانب المظلمة للحضارة الغربية الحديثة التي أدخلت العالم في حربين غربيتين يقال لهما "عالميتين"، لأنهما جرّتا العالم بأسره إلى حلبة الصراع وأتون الحرب وتزايد إنتاج أسلحة الفتك والدمار حتى تبين للجميع أن هذه الحضارة قادرة على بناء قبر يكفي لدفن العالم (على حد قول رجاء جارودي). وتزايد توغل الدولة القومية المركزية وتمكنت من الوصول إلى الجميع والتحكم فيهم من خلال أجهزتها الأمنية والتربوية. وتزايد تغلغل الإعلام في الحياة الخاصة للبشر، الأمر الذي زاد من تنميطهم، وتزايدت همينة قطاع اللذة على الجماهير، وهو ما أدى إلى تزايد الإباحية، كما تزايدت معدلات الطلاق بشكل لم يسبق له مثيل؛ وظهرت أزمة المعنى والأزمة المعرفية والأزمة البيئية، ولم يعد الاقتصاد الحر ناجحًا كما كان في الماضي. وفقدت التجربة الاشتراكية مصداقيتها. وظهرت الاتجاهات الفكرية المعادية للإنسان مثل الفاشية والنازية والصهيونية والبنيوية؛ وهي اتجاهات وصلت إلى ذروتها في فكر ما بعد الحداثة .
ثم يتحدث عن اثر مدرسة فرانكفورت الماركسية النقدية في نشوء خطاب اسلامي جديد:
ومع منتصف الستينيات تبلور الخطاب النقدي الغربي وأصبحت أعمال مدرسة فرانكفورت متداولة بين الكثيرين، فظهرت دراسات كثيرة في نقد فكر عصر التنوير في الغرب، وكان "ماركوز" بحديثه عن تنميط الحضارة الغربية والإنسان ذي البعد الواحد يبين أن ثمة خللاً بنيويًا في صميم الحضارة الغربية يتجاوز التقسيم التقليدي المتبع الذي يقسمها إلى حضارتين: واحدة اشتراكية والأخرى رأسمالية. وأعاد كثير من المؤرخين المراجعين كتابة تاريخ الحضارة الغربية ليبينوا حجم جرائمها ضد شعوب آسيا وأفريقيا وحجم النهب الاستعماري. وظهرت كذلك كثير من الدراسات التي توجه سهام النقد الجذري إلى نظريات التنمية، وكان لحركة اليسار الجديد إسهام في هذا المضمار. ولذا فسواء على مستوى الممارسة أو على مستوى الفكر لم يكن من الصعب على حملة الخطاب الإسلامي الجديد من دارسي الحضارة الغربية في منتصف القرن العشرين أن يعرفوا مثالبها، كما لم يعد بوسعهم أن يمارسوا ذلك الإعجاب الساذج بها، الذي مارسه الكثير من أعضاء الجيل الأول، فالحضارة الغربية التي عرفوها وخبروها مختلفة في كثير من جوانبها عن تلك الحضارة الغربية التي عرفها وخبرها ودرسها جيل الرواد. وشتان ما بين الخبرتين ؟
ثم يتحدث عن :
استجابات الخطاب الإسلامي لتحدي الحداثة الغربية
قائلا:
ويجب أن نؤكد أن كلا الجيلين -القديم والجديد- لم يؤسس منظومته الفكرية انطلاقًا من المنظومة الإسلامية فحسب، وإنما نتيجة تفاعله مع الحضارة الغربية في الوقت ذاته، وهذا أمر طبيعي للغاية؛ فهي الحضارة التي فرضت سيطرتها على العالم، واكتسبت مركزية بحكم الانتصارات
وفي حديثه تنطلق من مفهوم "التحدي والاستجابة "الذي قال به المؤرخ المعروف :
ارنولد توينبي.
يقول :
وباختلاف نوع التحدي وحدَّته اختلفت الاستجابة، وقد وجد المصلحون الأوائل جوانب إيجابية كثيرة في هذه الحضارة الغربية، بل أكاد أقول: إنهم انبهروا بها، وهذا ما عبر عنه الشيخ محمد عبده في عبارته الشهيرة: "لقد وجدت هناك مسلمين بلا إسلام، ووجدت هنا إسلامًا بلا مسلمين". ولذا كانت استجابة الجيل الأول للتحدي الغربي هي: كيف يمكن أن نلحق بالغرب؟ وكيف يمكن أن ننقل تلك المنظومة الرائعة إلى حضارتنا مع الاحتفاظ بقيمنا وبشيء من هويتنا؟.
ولكن لو كانت خبرة الشيخ محمد عبده مع الحضارة الغربية مثل خبرتنا لتردد كثيرًا قبل أن يقول قولته هذه، وقبل أن يطرح معالم مشروعه.
http://www.islamonline.net/iol-arabic/qadaya/art4.asp
يرفض د.جمال الدين عطية ما قاله المسيرى عن محمد عبدة قائلا:
أما محمد عبده فبريء من هذه العبارة المزعومة نسبتها إليه، التي تتحدث عن الغرب باعتباره إسلامًا بلا مسلمين، وعلى العكس من ذلك له نقد عميق لمادية الحضارة الغربية.. التي وصفها بأنها حضارة الذهب والفضة والجنيه والليرة والبهرج والفخفخة التي لا علاقة لها بالإنجيل وروحانياته، والتي تتميز عنها الحضارة الإسلامية بالوسطية الجامعة بين المادة والروح.
http://www.islamonline.net/iol-arabic/qadaya/art-b.asp

ثم يقول :
حملة الخطاب الإسلامي الجديد لا يشعرون بالإعجاب نفسه تجاه الحداثة الغربية، ولذا نجد أن خطابهم ينبع من نقد جذري لها، وهم في هذا لا يختلفون عن كثير من المفكرين والحركات السياسية في العالم الثالث والعالم الغربي في الوقت الحاضر
ثم يقول
الموقف من الحداثة الغربية هو نقطة الانطلاق الأساسية التي تتفرع عنها كل السمات الأخرى .
وقد حاولنا تلخيصها كالآتي:
-1 الخطاب الإسلامي الجديد ليس اعتذاريًا
-2 رفض المركزية والعالمية التي يضفيها الغرب على نفسه
3-الرؤية المتكاملة والانفتاح النقدي
4-خطاب جذري توليدي استكشافي
5-يصدر عن رؤية معرفية شاملة
6-القدرة على الاستفادة من الحداثة الغربية
7-القدرة على إدراك أبعاد إنسانية جديدة
8-القدرة على اكتشاف الإمكانات الخلاقة للمنظومة الإسلامية
9-أسلمة المعرفة الإنسانية
-10 ادراك ما يسمى "العلم في منظوره الجديد
11-تأسيس معجم حضاري متكامل ومستقل
-12 إدراك تركيبية مقولة العقل والتناقضات الكامنة فيه
13-التمييز والفصل بين إنجازات الغرب وبين رؤيته القيمية
14-إدراك المكون والبعد الحضاري للظواهر والأشياء المستحدثة
-15 إدراك الخطاب الإسلامي الجديد لأهمية المكون الحضاري من خلال تقبله لفكر القومية
16-تأسيس رؤية إسلامية مستقلة في التنمية
17-طرح النسبية الإسلامية كبديل عن النسبية المطلقة
18-الإيمان بالحركة والتدافع كأساس للحياة
19-إدراك مشكلات ما بعد الحداثة
20-تجاوز الإطلاقات المتناقضة والسماح بالفراغات والتعددية
21-لقدرة على الرؤية المتكاملة للشريعة وإنزالها على الواقع المعاصر
22-القدرة على صياغة نموذج معرفي إسلامي والاحتكام إليه:
23-الاهتمام بالأمة بديلاً عن الدولة المركزية:
24-محاولة تطوير رؤية شاملة للفنون الإسلامية:
25-تجاوز المنظور الغربي في قراءة التاريخ:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/qadaya/art4.asp

في مقدمتهما لثلاثة من كتب الاستاذ ،يقول المقدمان :
يلمح الباحث المدقق،في فكر الاستاذ محمود محمد طه،عودة جديدة ل"العرفان" ولكن في هيئة تتمفصل في بعض مناحيها مع أفكار "لاهوت التحرر" كما تلتقي ببعض جوانب فكرة "ما بعد الحداثة الغربية" التي بدأت تتخلص من قبضة الفكرة المادية،العقلانية،العلمانية الغربية.غير أن فكر الأستاذ محمود ينأى بالفكرة الاسلامية عن الوقوع في براثن جمود تدين ما قبل الحداثة.مع ملاحظة أن أفكار الاستاذ محمود تمد جذورها وفروعها ،أبعد و بما لا يقاس،من الفكرة العلمانية الغربية في كل تخلقاتها،بما في ذلك آخر صيغها المتمثلة في أفكار "ما بعد الحداثة".
ص 47.
ثم يتحدثان عن تكرار نموذج الحداثة الغربي:
و تكرار التجربة الغربية،فضلا عن كونه منحى غير مطلوب،بحكم ما أوصلت إليه التجربة أهلها،فهو أيضا غير ممكن عمليا،لأن الوقت قد تعداه.
ص ص 47-8
ثم يقولان :
فالتجربة الشرقية غير صالحة لانجاب مثل تجربة الحداثة الغربية.و لانعني هنا،أنها غير صالحة لتبني منهج النمو التقني،أو تطبيق الديمقراطية والتعددية السياسية.وإنما نعني،أنها لا تصلح لتبني النظرة الغربية للوجود ،وللإنسان.علاوة على ذلك ،فنحن لسنا بحاجة إلى إعادة إنتاج التجربة الغربية،وانما بحاجة الى نقدها والبداية من حيث وقفت.وأول ما يجب أن يطاله النقد،نظرتها المادية للوجود،وعقلانيتها المفرطة،وفردانيتها التي قامت على الانتقاص من التواصل ،و التكاتف، والتعاضد الجماعي.أي مشروع جديد لا يستصحب بعدا روحيا،يعد في تقديرنا المتواضع،مشروعا فاشلا، ولا يعدو كونه تكرارا لتجربة الحداثة الغربية،التي يرى أهلها أنها تعيش ،على المستوى الاجتماعي،شحوب أصيل مفص إلى غروب أكيد.
ص 48.
من الواضح ان المقدمين يرتكزان في نقدهما لمشروع الحداثة الغربي ،على ما يقول به جميع المصلحين الاسلامين المعاصرين ،كل من زاويته،يرتكزان على نقد الماركسية ،وهي تيار حداثي،للاستغلال الطبقي ،والتفاوت الاجتماعي ،
وفكرة الامتيا ز الطبقي .
كما يرتكزان على نقد روح الحداثة الغربية،باعتبارها مادية،
لكنهما في المقابل لا يطرحان،عبر تبني خطاب الاستاذ ،مشروعا مختلفا ،اللهم الى مسالة النقد الماركسي،و غياب الروح.
وحتى في مسالة الروح،فهما ،كما خطاب الاستاذ ،يغيبان حضارات كثيرة مهمشة في العالم الثالث،و ينطلقان من احتكار الروح ،للخطاب الاسلامي فقط.
وبالرغم من حديث الاستاذ ،الانساني المتعولم ،حول مساهمة كل الحضارات في مخططه النظري لتلقيح الحضارة الغربية المأزومة ،كما في حديثه الآتي:
بهذه المقدرة علي المواءمة والتبني والتصحيح ، فإن الإسلام هو صاحب المدنية المقبلة ، التي تشارك فيها الإنسانية جمعاء الشرق والغرب والجنوب والشمال فهي مدنية إنسانية ، الدين فيها علم وتحقيق ، وهي مدنية تقيم علائق الناس علي السلام والمحبة والصلة.
بالرغم من هذا الحديث العولمية عن مشاركة كل الثقافات في التلقيح القادم،
لكن لا نجد أية اشارات الى مساهمات ثقافية أخرى ،طالما ان الامر يتعلق بمشروع عولمي ..
ان مأساة الفكر الجمهوري وغيره من الخطابات الاسلامية الحداثية ،تكمن في هامشيتها و عدم تبني قاعدة اجتماعية مؤثرة لخطاباتها.
وللتدليل على هامشية الخطاب الجمهوري ،
فان المسيرى يورد عددا من الأسماء والحركات الإسلامية التي تندرج في إطار ما يسميه الخطاب الإسلامي الجديد كما في قوله الآتي:
الأستاذ مالك بن نبي، والأستاذ فهمي هويدي، والشيخ راشد الغنوشي، والأستاذ منير شفيق، والأستاذ عادل حسين، والأستاذ طارق البشري، والمهندس المعماري الدكتور عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم، والدكتور راسم بدران، والدكتور سليم العوا، والدكتور بشير نافع، وجماعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي (الدكتور راجي الفاروقي، ود. طه جابر العلواني، ود. عبد الحميد سليمان من مؤسسي المعهد، ويمكن أن نذكر -أيضًا- د. منى أبو الفضل، ود. سيف الدين عبد الفتاح، ود. نصر عارف، ود. أسامة القفاش، والأستاذة هبة رؤوف، ود. البيومي غانم، والأستاذ فؤاد السعيد، والأستاذ هشام جعفر، ود. أحمد عبد الله، ود. لؤي الصافي)، والدكتور جمال عطية، ومجلة المسلم المعاصر، وعزام التميمي، وجماعة ليبرتي، والحبيب المكنى، ومجلة الإنسان. ولا شك في أن هناك العشرات الآخرين داخل وخارج العالم العربي يساهمون في تشكيل الخطاب الجديد، ويلاحظ أن كثيرًا من المثقفين من أعضاء الأقليات الإسلامية في الغرب بدأوا يساهمون بشكل فعال في إثراء هذا الخطاب الجديد، وهم لا يكتبون بالعربية ولكن إسهاماتهم مبدعة لأقصى حد، ويمكن أن نذكر في هذا المضمار المفكر الباكستاني (المقيم في السويد) بارفيز مانزور ومؤسسة Islamic- Foundation. ولعل المطلوب الآن أن نعمق إدراكنا للأطروحات الأساسية لهذا الخطاب الجديد، وأن نقوم بعملية تكثيف معرفي من خلال حصر أسماء الدعاة له وعناوين ما كتبوا من دراسات. والله أعلم

وللأسف نجد إن اسم الأستاذ محمود غير مدرج ضمن تلك الأسماء والمؤسسات الجماعات والإصدارات.
وقد تحدثت الأستاذة أسماء محمود والدكتور النور حمد عن تجاهل الأكاديميا العربية لخطاب الأستاذ محمود.
يقولان في هذا الصدد:
"إن جهل، أو تجاهل،الأكاديمية العربية، و دوائر المثقفين العرب،و المشتغلين منهم خاصة بقضايا الفكر الديني،و الفكر السياسي،لأفكار الأستاذ محمود محمد طه،لأمر محير فعلا.فكيف يمكن لأكاديميا تزعم أنها توثق للإنتاج الفكري في العالم العربي،أن ترضى مشاركة القوى المسيطرة والقابضة على أعنة الأمور في وطننا العربي،مؤامرة الصمت المستمرة على إنتاج مفكر ظل يكتب لأربعين سنة، ثم يموت على حبل المشنقة بسبب ما كتب!بالطبع،إن أفكار الأستاذ محمود محمد طه،رغم سمة "اللاعنف" الذي اتسمت بها،أفكار ثورية.وربما لا يجرؤ كثير من الكتاب على مغبة التعاطي معها.فهي أفكار رفضتها مؤسسات الدين و السياسة،في عامنا العربي،مجتمعتين.وحقيقة الأمر،إن في أفكار الرجل،ما يهدد الوضع العربي السياسي الراهن في مجموعه،لكونها تطرح فكرا إسلاميا ثوريا،ديمقراطيا،و اشتراكيا.غير إن التجاهل التام من قبل الدوائر الأكاديمية لسيرة الرجل و لأفكاره أم غير مقبول إطلاقا.اللهم إلا إن كان المتوقع مم يسمى عندنا ب"البحث العلمي"أن يفضي،إلى تدعيم، وتأكيد ما هو سائد، وما هو مقبول،ثم الصمت المطبق،عما عدا ذلك!
ص 46.
ومأساة تلك الخطابات الجديدة ومن ضمنها خطاب الاستاذ،انها لم تجد قاعدة اجتماعية واسعة ومؤثرة تتبناها.
يقول محمد أركون في رد على سؤال حول الحداثة الفكرية العربية :

وعلى صعيد الحداثة الفكرية نلاحظ ايضا انه لم يقدم احد من المفكرين العرب مفهوما معرفية جديدا يخترق به نسيج الفكر العالمي هنالك استهلالك للمناهج الغربية ولم يقدم أي منهم مفهوما جديدا يثري الفكر العالمي؟
أركون: هناك استهلاك وهنالك محاولات لا بأس بها ولكن هذه المحاولات لا تتبناها أطر اجتماعية واسعة حتى تعطيها حياة وحيوية ونفوذا في المجتمع، فأنت تكتب كتابا فيه آراء صالحة منتجة يقرأه بعض الناس، ولكن ليس هنالك تيار يتبنى تلك الأفكار, ويعطيها قاعدة اجتماعية ويكتب عنها في الصحافة وينشر الجدال والمناقشة والمناظرة حولها حتى تعم ويستفيد منها أكبر عدد ممكن من المواطنين، وعلى العكس من ذلك تجد أن هنالك بين المثقفين حسدا وغيرة، فالمفكر والباحث يحسد أخاه حتى لا يشتهر اسمه أكثر عنه وهذه ظاهرة ملموسة عندنا، ودائما نلاحظ في حديثنا أن هذه الكارثة موجودة عندنا كعرب، بينما اليهود نجد أنهم متماسكون متضامنون، وإذا كتب أحدهم كتابا نجد أن جميعهم يؤيدونه ولا يقولون هذا كافر بالله يجب أن نبعده من الأمة ونخرجه منها وهذه ظاهرة موجودة لدينا وأنا ضدها


ويتحدث الدكتور النور حمد عن عدم وجود قاعدة اجتماعية لافكار الاستاذ في ما سبق لنا ايراده،
وسنقوم باعادة ايراده لاهميته:
وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.
ويؤكد الاستاذ هذه الهامشية ،
في رد على هذا السؤال :
في تفسير مصطفى محمود للقرآن الكثير الذي ورد متفرقا في كتبك ومحاضراتك، وهو لديك أكثر تحديدا، وقوة، ومع ذلك فإن أفكاره تجد حفاوة أكبر – فلماذا؟؟
يقول الاستاذ في حوار معه:
وأما الدكتور مصطفى محمود فقد جاء ببضاعة مزجاة، فجازت على مستهلكين لا يحسنون التمييز.. هذا سبب..
والسبب الثاني هو: ((عقدة الأجانب)).. فإننا، نحن السودانيين، لطول ما رزئنا به من الإذلال، فقدنا الثقة في أنفسنا، وظننا أن الخير لا يأتي من عند أنفسنا، ولا من مواطنينا، وإنما هو الخير يجيء دائما من وراء حدود بلادنا.. هذا هو السبب الآخر..
وللدكتور الجمهوري راي آخر في الانتشار الضعيف للفكر ا لجمهوري :
يقول في ذلك:
الدكتور القراي يرى ان التأثير الواقع على الوعى الجمعى فى دول العالم الثالث تجاه الفكرة راجع الى غياب المنابر الحرة التى تسمح بنشر الوعى بعيدا عن تأثيرات القداسة ورجال الدين والفقهاء الذين لديهم حلف مع الحكومات فى المنطقة يعمل على استدامة حالة الوعى القائمة حفاظا على مصالحهم ، واوضح القراي بان افكار الجمهوريين لم يفسح بينها وبين الشعب السودانى ، ولم يسمح لها يوما بالاطلالة عبر التلفزيون ولا الاذاعة ولا حتى المساجد وبالتالى لم يترك للجمهور ان يقول رأيه فيها ، ويضيف ان قدر المساحة التى وجدها الجمهوريون فى التعبير عن رؤاهم وجدت تجاوبا كبيرا من الشعب ، وقطع القراي بانه متى ما اتضح لنا ان الشعب يرفض رؤانا فسننسحب لاننا ليسوا طلاب سلطة .
http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509523

*تذكّر الأستاذ:
ان الهامشية التي انتهت باعدام الاستاذ ،لا تعني ان هذا الخطاب قد فقد قوته.بل ان تلك الوقفة الصامدة في مواجهة الموت ،و الابتسام له ،وجهود الجمهوريين من امثال البروفيسور عبدالله النعيم،
كل ذلك أعاد الى الأفهام خطاب الاستاذ ،وتم تذكره باعتبارةه محاولة كبرى للتجسير بين الاسلام و الحداثة،تم تجاهلها وتهميشها .
ومن أدلة تذكر خطاب الاستاذ ما قال به المصري :
حسين أحمد أمين مترجم ومقدم كتاب عبد الله أحمد النعيم:
نحو تطوير التشريع الإسلامي
يقول المترجم في مقدمته ،في اشارة الى انتقال الدور الفكري من مصر ،
الى هامشها السودان:
يبدو أن المصريين قد اعتادوا واستمرأوا فكرة أن تكون بلادهم مصدر الإشعاع الفكري في العالمين العربي والإسلامي، ذلك أن القليلين من مثقفيهم هم الذين يلقون بالاً إلى الثمار الفكرية في الأقطار المحيطة بقطرهم، أو يقدرون الضرر الذى سينجم حتماً، عن هذه العزلة وهذا الإغفال. وها قد مضى أكثر من ربع قرن على ظهور كتاب في السودان، هو كتاب "الرسالة الثانية في الإسلام" للشهيد محمود محمد طه، الذى أعدَّه أهم محاولة ينهض بها مسلم معاصر لتطوير التشريع الإسلامي، والتوفيق بين التعاليم الإسلامية ومقتضيات المعاصرة، دون أن يحظى في مصر (أو في بلد إسلامي خارج السودان على حد علمي) بالاهتمام الذى هو أهل له، ودون أن نلمس له تأثيراً في اتجاهات مفكرينا ومثقفينا وجمهور شعبنا، رغم احتوائه على فكرة أساسية ثورية لا شك عندي في قدرتها متى صادفت القبول لدى الرأي العام الإسلامي، على أن توفر الحلول لمعظم المشكلات التى تكتنف موضوع تطبيق الشريعة، في إطار إسلامي.
http://www.arkamani.org/bookreview_files/abdalahnaeem.htm
وقد تم تذكر الاستاذ بعد أحداث العاشر من سبتمبر ،وما قيل قبلها عن الصدام بين الحضارات :
وقد اهتمت بعض الدوائر العالمية بما كتب الاستاذ محمود خصوصا بعد ان صار العالم على حافة صراع حضارى بسبب من ظاهرة الارهاب ،وذلك فى محاولة منه لفهم الاسلام بشكل اعمق ، وفى هذا الصدد فقد ترجم الفاتيكان الكتاب الاساسى لافكار الاستاذ محمود «الرسالة الثانية من الاسلام» الى ثلاث لغات اوربية ، فيما ترجم فى الولايات المتحدة الى اللغة الانجليزية ، بينما اعتبرت اليونسكو الاستاذ محمود فى الموسوعة التى اشرف عليها البروفيسور على مزروعى احد ابرز المفكرين الذين سعوا لنهضة افريقيا ما بعد الاستعمار ، بينما ينشط بعض تلاميذه فى مجالات التأليف على هدى الفكرة فى الخارج .
http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509523
وقبل ذلك تذكر فرانسيس دينق خطاب الاستاذ ،وما كان يمكن ان يساهم به في حل أزمة الهوية.
يقول المفكر السودانى الدكتور فرانسيس دينق فى كتابه (صراع الرؤى فى السودان) : (اذا ما قدر لمحمود محمد طه ان ينجح فى تحقيق نظريته للمسيرة الاسلامية مرشدا للحركة الاسلامية فى البلاد لسادت الظروف المساعدة على المساواة بين المواطنين وشجع احترام الاسس الديمقراطية فى خلق رؤية للوطن تجد الاحترام من الشماليين والجنوبيين على حد سواء ، وكان يمكن حينها ان يكون الاحساس بالهدف الوطنى مدفوعا بتعاليم الاسلام الليبرالية والمتسامحة كما فسرها الاخوان الجمهوريون.
http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509523
وسنعود للحديث عن المخطط النظري لتلقيح الحضارة الغربية ،بحسب وجهة نظر خطاب الاستاذ ،والخطاب الجمهوري .
ارقدوا عافية
المشاء

Post: #279
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-08-2007, 09:13 AM
Parent: #278

سلامات يا عزيزي أسامة..


قرأت بوستا في منبر "سودان للجميع" لأميرة أحمد وقد نقلت فيه محاولة الإيرانية الأمريكية لالاه بختيار في ترجمة جديدة للقرآن من وجهة نظر نسوية فتذكرت ما نقلته هنا عن الدكتور عبد الله بولا.. المهم هذه هي مداخلتي هناك وستجد أيضا مداخلات للأخ النور محمد حمد فيما يختص بالحداثة:
http://www.sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?p=16610...cc6940f5e1e800#16610
كما أقترح عليك أيضا قراءة مداخلاته في بوست حسن موسى "وماذا نفعل مع الموت" فهي تستحق القراءة..
http://www.sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=1589&...567e60cc6940f5e1e800
ولا يزال وقتي لا يسمح لي بالجلوس للكتابة معك حول المداخلتين إياهما..
وشكرا
ياسر

Post: #280
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-08-2007, 10:54 PM
Parent: #1

الأحباء :
الكاتب أسامة
الكاتب ياسر

إنه لمن الثراء الحديث عن الفكر المقارن ،
فهو يضع مؤشراً للقياس

شكراً لكما

Post: #281
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-09-2007, 04:56 AM
Parent: #280

شكرا لكلمات الشقليني .
وشكرا للروابط التي بها الصديق ياسر.
و يازول اخد راحتك،
فالكلام عن الاستاذ يحتاج فعلا لقعدة طويلة .
مساهمة بولا تتمثل في اشارته لبعض من ذكورية خطاب الاستاذ،
وان جاء الامر في غير محله كما سنوضح حينما نتحدث عن المخطط النظري للاستاذ.
فهنالك اشارات ذكورية اوضح من تلك الاشارة التي لم يحالفها التوفيق في زعمنا الضعيف.
محبتي
المشاء

Post: #282
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-10-2007, 02:26 AM
Parent: #281

كنا في المخطط الاولي لهذه المقاربة ،
نرى ان نتحدث عن قراءة بولا "الجندرية"،
لموضوعة الرجل ،
اي رجل الرسالة الثانية ،
من خلال مقاربتنا للمخطط النظري للاستاذ،
لتلقيح الحضارة الغربية انطلاقا من السودان،
كقاعدة ينطلق منها البعث الاسلامي الموعود.
لكننا ارتأينا ان نفرد لذلك مساحة خاصة،
علها تساهم في القاء الضوء،
على بعض من رؤئ الاستاذ حول المرأة،
وفي نفس الوقت نبين ما يمكن ان تحدثه قراءة ما ،
كما في حالة بولا ،
لا تنطلق من الخطاب في مجمله.
وسنعود لذلك بعد قليل .
وما هو القليل،ان استندنا الى علم الباطن؟؟؟
الى اللقاء
المشاء

Post: #283
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-10-2007, 06:47 AM
Parent: #282




*عن الجندر:

يقول بولا في مقاله المنشور في مكتبة دكتور النور حمد:
محاولة للتعريف بمساهمة الأستاذ محمود محمد طه
في حركة التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر
:

Quote: و ستكون أولى ملاحظاتي لفت النظر إلى ذكورية خطاب الأستاذ نفسه. هذه الذكورية التي اجتهد في تفاديها أحد تلاميذه اللامعين (د.عبدالله النعيم) (30) فالرجال "يستأثرون" بالنصيب الأوفر بما لا يقاس في خطاب الرسالة الثانية نفسه ويبين ذلك بصورة قاطعة لمن يقرأ الكتاب. وأكتفي هنا بمثل يغني عن التفصيل من فرط قوة دلالته، يتساءل الأستاذ: "من هو رسول الرسالة الثانية؟ " و يجيب "هو رجل آتاه الله الفهم عن القرآن و أذن له في الكلام .."(31) وهو يقول قبل ذلك في الإهداء "إلي الإنسانية ! بشرى .. وتحية. بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتحية للرجل وهو يمتخض، اليوم، في أحشائها، وقد اشتد بها الطلق، وتنفس صبح الميلاد."(32) والرجل المعني هو رجل الرسالة الثانية، داعيتها "المأذون له"، و إنسانها المتخلق من قيمها وبها. و هذا قول يطاول قمم الشاعرية المجيدة و لكنه، مع ذلك، لا ينفي ذكورية الخطاب ويحرج منطق مقولة المساواة التامة بين الرجل والمرأة وهذه معضلة لم يتوفر للأستاذ، ولا لأي واحد من المجددين حلها بصورة متماسكة تمام التماسك، وإن ظل رأيه فيها متميزاً جداً.


يتحدث الدكتور بولا عن اهداء الاستاذ في كتاب الرسالة الثانية في طبعته الرابعة.والمسالة-في أصلها وفصلها- ليست لها علاقة بالجندر .

ولذلك في تعقيب لنا حول مقال بولا الذي نشر في سودانيزاونلاين ،قلنا عن مقالة بولا انها لم تستند الى خطاب الاستاذ في مجمله ،وانما الى بعض المراجع .

فمثل هذا الحديث لا يتطرق الى ما حدث من تطور في فهم فكرة البعث الاسلامي،التي يقول به خطاب الاستاذ.

وقبل ان نتحدث عن تطور فكرة البعث الاسلامي في خطاب الاستاذ ،نحب ان نوضح ،ان الاستاذ في اشارته الى "الرجل" لا ينطلق من منحى ذكوري ،وانما من تطور جديد في فهم فكرة البعث الاسلامي.
ولو ان البعث الاسلامي كان مرتبطا بامراة مثلا ،لتم الكلام عن "المرأة" ،وفي هذا لا يوجد اي منحى انثوي ،طالما كانت الاشارة هي الى امراة بعينها ،تعتقد انها رسولة الرسالة الثانية.

عدم الاحاطة بالخطاب في تطوره،هو الذي أوقع بولا في مثل هذا التأويل غير الموفق.
ففي "أسس دستور السودان،و كتاب الاسلام مثلا ،لا نجد ذكرا لهذا الرجل .وانما نجد حديثا عن ان أمة المسلمين او الاخوان متمثلة في جماعة ما ،هي جماعة الاخوان الجمهوريين ،كمجتمع صغير ،هي التي ستقوم بتحقيق المخطط النظري للفكرة الجمهورية.إن الحديث عن الرجل المنتظر ، وما أعقبه من كتيبين عن المسيح، و التي تربط ربطا لا لبس فيه بين رسول الرسالةالثانية ،وبين المسيح المنتظر،
كل ذلك ، يجعلنا نقول ان رسول الرسالة الثانية وكذلك المسيح المنتظر يتمثلان في شخص الاستاذ،وهذا ما لم يتحقق في حياة الأستاذ .
و الجدير بالذكر،أن هذا الاهداء،الذي أورده بولا،
يخالف ما سبق ذكره في كتاب "الاسلام" وأيضا في كتاب الرسالة الثانية من أن محمدا المعصوم هو رسول الرسالة الثانية.

يقول الاستاذ في "الاسلام" :
Quote: وقد بلغ المعصوم الرسالتين معا ، بالقرآن ، وبالسيرة التي سارها بين الناس ، ولكنه فصل الرسالة الأولى في تشريعه ، وأجمل الرسالة الثانية ، اللهم إلا ما يكون من أمر التشريع المتداخل بين الأولى والثانية ، فإن ذلك يعتبر تفصيلا في حق الرسالة الثانية أيضا ، ومن ذلك ، بشكل خاص ، تشريع العبادات جميعه .. وظاهرة الرسالة الأولى أنها تبدأ بقول (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) ، وتنتهي بقول (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) فهي كالصورة الفوتغرافية الثابتة ، إلا قليلا ، وأما ظاهرة الرسالة الثانية فإنها تبدأ بقول (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) وتنتهي بقول (( لا إله إلا الله )) المجردة ، فهي كالفلم السينمائي يتحرك من بداية إلى نهاية ، في تطور مستمر . ومعنى تجريد الشهادة معرفـة مكانة الله ، من مكانة محمد . وهـو تمام التوحيـد ، والله تعالى يقول لنبيه الكريم : (( وأنزلنا إليك الذكـر لتبيـن للناس ما نـزل إليهـم ، ولعلهـم يتفكرون . ))


ويقول في مقدمة الطبعة الثالثة:

Quote: إن محمدا رسول الرسالة الأولى ، وهو رسول الرسالة الثانية .. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا ، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا ، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جـديدا للقـرآن ، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بيـن يـدي القـراء ..
لكنه في مقدمة الطبعة الرابعة ،يتراجع عن ان محمدا هو رسول الرسالتين ،
ليتحدث عن "الرجل".
يقول في اهداء الطبعة الرابعة:
Quote: إلي الإنسانية !
بشرى .. وتحية .
بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة
الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
وتحية للرجل وهو يمتخض ، اليوم ، في
أحشائها ، وقد اشتد بها الطلـق ، وتنفس
صبح الميلاد .


ثم يعود في مقدمة الطبعة الرابعة من "الرسالة الثانية من الاسلام " ليتحدث عن "الرجل"
يقول متسائلا:
Quote: من رسول الرسالة الثانية ؟؟

لكي يجيب:
Quote: هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن ، وأذن له في الكلام ..

ثم يعود الى تساؤل آخر ،بخصوص كيفية معرفة "الرجل":
Quote: كيف نعرفه ؟؟

فيجيب قائلا:
Quote: حسنا !! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه : (( احذروا الأنبياء الكذبة !! )) قالوا: (( كيف نعرفهم ؟؟ )).. قال : (( بثمارهم تعرفونهم )) ..
ويمكن ان نرجع الكلام عن "الرجل" من خلال الاجابة على السؤال التالي:
Quote: ما رأيكمم في فلسفة التأريخ البشري ؟*

فيجيب قائلا ان هدفها الوحيد ،هو انجاب "الرجل" ،ولعله يقصد رسول الرسالة الثانية ،اي الاستاذ محمود محمد طه.
يقول حول فلسفة التاريخ البشري في كتابه :
أسئلة وأجوبة - الكتاب الأول:
Quote: التاريخ البشري هو سيرة الحياة على هذا الكوكب ، منذ أن كانت دودة ((أميبة)) ، طافية على وجه الماء ، إلى أن أصبحت بشراً سوياً .. و هي لا تزال منطلقة في سيرها إلى إنجاب ((الرجل)) ..
و التاريخ كروي ، كالكرة الأرضية ، فهو لا ينفك يدور حول نفسه . فيعيدها بصورة من الصور.. هو عند الأمم المتخلفة ، يعيد نفسه ، بصورة تكاد تكون مماثلة للماضي ، كل المماثلة ، و ذلك لقلة التفكير ، و لإنعدام الإبتكار ، ويقل ، من ثم ، التقدم .. و هو ، في الأمم المتقدمة ، يعيد نفسه بصور تختلف ، كثيراً ، أو قليلاً ، عن الماضي .. و ذلك تبعاً لحرية الفكر ، و المقدرة على الإبتكار. و يكون ، من ثم ، التقدم .. فكأن الأمم المتخلفة في الفكر ، و حريته ، تسير في حلقة مفرغة ، فهي تجد نفسها دائماً حيث بدأت ، و أما الأمم المتقدمة فتسير في طريق لولبي ، يرتفع ، كلما تقدم بها الزمن ، نحو غايتها المرجوة ، و هي إنجاب الرجل.

و الله أعلم.
****
المهم نعود الى ما قال به بولا بشكل غير صائب عن ذكورية الاستاذ من خلال ذلك الاهداء.
ذلك أن هنالك أمثلة أكثر استدلالا على "ذكورية خطاب الاستاذ" ،
وسنعود الى ذلك .
المشاء

Post: #284
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-11-2007, 06:52 AM
Parent: #283

***
***
***

Post: #285
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-11-2007, 07:28 AM
Parent: #1







لمحة من منهاج المتصوفة ومقارنته بمنهاج الأستاذ محمود (1)





يقولون عن المتصوفة أنهم يقولون بالكشف ، ويعتمدونه من مصادر المعارف المُكتسبة . ففي التربية بالتعويد على أذكار بعينها مع التأمل في جلسات الصفاء يتم التمهيد لفتح أفق التلقي لدى الذهن . يمكن هبوط الأحلام عن النبي يقظة أو مناماً ، وقصة الخضر التي وردت في الذكر الحكيم أدل برهان :
({فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65
وهنالك الإلهام المُباشر من الله في لحظة من لحظات الترقي . وكذلك الفراسة التي تختص بأحاديث النفوس و خواطرها . وكذلك الهواتف التي تأتي من الغير ويتلقاه الذهن العابد ويستشف صوراً واضحة
ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف ، بل تحقيق غاية عبادتهم ، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور منها :

1.
النبي صلى الله عليه وسلم : ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً .

2.
الخضر عليه الصلاة السلام : قد كثرت حكايتهم عن لقياه ، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية ، وكذلك الأوراد ، والأذكار والمناقب .

3.
الإلهام : سواء كان من الله تعالى مباشرة ، حيث يعتقدون أن الولي يأخذ العلم مباشرة عن الله تعالى. وهنالك الكشف الحسي عن حقائق الوجود والتلقي عن الأنبياء والمقبورين . وكذلك رؤى المنام عن المولى وهنالك من يتحدث وحدة الوجود ، أما الحديث عن الحلول والتي هي أكثر تعقيداً لأنها تربد العابد بالمعبود على المستوى الروحي وهو أمر يستعصي على غير من يعلمون علوم النفس البشرية أن يُدرك الأطُر التي تُحيط بعمق التفكير الصوفي وتجلياته . ويعتقد كثير من المتصوفة أن بعض الرؤى عصية على العامة ، وتذوق المعاني لا تتجلى إلا لمن حصل على الكشف الإلهي بالتالي فهم وحدهم من يمتلك حق التأويل لهذه الكتب و المقولات .

عندما نقرأ للأستاذ محمود نتلمس ثقة كبيرة فيما يكتُب ، فهو ليس في حاجة لأسانيد تسنُد المقولة أو مصادر التأويل ، بل رفد لفكرة تبلورت والأدلة تأتي دعماً للفكرة إن وُجدت . وتلك كما ذكرنا من قبل الاختلاف بين نهج المباحث الأكاديمية ودقته وبين منهاج الأستاذ ويد التصوف وطولها الاستبطان . فالتأويل عند المتصوفة عالم من عوالم تلعب فيه الخواطر الكثير . فالفكرة الكونية التي تقف وراء الصور والعقيدة هي التي تبحث في مفاتن اللغة وتُمسِك يد التأويل .

وتلك معرفة لا يمكن اكتسابها إلا في أُطر الفكر الإيماني العام الذي يبث الرؤى ، كما أنها تقبل الضبط القياسي بصعوبة إذ أن مقولات المتصوفة، عندما يقرأها من هُم خارجها يرون أنها لغة غير اللغة التي نعرفها ، ودرجة من الاستبطان لمعاني من الصعب تتبُع مراجعها . إذ إن اللغة لدى الأستاذ مثله مثل كثير من المتصوفة في منهاجهم فهي على جانب من عمق المعاني لدرجة أنكَ لا تُدرك في أي عُمق يقف التأويل أو أية درجة من درجات المعاني قد هبطت أو صعدت تلك الكلمات ، والتفسير يبدأ من مصادر قواميس اللغة المعروفة و الاصطلاحات التي تطورت ، ثم يرحل بعيداً في غرائب الاعتقاد ، ودنياه .
ونقطف مما أورد الحبيب ياسر نقلاً من خطاب الأستاذ للأخ عابدين الذي توجه ببعض الأسئلة الشيقة وقد كانت أجوبة الأستاذ محمود مختصرة ولكنها تفتح الطريق للمزيد لنستدل على منهاج الأستاذ :


Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
أم درمان في 8/2/1973
ص ب 1151
عزيزي عابدين : تحية طيبة


المُقتطف :



[ وأما النزاع الذي ينتاب الإنسان فإنما سببه الكلف الشديد بالوصول إلى سر الحياة . الوصول إلى هذه اللذة التي لا تؤوفها آفة النقص – ولا آفة الفناء .. والنزاع إنما هو من معوقات هذا الوصول إلى اللذة .. فأكبر هذه المعوقات إنما هو الجهل بأصل الخير .. قال تعالى :" قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء "
وأما كيف الخلاص منه " فإنما يكون الخلاص بإتباع شريعة الله بإتقان وصدق ، حتى يثمر هذا الإتباع العلم بالله الذي به وحده الخلاص " واتقوا الله ويعلمكم الله "
هذه هي القاعدة الذهبية ، وفي حديث النبي الكريم تفريع على هذه الآية وذلك حيث يقول " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم " وهذا من أجله أخبرتك في صدر كتابي هذا بأن طريق الاستيقان إنما هو بإتباع طريق محمد بإتقان وبوعي .
السؤال الثاني : هل هذا الكون المترامي الأطراف من حركة وسكون ومن خير أو شر إلخ ... هل هو الله ؟ أم هو ماذا وهل يمكن التغلب على الموت الحسي بعد أن استطاع الإنسان أن يتغلب على الكثير من الصعاب والكثير من الأمراض المعضلة ؟
الجواب أن الكون هو الله . هو فعل الله وفعل الله هو مظهره المجسد . فإن الله قد فعل فعله بمقتضى الحكمة فأصبح الكون المحسوس هو تجسيد حكمة الله الخفية .. خلق الله الكون " بالعلم والإرادة والقدرة " فكان عالما بالكون مريدا له وقادرا عليه فكان الكون هو تجسيد العلم ، وعلم الله قديم قائم بذاته وما هو في التناهي إلا الذات .
فليس الكون إلا الله .
وأما هل يمكن التغلب على الموت الحسي ؟ فالجواب نعم وذلك حين يبلغ علمنا بالله مبلغا ننتصر به على الخوف ، فتتوحد ذواتنا حتى لا يكون هناك في بنيتنا معنى ً ناقص يتوجب عليه الموت وإنما نكون أحياء كلنا – حية كل بنيتنا .. إن مصير الإنسان أن يقهر الموت ، ويتحرر من الفناء .. وينعم بالخلود ..]


ونواصل .

Post: #287
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-11-2007, 11:33 AM
Parent: #285

الأخ العزيز عبد الله الشقليني،
تحية لك وللأخ أسامة وجميع متابعي البوست، ولا يزال الوقت المتاح لدي قليل كي أرجع لما وعدت به، ولكن مداختلك هذه أجبرتني أن أكتب بإيجاز وأضع بعض الوصلات..
قولك:


Quote: يقولون عن المتصوفة أنهم يقولون بالكشف ، ويعتمدونه من مصادر المعارف المُكتسبة . ففي التربية بالتعويد على أذكار بعينها مع التأمل في جلسات الصفاء يتم التمهيد لفتح أفق التلقي لدى الذهن .

قرأت للإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" الموجود في الشبكة الكثير عن علم المكاشفة أقتطف منه الآتي:

Quote: فاعلم انه قسمان‏:‏ علم مكاشفة وعلم معاملة فالقسم الاول علم المكاشفة وهو علم الباطن وذلك غاية العلوم فقد قال بعض العارفين‏:‏ من لم يكن له نصيب من هذا العلم اخاف عليه سوء الخاتمة وادنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لاهله‏.‏

وقال اخر‏:‏ من كان فيه خصلتان لم يفتح له بشيء من هذا العلم‏:‏ بدعة او كبر‏.‏

وقيل‏:‏ من كان محباً للدنيا او مصراً على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم واقل عقوبة من ينكره انه لا يذوق منه شيئاً وينشد على قوله‏:‏ وهو علم الصديقين والمقربين اعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف من ذلك النور امور كثيرة كان يسمع من قبل اسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة فتتضح اذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات وبافعاله وبحكمة في خلق الدنيا والاخرة ووجه ترتيبه للاخرة على الدنيا والمعرفة بمعنى النبوة والنبي ومعنى الوحي ومعنى الشيطان ومعنى لفظ الملائكة والشياطين للانسان وكيفية ظهور الملك للانبياء وكيفية وصول الوحي اليهم والمعرفة بملكوت السموات والارض ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه ومعرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومعرفة الاخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب ومعنى قوله تعالى ‏"‏ اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ‏"‏ ومعنى قوله تعالى ‏"‏ وان الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ‏"‏ ومعنى لقاء الله عز وجل والنظر الى وجهه الكريم ومعنى القرب منه والنزول في جواره ومعنى حصول السعادة بمرافقة الملا الاعلى ومقارنة الملائكة والنبيين ومعنى تفاوت درجات اهل الجنان حتى يرى بعضهم البعض كما يرى الوكب الدري في جوف السماء الى غير ذلك مما يطول تفصيله اذ للناس في معاني هذه الامور بعد التصديق باصولها مقامات شتى فبعضه يرى ان جميع ذلك امثلة وان الذي اعده الله لعباده الصالحين ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وانه ليس مع الخلق من الجنة الا الصفات والاسماء‏.‏

المصدر:
http://www.al-eman.com/IslamLib/viewchp.asp?BID=383&CID=2&SW
وقد كتب الأستاذ في كتاب "أسئلة وأجوبة" الجزء الأول عن الكشف هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=19&chapter_id=7
وفي كتاب "من دقائق حقائق الدين" هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=79&chapter_id=5
والصفحة التي تليها..
وقد توقفت عند قول الأستاذ من خطابه إلى الشيخ أبو زيد محمد الأمين الجعلي والذي نشر في الكتاب:


Quote: وأبادر فأطمئنك على أمرين هامين: أولهما أني لم أضع ميزان الشرع من يدي .. وثانيهما أني لم أبن شيئا من أمري على كشف يخالف ظاهر النص .


وموضوع الروح هو من المسائل المهمة جدا وقد وضعت بعض المقتطفات والوصلات مثل هذه الوصلة والصفحة التي تليها من خطاب الأستاذ إلى أحد السائلين:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=22&chapter_id=6
وقد جاء في ختام الخطاب قول الأستاذ:

Quote: ولا بد من ختام هذا الجواب بعد أن طال ، وإن كنت أريد أن أحدثك عن الموت ، وعن البرزخ .. ولكن ذلك مما يزيد في طول هذا الجواب فيجعله مملاً ، إن كان قد أبقى من الإملال شيئاً ..
وختاماً أرجو الله أن يعلمنا ، ويعلمك وأن ينفع بعلمنا ، وبعلمك ..

وقد عاد الأستاذ وكتب في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" المزيد عن هذه المسائل.. وكما قرأنا في خطابه للأخ عابدين فهو يؤكد ما تعارف الناس على تسميته بـ "تناسخ الأرواح" وهو ما يسميه الهندوس بـ Reincarnation
ويسميه البوذيون بإعادة الميلاد..
ربما توضح هذه الصورة التي جاءت ف غلاف كتاب مترجم إلى اللغة الألمانية عنوانه "في وجه الموت: سر تناسخ الأرواح"..





وهذه ترجمة ما جاء في الفقرة العليا من الصورة الثانية للغلاف الخارجي للكتاب:
Quote: الموت سيأتي حتما.. ولكن يبقى السؤال: هل ينتصر عليَّ أو أنتصر عليه؟؟ ما الذي ينتظرني بعد نهاية الحياة؟ ولماذا هناك تناسخ أرواح؟ ما هو القانون الأزلي، الذي لا بد منه، والذي يقرر حول الموت وإعادة الميلاد..


سأحاول أن أضع بعض الآيات والأحاديث التي تدعم فكرة "قيامة الأموات" أو "تناسخ الأرواح".. أو "مسخها" أو إحالتها إلى تراب قال تعالى:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) البقرة
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ (11) غافر

بعض الأرواح يتم بعثها في أجساد بشرية أخرى :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)

أو حتى في أجساد حيوانات:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47) النساء
والمعروف أن أصحاب السبت قد مُسخوا قرودا وهي بمثابة ردَّة في سلم التطور "فنردها على أدبارها":
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) البقرة.
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) المائدة

فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)

الحديث النبوي: "من مات فقد قامت قيامته".. وهذا يعني فيما يعني بعث روحه إلى نعيم أو إلى جحيم.. وهناك حديث آخر:

قال ابن مسعود رضي الله عنه : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد . فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها . رواه البخاري ومسلم .
وهذه آيات أخرى:

وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) سورة هود..


وسأظل مرابطا قريبا من البوست.. وشكرا
ياسر






Post: #286
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-11-2007, 07:35 AM
Parent: #1







في معرض الحديث عن المتصوفة :


هنا مرقد ومسجد الشيخ عبدالقادر الجيلاني في بغداد ، صورة قبل ما يحدث الآن هناك .
وأتباعه كانوا من مؤسسي الطريقة القادرية عندنا في السودان

Post: #288
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-11-2007, 06:55 PM
Parent: #1

التحية مُجدداً للأحباء الكتاب :

أسامة
ياسر

وسرني حبيبنا ياسر ذاك الدفق
ونواصل

Post: #289
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-11-2007, 07:00 PM
Parent: #1




محمود محمد طه : وهج يخطو ورسالة تستنطق الصخر ( 1)


فتحنا عُلب الذاكرة :

على العشب الذي يُغطي الأرض وأنت تنظُر الأفق :
للأخضر حزماً من الألوان وللمكان فُسحة تُسابق الريح فيها الخيل . وجدناه هناك يمشي بخُطى الرُسل ومؤسسي الديانات القديمة . في محبسه القديم جلس إلى الصفاء وصادق نفسه وتصالح مع دُنياه ثم خرج خُروجاً بيِّناً .

من يقرأ له ، أسفاره أو أقواله ، يعلم أن وراء ( محمود ) رؤيا ، كأنها تركب سرج سابحٍ له أجنحة ضاربة عرض السماء بذيل طاووس . سار بين أسفار العقيدة قرأ من الماضي واستبطن الجوار المحمدي ، ومسَّت بصيرته الصورة النبوية الباهرة ثم صعقه الحُلم .
كانت أردية النبوءة أثقل على لباس المُريدين ولم تزل . تخاطر حاضره من مورد الماضي . استقى من البِرَك التي لا تنضب . جلس لمولاه الذي زين له الكون جُرعة محبة و بصفاء هبطت الرؤيا :
جوهراً ، جسداً وروحاً .

ما بين حناياه أكبر من أن يُخفى حتى تيسر لنا أن يستكتبه مولاه فكتب .


Post: #290
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-12-2007, 06:39 AM
Parent: #1



محمود محمد طه : وهج يخطو ورسالة تستنطق الصخر ( 2)


أيهم أطول خطواً :

من تغرد بمدح النبي أم من سار على نهجه ؟

تتبع (محمود ) سيرة المصطفى ، قرأ وتتبع الأقوال والأفعال . استبطن من المُعلم ذاك عال المقام كيف يُميز بين نهجه في تدريس أهل زمانه ، ونهجه الذي ينفلت من عصره إلى مُقبِل الأيام وفتوحات المُستقبل . قرأ وصلى وترقى في صلاته لتأتيه النفحات المُباركة وتتساقط عليه كسفاً في اليقظة وفي المنام . كان المحبس الجبري عندما بدأ ، ثم كان محبسه الذي اختاره لنفسه منذ منتصف القرن الذي رحل .

بدأت الصلاة عنده من أولها : تتوضأ وتقف وتقرأ وتركع وتسجد ... فالطريق الذي يوصل يبدأ من هُنا ثم صعودا .

استبطن من المنقول عن النبي خيطاً يميز به خطاب النبوءة في عصرها حين مد التسامُح طوفانه وما استطاعت الدُنيا حينئذ أن تكون بقدر ذاك التسامُح ، فرأى ( محمود ) أنها نُسِخَت لأنها أرفع مكانة وتستأهل الإنسانية القادمة .

جلس هو جلوس الصفاء وهصر بدنه حتى تتخفف الحُجب الغليظة ويقرأ ما وراء الخطاب ، فالعامة عنده يقرءون على عجل ، والعلماء أغلبهم نقلة تجارب الماضي وحَفَظة نصوص . لم تُسعفهم مكانتهم العالية في اللغة ودراسة علوم الدين أن يستبطنوا المآل من الخطاب الكثيف إلا من رأى منهم الشمس بازغة ، وهم قلة . لمسوا خيوط محبة المصطفى ونسجوا نسيجاً باهراً ، وقرءوا الذكر بعد أن تبينوا معانيه وانتهجوا النهج من أول السلم وصعدوا . بعضهم كتب في التجليات النورانية التي لا توافق ظاهر الشرائع التي ترى الرسالة واحدة : نُسخت فيها آيات الإسماح وإلى الأبد .

قرأ العابد وجلس جلوس الصفاء فتفتحت قرائحه إلى كيف تصلون وما شريعة الأحوال الشخصية وما مكانة المرأة وما جهاد السيف . حفر الذهن ومدَّ بصيرته لرؤى تقف في وجه التقليد ، وتكشف الحُجب التي كان يتعين على أمثاله أن يكتبوها للناس ، فهو رسول من رسل القراءة التي تُعيد للعقيدة تسامحها الذي رأى أن المولى قد اختارها لعباده درجة ثم أخرى إلى يوم يُصبح الفتح أعظم والإنسان سيد بعلمه لا بسيفه .

أيقرأ القرآن ويتلقى رسالته من النص ؟






Post: #291
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-12-2007, 05:46 PM
Parent: #1



لمحة من منهاج المتصوفة ومقارنته بمنهاج الأستاذ محمود (2)



حول التلقي عن القرآن في مرحلة الترقي العُليا .
نقطف من خاتمة سفر( الرسالة الثانية من الإسلام ) الآتي :

خاتمة:

أما بعد فان فيصل القول في أمر الرسالة الأولى، والرسالة الثانية، هو أن للدين شكلا هرميا قمته عند الله، حيث لا عند، وقاعدته عند الناس.. (( إن الدين عند الله الإسلام))، ولقد تنزلت هذه القاعدة من تلك القمة.. تنزلت إلى واقع الناس، وحاجتهم وطاقتهم البشرية، والمادية، فكانت الشريعة.. وستظل قمة هرم الإسلام فوق مستوى التحقيق، في الأبد، وفي ما بعد الأبد، وسيظل الأفراد يتطورون في فهم الدين، كلما علموا المزيد من آيات الآفاق، وآيات النفوس. والله تبارك وتعالى يقول (( سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)) ويقول (( ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء)) وهو تبارك وتعالى يشاء لنا الزيادة من علمه كل لحظة، وفي ذلك يقول (( كل يوم هو في شأن)) وما شأنه إلا إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه.. وهو تبارك وتعالى يعلمنا في ذلك فيقول (( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى اليك وحيه، وقل رب زدني علما)) وما الزيادة في العلم إلا ترق من قاعدة الهرم نحو قمته في تطور مستمر.. وحين يتطور الإنسان بفهم الدين، في فهم الدين، يطور شريعته، تبعا لحاجته ولطاقته، من القاعدة الغليظة إلى قاعدة أقل غلظة..
فالأفراد يتطورون في فهم الدين فيدخلون في مراتب الشرائع الفردية، والمجتمعات تتطور، تبعا لتطور الأفراد، فترتفع شرائعها من قاعدة غليظة إلى قاعدة أقل غلظة.. وذلك صعدا في سلم هرم قاعدته شريعة الرسالة الأولى..

فإذا كانت قمة هرم الدين، فيما يختص بالمال، هي آية (( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو)) فان قاعدته هي آية (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم، وتزكيهم بها، وصل عليهم، إن صلاتك سكن لهم، والله سميع عليم))، وعليها قامت شريعة الرسالة الأولى في الزكاة ذات المقادير، وجعلت شريعة في المال، وركنا في العبادة، وذلك لأن الناس لم يكونوا يطيقون أفضل منها، وترك أمر تحقيق قمة الهرم للأفراد، كل حسب طاقته، وورد الترغيب في التسامي في قول المعصوم حين قال (( في المال حق غير الزكاة)) وورد في قوله تعالى حين قال (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)) وذلك لأن شريعته هو في المال، وركنه في العبادة، هو أقرب إلى القمة..

وإذا كانت قمة هرم الدين، فيما يختص بالسياسة، هي آيتا (( فذكر إنما أنت مذكر  لست عليهم بمسيطر)) فإن قريبا من قاعدته آية الشورى (( فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين)) وقاعدته على الإطلاق هي آية السيف (( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم)).


انتهى النص المنقول .

نعود لنقف نحن عند اكتمال الشروط التعبدية التي تجعل الفرد قد وصل مقام التلقي عن المولى عند قراءته الذكر الحكيم :
نعلم أن الذكر الحكيم به وفق رؤى ( الأستاذ محمود ) رسالة أولى ورسالة ثانية .

وفي الرسالة الأولى ( قمة هرم الدين، فيما يختص بالسياسة ):

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159

وفي الرسالة الثانية ( قاعدة هرم الدين، فيما يختص بالسياسة ) :

{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة 5


فينهض السؤال عند التلقي عن النص القرآني مباشرة في مراحل الترقي :

أيكون التلقي بكافة أحمال آياته بقواعد الرسالة الأولى وقمم الرسالة الثانية ؟

ثم نواصل


Post: #292
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-13-2007, 07:26 AM
Parent: #291


شكرا الشقليني على هذا الفيض.
ودعني اواصل ما بدأت به حول الجندر في خطاب الاستاذ محمود محمد طه.
***
*عن الجندر:
قلنا ان استشهاد بولا بذكورية خطاب الاستاذ لم يحالفه التوفيق،رغم ان خطاب الاستاذ مع ثوريته كما اشار بولا بحق،يمتلئ باشارات ذكورية كثيرة،وسنشير الى بعض منها.وموضوع ذكورية او انوثة الخطاب يحتاج الى وقفة أكثر تمهلا وفحصا.تتبقى لبولا فضيلة الاشارة الى هذا المبحث الهام.
******
في كثير من امثلة الاستاذ حول تطور الحياة البشرية،يشير الى الرجل ،ولا يشير الى المرأة.

ففي كتاب:
ه "مشكلة الشرق الأوسط"
يتحدث عن مرحلة الرجولة والتي ترمز الى التطور الكامل للحياة الانسانية:

Quote: والانسان كحيوان مفكر هو أيضا حيوان كسول في ذلك، فهو لا يريد أن يفكر، وهو ان فكّر انما يجعل فكره خادما لهوى نفسه، ومن ثمّ يجئ التواء تفكيره.. وأندر شئ في الوجود التفكير المستقيم، ذلك بأنّ التفكير المستقيم لا يتبع هوى النفس وانما يحمل هوى النفس على اتباعه، وهو بذلك التزام يطلب مظهره في وحدة القول، ووحدة العمل، وتلك مسئولية لا ينهض بأعبائها غير الرجال، والناس، كل الناس، لا يريدون أن يكونوا رجالا، فهم قد طاب لهم التقلب في مهاد الطفولة، ولن يدرجوا منها الى مناشط الرجولة تحت حوافز أقلّ الحاحا من حوافز التحدي التي تواجههم بها هذه البيئة الكوكبية الجديدة.


ثم يقول عن الرجولة:
Quote: ومفترق الطرق الذي قلنا أنّ البشرية تقف عنده اليوم، انما هو مفترق طريقين، ان أردت الدقّة... هما طريقا الرجولة والطفولة، فان أصرّت البشرية الحاضرة على التشبث بطفولتها فان منطق البيئة الكوكبية الموحّدة الحاضرة سيلفظها، وسيجئ لفظه اياها في صورة انقراضها لتخلى مكانها لفصيلة جديدة تنهض بالتزامات البيئة الجديدة، وان شبت البشرية الحاضرة عن طفولتها، ودرجت في مدارج رجولتها، فانها تكون قد أصبحت فصيلة جديدة يهديها اللّه سبل السلام بسلامة قلوبها وصفاء عقولها – برجولتها.


ثم يقول عن ضروة ارتفاع الناس الى منازل الرجولة المسئولة يقول:
Quote: وعندنا ان وقت التدليس، وتمويه الحقائق، وتمليق الشـعور، ودغـدغة العواطف النواضب، قد ولّى الى غير رجعة، وان على الناس ان يرتفعوا الى منازل الرجولة المسئولة التي تقوى على مواجهة المسئولية في عزيمة الأحرار.


في الرسالة الثانية من الاسلام يتحدث عن النضج أي عهد الرجولة البشرية:
Quote: فإذا كانت البشرية ، في مدى أربعة عشر قرنا قد قطعت أرضا شاسعة نحو النضج ، وأصبحت تستقبل عهد الرجولة ، وتستدبر عهد الطفولة .. وأصبحت ، بفضل الله ، ثم بفضل هذا النضج ، تطيق ، ماديا وفكريا ، الاشتراكية والديمقراطية ، فقد وجب أن تبشر بالإسلام على مستواهما ، وهذا يعني الارتفاع من قاعدة شريعة الرسالة الأولى الغليظة إلى قاعدة أقل غلظة ، ترتفع هونا ما نحو القمة ، وستظل القمة دائما في منطقة الفرديات ..


ثم يقول في كتابه:
قل هذه سبيلي:المرأة
متحدثا عن الرجولة المرتقبة في اشارة الى اليوتوبيا القادمة:
Quote: ليس السفور غاية فى ذاته وانما الغاية الحرية وهى حق طبيعى مقدس للرجال والنساء على السواء وللحرية ثمن وهو حسن التصرف فيها وتحمل المسئولية عنها ، ولن تشب الانسانية من الطفولة الحاضرة الى الرجولة المرتقبة الا بتحمل تبعات حرية التصرف ، وللمرأة السافرة ، الحسنة التصرف فى الحرية الواسعة التى لديها افضل واكمل من المرأة المتحجبة الحسنة التصرف فى الحرية الضيقة التى لديها


ثم يقول في كتابه:
أسس دستور السودان
متحدثا عن العلاقة الوثيقة بين النضج الانساني متمثلا في الرجولة ،متجاهلا الانوثة:
Quote: اننا نحن نعتقد ان الانسانية اليوم تعاني القلق والاضطراب الذي يصحب فترة المراهقة وأنها لن تلبث أن تخلف عهد الطفولة والنقص وتستقبل عهد الرجولة والنضج ، ولن تحتاج في غدها القريب الدين ، علي نحو ما احتاجته في ماضيها ، يقوم علي الغموض ويفرض الاذعان وانما تحتاجه يقوم علي الوضوح ، ويقدم اسلوبا للحياة وفق قانون الطبيعة ، ولذلك فانا نري ان تشريع العبادة في الاسلام ، بما يحقق هذا الغرض ، ستهوي اليه أفئدة الانسانية. والآن ، وبعد هذه المقدمة الطويلة ، التي بينا فيها رأينا في القانون ، وفي الدستور ، مما تتقيد به هيئتنا التشريعية ، نحب ان نتحدث حديثا مباشرا عنها.


ثم يقول في كتابه :
الاسلام وانسانية القرن العشرين
عن استقبال المجتمع البشري لمرحلة الرجولة،في اشارة الى البعث الاسلامي القادم عبر الرسالة الثانية:
Quote: .. ونحن نقول دائما: أن الإنسانية، في المرحلة الحاضرة، قد أخذت تستقبل عهد رجولتها.. ذلك بأن المجتمع البشري، كالفرد البشري، يمر بمراحل.. فإنه يكون جنينا في الرحم، ثم يولد، ثم ينشأ في الأطوار المختلفة من أطوار النمو، إلى أن يبلغ مرتبة الرجولة.


ثم يقول في كتابه:
الدعوة الاسلامية الجديدة
عن مقام الرجولة:
Quote: دا هو مقام الرجولة.. الرجل يعمل ويتحمل مسئولية عمله.. الطفل لا يستطيع أن يتحمل مسئولية عمله.. ولذلك هو عايز وصي عليه ليكون هذا الوصي حاجزا بينه وبين المسئولية الكبيرة.. الفرق بين الطفولة والرجولة هي أن الرجل يتحمل مسئولية عمله، والطفل يتهرب من مسئولية عمله فوجب أن يكون عليه وصي ليكون حاجزا بينه وبين المسئولية الكبيرة، لأنه لا يستطيعها.

وفي :
الدين و التنمية الاجتماعية
يتحدث عن الرجل الديني والرجل العملي ،بدون الاشارة الى المرأة الدينية والمرأة العملية:
Quote: فكر الرجل الديني ، وفكر الرجل العملي ، ليتسق ، و يتخلص من التناقض ، يجب أن يأخذ حظاً كبيراً من الجدية ، ومن الفهم ، ومن الدقة في العبارة ، ومن ترك التعميمات التي يمكن أن تسوقنا إلى طريق مقفول ..


ويتحدث عن انحطاط المجتمع ،مشيرا الى الرجل ،ولا يشير الى المراة،رغم انها صانعة الرجال ،في تعبير آخر له.
يقول في :
الكتاب الاول من سلسلة رسائل ومقالات:
Quote: وكما انحط الرجل المسلم من مقامه الأول إلى مقام اليوم، إنحطت الحكومات الدينية من مقامها الأول إلى مقامها اليوم، ولنفس السبب، وهو أنها ليست من الدين في شيء، قليل أو كثير..

ثم يقول في كتابه:
الله نور السموات والارض:
متحدثاعن المراة باعتبارها ادنى من الرجل في تنزلات الله:
Quote: والله، من صرافة ذاته، تنزل لخلقه ليعرفوه في ثلاثة منازل، أو قل ثلاث مراتب: مرتبة الإسم، ومرتبة الصفات، ومرتبة الأفعال .. وبالأفعال برزت السموات والأرض، ومن فيهن، إلى حيز المحسوس – فمرتبة الإسم مرتبة الإنسان الكامل .. ومرتبة الصفة مرتبة الإنسانة الكاملة، ومرتبة الفعل مرتبة الوجود الخارجي المحسوس .. فالوجود المحسوس صورة خارجية، لصورة داخلية، في النفس البشرية .. وهذه الصورة الداخلية هي، في المرأة، كما هي، في الرجل .. ولكنها، في المرأة، موجودة على صورة أكثر سذاجة منها، في الرجل، وبذلك فهي أقرب إلى (الصرافة) التي تنزلت منها (الذات) إلى مرتبة (الإسم) – مرتبة الإنسان الكامل – ومن ههنا جاء تغني الصوفية بسلمى، وليلى، ولبنى، وهم بذلك إنما يريدون إلى الكناية عن الذات الإلهية ..


ويقول في حديث طويل ، عن تعريف الثقافة تتكرر فيه كلمة الرجل كثيرا،
في كتابه:
الثورة الثقافية
Quote: فكلمة "الثقافة" في اللغة العربية كلمة طيبة جداً ، ذلك بأنها تشير إلى التقويم ، و التهذيب .. و هذا أمر يشير إلى الأخلاق .. فلكأن "الثقافة" في اللغة العربية هي "الثقافة" في الدين الإسلامي ، "التقويم" و "التهذيب" ، فإنه ، في الإسلام ، قد قال المعصوم: "الدين المعاملة" و قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .. و مكارم الأخلاق هي: حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة .. و الحرية الفردية المطلقة هي حظ الرجل ، ذي الفكر الثائر .. الرجل الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ، و يعمل كما يقول .. ثم يتحمل مسئولية قوله و عمله ، و فق قانون دستوري .. و قد أسلفنا تعريف القانون الدستوري .. و حسن التصرف في الحرية ، إذا كانت في قاعدتها ـ الحرية المقيدة بالقانون ـ أو في قمتها ـ الحرية المقيدة بالأخلاق ـ لا يتأتى إلا إذا تهذب الداخل ، و استقام ، فسلم القلب من مذام الأخلاق ، و صفا العقل من أوضار الأباطيل ، و الخرافات .. هذه هي الثقافة .. سلامة القلب ، و صفاء الفكر .. و إنما يتم ذلك بتثقيف الباطن .. و من الممتع حقاً أن نلاحظ أن القامة البشرية تشبه صعدة الرمح ـ قناة الرمح ـ هي تشبهها في ظاهرها ، و في باطنها ـ في ظاهرها "الجسم" و في باطنها "النفس" و لذلك فإن العرب تقول: فلان صلب القناة ، يريدون أنه صعب المراس ، قوي الشكيمة ، شديد الأسر ..
الرجال عندنا ثلاثة: الرجل الذي لا يقول ، و لا يعمل ، لأنه يخاف من مسئولية قوله ، وعمله ، و هذا هو العبد .. والرجل الذي يحب أن يقول ، و أن يعمل ، و لكنه يحاول أن يهرب تحت الظلام ، فلايواجه مسئولية قوله ، ولا عمله .. و هذا هو الفوضوي .. و الرجل الذي يحب أن يفكر ، و أن يقول ، و أن يعمل ، و هو مستعد دائماً لتحمل مسئولية قوله ، و عمله .. و هذا هو الرجل الحر .. و الرجل الحر هو الثمرة الطيبة للثورة الفكرية ، و للثورة الثقافية .. و هو الإبن الشرعي للمجتمع الكامل .. و مع ذلك فإن المجتمع إنما هو من صنع الرجال

وفي حديث له عن توحيد القوى البشرية،
يقول في كتابه :
القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى
مستشهدا بالرجل ،ومتجاهلا المرأة ،في حديث له عن توحيد القوى في البنية البشرية:
Quote: وآية توحيد القوى المودعة في البنية البشرية أن يفكر الرجل كما يريد، وأن يقول كما يفكر، وأن يعمل كما يقول . ثم لا تكون عاقبة قوله، ولا عمله إلا خيرا، وبرا، بالأحياء، والأشياء

و في كلامه عن الشريعة والحقيقة ،
يستشهد الاستاذ بالرجل ،ولا يستشهد بالمرأة،
حين يقول في كتابه:
Quote: القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى
أن يكون الرجل صاحب شريعة، وصاحب حقيقة، في آن معا، من غير تخليط في ذلك، فهو يعامل الخلق بالشريعة، ويعامل الحق بالحقيقة


وفي نهاية محاضرة "لا إله الا الله"،
يقول حول توحيد النفس البشرية و المدخل الى ذلك المنهج ،
ضاربا المثل بالرجل ،ولم يشر الى المرأة:
Quote: أن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ، ويعمل كما يقول ، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا ، وبرا ، واخلاصا ، وسلاما ، مع الناس ..


وفي حديث له عن علاقة الاشتراكية بالقانون والضمير،
يقول في كتابه:
الدستور الإسلامى؟ نعم .. ولا !!

عن الرجل ،وليس المرأة كمثال لمن استغنى عن القانون:
Quote: فمن استغنى عن القانون بفضل تربيته فذلك هو الرجل الحر ، ومن احتاج لتطبيق القانون عليه طبق عليه ، كوسيلة لإعانته على التربية ، وليس كوسيلة للردع فقط ..


وفي كلامه عن الموقف من الحكومة ،في كتابه :
الحزب الجمهورى على حوادث الساعة
يضرب مثلا بالرجل،ويتجاهل المرأة:
Quote: إن الرجل الذكي لا يملك الا أن يأسي لموقف الحكومة بإزاء الحوادث الحاضرة،

وفي كتاب تطوير شريعة الاحوال الشخصية يتحدث عن ان المرأة متنزلة من الانسان الكامل الي الرجل،
وفي هذا اشارة الى انها ادنى من الرجل باعتبارها منفعلة و ليست فاعلة ،
هل في مسالة الفعل و الانفعال لنا الحق في تذكر ابن عربي،
يقول عن المراة باعتبارها زوج الانسان الكامل:
Quote: والإنسان الكامل هو أول قابل لتجليات أنوار الذات القديمة - الذات الإلهية- وهو، من ثم، زوجها.. وإنما كان الإنسان الكامل زوج الله لأنه إنما هو في مقام العبودية.. ومقام العبودية مقام انفعال، في حين أن مقام الربوبية مقام فعل.. فالرب فاعل، والعبد منفعل.. ثم تنزلت من الإنسان الكامل زوجته.. فكان مقامها منه، مقامه، هو، من الذات.. فهي منفعلة، وهو فاعل.. وهذا هو، في الحقيقة، مستوى العلاقة ((الجنسية)) بين الرجل والمرأة..


وفي قل هذه سبيلي يتحدث عن ان المراة هي صانعة الرجال ،ولا يتحدث عن صناعة النساء!:
Quote: اشرف مهنة في المجتمع مهنة الأمومة لأنها تصنع الرجال وقد تفردت بها المرأة فينبغى أن تلقى من المجتمع البر والكرامة ليجئ أبناؤها إبرارا كراما.


و من الاشارات الكبيرة لذكورية خطاب الاستاذ ما قال به في :
السفر الأول:
Quote: لقد كانت (الفكرة الجمهورية) إسلامية منذ يومها الأول .. و لقد كانت ، في ذلك ، واعية ، متحررة .. ها هو (السفر الأول) يتحدث عنها (نحن اليوم بسبيل حركة وطنية تسير بالبلاد ، في شحوب أصيل حياة العالم ، هذه المدبرة ، إلى فجر حياة جديد ، على هدى من الدين الإسلامي ، و برشد من الفحولة العربية ، و بسبب من التكوين الشرقي.


في :
قل هذه سبيلي :المرأة
يتحدث الاستاذ عن سخف التفضيل بين الرجل والمرأة:
Quote: المرأة غير الرجل ولكنه ليس افضل منها لمجرد كونه رجلا وانما لكل منهما فضائله وهما فى زحمة الحياة متممان لبعضهما البعض حتى انه ليصح ان يقال ان الوحدة الاجتماعية ليست الفرد من رجل او امرأة وانما هى الزوج من رجل وامرأة وكونهما متممين لبعضهما البعض يجعل التكئة على التفضيل بينهما عبثا سخيفا


لكنه يعود للقول بفكرته المركزية أي دعوته الى اكمال نقص الذكورة والانوثة قائلا في نفس الكتاب المشار اليه سالفا:
Quote: وانما العبرة بان ينمى كل منهما فضائله التى اشرجت فى تكوينه حتى يخدم مجموعته فى ميدانه الذى قد خلق وهو مستعد له استعدادا فطريا وحتى يحقق كل منهما انسانيته بالصدق مع نفسه لا يتكلف ما ليس من طبعه اصالة.


ويستمر في دعوته الى تطوير الانوثة والذكورة حتي تتجاوزا نقصهما ،قائلا في:
قل هذه سبيلي :المراة:
Quote: اذا كان للمرأة حقوق فان عليها واجبات ما ينبغى لها ان تتخلف عن الاضطلاع بها ، لانها ثمن حقوقها . واول هذه الواجبات ان تعلم انها ليست رجلا بل ليست مزيتها فى ان تكون رجلا وانما مزيتها فى ان تكون انثى كاملة الانوثة ، كما ان مزية الرجل فى ان يكون رجلا كامل الرجولة ، فاذا استيقنت المرأة من هذا فانها ستخلق الجو الذى تلتقى فيه وتترعرع فضائل الرجولة الكاملة والانوثة الكاملة: الحب والجمال والرحمة والتسامح ، والعدل ، والشجاعة والعفة والمروءة.


وفي اطار الاشارة الى الفضائل لم يحدد ما هي الفضائل الانثوية وما هي الفضائل الذكورية.

وفي كتابه تطوير شريعة الأحوال الشخصية يقول متحدثا عن اهمية بروز المراة كاملة الانوثة،و الرجل كامل الرجولة،ولا يحدد كيفية ذلك ،وانما يبشر بان ذلك سيتحقق عندما تنتصر الرسالة الثانية القائمة على اصول القرآن لا فروعه:

Quote: أليست نفس أحدنا امرأة؟؟ بلى!! فإن أحـدنا، من رجل أو امرأة، إنما هو نتاج مشترك للقاء الذكر بالأنثى.. ففي كل رجل حظ من الأنوثة.. وفي كل امرأة حظ من الذكورة.. والسعي في مراتب الكمال، للرجل أن يتخلص من هذا الخلط المشوش، حتى يكون كامل الرجولة.. وللمرأة أن تتخلص من هذا الخلط المشوش، أيضا، حتى تكون كاملة الأنوثة.. فإن الرجـل، كامل الرجـولة لم يجئ بعـد.. والمرأة كاملة الأنوثة لم تجئ بعـد.. وإنما هما مقبلان، على التحقيق، وذلك بفضل الله، و ((الله ذو الفضل العظيم)).. إننا نحن الآن نعاشر نقص بعضنا بعضا.. فالنساء يعايشن، ويعاشرن نقص رجالهـن.. والرجال يعايشون، ويعاشرون نقص نسائهم.. حتى إنه لحـق أن المباشرة الجنسية بين الرجـل وزوجته إنما هي مؤوفة بالنقص لأنها إنما هي، في المرحلة الحاضرة من مراحل نمونا، التقاء بين نقصنا، نحن الرجال، ونقـص نسائنا.. فلكأننا نباشر الرجال في النساء، من دون النساء، وإلى هـذا، وفي هذا المستوى، اللطيـف، الدقيـق، تشير الآية، في حـق قوم لوط: ((أإنكم لتأتون الرجال، شهوة، من دون النساء.. بل أنتم قوم تجهلون)) فلكأننا، في هذه المرحلة من نمونا، وتطورنا، نحو الكمال المرتقب، حين نعاشر زوجاتنا، الفضليات المعاشرة الجنسية، النظيفة، الانسانية، الرفيعة، إنما يعاشر نقصنا نقصهن.. وهذا هو السبب في قلـة السعـادة الزوجية الحاضرة، حتى أن كل الزيجات، بعد الأيام القلائل الأولى، التي تسمى، بالتعبير العصري، ((شهر العسل)) لا تكاد تقوم إلا على المجاملة، والاحتمال، والعرض.. لا الحب.. والعامة عندنا تقول: ((الـزواج أوله رغبة وآخـره عرض)) وقد يظن بعض الناس أن ما يقتل الحب بين الزوجين إنما هو مشاكل الحياة المادية، ومسئولية الكسب، والإعالة، وتدبيـر المعاش للأسـرة.. والحق أن هذا نتيجة، وليس سببا، وإنما السبب هو التنافر الذي ينشأ عندما يلتقي نقص الرجال، بنقص النساء.. وما هذا النقص إلا الانقسام الداخلي، والتشويش الداخلي، الناشئ من قصورنا المباشر.. ذلك القصور الذي سببه التقاء الأنوثة والذكـورة في أبوينا، فجاءت المرأة خليطا من الأنوثـة والذكـورة، ولكن حظ الأنوثة فيها أكبـر.. وجاء الرجل خليطا من الذكـورة والأنوثـة ولكن حظ الذكـورة فيه أكبر من حظ الأنوثـة.. فلا الأنثى أنثى كاملة.. ولا الذكر ذكر كامل.. وإنما قيمة التوحيد - كلمة ((لا إله إلا الله))، لنا أن تحقق لنا هذه التصفية، والتنقيـة، فتتم وحدتنا في بنيتنا بأن يجيء الرجل كامل الرجـولة.. وتجيء المرأة كاملة الأنوثـة – هذا هو كمـال الرجال وكمـال النساء – الرجل كامل الرجولة، والمرأة كاملة الأنوثة - فإذا جاء هذا الطور من أطوار نمونا فإن السعادة تتحقق بالزواج بصورة هي ((ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)).. وهذا الطور ينتظرنا وسبيلنا إليه هـو القرآن.. على أن يقوم تشريعنا الجماعي، والفردي، على أصوله لا على فروعـه..

و الله أعلم.
المشاء

Post: #293
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-13-2007, 08:49 AM
Parent: #292

تحدثنا قبل ذلك عن ضرورة تحرير خطاب الاستاذ.
كنا قد اوردنا في مداخلتنا السابقة ،استشهادا، من كتاب :
الكتاب الثاني من سلسلة رسائل ومقالات كالآتي:
Quote: والله، من صرافة ذاته، تنزل لخلقه ليعرفوه في ثلاثة منازل، أو قل ثلاث مراتب: مرتبة الإسم، ومرتبة الصفات، ومرتبة الأفعال.. وبالأفعال برزت السموات والأرض، ومن فيهن، إلى حيز المحسوس – فمرتبة الإسم مرتبة الإنسان الكامل.. ومرتبة الصفة مرتبة الإنسانة الكاملة، ومرتبة الفعل مرتبة الوجود الخارجي المحسوس.. فالوجود المحسوس صورة خارجية، لصورة داخلية، في النفس البشرية.. وهذه الصورة الداخلية هي، في المرأة، كما هي، في الرجل.. ولكنها، في المرأة، موجودة على صورة أكثر سذاجة منها، في الرجل، وبذلك فهي أقرب إلى (الصرافة) التي تنزلت منها (الذات) إلى مرتبة (الإسم) – مرتبة الإنسان الكامل – ومن ههنا جاء تغني الصوفية بسلمى، وليلى، ولبنى، وهم بذلك إنما يريدون إلى الكناية عن الذات الإلهية..

ويورد نفس الكلام في كتابه:
الله نور السموات والأرض:
Quote: والله، من صرافة ذاته، تنزل لخلقه ليعرفوه في ثلاثة منازل، أو قل ثلاث مراتب: مرتبة الإسم، ومرتبة الصفات، ومرتبة الأفعال .. وبالأفعال برزت السموات والأرض، ومن فيهن، إلى حيز المحسوس – فمرتبة الإسم مرتبة الإنسان الكامل .. ومرتبة الصفة مرتبة الإنسانة الكاملة، ومرتبة الفعل مرتبة الوجود الخارجي المحسوس .. فالوجود المحسوس صورة خارجية، لصورة داخلية، في النفس البشرية .. وهذه الصورة الداخلية هي، في المرأة، كما هي، في الرجل .. ولكنها، في المرأة، موجودة على صورة أكثر سذاجة منها، في الرجل، وبذلك فهي أقرب إلى (الصرافة) التي تنزلت منها (الذات) إلى مرتبة (الإسم) – مرتبة الإنسان الكامل – ومن ههنا جاء تغني الصوفية بسلمى، وليلى، ولبنى، وهم بذلك إنما يريدون إلى الكناية عن الذات الإلهية ..


وقد صدرت الطبعة الاولى من الكتابين في نفس الشهر :
ربيع الثاني 1393 مايو 1973
ولم يشر الاستاذ في اي من الكتابين انه سبق له ان قال بهذا.
و الله أعلم.
المشاء

Post: #294
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-14-2007, 05:06 PM
Parent: #293

العزيز الكاتب / أسامة الخواض .
تحية واحتراماً .

نحن لم نزل في دفء ما تفضلت به من تحري حول مصطلح المُخاطبة الذكورية ،
وهي تختلف عما يرد في اللغات الإنجليزية من تعبير ( مان ) ،
فالمخاطبة العربية لها تمييز واضح .

بالفعل هنالك صيغة المُخاطب والمُخاطبة وهنالك محتوى للخطاب .

تحيتنا لك ونواصل .

Post: #295
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-15-2007, 07:17 AM
Parent: #294



شكرا صديقنا الكاتب الشقليني .
و سنبدأ الآن بمقدمة حول المخطط النظري للخطاب الجمهوري ،
ومن ضمن ذلك خطاب الاستاذ نفسه في تلقيح الحضارة الغربية انطلاقا من السودان.
***
حول المخطط النظري للاستاذ:

يمكن ان نصنف المخطط النظري للاستاذ في خانة الخطابات السودانية الرسالية الكونية لتغيير العالم انطلاقا من السودان.وهو اي ذلك المخطط النظري هو المرحلة الثانية في تلك الخطابات.تبدأ المرحلة الاولى بالثائر محمد احمد المهدي ،الذي ادعى انه المهدي المنتظر ،وانه بصدد القيام بنشر تلك الدعوة المهدوية التي تتمثل في مرحلتين:
المرحلة الاولى هي فتح الخرطوم او قل تحرير السودان،وهذا هو الفتح الاصغر .ام الفتح الاكبر فهو فتح مكة .وهو ما لم يتحقق.
اما المرحلة الثالثة فهي تتمثل في ما روج له نظام الانقاذ عن المشروع الحضاري .وهو مشروع يهدف الى تحرير العالم كله انطلاقا من السودان .
ما يميز الخطاب الجمهوري هو التأويل الذي جعل من المسيح ،مسيحا آخرا بملامح سودانية ،كما اشرنا الى ذلك عبر اصدار الجمهوريين لكتابين هما عودة المسيح ، و المسيح.... وكذلك الكلام عن العلاقة بين الاصيل والمسيح المنتظر.
ولعل حوار ابن البان الذي اوردنا قبسا منه،هو الفكرة المؤسسة للرسالة الثانية وهو ما تطور الى ان المسيح هو المهدي و رسول الرسالة الثانية .و لقد حاول الاستاذ في البدء ان يقول بأن رسول الرسالة الثانية هو محمد "ص" من باب الخشية ،او التقية،
كما تراءى لنا،لكنه عاد وافصح بشكل واضح انه ليس محمدا"ص" ،وانما رجل يأتي بالرسالة الثانية ،ومن الواضح الجلي انه الاستاذ محمود محمد طه.
وما يميز الخطاب الجمهوري أيضا ،أنه قد حدد هدفه،وهو تلقيح الحضارة الغربية،في بدايات العولمة، انطلاقا من السودان.
والمدهش في الامر ،حينما نقارن بين سيد قطب و خطاب الاستاذ،ان سيد قطب لم يقل بان مصر هي القاعدة التي ينطلق منها البعث الاسلامي المنشود ،بحسب وجهة نظره.
لكن الاستاذ ،يواصل ما قال به المهدي ،عن تغيير العالم بأسره انطلاقا من السودان .
وهو بلد قد عانى ،في حياة الاستاذ، من علل كثيرة ،لا تؤهله ،بالضرورة ،لان يكون "قاعدة" البعث الاسلامي الجديد ،المتمثل في الرسالة الثانية .
والجلي في أمر تلك الخطابات الثلاثة،انها ،من مواقع مختلفة، تعوِّل على الجانب الروحي،
انطلاقا من المثل الاسلامي المحمدي الاول.
لقد جرت مياه كثيرة تحت ذلك النهر الاسلامي الاول،
لكن الاستاذ ،ومعه كل الخطابات التي تتحدث عن مشاريع سودانية، رسالية كونية لتغيير العالم كله،
انطلاقا من السودان المتخلف البدائي في وصف الاستاذ له ،
تنطلق من أهمية الروح.
وسنعود لذلك .
محبتي
المشاء

Post: #296
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-15-2007, 02:27 PM
Parent: #295

الأخ العزيز أسامة،

تحية طيبة

أرجو أن تسمح لي بالتعليق على قولك التالي:


Quote: .و لقد حاول الاستاذ في البدء ان يقول بأن رسول الرسالة الثانية هو محمد "ص" من باب الخشية ،او التقية،
كما تراءى لنا،لكنه عاد وافصح بشكل واضح انه ليس محمدا"ص" ،وانما رجل يأتي بالرسالة الثانية ،ومن الواضح الجلي انه الاستاذ محمود محمد طه.


يؤسفني جدا أن أقول لك بأن ما تراءى لك ليس صحيحا.. أولا الأستاذ محمود لم يتراجع عما قال به من أن رسول الرسالة الأولى والثانية هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يحدث أن قال بأن النبي محمد "ليس محمد صلى الله عليه وسلم" كما جرى قلمك.. ولكن الأمر يحتاج إلى فهم أظن أنه لم يتيسر لك.. ولو كان الأستاذ محمود قد تراجع عن القول بأن النبي محمد هو رسول الرسالة الأولى والثانية لكان قد مُسح من المقدمة الثالثة لكتاب الرسالة الثانية..
في الحقيقة هذا البوست يحتوي على وصلة تناولت فيها الرد على هذه المسألة ولا بأس من إعادة وضع الوصلات:
كتاب الرسالة الثانية بشارة بعودة الإسلام من جديد!!!
وهذا ما جاء في مقدمة الطبعة الثالثة لكتاب "الرسالة الثانية من الإسلام":

Quote: إن محمدا رسول الرسالة الأولى ، وهو رسول الرسالة الثانية .. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا ، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا ، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جـديدا للقـرآن ، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بيـن يـدي القـراء ..
إن هذا الكتاب يهدي الطريق ، ولكنه لا يمكن من نفسه إلا الذين يقبلون عليه بأذهان مفتوحة ..
عند الله نلتمس التسديد ، ونجح المراد .. انه نعم المولى ..


والرسالة الثانية من الإسلام هي من داخل القرآن ولذلك فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو رسولها في مستوى التبليغ إجمالا.. وهناك مستوى آخر من الرسالة لا تتطلب وحيا جديدا وإنما فهما للقرآن وهذا ما قال به الأستاذ محمود.. هنا المقدمة الرابعة..
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=10&chapter_id=2
لمن أراد التحقق من المسألة..

وشكرا
ياسر

Post: #297
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-15-2007, 06:10 PM
Parent: #296




حول المأذون له بالرسالة الثانية (1)


الأحباء الكتاب :
ياسر الشريف
أسامة الخواض

نود أن نشكر لكم هذا الدفق الثري من الدراسة لخطاب ورؤى و مصطلحات الأستاذ كمجدد من مجددي العقيدة ، ونورد بعض النصوص التي في حاجة للتوسع في الشرح :
قبل أن نورد النص المنقول من مقدمة الطبعة الرابعة للرسالة الثانية من الإسلام ،
نحب أن ننبه إلى ما وجدناه في النص يمكن تلخيصه في الآتي :

1. إن النبوءة ختمت والرسالة لم تُختم .

2.
بعد التحاق النبي بالرفيق الأعلى كانت هنالك حاجة لمن يرفع النسخ ويعيد المنسوخ وهو مأذون له ، ونقطف من النص :
( من رسول الرسالة الثانية ؟؟؟ . هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام.. )

3.
إن هنالك تلقٍ عن الله مباشرة ، ويكلمنا الله كفاحاً وعندها يرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..
نرجو من حبيبنا ياسر أن يفُض أوراق ذلك الفهم ، إذ أننا بصدد الوصول إلى أن الرسول المأذون له وهو غير الرسول محمد عليه صلوات الله وسلامه بعد أن إنتقل إلى الرفيق الأعلى .
نورد النص الذي بنينا عليه طلب الاستيضاح :

من مقدمة الطبعة الرابعة
هذه مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب (( الرسالة الثانية من الإسلام )).. وهو كتاب قد صدرت طبعته الأولى في يناير من عام 1967، الموافق لشهر الله المكرم رمضان من عام 1386.

من المأذون؟

ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخا، وما هو محكم محكما.. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخا، وينسخ ما كان محكما؟؟ هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول.. والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولا، يقتضي نبوة، وقد ختمت النبوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبوة قد ختمت، ولكنه ليس حقا أن الرسالة قد ختمت: (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شئ عليما)).. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.. ولكن النبوة ما هي؟؟ النبوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس.. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا.. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس.. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف.. لماذا ختمت النبوة؟؟

أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنه مشغولون.. قال تعالى في ذلك: (( كلا‍‍!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..

من رسول الرسالة الثانية؟؟
هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..
كيف نعرفه؟؟
حسنا!! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: (( احذروا الأنبياء الكذبة!!)) قالوا: (( كيف نعرفهم؟؟)).. قال: (( بثمارهم تعرفونهم))..


انتهى النص .

ونواصل


Post: #298
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-15-2007, 07:17 PM
Parent: #297



حول المأذون له بالرسالة الثانية (2)


الأحباء :
مرفق الالتباس حول المأذون له أ هو الرسول و هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام.. ، أم حول النبي الذي بدأت به الطلائع ثم احتجبت الرسالة بسبب غلظة المجتمع أنذاك وجاء النسخ وبقيت الرسالة الأولى ، والرسالة الثانية في حاجة لمأذون ، وهو مفهوم بأنه رسول الرسالة الثانية وفق النصوص التي أوردنا ، ونرى أن الكاتب أسامة كان مُحقاً في بيان أن الرسول هو غير النبي محمد بن عبد الله ، وهو أيضاً لم يقل الأستاذ بأنه هو صراحة .
نرفق النصوص التي أوردنا ونُجملها جميعاً كي يتيسر الإدراك ، والباب مفتوح لحبيبنا ياسر لإجلاء ما التبس :

نص من مقدمة الطبعة الثالثة وهو ما تفضل بإيراده الحبيب الكاتب ياسر الشريف
1/

إن محمدا رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية.. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جديدا للقرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بين يدي القراء..

وهنالك نصان من مقدمة الطبعة الرابعة :

2/

هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولا، يقتضي نبوة، وقد ختمت النبوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبوة قد ختمت، ولكنه ليس حقا أن الرسالة قد ختمت: (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شئ عليما)).. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا..

3/

من رسول الرسالة الثانية؟؟
هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..
كيف نعرفه؟؟
حسنا!! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: (( احذروا الأنبياء الكذبة!!)) قالوا: (( كيف نعرفهم؟؟)).. قال: (( بثمارهم تعرفونهم))..


انتهت النصوص المنقولة

Post: #403
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-23-2007, 10:09 AM
Parent: #298

عزيزي الشقليني
تحايا عاطرات
ارجو الرجوع الى الرابط التالي لفهم العلاقة بين المسيح والرسالة الثانية بحسب كرونولوجيا العالم كما تتبدى في الخطاب الجمهوري:

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

من الواضح ان المسيح او "رجل" في مقام المسيح ،وليس المسيح الاسرائيلي،هو الذي سيطبق الرسالة الثانية.

أما رسول الرسالة الثانية ،فالخطاب الجمهوري يقول ضمنا انه الاستاذ محمود محمد طه.

طبعا من الصعوبة مناقشة الفكر الديني ،لانه اصلا يقوم على غيبيات.

فمثلا مسالة المأذون له ،لم يتم توضيحها :

فكي نعرف انه ماذون؟؟

وما هي مقاييس الحصول على الاذن؟

ولذلك فنحن لا نلجأ لنقاش الفكر الديني ،الا في المسائل ذات الصلة بالحياة الواقعية.
وفي ما يتعلق بالغيبيات نحاول استكناه البنية التي يقول بها الخطاب.
محبتي
المشاء

Post: #299
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-15-2007, 11:43 PM
Parent: #1

الأخ العزيز عبد الله الشقليني،
تحية لك وللأخ أسامة والمتابعين لهذا البوست..
نقلت في مداخلتي الفائتة قول الأستاذ محمود في مقدمة الطبعة الثالثة لكتاب "الرسالة الثانية من الإسلام":

Quote: إن محمدا رسول الرسالة الأولى ، وهو رسول الرسالة الثانية .. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا ، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا ، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جـديدا للقـرآن ، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بيـن يـدي القـراء ..
إن هذا الكتاب يهدي الطريق ، ولكنه لا يمكن من نفسه إلا الذين يقبلون عليه بأذهان مفتوحة ..

إذن الأستاذ محمود قد قال بأن كتاب الرسالة الثانية عبارة عن تفصيل لذلك الفهم الجديد من القرآن.. بكلمات أخرى يعني أنه قال بأن محتوى الكتاب يمثِّل تفصيل الرسالة الثانية التي سبق للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام أن أجملها في معنى ما أنه بلَّغ القرآن وسار السيرة.. وبما أن الكتاب قد كتبه الأستاذ فقد كان من الممكن له أن يقول بأنه هو رسول الرسالة الثانية، فلماذا لم يقل ذلك؟؟ الجواب: لأن كلمة رسول تعني لدى المسلمين أن يكون الرسول نبيا يتلقى الوحي، وهذا يخلق تشويشا.. فالرجل الذي يفصِّل الرسالة الثانية لا يتلقى وحيا جديدا.. الرسالة الثانية تقوم على بعث وتحكيم الآيات التي التحق النبي عليه الصلاة والسلام وتركها منسوخة [آيات الأصول] ونسخ الآيات التي تركها محكمة [آيات الفروع].. فكيف السبيل؟؟ هذا ملخص ما قاله الأستاذ في مقدمة الطبعة الرابعة لكتاب "الرسالة الثانية من الإسلام"
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=10&chapter_id=2
ثم وضع المسألة تحت عنوان يقول: "من المأذون؟" وقال عن الرجل الذي يفهم الرسالة الثانية ويفصلها هذه العبارة:

Quote: فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..

وفي عنوان بعد ذلك مباشرة يقول الأستاذ محمود:
Quote: من رسول الرسالة الثانية؟؟


ويجيب بقوله:
Quote: هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..


مع أن الواضح لي ولأي قارئ أن الرجل المقصود بهذه العبارة هو الأستاذ محمود، إلا أن طبيعة فهم الأستاذ تسير جنبا إلى جنب مع طبيعة الرسالة الثانية نفسها.. فالرسالة الثانية لا يتم فرضها على الناس، ويتعين على المبشِّر بها أن يقدمها ويرجو من الله أن ينصرها، ولكن عليه كمبشر أن يتحمل الأذى في سبيل توضيحها لدرجة أن يكون مستعدا لمواجهة القتل في سبيل الثبات عليها وهذا ما حدث بالضبط، وهو عندي أكبر آية على صدق هذه الدعوة.. في ختام كتاب الإسلام نقرأ عبارة للأستاذ شديدة الدلالة على ثقته في دعوته، ولكنه في نفس الوقت لا يقف عند هذه الثقة أنه على حق وإنما يرجو أن تكون دعوته حقا أيضا عند الله:
Quote: فإن هـذا الحديـث حـق ، عنـدي ، وصـدق ، وإنـي لأرجـو الله لـه ، أن يكـون حقا ، عنـده ، وصـدقا .. وما ذلك على الله بعزيز .

من كتاب "الإسلام" هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=7&chapter_id=13
إذن هذا هو السر في أن الأستاذ لم يشخصن المسألة ولم يدَّع لنفسه شيئا، وإنما ترك الأمر مفتوحا وقال في ختام مقدمة الطبعة الرابعة بعد عبارة "هو رجل آتاه الله إلخ" سؤالا عن كيف يعرف الناس رسول الرسالة الثانية:

Quote: كيف نعرفه؟؟

وأجاب بطريقة غاية في اللطف والحكمة:
حسنا!! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: (( احذروا الأنبياء الكذبة!!)) قالوا: (( كيف نعرفهم؟؟)).. قال: (( بثمارهم تعرفونهم))..
الثمار ليست هي العلم فحسب، وإنما الإخلاص لهذا العلم والإلتزام به؛ وثمار الأستاذ محمود هي أنه رجل حر حرية فردية مطلقة، لم يخسر نفسه، وإنما إلتزم بما قاله هو بنفسه عن الرجل الحر حرية فردية مطلقة "الذي يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول ثم لا تكون عاقبة فكره وقوله وعمله إلا الخير والبر بالأحياء والأشياء"..
وهذا يأخذنا مباشرة إلى موضوع البوست الأصلي يا عزيزي عبد الله، وهي وجه الشبه بين المسيح عيسى بن مريم والأستاذ محمود.. فالمسيح عليه السلام قال: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه".. فالبرغم من أن المسيح عليه السلام كان صادقا في دعوته إلا أنه قد كُذِّب واتُّهِم بالسحر ولكنه كسب نفسه وأثبت صدقه وبانت ثماره وعرفها الناس.. بصورة مشابهة إتُّهِم الأستاذ محمود بالزندقة والكفر بل قال النميري عنه أنه ادعى النبوة وادعى الألوهية، ولكن الأستاذ سلَّم أمره لله وكسب نفسه وأثبت صدقه وبانت ثماره لمن فتح الله عليه، ولا شك في أنها سوف تستعلن في يوم من الأيام.. يقول إبن الفارض:
إذا جاد أقوام بمال رأيتهم * يجودون بالأرواح منهم بلا بخل
وإن أودعوا سرَّا رأيت صدروهم * قبورا لأسرار تُنزَّه عن نقل
وإن هُدِّدوا بالهجر ماتوا مخافة * وإن أوعدوا بالقتل حنوا إلى القتل
لعمري هم العشاق عندي حقيقة * على الجِّد والباقون منهم على الهزل

مع وافر المودة



ياسر

Post: #300
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-16-2007, 05:22 AM
Parent: #299

عزيزي ياسر
لا اعتقد انك قمت بازالة الالتباس الذي اشار اليه الشقليني بحق.
Quote: فانت قلت:
وفي عنوان بعد ذلك مباشرة يقول الأستاذ محمود:

Quote: من رسول الرسالة الثانية؟؟
ويجيب بقوله:
Quote: هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..

مع أن الواضح لي ولأي قارئ أن الرجل المقصود بهذه العبارة هو الأستاذ محمود، إلا أن طبيعة فهم الأستاذ تسير جنبا إلى جنب مع طبيعة الرسالة الثانية نفسها..

من الواضح الجلي ان الاستاذ بشكل ضمني يقول انه رسول الرسالة الثانية.
و ماحاولت ان تقول به حول انه لم ينسب الامر صراحة لنفسه ،قصد به عدم فرض الرسالة على الناس.
ليس هنالك من علاقة بين نسبة الرسالة والفرض.
فاذن يمكن القول ان هنالك تطورا واضحا في خطاب الاستاذ،لم يقم بتوضيحه،
وهو ان رسول الرسالة الثانية لم يعد هو الرسول محمد "ص".
قد لا تقبل تفسيري لمثل ذلك التطور المهم في خطاب الاستاذ،
لكن تفسيرك بانه لم ينسب المسالة الرسالية لنفسه ،ينطلق من حرصه على عدم فرض الرسالة.
المهم يظل ذلك التطور في خطاب الاستاذ،امرا يحتاج الى تفسير،
لو لم يقبل بتفسيري.
مع محبتي
المشاء

Post: #301
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-16-2007, 08:32 AM
Parent: #300

سلامات يا عزيزي أسامة..

Quote: فاذن يمكن القول ان هنالك تطورا واضحا في خطاب الاستاذ،لم يقم بتوضيحه،
وهو ان رسول الرسالة الثانية لم يعد هو الرسول محمد "ص".


يؤسفني أن أقول لك بأن الأستاذ أوضح المسألة ولكنك لم تفهمها.. الأستاذ يعتمد على القرآن ويقول أن به مستويين، ولكن القرآن كله قد نزل على النبي محمد فكيف يمكن أن أفهم استنتاجك بأن رسول الرسالة الثانية لم يعد هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟؟ الأستاذ فهم محتوى الرسالة الثانية [آيات الأصول] وقام بالتبشير بها، ولكنه لم ينسب نزول القرآن إلى نفسه!! أكثر من ذلك، فإنه يدعو الناس إلى طريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" وهذا واحد من أهم كتبه وقد خرج في حوالي ثماني طبعات!! فكر في هذا الأمر، يا أسامة ولا تصر على أمر لا تملك له دليلا..

وأنت قلت أن الأستاذ قد استخدم أسلوب التقية وما إلى ذلك!! وهذا مجرد استنتاج آخر لا يستند على دليل.. فالأستاذ محمود لو كان يخشى من شيء لما تحدث عن مسألة الأصالة والشريعة الفردية ومارسهما بصورة واضحة وبغير خوف.. ولو كان يخشى أو يستخدم التقية أو يخاف لكان بإمكانه التنازل عندما أعطي تلك الفرصة في الأحداث الأخيرة، أو لطلب الإسترحام!! فكر في الأمر وناقش هذه النقطة!!! يا عزيزي الأستاذ محمود طبَّق قول النبي عليه الصلاة والسلام لعمه إبي طالب: "والله يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ولو أهلك دونه".. وهو يعلم أنه ممتحن، وقد صرَّح لأحد الناس في مدينة رفاعة منذ زمن بعيد [1949] أنه سيموت مقتولا، وهذه المعلومة كشفها ذلك الشخص الذي سمعها من الأستاذ.. جاء هذا في شهادة الاخ بشير بكار الموجودة في بوست هنا في مكتبته بسودانيز أونلاين ستجد الإقتباس أدنى هذه الكتابة..



شهادة: في ذكرى الأستاذ محمود وعن تجربةالجمهوريين (يناير 1985 وما تلاه)

ولك مني وافر التقدير ولصاحب البوست الأستاذ الشقليني..

ياسر



Quote: وفي مساء الخميس الذي أذيع فيه بيان نميري، قال أحد أقرباء الأستاذ، وهو غير جموري، وكان فيما مضى معارضا للفكرة – وكان كثير من الناس يتوقعون عدم تنفيذ الحكم – قال الرجل، وإسمه مبارك علي الشيخ، إن الحكم سينفذ على الأستاذ. وبعد التنفيذ بيومين عندما جاء للعزاء في منزل الوالدة آمنة، حكى أنه في عام 1949، قابل الأستاذ وجرى بينهما حديث ذكر فيه الأستاذ أنه سيقتل كما قتل المسيح، سيصلب أو يشنق، ويترك معلقا لفترة من الزمن. قال الرجل إنه لم يذكر هذه العبارة لأحد قبل اليوم. وكانت قد درست في ذاكرته فأعادها هذا الحدث. وهناك وصية للأستاذ، كتبها في سنة 1951، يوصي فيها فيما يوصي بألا يكفن في جديد وألا يناح عليه وألا توضع على قبره علامة.

Post: #302
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-16-2007, 05:46 PM
Parent: #301






حول المأذون له بالرسالة الثانية ( 3)



التحية لكما الأحباء
الكاتب : ياسر الشريف
الكاتب : أسامة الخواض


لكم هو ثري الخلاف ، ونتمنى أن يكون ظليلاً بالرفقة فمن حق الأستاذ والذي نرى جميعاً أنه صاحب رؤية وصاحب ( رسالة ) بمعناها اللغوي وإن اختلفنا على تفاصيل الرؤى التي تبدت لنا من خطابه في المُقدمات وفي مُتون الكُتب .

لقد تخيرنا نحن الرفقة في الخطاب ونعومة الألفاظ التي تُميزنا حسب زعمي من كثير من الذين افتتحوا مواضيع وساروا في الدرب ، وعطلتهم الغلظة على بعضهم . نأمل جميعاً أن نكون بقدر التحدي : نُرفد الرؤى بمنهاج متسلسل من الأسانيد والخطو في أعماق الخلاف ، وحجب ما اتفقنا جميعاً عليه وتجنُب التكرار ما استطعنا إلى ذلك من سبيل ، والحوار أفضله أن يكون في نقاط الخلاف . ورفقتنا ببعض لا يعني قبول رؤى بعضنا على عللها ، ربما نحن نُمرن أنفسنا على كيف نتقبل الرأي الآخر ، ونتبع في خلافنا ما يدعم رأينا آملين أن نُفتِح أعين بعضنا أن موضوع مباحثنا حول فكر الأستاذ محمود ليست بنُزهة ، فقد قطعنا شوطاً نأمل فيه إضافة الجديد ، فلا تعمينا المحبة أن نُبين أوجه المناطق الهشة من الرؤى ، ولا تمنعنا خياراتنا الفكرية ورؤانا للدُنيا أن نتلمس جُهد الرجل الذي نتفق جميعاً أن له رؤية بائنة على جميع من قاموا بالتجديد في أمر العقيدة الإسلامية ، وأرى أن جميع المُجددين على اختلاف مشاربهم في تطوير الرؤى الإسلامية لم يتجرءوا أن يسيروا سيره ، فقد تجاوز غِلظة الخطاب الديني القديم : جهاده , والموقف من المرأة والرق والشورى والتمييز بين الجنسين وكم هائل من الغلظة التي لا تُناسب العصر ، وقرأ الأستاذ الخطاب الجديد منذ أكثر من نصف قرن : صلاة جديدة ونظرة للمرأة أيضاً جديدة وعدالة ، وتسامُح ، ويُنسب هو كل ذلك للرسالة الثانية المُضمرة والتي رحل النبي دون تفصيلها ، وحانت ساعة تفصيلها ولمن يُفصلها شروط وتدريب صفوي تصوفي ، يتم بعده التلقي مباشرة عن النص القرآني بخطابه الرباني الباهر وبثه وتلك رؤية تستحق الإضاءة عليها فلا نعجل .

(2)

ربما اختلفنا كثيراً حول المُخاطبة الربانية التي تتم من رب العزة لمن يصطفيهم من عباده ، وتلك مرحلة أخرى من مراحل فكر التصوف بداياته ومآلاته ووسائله ، وهو الذي تجنب الناقد والكاتب أسامة الخوض فيه ، إذ يتعلق بمنهاج في الحياة ، وتلك تحتاج فُسحة أخرى رغم تداخلها مع فكرة مُهيمنة من خطاب الأستاذ وهو التلقي المُباشر عن الله . وأرى أنها تستوجب معرفة أسسها وطرائقها ، ربما في مرحلة لاحقة في تقصى الخطاب الصوفي وأثره على رؤى الأستاذ .
شكراً لكما أيها الأحباء :

ياسر الشريف
وأسامة الخواض
فقد أثريتُم هذا المنار ، فكثير من الإخوة يتتبعون كتاباتكم هُنا ومن كل أركان الأرض ، ولسنا وحدنا . فابشروا أنكم قد جعلتُم من هذه الرقعة السماوية داراً تنضحُ فكراً .


ونواصل





Post: #303
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-16-2007, 06:05 PM
Parent: #1



حول المأذون له بالرسالة الثانية ( 4)


عزيزي الدكتور : ياسر
أدناه النص الذي أجبت به الكاتب أسامة :

يؤسفني أن أقول لك بأن الأستاذ أوضح المسألة ولكنك لم تفهمها.. الأستاذ يعتمد على القرآن ويقول أن به مستويين، ولكن القرآن كله قد نزل على النبي محمد فكيف يمكن أن أفهم استنتاجك بأن رسول الرسالة الثانية لم يعد هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟؟ الأستاذ فهم محتوى الرسالة الثانية [آيات الأصول] وقام بالتبشير بها، ولكنه لم ينسب نزول القرآن إلى نفسه!! أكثر من ذلك، فإنه يدعو الناس إلى طريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" وهذا واحد من أهم كتبه وقد خرج في حوالي ثماني طبعات!! فكر في هذا الأمر، يا أسامة ولا تصر على أمر لا تملك له دليلا..


أود هنا إيراد بعض النقاط التي في حاجة للتفصيل ، ولو سمحت لي عتابك بصوت خفيض في حق الكاتب أسامة ، بأن عدم الفهم غير وارد هنا بيننا كمتحاورين ، فقد نهلنا الكثير مما يؤهلنا أن نتجاوز عدم الفهم إلى ما أسميه أنا اختلاف رؤية وليس عدم قدرة على الفهم :

نورد هنا بعض نقاط أراها في حاجة لاستيضاح :

1/
لم تزل مسألة رسول الرسالة الثانية تُراوح مكانها والاستيضاح ينتظر الجلاء .
2/
من المأذون له ، و قد وضعت الأسس له من الإشراق الذي تفجر في رؤى الأستاذ ؟
3/
لقد تم ذكر الفروق بين النبوءة والرسالة ، وتم التفصيل فيها بواسطة الأستاذ فيما أوردنا من المقدمات للطبعة (4) ومقدمة الطبعة (3) ، ولم يُفصل الأستاذ ذلك من قبيل الإطناب .
4/
ذكر الأستاذ انتهاء النبوءة دون انتهاء الرسالة .
5/
من هو المأذون له بفك غُلالة الإجمال وبث التفصيل ، أهو مأذون أم رسول ؟ وما يمنع أن يكون رسول ؟ ، لأن التفاصيل التي أجملها النبي وأضمرها في النصوص وفق رؤى الأستاذ في حاجة لفك طلاسمها ، ويكون بالأخذ المباشر من النص القرآني بعد استيفاء شروط ذلك الأخذ مُجاهدة وكدحاً .
6/
أن مسالة الرسالة الثانية والمُبشِرون بها من هُم ، وهل هو ميسور لأكثر من مأذون ؟ .
7/
ما الفرق بين الرسول في المُصطلح الديني والرسول في معاجم اللغة ، ولِمَ نتهيب أن نُطلق على كل من يسعى برؤاه رسول فكرٍ ومُجدد رؤى ؟

ونواصل

Post: #306
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 05-17-2007, 12:32 PM
Parent: #303

الأعزاء عبد الله الشقليني وأسامة،

تحية المودة والتقدير

لم أكن أنوي المواصلة لأنني سأتغيب لظروف معينة ولكني سأفعل الآن لاعتبارات كثيرة منها أنني أريد أن أوضح نفسي أكثر، خاصة أن الأخ العزيز الشقليني قد وضع عبارتي باللون الأحمر، واعتبرها الأخ العزيز أسامة "زلة لسان" أو إساءة، لا سمح الله، وأشهد الله أنني فكرت كثيرا ولم أجد عبارة أنسب منها، وأعتذر عن أي فهم آخر يمكن أن يفهمه القارئ وهو غير الذي قصدته بها.. ربما أجد فرصة الآن في الإجابة على أسئلة الشقليني..


Quote: 1/
لم تزل مسألة رسول الرسالة الثانية تُراوح مكانها والاستيضاح ينتظر الجلاء .


في تقديري المسألة واضحة.. رسول الرسالة الأولى والثانية بالأصالة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي تلقاه عن ربه عن طريق الوحي.. ورسول الرسالة الثانية الذي استخرجها من القرآن وفصلها ودعا إلى بعث المنسوخ ونسخ المحكم هو الأستاذ محمود..

Quote: 2/
من المأذون له ، و قد وضعت الأسس له من الإشراق الذي تفجر في رؤى الأستاذ ؟


أستطيع أن أقول بكل ثقة أن الله قد أذن للأستاذ، ويسَّر له سبيل الكتابة والخطابة والدعوة.. ولكن لم يأذن الله بعد بالتطبيق..

Quote: 4/
ذكر الأستاذ انتهاء النبوءة دون انتهاء الرسالة .

أرجو أن أتمكن من توضيح المسألة.. لقد ذكر أن نبوة ورسالة الوحي قد ختمت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.. لن يتصل الوحي ببشر ليوحي إليه أمرا لم ينزل في القرآن.. ولكن نبوة ورسالة الفهم والعلم من القرآن فهي لم تختم.. أرجو أن نقرأ ما قاله الأستاذ للدكتور مصطفى محمود في كتابه المشهور:
Quote: ما أحب لك أن تتصور الصوفية وكأنهم قوم يمشون في الهواء، بغير جذور تربطهم بالأرض .. أكرر مرة أخرى: أن الصوفية هم أنصار السنة النبوية .. هم أنبياء، ورسل، بالمعنى الذي يستقيم في الفهم الديني بعد ختم النبوة ..


قولك يا شقليني:

Quote: 5/
من هو المأذون له بفك غُلالة الإجمال وبث التفصيل ، أهو مأذون أم رسول ؟ وما يمنع أن يكون رسول ؟ ، لأن التفاصيل التي أجملها النبي وأضمرها في النصوص وفق رؤى الأستاذ في حاجة لفك طلاسمها ، ويكون بالأخذ المباشر من النص القرآني بعد استيفاء شروط ذلك الأخذ مُجاهدة وكدحاً .

هذا السؤال أجبت عليه بعاليه.. والمأذون والرسول لهم معنى واحد، فالمأذون رسول، والرسول مأذون.. في المعنى الذي يستقيم في الفهم الديني بعد ختم النبوة..

Quote: 6/
أن مسالة الرسالة الثانية والمُبشِرون بها من هُم ، وهل هو ميسور لأكثر من مأذون ؟ .


كل من يأنس في نفسه تحمل مسئولية التبشير، والتعريف، بالرسالة الثانية وإلتزامها فهو مأذون. [هذا يشمل الرجال والنساء طبعا]


Quote: 7/
ما الفرق بين الرسول في المُصطلح الديني والرسول في معاجم اللغة ، ولِمَ نتهيب أن نُطلق على كل من يسعى برؤاه رسول فكرٍ ومُجدد رؤى ؟

في تقديري أن المسلمين يتهيبون كلمة رسول بسبب المفهوم الشائع بأن الرسالة ختمت.. ربما يأتي وقت يتم قبول اللفظ بالصورة التي تقولها..

يقول الأخ أسامة معلقا على سؤال الأخ الشقليني:

Quote: سؤالك عن التبشير بالرسالة الثانية ،اذا ما انسقنا الى منطق تأويل الاستاذ ياسر،
سبق لي ان وجهته في الاحتفال الاخير بذكرى استشهاد الاستاذ،اذ وجهت السؤال التالي:
ما الذي يمنع وجود رسالات اخرى ،طالما ان الامر يعتمد على تطور الواقع ،والتأويل؟
خاصة ان الاستاذ كان ينطلق من بدايات العولمة ومن ارث عصر التنوير الاوروبي اي بدايات تأسيس الحداثة الغربية.
الا يمكن افتراض رسالة ثالثة في عصر ما بعد الحداثة مثلا؟؟؟


في الحقيقة نجد أن الأستاذ محمود قال بأن الأوائل لم يفضوا من أختام القرآن غير ختم الغلاف وهذا يفتح الطريق دوما للفهم الجديد من القرآن..

في تقديري ليس هناك حاجة للقول برسالة ثالثة، فكل التطور في الفهم مفتوح في إطار الرسالة الثانية، ولكن هذا الذي قال به الأستاذ محمود نفسه لم يتم تطبيقه، ومن يرى أنه يحمل تجديدا في الدين أكثر مما قال به الأستاذ محمود، ما عليه إلا أن يصدع به ويتحمل مسئولية ما يقول به..

أعتذر عن عدم التمكن من المواصلة لمدة شهر تقريبا، وذلك لظروف ضاغطة ولكنني أعتبر نفسي قد قلت كل ما أردت أن أقوله، بل كررت نفسي كثيرا مع الأخ أسامة، وهو قد كرر نفسه أيضا كثيرا، وهذا استهلاك للطاقات.. أرجو للأخ أسامة دراسة موفقة وارجوه أن يقيم أموره على الدليل..
وشكرا، مع وافر المحبة والتقدير..

ياسر





Post: #304
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-17-2007, 00:04 AM
Parent: #1

شكرا كاتبنا المحلق في سماء الرهافة:
الشقليني
اسئلتك في الصميم، وكنت سأشير الى مسالة التفريق بين الولاية والنبوة والرسالة.
واوفقط الرأي في ان صديقنا ياسر لم يقم باجلاء امر من هو رسول الرسالة الثانية.
ولماذا لم يتم ذكر الرسول محمد "ص" كرسول للرسالة الثانية.
وهذا يمكن ان يتم تأويله بطريقين:
الطريق الاولى ان الخطاب غير متسق مع نفسه في مسالة من هو رسول الرسالة الثانية.
والطريق الثانية هو ان هنالك تطورا حدث في خطاب الاستاذ،بعد استبعاد الرسول المعصوم محمد "ص"،
كرسول للرسالة الثانية.وللاسف لم يقم الاستاذ بتوضيح لماذا حدث ذلك التطور،
مثلما انه لم يوضح لماذا كان كتاب الاسلام هو الكتاب الام للفكرة الجمهورية ،وبعد ذلك اصبح كتاب الرسالة الثانية من الاسلام هو الكتاب الام؟هنالك فجوات في خطاب الاستاذ ،تحتاج لتأمل وتدبر وتبصر.
سؤالك عن التبشير بالرسالة الثانية ،اذا ما انسقنا الى منطق تأويل الاستاذ ياسر،
سبق لي ان وجهته في الاحتفال الاخير بذكرى استشهاد الاستاذ،اذ وجهت السؤال التالي:
ما الذي يمنع وجود رسالات اخرى ،طالما ان الامر يعتمد على تطور الواقع ،والتأويل؟
خاصة ان الاستاذ كان ينطلق من بدايات العولمة ومن ارث عصر التنوير الاوروبي اي بدايات تأسيس الحداثة الغربية.
الا يمكن افتراض رسالة ثالثة في عصر ما بعد الحداثة مثلا؟؟؟
اما حديث الصديق ياسر عن "عدم الفهم"،فربما ان ذلك كان زلة لسان.
ما يهمنا هنا ،
كما قال بصدق،الشقليني ،
ان نؤسس ما نقول به ،
وندعمه،وأن نحافظ على هذه السيرة الهادئة للحوار.
وساعود للمواصلة.
محبتي للجميع متابعين وكتابا.
المشاء

Post: #305
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-17-2007, 06:38 AM
Parent: #304

في انتظار رد الصديق ياسر على اسئلة الشقليني ،
التي قلنا انها في الصميم،او في عبارة اهلنا "في التنك"،
في انتظار ذلك الرد ،
احب ان أعقب على بعض الاشارات،
التي قاتني الرد عليها
قال الصديق ياسر:
Quote: ولم يحدث أن قال بأن النبي محمد "ليس محمد صلى الله عليه وسلم" كما جرى قلمك

لم أقل بذلك ،وانما قلت ان محمدا "ص" لم يعد هو رسول الرسالة الثانية ،
في آخر ما رشح من خطاب الاستاذ.
****
قال الصديق الشقليني عن تجنبي الخوض في المخاطبة الربانية:

Quote: ربما اختلفنا كثيراً حول المُخاطبة الربانية التي تتم من رب العزة لمن يصطفيهم من عباده ، وتلك مرحلة أخرى من مراحل فكر التصوف بداياته ومآلاته ووسائله ، وهو الذي تجنب الناقد والكاتب أسامة الخوض فيه


لقد حددت محور قراءتي المتواضعة لخطاب الاستاذ في علاقته بمشروع الحداثة الغربي،
و مخططه النظري لتلقيح ذلك المشروع،أي تجاوز ازمته.
ليست لدي معرفة كافية بطرق المخاطبة الربانية،
ولذلك انطلقت في مقاربتي مما أعتقد انني اعرفه بشكل معقول ،
يجعلني مؤهلا لان اقارب خطاب الاستاذ.
و سبق لي ان قلت ان مقاربة خطاب الاستاذ بشكل كلي ،
تحتاج الى جيش من الباحثين،
وليست لدي تلك القدرة الهائلة .
***
سنعود بعد انتظار رد ياسر .
ففي معيتي المخطط النظري لخطاب الاستاذ لتلقيح الحضارة الغربية أو قل مشروع الحداثة الغربي.
كما في معيتي حديث عن "طريق محمد"،
لكنني أفضل أن يحافظ النقاش على تواتره،
كما جاء في البوست.
ولذلك نحن في انتظار ياسر للحديث عما اثرناه معا ،الشقليني وشخصي الضعيف.
محبتي
المشاء

Post: #307
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-18-2007, 07:13 AM
Parent: #305

الصديق ياسر
لست غاضبا من كلامك .
و نعتقد ان وجودك مهم جدا في هذا النقاش الهادئ،
لكن ،لا نستطيع سوى ان ننحني لرغبتك في الاحتجاب،
وقد قرأت كلاما لك شبيها بذلك في سودانفور،
في البوست التوأم.
تحياتنا لك،
ونرجو ان تطل علينا من حين لآخر.
سنشعر باليتم ،
لكن هذه تصاريف الزمن.
أبق بخير وعافية .
و نرجو ان نواصل مساهماتنا.
محبتي لكل وللاسرة.
المشاء

Post: #308
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-18-2007, 09:10 AM
Parent: #307


نعود
قال الصديق ياسر الشريف:
Quote: يؤسفني أن أقول لك بأن الأستاذ أوضح المسألة ولكنك لم تفهمها.. الأستاذ يعتمد على القرآن ويقول أن به مستويين، ولكن القرآن كله قد نزل على النبي محمد فكيف يمكن أن أفهم استنتاجك بأن رسول الرسالة الثانية لم يعد هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟؟ الأستاذ فهم محتوى الرسالة الثانية [آيات الأصول] وقام بالتبشير بها، ولكنه لم ينسب نزول القرآن إلى نفسه!! أكثر من ذلك، فإنه يدعو الناس إلى طريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" وهذا واحد من أهم كتبه وقد خرج في حوالي ثماني طبعات!! فكر في هذا الأمر، يا أسامة ولا تصر على أمر لا تملك له دليلا..


تحدث الصديق ياسر عن "طريق محمد "قائلا":
Quote: وقد خرج في حوالي ثماني طبعات!!

والصحيح ان آخر الطبعات كانت الطبعة الثانية عشرة.
وهذا هو دليلنا من الكتاب نفسه:
Quote: صدرت الطبعة الاولى في مارس 1966م.. ثم صدرت منه عدة طبعات في تلك الفترة ( 1966ـ 1985 ) كانت اخرها الطبعة الثانية عشرة ، وقد صدرت في فبراير 1981م ـ ربيع ثاني 1401م (بدون مقدمة خاصة به). من تلك الطبعات ، كانت الإضافة : مقدمة الطبعة الثالثة ، ومقدمة الطبعة الرابعة ثم ( مقدمة الطبعة الثامنة ) التي صدرت في ربيع الثاني 1395هـ أبريل 1975م.

ويبدو ان الصديق ياسر يشير الى مقدمة الطبعة الثامنة.
******
أما حديثه عن ان الاستاذ يدعو فقط الى "طريق محمد"بشكل مجرد،
فهو كلام لا تسنده الادلة،في الكتاب الذي يستشهد به الصديق ياسر.
ومن الواضح لمن يتأمل في الحديث عن "طريق محمد" ،
ان مثل هذا الكلام موجه للطرق الصوفية،
وسبق لحسن البنا ان قال بكلام مثل هذا الكلام في نداء موجه للطرق الصوفية ،
باعتبار انه الوحيد الذي يمثل "طريق محمد".
ولنا ان نتساءل ما هو "الطريق"؟؟؟؟
الاشارة واضحة،
فهي ترمز الى الطرق الصوفية.
وسنعود للحديث عن كتاب الاستاذ:
طريق محمد
محبتي للجميع
المشاء

Post: #309
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-18-2007, 04:05 PM
Parent: #1

الأحباء :
الكاتب : أسامة
الكاتب : ياسر

لكم التحية ، معكم يحلو الحديث ، وبمثلكم يفرح القلب أن في سعة صبر بعضنا على رؤى البعض وهي على خلاف ، لم تأتِ على الود إلا لتزيده ، وعلى الفِكَر إلا لتُزيده انتباهاً . فما حوارنا إلا علوم مُتفرقة قادها منهاج ، وأحسب أنه صائب في التناول ، فنحن من بعد أضياف الأستاذ : صاحب الفضل السابق والاستنارة في زمن لا حاسوب فيه ولا مُعينات على الجلوس مثلما جلسنا ، وهو جلوس تبجيل للعلم وترفيع لصحابه وهم ينحتون الصخر . فكلية غردون في زمان الأستاذ لا تكفي ومُعطيات المجتمع أقل ترحيباً بأمثال من يرى رؤيته ويحسبها الناس في زمانه شططاً ، ثم تسللت جرثومة التكفير منذ العام 1983 م تُعيد الخيول إلى حظيرة الماعز !!

وخير حفاوة هي أن نُقلب كتاب العمر وكتاب الفكر ، ولا ننـزِع الفارس عن تاريخه ، وقد كان نوراً في زمانه . حمل رؤية واضحة المعالم . عجل بها لعوالم الأرواح ليُنقيها من رمادية الألوان .

ليت الدكتور ياسر الشريف أن تتيسر عليه الحال ، ويعودنا ونحن قد شمرنا السواعد وفي حاجة لمن هو من داخل الفكر ليُضيء ما لم تُسعفنا به الأسفار . وسيعود هو ونحن سنُسري ثم نُعرج .

ويحتاج ( رسول التجديد ) الأستاذ محمود جيشاً من معارف علوم النفس البشرية لنجلي رمد الرؤى ، فطرائق المتصوفة بين أعطافها الكثير من مسالك الذهن الوعرة ، والدروب التي لا تتأتى إلا بالصبر ، فكم من آية توصي ( بالصبر والصلاة ) فتهُب في ذهنك طقس مع الصبر عليه . نعلم أنه بحر يحتاج الفلك ومهرة السباحين . سنُبحر ما شاء لنا الإبحار ، ونتمنى أن يُمهلنا الزمان لنُجدد ، فرسالة الأستاذ و خطوها الباهر تُميزه عن غيره من أهلنا ، ما أن يتفتق ذهنٌ إلا ونفث داءٌ في صدره أو أُسقِطت مروحية تُقله أو حمله الجهل السرطاني إلى حبل الفداء العظيم .
قال الجهل يُبرر نفسه في دُنيانا :

لقد كفرته المحاكم منذ أواخر الستينات ، ولا حاجة لثلاثة أيام ليستتيب ، وللسلطان إن أراد أن يُخفف فإن الأمر ليس بيده ، لأن القرار تطبيق لشرع الله ، وشرع الله شريعة لا تعتمد ( شرائع البشر ) .

شكراً لكم
ثم نواصل



Post: #310
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 05-18-2007, 04:26 PM
Parent: #309

الأعزاء
عبد الله الشقليني
أسامة الخواض
ياسر الشريف

أحببت أن أحييكم وأن أقول أنني متابع لهذا الخيط الرفيع.
أرجو أن أجد فسحة الوقت ومن "الوارد" كما يقول المتصوفة، لكي أشارككم.
شكرا لكم

Post: #311
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-18-2007, 08:22 PM
Parent: #1



حول المأذون له بالرسالة الثانية (4)


الشكر لدكتور النور حمد ،
هُنا نحن جميعاً أضياف الأستاذ ،
من بحره ننهل ، ثم نُعيد قراءة كيف كانت رؤاه ، مقارنة بالمجددين .
نبحث في المصطلحات ، وفي الخطاب وفي الرسالة ، وفي الحضارة والمدنية ،
ثم نعرج على التصوف ، ونبحث في الفداء عند السيد المسيح وعند الحلاج
وعند الأستاذ ، وعند كل مُجدد تجاوز عصره وقوانين عصره .

ننتظر أن تكون ضمن ضيافة الأستاذ ، فريحانه حاضر بيننا .
أهلاً بك بيننا

للحبيب ، القابض على برنامج دراسته ألا نعجل ونُشتت ما اختمر بذهنه :
الكاتب : أسامة الخواض :

لقد أثريت ، ومثلك أنا ، فقد انقطع خيط المباحث التي تتبع مصطلح الأستاذ
ومقارنته بابن كثير والجلالين : بدأنا بالإحسان ، .. وسنواصل بعد أن نُكمل
الرسالة ورُسلها ، والرسائل القادمة في جوف المستقبل ، والتي ربما تكون أكثر رهافة
من خطاب القرن العشرين ، ويكون فارسها ممن يسر له المولى بمنهاج تصوفي باهر أن
تكون الرسائل المُستقبلية بيديه ...

نشكر لحبيبنا الكاتب ياسر فقد أفضى بما عنده ، وسوف نتحدث عن المأذون له
والرسول أو الرسل ...

ونواصل

Post: #312
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-19-2007, 02:12 AM
Parent: #311


عزيزي الشقليني اعجبني حديثك عن :
Quote: الرسائل القادمة في جوف المستقبل ، والتي ربما تكون أكثر رهافة
من خطاب القرن العشرين ، ويكون فارسها ممن يسر له المولى بمنهاج تصوفي باهر أن
تكون الرسائل المُستقبلية بيديه ...


فاذا كان ان رسالة الاستاذ ،وهي بالاحرى ،والأدق ،تأويله للقرآن بما يتناسب والقرن العشرين،اذا كانت تلك الرسالة يغلب عليها ما تواتر عليه الناس من تفضيل للقرن العشرين،وهو بالفعل قرن متميز.
كان الناس يقولون للتدليل على رهافة القرن العشرين ،كما تفضلت في وصفك له،يقولون للتعبير عن اندهاشهم من سلوك لا يرضونه،يقولون هذا يحدث في القرن العشرين،للتعبير عن استنكارهم لذلك السلوك.ما قام به الاستاذ هو كما قلنا محاولة كبرى للتجسير بين الاسلام والحداثة،من خلال التأويل ،ولذلك كان الاستاذ يكرر دائما ،نحن لسنا في حاجة الى التفسير،وانما الى التأويل.
تبقى المسالة كما نراها،تتمثل في التأويل الذي يردم الهوة بين النص المقدس في تفسيره التقليدي،وبين تطور الواقع الانساني،وهو تطور يسير بدرجات مذهلة،رغم انه يتميز باللاتكافؤ في ما يختص بالحصول على تلك المنجزات المذهلة،و انقسام العالم الى مساهم يتمتع بتلك الانجازات ،وغير مساهم يعيش كما قال الاستاذ بحق على قشورها.
ونحن في انتظارك.
*****
مرحبا بانضمام الدكتور النور حمد الينا ،والذي تكرر اسمه ا في كثير من المساهمات هنا.
وهو من المهتمين بمجال الحداثة وما بعدها ،ومسائل العلمانية ،وله راي متميز في كيفية توطين الحداثة،
كما اشرنا الى ذلك من قبل.
و بهذه المناسبة أحب ان اهدي اليه هذه المساهمة .
************

عود على بدء
حول المرأة في خطاب الاستاذ

أشرنا من قبل الى ذكورية خطاب الاستاذ،لكن اطلاق هذا الوصف ،بدون الاشارة الى بعض من حداثة مفهوم المرأة في خطاب الاستاذ،لن يوضح الصورة كاملة. أما الذكورية ،فلعل مرد ذلك الى طغيان وهيمنة الخطاب الذي يتحدث عن تفوق الرجل. ومن المستحيل الا تستبطن الخطاب السائد في درجة من درجاته. مثله في ذلك ،مثل تأثير اللاشعور على الشعور،كما بين ذلك بحق ،الاستاذ فرويد عليه افضل درجات المحبة.
وفي ما سيلي من كلام مقتضب،نحب ان نشير الى بعض من وجوه حداثة خطاب الاستاذ حول المراة ،مقارنة بالخطاب السلفي الاسلامي.
*********
من اعظم الوصايا التي قدمها الاستاذ للرجال:
Quote: أعينوا النساء على الخروج من مرحلة القصور، ليستأهلن حقهن الكامل في المسئولية، حتى تنهض المرأة، وتتصرف كإنسان، لا كأنثى..
* غاروا على النساء.. ولا يكن مصدر غيرتكم الشعور بالامتلاك، كما هي الحالة الحاضرة.. ولكن غاروا على الطهر، وعلى العفة، وعلى التصون، لدى جميع النساء.. وسيكون من دوافع مثل هذه الغيرة أن تعفوا، أنتم أنفسكم، فإنه وارد في الحديث: ((عفوا تعف نساؤكم))..


ثم في حديثه عن التسلط الزوجي الذكوري،
يفرغ العلامة اللغوية أي التسلط الزوجي الذكوري،
من المعنى المتعارف عليه ،ليعيد انتاجها:
*
Quote: تسلطوا على النساء!! ولكن لا يكن تسلطكم عليهن عن طريق الوصاية، ولا عن طريق القـوة، ولا عن طريق الاستعلاء - استعلاء الذي ينظر من أعلى إلى أدنى- ولكن تسلطوا عليهن عن طريـق الحب.. أحبوهن، وتعلقوا بالمكارم، والشمائل، والرجولة، التي تجعلكم محبوبين لديهن.. فإن المـرأة إذا أحبـت بذلـت حياتـها فـداء لمن تحـب.. فليكـن هـذا طريقكم إلى ((استغلالهن))..


وفي نظره الى العمل المنزلي ،نجد ان الاستاذ يدين النظرة الدونية التي ينظر بها المجتمع ،كما في حالة الاتحاد السوفيتي السابق ،الى العمل المنزلي. وما يميز خطاب الاستاذ حول العمل المنزلي ،انه يعتبره عملا عظيما ،ويستحق المكافأة المادية و الادبية.يقول في :
تطوير شريعة الاحوال الشخصية:
Quote: إن الاشتراكية السليمة يجب أن تدخل قيماً جديدة في التقدير.. وتلك هي القيم التي تجعل المادة وسيلة الإنسان إلى الحرية، لا بديلا عن الحرية.. إذ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..
فإذا ما دخلت هذه النظرة التقييمية الجديدة فإن الإنسان سيكون سيد الآلة، وليس خادمها.. وستكون المرأة المنتجة، وفي القمة، هي المرأة التي تنجب الأطفال، وتعنى بهـم، كما ً، وكيـفاً.. وستكون هي أولى بالتكريم من العلماء، والفنيين الذين يعملون في إنتاج الطائرات، والصواريخ.. وهي، من ثم تستحـق من المجتمع المكافأة الأدبيـة، والماديـة التي بـها تتحقـق، وتتوكد، كرامتها..


وقد عانت اجيال من النساء في العالم كله ،من النظرة الدونية للعمل المنزلي،فهن ينفقن حياتهن كلها في المنزل ،وفي آخر المطاف،لا يجدن تقديرا ،اللهم الا من برها الله ببنات بارات ،وأبناء بررة.
وعليه الا يحق للنساء اللواتي همش عملهن المنزلي ،ان ينلن تعويضا من المجتمع ،ممثلا في الحكومات؟
لماذا لا تطالب المنظمات النسائية و كل المنظمات والاحزاب التقدمية بتقديم تعويضات لكل تلك الاجيال من النساء الجميلات اللواتي لم يحصدن غير الدونية و الاحتقار متمثلا في احتقار العمل المنزلي ،وتتفيهه؟؟؟

****
وفي حديثه عن "المراة مكانها البيت" ،يفرغ العبارة من معناها الدارج ،عند الاسلام السلفي ،ليملأها بمحتوى جديد ،يعيد للمرأة مكانتها،ويجعل للبيت معنى آخر ،يجب ان تتوفر له شروطا محددة ،حتى يصبح بيتا جديدا.والبيت في خطاب الاستاذ ،هو بيت جديد ،وصعب تحققه ،كمفهوم جديد ،ان لم يتم التقيد بشروط جديدة ،تجعله يستحق المفهوم الجديد الانساني ، و العادل في خطاب الاستاذ الحداثي.يقول في ذلك ،في فقرة طويلة نرى الاستشهاد بها كاملة ،حتى نرى مدى الرحابة والانسانية ،
التي تميز البيت ،في تموضعه الحداثي في خطاب الاستاذ.يقول في كتابه المهم "تطوير شريعة الاحوال الشخصية:
Quote: المـرأة مكانها البيت

كثيراً ما نسمع الناس يقولون: المرأة مكانها البيت.. وهي قولة حق أريد بها باطل.. هم يريدون بها إلى الحجاب.. وعدم السماح للمرأة أن تخرج، لا للعمل ولا للنزهة.. والحق في هذه العبارة: أنا يجب أن نتعاون، رجالا ونسـاء، على إعادة تكوين البيت، ليكون مكانا للسعادة، والحب، ورضا النفس، يجد فيه الرجـل، والمـرأة، والأطفـال، دفء الحـب، وبرد السـلام.. ويجب أن تكون المرأة فيه الملكة، لا الخادمة.. فهي المنجبة للأطفال، والمشرفة على الأطفال، والمربية والمهذبة، للأطفال، ليكونوا نماذج عالية في الخلق، والذكاء، والكفاية الذاتية.. وهي، فوق ذلك كله، وقبل ذلك كله، مرفأ الأمان لزوجها يستظل بظلها، ويجد في حبها، وفهمها، ما يقوى به على حسن خدمة الجماعة، وعلى قطع درجات الكمالات الذاتية حتى يرقيا المراقي، سمتاً فوق سمت، إلى منازل الكمال المقدور لهما..
وإذا ما عرفنا للبيت هذا المقام فإن قولنا: ((المرأة مكانها البيت)) سيلقي علينا واجب تعليم الفتيات في أعلى مراحل التعليم، وإعدادهن عقليا، وخلقيا، ونفسيا، وجسديا، إلى المستوى الذي يرفع عنهن الوصاية، ويجعلهن مسئولات، مسئولية تامة، أمام القانون، كمسئولية شقائقهـن الرجال، لا وكس، ولا شطط.. وعلى وفق مستوى هذه المسئولية يكون حقهن في الحريـة، والكرامة: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)) هذا في منطقة القانون.. ((وللرجال عليهن درجة)) هذا في منطقة الأخلاق.. حيث يقع التفاوت بين الرجال، فيما بينهم، وبين النسـاء، فيما بينهن، وبين بعض النساء وبعض الرجال، ثم لا ينسحب هذا التفاوت من منطقة الأخلاق على منطقة القانون، فيؤثر على الحقوق، والواجبات، كما هو الشأن في ظل الشريعة السلفية.. ذلك بأن منطقة الأخلاق هي فوق مستوى القوانين.. والمراقب لها هو الله.. والمكافئ على الحسنة فيها هو الله..


من الملاحظ ان الاستاذ يلجأ في مسالة المراة الى التدريج ،ولا يتبنى الصدمة التي يمكن ان تعيق مشروع تحرير المرأة ،كما يفهمه.
وكلامنا عن "التدريج" ،يستند الى أن الاستاذ في بعض من أوجه خطابه يلجأ الى الصدمة ،كما في حديثه عن الشريعة الفردية ،وصلاة الاصالة،والانسان الكامل ،وعلاقته بالله،و الرسالة الثانية ،وكلامه عن "الرجل" في اشارة الى نفسه كرسول للرسالة الثانية.ويبدو ان اسلوب "الصدمة " قد ساهم بدرجة كبيرة في النظر بريبة وتشكك الى خطاب الاستاذ،مما جعله هامشيا،ولا يستند الى مجموعة اجتماعية مؤثرة.
وسنعود
المشاء

Post: #313
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-19-2007, 04:40 PM
Parent: #1



حول المأذون له بالرسالة الثانية (5)



شكراً لك أيها الكاتب العملاق بحق( أسامة ) ،
وأنت تحفر في أرض صلدة . تحتاج درجة من الصفاء وتقمص منهاج الأستاذ للأخذ عن نصوص الأستاذ ( محبة ) قصمت ظهر حياته العادية وأركبته مطية التسفار وجمره منذ نهاية الأربعينات وإلى رحيله منتصف الثمانينات .
بين أيدنا أدناه نص أخذناه من خاتمة ( الرسالة الثانية من الإسلام ) :

فالأصل في الرسالة الثانية الحيوية والتطور، والتجدد، وعلى السالك في مراقيها أن يجدد حياة فكره، وحياة شعوره كل يوم، بل كل لحظة، من كل يوم، وكل ليلة.. مثله الأعلى في ذلك قول الله تبارك وتعالى في شأن نفسه (( كل يوم هو في شأن)) ثم هو (( لا يشغله شأن عن شأن)).
فهو حين يدخل من مدخل شهادة (( ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله)) يجاهد ليرقى بإتقان تقليد المعصوم إلى مرتبة (( فاعلم أنه لا إله إلا الله)) ثم يجاهد بإتقان هذا التقليد حتى يرقى بشهادة التوحيد إلى مرتبة يتخلى فيها عن الشهادة، ولا يرى إلا أن الشاهد هو المشهود، ويطالع بقوله تعالى (( شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة، وأولو العلم، قائما بالقسط، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم)) وعندئذ يقف على الأعتاب، ويخاطب كفاحا، بغير حجاب (( قل الله! ثم ذرهم في خوض يلعبون))، و (( قل)) هنا تعني (( كن)) وههنا مقام الشرائع الفردية. وحين يرقى السالك في مدارج الرسالة الثانية من مدخل الرسالة الأولى على النحو الذي بينا يكون قد قطع درجات السلم السباعي، من درجة الإسلام، إلى الإيمان، إلى الإحسان، إلى علم اليقين، إلى عين اليقين، إلى حق اليقين، إلى الإسلام من جديد، ثم يبدأ من جديد، على مستوى جديد، دورته الجديدة، وهكذا دواليك. إن الإسلام سلم لولبي، أوله عندنا في الشريعة الجماعية، وآخره عند الله، حيث لا عند، وحيث لا حيث.. والراقي في هذا السلم لا ينفك في صعود إلى الله (( ذي المعارج)) فهو في كل لحظة يزيد علمه، ويزيد، تبعا لذلك، إسلامه لله. وتتجدد بكل أولئك حياة فكره، وحياة شعوره.. ودخول العارج، في هذه المراقي، على مرتبة الشريعة الفردية، أمر محتم، وليس هو بالمقام البعيد المنال، وإنما محك الكمال، الذي تقطع دونه الأعناق، هو أن تكون حقيقتك عند الله وأن تكون شريعتك الفردية طرفا من حقيقتك هذه. وهيهات!! هيهات!!. فإن ذلك سير في الإطلاق.. وليس في هذا القول مثالية، لأنه في طرفه العلمي، قد تنزل إلى أرض الناس، وأخذ يشدهم إلى المطلق، على تفاوت في التحصيل بينهم، كل حسب مبلغه من العلم. فهم في سلم صاعد، عدد درجاته بعد الأنفس، و (( فوق كل ذي علم عليم)) إلى أن ينتهي العلم إلى (( علام الغيوب)).
إن هذا يعني أن حظ الانسان من الكمال لا يحده حد، على الإطلاق. موعود الإنسان من الكمال مرتبة الإله. ومع ذلك فإن النهج إلى تحقيقه لا يقوم على المثالية، وإنما يقوم على الواقعية الملموسة في مسلك العبادة، وفي مسلك المعاملة، وقد سلفت إلى كل أولئك التفاصيل.. وبحسب الانسان أن الله قد ادخر له من كمال حياة الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
لك الحمد اللهم كما أنت أهله، حمدا كثيرا، طيبا، مباركا فيه.]


انتهى نص الأستاذ .

عن الرسُل الذين يرتقون السلم صعوداً ، ويتلقون عن القرآن الفتوحات الربانية من بث الرؤى الإلهية وهي ترتقي السلم من الغلظة والتخفف منها ، من الإقتداء برب العزة ومنهاجه ( كل يوم هو في شان ) ، فإن ما نقرأه من نص الأستاذ أن ذلك الرقي في صعوده ، تتساقط الغلظة وبالتالي نرى أن تساقط الغلظة أو التخفف منها في طريق الصعود هو رُقي لأكثر من رسالة في الصعود إلى الخالق ، فقد نص الأستاذ :


( وحين يرقى السالك في مدارج الرسالة الثانية من مدخل الرسالة الأولى على النحو الذي بينا يكون قد قطع درجات السلم السباعي، من درجة الإسلام، إلى الإيمان، إلى الإحسان، إلى علم اليقين، إلى عين اليقين، إلى حق اليقين، إلى الإسلام من جديد، ثم يبدأ من جديد، على مستوى جديد، دورته الجديدة، وهكذا دواليك.)


انتهى نص الأستاذ .

وإن البداية من منتهى الإسلام في الرسالة الثانية ، ثم يبدأ من جديد وعلى مستوى جديد هو اعتراف منهجي بأن الرسائل قد تنبأ بها الأستاذ في صعود القمم إلى مراقي العزة نهجاً ، وهي هنا بينة أن في بطن المستقبل أكثر من رسالة وأكثر من رسول .

ثم نواصل

Post: #314
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-20-2007, 01:14 AM
Parent: #313

عزيزي الشقليني
اسمح لي بان اختلف معك.
ثنائيات خطاب الاسستاذ محمود لا تسمح برسالة ثالثة.
فالثنائيات الاساسية كما تطرقنا اليها قبل ذلك ،تتمثل في :
القرن السابع القرن العشرون
الرسالة الاولى الرسالة الثانية
الآيات المدنية ألأيات المكية
محمد أحمد
رسالةمحمد رسالة احمد أو الرسالة المحمدية\الاحمدية
الاصحاب الاخوان
امة المؤمنين امه المسلمين
قانون الغابة قانون الانسان
لا اله الا الله،
محمد رسول الله لا اله الله محمد رسول الله،لا اله الا الله
و كما قلنا فالقرن العشرون هو نهاية التاريخ اي دخول عصر قانون الانسان،
واليوتوبيا الموعودة.
ولاستناد الاستاذ على ثنائيات شبه صارمة،ذلك انه استثنى الزكاة من العبادات،
فانه قد كان يدافع بشكل ،لا علاقة به برهافة القرن العشرين ،
عن قانون العقوبات السلفي ،اي الحدود،باعتباره ينتمي الى الثوابت،
و انه يعبر عن "قانون المعاوضة"وهو قانون ليست له أية علاقة برهافة القرن العشرين،التي رفضت تلك العقوبات،وصنفتها في قائمة العقوبات المنتهكة لحقوق الانسان.
لكن الثنائية شبه الصارمة لخطاب الاستاذ، لا تنفي ،بطريقة أخرى،أنه من الامكان أن نستشف احتمال رسالات اخرى من خلال النموذج الذي مثله الاستاذ في تقسيم الاسلام الى رسالتين،
ولا ندري ما ذا سيقول الرسول الثالث،او الرسل القادمون،
لو كان ثمة رسل.
محبتي
المشاء

Post: #315
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-20-2007, 11:18 PM
Parent: #1

العزيز الكاتب أسامة الخواض :

شكراً لك هذا التوضيح ،
ولأتمنى أن تورد لنا نصوص الأستاذ التي تستبقي الحدود في الرسالة الثانية . فقد اطلعنا على الرسالة الثانية ، وبها الكثير من الإشارات ومنهاج التخلص من الغلظة .

أما ما ورد من باب القرآن والتسيير( الرسالة الثانية من الإسلام ):
ننقل النص الآتي فإنه يحتاج كثيف نظر وليس من السهولة القول بالغلظة في مفهوم الحدود، ونترك الباب مفتوحاً لك للرد . هذا هو النص أم غيره :


ومهما يكن من الأمر فإنهم جميعا قد عصوا أمر ربهم، وصاروا بالمعصية غلاظا، كثافا غير منسجمين مع تلك البيئة اللطيفة، فهبط بهم وزنهم الكثيف، من سلم الترقي إلى الدرك، وهو ما سمي في آيات (( والتين)) أسفل سافلين، وكان ترتيبهم في الهبوط إبليس أولا، متبوعا بحواء، ثم آدم، وفي بيئتهم الجديدة احتوشتهم الشرور، من كل جانب، ولكنهم ما لبثوا أن تأقلموا، ونسوا ما كانوا فيه من كمال إلا قليلا، واستجاب الله دعاء إبليس، فأنظره إلى يوم يبعثون، فلبث في أسفل سافلين، من غير ترق منه، لأنه لم يطلب الترقي، وإنما طلب الإنظار. واستجاب الله دعاء آدم وحواء، فلم يلبثا في أسفل سافلين إلا ريثما أدركتهما المغفرة التي طلباها في ساعة مخالفتهما أمر ربهما (( إن رحمة الله قريب من المحسنين.))

وقد يظن ظان حين يقرأ في الآيات السوالف من سورة (( والتين)) قوله تعالى (( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون)) أن الاستثناء هنا يعني أنهم لم يردوا إلى أسفل سافلين، وهذا خطأ. والحق أن هذه الآية وسابقتها تؤديان المعنى المؤدى بقوله تعالى (( وإن منكم إلا واردها، كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا، ونذر الظالمين فيها جثيا)) فنجي، من أسفل سافلين، آدم وحواء وبدأ ترقيهما، بفعل المغفرة والرحمة، وترك إبليس، حيث لم يفكر في التغيير.
قوله (( فما يكذبك بعد بالدين؟)) الدين الجزاء، وهو المعاوضة، وهو القصاص، وفيه إشارة إلى قانون القصاص، الذي قلنا أن الإسلام بني على حقيقته، وشريعته، والإشارة ترمي إلى إرشادنا إلى أن الإنسان، إنما رد من مقام أحسن تقويم، إلى درك أسفل سافلين، بحكم قانون المعاوضة، جزاء وفاقا.
قوله (( أليس الله بأحكم الحاكمين)) تزكية لقانون المعاوضة، وتذكير لنا بالحكمة المودعة فيه.


ويقول في الخاتمة :


( وحين يرقى السالك في مدارج الرسالة الثانية من مدخل الرسالة الأولى على النحو الذي بينا يكون قد قطع درجات السلم السباعي، من درجة الإسلام، إلى الإيمان، إلى الإحسان، إلى علم اليقين، إلى عين اليقين، إلى حق اليقين، إلى الإسلام من جديد، ثم يبدأ من جديد، على مستوى جديد، دورته الجديدة، وهكذا دواليك.)


وهو ما استشهدنا أن الرقي هي من الغلظة ، التي ربما بينها محمود بالشريعة والحقيقة

ونواصل

Post: #316
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-21-2007, 00:37 AM
Parent: #315

عزيزي الشقليني :
شكرا على ردك
قلت:
Quote: ولأتمنى أن تورد لنا نصوص الأستاذ التي تستبقي الحدود في الرسالة الثانية . فقد اطلعنا على الرسالة الثانية ، وبها الكثير من الإشارات ومنهاج التخلص من الغلظة .


هنالك تداخل بين الرسالة الاولى والثانية.
وذلك يتضمن الابقاء على الحدود،وعلى المعاملات ،
ما عدا تشريع الزكاة.
النصوص كثيرة ،وساورد بعضا منها ،في وقت لاحق.
ابحث في موقع الفكرة عن قانون المعاوضة،
وستجد ان الاستاذ يدرجه في الاصيل والثوابت من الدين.
وهذا اصلا يتناقض مع الرهافة وما اشرت اليه من ان الاستاذ يتحدث عن تطور لافت من الغلظة الى الرأفة والرهافة في المفهوم العام.
ومع ان تلك العقوبات تدخل في تاريخ الغلظة لكن الاستاذ يبقى عليها عبر ما يسميه بالتداخل بين الرسالتين.
وهو امر حقيقة غير مفهوم بالنسبة لي ،ذلك انه تناقض واضح،
مع ابسط المفاهيم الانسانية التي افرزها القرن العشرون الذي يحتفي به الاستاذ كثيرا باعتباره نهاية التاريخ.
محبتي
المشاء

Post: #317
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-21-2007, 04:19 AM
Parent: #316

عزيزي الشقليني اليك نصان عن قانون المعاوضة،اولهما طويل،والاخر قصيرنسبيا،
وقد وردا في "الرسالة الثانية من الاسلام":
وقبل ايراد النصين ،أحب ان اشير الى ان قطاعا كبيرا يعتقد ان معارضة الاستاذ لقوانين سبتمبر ناجمة من موقف رافض لها من حيث الجوهر،لكن الامر غير ذلك ،فهو مع الحدود،لكنه يرى ان النظام المايوي قد استغل الحدود لارهاب الناس،و بقية راي الاستاذ واضح في كلامه الاخير في المحكمة.
فالي النصين:


النص الاول:
وهذه مرتبة متقدمة من مراتب الحرية الفردية المطلقة ، التي قد طوع كل تشريع الإسلام ليبلغها الأفراد ، ومن أكبر آيات هذا التطويع أن التشريع كله ، وفي كل صوره ، مبني على المعاوضة ، أو قل القصاص (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ، لعلكم تتقون )) والقرآن أيضا يقول ، (( ليس بأمانيكم ، ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سوء يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ، ولا نصيرا )) ويقول (( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ، ويعذب المنافقين ، إن شاء ، أو يتوب عليهم ، إن الله كان غفورا رحيما )) ويقول (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) وهاتان الآيتان هما قوام الأمر كله ، في مبنى الشريعة ، وفي مبنـى الحقيـقة .. يعني في عقـوبة الدنيـا أو ثوابـها ، وفي عقـوبة الآخـرة أو ثوابها .
والقرآن يقول (( ليسأل الصادقين عن صدقهم ، وأعد للكافرين عذابا أليما )) فسئل عنه شيخ الطائفة الصوفية ، أبو القاسم الجنيد فقال (( يسأل الصادقين ، عند أنفسهم ، عن صدقهم ، عند الله .)) والصدق عند الله مطلق ، والصدق عند الخلق نسبي ، فيجزي كل صاحب صدق بما يبلغ صدقه بالقياس إلى الصدق المطلق ، كما قال (( ليجزي الصادقين بصدقهم )) وهذا الجزاء قصاص في الشريعة ، وقصاص في الحقيقة أيضا ، كما وردت إلى ذلك الإشارة (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) حياة هنا تعني زيادة معرفة . فحين تجازون بالخير على ما عملتم من خير ، على قاعدة الحسنة بعشر أمثالها ، أو تضاعف ، وحين تعاقبون على السيئة بمثلها ، أو يعفى عنها ، تزيدون حياة على حياتكم السابقة ، بارتفاع مدارككم ، وصفاء عقولكم ، وبسلامة قلوبكم .
وهذه الزيادة في المدارك ، لدى القصاص في الشريعة ، لا تحتاج إلى عميق فكر ، فهي ظاهرة ، وذلك أن الفرد لا يتعدى على حريات الآخرين ، أثناء ممارسته لحريته ، إلا لجهل ، وغباء ، وقصور تخيل .. فمن قلع عين أحد ، أثناء ثورة غضب ، مثلا ، لا يفعل ذلك وهو متخيل تماما لمبلغ الألم ، وفداحة الضرر ، الذي يلحقه بضحيته . فإذا ما اقتص منه ، فوضع في موضع الضحية ، وقلعت عينه معاوضة منه لفعله ذلك ، فقد تحقق غرضان في آن معا ، أولهما حفظ حق الجماعة ، بردع المعتدي في نفسه ، وبجعله نكالا لغيره ، وثانيهما إحراز حاجة الفرد إلى سعة التخيل ، حيث أعطي الفرصة ليعيش التجربة الأليمة التي فرضها على غيره لقصر في تخيله شدة الألم ، وفداحة الخسـارة ، اللذين تسبب فيهما ، وإنه لمما لا ريب فيه أن مثل هذه التجربة الأليمة تجعل من يتعرض لها أكثر إنسانية ، في مقبل أيامه ، منه في سابقتها ، فهو لا يمكن أن يسقط من اعتباره نتائج تصرفه على الآخرين . وهو ، على أيسر تقدير ، سيكف أذاه عن الآخرين ، وقد يحتمل أذاهم أيضا ، وسيكون ، على التحقيق ، كثير الاعتبار لهم ، حين يتصرف ، وقد يقوده هذا الصنيع ، معانا بالعبادة ، إلى الكلف بتوصيل الخير اليهم ، وهو خليق أن يجد في ذلك رضا نفسه ، وطمأنينة قلبه . فإن هو بلغ ذلك فقد وقف على أعتاب الحرية الفردية المطلقة ، بفضل ما أصاب من الوعي وسعة التخيل اللذين أفاده إياهما القصاص . وإن هو لم يبلغ هذا المبلغ فحسبه أن يكون واعيا لحدود حريته وحدود حريات الآخرين ، وفي ذلك خير كثير . والمعاوضة في حد الزنا تقوم على الرجم ، أو على الجلد ، حسب مقتضى الحال ، وذلك أن الزاني حين ذهب يبحث عن اللذة ، حيث كانت ، ومن غير اعتبار لشريعة ، أذيق الألم ليرده لصوابه ، فإن موقع الألم من وادي النفس يقـوم على العـدوة القصـوى ، حيـن تقـوم اللذة على العـدوة الدنيا ، وفي شـد النفس إلى الألم ، حيـن تتـهافت على اللـذة المحـرمة ، إقامـة للوزن بالقسـط مـما يعينها على الاعتـدال ، ويجعـلها أبعد من الطيش والنـزق.
وحد الخمر يقوم على نفس الأصل ، وذلك أن صاحب الخمر حين يسعى في إلغاء عقله ، إنما يريد أن يهرب من واقعه ليعيش في دنيا من صنع أوهامه ، وأخيلته المريضة ، فأريد بألم الجلد أن يرده إلى واقعه المرير ليعمل عقله في تغييره ، فإن الواقع لا يتغير بالهروب منه ، وإنما يتغير بمواجهته ، وإعمال الفكر في تغييره ، والله تعالى يقول (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) .
ثم إن العقل ، وبه وحده استحق الإنسان الكرامة على الحيوان ، هو الإبن الشرعي للقاح اللذة بالألم ، منذ سحيق الآماد ، وعبر رحلة الحياة الشاقة ، فإذا حاف عليه صاحبه ، في لحظة من لحظات الضعف ، فإن في لذع الألم لما يعينه على استعادة مكانه من قيادة السفينة في خضم الحياة الصخاب ، حتى يبلـغ بها بـر السـلامة .
وقانون المعاوضة ـ القصاص ـ قانون ينبع من أصل في الحياة أصيل ، فهو ليس قانون دين بالمعنى المألوف في الأديان ، ونحن حين نقرر أن تشاريع الإسلام مبنية على القصاص ، إنما نعني الإسلام في حقيقته ، لا في عقيدته ، والإسلام في حقيقته ليس دينا بما ألف الناس عن الأديان ، وإنما هو علم ، وما مرحلة العقيدة فيه إلا مرحلة انتقال إلى المرحلة العلمية منه .. مرحلة الشريعة فيه مرحلة انتقال إلى مرتبة الحقيقة حيث يرتفع الأفراد ، من الشريعة الجماعية ، إلى الشرائع الفردية ، التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة .
(( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟ ، * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ، نبتليه ، فجعلناه سميعا بصيرا )) .. (( هل )) تعني هنا قد و (( الإنسان )) تعني جنـس الإنسان . (( لم يكن شيئا مذكورا )) تعني أنه كان يتقلب في المستويات الدنيا من الحياة ، لم يظهر فيه العقل ، الذي عليه انبنى التكليف ، وبه رفع الذكر . و(( نطفة أمشاج )) تعني الماء الصافي المخلوط بالطين ، ومنه نشأت الحياة في ظلمات الدهر . وأما قوله (( نبتليه )) فهو روح الآية ، لأنه يشير إلى الصراع في البيئة الطبيعية ، بين الحي والقوى الصماء ، وبينه وبين إخوانه في الحياة ، وهو ما سبقت الإشارة الى جانب منه ، حين تحدثنا عن نشأة المجتمع البشري ، وهذا الصراع ، قبل ، وبعد نشأة المجتمع البشري ، كان ولا يزال ، قانونه المعاوضة (( القصاص )) .
قوله (( فجعلناه سميعا بصيرا )) إشارة إلى العقل ، والى كون العقل وليد الصراع الذي يهتدي بقانون المعاوضة (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) ووردت بعد الآيتين السالفتين من سورة الدهر الآية (( إنا هديناه السبيل ، إما شاكرا ، وإما كفورا )) .. (( إما شاكرا )) تعني مصيبا ، (( وإما كفورا )) تعني مخطئا ، وهكذا يرتجح العقل في أرجوحة الخطأ والصواب . وفي ذلك كماله (( إن لم تخطئـوا وتستغفـروا ، فسيأت الله بقـوم يخطئـون ويستغفرون فيغفـر لهم )) كما قال المعصوم .
وقانون المعاوضة على مستويين : مستوى الحقيقة ، ومستوى الشريعة ، وبينهما اختلاف مقدار ، لا اختلاف نوع .. فقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة قوامه قوله تعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) وقانون المعاوضة في مستوى الشريعة قوامه قوله تعالى (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) .
وقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة هو الإرادة التي بها قهر الله العوالم فأبرزها إلى الوجود وسيرها إلى الكمال ، وهو الحق الذي ورد كثيرا في القرآن (( ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون )) وهو يقول أيضا ، (( خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون )) ويقول (( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون )) فالحق هو هذا القصاص الذي تحكيه أحكم حكاية الآيتان ، (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) وعبارة (( لاعبين )) في الآية السابقة تشير إلى ما تشير إليه الآيتان من قوله تعالى ، (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق ، لا إله إلا هو رب العرش الكـريم )) وتعني أن العـوالم لا بـد راجعة إلى الله بفعل قانون المعاوضـة هـذا (( ليس بأمانيكم ، ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سـوء يجز بـه ، ولا يجـد له من دون الله وليا ولا نصيرا . ))
وقانون المعاوضة في مستوى الشريعة محاكاة محكمة لقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة ، وهـو يسير معه سيرا مصاقبا ولكنه ، في سبحاته العليا ، أكمل منه وأدق ، وهو يقع على ثلاث مستويات ، ويحكيه قولـه تعالى (( إن الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى )) والعدل هو القصاص في مستوى (( العين بالعين ، والسن بالسن )) ، (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) . والإحسان هو العفو عن المسئ ، (( فمن تصدق به فهو كفارة له )) كما ورد في آية القصاص ، (( وإيتاء ذي القربى )) تعني صلة الرحم في معناها الواسع ، وهو رحم الحياة . وهذه المستويات الثلاث تحكيها هذه الآية ((وجزاء سيئة سيئة مثلها ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله ، إنه لا يحب الظالمين )) قوله (( وجزاء سيئة سيئة مثلها )) مستوى العدل من درجة التناصف ، وإنما سماها سيئة ليرغب عنها ، حيث أمكن ذلك (( ولمن صبر وغفر ، إن ذلك لمن عزم الأمور )) وأما قوله (( فمن عفا )) فهو مستوى الإحسان بترك المسئ ، وهو فوق العدل . واما قوله (( وأصلح )) فهـو يعني المرحمة بالمسئ ، والتعطف عليه ، والتلطف به ، والمحبة له ، وذلك قمة الصلاح والإصلاح ، وهو أعلى مستويات قانون المعاوضة في الشريعة.
والنص الثاني يقول الآتي:
والدقة التي هي حظ قانون المعاوضة في الحقيقة ، والتي فاتت كثير من صورها على قانون المعاوضة في الشريعة ، تجد ضبطها في أن القانونين يعملان معا في مصادرة حرية من عجز عن الوفاء بحق الحرية ، من غير أن تكون هناك عقوبتان على خطيئة واحدة ، وفي مستوى واحد من مستويات العقاب .
Quote: وأقرب قوانين المعاوضة في الشريعة دقة من قوانين المعاوضة في الحقيقة الحـدود ، وهي أربعة .. الزنا والقذف والسرقة وقطع الطريق .. وترجع إلى أصلين هما حفظ العرض ، وحفظ المال ، وهما أول قانونين نشآ في المجتمع البشري البدائي ، وإليهما يرجع الفضل في جعل المجتمع ممكنا . ويلي هذه الحدود حد السكر ، ثم تجئ قوانين القصاص الأخرى في النفس بالنفس ، والعين بالعين .
ومعاوضة فعل الشر إنما تكون بوضع الألم في مقابلة اللذة من النفس ، والمراد من ذلك وزن قواها حتى تعتدل ، ولا تحيف ، فتتهالك على اللذة بغير كتاب منير .
المشاء

Post: #318
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-21-2007, 01:48 PM
Parent: #1



العقوبات في الرسالة الثانية من الإسلام (1)



الأحباء هنا ،
والعزيز الكاتب : أسامة الخواض ،

شكراً لك التنبيه الثري ، إذ أنني قرأت سفر ( الرسالة الثانية من الإسلام ) ، وقد رأيت أن أستنير بطريقة تبويب السِفر ، وقد تجنب الأستاذ في متن الرسالة الثانية بالفعل أن يورد باباً للعقوبات ، وربما تخير
( المعاوضة ) سبيلاً لتخفيف اللفظ على القراء ، وبين أيدينا مناهج المتصوفة ودرجة التسامح الذي تبثه المناهج عند سالكيها ، وذلك باب سنتحدث فيه في مُخطط التصوف في فكر الأستاذ ، نعود نحن في معرض التداول بشأن العقوبات وموقف فهم الرسالة الثانية منها ، فنعود للنص الأتي تحت باب التسيير خير مُطلق ، وهو قد ورد من الموضع الذي اقتطف منه الكاتب : أسامة الخواض ذلك الحديث عن العقوبات ، نورد النص أدناه تحت عنوان (التسيير خير مطلق ) لنرى أن للأستاذ رأي هنا ينتهي إلى رأي يُخالف ما انتهى إليه الكاتب أسامة من أن الأستاذ يرى أن في الرسالة الثانية لم تزل العقوبات الحدية بكل تفاصيلها ، ونُدلل على ذلك بالنص المنقول :
( فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها. ) ونورد النص المقطوف كاملاً :


التسيير خير مطلق

بدخول العقل في المسرح نشأ قانون المعاوضة في الشريعة، وهو قانون فج، إذا ما قيس إلى قانون المعاوضة في الحقيقة، ولكنه يدق، وينضبط، كلما قوي العقل واستحصد. وهو القانون الحادث، ويحكي الإرادة البشرية، المحدثة. وهو إنما يستهدف إتمام الانطباق على القانون القديم، الذي يحكي الإرادة الإلهية القديمة.. وهيهات!!
والإنسان مسير من البعد إلى القرب، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن التعدد إلى الجمعية، ومن الشر إلى الخير، ومن المحدود إلى المطلق، ومن القيد إلى الحرية.

والتسيير، من بدايته، هو رحمة في صورة عدل، وهو أكبر من العدل - (( فالرحمة فوق العدل))- وقد أسلفنا القول في ذلك. والتسيير حرية، لأنه يقوم على ممارسة العمل بحرية (( مدركة)) في مستوى معين، فإذا أحسن المتصرف التصرف زيد له في حريته، فارتفع مستواه بالتجربة والمرانة، وإن لم يحسن التصرف تحمل مسئوليته بقانون حكيم يستهدف زيادة مقدرته على حسن التصرف، وهكذا، فكأن الإنسان مسير من التسيير إلى التخيير، لأن الإنسان مخير فيما يحسن التصرف فيه، مسير فيما لا يحسن التصرف فيه، من مستويات الفكر، والقول، والعمل.

هناك حديث قدسي جرى من الله تعالى لنبيه داوود: (( يا داؤود! إنك تريد، وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد)) ولقد قرر الأمر من الوهلة الأولى حين قال، في صدر الحديث، (( وإنما يكون ما أريد،)) فدل بذلك على أن إرادة الله هي النافذة.

وحين قال (( فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد)) دل على أن إرادة الإنسان تكون نافذة المفعول إن هو أراد الله. فإن قلت فهل هو يملك أن يريد الله؟ قلنا هو لا يملك من تلك الإرادة إلا ما ملكه الله تعالى إياه، فانه سبحانه وتعالى يقول (( ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء)) وهو يشاء لنا في كل لحظة أن نحيط بشئ من علمه، وإلى ذلك الإشارة بقوله (( كل يوم هو في شأن)) وشأنه هو إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه، وليس يومه أربعا وعشرين ساعة، وإنما يومه وحدة زمنية التجلي، وقد تنقسم فيه الثانية إلى جزء من بليون جزء، حتى ليكاد الزمن أن يخرج عن الزمن، كل ذلك وفق ما أودع الله في المكان من قابلية التلقي، ولما كان القيد على قابلية التلقي لا يخضع إلا لحكمة المطلق، فهو قيد في حرية، وضيق في سعة، ومن أجل هذه الرحمة المطلقة فإننا أصبحنا نشعر بأننا نملك إرادة حرة، وهذا الشعور أوجب علينا أن نحسن التصرف في حرية إرادتنا هذه. وحسن التصرف في حرية الإرادة إنما يكون بأن نريد الله، ولا نريد سواه، فان نحن قمنا بذلك عن يقين مكتمل.. فكرا، وقولا، وعملا، فإنه يمدنا بمزيد من حرية الإرادة، وإن نحن أسأنا التصرف في حرية الإرادة، فأردنا سواه، صادر حريتنا بما يعلمنا كيف نحسن التصرف في مستأنف أمرنا، وحسن تصرفنا منه منة، وسوء تصرفنا منه حكمة، وهدف الحكمة أن يستعد المكان لتلقي المنة، وكل ذلك إنما يجري في لطف تأت، لا ينزعج معه لنا خاطر، ولا يمحى معه لنا وجود. ونحن لا نختار أنفسنا عن الله إلا لجهلنا، وليس الجهل ضربة لازب علينا، وإنما نحن نخرج عنه إلى العلم كل لحظة. فإن قلت فلماذا لم نخلق علماء، فنكفى بذلك شر الجهل، وسوء التصرف في الحرية، وما يترتب على سوء التصرف من عقوبة؟. قلنا أن العقوبة هي ثمن الحرية، لأن الحرية مسئولية، والمسئولية التزام شخصي في تحمل نتيجة العمل، بين الخطأ والصواب. ولقد خلق الله خلقا علماء لا يخطئون، ولكنهم ليسوا أحراراً، ولقد نتج عن عدم حريتهم نقص كمالهم... أولئك هم الملائكة، فإن الله فضل عليهم البشر، وذلك لمكان خطئهم وصوابهم، أو قل لمكان طاقتهم على التعلم بعد جهل، وإلى ذلك الإشارة بحديث المعصوم (( إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأت الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم)) فكأن الخطائين المستغفرين هم موضع نظر الله من الوجود، لأنهم سيصيرون إلى الحرية، والحرية المطلقة، وهي حظ الله العظيم.. وكل مقيد مصيره إلى الحرية، والحرية المطلقة في ذلك، وكل جاهل مصيره إلى العلم، والعلم المطلق في ذلك أيضا. والله تبارك وتعالى يقول (( يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) ويقول (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأنكم إلينا لا ترجعون؟)) وملاقاة الله، والرجوع إليه، لا يكون بقطع المسافات، وإنما يكون بتقريب الصفات، من الصفات. ومن أجل ذلك قررنا أن التسيير خير مطلق، وهو في حقيقة أمره خير، في الحال، وخير، في المآل.

وسيجئ وقت ينتهي فيه الجهل بفضل الله في التسيير، وإلى ذلك أشار المعصوم حين قال (( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، ولعلمتم العلم الذي لا جهل بعده، وما علم ذلك أحد!! قالوا ولا أنت؟ قال ولا أنا!!)) قالوا ما كنا نظن الأنبياء تقصر عن شئ!! قال (( إن الله أجل وأعظم من أن ينال ما عنده أحد!!)) وكلما قل الجهل، وزاد العلم، قل الشر، ورفعت العقوبة، عن المعاقبين، في تلك المنطقة التي وقعت تحت علمهم.
فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها. وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار، وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس إلى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل إلى نفاد.
والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.


انتهى النص المنقول ، ونعود للنظر في الإلتباس الذي حدث ، ولماذا لم يُفرد الأستاذ باباً للحدود أو المعاوضة كي لا يقع اللبس لدينا ، بحيث تتداخل الرسالة الأولى مع الثانية كما تفضل بتوضيح ذلك الكاتب : أسامة الخواض ، فهو قد كتب فصول الرسالة الثانية كالآتي :


ــــــــــ

الباب الأول

المدنية والحضارة
هل المدنية هي الأخلاق
فشل المدنية الغربية

الباب الثاني

الفرد والجماعة في التفكير الفلسفي
الفرد والكون في التفكير الفلسفي

الباب الثالث

الفرد والجماعة في الإسلام
الحرية الفردية المطلقة
الشريعة في خدمة الحرية الفردية المطلقة
الفرد والكون في الإسلام
الإرادة
الجبر والاختيار القرآن والجبر والاختيار
القرآن والتسيير
التسيير ما هو؟
المغفرة لآدم
كيف غفر لآدم
التسيير خير مطلق
القضاء والقدر
الخلاصة

الباب الرابع

الإسلام
الثالوث الإسلامي

الباب الخامس

الرسالة الأولى
أمة المؤمنين
الجهاد ليس أصلا في الإسلام
الرق ليس أصلا في الإسلام
الرأسمالية ليست أصلا في الإسلام
عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلا في الإسلام
تعدد الزوجات ليس أصلا في الإسلام
الطلاق ليس أصلا في الإسلام
الحجاب ليس أصلا في الإسلام
المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أصلا في الإسلام

الباب السادس

الرسالة الثانية
المسلمون
المجتمع الصالح
المساواة الاقتصادية: الاشتراكية
المساواة السياسية: الديمقراطية
المساواة الاجتماعية
خاتمة
ـــــــــ


انتهى التبويب ، ونشكر مجدداً الأستاذ / والكاتب : أسامة الخواض للتنبيه على التباس الخطاب : أ هو مقصود لمرحلة يتطلع لها المرء وهو يرتقي المسلك الرسالي في مرحلته الثانية ، ولا يراها إلا ( ذو علم من مجاهدة النفس ) ، أم أنها متقلبة الأهواء حتى تتخفى على قرون الإستشعار الشرعية التي تتبع ألا يحيد الآخرون عن الإتباع أم هو أمر يختص بأهل النار وأنها ليست بمآلهم اللأخير ، ويعقد رفع العقوبة عند عالم آخر غير دُنيانا ؟ وتلك هي مسألة الإلتباس في أمر أن العقوبة ليست بأصل .

نأمل أن نوغل أكثر لنعرف أين ينتهي خطاب العقوبات واين يكون رفها في رؤى الأستاذ محمود

ثم نواصل










Post: #319
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-22-2007, 08:54 AM
Parent: #318

عزيزي الشقليني
سلامات كثيرة ومراحب أكثر
قلت عزيزي:
Quote: وهو قد ورد من الموضع الذي اقتطف منه الكاتب : أسامة الخواض ذلك الحديث عن العقوبات ، نورد النص أدناه تحت عنوان (التسيير خير مطلق ) لنرى أن للأستاذ رأي هنا ينتهي إلى رأي يُخالف ما انتهى إليه الكاتب أسامة من أن الأستاذ يرى أن في الرسالة الثانية لم تزل العقوبات الحدية بكل تفاصيلها ، ونُدلل على ذلك بالنص المنقول :
( فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها


عزيزي الشقليني امر الاقتطاف من كتاب واحد ،لا يفيد في مسالة النظر الى خطاب كامل،خاصة ان الاستاذ لا يكتب بطريقة اكاديمية تجلعنا ،كمافعلت،ان نقول ان رايه في هذه المسالة قد انتهى الى "كذا"،وهذا قريب مما فعله "بولا " في حديثه عن "الرجل " كاستشهاد لذكورية خطاب الاستاذ،لكنه لم يرجع الى الخطاب كله ،حتى يعرف موقع "الرجل " من خطاب الاستاذ.
و كونك عزيزي ،قد اوردت فهرست الرسالة الثانية ،واستغرابك من ان الاستاذ ،لم يورد فصلا عن الحدو د في ذلك الكتاب الام؟؟؟كونك تسنتد الى ذلك ،لا يتوافق مع الطريقة التي يكتب بها الاستاذ ،فهي مزيج من الكتابة المعاصرة ،وكتابات الصوفية الذين يقفزون من مقال ،الى مقال آخر ،وهي طريقة لا تتوافق مع الفهارس والكتابات الحديثة.
ارجو ان نحاول ان ننظر الى خطاب الاستاذ في مجمله. حينذاك ،ستجد ان الاستاذ من اكثر المدافعين عن الحدود بمعنى الرجم والبتر وغيرها من الاحكام.
ربما تستغرب من ذلك ،
لكن هذه واحدة من الفجوات والثغرات المعرفية التي اشرنا اليها،وهذا مما لزم الاشارة اليه.
قلت عزيزي الشقليني:
Quote: رأي هنا ينتهي إلى رأي يُخالف ما انتهى إليه الكاتب أسامة من أن الأستاذ يرى أن في الرسالة الثانية لم تزل العقوبات الحدية بكل تفاصيله

افهم استغرابك من ان الاستاذ قد شمل الحدود مع انها حدود قديمة ومتخلفة بالواقع المعاصر، قد شملها ضمن الرسالة الثانية،
لكن الاستاذ في الرسالة الثانية نفسها يدافع عن كل تلك الحدود ،التي تعتقدها فظيعة،ويصر انها من الثوابت , و من اصيل الدين بالرغم من انها قد تأسست في زمن التوراة والانجيل ،لكن الاستاذ من خلال دفاعه عن قانون المواضعة يعتقد انها بالغة الدقة.
و من ثم هنالك سؤال يطرح نفسه ،ما هو راي الذين يرون ان خطاب الاستاذ بانسانيته المرهفة المستندة الى رهافة القرن العشرين ،اذا بان لهم ان الاستاذ الذي قتله رايه في تلك الحدود، هو من المدافعين بشراسة عن تلك الحدود ،بذريعة قانون المعاوضة؟؟؟
وسنعود باستشهاداتنا
المشاء

Post: #320
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-22-2007, 08:09 PM
Parent: #1





العقوبات في الرسالة الثانية من الإسلام (2)


الأستاذ/ الكاتب : أسامة الخواض
شكراً جزيلاً لك ، ونأمل إيراد النصوص التي تدعم كما وعدتنا .

أشكر لك هذا الدفق ، فأنت هُنا تقول برأيك :



افهم استغرابك من أن الأستاذ قد شمل الحدود مع أنها حدود قديمة ومتخلفة بالواقع المعاصر، قد شملها ضمن الرسالة الثانية،
لكن الأستاذ في الرسالة الثانية نفسها يدافع عن كل تلك الحدود ،التي تعتقدها فظيعة،ويصر أنها من الثوابت , و من أصيل الدين بالرغم من أنها قد تأسست في زمن التوراة والإنجيل ،لكن الأستاذ من خلال دفاعه عن قانون المواضعة يعتقد أنها بالغة الدقة.
و من ثم هنالك سؤال يطرح نفسه ،ما هو رأي الذين يرون إن خطاب الأستاذ بإنسانيته المرهفة المستندة إلى رهافة القرن العشرين ،إذا بان لهم إن الأستاذ الذي قتله رأيه في تلك الحدود، هو من المدافعين بشراسة عن تلك الحدود ،بذريعة قانون المعاوضة؟؟؟
وسنعود باستشهاداتنا
المشاء


ونتمنى أن نعود للاستشهاد ، وبين يدي النص ، وما قرأت من رسائل من منتدى الفكرة ، والكتب التي تطلعت عليها لم يزل الالتباس قائماً :
نعيد النص في مسألة التسيير خير مطلق :


بدخول العقل في المسرح نشأ قانون المعاوضة في الشريعة، وهو قانون فج، إذا ما قيس إلى قانون المعاوضة في الحقيقة، ولكنه يدق، وينضبط، كلما قوي العقل واستحصد. وهو القانون الحادث، ويحكي الإرادة البشرية، المحدثة. وهو إنما يستهدف إتمام الانطباق على القانون القديم، الذي يحكي الإرادة الإلهية القديمة.. وهيهات!!
والإنسان مسير من البعد إلى القرب، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن التعدد إلى الجمعية، ومن الشر إلى الخير، ومن المحدود إلى المطلق، ومن القيد إلى الحرية.

والتسيير، من بدايته، هو رحمة في صورة عدل، وهو أكبر من العدل - (( فالرحمة فوق العدل))- وقد أسلفنا القول في ذلك. والتسيير حرية، لأنه يقوم على ممارسة العمل بحرية (( مدركة)) في مستوى معين، فإذا أحسن المتصرف التصرف زيد له في حريته، فارتفع مستواه بالتجربة والمرانة، وإن لم يحسن التصرف تحمل مسئوليته بقانون حكيم يستهدف زيادة مقدرته على حسن التصرف، وهكذا، فكأن الإنسان مسير من التسيير إلى التخيير، لأن الإنسان مخير فيما يحسن التصرف فيه، مسير فيما لا يحسن التصرف فيه، من مستويات الفكر، والقول، والعمل.


ونعيد جزء من النص :

وسيجئ وقت ينتهي فيه الجهل بفضل الله في التسيير، وإلى ذلك أشار المعصوم حين قال (( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، ولعلمتم العلم الذي لا جهل بعده، وما علم ذلك أحد!! قالوا ولا أنت؟ قال ولا أنا!!)) قالوا ما كنا نظن الأنبياء تقصر عن شئ!! قال (( إن الله أجل وأعظم من أن ينال ما عنده أحد!!)) وكلما قل الجهل، وزاد العلم، قل الشر، ورفعت العقوبة، عن المعاقبين، في تلك المنطقة التي وقعت تحت علمهم.

الرأي :

1.

إن المنهاج العام في الترقي في مراحل الصعود إلى العلا ، واستيفاء شروط العبادة في توقها وهي تصعد سلالم الصعود عبر التلقي بوساطة النص القرآني ، وهنا تتخفف الغلظة منهاجاً ، ومن ضمن ما تتخفف عنه :
يقل الجهل ويقل الشر وترفع العقوبة عن المعاقبين ، وينتهي فيه الجهل بفضل الله في التسيير .

2.

إن هنالك وقفة تركت الباب موارباً ، وهو أن الكثير من الغلظة في منهاج الأستاذ آيلة إلى التداعي من غلظتها ، إن أفصح عن ذلك كما في الزكاة والجهاد و قوانين المرأة ، والأحوال الشخصية أم تدثر بتُقية اللغة كما في ( المعاوضة ) ، ولظني أن الأستاذ لم يُفرد لها باباً إذ أنها مرحلة لم يحن وقت الإفصاح عنها ، وإلا فإني لا أجد مُبرراً في بقائها إن اتبعنا المنهاج التعبدي وترقيه .

3.

هنالك ذكر للقوانين في مواضع أخرى من الرسالة الثانية بكثير من التعميم ، دون التفصيل .

4.

هنالك بالفعل شراكة بين مناهج التصوف ومناهج الضبط في المباحث ، وهو ما قررنا وفق المكتوب من أسفار الأستاذ أنه يتبع خليطاً من ضبط المباحث وخلافه من القفز بين الخطوات .

5.

هنالك عبارة ( اختلاف مقدار ) التي يُحب الأستاذ كثيراً أن يوردها ، ونعلم نحن أنه يوردها وهو عالم بمحتواها المعرفي وأحمالها ، وهي توضح أن درجات الترقي في مدارج العبادة كلها قد استعمل فيها عبارة
( اختلاف مقدار ) ، والتي أرى أن فيها تطور فارق يقتضي ( اختلاف نوع ) كما في النقلة المنهجية من الفروع إلى الأصول ، ورفع النسخ من آيات الأصول ،وغيرها من النقلات التي تُفصل بين الرسالتين الأولى والثانية .

6.

ورد في مواضع أن سيدنا محمد (صلعم ) هو رسول الرسالة الأولى ورسول الثانية ، وفي نفس الوقت يكون هنالك حديث عن أن النبوءة خُتمت ولم تُختم الرسالات ، بل ويتم ذكر أن عيسى سيكون آخر الرسل ، وسيأتي بالإسلام . فأين موضع المأذون له ، وأين العبارة اللغوية المخبوءة من أن هنالك رسول ويُعرف من مواصفاته ؟

7.

هنالك منهاج معروف لكل من يقرأ النصوص الدينية ، سيجد أن مناهج متون العقائد لا تتبع الترتيب الذي يحدث في المباحث لتداخل علوم غيبية ومناهج المتصوفة وتنوع الخطاب وتقلبه بين المشاعر والمنطق ، وهو مبرر لكل الدعاة أن يكون منهاجهم على ذلك النسق .


ثم نواصل

Post: #321
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-23-2007, 01:28 PM
Parent: #1




العقوبات في الرسالة الثانية من الإسلام ( 3)


الأحباء جميعاً والقراء :
تحية طيبة ،
ونخُص الكاتب والشاعر : أسامة الخواض ،
إذ أنه قد خصنا بالكثير من وقته والغوص في المباحث حول رؤى الأستاذ وخطابه على درجة عالية من العمق ونحن إذ نشترك معه نأمل أن نكون بقدر اتساع رؤيته إذ أنه كان حافزنا وفق المُخطط الذي رأى أنه السبيل للحفاوة بقدر الأستاذ محمود محمد طه وإحياء ذكراه على صحن وافر بالفِكَر ، يتقلب على أهواء الحوار . نحن من بعد لسنا نُفاخر بأننا قد قطعنا شوطاً ، ولكننا نأمل أن نُفسح للرؤى التي نحب أن تنهل من واحة المعرفة بالقدر الذي نأمل ونرتجي .

نعود لعقوبة اصطُلِح على تسميتها ( حد الحرابة ) :


{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33
موجز تفسير الآية وفق الجلالين :

33 - ونزل في العُرَنِيِّين لما قدموا المدينة وهم مرضى فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحُوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) بمحاربة المسلمين (ويسعون في الأرض فسادا) بقطع الطرق (أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) أي أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى (أو ينفوا من الأرض) أو لترتيب الأحوال فالقتل لمن قتل فقط والصلب لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله ابن عباس وعليه الشافعي وأصح قوليه أن الصلب ثلاثا بعد القتل وقيل قبله قليلا ويلحق بالنفي ما أشبهه في التنكيل من الحبس وغيره (ذلك) الجزاء المذكور (لهم خزي) ذل (في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) هو عذاب النار.

سبب النـزول وفق سِفر ( أسباب النـزول للواحدي ) :

من ص ( 159 ) من كتاب أسباب النـزول ( للواحدي ) ، تحقيق أيمن صالح شعبان ـ دار الحديث القاهرة ـ الطبعة الرابعة 1998 م ، نورد الآتي :

قوله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله )
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال : حدثنا أبو عمرو بن نجيد قال : أخبرنا مسلم قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال : حدثنا سعيد بن أبى عروة عن قتادة ، عن أنس :
( أن رهطاً من عكل وعرينة أتوا رسول الله ( صلعم ) فقالوا يا وسول الله إنا كُنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة ، فأمر لهم رسول الله (صلعم ) بذود وداع ، وأخمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها فلما صحوا ، وكانوا بناحية الحرة فقتلوا راعي رسول الله ( صلعم ) واستاقوا الذود ، فبعث رسول الله ( صلعم ) في آثارهم ، فأتى بهم ، فقَطَع زيد يديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم فتركوا في الحرة حتى ماتوا على حالهم ) .
قال قتادة : ذُكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم : ({إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ...}
رواه مسلم ، عن عبيد الأعلى ، عن سعيد إلى قول قتادة .


انتهى النص المنقول .

الرأي :

ما تم نقله وفق ما أوردنا أعلاه ، يظهر كيف كانت تُدار الدنيا أيام دولة المدينة أو ما اصطلح الأستاذ محمود على تسميته لها ( الرسالة الأولى ) وما أورد الأستاذ وفق الجبر والتسيير . تحدث عن العقوبات بمصطلحٍ غير مُتداول هو ( المعاوضة ) ، وإن كان ورود أحكام العقوبات قد تم وفق رؤى التسيير والتخيير ، فإنه لم يتم التمييز ( الواضح ) بين أيهم ضمن قوانين الرسالة الأولى وأيهم ضمن قوانين الرسالة الثانية فالمنهاج يقول بأن الرحلة من الجبر إلى التخيير تُقطع بالعلوم التي في سيرها تترقى إلى التخيير والتخفف من العقوبات وتم وفق نص الأستاذ ربطها بعقوبات النار من أنها ليست أبدية العذاب وفق خطاب الأستاذ من أن التخيير هو الأصل ، ولم يورد أن انتهاء العقوبات هو الدُنيا ، وإلا لفهمنا الأمر من أن العقوبات هو من مآل الرسالة الثانية . وهي ليست إلا فرعاً وفق المنهاج العام للرسالة الثانية من الإسلام الذي خط الأستاذ رؤاه .

لكننا لن نحكم على منهاج يترك أمر القوانين دون تفصيل . للناس في رؤى الأستاذ رسالتين ، أولى وقد انقضى أجلها ، وحان ميعاد الرسالة الثانية ، تعبُدياً يرتقي المرء صعوداً عبر التعبد بصورته الأولى ثم يتطور وكذلك في الزكاة ثم قوانين الأحوال الشخصية والجهاد والعبودية ...الخ ، أما على مستوى القوانين فلم يتم إيراد التفاصيل ، ومن المعلوم أن هنالك خطاب للأستاذ حول الديمقراطية والاشتراكية دون التفاصيل أيضاً ، فقد كتبت البشرية أسفاراً تحوي فلسفات ومناهج في الاقتصاد والاجتماع والسياسة ، بل في كل مجالات الحياة ومن الصعب اختصار كل ذلك كما أورده الأستاذ ، وذلك شق سنأتي عليه لاحقاً إن تيسر الزمان أن نتفرغ للمقارنة .

عن القوانين :

هنالك الكثير الذي يمكن أن ينفتح في مراقي تطور القوانين ، إذ لا يمكن أن يكون هنالك مجتمعاً بلا قوانين ، ونرى أن ما طال الزكاة والرق والجهاد ومساواة الجنسين ، يتعين أن تطال العقوبات أيضاً . أما ما اصطُلِح على تسميته ( القوانين الوضعية ) وهي تمييز عن القوانين الدينية التي تُنسب لقوانين السماء وفق الخطاب الديني منذ اليهودية والمسيحية ثم الإسلام ، فهنالك فقه للقانون يتعين الدخول في تفاصيله ولا يتم الاكتفاء بعمومية الفهم العام للرسالة الثانية ، و المراوحة بين التسيير والتخيير دون الدخول في التفاصيل القوانين وتمييز أيها يختص بالرسالة الثانية ، وأي مراقي وصلتها البشرية لتتخفف عنها كما تخففت من كثير من الأحكام .

من هنا كان للرسالة الثانية التفصيل عن كيف يكون الترقي في مسألة القوانين ، علماً بأن هنالك أبواب منفتحة بشأن كيف تقوم الدولة وكيف يُدار الاقتصاد وضبطه الذي يحتاج الكثير من التفاصيل ، وهو موجود بعمومياته وغير موجودة تفاصيله .

مثال من الأمثلة :

هنالك حد السرقة ( النصاب ) وهو مقيَّم بقيمة المسروق ذهباً وأن يكون ضمن الحرز الخاص بالمسروق ، فالجزاء ( قطع اليد ) . لو تم سرق ( نصابين ) كانت العقوبة كذلك وإن تم سرق :
( 1000000 ضرب النصاب ) فإن العقوبة هي أيضاً قطع اليد ، فيما يرى البعض من الفقهاء والمجتهدين بأن ذلك يتعدى السرقة إلى الإفساد في الأرض الأمر الذي يستوجب القتل أو الصلب أو القطع من خلاف أو النفي من الأرض ، وأصدق تعبير هنا نقتطفه من عبارة ترد دوماً في خطاب الأستاذ ( اختلاف مقدار لا اختلاف نوع ) ، ولكن هنا وفق بعض المجتهدين وأشاروا باختلاف في النوع لا اختلاف في المقدار ، وهو ما يستوجب القتل أو القطع من خلاف أو الصلب أو النفي من الأرض ، وربما إضافة لما أوردنا : يُضاف على العقوبة تسميل الأعيُن والترك في الحرَّة حتى الموت على الحال بعد التقطيع من خلاف ، كما ورد في أسباب النـزول الوارد أعلاه .

نعود لخطاب الأستاذ بشأن العقوبات :
نحن نسأل :
أين رؤى الرسالة الثانية حول العقوبات الحدية ؟ ونحن نعرف أن الروايات تقول أن الصحابي عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة في عام ( الرمادة ) ، وهو تعديل في تطبيق العقوبات بالتخفيف ، وتسمى اجتهاداً كما يحلو للبعض رغم أن النص الذي يُلاحق كل المُجددين :
( لا اجتهاد مع النص ) . فالصحابي عمر قد تخطى الخطوط التي يراها السلفيون حمراء ، وهو قد تجاوزها رغم أنه من أهل الرسالة الأولى والتي يرى الأستاذ محمود محمد طه أن العصر قد آن لتجاوزه رسالتهم التي لا تُناسب إنسان القرن العشرين ( وهو التعبير الذي تمسك به الكاتب أسامة من أن الفهم مرتبط بالقرن العشرين وهنالك نص يدعم رأيه ) .
لن ننسى نحن أن العديد من الآيات القرآنية قد نصرت رؤى الصحابي عمر بن الخطاب ، ونـزلت على ما كان قد يراه .

يمكن لمن أراد أن يقرأ التفاصيل فيما أوردنافي العقوبات (1) و ( 2) .

ثم نواصل


Post: #322
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-24-2007, 08:34 AM
Parent: #321

شكرا الشقليني على كلامك الطيب.
و اشارتك عن العقوبات ،اشارة مهمة.
أعود الآن باستشهاداتي عن قانون المعاوضة و الحدود ،وموقعها في الرسالة الثانية.
****

الحدود عند الاستاذ ،هي تمظهر لقانون المعاوضة،
الذي يقول عنه ،في هذا الاستشهاد الطويل من "الرسالة الثانية من الاسلام"
Quote: وهذه مرتبة متقدمة من مراتب الحرية الفردية المطلقة ، التي قد طوع كل تشريع الإسلام ليبلغها الأفراد ، ومن أكبر آيات هذا التطويع أن التشريع كله ، وفي كل صوره ، مبني على المعاوضة ، أو قل القصاص (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ، لعلكم تتقون )) والقرآن أيضا يقول ، (( ليس بأمانيكم ، ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سوء يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ، ولا نصيرا )) ويقول (( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ، ويعذب المنافقين ، إن شاء ، أو يتوب عليهم ، إن الله كان غفورا رحيما )) ويقول (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) وهاتان الآيتان هما قوام الأمر كله ، في مبنى الشريعة ، وفي مبنـى الحقيـقة .. يعني في عقـوبة الدنيـا أو ثوابـها ، وفي عقـوبة الآخـرة أو ثوابها .
والقرآن يقول (( ليسأل الصادقين عن صدقهم ، وأعد للكافرين عذابا أليما )) فسئل عنه شيخ الطائفة الصوفية ، أبو القاسم الجنيد فقال (( يسأل الصادقين ، عند أنفسهم ، عن صدقهم ، عند الله .)) والصدق عند الله مطلق ، والصدق عند الخلق نسبي ، فيجزي كل صاحب صدق بما يبلغ صدقه بالقياس إلى الصدق المطلق ، كما قال (( ليجزي الصادقين بصدقهم )) وهذا الجزاء قصاص في الشريعة ، وقصاص في الحقيقة أيضا ، كما وردت إلى ذلك الإشارة (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) حياة هنا تعني زيادة معرفة . فحين تجازون بالخير على ما عملتم من خير ، على قاعدة الحسنة بعشر أمثالها ، أو تضاعف ، وحين تعاقبون على السيئة بمثلها ، أو يعفى عنها ، تزيدون حياة على حياتكم السابقة ، بارتفاع مدارككم ، وصفاء عقولكم ، وبسلامة قلوبكم .


ثم يمضي لتبرير المعاوضة في شكلها الفيزيائي مثل قلع العين،وفائدة القصاص لمرتكب الخلع:

Quote: وهذه الزيادة في المدارك ، لدى القصاص في الشريعة ، لا تحتاج إلى عميق فكر ، فهي ظاهرة ، وذلك أن الفرد لا يتعدى على حريات الآخرين ، أثناء ممارسته لحريته ، إلا لجهل ، وغباء ، وقصور تخيل .. فمن قلع عين أحد ، أثناء ثورة غضب ، مثلا ، لا يفعل ذلك وهو متخيل تماما لمبلغ الألم ، وفداحة الضرر ، الذي يلحقه بضحيته . فإذا ما اقتص منه ، فوضع في موضع الضحية ، وقلعت عينه معاوضة منه لفعله ذلك ، فقد تحقق غرضان في آن معا ، أولهما حفظ حق الجماعة ، بردع المعتدي في نفسه ، وبجعله نكالا لغيره ، وثانيهما إحراز حاجة الفرد إلى سعة التخيل ، حيث أعطي الفرصة ليعيش التجربة الأليمة التي فرضها على غيره لقصر في تخيله شدة الألم ، وفداحة الخسـارة ، اللذين تسبب فيهما ، وإنه لمما لا ريب فيه أن مثل هذه التجربة الأليمة تجعل من يتعرض لها أكثر إنسانية ، في مقبل أيامه ، منه في سابقتها ، فهو لا يمكن أن يسقط من اعتباره نتائج تصرفه على الآخرين . وهو ، على أيسر تقدير ، سيكف أذاه عن الآخرين ، وقد يحتمل أذاهم أيضا ، وسيكون ، على التحقيق ، كثير الاعتبار لهم ، حين يتصرف ، وقد يقوده هذا الصنيع ، معانا بالعبادة ، إلى الكلف بتوصيل الخير اليهم ، وهو خليق أن يجد في ذلك رضا نفسه ، وطمأنينة قلبه . فإن هو بلغ ذلك فقد وقف على أعتاب الحرية الفردية المطلقة ، بفضل ما أصاب من الوعي وسعة التخيل اللذين أفاده إياهما القصاص . وإن هو لم يبلغ هذا المبلغ فحسبه أن يكون واعيا لحدود حريته وحدود حريات الآخرين ، وفي ذلك خير كثير
.

ثم يتحدث مدافعا عن المعاوضة في الحدود الاخرى:
Quote: والمعاوضة في حد الزنا تقوم على الرجم ، أو على الجلد ، حسب مقتضى الحال ، وذلك أن الزاني حين ذهب يبحث عن اللذة ، حيث كانت ، ومن غير اعتبار لشريعة ، أذيق الألم ليرده لصوابه ، فإن موقع الألم من وادي النفس يقـوم على العـدوة القصـوى ، حيـن تقـوم اللذة على العـدوة الدنيا ، وفي شـد النفس إلى الألم ، حيـن تتـهافت على اللـذة المحـرمة ، إقامـة للوزن بالقسـط مـما يعينها على الاعتـدال ، ويجعـلها أبعد من الطيش والنـزق.
وحد الخمر يقوم على نفس الأصل ، وذلك أن صاحب الخمر حين يسعى في إلغاء عقله ، إنما يريد أن يهرب من واقعه ليعيش في دنيا من صنع أوهامه ، وأخيلته المريضة ، فأريد بألم الجلد أن يرده إلى واقعه المرير ليعمل عقله في تغييره ، فإن الواقع لا يتغير بالهروب منه ، وإنما يتغير بمواجهته ، وإعمال الفكر في تغييره ، والله تعالى يقول (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) .
ثم إن العقل ، وبه وحده استحق الإنسان الكرامة على الحيوان ، هو الإبن الشرعي للقاح اللذة بالألم ، منذ سحيق الآماد ، وعبر رحلة الحياة الشاقة ، فإذا حاف عليه صاحبه ، في لحظة من لحظات الضعف ، فإن في لذع الألم لما يعينه على استعادة مكانه من قيادة السفينة في خضم الحياة الصخاب ، حتى يبلـغ بها بـر السـلامة .


ثم يمضي في الدفاع عن قانون المواضعة في شكله التوراتي والانجيلي،معتبرا انه لا ينتمي الى دين وانما ينتمي الى العلم:

Quote: وقانون المعاوضة ـ القصاص ـ قانون ينبع من أصل في الحياة أصيل ، فهو ليس قانون دين بالمعنى المألوف في الأديان ، ونحن حين نقرر أن تشاريع الإسلام مبنية على القصاص ، إنما نعني الإسلام في حقيقته ، لا في عقيدته ، والإسلام في حقيقته ليس دينا بما ألف الناس عن الأديان ، وإنما هو علم ، وما مرحلة العقيدة فيه إلا مرحلة انتقال إلى المرحلة العلمية منه .. مرحلة الشريعة فيه مرحلة انتقال إلى مرتبة الحقيقة حيث يرتفع الأفراد ، من الشريعة الجماعية ، إلى الشرائع الفردية ، التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة .
(( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟ ، * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ، نبتليه ، فجعلناه سميعا بصيرا )) .. (( هل )) تعني هنا قد و (( الإنسان )) تعني جنـس الإنسان . (( لم يكن شيئا مذكورا )) تعني أنه كان يتقلب في المستويات الدنيا من الحياة ، لم يظهر فيه العقل ، الذي عليه انبنى التكليف ، وبه رفع الذكر . و(( نطفة أمشاج )) تعني الماء الصافي المخلوط بالطين ، ومنه نشأت الحياة في ظلمات الدهر . وأما قوله (( نبتليه )) فهو روح الآية ، لأنه يشير إلى الصراع في البيئة الطبيعية ، بين الحي والقوى الصماء ، وبينه وبين إخوانه في الحياة ، وهو ما سبقت الإشارة الى جانب منه ، حين تحدثنا عن نشأة المجتمع البشري ، وهذا الصراع ، قبل ، وبعد نشأة المجتمع البشري ، كان ولا يزال ، قانونه المعاوضة (( القصاص )) .
قوله (( فجعلناه سميعا بصيرا )) إشارة إلى العقل ، والى كون العقل وليد الصراع الذي يهتدي بقانون المعاوضة (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) ووردت بعد الآيتين السالفتين من سورة الدهر الآية (( إنا هديناه السبيل ، إما شاكرا ، وإما كفورا )) .. (( إما شاكرا )) تعني مصيبا ، (( وإما كفورا )) تعني مخطئا ، وهكذا يرتجح العقل في أرجوحة الخطأ والصواب . وفي ذلك كماله (( إن لم تخطئـوا وتستغفـروا ، فسيأت الله بقـوم يخطئـون ويستغفرون فيغفـر لهم )) كما قال المعصوم .


ثم يتحدث عن "قانون المواضعة" في مستوى الحقيقة قائلا:
Quote: وقانون المعاوضة على مستويين : مستوى الحقيقة ، ومستوى الشريعة ، وبينهما اختلاف مقدار ، لا اختلاف نوع .. فقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة قوامه قوله تعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) وقانون المعاوضة في مستوى الشريعة قوامه قوله تعالى (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) .
وقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة هو الإرادة التي بها قهر الله العوالم فأبرزها إلى الوجود وسيرها إلى الكمال ، وهو الحق الذي ورد كثيرا في القرآن (( ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون )) وهو يقول أيضا ، (( خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون )) ويقول (( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون )) فالحق هو هذا القصاص الذي تحكيه أحكم حكاية الآيتان ، (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) وعبارة (( لاعبين )) في الآية السابقة تشير إلى ما تشير إليه الآيتان من قوله تعالى ، (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق ، لا إله إلا هو رب العرش الكـريم )) وتعني أن العـوالم لا بـد راجعة إلى الله بفعل قانون المعاوضـة هـذا (( ليس بأمانيكم ، ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سـوء يجز بـه ، ولا يجـد له من دون الله وليا ولا نصيرا . ))


ثم يمضي الى الحديث عن "قانون المعاوضة " في مستوى "الشريعة" وتطوره بعد ذلك :

Quote: وقانون المعاوضة في مستوى الشريعة محاكاة محكمة لقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة ، وهـو يسير معه سيرا مصاقبا ولكنه ، في سبحاته العليا ، أكمل منه وأدق ، وهو يقع على ثلاث مستويات ، ويحكيه قولـه تعالى (( إن الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى )) والعدل هو القصاص في مستوى (( العين بالعين ، والسن بالسن )) ، (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) . والإحسان هو العفو عن المسئ ، (( فمن تصدق به فهو كفارة له )) كما ورد في آية القصاص ، (( وإيتاء ذي القربى )) تعني صلة الرحم في معناها الواسع ، وهو رحم الحياة . وهذه المستويات الثلاث تحكيها هذه الآية ((وجزاء سيئة سيئة مثلها ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله ، إنه لا يحب الظالمين )) قوله (( وجزاء سيئة سيئة مثلها )) مستوى العدل من درجة التناصف ، وإنما سماها سيئة ليرغب عنها ، حيث أمكن ذلك (( ولمن صبر وغفر ، إن ذلك لمن عزم الأمور )) وأما قوله (( فمن عفا )) فهو مستوى الإحسان بترك المسئ ، وهو فوق العدل . واما قوله (( وأصلح )) فهـو يعني المرحمة بالمسئ ، والتعطف عليه ، والتلطف به ، والمحبة له ، وذلك قمة الصلاح والإصلاح ، وهو أعلى مستويات قانون المعاوضة في الشريعة.
ولما كان قانون المعاوضة ، في مستوى الحقيقة ، مرادا به تسيير العوالم إلى الله عن طريق الجسد ـ عن طريق القهر ، فإن قانون المعاوضة ، في مستوى الشريعة ، مراد به تسيير البشر إلى الله عن طريق العقل ـ عن طريق الحرية ، وفي ذلك الكرامة ، كل الكرامة ، للإنسان . وفي هذا المقام يجئ حديثنا عن العلاقة بين الإنسان والكون
.

ويقول في نفس الكتاب اي الرسالة الثانية من الاسلام:
Quote: قوله (( فما يكذبك بعد بالدين ؟ )) الدين الجزاء ، وهو المعاوضة ، وهو القصاص ، وفيه إشارة إلى قانون القصاص ، الذي قلنا أن الإسلام بني عليه حقيقتـه ، وشريعتـه ، والإشارة تـرمي إلى إرشادنا إلى أن الإنسان ، إنمـا رد مـن مقـام أحسـن تقـويم ، إلى درك أسفـل سافلين ، بحكـم قانـون المعاوضة ، جزاء وفاقا .
قوله (( أليس الله بأحكم الحاكمين )) تزكية لقانون المعاوضة ، وتذكير لنا بالحكمة المودعة فيه .


ويقول في الرسالة الثانية عن تسيير الله للحياة الى ان بلغت مبلغ العقل ،وقانون ذلك التسيير شبه المباشر ،
يقول "
Quote: ولقد تحدثنا عن هذا آنفا ، وقلنا أن الله سير الحياة ، من لدن ظهورها بين الماء والطين ، والى أن بلغت مبلغ العقل ، تسييرا شبه مباشر ، وقانونها يومئذ هو قانون المعاوضة في الحقيقة ، وآيتاه من كتاب الله ، كما سبق بذلك التقرير ، هما الآيتان الكريمتان (( فمن يعمل مثـقال ذرة خيـرا يـره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يـره )) وهو قانون يعمل دائما على تنمية الخير ، ومحو الشر ، وذلك بسوق الحياة إلى كنف الله الرحيم.
هذا التسيير في مراقي القرب هو المغفرة لآدم ، من لدن النطفة الأمشاج ، وإلى أن أصبح بشرا مكلفا، فماذا كان آدم قبل هذا ؟ وكيف غفر له ؟ اسمع (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين )) فقبل أن يصبح آدم نطفة مختلطة بالطين - نطفة أمشاجا - قد كان ذرة من بخار الماء ، الذي هو أصل الحياة ، كما يخبرنا تبارك وتعالى (( أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ، وجعلنا من الماء كل شئ حي، أفلا يؤمنون ؟ )) وهذه الذرة هي أصل سلالة الطين . وإنما غفر له في هذه المرحلة بهذا التسيير المباشر ، بالقهر الإرادي ، الذي حفز الحياة إلى الله وأزعجها إلى قربه ، فارتقت المراقي ، وبلغت المبالغ . وقانون هذه الإرادة الإلهية ، هو قانون المعاوضة في الحقيقة أيضا .


ويقول في نفس الكتاب:
Quote: بدخول العقل في المسرح نشأ قانون المعاوضة في الشريعة ، وهو قانون فج ، إذا ما قيس إلى قانون المعاوضة في الحقيقة ، ولكنه يدق ، وينضبط ، كلما قوي العقل واستحصد . وهو القانون الحادث ، ويحكي الإرادة البشرية ، المحدثة . وهو إنما يستهدف إتمام الانطباق على القانون القديم ، الذي يحكي الإرادة الإلهية القديمة .. وهيهات !!

عن الحدود:
يقول قي :
الدين و التنمية الاجتماعية:
Quote: دقة قوانين الحدود والقصاص:
مسألة الحدود أدق من مسألة القصاص.. ومسألة القصاص انتو شفتو دقتها .. مسألة الحدود. نحنا عندنا أربعة حدود .. عندنا الحدود في الاسلام أربعة هي: الزنا، والقذف وهو التهمة بالزنا، والسرقة، وقطع الطريق .. يمكنك أن تقول: الأربعة ديل بيتلخصوا في اثنين: حفظ العرض – حد الزنا والقذف .. وحفظ المال – حد السرقة وقطع الطريق .. ولانضباط قوانين الحدود بالصورة دي قيل عنها انها هي حق الله، يعني يمكن للحاكم أن يعفو في أمر القصاص، لو فرض انو واحد قلع عين آخر ثم المقلوعة عينو عفا، يمكن للحاكم أن يعفو .. لكن في مسألة الحدود، اذا بلغت الحاكم، وقام الركن في حقها، لا تعفي .. النبي لا يمكن أن يعفو عن السرقة مثلا .. هو يمكن أن يعفو اذا كان واحد ضرب واحد كف كسر سنه، والمكسورة سنه عفا .. النبي يمكن، في الحالة دي، أن يعفو، اذا هو رأي أن يعفو لاصلاح الاثنين.. علي الأقل يمكنه أن يخفف العقوبة فيما يخص القصاص .. لكن في الحدود لا يكون في عفو اطلاقا .. لا يملك أي انسان هذا العفو .. دا حق الله .. هو قايم علي شيئين، كما سبق أن قررنا، حفظ العرض، وحفظ المال .. نعم هناك حد الخمر، لكنه ماهو في انضباط الحدود الأربعة التي ذكرنا انها تقوم علي صيانة العرض، وصيانة المال ..


وفي نفس الكتاب يقول في هذا الاستشهاد المطول:
Quote: ودا بيجيبنا بوضوح الي أوكد تشاريع الاسلام .. أوكد تشاريع الاسلام الحدود .. وتلي تشاريع الحدود تشاريع القصاص .. وتشاريع القصاص في غاية الانضباط .. أما تشاريع الحدود ففي نهاية الانضباط .. لا يمكن للانسان أن يري أي خلل فيها .. وزي ما قلنا انها هي تشاريع قائمة علي ما وراء الدين، ما وراء العقيدة، قائمة علي حياة الأحياء قبل ما يجيء البشر لتكون عندهم عقول وبخاطبوهم بالأديان، وبالحرام والحلال .. كانت القاعدة في مسألة الدقة في تشريع الحدود، وتشريع القصاص، كما سبق أن قررنا تقوم علي قوله تعالي: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شر يره) .. وهذا هو مستوي صراع الأحياء مع البيئة .. فلما جات الشريعة، في صور التنصيص، جات منها العين بالعين، والسن بالسن.. هذه الشريعة البدأت عندنا بصورة موكدة في التوراة، هي شريعتنا نحن برضو، كما أنها هي شريعة النصاري..


ويقول في كتابه:
الإسلام
وإنسانية القرن العشرين

عن الحدود كأول التشاريع الانسانية:
Quote: حدود الإسلام أول القوانين ونحن عندنا في الإسلام أنو الحدود، هي أوائل التشريعات، على إطلاقها - الحدود الواردة في الإسلام - مثلا الحفاظ على الزوجة، والحفاظ على الملك.. دي يمكن تكون أول القوانين النشأت على إطلاق الصورة.. قد تتفاوت في بعض المجالات، في توكيدها وفي ضعفها، ولكن لا يمكن للمجتمع ان يعيش، متماسك، ومتسامح، ومسالم لبعض، إلا إذا كان ملكك محمي بالقانون، وزوجتك محمية بالقانون، ذلك حتى تهدأ الغيرة الجنسية، البشارك فيها الإنسان الحيوان.. وحتى تطمئن إنت على أن ملكيتك، إذا كانت سلاح حجر، أو كهف بتأوي ليهو محفوظ - محفوظ بفعل القانون.. هنا يمكن الحدود فيما يخص الزنا، وفيما يخص السرقة، تكون هي أوائل القوانين النشأت


وفي رد له على اللواء محمد نجيب يدافع الاستاذ عن قطع اليد في حالة ثبوت السرقة:
Quote: لقد قرر الكتاب للسرقة، وللزنا، وللقذف، ولقطع الطريق، حدودا، ثم درأ الحدود بالضرورة، فقال: ((فمن اضطر، غير باغ ولا عاد، فلا إثم عليه.. إن الله غفور رحيم)).. ولا إثم عليه معناها لا عقاب.. فواجب الحكومات أن تزيل الضرورة الملجئة للسرقة أيضا.. فإن سرق سارق نظرت: هل هو مريض؟؟ فإن يكن، طبت له.. وإلا يكن، قطعت يده.. فإن في قطع يده مصلحة له، لا يدركها إلا المستبصرون..
حكمة قطع يد السارق قائمة على أن ما يحتاجه الجسد موفور للجميع بدون مشقة، ولا جهد طويل.. وكل ما يحتاج إلى المشقة، وطول الجهد، فليس من حاجة الجسد، وإنما سولته أوهام العقول.. وهناك علاقة حسية، ومعنوية، بين اليد والعقل.. فمن عجز بيده قدر بعقله.. فأراد المشرع أن يوقظ العقل بتعجيزه اليد.. فإن لم يتفق لمن عجزت يده أن يتيقظ عقله، في هذه الحياة، فإنه يدرك هذه اليقظة في الحياة الأخرى، على التحقيق، ويكون الناس قد كفوا شره من هذه..


وفي مقال له عن "لحم الخنزير بين التحليل والتحريم"
يقول:
Quote: كلما ارتقى الناس ، وعرفوا ، وأرهف حسهم ، وتيقظت ضمائرهم ، كلما اتسعت حرياتهم ، وقلت الحدود عليهم ، وضاقت دائرة المحرمات ، واتسعت دائراة المباحات


وفي رد له على "مصطفى محمود" يقول :
Quote: ولما كان هذا الفصل ليس بالفصل المهم فإني ما أحب أن أطيل في متابعته، وبخاصة أن الكتاب قد طال .. ولكن ما ينبغي أن أختم تعرضي له، في مقامي هذا، قبل الإشارة إلى خطأ أساسي قد تورطت فيه أنت، وذلك حين قلت، من صفحة 224: (أما الضجة التي أثيرت والكلام الذي قيل حول إقامة الحد في القرآن بقطع يد السارق فهي ضجة مفتعلة .. لأن الآية تفسح المجال للعفو عن التائب فمن يسرق ويقل صادقا تبت ولن أسرق بعد الآن يعطي لولي الأمر مجالا لرفع الحد عنه (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم)) .. فإن قولك هذا قول غير صحيح، ذلك بأن أمر السرقة، إذا بلغ ولي الأمر، وقامت أركان الحد فإنه لا يستطيع أن يعفو، ولا أن يرفع الحد عن السارق .. لا يستطيع أحد أن يرفع الحد عمن قام به الحد .. لا يستطيع ذلك أحد، حتى و لا النبي الكريم ..
ما أحب لك أن تعتذر للإسلام، فتبرره، أمام الذين يهاجمونه بغير علم من المستشرقين، بمحاولة التنصل عن الحدود، أو عن الرق، كما فعلت، وكما فعل كثير من جهلاء المسلمين الذين حاولوا الدفاع عنه بمثل هذا الأسلوب .. إن الإسلام مبرر بما يكفي، ولو فهمنا نحن المسلمين دقائق حكمه، فأبرزناها، لكان في ذلك الإقناع، كل الإقناع .. والإفحام، كل الإفحام ..

وفي رد له في كتاب:
أسئلة وأجوبة - الكتاب الأول
يقول :
Quote: تطوير الشريعة الإسلامية عندنا يقع على جانب المعاملات فيما يختص بأمر المال ، و أمر السياسة .. أما الحدود ، و أما القصاص ، و أما العبادات فإنها لا تكاد تتطور
..
ويقول في رسالة الصلاة:
Quote: فليست للعبادة قيمة إن لم تنعكس في معاملتك الجماعة معاملة هي في حد ذاتها عبادة، ولقد قال المعصوم: ((الدين المعاملة)). ثم جاءت تشاريع الإسلام سواء في الحدود، أو في القصاص، مهيئة للتعاون مع تشاريع العبادة على تربية الفرد، تربية ينتفع بها هو في المكان الأول وتنتفع بها الجماعة في المكان الثاني.. ولنسق لذلك مثلا حد السرقة، وهو من الحدود الأربعة الأصيلة، فإن السارق إذا سرق أقل من النصاب لا يقطع، وإذا سرق النصاب من غير الحرز لا يقطع، وإذا سرق النصاب من الحرز نظر في أمره فإذا كان جائعاً جوعاً ملجئا لا يقطع، فإن لم يكن جائعا فهل هو مريض؟ فإن كان مريضا لا يقطع، وإنما يلتمس له الطب.. فإن لم يكن الحد مدروءا عنه بأي شبهة، وقامت عليه أركان السرقة كلها قطع. والحكمة من وراء القطع العلاقة القائمة بين العقل واليد.. فالإنسان الجاهل دائما يحاول حل مشكلته باليد، فهو إن ناقشته مثلا، وأعيته الحجة بادر إلى العنف بيده.. وحاجة الله إلى الخلق قلوبهم وعقولهم.. ((لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)) وللعلاقة القائمة بين اليد والعقل رأت حكمة الشارع الحكيم أن اليد إذا تعطلت بالقطع نشط العقل، وتفتق ذكاؤه عن أساليب للتعامل أقرب إلى المسالمة منها إلى المناجزة، وكذلك قطعها، وحقق بهذا القطع، الذي لم يكن منه بد، مصلحة للفرد بإيقاظ عقله، ومصلحة للجماعة بصون حقوقها من الاعتداء عليها.. وهذا ما أردناه حين قلنا آنفا أن تشاريع الإسلام، سواء في الحدود أو في القصاص، مهيئة للتعاون مع تشاريع العبادة على تربية الفرد تربية ينتفع بها هو في المكان الأول، وتنتفع بها الجماعة في المكان الثاني
..

وفي "اسس دستور السودان " يقول مدافعا عن "الحدود":

Quote: ويمكن ان يلتمس هذا التنسيق الدقيق في تشريع الحدود ، حيث قد بلغ أقصي أوجه ، والله تعالي يقول ((وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)) وان توهم المعتدي جهلا انه قد ظلم غيره ، ولذلك فان اقامة الحد عليه انصاف لنفسه من نفسه في المكان الأول ، وانصاف لغيره من نفسه في المكان الثاني ، كذلك يلتمس هذا التنسيق الفريد في قوانين القصاص ، والله تعالي يقول ((ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون)) فهي حياة للفرد المقتص منه بنفي أوهامه ، وتنشيط ذهنه ، وتوسيع خياله ، وهي حياة للجماعة المقتص لها ، بحفظ نظامها واستتباب أمنها ، ونحن نري لذلك أن قوانين الحدود: الزنا – الخمر- السرقة – القذف – قطع الطريق - ، يجب ان تقام ، ونري أن تشريعنا يجب أن ينهض علي مبدأ القصاص ، لأن بذلك يتحقق لنا أمران: أولهما التنسيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة ، وثانيهما اننا نضع الفرد من الوهلة الأولي في طريق تحقيق الحرية الفردية المطلقة ، لأننا بتشريع القصاص كأننا نقول له: انت حر مطلق الحرية في أن تفكر كما تريد وان تقول كما تفكر ، وان تعمل كما تقول ، بشرط واحد ، هو ان تدفع ثمن هذه الحرية ، وهو ان تتحمل المسئولية المترتبة علي تصرفك فيها ، فان اعتديت علي أحد اعتدينا عليك بمثل ما أعتديت عليه. ثم علينا الا نفارق تشريع القصاص ، الا حيث لا يكون التطبيق ممكنا ، وفي تلك الحالة نجعل عقوبتنا أقرب ما تكون للقصاص.
الدستور والقانون
يتضح من هذا اننا نتمسك بالتوحيد ، ونستقي منه تشريعنا الفرعي بالقياس علي تشريعي الحدود والقصاص ، حتي يجيء منسقا في اتجاه موحد لحاجة الفرد وحاجة الجماعة

ويقول في الباب السادس من "الرسالة الثانية من الاسلام":
Quote: الرسالة الثانية هي الإسلام ، وقد أجملها المعصوم إجمالا ، ولم يقع في حقها التفصيل إلا في التشاريع المتداخلة بين الرسالة الأولى وبينها ، كتشاريع العبادات ، وكتشاريع الحدود


ويقول في الرسالة الثانية من الاسلام في كلام له عن المغفرة لآدم وحواء:
Quote: والدقة التي هي حظ قانون المعاوضة في الحقيقة ، والتي فاتت كثير من صورها على قانون المعاوضة في الشريعة ، تجد ضبطها في أن القانونين يعملان معا في مصادرة حرية من عجز عن الوفاء بحق الحرية ، من غير أن تكون هناك عقوبتان على خطيئة واحدة ، وفي مستوى واحد من مستويات العقاب . وأقرب قوانين المعاوضة في الشريعة دقة من قوانين المعاوضة في الحقيقة الحـدود ، وهي أربعة .. الزنا والقذف والسرقة وقطع الطريق .. وترجع إلى أصلين هما حفظ العرض ، وحفظ المال ، وهما أول قانونين نشآ في المجتمع البشري البدائي ، وإليهما يرجع الفضل في جعل المجتمع ممكنا . ويلي هذه الحدود حد السكر ، ثم تجئ قوانين القصاص الأخرى في النفس بالنفس ، والعين بالعين .
ومعاوضة فعل الشر إنما تكون بوضع الألم في مقابلة اللذة من النفس ، والمراد من ذلك وزن قواها حتى تعتدل ، ولا تحيف ، فتتهالك على اللذة بغير كتاب منير .


وفي كلام له عن اصل الرق يقول الاستاذ في كتابه:
تطوير شريعة الأحوال الشخصية
Quote: ومن هاهنا نشأ الرق، ونشأ استغلال الأقوياء للضعاف.. ودخلت الحيل - قوة الذكاء- جنباً إلى جنب مع قوة العضل، لتنظم هذا الاستغلال وأصبح المجتمع البشري يعيش في غابة تختلف عن غابة الحيوان اختلاف مقدار.. فالصراع في هذا المستوى، بين الأقوياء والضعاف إنما هو صراع بين المستغلين (بكسر الغين) والمستغلين (بفتح الغين).


لكنه في كتابه "الرسالة الثانية من الاسلام "يتحدث عن "رق جديد " يستند الى قانون المعاوضة في شكل جديد ،يبيح الرق بحسبانه اي الرق فترة تطوير للعبد حتى يخرج من ربقة الرق الى باحة الحرية ،يقول الاستاذ عن تلك الفترة الانتقالية المهمة :
Quote: والحكمة في الاسترقاق تقوم على قانون المعاوضة . فكأن الانسان عندما دعي ليكون عبداً لله فأعرض ، دل إعراضه هذا على جهل يحتاج إلى فترة مرانة ، يستعد أثناءها للدخول ، عن طواعية ، في العبودية لله ، فجعل في هذه الفترة عبدا للمخلوق ليتمرس على الطاعة التي هي واجب العبد . والمعاوضة هنا هي أنه حين رفض أن يكون عبداً للرب ، وهو طليق ، وأمكنت الهزيمة منه ، جعل عبدا للعبد ، جزاء وفاقا . (( ومن يعمل ، مثقال ذرة ، شرا ، يره )) .
وهكذا أضاف أسلوب الدعوة إلى الإسلام ، الذي اقتضته ملابسة الوقت ، والمستوى البشري ، إلى الرق الموروث من عهود الجاهلية الأولى ، رقا جديدا ، ولم يكن من الممكن ، ولا من الحكمة ، أن يبطل التشريع نظام الرق ، بجرة قلم ، تمشيا مع الأصل المطلوب في الدين ، وإنما تقتضي حاجة الأفراد المسترقين ، ثم حاجة المجتمع ، الاجتماعية ، والاقتصادية ، بالإبقاء على هذا النظام ، مع العمل المستمر على تطويره ، حتى يخرج كل مسترق ، من ربقة الرق ، إلى باحة الحرية . وفترة التطوير هي فترة انتقال ، يقوى أثناءها الرقيق على القيام على رجليه ليكسب قوته من الكدح المشروع ، وسط مجتمع تمرن أيضا ، أثناء فترة الانتقال ، على تنظيم نفسه بصورة لا تعتمد على استغلال الرقيق ، ذلك الاستغلال البشع الذي يهدر كرامتهم ، ويضطهد آدميتهم ، والذي كان حظهم التعس إبان الجاهلية .
وهكذا شرع الإسلام في الرق ، فجعل للرقيق حقوقا وواجبات ، بعد أن كانت عليهم واجبات ، وليست لهم حقوق . ثم جعل الكفارات ، والقربات ، بعتق الرقاب المؤمنة ، السليمة ، النافعة . وأوجب مكاتبة العبد الصالح الذي يستطيع أن يفدي نفسه ، وأن يعيش عيشة المواطن الصالح . وهو في أثناء ذلك يدعو إلى حسن معاملتهم فيقول المعصوم (( خولكم إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تطعمون ، وأكسوهم مما تلبسون ))
.****
ويقول في القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري:
Quote: التسيير إنما يجري عن طريق العقل .. يعني عن طريق قانون المعاوضة .. فإن العقل قد كفلت له حرية الخطأ، والصواب .. فهو يعمل بحرية ظاهرة، فإذا أخطأ عوقب، وإذا أصاب أثيب .. وهو، حين الخطأ، وحين العقاب، يتعلم من خطئه كيف يصيب .. وهو بين الخطأ، والصواب، إنما يمارس حريته في العمل: (إعملوا ما شئتم !! إنه بما تعملون بصير) .. وبتصحيح الخطأ في العمل تنمو الحرية، بزيادة العلم بكيفية العمل وبصحة وجوه العمل.
فتكون الحكمة وراء العقوبة، إذن، هي أن يزيد علمنا، فتتسع حريتنا .. فالعقوبة هي ثمن الحرية ..

ويقول عن ان الحدود هي من أصول الدين ،ولا يقع عليها التطوير ،بالرغم من حديث الاستاذ :
Quote: فالأصل في الرسالة الثانية الحيوية والتطور ، والتجدد ، وعلى السالك في مراقيها أن يجدد حياة فكره ، وحياة شعوره كل يوم ، بل كل لحظة ، من كل يوم ، وكل ليلة .. مثله الأعلى في ذلك قول الله تبارك وتعالى في شأن نفسه (( كل يوم هو في شأن )) ثم هو (( لا يشغله شأن عن شأن )) .

يقول في خاتمة الرسالة الثانية انعدام تطوير الحدود في الرسالة الثانية:
Quote: والمدخل على الرسالة الثانية الرسالة الأولى . إلا ما يقع عليه التطوير من تشريعها .. ولا يقع التطوير في أمر العبادات إلا على الزكاة ذات المقادير ، وما ذاك إلا لأنها ليست ركنا تعبديا إلا لعلة أن الناس لم يكونوا يطيقون أفضل منها ، وإلا فإن الركن التعبدي إنما هو زكاة المعصوم . ولا يقع التطوير على تشريع المعاوضة ، وما ذاك إلا لأنه أصيل ، وقد بني على الأصول الثوابت من الدين . وإنما يقع التطوير في تشريع المعاملات ، كالحقوق الأساسية للأفراد ، وكالنظم الاقتصادية والسياسية ، إلى آخر ما يرتبط بتحولات المجتمع ، وما يسرع إليه التغيير من هذه النظم التي يجب أن تواكب المجتمع في حيوية ، واقتدار على التجدد ، والنمو ، والتطور ، وقد سبقت إلى كل أولئك الإشارة في هذا الكتاب .

*********
من الواضح ان هنالك علاقة وثيقة بين المعاوضة في مستوى الحقيقة وبينها في مستوى الشريعة.
لكن تتبقى اسئلة ما :
لماذا لا تكون المعاوضة في صورة اشد لطفا مما كان؟؟ لماذا لا تكون اقل غلظة ،خاصة وان الاستاذ يبشرنا الى انتقال العقوبات من شكلها "البدائي " الغليط الى شكل اكثر رهافة؟؟
ولماذا تكون المعاوضة في العقوبة البدنية فقط؟؟؟
وهل ان انسانية القرن العشرين تستحق المعاوضة في شكلها البدني فقط؟؟؟
اسئلة كثيرة تطرح نفسها....
وكونوا طيبين
المشاء
----------------------------------------------------------------------------------

--------------------------------------------------------------------------
هامش:

** في مقاله الآنف الذكر يقول بولا عن علاقة الرق بقانون المعاوضة في خطاب الاستاذ:
Quote: وقد أبديت آنفا أيضا قلة قناعتي بمسوغات الرق في الإسلام كما جاءت في تحليل الأستاذ. فأقول أن الحجتين اللتين قدمهما الأستاذ في تفسير وضعية الرق في الإسلام ليستا في قوة منطقه المتصل بمفهوم الحرية في بعده المنطلق من الأخذ في الحسبان برقي معارف الأمم وشرائعها. فالحجة الأولى التي تتأسس على مفهوم المعاوضة لاتنسجم مع الحقيقة التاريخية من أن الأمم التي أخضعها السيف وأجاز استرقاقها "حكم الوقت"، كانت على قدرٍ كبيرٍ من التحضر والتطور في معارفها وعقائدها وأنظمتها الإجتماعية، مع الإعتبار التام لنسبية مستوى تطورها التاريخي مما كان يمكن أن يغني عن اللجوء إلى منهج للمعاوضة في غلظة الرق في منحى تدريجها إلى الدين الجديد و"ترويض" عقولها وقلوبها على القبول به. والشاهد أن الحضارة الإسلامية لم تقم، في وجوهها المشرقة بالذات من فنون وعلوم و معارف، دون أن تستند إلى تراث الرقي و التحضر الذي كان لهذه الأمم، و لن يكون من الإفتراء والهوى أن أقول أن الغالبية العظمى ممن ساهموا في تأسيس و تطوير هذه العلوم و المعارف هم من بين الذين وطئهم عار الإسترقاق والولاء. إن حجة الأستاذ الرئيسة في دواعي تطوير التشريع هي الإرتقاء الحضاري، و ارتفاع مستوى الفهم والإستعداد للفهم لمطالب الدين الرفيعة، ولا أرى أن الإسترقاق كان حلاً مناسبا لتدريج أمم كان رقيها بالذات هو مصدر مساهماتها المتميزة في حضارة الإسلام. ولعلني أضيف أن "حجة" حكمة الإسترقاق بقرينة المعاوضة والمران على الطاعة لله بالتمرس والمران على الطاعة في حق من رفض أن يكون "عبدا للرب" فجُعل "عبداً للعبد جزاءاً وفاقا" لا تفسر، فيما لا تفسره وهو أكثر من أن يستوعبه هذا الحيز، أقول لا تفسر العناء النفسي الذي وقع على بعض ضحايا الرق من الصحابة الأجلاء مثل بلال وعمار ممن كان بعض الأصحاب أنفسهم يعيرونهم بأصولهم في سورات الغضب. صحيح أن التشريع لا يد له في استرقاق بلال وعمار وأمثالهم، ولايد له في مثل هذه التجاوزات، إلا أنهم عانوا من ظلال التمييز المضمر في الخواطر الخفية مما هو عندي متصل بحسم التشريع أو التفسير في موضوع الرق. ويبدو لي أن حجة "الحكمة" التي قضت "بالإبقاء على نظام الرق" بقرينة كون الإسلام "نزل على مجتمع الرق فيه جزء من النظام الإجتماعي"، وبأن هذا مما كانت تقتضيه "حاجة الأفراد المسترقين، وحاجة المجتمع، الإجتماعية والإقتصادية"،(29) تبدو لي أضعف من أختها. وسأستبعد من مناقشتي تمامًا "حاجة الأفراد المسترقين إلى الإسترقاق" في أي سياقٍ وردت وتحت أي حجة أتت. وأتوجه إلى الشق الثاني من الحجة فأتساءل عما إذا كان إقتصاد المجتمع العربي قبل الإسلام يتأسس على الرق بالصورة التي كان يمكن أن تؤدي إلى انهياره لو إن تشريع الرق في الدين الجديد كان أكثر حسماً، أو لنقل، أسرع تدريجا. لا يبدو لي أن آراء علماء تاريخ الإقتصاد السياسي المعاصرين تميل إلى تأكيد هذه الفرضية. و جملة القول عندي أن تبرير تشريع الرق عندي غير مقنع وهو بحاجة إلى قراءة نقدية أكثر تحرياً في وقائع التاريخ الفعلية في داخل دائرة المجددين ذوي المرجعية الدينية أساساً. ولا شك في أن ملاحظتي بصورتها هذه مبتسرة جدا وأتمنى أن تتاح لي فرصة أوسع لتطويرها بالحوار
Re: مقال عبد الله بولا عن التجديد في فكر الأستاذ محمود محمد طه]

Post: #324
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-25-2007, 01:52 AM
Parent: #322

عزيزي الشقليني
هذا ما اردناه ،وهو العثور اولا على الكنوز.
كلامك مهم حول ان الرجم لم يرد في تلك النصوص التي قلنا بها .
وسنحاول ان نبحث اكثر في كنوز اخرى عن الرجم.
اسمح لي عزيزي ،في انتباهك العالي،
ان اورد ردا على مقتطف من الدكتور القراي في رده على الدكتور محمد وقيع الله .
****

نورد المقتطف التالي من رد للدكتور عمر القراي على د.محمد وقيع الله.
وايرادنا له ينطلق من اشارته الى مصطلحي الحضارة والمدنية ،
وكذلك الحدود ومفهوم المكي والمدني في الخطاب الجمهوري،و هو يتعلق بمفهوم الخطاب المكي والمدني ،وكذلك التداخل ما بين الرسالتين.
يقول الدكتور القراي في رده على وقيع الله في :
عودة إلى الحوار العجيب !! (3)


Quote: وعن سبب رفضه للنص الذي أوردته له ، من كتاب الرسالة الثانية ، يقول د. محمد وقيع الله ( لم يحسن صاحبه استخدام المصطلحات ف (التمدن) وهو المصطلح الذي استخدمه يعني الجانب المادي من التطور الإجتماعي وبالتالي فانه حصر بقوله هذا رسالة الإسلام وانجازه التاريخي في هذا الجانب المادي القاصر من جوانب الرقي الاجتماعي ولو استخدم محمود مصطلح التحضر لاصاب لأن التحضر يعني الجانب الثقافي والروحي ) ..

سبق لنا -قبل وقيع الله -ان اشرنا الى ذلك في بوست لنا في هذا المنبر عن "البدائية " في خطاب الاستاذ.
وقد حاول وقيع الله ان يستند الى مفهومه الخاص عن المدنية ،وعن الحضارة.
و هنا يرد د.القراي على د. وقيع الله قائلا:

Quote: هذا ما قاله وقيع الله ، وهو عكس الحقيقة تماماً . فكلمة (المدنية ) ، و( التمدن) ، مأخوذة من العيش في المدينة . ولقد انتقلت الحياة البشرية ، إلى المدينة من الغابة ، عبر تطور وئيد .. ففي الغابة ، القوة تصنع الحق وتتقاضاه ، وليس هناك قانون ، وإنما القوي يأكل الضعيف .. أما في المدينة ، فان القانون يحمي الضعيف ، من بطش القوي ، وبفضله انماز الحق عن القوة .. والعيش في المدينة ، يقتضي مراعاة القانون ، والسلوك وفقه ، ثم رعاية الأخلاق ، التي تمثل الجانب الأرفع من القوانين .. وهذا يحتاج الى تربية ، وتثقيف ، لهذا فان (التمدن) قيمة روحية وثقافية .


من الملاحظ ان الدكتور القراي ،لا ينطلق من التعريفات المعاصرة ،و انما ما قال به الاستاذ حول التطور من قانون الغابة الى قانون الانسان.
ومن ثم ارجع القراي المدنية الى "المدينة.
وحين يعود القراي الى تعريف الحضارة فانه يربطها بالحضر،يقول في ذلك:
Quote: أما التحضر، فتعني العيش في الحضر، في مقابل البدو أو الريف .. والحضر أسهل عيشاً ، وألين حياة ،من البدو، وذلك لأن في الحضر تتوفر الوسائل المادية ، التي تزيد من يسر الحياة ، ولينها ، مما لا يتوفر في الريف ، ولهذا يهاجر سكان الريف الى الحضر .


الدكتور القراي يتحدث عن الارياف في علاقتها بالحضر،اليس هنالك علاقة بين المدينة والريف؟
بل هذه اقرب من العلاقة بين المدينة والغابة.
و من هنا نرى ان القراي لا ينطلق في دفاعه من المصطلحات المعاصرة ِ،وكيف تعامل الاستاذ معها،وانما يقلب المسالة بحيث يحاول ان يعرف المدنية والحضارة على ضوء خطاب الاستاذ،
بالرغم من ان الاستاذ ،قد تناص مع هذين المصطلحين في التباسهما،
ذلك ان هنالك حدا ثالثا يجمع بين الاثنين ،لكن مفهوم الاستاذ حول وحدة الوجود،
لا يعطيه "فرقة" للقول بمصطلح يجمع الجانبين المادي والروحي ،
وهو ما حاول ان يقول به د.وقيع الله حين أشار الى مفهوم التحضر باعتباره يجمع مفهومين هما الثقافة ،وهذا يتضمن انها الجانب المادي ,ثم الجانب الروحي،بحسب فهمه.
لكن القراي لم ينتبه الى جمع وقيع الله بين المادي والروحي،
وهذا ما يجعلنايقول ان الدكتور القراي ،لا ينطلق مما اثبت في العلم قبل الاستاذ،
وحاول بطريقة غير مقبولة ان يؤسس لما قال به الاستاذ.
وحتى في كلامه عن التمييز بين المادي والروحي،
نجده ،اي الدكتور القراي،على شاكلة الاستاذ، لا يضمن الفنون وكافة اشكال الابداع مثل الفلسفة وعلم الاخلاق وعلم الجمال،وغيرها من العلوم ،لا يضمن كل ذلك في الجانب الروحي ،مع الاخلاق،التي يعرف بها الاستاذ الجانب الروحي،
ولذلك فهو قد وقع في نفس احادية الاستاذ ،في تعريفه الجانب الروحي ،
بانه الاخلاق ،وفقط ،وقد اشرنا الى ان دكتور ياسر الشريف ،قد وقع في نفس التفسير الاستاذي ،اي تعريف الاخلاق بانها فقط ولا غير تمثل الجانب الروحي في المجتمعات الانسانية,
ولذلك فهو يقول في فهم احادي للجانب الروحي الانساني ،باعتباره الاخلاق فقط،لا غير ،يقول

Quote: فالحضارة إذا، هي التقدم المادي ، والمدنية هي التقدم الروحي أو الاخلاقي


*المكي والمدني:
وفي رد له على وقيع الله عن المكي والمدني ،وان الاية التي تتحدث عن الاشتراكية هي مدنية يقول:
Quote: لقد شرحت كل كتب الفكرة الجمهورية هذه القاعدة الأساسية ، وهي أن القرآن قد نزل على مستويين : قرآن الأصول وقرآن الفروع .. ولقد بدأ النزول بقرآن الأصول ، في مكة ، لمدة ثلاثة عشر عاماً ، قامت فيها الدعوة على أساس الإسماح ، وحرية العقيدة ، وعدم القتال ، والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين.. وهذه القيم الإنسانية الرفيعة وردت في القرآن المكي ، وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة ، نسخ هذا المستوى الرفيع ، بالقرآن الفرعي ، الذي تنزل من الأصول، ليناسب مستوى الناس ، في ذلك الزمان ، حيث فرض الوصاية بديلاً عن الحرية ، والجهاد بديلاً عن الدعوة بالتي هي أحسن ، وعدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين بديلاً عن المساواة .. ولكن هذا الأمر، لم يحدث في يوم وليلة ، وإنما تدرج حتى اكتمل خلال عشر سنوات .. فالآيات التي نزلت في أول العهد ، بالمدينة ، خاطبت الناس بما كان عليه حالهم في مكة ، فجاءت تحمل روح القرآن المكي .. ولهذا افتتحت سورة النساء بقوله تعالى " يا أيها الناس " مع أن ذلك من علامات القرآن المكي .. ولقد ورد في كتب الجمهوريين ، أن الفرق بين القرآن المكي والمدني ، ليس هو اختلاف مكان أو زمان النزول ، وإنما اختلاف مستوى المخاطبين ، واعتبارهم من حيث المسؤولية التي تعطي الحرية ، أو القصور الذي يوجب الوصاية .. وسبب التداخل بين القرآن المكي والمدني ، هو التداخل بين الإسلام والإيمان ، ذلك أن التدرج في المراقي ، من الإيمان نحو الإسلام ، لا ينفصل السالك في مضماره ، فصلاً تاماً ، وإنما ترقي يختلف صاحبه ، في كل مرحله، اختلاف مقدار لا اختلاف نوع ، عن المرحلة التي تليه..

ما يقول به القراي يثبت ما قلنا به عن عدم امكانية تطوير الحدود،وهذا يعزز ردنا على الشقليني،
ثم مسالة المكي والمدني ،وتداخل الرسالتين،
فمن الواضح ان هنالك افقا واسعا لما يسمي بالتداخل بين الشريعتين،
وفي ان الفاصل بين المكي والمدني يحتمل ايضا تاويلات كثيرة لادخال اي منهما في الآخر.
محبتي
المشاء
لك محبتي يا شقليني
المصدر: الصحافة 29/11/2006
http://www.alfikra.org/article_page_view_a.php?article_id=1011&page_id=1[/B]

Post: #323
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-24-2007, 11:51 PM
Parent: #1


العزيز الكاتب : أسامة الخواض
تحية واحتراماً

لقد أوردت كل الشواهد المُمكنة ، وتبقى علينا التحليل ، عسى أن نتناول الرؤية من جوانبها مُجتمعة ، علماً بالآتي :

لم يرد نصاً قُرآنياً يختص بعقوبة الرجم . !
وسنأتي عن التلقي القرآني عن النصوص ، رغم تباعد الدلالات اللغوية ، منها الآيات ذوات السرد المباشر ، ومنها ذوات اللغة المجازية ، ومن المباشر لغة مباشرة غير قابلة للتأويل كآيات العقوبات .
شكراً لك أيها الكاتب فقد نفذت إلى الكنوز .
ونواصل

Post: #325
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-25-2007, 01:57 AM
Parent: #323

أعيد نشر مداخلتي التي نشرت في مكان آخر.
معذرة للقراء على هذا الخطأ.
***
عزيزي الشقليني
هذا ما اردناه ،وهو العثور اولا على الكنوز.
كلامك مهم حول ان الرجم لم يرد في تلك النصوص التي قلنا بها .
وسنحاول ان نبحث اكثر في كنوز اخرى عن الرجم.
اسمح لي عزيزي ،في انتباهك العالي،
ان اورد ردا على مقتطف من الدكتور القراي في رده على الدكتور محمد وقيع الله .
****

نورد المقتطف التالي من رد للدكتور عمر القراي على د.محمد وقيع الله.
وايرادنا له ينطلق من اشارته الى مصطلحي الحضارة والمدنية ،
وكذلك الحدود ومفهوم المكي والمدني في الخطاب الجمهوري،و هو يتعلق بمفهوم الخطاب المكي والمدني ،وكذلك التداخل ما بين الرسالتين.
يقول الدكتور القراي في رده على وقيع الله في :
عودة إلى الحوار العجيب !! (3)



وعن سبب رفضه للنص الذي أوردته له ، من كتاب الرسالة الثانية ، يقول د. محمد وقيع الله
Quote: ( لم يحسن صاحبه استخدام المصطلحات ف (التمدن) وهو المصطلح الذي استخدمه يعني الجانب المادي من التطور الإجتماعي وبالتالي فانه حصر بقوله هذا رسالة الإسلام وانجازه التاريخي في هذا الجانب المادي القاصر من جوانب الرقي الاجتماعي ولو استخدم محمود مصطلح التحضر لاصاب لأن التحضر يعني الجانب الثقافي والروحي ) .
.


سبق لنا -قبل وقيع الله -ان اشرنا الى ذلك في بوست لنا في هذا المنبر عن "البدائية " في خطاب الاستاذ.
وقد حاول وقيع الله ان يستند الى مفهومه الخاص عن المدنية ،وعن الحضارة.
و هنا يرد د.القراي على د. وقيع الله قائلا:


Quote: هذا ما قاله وقيع الله ، وهو عكس الحقيقة تماماً . فكلمة (المدنية ) ، و( التمدن) ، مأخوذة من العيش في المدينة . ولقد انتقلت الحياة البشرية ، إلى المدينة من الغابة ، عبر تطور وئيد .. ففي الغابة ، القوة تصنع الحق وتتقاضاه ، وليس هناك قانون ، وإنما القوي يأكل الضعيف .. أما في المدينة ، فان القانون يحمي الضعيف ، من بطش القوي ، وبفضله انماز الحق عن القوة .. والعيش في المدينة ، يقتضي مراعاة القانون ، والسلوك وفقه ، ثم رعاية الأخلاق ، التي تمثل الجانب الأرفع من القوانين .. وهذا يحتاج الى تربية ، وتثقيف ، لهذا فان (التمدن) قيمة روحية وثقافية .


من الملاحظ ان الدكتور القراي ،لا ينطلق من التعريفات المعاصرة ،و انما ما قال به الاستاذ حول التطور من قانون الغابة الى قانون الانسان.
ومن ثم ارجع القراي المدنية الى "المدينة.
وحين يعود القراي الى تعريف الحضارة فانه يربطها بالحضر،يقول في ذلك:

Quote: Quote: أما التحضر، فتعني العيش في الحضر، في مقابل البدو أو الريف .. والحضر أسهل عيشاً ، وألين حياة ،من البدو، وذلك لأن في الحضر تتوفر الوسائل المادية ، التي تزيد من يسر الحياة ، ولينها ، مما لا يتوفر في الريف ، ولهذا يهاجر سكان الريف الى الحضر .


الدكتور القراي يتحدث عن الارياف في علاقتها بالحضر،اليس هنالك علاقة بين المدينة والريف؟
بل هذه اقرب من العلاقة بين المدينة والغابة.
و من هنا نرى ان القراي لا ينطلق في دفاعه من المصطلحات المعاصرة ِ،وكيف تعامل الاستاذ معها،وانما يقلب المسالة بحيث يحاول ان يعرف المدنية والحضارة على ضوء خطاب الاستاذ،
بالرغم من ان الاستاذ ،قد تناص مع هذين المصطلحين في التباسهما،
ذلك ان هنالك حدا ثالثا يجمع بين الاثنين ،لكن مفهوم الاستاذ حول وحدة الوجود،
لا يعطيه "فرقة" للقول بمصطلح يجمع الجانبين المادي والروحي ،
وهو ما حاول ان يقول به د.وقيع الله حين أشار الى مفهوم التحضر باعتباره يجمع مفهومين هما الثقافة ،وهذا يتضمن انها الجانب المادي ,ثم الجانب الروحي،بحسب فهمه.
لكن القراي لم ينتبه الى جمع وقيع الله بين المادي والروحي،
وهذا ما يجعلنايقول ان الدكتور القراي ،لا ينطلق مما اثبت في العلم قبل الاستاذ،
وحاول بطريقة غير مقبولة ان يؤسس لما قال به الاستاذ.
وحتى في كلامه عن التمييز بين المادي والروحي،
نجده ،اي الدكتور القراي،على شاكلة الاستاذ، لا يضمن الفنون وكافة اشكال الابداع مثل الفلسفة وعلم الاخلاق وعلم الجمال،وغيرها من العلوم ،لا يضمن كل ذلك في الجانب الروحي ،مع الاخلاق،التي يعرف بها الاستاذ الجانب الروحي،
ولذلك فهو قد وقع في نفس احادية الاستاذ ،في تعريفه الجانب الروحي ،
بانه الاخلاق ،وفقط ،وقد اشرنا الى ان دكتور ياسر الشريف ،قد وقع في نفس التفسير الاستاذي ،اي تعريف الاخلاق بانها فقط ولا غير تمثل الجانب الروحي في المجتمعات الانسانية,
ولذلك فهو يقول في فهم احادي للجانب الروحي الانساني ،باعتباره الاخلاق فقط،لا غير ،يقول


Quote: Quote: فالحضارة إذا، هي التقدم المادي ، والمدنية هي التقدم الروحي أو الاخلاقي


*المكي والمدني:
وفي رد له على وقيع الله عن المكي والمدني ،وان الاية التي تتحدث عن الاشتراكية هي مدنية يقول:

Quote: Quote: لقد شرحت كل كتب الفكرة الجمهورية هذه القاعدة الأساسية ، وهي أن القرآن قد نزل على مستويين : قرآن الأصول وقرآن الفروع .. ولقد بدأ النزول بقرآن الأصول ، في مكة ، لمدة ثلاثة عشر عاماً ، قامت فيها الدعوة على أساس الإسماح ، وحرية العقيدة ، وعدم القتال ، والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين.. وهذه القيم الإنسانية الرفيعة وردت في القرآن المكي ، وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة ، نسخ هذا المستوى الرفيع ، بالقرآن الفرعي ، الذي تنزل من الأصول، ليناسب مستوى الناس ، في ذلك الزمان ، حيث فرض الوصاية بديلاً عن الحرية ، والجهاد بديلاً عن الدعوة بالتي هي أحسن ، وعدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين بديلاً عن المساواة .. ولكن هذا الأمر، لم يحدث في يوم وليلة ، وإنما تدرج حتى اكتمل خلال عشر سنوات .. فالآيات التي نزلت في أول العهد ، بالمدينة ، خاطبت الناس بما كان عليه حالهم في مكة ، فجاءت تحمل روح القرآن المكي .. ولهذا افتتحت سورة النساء بقوله تعالى " يا أيها الناس " مع أن ذلك من علامات القرآن المكي .. ولقد ورد في كتب الجمهوريين ، أن الفرق بين القرآن المكي والمدني ، ليس هو اختلاف مكان أو زمان النزول ، وإنما اختلاف مستوى المخاطبين ، واعتبارهم من حيث المسؤولية التي تعطي الحرية ، أو القصور الذي يوجب الوصاية .. وسبب التداخل بين القرآن المكي والمدني ، هو التداخل بين الإسلام والإيمان ، ذلك أن التدرج في المراقي ، من الإيمان نحو الإسلام ، لا ينفصل السالك في مضماره ، فصلاً تاماً ، وإنما ترقي يختلف صاحبه ، في كل مرحله، اختلاف مقدار لا اختلاف نوع ، عن المرحلة التي تليه..


ما يقول به القراي يثبت ما قلنا به عن عدم امكانية تطوير الحدود،وهذا يعزز ردنا على الشقليني،
ثم مسالة المكي والمدني ،وتداخل الرسالتين،
فمن الواضح ان هنالك افقا واسعا لما يسمي بالتداخل بين الشريعتين،
وفي ان الفاصل بين المكي والمدني يحتمل ايضا تاويلات كثيرة لادخال اي منهما في الآخر.
محبتي
المشاء
لك محبتي يا شقليني
المصدر: الصحافة 29/11/2006
http://www.alfikra.org/article_page_view_a.php?article_id=1011&page_id=1[/B]

Post: #326
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-25-2007, 02:16 AM
Parent: #325

عزيزي الشقليني
بحثت عن الرج،فوجدت اكثر من اربعين اجابة،
ولم اتوفق الا في الآتي:
يقول في الرسالة الثانية من الاسلام:


Quote: وإن هو لم يبلغ هذا المبلغ فحسبه أن يكون واعيا لحدود حريته وحدود حريات الآخرين ، وفي ذلك خير كثير . والمعاوضة في حد الزنا تقوم على الرجم ، أو على الجلد ، حسب مقتضى الحال ، وذلك أن الزاني حين ذهب يبحث عن اللذة ، حيث كانت ، ومن غير اعتبار لشريعة ، أذيق الألم ليرده لصوابه ، فإن موقع الألم من وادي النفس يقـوم على العـدوة القصـوى ، حيـن تقـوم اللذة على العـدوة الدنيا ، وفي شـد النفس إلى الألم ، حيـن تتـهافت على اللـذة المحـرمة ، إقامـة للوزن بالقسـط مـما يعينها على الاعتـدال ، ويجعـلها أبعد من الطيش والنـزق.

شكرا للذين قاموا بعمل البحث في موقع الفكرة ،
لكن يبدو ان الامر في حاجة الى مراجعة كبيرة.
شكرا لكم
المشاء

Post: #327
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-25-2007, 02:43 AM
Parent: #326

أنشر لك عزيزي الشقليني ،ما ورد بخصوص الزنا،في موقع الفكرة:
الزنا
يقول في تطوير شريعة الاحوال الشخصية:

Quote: فحد الزنا، وحد القذف، يقومان على ضرورة حفظ العرض.. وحد السرقة، وحد قطع الطريق، يقومان على ضرورة حفظ المال.. ولا يجوز ذكر حد الخمر، وهو الحد الخامس، في هذا المقام، لأنه ليس في مستوى هذه الحدود توكيدا، وانضباطا.. ومعلوم أن الحدود تسمى حق الله، وأنها، بخلاف القصاص، لا يستطيع أحد – لا، ولا الرسول الكريم - أن يعفو عن الحد، من قام به الحد..


ويقول في نفس الكتاب:

Quote: ومن أجل شرف هذه العلاقة ((الجنسية)) الذي حاولنا أن نبينه في الأسطر السابقات وقع شديد الحرص عليها في الدين.. وهي أكبر مظهر للحياة في مجال تعبيرها عن وجودها.. ومن أجل ذلك قامت على تنظيمها أول ((شريعة)) عرفها الإنسان، ووقع عليها أول ((كبت)) في العقل الباطن.. ومن أجل هذا ((الكبـت)) الذي وقـع في ((قـاع)) العقل شرع الرجم بالحجارة.. تصوب إلى الدماغ، عقوبة على مخالفة الممارسة.. وشدد في أمر عقوبة الزنا على العموم.. أكثر من ذلك!! شددت العقوبة على القاذف به غيره إن لم يستطع أن يثبته عليه.. فكان أدق حدين في الإسلام حد الزنا، وحد القذف.. قال تعالى: ((والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون)) بل أكثر من ذلك!! شدد في زجر الخائضين فيه.. فقال: ((ولولا فضل الله عليكم، ورحمته في إذ تلقونه بألسنتكم وتقولونالدنيا والآخرة، لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ولولا إذ سمعتموهبأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا، وهو عند الله عظيم يعظكم الله أن تعودواقلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهـذا، سبحانك، هذا بهتان عظيم لمثله أبدا، إن كنتم مؤمنين))..
وقال في وعيده الذين يتهاونون في هذا الخوض: ((إن الذين يرمون المحصنات، الغافلات يوم تشهد عليهم ألسنتهم،المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم وأيديهم، وأرجلهم، بما كانوا يعملون)).. بل أكثر من ذلك!! فإنه توعد، أشد الوعيد، الذي يسمحون لخواطرهم أن تجول في نسبة الزنا للآخرين.. فقال، تبارك، وتعالى: ((إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم، في الدنيا والآخرة، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون)).. ولم ينه الله، تبارك، وتعالى، عن مقارفة الزنا نفسه، بل نهى حتى عن مقاربته فقال، عز من قائل: ((ولا تقربوا الزنا.. إنه كان فاحشة، وساء سبيلا)).. ولخطر هذا الجرم عنده شدد في إثباته، تشديداً يجعله في حكم المستحيل.. ويكفي أن يقال أنه لم يقع، في طول تاريخ الإسلام، إثبات شرعي لجريمة الزنا: وما وقع فيه من إقامة الحدود لم يقع إلا بالاعتراف.. ثم يجيء التشديد من جانب المعصوم.. فيقول: ((لا يزني الزاني، حين يزني، وهو مؤمن)).. وهذا أمر في غاية الخطـورة.. ذلك بأن هذا الحديث إنما يعني أن الإيمان يرفع عن المؤمن، لحظة المقارفة، حتى أنه لو مات فيها مات على غير الإيمان.. ويقول المعصوم، في هذا التشـديد أيضا، ((يا أمة محمد!! والله ما أحد أغير من الله، أن يزني عبده، أو تزني أمته.. يا أمة محمد!! والله لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا..))..
هذا قليل، من كثير، يقال في إحاطة هذه العلاقة الرفيعة، بين الرجل والمرأة، بأسباب الصيانة، والحفظ.. وهي، لمكان كرامتها، وعظيم أثرها في حياتنا، لا يحفظ علينا صونها إلا الله.. قال تعالى في ذلك: ((يأيها الذين آمنوا!! لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء، والمنكر.. ولولا فضل الله عليكم، ورحمته، ما زكى منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء.. والله سميع عليم..))..قوله: ((فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر..)).. ((الفحشاء)) هنا الزنا.. ((والمنكر)) هنا اتهام الآخرين به.. قوله: ((ولولا فضل الله عليكم، ورحمته، ما زكى منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء..))، يعني ما تطهر، ولا تصـون، ولا تنظف من أوحال الممارسة، غير المشروعة أحد أبدا.. قوله ((ولكن الله يزكي من يشـاء)) بشرى بعموم الزكاة.. فإن العباد بها، جميعا، سيتزكون.. وجاءت العبارة الفاصلة بقوله: ((والله سميع عليم))، لتؤكد هذا المعنى الذي ذهبنا إليه.. فهو ((سميع)) لنداء الفروع التي تطلب الأصول وقد حجبتها عنها الخطيئة.. وهو ((عليم)) بطريق خلاصها من الخطيئة، لتعود إلى وطنـها في الذات: ((يأيها الناس اتقـوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحـدة)).. وقـد أسلفـنا في ذلك القول..
وفي عجزنا عن صون أنفسنا، ومجيء الصون من فضل الله علينا قال تعالى: ((الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله، بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم.. فالصالحات قانتات، حافظات للغيب، بما حفظ الله.. واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع واضربوهن.. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.. إن الله كان عليا كبيراً..)).. قـوله: ((الرجال قوامون على النساء)) يعني أوصياء، متسلطون، لهم عليهن حق الطاعة.. فإن قلت ما هي الحكمة وراء هذا التسليط؟؟ قلنا: الحفظ - حفظ فروج النساء- هذا في المرحلة.. ويجيء قوله تعالى: ((فالصالحات قانتات حافظات للغيب))، ومعنى الصالحات الطاهرات، الصينات.. ومعنى قانتات مطيعات لربهن، ولأوليائهن من الرجال.. ومعنى((حافظات للغيب))، حافظات لفروجهن هذا الحفظ يكون بدوافع من طاعة الله، والخوف من الله، ويكون بطاعة الأولياء، والخوف من الأولياء.. هذا جميعه في المرحلة.. ثم تفضي المرحلة إلى العفة، والصيانة المضروبة على الرجال والنساء جميعا والتي أشار إليها، تبارك، وتعالى، هنا إشارة لطيفة بقوله: ((بما حفظ الله)).. ويطيب لي هنا أن أشير إلى أس الرجاء في هذه الآية لجميع النساء، وذلك أنهن حين يبلغن هذا المبلغ من العفة، والتصون، ترفع وصاية الرجال عنهن ويكون إليهن، في ظل الله، أمر القيام على أنفسهن، تحت وصاية القانون..
ثم يقول في الرسالة الثانية من الاسلام عن التاريخ "البدائي " لعقوبة الزنا والسرقة:
ومتى نظرت إلى تاريخ المجتمع البشري ، منذ نشأته وإلى يوم الناس هذا ، ظهر لك جليا أن حرية الفرد كثيرا ما تتعارض مع مصلحة الجماعة ، بل ظهر لك أن الجماعة لم يقم نظامها ولم تصن مصالحها إلا على حساب تقييد حرية الفرد ، ذلك بأن الفرد البشري ارتفع من حيوانية متوحشة ، لا هم لها غير تحصيل شهوة البطن والفرج ، ولما كان المجتمع البشري في أولياته لم يكن لينشأ إلا إذا قيدت هاتان الشهوتان ، فقد قام العرف الذي ينظم العلاقات الجنسية ، فيحرم الأخت على الأخ ، ويحرم البنت على الأب ، ويحرم الأم على الإبن ، ويحرم زوجة الإبن على الأب ، ويحرم زوجة الأب على الإبن ، قبل أن يقوم العرف الذي يحرم الزنا عموما ، وقد أعان هذا العرف ، أو سمه القانون الأول ، على تهدئة الغيرة الجنسية التي كانت تفرق الأسرة البشرية ، كلما بلغ الأبناء فيها مبلغ الرجال ، فقد أصبح ، بعد هذا العرف ، من الممكن أن يتعايش ، في منزل واحد ، أو في منازل متجاورة ، الأب والإبن البالغ والصهر والإبن المتزوج ، وكل منهم آمن على زوجته من الآخرين . ولربما يكون العرف الذي ينظم احترام الملكية الفردية قد نشأ مع هذا العرف من الوهلة الأولى ، فانه ، في المجتمعات البدائية ، ليس هناك كبير فرق بين ملكية الزوجة ، وملكية الآلة أو الكهف ، وإذا كان لا بد للمجتمعات الصغيـرة أن تعيش في وئام ، وفي مكان واحد ، وفي أعداد تتزايد دائما ، تصيد معا ، وتحارب أعداءها معا ، وتقابل صروف الأيام متحدة ، فإنه لا بد من التواضع على هذين العرفين ، اللذين ينظمان السلوك في الجماعة ، ويصونان كيانها ، ولا بد أن عقوبة القتل كانت تنفذ في الفرد لدى ثبوت تهمة الزنا ، في هذه الدوائر ، عليه ، يستوي في ذلك الرجال والنساء . ولقد كانت عقوبة القتل توقع على الفرد أيضا لدى السرقة من عشيرته الأقربين ، ثم عممت فأصبحت تطبق لدى السرقة من حيث هي ، وذلك عندما اتسعت الجماعة ، ثم خففـت ، فأصبحت تستأصل طرفا من السارق بدلا من استئصال حياته كلها ، ذلك بأن الأفراد قد بلغوا من الرفعة والذكاء بحيث يرتدعون بعنف أخف من العنف الذي كان ضروريا لردع أسلافهم .


ويقول في الرسالة الثانية عن دقة قانون المعاوضة و من ضمنها الزنا:

Quote: والدقة التي هي حظ قانون المعاوضة في الحقيقة ، والتي فاتت كثير من صورها على قانون المعاوضة في الشريعة ، تجد ضبطها في أن القانونين يعملان معا في مصادرة حرية من عجز عن الوفاء بحق الحرية ، من غير أن تكون هناك عقوبتان على خطيئة واحدة ، وفي مستوى واحد من مستويات العقاب . وأقرب قوانين المعاوضة في الشريعة دقة من قوانين المعاوضة في الحقيقة الحـدود ، وهي أربعة .. الزنا والقذف والسرقة وقطع الطريق .. وترجع إلى أصلين هما حفظ العرض ، وحفظ المال ، وهما أول قانونين نشآ في المجتمع البشري البدائي ، وإليهما يرجع الفضل في جعل المجتمع ممكنا . ويلي هذه الحدود حد السكر ، ثم تجئ قوانين القصاص الأخرى في النفس بالنفس ، والعين بالعين .
ومعاوضة فعل الشر إنما تكون بوضع الألم في مقابلة اللذة من النفس ، والمراد من ذلك وزن قواها حتى تعتدل ، ولا تحيف ، فتتهالك على اللذة بغير كتاب منير .


وفي "اسس دستور السودان "يقول مدافعا عن تطبيق الحدود ومن ضنمها الرجم والجلد في اشارة الى حد الزنا:
Quote: ونحن نري لذلك أن قوانين الحدود: الزنا – الخمر- السرقة – القذف – قطع الطريق - ، يجب ان تقام ، ونري أن تشريعنا يجب أن ينهض علي مبدأ القصاص ، لأن بذلك يتحقق لنا أمران: أولهما التنسيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة ، وثانيهما اننا نضع الفرد من الوهلة الأولي في طريق تحقيق الحرية الفردية المطلقة ، لأننا بتشريع القصاص كأننا نقول له: انت حر مطلق الحرية في أن تفكر كما تريد وان تقول كما تفكر ، وان تعمل كما تقول ، بشرط واحد ، هو ان تدفع ثمن هذه الحرية ، وهو ان تتحمل المسئولية المترتبة علي تصرفك فيها ، فان اعتديت علي أحد اعتدينا عليك بمثل ما أعتديت عليه. ثم علينا الا نفارق تشريع القصاص ، الا حيث لا يكون التطبيق ممكنا ، وفي تلك الحالة نجعل عقوبتنا أقرب ما تكون للقصاص.


وفي الاسلام وانسانية القرن العشرين يقول عن ِ"الزنا":

Quote: هنا يمكن الحدود فيما يخص الزنا، وفيما يخص السرقة، تكون هي أوائل القوانين النشأت.. وكل غرض القانون هو أن يعطيك الحرية.. حتى عندما يكون القانون ضيق، ومحدد لحركتك، فهو، في الحقيقة، بيديك الفرصة لتعيش في جماعة لتجد الأمن، ثم أنت خارج نطاقه، وخارج نطاق التورط في حدوده، بتلقى أنت الحرية اليمكن تمارسها..


وفي كتابه "الدين والتنمية الاجتماعية " يقول:

وفي حديث له عن دقة القصاص والحدود في كتابه الدين والتنمية الاجتماعية يقولِ:
Quote: ولقد ورد الحديث في متن المحاضرة عن دين الإسلام العام ، و دين الإسلام الخاص ، وجاء تعريف الدين بأنه الجزاء ، كما ورد الحديث عن مستوى الجزاء في الإسلام العام ، ومستوى الجزاء في الإسلام الخاص ، وعن العرف الأول الذي قام عليه المجتمع ، أول ما قام ، وهو تقييد غريزة الجنس ، وتنظيمها ، وتقييد حب الملكية ، وتنظيمها .. وجاءت الإشارة ، في متن المحاضرة ، إلى علاقة هذا العرف بشريعة الحدود الراهنة في الإسلام ، وهي: الزنا ، والقذف ، والسرقة ، وقطع الطريق ، مما يغني عن الإعادة ها هنا ..


وفي حديث له عن دقة القصاص والحدود في كتابه الدين والتنمية الاجتماعية يقولِ:
Quote: دقة قوانين الحدود والقصاص:

مسألة الحدود أدق من مسألة القصاص.. ومسألة القصاص انتو شفتو دقتها .. مسألة الحدود. نحنا عندنا أربعة حدود .. عندنا الحدود في الاسلام أربعة هي: الزنا، والقذف وهو التهمة بالزنا، والسرقة، وقطع الطريق .. يمكنك أن تقول: الأربعة ديل بيتلخصوا في اثنين: حفظ العرض – حد الزنا والقذف .. وحفظ المال – حد السرقة وقطع الطريق .. ولانضباط قوانين الحدود بالصورة دي قيل عنها انها هي حق الله، يعني يمكن للحاكم أن يعفو في أمر القصاص، لو فرض انو واحد قلع عين آخر ثم المقلوعة عينو عفا، يمكن للحاكم أن يعفو .. لكن في مسألة الحدود، اذا بلغت الحاكم، وقام الركن في حقها، لا تعفي .. النبي لا يمكن أن يعفو عن السرقة مثلا .. هو يمكن أن يعفو اذا كان واحد ضرب واحد كف كسر سنه، والمكسورة سنه عفا .. النبي يمكن، في الحالة دي، أن يعفو، اذا هو رأي أن يعفو لاصلاح الاثنين.. علي الأقل يمكنه أن يخفف العقوبة فيما يخص القصاص .. لكن في الحدود لا يكون في عفو اطلاقا .. لا يملك أي انسان هذا العفو .. دا حق الله .. هو قايم علي شيئين، كما سبق أن قررنا، حفظ العرض، وحفظ المال .. نعم هناك حد الخمر، لكنه ماهو في انضباط الحدود الأربعة التي ذكرنا انها تقوم علي صيانة العرض، وصيانة المال ..


عزيزي الشقليني
هذا ما توفر لنا من استشهادات حول الزنا.
لك محبتي
المشاء

Post: #328
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: على عمر على
Date: 05-25-2007, 03:55 AM
Parent: #1

التحية مجددا
لصاحب هدا البوست
ولكل
الكتاب
الجادين
المشاركين
وهو نمودج رائع يحق للكثيرين من
اعضاء/عضوات وصاحب المنبر
الفخربكم
وعظيم محبتى

Post: #329
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Osman Musa
Date: 05-25-2007, 06:24 AM
Parent: #328


الاخوان
الشقلينى
د/ياسر
الخواض
سلام مربع
نتابع باعجاب شديد
ارجو المواصلة حتى تعم الفايدة
ولكم الشكر

Post: #331
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-25-2007, 11:05 AM
Parent: #329

الأستاذ عثمان موسى
تحية طيبة

الشكر موصول لك بالمتابعة،
والرصد .
كنا ولم نزل نحاول أن نرتقي بالحوار هنا على أمل
أن نتجاوز الكثير من الآراء الفطيرة والانطباعية و الارتفاع بلغة الخلاف بالدراسة
لا بالصياح ، والخلاف بين بعضنا مع الاحترام المُتبادل ، وأن نُشرك القراء دوحتنا
التي نأمل أن تُغير من شكل و محتوى الكثير مما يُكتب من إثارة أو انطباع مُخِل أو ألفاظ غضوبة أو لغة غير متسامحة وأن ننهض بالصراع أن يطورنا لا الصراع الذي يهدمنا .

شكراً لك وللجميع ، وكلنا يعلم أن الدراسة التي نأمل أن تكون بقدر المُحتفى به وبقدر رسالته التي كان يراها زبدة العبادة ورزق من المولى هبط عليه ذات صفوة ، ومنه شرع يكتُب .

Post: #330
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-25-2007, 10:54 AM
Parent: #328

الأستاذ : علي عمر علي
تحية طيبة

كُنا ولم نزل على الرأي من كتابة ما نراه فائدة لنا وللجميع ، ونأمل أن نُقدم مثالاً في طرائق الحوار ولغته والاستشهاد وإيراد الأدلة والمستندات في محاولة دراسة المادة من كتب الأستاذ وأن نُجري عليها ما تستحق من دراسة ودراسة مقارنة لنعرف حجم الخطاب الذي كان يدعو له الأستاذ ، ومجمل القضايا التي طرقها . ليس من قبيل التقليل من شأن مباحثه أو من قبيل المحبة التي تُنسينا أن هنالك الكثير الذي تتطلبه الدراسة الموضوعية ، فالأستاذ صاحب رؤية إن اختلفنا أو اتفقنا معه جزئياً أو كلياً ، فكتبه ومقالاته رؤية ناصعة نأمل أن نكتب عنها ، فهو صاحب فكر كان هو كل سلاحه ، والآخرين الذين وقفوا ضده كانوا يأملون كنس الفكر بنفي المؤسس من الدنيا لا تسمية لها سوى :

القتل بسبب الفكر

نأمل أن نستمر ونأمل أن يواصلنا الدكتور ياسر الشريف ، وفق ما ستيسر من زمان .
لك الشكر وجزيل التقدير
اذ

Post: #332
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-25-2007, 11:13 AM
Parent: #1

الأستاذ والكاتب : أسامة الخواض

لك الشكر الجزيل على القطوف التي جلبت وأصبحت دانية ،
تستتبع منا أن نكون بقدر دراستها والفيض فيها .

لقد أوردت الذي يقطع الشك بكثير من اليقين أن الرسالة الثانية قد أمنت على العقوبات التي وردت في القرن السابع الميلادي دون تبديل أو تعديل أو رفع أو نسخ ، ونعد بالمواصلة لأن الخطاب الذي بين أيدينا به التباس منهاج وهو خليط من طرائق المباحث ، ومنهاج المتصوفة في ولوجهم للمشكل والنظر فيه ولهم لغة غير التي نعهد في المباحث .

ونواصل

Post: #333
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-25-2007, 11:24 AM
Parent: #1




العقوبات في الرسالة الثانية من الإسلام ( 4)




الأحباء القراء والمتداخلين
تحية طيبة

في سِفر الأستاذ ( الرسالة الثانية من الإسلام )
نورد قطف من بدء حديث الأستاذ عن الرسالة الثانية من الإسلام الآتي :

( فإذا كان هذا الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الأمم، وهو من غير أدنى ريب كذلك، فإنه من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع، عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا، وإنما هو يتحدث عن نفسه.. فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع، وفي مضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفدت، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم.. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي استوعب، ونهض بحل مشاكل القرن السابع، وذلك جهل مفضوح.. )

الرأي :
نستخلص من النص الوارد أمامنا الآتي :
1.
أن هنالك اختلاف بين مستوى مجتمع القرن السابع الميلادي ومجتمع القرن العشرين .
2.
وقد أورد الأستاذ أن الخيارات إما أن قدرة القرآن بين دفتيه أو عدم قدرة القرآن قد توقفت عند القرن السابع الميلادي ويتعين على بشرية القرن العشرين الخروج عنه والتماس حل مشاكلها في فلسفات أخرى وذلك ما لا يراه مسلم . والأستاذ يدعم الراي الأول من أن الإسلام بين دفتي الكتاب في إجماله وتفصيله في السنة ، والرسالة الثانية أيضاً مُجملة وتحتاج من يُفصلها ، وهو المأذون له في طور من الأطوار ، و عيسى ستكون رسالته هي الثانية أيضاً ، وفي ذلك تقرير بأن الرسالة ثانية ولا غير .

التعقيب :
1.
الرسالة التي يراها الأستاذ هي الرسالة الثانية في طور التكوين كما أوردنا من تلقي من يصعد درجات السلم السباعي وهو فكرة الأستاذ ، يعبر فيها المسلم كل الدرجات عبر الإسلام الأول ، أي إسلام القرن السابع ثم إلى إسلام القرن العشرين ، وذلك بعد استيفاء العابد الشروط ثم يتلقى عن القرآن مباشرة ومن مولاه دون وسيط ، وينفتح له طريق العبادة عبر الكدح . وذلك ورد في ما اقتطفناه سابقاً .
2.
إن القرن العشرين هو موعد الرسالة الثانية ، وأية ترقي يكون في الرسالة الثانية ، إذ تنهي على يد عيسى وبالرسالة الثانية أيضاً .
3.
إن من ملامح أن أركان الرسالة الثانية هي التي أوردها الأستاذ ، وبما فيها الحدود والقصاص قد انتهى الحديث عنها بأنها باقية دون تعديل وليس كما حدث في شريعة الأحوال الشخصية والزكاة والرق والصلاة والشورى بتطويرها جميعاً .
4.
قد يسأل السائل كما تفضل الكاتب : أسامة الخواض ، أيمكن أن ينهض السؤال الذي بدأ به الأستاذ مدخله للرسالة الثانية :

( أتصلُح الحدود والقصاص ) أن تكون شريعة القرن العشرين أو الحادي والعشرين أو غيره من رحم المستقبل ؟ ، وسنجد أن الإجابة صعبة إن تتبعنا المنهاج ، فقد تم الختم على الحدود والقصاص في الدنيا وأن عيسى المسيح سيكون حامل الرسالة الثانية .
5. تبقى العبادة التي يترقى فيها العابد في توقه لربه ، وبالعلم ينهض ، فأين يقف به المطاف ، أعند الرسالة الثانية وأسقفها أم أن باب الصلة بين العابد الذاكر سيكون في رحاب المولى ما يفتح له رياحين التخفف بالعلم ويتخفف أيضاً من غلظة القطع والبتر والصلب والنفي ( والتسميد ) ؟

6.

عن عيسى رسول الرسالة الثانية ، نقطف هذا النص ورد في مقابلة عام 1951 م:
ساعة مع الأستاذ محمود محمد طه
رئيس الحزب الجمهوري سابقا

أجرى الحوار - صالح بان النقا - 29-3-1951



(س): حتى هذه الآونة لم تحل البراهين الدالة علي نزول المسيح عيسي بن مريم حسب ما لدينا من نصوص الفقه والحديث ، وقد تطرق أن سمعنا أن هناك دعوة مثل هذا الحديث العيسوى تقومون بها. فماذا تقرر وماذا تقول ؟؟

إجابة الأستاذ / محمود محمد طه:

(ج): إن القرآن من أوله إلى آخره في معانيه التي لا تدركها إلا أنوار البصائر بشارة بمجيء عيسي ، جهل المسلمون معاني القرآن المكنونة، فكيف يجهلون الأقوال الصريحة في البخاري وغيره المأثورة عن الصادق المصدوق وقد أوردت لك منها حديثا في ج1 واليك غيره " لو بقي من الدنيا قدر يوم واحد لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا". الذين يعرفون القرآن يعلمون أن محمدا ليس نبيا وإنما هو النبي وخاتم الأنبياء وأن عيسي ليس رسولا وإنما هو الرسول وخاتم الرسل.
"أما عن الجزء الأخير من السؤال فأنه قد ألقى إلى ذلك وتواتر الإلقاء وإنما يحقق الله الحق ويبطل الباطل بكلماته وليس المهم عندي من أكون وإنما المهم عندي أن أعرف كيف أدعو الناس إلى الله دعوة يكون بها صلاح الدين والدنيا".

انتهى النص المنقول .
7.
عندما نقرأ عن الأستاذ أن عيسى سيكون حاملاً منهاج الرسالة الثانية ، نُدرك نحن ضمناً أن من تفتحت قريحته لتلك المعرفة المُستقبلية قد وصل في صلته مع خالقه مراتب تفتح غيب المستقبل ، وتلك نراها في طريقة الكتابة عن الرسالة الثانية ، فالثقة المُفرطة لن تتأتى إلا من علم واثق لا يتطرق إليه الشك ، وتلك من مناهج المتصوفة وهو ما يسمى العلم اللدُني ، وسنسير فيه سير الترقي في باب نفرده كما وعدنا سابقاً :
8.
( التصوف في خطاب الأستاذ ) لاحقاً إن تيسر لنا فسحة الزمان .

ونواصل

Post: #334
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-26-2007, 06:34 AM
Parent: #1

الأحباء هنا
سأعتمد ترقيم المداخلات والموضوعات كي
لا ينقطع عقد السرد ،لكل موضوع رقمه ،

ونواصل

Post: #335
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-26-2007, 09:13 AM
Parent: #1



التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (1)



مقدمة :

يتعين علينا أن نذكر قليلاً مما يمهد لنا معرفة النص القرآني ، إذ هو كتاب العربية كلغة ، وكتاب يقول الأقدمون عن ( إعجازه ) . هنالك الكثير من الأسفار والمباحث التي لا يصلُح المقال هُنا أن نورد كل الرؤى التي تبحث فيه كنص مقدس ، فبه الكثير الخطر من الرؤى والأحكام والقوانين و في الاقتصاد والأخلاق والطقوس العبادية والتشريعات الحياتية وعن التعامل مع الغير من الديانات ومن الشعوب ، و هو مضرج بنص لغوي باهر ، لم يزل ينهل من معينه كل من أراد أن ينهل من معين اللغة العربية واللسان القرشي .
تأثر النحاة وأهل اللغة وأخذوا من الذكر الحكيم السقوف ، وحين لا تتوافق القواعد التي صاغوها لمناهج تدريس اللغة بعد أن ألحَنَ الأعاجم في قراءته ، فانبرى أهل اللغة يقومون بالاستدلال بالقرآن وبالشعر العربي القديم ، وعندما تعسُر عليهم طرائقه الغريبة يقولون بجوازها لأنه ورد في القرآن كذا و كذا .. الخ .

لم يزل الذكر الحكيم يقف صلباً طوال أكثر من ألفٍ و أربعمائة عام مضت ، رغم ما استجد من علوم الكتابة والتشكيل والرسم و البلاغة والمحسنات البديعية منذ العصرين الأموي والعباسي وما تلا ، ورغم تطور اللغة كجسد حي يتطور مع تطور الإنسان و تطور حياته ومعارفه وسائل معيشته والفتح في العلوم وتطور الصناعة مما قرب البعيد وأسهل على المرء الكثير من أعباء الحياة ، فصارت مُيسَّرة والكتب التي كان ينسخها الوراقون ، صارت اليوم بتطور الطباعة والنشر تتم بأزرار ، فكان يتعين أن تتطور اللغة .
وقف كثيرون من أساطين اللغة العربية ضد اللغة العامية وضد دخول المصطلحات من لغات أخرى منذ مطلع القرن الراحل ولم يرض أولئك أن يستأنسوا المتداول من المفردات إلا بشق الأنفس ، رغم أن العربية في النص القرآني قد أخذت عن الإغريقية والفارسية وأدخلتها صلب اللغة ومتن النص القرآني ومن ذلك :
إبراهيم ، الصراط ، إستبرق ، سندس ، ...الخ

لقد وقف كثيرون أمام تقبل الجديد ، فكانوا صمديين تجاه النص القرآني ، يرونه قمة لا ترتقيها الآداب ولا تصل مراقيها اللغة وإن زهت وربت وتجمَّلت وسَلُست . وكانوا دوماً يحتجون بالإعجاز القرآني في كل فصوله وألفاظه ، وأن القرآن نفسه قد تحدى أهل الفصاحة في الزمن القديم ، فقالوا عنه الشعراء الذين لم يسلموا بعد :

إن فيه لحلاوة وإن عليه لطلاوة .

ثم نواصل

Post: #336
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-27-2007, 11:09 AM
Parent: #1




التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (2)



نترك كل ذلك ونتحدث قليلاً عن مفاتن النص القرآني ، خباياه وكنوزه :

1/
عن أبو الحسن المعتزلي النحوي:

_ أبو الحسن علي بن عيسى الروماني المعتزلي النحوي ( 386) هجرية ،قسم البلاغة إلى ثلاثة أقسام ، ورأى بلاغة القرآن في القسم الأعلى المُعجز . تكمن في إيصال المعنى للقلب في أحسن صورة ولفظ ، وتحدث عن أن القرآن وإعجازه في أعلى طبقة من الحسن البلاغي وقسمها إلى (10) أقسام ، وكان متجهاً للموازنة بين بلاغات القرآن الكريم و غيره من كلام العرب ولم يخف الروماني قناعته (بالصرفة ) والصرفة تعني صرف الهمم عن المعارضة ، أي معارضة الفصحاء للقرآن . على ذلك يعتمد بعض أهل العمل في أن القرآن مُعجز من جهة صرف الهمم عن معارضته .
2/
أما أبو سليمان الخطابي (388) أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستني فيذهب في رسائله في إعجاز القرآن فيقول :
إن أجناس الكلام مختلفة ، ومراتبها في نسب من التبايُن متفاوتة ودرجاتها في البلاغة متباينة أيضاً و غير متساوية ، فمنها البليغ الرصين الجزل ، ومنها الفصيح القريب السهل ومنها الجائز المطلق الرسل .

3/

أبو بكر بن محمد الباقلاني :
و هو من المشهورين ممن كتبوا عن الإعجاز القرآني:
أبو بكر بن محمد الطيب الباقلاني (401) هـ صاحب كتاب ( إعجاز القرآن ) ـ تحقيق السيد أحمد صقر نشر دار المعارف بمصر :

وقد قسمه كالآتي :

القسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه .

والقسم الثاني أوسطه وأقصده .

والقسم الثالث وهو أدناه وأقربه .


فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة ، ومن كل نوع من الأنواع شعبة فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة . وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة . والجزالة والمتانة في الكلام تعالجان نوعاً من الوعورة . فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما عن الآخر ـ فضيلة خص بها القرآن ثم قال : وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله . وفصل أيضاً في أن إعجاز القرآن إن تأملته وجدت فيه ثلاثة أشياء :

ـ الإخبار عن الغيوب

ـ أمية النبي

ـ القرآن بديع النظم متناه في البلاغة

هو لفظ حامل ومعنى قائم ورباط ناظم . وإن تأملت القرآن وجدت غايات الفضائل حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ لا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاؤماً و تشاكلاً من نظمه وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل من أنها تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها.
أن نظم القرآن خارج عن المعهود من الكلام المعتاد ومنها أنه ليس للعرب كلام مشتمل على الفصاحة والغرابة والتصرف البديع والمعاني اللطيفة والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة على هذا الطول وعلى هذا القدر .

ـ ومنها عجيب نظمه وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين .

ـ ومنها أن القرآن له موقعاً من البلاغة يخرج عن كلام الأنس والكلام المنسوب للجن .

ـ ومنها انقسام الخطاب من البسط والاقتصار والجمع والتفريق والاستعارة والتصريح والتجوز والتحقيق ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم .

ـ ومعنى آخر هو وضع الشريعة والأحكام والاحتجاجات في أصل الدين والرد على الملحدين بألفاظ بديعة وتوافق في لطف وبراعة .

ـ ومنها أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته فيه الكَملة في تضاعيف الكلام أو القذف ما بين الشعر وأنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير وهي غرة جميعه و واسطة عقده .

ـ ومنها أن الحروف التي بنى عليها كلام العرب (29 ) حرفاً ، وعدد الصور التي افتتح فيها بذكر الحروف (28) صورة ثم يمضي الباقلاني :

أن القرآن سهل سبيله فهو خارج عن الوحشي المُستكره والغريب المستنكر ، وخال عن الصنعة والتكلُف وقريب للإفهام ، ويبادر المعنى للقلب ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس وهو مع ذلك ممتنع المطلب عسير المتناول .
وقد قارن الباقلاني حين وازن بين معلقة امرئ القيس و القرآن ووازن أيضاً بنصوص من القرآن و بين لامية البحتري التي يقول بيت لها :

أهلاً بذلكم الخيال المقبل .. فَعَل الذي نهواه أو لم نفعل

4/

ومن المحدثين الأستاذ الرافعي من كتابه ( تاريخ آداب العرب ) ص (153 ) :
اتجه معظم من تصدوا للإعجاز القرآني إلى التركيب البلاغي والبياني وذهبوا قليلاً في المعاني وليس الإعجاز في ألفاظ القرآن فلم يجيء للعرب الجاهليين من أجل براعة التشبيه و الكناية أو الاستعارة أو السجع وإن كانت رائعة لا تخطئها العين ، فليس القرآن كتاب اقتصاد ولا في السياسة ولا في الحرب وإن كان في إهابه تنظيم محكم من الاقتصاد والسياسة والحرب . ليس القرآن ديواناً منظوماً في الشعر ومكوناته وإن كانت شخصية الشعر في أرفع مستوياته متحققة فيه والكلام على الموسيقى في القرآن فيه ما يغني الباحثين في هذا المجال ، إنما جاء للجاهليين دعوة واعية مضيئة مبصرة تسلط الضوء على العلاقة بين الإنسان والوجود كله وعلى الإنسان والطبيعة وعلى الإنسان والإنسان وعلى جوهر الإنسان نفسه ولكنها قبل ذلك كله تسلط الضوء على العلاقة بين الإنسان وخالقه ، خالق الكون والوجود الأكبر .

الرأي :

نكتفي بذلك من شأن تقييم أهل الفكر من الأولين والمحدثين عن محتوى القرآن الكريم ، والتقلب في حدائقه المعرفية تمهيداً للحديث عن التلقي عن النصوص كلها كمنهاج تصوفي وعن التلقي القرآني عند معرفة معانيه وإتقان عباداته والدخول إليه من باب الرسالة الأولى ثم الترقي في مراقي الصعود كدحاً إلى الله ، كما هو مبين في رؤية الأستاذ محمود محمد طه ،
ونواصل


Post: #337
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-27-2007, 08:41 PM
Parent: #1


نحن في مرحلة استدعاء التأمل
باثوابه كلها .

ونواصل


Post: #340
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-29-2007, 04:33 AM
Parent: #1





التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (3)



الرأي :

1/ حول التقسيم اللغوي للقرآن :

بالنظر من المقتطف من نص الباقلاني :


{ والقسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه والقسم الثاني أوسطه وأقصده ، والقسم الثالث وهو أدناه وأقربه ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة ، ومن كل نوع من الأنواع شعبة ، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة ، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين ، لأن العذوبة نتاج السهولة . والجزالة والمتانة في الكلام تعالجان نوعاً من الوعورة . فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما عن الآخر }

انتهى النص .

التحليل (1) :

1/ الخلاف بين الدرجات التي قسمها الباقلاني توضح تنوع التقسيم دون أن يُفضل طريقة على أخرى :


أ/ أعلى طبقات الكلام وأرفعه
ب/ أوسطه وأقصده
ج / وهو أدناه وأقربه

التحليل (2):

1/ نرى أن الباقلاني قد بنى رؤاه في اختلاف اللغة في النصوص القرآنية على تقسيم لا يفضُل قسماً على آخر ، في حين أن الآية القرآنية رقم ( 106 ) من سورة البقرة أوضحت بجلاء أن هنالك آية تُنسخ يمكن أن يؤتى بخير منها أو بمثلها ، وهو إقرار بأن من الآيات قيد النسخ تتفاضل في الخير :

المثال :

{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106
موجز من تفسير الجلالين :

106 –ولما طمع الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غدا نزل: (ما) شرطية (نَنَسخ من آية) نزل حكمها: إما مع لفظها أو لا. وفي قراءة بضم النون من أنسخ: أي نأمرك أو جبريل بنسخها (أو نَنْسأها) نؤخرها فلا ننزل حكمها ونرفع تلاوتها أو نؤخرها في اللوح المحفوظ وفي قراءة بلا همز في النسيان {نُنْسِها}: أي ننسكها ، أي نمحها من قلبك وجواب الشرط (نأت بخير منها) أنفع للعباد في السهولة أو كثرة الأجر (أو مثلها) في التكليف والثواب (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) ومنه النسخ والتبديل ، والاستفهام للتقرير .


2/ لم يتطرق الباقلاني إلى التفاضل في التركيب اللغوي ، فهنالك من النصوص القرآنية ما هو تقريري مُباشر يحوي الحقائق والتوجيهات والأحكام وهو أقرب لما وصفه :
( أدناه وأقربه ) وهو الصيغة الأكثر رفقة بالنص المقدس ، وهنالك آيات
على درجة عالية من الفخامة اللغوية والبلاغية الرفيعة وهو ما عناه
: (أعلى طبقات الكلام وأرفعه ) .

أ/ نورد مثالاً من النوع الأدنى والخاص بالعقوبات :

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2

الموجز من تفسير الجلالين :

2ـ الزانية والزاني) غير المحصنين لرجمها بالسنة وأل فيما ذكر موصولة وهو مبتدأ ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو (فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة) ضربة يقال جلده ضرب جلده ويزاد على ذلك بالسنة تغريب عام والرقيق على النصف مما ذكر (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) حكمه بأن تتركوا شيئا من حدهما (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) يوم البعث في هذا تحريض على ما قبل الشرط وهو جوابه أو دال على جوابه (وليشهد عذابهما) الجلد (طائفة من المؤمنين) قيل ثلاثة وقيل أربعة عدد شهود الزنا.

ب/ نورد مثالاً من أعلى طبقات الكلام وأرفعه :

العاديات(مكية)11

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً{1} فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً{2} فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً{3} فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً{4} فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً.

المعاني :


العاديات : الخيل تعدو في الغزو
ضبحا : صوت أجوافها في العدو
فالموريات: الخيل توري النار (قدحا) بحوافرها إذا سارت في الأرض ذات الحجارة بالليل.
فالمغيرات صبحا: الخيل تغير على العدو وقت الصبح باغارة أصحابها.
فأثرن: هيجن (به) بمكان عدوهن أو بذلك الوقت
نقعا: غبارا بشدة حركتهن .(فوسطن به: بالنقع (جمعا) من العدو أي صرن وسطه وعطف الفعل على الاسم لأنه في تأويل الفعل أي واللاتي عدون فأورين فأغرن .
القسم :أ قسم الله تعالى بالخيل الجاريات في سبيله نحو العدوِّ, حين يظهر صوتها من سرعة عَدْوِها.

التحليل (3)

1/ بالمقارنة بين المثال (أ) من النوع الأدنى والمثال ( ب) من النوع الأرفع نجد أن الفرق هو ما بين الذي يسميه اللغويون : الفرق بين الحقيقة وبين الصور المجازية في التعبير . تجد اللغة المُباشرة والمُحكمة الدلالة في النوع الأول ثم تجد الفخامة والرفعة والسمو في التصوير البلاغي كما في المثال (ب) وهو تفاوت ملحوظ في الشكل وفي الموضوع ، في القالب وفي المحتوى . يمكن للقارئ أن يُدرك بحسه اللغوي الفرق بين ما أوردنا :
تجد أنت في النص (ب) :
ما يُشبه الشِعر من القوافي :

ضبحا ، قدحا ، صُبحا ، نقعا ، جمعا .

وتلك درجة عالية من الفخامة التي يتقاطع فيها البُنيان الشِعري مع الموسيقى القُرآنية ، وهو الأمر الذي لا نجده في النص (أ) عندما يكون النص تقريرياً على درجة من التعبير المُبسط الذي لن تُحس بفروقه عما اعتاد الناس من لغة مُباشرة أشبه بلغة القانون التي تحتاج ضبط الكلمات ألا تعني إلا المقصود و المُحكم وهي اللغة التي تراجعت عنها الحلي والصور البلاغية المُترفة.

2/ عند مقارنة المثالين نجد أن المثال (أ) من النوع الأدنى وهو يشابه التركيبة اللغوية المحكمة التي اعتاد عليها العاملون في فقه اللوائح والنُظم ، بل زاد التطور في اللغة دقة وضبطاً ، و هو غير متوفر في النص القرآني بسبب إجمال النص ، الأمر الذي استدعى أن تُفصله السنة ومن بعد المُجتهدين على مر العصور ، يُسهبون في التفاصيل .
لسنا الآن بصدد الدخول في ملف لا أول له ولا آخر .
يهُمنا أن نوضح للقراء الكرام أن الذكر الحكيم سفر مملوء بدرجات مُتفاوتة من البيان اللغوي ودرجات متفاوتة من المعارف والأحكام والقصص والعِبر والتأمل والتفكُر والتشريع مُجملاً معظمه ، ومفصلٌ قليله من المُباشر في الغة والسرد . وتتفاوت آياته بين اللغة المباشرة وبين اللغة التي تُفسح مكاناً لخيال المُتلقي في القبض على الرسم القرآني وحدائقه الغناء .

ونواصل
27/05/2007 م
عبد الله الشقليني





Post: #341
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 05-29-2007, 07:58 PM
Parent: #340



اوردت عزيزي الشقليني ما نصه الآتي من الباقلاني:
Quote: ومنها أن الحروف التي بنى عليها كلام العرب (29 ) حرفاً ، وعدد الصور التي افتتح فيها بذكر الحروف (28) صورة

ان هذا الحرص على دراسة الحروف ،يذكرنا بحديث بورخيس الشيق عن تاريخية "الكتاب" و موقعه في المجتمع و الذات.
وهنا اورد مقطعا طويلا من مقالته المترجمة "اسطورة الكتاب":
أسطورة الكتاب
ترجمة: أحمد عثمان

Quote: أي مقارنة مع النتاج الذي أوحى الله به، مقارنة بالقداسة التي تتنازل عن الأدب. في هذا الكتاب، لاشيء عرضياً، كل شيء حتى اختيار الأحرف يجب أن يتحصل على حجة وجوه. مثلاً، نفهم أن فاتحة الكتاب المقدس: BERE BRAELOHIM تبدأ أبحرف (B) إذ إنه يتطابق مع (بارك) (BENIR). يتعلق الأمر بكتاب ليس فيه شيء عرضي، لاشيء عرضياً على الإطلاق. هذا يقودنا إلى (القابال)، إلى دراسة الآداب، إلى كتاب مقدس، أي عكس ما فكر فيه القدماء. هؤلاء فكروا في ربة الشعر، بطريقة شبه رحبة. (غني، أيا ربة الشعر، غضب أخيل)، هكذا كتب هوميروس في بداية: (الإلياذة). هنا، مثلت ربة الشعر الإلهام. عوضاً عن ذلك، إذا فكرنا في الروح نفكر في المحسوس والقوى: الله. الله الذي خلق الكتاب، وفي هذا الكتاب لاشيء عرضياً: لا عدد الأحرف ولا كم المقاطع اللفظية في كل آية. لقد درسوا كل هذا. تتمثل الفكر الثانية، أكررها، في كونه نتاجاً إلهياً. دون شك، هذه الفكرة قريبة من الفكرة التي أطلقناها اليوم على الكتاب مثل الفكرة التي أطلقها القدماء الذين عدوه مادة بديلة عن الكلام. هذا الرأي يضعف بالتالي ودلت آراء أخرى محله. نعتقد، مثلاً، أن كل بلد يتماهي مع كتاب. لنتذكر أن المسلمين يطلقون على اليهود (أهل كتاب)

http://www.awan.uob.bh/show.asp?no=143#top
و من البديهي ان يحيلنا مفهوم القرآن ككتاب الى كتاب نصر حامد ابوزيد الشهير:
مفهوم النص
وقد احدث خلخلة في الفهم السائد حول علاقة الثقافة العربية ب"الكتاب".
وفيها حاول ابوزيد ان يقارب القرآن من منظور لغوي علامي.
محبتي
المشاء

Post: #342
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-29-2007, 09:49 PM
Parent: #1

الشكر موصول للكاتب : أسامة الخواض

في معرض الحديث عن القرآن ومراجع القدماء
ودراسة الدكتور نصر حامد أبو زيد وغيره
ممن تطرقوا للنص القرآني لغة وأحمال ثقافية متنوعة
ودرجات متفاوتة من المعاني وضروب الآداب كما أسلفنا من حديث ،
وهو هنا ثراء يُمتع القراء أننا نكتب وبين
أيدي القراء الكثير الذي أنجزته المباحث قديمها وحديثها

ونواصل

Post: #344
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-30-2007, 11:07 AM
Parent: #342



عن التلقي عن القرآن الكريم ( 4)



نشكر الكاتب : أسامة الخواض على تلك اللمحة المهمة مما أورده الدكتور حامد أبو زيد .
نعود للبنيات الأساسية التي اعتمد عليها التلقي عن القرآن ، عند المتصوفة وعند الأستاذ .
هنا نورد الآيات التي وردت فيها كلمة ( القرآن ) ومن ثم نتعرف على العمق الذي أحاط بالكلمة ، وتجليات معانيها ، ويمكن للقارئ تتبُع التشكيل على الكلمات ليتتبع الموسيقى القرآنية عند الترتيل والنص المتوهج :


1/{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185

2/ {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82

3/ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }المائدة101

4/ {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }الأنعام19

5/ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأعراف204

6 / {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111

7/ {وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }يونس37

8/ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }يوسف3

9/ {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }الحجر87

10 / {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ }الحجر91

11/ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98

12/ {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

13/ {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً }الإسراء41

14/ {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }الإسراء45

15/ {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46

16/ {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }الإسراء60

17/ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }الإسراء82

18/ {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }الإسراء88

19/ {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }الإسراء89

20/ {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54

21/ {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى }طه2

22/ {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114

23 / {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }الفرقان30

24/ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان32

25/ {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ }النمل1

26/ {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }النمل6


27/ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }النمل76
28/ {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ }النمل
92
29/ {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }القصص
85
30/ {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ }الروم
58
31/ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ }سبأ31

32/ {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ }يس
2
33/ {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ }ص1

34/ {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }الزمر
27
35/ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26

36/ {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31

37 / {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ }الأحقاف 29

38 / {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد
24
39 / {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ }ق1

40 / {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق
45
41/ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر17

42 / {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر
22
43/ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر32

44 / {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر40

45 / {عَلَّمَ الْقُرْآنَ }الرحمن2

46/ {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21

47/ {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }المزمل
4
48 / {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المزمل
20
49 / {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً }الإنسان
23
50 / {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ }الانشقاق 21


ملاحظة :
قد يلاحظ القارئ ما يعرف كثيراً من آي الذكر الحكيم عند تكرار الآيات القرآنية
شكلاً ورسماً في أكثر من موضع ، وتلك لها ما لها عندما يأتي الحديث عنها :

( سورة القمر ـ الآيات ـ 17 ـ 22 ـ 32 ـ 40 )

أو ما ورد في سورة الرحمن ( فبأي آلاء ربكما تُكذبان )


عبدالله الشقليني
30 / 05 / 2007 م



Post: #345
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-30-2007, 01:09 PM
Parent: #344

للأستاذ / بكري أبو بكر

وافر الشكر وجزيل التقدير .
فقد قدم دعمه الفني لنا بأريحية ، وبيسر .
نشكره ونشكر كل القراء والمتابعين والمشاركين معنا هذه الدراسة التي نأمل أن توفي الراحل محمود محمد طه ورؤيته ما تستحق .

ونواصل

Post: #347
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-31-2007, 11:43 AM
Parent: #345

توجد مداخلة كتبناهااليوم 30/ 05 / ولم تظهر على الصفحة
الثالثة ، يبدو أن هنالك خطأ فني .

Post: #346
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-30-2007, 04:24 PM
Parent: #342



لا يسعنا إلا أن نشكر الكاتب : أسامة الخواض على تلك القطوف
التي ترفد الحديث الذي نحن بصدده في ثقل النص القرآني
الذي سنبين أنه مصدر من مصادر المحبة والوجد الذي يأخذ بالنفوس
وهي تقرأه وتستغرق في قراءته .

Post: #348
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 05-31-2007, 11:35 PM
Parent: #1





التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (5)






إيحاء النصوص :

للصفاء وسائله وطرائقه :

ليس هنالك من فرار من المتصوفة ولغتهم وحيزهم الزماني والمكاني ، وفسحتهم من الخيال الجامح . قررنا مُسبقاً أننا بصدد الحديث عن التصوف في خطاب الأستاذ محمود محمد طه ، لكننا اليوم نبدأ من حيث لم نحتسب :

نقطُف مما أوردت الدكتورة آمنه بلعلي في سِفرها ( تحليل الخطاب الصوفي )
من ص (46) لنُدلل على الأبعاد القصوى التي من الممكن أن يلهب بها النص والاستغراق فيه أن يؤدى بالمرء ليس للتلقي المباشر من النص وما يعقبه من دهشة للواقع الجمالي الكامن في النص ، بل إلى الوجد الذي يمكنه أن يُنسيه الألم الجسدي ، وهو رد فعل ينُم عن انسجام بين مقصد المؤلف والتلقي ويُثير مكمن المعاناة، وقد روت لنا كتب التصوف من ردود أفعال ما ورد عن القشيري قوله :

( إن سبب وفاة أبي الحسن النوري أنه سمع هذا البيت :



لا زلت أنـزل من وِدادكَ منـزلاً .. تتحيرُ الألباب عند نـزوله


فتواجد النوري ، وهام في الصحراء ، فوقع في أجمة قصب وقد قُطِعتْ وبقيت أصولها مثل السيوف . فكان يمشي عليها ويعيد البيت إلى الغداة والدم يسيل من رجليه ثم وقع مثل السكران ، فتورمت قدماه ومات .
( من الرسالة القشيرية ص 138 )

الرأي :

إنها قصة من قصص كيف يمكن للبعض أن يقرأ وهو على درجة مما يُسمى بالوجد عند تأمُل المعاني ، وأحزمتها وحواشيها وأسوارها وفضاءاتها . وكيف يتكور الإحساس من فرط الخيال والتصوير الذهني أن ينسى المرء ما حوله وهو في استغراق ذهني يُنسيه ما يتعرض له الجسد من ألم . وتلك مرحلة من مراحل إيحاء النصوص التي تنقل الذهن إلى دنيا أشبه بالأحلام أو الاستغراق الإيحائي الذهني في بؤرة واحدة وتنسى أنت العالم من حولك ولا ترى إلا ما ترى ولا تسمع إلا الذي أغراكَ بهذه الدُنيا .

ثم نواصل


Post: #349
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-01-2007, 04:43 AM
Parent: #348

شكرا الشقليني ،
وانت تسبر افق التلقي القرآني.
لقد اشرت الى ابوزيد لعلاقته بمحيي الدين بن عربي،
وهو من الذين مارسوا تاثيرا قويا على خطاب الاستاذ ،
وواضح ذلك من احدى رسائلة التي كان يتحدث فيها عن كتاب من كتب ابن عربي.
وسنعود لذلك حين نتحدث عن الانسان الكامل في خطاب الاستاذ وعلاقته بالخطاب الصوفي.
لكنني اخشى من ضياع "ثمبي" ،
و اتمنى ان اعثر عليه ،
والا فانني مطالب بان اعيد من كتبته من محاور .
لك محبتي
المشاء

Post: #350
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-01-2007, 07:35 PM
Parent: #1


لن نمل أن نشكر الكاتب : أسامة الخواض أن خصنا بالكثير الثري
وهو من مهد لهذا المورد أن يكون قبلة لمن يبتغي الكثير مع النـزهـــة
في حياض الفكر .

ونواصل

Post: #351
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-01-2007, 07:43 PM
Parent: #1





أدونيس : التصوف أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام



الأحباء هنا
ربما يرد في ذهن الكثيرين منا وصف التصوف والمتصوفة ومناهجهم في الرؤية وفي الخطاب وفي اللغة وفي التأويل أنهم جماعة انـزوت إلى الكهوف وأماكن الخلوة وابتدعت حياة في مسلك التدين غريب على المجتمع ، وبعيد عن الواقع ، وأنه لا أثر لهم في الحياة وفي الآداب إلا على هامش المباحث .
نُعيد اليوم لكم ملخصاً عن محاضرة القاها أدونيس ، وإستفرع الحديث عن الشعر وتطرق ضمن المواضيع التي طٌرحت رأيه عن المتصوفة والتصوف ، وفيه ينعى كثيراً عن الذين لا يقدحون الذهن لقراءة العقيدة قراءة مُتفردة :



أدونيس : التصوف أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام




لن يسعنا إلا أن ننقل لكم نص ملخص لمحاضرة ألقاها الشاعر السوري أدونيس في الجامعة الأمريكية في القاهرة ، وقد لخصتها صحيفة البيان الإماراتية بتاريخ 5/12/2005 م . وجدنا في المُلخص رؤى اكتملت ثمرتها وظهرت جلية في وسط تميُع المواقف الفكرية تجاه الفكر ارتبط بالإسلام خلال تاريخه الطويل بين الإبداع والإتباع ، ونُزر الفريضة الغائبة ( الجهاد ) التي أطلت وغيرت نظرة غير المسلمين إلى الدين .

ربما يفتح النص نقاشاً موضوعياً .
إليكم النص :


يرى الشاعر السوري علي أحمد سعيد ( أدونيس ) أن الفرد في المجتمع العربي الإسلامي يعاني التهميش الذي تمارسه مؤسسات تمحو الذاتية لصالح مفهوم الأمة أو الجمهور الذي قال أنه فكرة أيديولوجية . وقال أدونيس في محاضرة بالجامعة الأمريكية في القاهرة يوم الثلاثاء 30 نوفمبر 2005 م الماضي أن الفرد العربي المسلم يعيش الآن رهن محبسين هما :
( التأويل الوحداني والتأويل السلفي للنص الديني …هذا يؤدي إلى انمحاء الذاتية في الجماعة ـ الأمة ) ، مشيراً إلى أن التاريخ العربي شهد محاولات لاختراق هذين المحبسين على أيدي بعض الشعراء والمتصوفة حيث يرى أن التصوف أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام .
وأضاف في المحاضرة التي حملت عنوان :

{ معوقات الثقافة العربية عامة والشعر العربي خاصة }

أنه يتعذر أن تنشأ ثقافة عظيمة أو مجتمع عظيم دون هذا الاختراق .

وتابع أدونيس معلقاً خارج النص المكتوب للمحاضرة :

( لا يزال الفرد المسلم وأنا أولكم يعيش انعدام التجارب الكبرى في العالم في جميع الميادين . المسلمون الآن يشكلون خُمس سكان العالم ولا يوجد فيهم من يقرأ النص الديني قراءة مُتفردة .)

وأوضح أنه لا ينظر إلى النص الديني في ذاته بل في تأويله وأن مصطلح النص الديني يعني التأويل الساكن والممارسة القائمة على هذا التأويل ولا أعني النص الديني في ذاته . قائلاً أن النص الديني تم تأويله تأويلاً سياسياً سلطوياً نتجت عنه ثقافة النفي والإلغاء والتكفير بصورة تؤدي إلى انفصال العرب عن العالم وعن أنفسهم وعن الحياة ، فعندما أنفي إنساناً فهذا يعني أنني أنفي نفسي .

وقال أنه باسم النص الديني يتم تدمير العقل والذين يكفرون غيرهم يكفرون بإرادة الله ، فهم يعطون أنفسهم حقوقاً لم يعطها الله لأنبيائه :

( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )

وأشار إلى أن ما وصفه بثقافة التكفير أدت تاريخياً إلى ثقافة الامتناع عن التفكير . ثقافة الاجتناب . المفارقة في النص الديني أنه منخرط في الحياة ويرفض قوانينها .. يقود الحياة فيما يعرقلها … حامل الحقيقة هو الإنسان لا النص .

وقدم أدونيس استعراضاً تاريخياً بدأه باتهام الملك المصري ( إخناتون في نحو 1397 ـ 1362 قبل الميلاد ) والملقب بفرعون التوحيد بأنه قتل الذين يخالفونه الرأي وأحرق كتبهم ..لغة العنف في التوراة والمسيحية الكنسية . العنف بأشكاله يتواصل داخل الرؤية الوحدانية الإسلامية .. الرؤية الوحدانية تحولت إلى سماء تمطر عنفاً .

ودلل على ارتباط العُنف بالرؤية الوحدانية ضارباً المثل بمدينة القدس التي قال أنها تقدم اليوم أنموذجاً لهذا الارتباط ، فهذه المدينة الأكثر قداسة بالنسبة للوحدانيات الثلاث هي الأكثر وحشية في العالم ، وأرجع السبب إلى تدخل النص الديني ( الحقيقة ) في صنع الثابت الإنساني .
كما ضرب المثل أيضاً بالحروب الصليبية التي انطلقت شرارتها عام 1095 م عندما ألقى البابا ( أوربان الثاني ) خطبة شهيرة في مجمع كليرمون بجنوب فرنسا دعا فيها لاسترداد الأرض المقدسة من المسلمين ، وفي العام التالي بدأت الحملات الصليبية ( 1095 ـ 1292 م ) . وقال أدونيس أن نظام التأويل الوحداني يحول الإنسان إلى مجرد آلة تنقل الكلام الذي يوصف بأنه ديني دون بحث ..
يُعلمنا الموروث الديني وبخاصة الإسلامي أن القائل برأيه مخطئ وإن أصاب ، لا معرفة في الدين إلا بالنقل .. النقل آلة حاضرة بلا حضور .

وأشار إلى انعدام الذاتية في المجتمع العربي ـ الإسلامي يكمن في النص واللغة ويؤدي إلى الاتباعية التي لا تعرف عذاب الأسئلة . ليس أمامها ( الاتباعية ) غير طمأنينة اليقين . لا نجد في هذه الثقافة الدينية مجالاً للذاتية الفردية ذائبة في الجماعة ـ الأمة .
وأضاف أن جميع الأحزاب ( تلغي الـ هُو في سبيل الهُم ) . وقبل أن يتحدث أدونيس قال أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية حمدي السكوت أن مُحاضرة أدونيس جاءت في وقتها تماماً ، مشيراً إلى أن الشاعر رُشح لجائزة نوبل أكثر من مرة وأنه يُعد واحداً من أعظم الشعراء العرب الأحياء .
بدأ أدونيس ( 75 عاماً ) نشر أعماله الأولى في مطلع الخمسينات والتحق بالخدمة العسكرية عام 1954 م وقضى منها سنة في السجن بلا مُحاكمة بسبب انتمائه للحزب السوري القومي الذي تركه عام 1960 م . ذهب للبنان عام 1956 م وحصل على جنسيتها وشارك الشاعر يوسف الخال في إصدار مجلة ( شِعر ) ، ثم سافر إلى فرنسا و حاضر بجامعاتها وحصل على جنسيتها وإن ظل يعتز بأن جنسيته هي اللغة العربية .

ويتنوع إنتاج أدونيس بين الشِعر والبحث التاريخي والتُراثي حيث يعتبره كثير من المثقفين من أبرز القارئين لتُراث الشِعر العربي وإن رأي الآخرون أن شعره الذي كان من محاولات قليلة قبل نصف قرن لتأسيس قصيدة النثر يستعصي على القارئ العام الذي تعود أن يطرب لموسيقى القصيدة التقليدية .

وأوضح أدونيس في ختام محاضرته أن اللغة العربية أوسع من أن نحصرها في ستة عشر بحراً شعرياً وهي البُحور التي حددها الخليل بن أحمد الفراهيدي ، و أضاف أن الخليل قام بعمل عبقري ... ولكن الحداثة رؤيا ..ليس هنالك شاعراً أكثر حداثة من ( أبي العلاء المعري ) الذي زلزل في شعره كثيراً من الأسس . كما نوه بما وصفه حداثة أبي نوّاس والنفري متسائلاً عن الشاعر العربي الذي يزلزل اليوم الأسس الحالية .

وأضاف أن مفهوم الجمهور وَهم يشبه ( وَهم الجماعة ) ، نافياً أن يكون لذلك علاقة بالتفاعل مع الشعر الذي تتلقاه ذات فردية تختلف عن غيرها ، مشيراً إلى أن الأساس هو الفرد .. وهم الجمهور مُرتبط بالسياسة والإيديولوجية .
انتهى النقل

عبد الله الشقليني



Post: #352
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-02-2007, 05:00 PM
Parent: #1



حول محاضرة أدونيس ينبه إلى الحاجة لمبدعين حقيقيين
في الفهم ، ويمكننا إعتبار الأستاذ في خطابه واحد من أولئك
الذين وقفوا للنظر بعين مُبدعة للنصوص ....

ثم نواصل


Post: #353
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-03-2007, 04:32 AM
Parent: #352


شكرا الشقليني على تلك الاضاءات.
نعود الى مقاربة خطاب الاستاذ،وسنتحدث عن المخطط النظري للاستاذ في مقاربة الحضارة الغربية.
حول المخطط النظري للاستاذ:
ينبني مخطط الاستاذ النظري لتلقيح الحضارة الغربية ،والخروج بها من مأزقها ،على ما توفر من شروط تتيح امكانية تأسيس حكومة عالمية تشرف على ادارة المجتمع العالمي*.وتلك الشروط تتمثل في جزء كبير منها على بدايات العولمة من خلال ما يسميه بالتقدم في المواصلات السريعة التي ربطت اجزاء العالم التي كانت متباعدة ،ومشتتة .
و من هنا يمكن القول ان الاستاذ من الذين بنوا مخططهم النظري على العولمة والتي يسميها ب"العالمية".وهذا بعد نظر في فهمه لمسيرة البشرية في ذلك الزمان الذي اسس فيه مخططه النظري .و هذه فرصة لتذكير تلامذته ،ان يقوموا بتطوير مقولة الاستاذ عن العالمية او الكوكبية ،بالاستناد الى المستجدات التي لم يعالجها الاستاذ ،وخاصة ثورة الانفوميديا،وما يترتب على ذلك من علاقة الفرد بتلك المنتجات الضخمة التي غيرت وجه العالم،وفي مقدمة ذلك الانترنت،والهواتف المحمولة والشبكات التلفزيونية الفضائية.وهذا امر مهم ،ينضاف الى ما اشرنا اليه من وجوب تحرير خطاب الاستاذ،وهذا يستلزم وجود شارحين لخطاب الاستاذ.وهذا لا يمكن ان يحدث الى بمحبة خطاب الاستاذ،وفي نفس الوقت تخليصه من "القداسة "الت يضفيها عليه بعض تلامذته ،وهذا امر متوقع خاصة في وان خطابه هو خطاب ديني.
عن العالمية:

القول بالعالمية في خطاب الاستاذ استندت الى جملة من الشروط ،التي تجعل تاسيس مجتمع عالمي كبير امرا ممكنا.
*الشرط الاول هو تطور المواصلات.

يقول الاستاذ في "الديباجة":
Quote: ، ذلك بأن هذا الكوكب الصغير الذي نعيش فيه قد أصبح وحدة ربط تقدم المواصلات الحديثة السريعة بين أطرافه ربطا يكاد يلغي الزمان والمكان الغاء تاما ، فالحادث البسيط الذي يجري في أي جزء من اجزائه تتجاوب له في مدي ساعات معدودات جميع الأجزاء الأخري
ويشير الى اهمية المواصلات في ربط العالم في مواضع أخرى:


كما يقول في مقاله:
إعدادالإنسان الحر
Quote: خطاب إلى الدكتور توريز بوديت مدير عام منظمة اليونسكو
وهذا الكوكب الصغير الذي تعيش فيه الإنسانية وحدة جغرافية، قد ربط تقدم المواصلات الحديثة السريعة بين أطرافه ربطا ألغى الزمان، والمكان، إلغاء يكاد يكون تاما، حتى لقد أصبحت جميع أجزاء المعمورة تتجاوب في مدى ساعات معدودات للحدث البسيط يحدث في أي جزء من أجزائه

من الواضح ان الاستاذ يتحدث عن بدايات العولمة فالحدث البسيط الآن ينقل في نفس اللحظة ،وليس بعد ساعات كما جرى في زمن رده على مدير عام منظمة اليونسكو.
ويقول في تعقيب على البروفيسور جاك بيرل عن الارض،اي :
Quote: هذا الكوكب، الذي قللت سرعة المواصلات، التي تمخضت عنها المدنية الغربية الصناعية، من سلطان الزمان والمكان فيه، إلى الحد الذي جعله وحدة جغرافية..
ويقول في الاسلام وانسانية القرن العشرين:الدعوة الاسلامية الجديدة:
Quote: لأن اليوم البشرية تتوق – بشرية القرن العشرين، زي ما قلنا، أصبحت تتوق لأن تنظم علائقها كلها على أساس الوحدة، لأن الكوكب، بفضل الله، ثم بفضل المواصلات الحديثه، السريعة، قد أصبح وحدة جغرافية، المكان أُلغي، أو كاد.. وباستمرار الحركة في سرعة المواصلات ماشة لتلغي الزمان، وتلغي المكان.. والناس أصبحوا اليوم جيران.. نحن، مثلا، كان في زمن، لعله في أوائل القرن العشرين، الناس ما كانوا بيهتموا بما يبعد عن حدودهم من أحداث، ولا يعرفوا عنها شئ.. نحن في الوقت الحاضر نتعاطف مع فيتنام، والناس عندنا فرحوا فعلا لما وصل المتخاصمين المتحاربين، في فيتنام إلى معادلة أمكن بيها أن يكون في سلام، وإيقاف للقتال.. الناس فرحوا، الأمر دا ما كان زمان.. ولا كان في مقدرة، وتخيل، وإنسانية، وتعاطف مع الناس البعيدين.. لعل تعاطفك يكون محدود بأهلك، وإن إتعداهم يمكن يتعداهم لقبيلتك.. الصورة دي هي البيها البشرية كلها أصبحت تتوق إلى نظام واحد، ليهيمن على هذا الكوكب الواحد، الموحد..


وعن اثر المواصلات يقول في الاسلام وانسانية القرن العشرين:
..
Quote: وكذلك جات مسالة الأبحاث العلمية في السنوات الأخيرة، من أجل التسلح، فقفزت قفزات كبيرات جدا بالآلة، ولقد ربطت الآلة الكوكب الأرضي، وقربت المسافات، وخلَّت الناس كأنهم جيران، حصل ذلك بصورة لم يسبق لها مثيل، فأصبح أكبر تحدي يواجه مجتمع القرن العشرين هو أن يعيش في سلام مع بعض، لأن الناس قد أصبحوا جيران، الناس المسافات ألغيت بيناتهم، وأصبح لا بد من الأخلاق البتناسب الجوار، المسالمة، والمحبة، والمعايشة..


*الشرط الثاني :الانسانية الواحدة المتساوية في أصل الفطرة:
وهنالك شرط ثان يجعل الحكومة العالمية ممكنة التحقيق.
يقول في أسس دستور السودان :
Quote: يضاف الي هذا أن هذا الكوكب الصغير الموحد جغرافيا ، ان صح هذا التعبير ، تعمره انسانية واحدة ، متساوية في أصل الفطرة ، وان تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين. فلا يصح عقلا أن تنجب قمتها الانسان الحر ، اذا كانت قاعدتها لا تزال تتمرغ في أوحال الذل والاستعباد ، او قل ، علي أيسر تقدير ، انه لا يمكن أن يفوز جزء منه بمغنم السلام والرخاء اذا كانت بعض اجزائه تتضرم بالحروب ، وتتضور بالمجاعات ،


ويقول ايضا في اسس دستور السودان:
Quote: .. يضاف إلى ذلك، أن هذا الكوكب الصغير معمور بإنسانية واحدة، متساوية في أصل الفطرة، وإن تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين


*الشرط الثالث:ارتباط مشاكل العالم:

يقول في اسس دستور السودان:
Quote: لقد قلنا ان المشاكل الراهنة لأي بلد هي في حقيقتها صورة مصغرة لمشاكل الجنس البشري جميعه ، وهي في اسها ، مشكلة السلام علي هذا الكوكب ، وعندنا انه من قصر النظر أن نحاول حل مشاكل مجتمعنا السوداني داخل حدودنا الجغرافية ، من غير أن نعبأ بالمسألة الانسانية العالمية


وفي مقاله
مشاكل التربية الأساسية فى الشـرق الأوسـط - تعقيب على البروفسير جاك بيرل
يتحدث عن ارتباط مشاكل الاقاليم في العالم كله ببقية ارجاء العالم:
Quote: غني عن القول أن مشاكل الشرق الأوسط، أو مشاكل أي إقليم آخر، في الوقت الحاضر، لم تعد إقليمية، على نحو ما كان عليه الأمر قبل عشرين، أو ثلاثين سنة، مثلا.. ذلك بأن مشكلة كل إقليم قد أصبحت الآن جزء من المشكلة العالمية، برمتها، فهي لا يمكن حلها في داخل حدود الإقليم الجغرافية وبصرف النظر عن المشكلة الكبرى، وإنما يجب أن تحل مشكلة كل إقليم على أسلوب يتجه في نفس الإتجاه الذي بمواصلته، إلى نهايته، تحل المشكلة العالمية الإنسانية الكبرى.


وانطلاقا من تلك الشروط يشير الى امكان تاسيس حكومة عالمية .
*عن الحكومة العالمية في خطاب الاستاذ:
يقول في ديباجة دستور السودان عن الحكومة العالمية:
Quote: المشاكل الراهنة لأي بلد من البلاد هي ، في حقيقتها ، صورة لمشاكل الجنس البشري برمته ، وهي ، في أسها ، مشكلة السلام علي هذا الكوكب الذي نعيش فيه ، ولذلك فقد وجب ان يتجه كل بلد الي حل مشاكله علي نحو يسير في نفس الاتجاه الذي بمواصلته تحقق الانسانية الحكومة العالمية ، التي توحد ادارة كوكبنا هذا وتقيم علائق الأمم فيه علي القانون ، بدل الدبلوماسية ، والمعاهدات ، فتحل فيه بذلك النظام والسلام ..
ويقول عن الحكومة العالمية أيضا في تطوير شريعة الأحوال الشخصية:
Quote: ولقد اعتبرت شريعة الأصول مدخرة ليومها، ولقد جاء هذا اليوم بمجيء مجتمعنا هذا الكوكبي الذي يسعى لإقامة الحكومة العالمية التي تقوم على الدستور الإنساني، وتنظم علائقها بالقانون الدستوري

ويقول في اسس دستور السودان عن ضرورة الحكومة والوحدة العالميتين:

Quote: .. فينبغي والحالة هذه، بل إنه، في الحقيقة، ضربة لازب، أن تقوم فيه حكومة واحدة، تقيم علائق الأمم على أساس القانون، كما تقيم حكومات الأمم – كل في داخليتها – علائق الأفراد على أساس القانون.. وذلك أمر مستطاع، بل هو أمر لا معدى عنه.. فإن المتتبع لتطور الحياة يعلم جيدا أن مسألة الوحدة العالمية هي نهاية المطاف المحتومة، في أوانها.. على كل حال، مسألة الوحدة مسألة زمن فقط


و يمثل نموذج المنظمات الدولية ،تشجيعا لمسالة الحكومة العالمية،يقول في ذلك في "أسس دستور السودان":
Quote: .. وقد كانت عصبة الأمم، عقب الحرب العالمية الأولى، خطوة عملية في هذا الإتجاه.. وها هي هيئة الأمم الحاضرة خطوة أخرى.. ولا يزال، بيننا وبين الحكومة العالمية، خطوات، عديدات، واسعات.


*كيفية قيام الحكومة العالمية والعلاقة بين المجتمع الصغير اي السودان والمجتمع الكبير اي العالم موحدا:

في هذا المقطع الطويل المقتبس من اسس دستور السودان ،
يوضح غاية البعث الاسلامي ا لجديد ،وهي انجاب الفرد الحر،والعلاقة التي تربط بين السودان والعالم يقول في اسس دستور السودان:
Quote: هناك ثلاث مسائل هامة قدمناها في ديباجة دستورنا هذا: واحدة منها غاية واثنتان وسيلتان ، فأما الغاية فهي انجاب الفرد الحر حرية مطلقة ، وأما الوسيلتان فاحداهما المجتمع السوداني ، وثانيتهما المجتمع العالمي ولذلك فقد نظرنا الي المجتمع العالمي كانه وسيلة في المكان الثاني ، حين نظرنا الي مجتمعنا السوداني كانه وسيلة في المكان الأول ولقد اخترنا لتنظيم مجتمعنا الصغير النظام الاتحادي المركزي لأمرين أولهما وأهمهما أن هذا النظام يناسبنا من جميع الوجوه ، وثانيهما أن تنظيمه لمجتمعنا الصغير يتجه في نفس الاتجاه الذي بمواصلة السير فيه نصل الي تنظيم مجتمعنا الكبير – المجتمع العالمي – فانه مما لا ريب فيه أنه ، وقد توحد هذا الكوكب جغرافيا بفضل تقدم العلم المادي ، لن يحل فيه السلام الا اذا ما توحد اداريا ، وذلك بأن تقوم فيه حكومة عالمية علي نظام الاتحاد المركزي ، تقيم علائق الأمم فيه علي أساس القانون كما تقيم كل حكومة في الوقت الحاضر علائق الأفراد في داخليتها علي القانون ، وسيكون لهذه الحكومة العالمية المركزية دستور عالمي مركزي ، تقوم بمقتضاه هيئة تشريعية عالمية مركزية ، تسن من القوانين ما ينظم علائق الدول ببعضها البعض ، ويضعف من سلطان الحدود الجغرافية ، والحواجز الجمركية ، والسلطات المركزية لدي كل دولة ، كما تشرف علي دستورية قوانين الهيئات التشريعية المحلية ، حتي لا تجيء معارضة للدستور العالمي المركزي ، الذي ستقوم بمقتضاه أيضا هيئة تنفيذية عالمية مركزية وهيئة قضائية ، بكل ما يلزم من جيش وقوات أمن ومال ، وسنحاول الا تغيب عن ابصارنا ، أثناء تنظيمنا مجتمعنا الصغير صورة تنظيم مجتمعنا الكبير. وسنعمل للأثنين معا من الوهلة الأولي ، وقد يكون أكبر همنا موجها ، باديء ذي بدء ، الي تجويد الأنموذج الصغير ، بيد انا لن نتواني عن نصرة المظلومين والمستعبدين في أرجاء هذا الكوكب أثناء ذلك ، جهد طاقتنا ، ولا نعتبر أنفسنا بذلك منصرفين عن أصل قضيتنا.
*1
*******
*عن السودان كمركز دائرة الوجود:
كما قلنا في ان خطاب الاستاذ يمثل واحدا من الخطابات الرسالية الكبرى التي تتبنى تغيير العالم انطلاقا من السودان.
و من ابرز ما قاله عن السودان ورد في رده على احمد لطفى السيد.
يقول في رد له على الاستاذ أحمد لطفي السيد:
أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم.. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يهولن أحدا هذا القول، لكون السودان جاهلا، خاملا، صغيرا، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض، بأسباب السماء..

ويقول عن السودان والشرق في "السفر الأول":
و يعتقد الحزب الجمهوري أن الشرق ، عامة ، و السودان ، خاصة ، يمكنهما أن يضيفا عنصراً إلى المدنية الغربية هي في أمس الحاجة إليه ، و ذلك هو العنصر الروحي . هذا هو إيمان الحزب الجمهوري بالشرق ، و بالسودان ، و ذلك هو رايه في المدنية الغربية
ويقول ايضا عن "الفحولة العربية " والتكوين الشرقي " كمرشد للبعث الاسلامي الجديد.

يقول في السفر الأول:
نحن اليوم بسبيل حركة وطنية تسير بالبلاد ، في شحوب أصيل حياة العالم ، هذه المدبرة ، إلى فجر حياة جديد ، على هدى من الدين الإسلامي ، و برشد من الفحولة العربية ، و بسبب من التكوين الشرقي.
و عن علاقة الجمهوريين بالسودان يقول السفر الاول:
لقد كان السودان و لا يزال ، هو شغل الجمهوريين الشاغل ، و كانت ثقتهم ، و لا تزال ، في أصالته لا تحدها حدود ، و كانوا ، و لا يزالون ، يبوئونه دور الريادة بين كافة بلاد العالم .. فقد قال الأستاذ محمود محمد طه في السفر الأول "ويؤمن الحزب الجمهوري إيماناً لا حد له بالسودان ويعتقد أنه سيصبح من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح ، و غذاء الفكر ، إذا آمن به أبناؤه فلم يضيعوا خصائصه الأصيلة ، و مقوماته بالإهطاع نحو الغرب ، و نحو المدنية الغربية ، في غير روية و لا تفكير" .
هذا هو رأي الجمهوريين في السودان منذ ذلك التاريخ .. و السودان ، عند الأخوان الجمهوريين ، هو الأرض التي سيقوم عليها أنموذج المجتمع الإنساني الذي سوف يتسع ليضم سائر بقاع الأرض ، و ذلك بظهور الإسلام على الدين كله ، يوم تشرق الأرض بنور ربها ..

والاستاذ يرى ان مشكلة السودان هي مشكلة قيادة .قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار:
Quote: الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام


ومن الواضح ان البعث الاسلامي يبدا من المجمتع الصغير اي الفكرة الجمهورية ثم المجتمع الصغير الآخر اي السودان،وبعد ذلك ينتقل الى المجتمع الكبير اي المجتمع العالمي او الكوكبي.
ولذلك فان هنالك علاقة مترابطة بين تلك المجتمعات.
يتحدث الاستاذ في محاضرته في بورتسودان عن علاقة السودان بالمجتمع العالمي :
Quote: نحن دعاة تغيير.. نحن دعاة ثورة فكرية، وثورة اجتماعية، تحدث عن طريق الإسلام.. نحن دعاة بعث – بعث للأمة السودانية، وللأمم الإسلامية، وللأمم العالمية، إن شاء الله، على هدى الإسلام – الإسلام دين الفطرة


يقول في مذكرة تفسيرية في "أسس دستور السودان" عن التراتب في ذلك البعث على المستوى الكرونولوجي ،فهو يبدا بالحزب الجمهوري ثم ينتقل الى السودان ،وبعد ذلك الى الانسانية كلها:
Quote: .. وسيبدأ الحزب الجمهوري بتنظيم منزله ، ومنزل الحزب الجمهوري السودان بكامل حدوده القائمة الي عام 1934 ذلك بأن هذه المدنية الجديدة لا بد لها أن تطبق داخل السودان قبل أن تسترعي إنتباه الإنسانية اللاغبة الضاربة في التيه


ان دلالة المجتمع الصغير تتعلق بالحزب الجمهوري والسودان.اما المجتمع الكبير فهو يرمز اضافة الى المجتمع العالمي،يرمز الى المجتمع السوداني.يقول في الباب الثاني في "أسس دستور السودان":
Quote: فالحزب الآن يطبق الآن دستوره في مجتمعه الصغير- الأعضاء- وهو سيطبق دستوره "أسس دستور السودان" في مجتمعه الكبير – الشعب السوداني- حين يملك سلطة التطبيق ، علي هذا المستوي.


والاستاذ يرى ان الاتحاد المركزي يبدا من المجتمع الصغير اي السوداني ،ثم يطبق نفس الاسس على المجتمع الكبير اي العالم.يقول حول ضروة الاتحاد المركزي لبلد بدائي مثل السودان يقول في الفصل الاول من "أسس دستور السودان":
Quote: ولما كان السودان قطرا شاسعا وبدائيا فان ادارته من مركزية واحدة غير ميسورة


و يقول في خاتمة "أسس دستور السودان" في اشارة الى تطبيق الاتحاد المركزي بدء من السودان ،ثم انتقاله الى العالم كله:
Quote: واما الاتحاد المركزى فانه ، زيادة على انه تنظيم لمجتمعنا الصغير – السودان – على نفس الاسس التى يمكن ان يقوم عليها تنظيم مجتمعنا الكبير – العالم – وهو مادعونا اليه فى ديباجة دستورنا ، يناسبنا من حيث حاجاتنا الحاضرة كل المناسبة ، وذلك لانه يوفق بين مزايا الوحدة الوطنية المنشودة


و في حديث عن الدستور والقانون في "أسس دستور السودان"،يتحدث في اشارة الى الحدود والقصاص والتي ستطبق على المستوى الكوكبي اي العالمي،عن العلاقة بين المتجمع الصغير والكبير :
Quote: يتضح من هذا اننا نتمسك بالتوحيد ، ونستقي منه تشريعنا الفرعي بالقياس علي تشريعي الحدود والقصاص ، حتي يجيء منسقا في اتجاه موحد لحاجة الفرد وحاجة الجماعة ، ونستقي منه تشريعنا الاساسي ((الدستور)) بتمثل روح القرآن – لا اله الا الله - ، حتي يجيء منسقا في اتجاه موحد لحاجة الحكومة المركزية ، وحاجة أعضاء الاتحاد المركزي في مجتمعنا: المجتمع الصغير – السودان – والمجتمع الكبير – الكوكب الأرضي


وعن تلك العلاقة الوثيقة بين المجتمع الصغير والمجتمع الكبير يقول الاستاذ:في اسس دستور السودان ،يقول عن العلاقة بين دستور السودان ودستور الحزب الجمهوري:
Quote: و نحن إنما نشرنا دستور الحزب الجمهوري ضمن "أسس دستور السودان" لأن الإختلاف بين الدستورين إنما هو إختلاف مقدار .. فالحزب الآن يطبق الآن دستوره في مجتمعه الصغير- الأعضاء- وهو سيطبق دستوره "أسس دستور السودان" في مجتمعه الكبير – الشعب السوداني- حين يملك سلطة التطبيق ، علي هذا المستوي.


وفي اسس دستور السودان يقول :
Quote: واما الاتحاد المركزى فانه ، زيادة على انه تنظيم لمجتمعنا الصغير – السودان – على نفس الاسس التى يمكن ان يقوم عليها تنظيم مجتمعنا الكبير – العالم – وهو مادعونا اليه فى ديباجة دستورنا ، يناسبنا من حيث حاجاتنا الحاضرة كل المناسبة ،

ويقول في اهدائه ل"أسس دستور السودان" ‘عن السودان كأنموذج لحكومة القانون العالمية:
Quote: الي الشعب السوداني الكريم
هذا دستور ((الكتاب)) .. نقدمه اليك ، لتقيم عليه حكومة القانون ، فتخلق بذلك الأنموذج الذي علي هداه تقيم الإنسانية ، علي هذا الكوكب ، حكومة القانون .. فإنها الا تقم لا يحل في الأرض السلام ، وليس من السلام بد


ويقول عن الاذاعة الصامتة في ربط بين الاسلام و السودان و الانسانية:
Quote: إن إذاعتنا في هذه الأزمة الحاضرة ظلت صامتة لم تزد ساعات عملها عما كانت عليه و لم تنوع موضوعاتها و لم تستكتب الكتاب الذين لا يحملون ولاء لغير الله تعالي ثم السودان و الإنسانية

ثم يقول في مقدمة " قل هذه سبيلي" عن السودان كنموذج:
Quote: هذا الكتاب "قل هذه سبيلي" يعطي نموذج هذه المدنية في تطبيقها في داخل منزلنا السودان وبالتمادي في هذا النموذج يأتي التطبيق في العالم أجمع.


ويقول في "السفر الاول " عن ايمان الجمهوريين بالشعب السوداني:
Quote: و يؤمن الحزب الجمهوري ، إيماناً لا حد له ، بالسودان .. و يعتقد أنه سيصبح من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح ، و غذاء الفكر ، إذا آمن به أبناؤه ، فلم يضيعوا خصائصه الأصيلة ، و مقوماته ، بالإهطاع نحو الغرب ، و نحو المدنية الغربية ، في غير روية ، و لا تفكير


* عن الخرطوم:
يقول في رسالة الصلاة في اشارة يمكن تأويلها بانها تشي بحديث مستبطن عن أنها أي مدينة الخرطوم،هي موطن الانسان الكامل ،
و الله أعلم:
Quote: ولما كانت القلوب، في سويداواتها، قد جعلها الله حرما آمنا فإن منطقة الكبت لا تقع فيها، وإنما تقع في
Quote: ((الخرطوم))
، في ((المقرن)) في ((البرزخ)) الذي يقوم عند مجمع بحري العقل الواعي، والعقل الباطن.. قال تعالى في ذلك، ((مرج البحرين بينهما برزخ لا يبغيانيلتقيان )).. وهذا ((الخرطوم)) هو موطن الانسان في الانسان - هو موطن الانسان الكامل، في الانسان الذي هو مشروعه المستمر التكوين- وكما أن طريق التكوين، والتطوير، لولبي، فكذلك الكبت فإنه لولبي.. هو لولب يدور حول مركز..


من كل ذلك نخلص الى ان المخطط النظري للاستاذ حول تلقيح الحضارة الغربية، يعتمد على كثيرا على الايمان ،و التعويل على الشعب السوداني ،لا لسبب سوى انه أكثر من غيره يملك اسباب الرشد والانابة،و للاسف لا يذكر الاستاذ اسبابا تجعل من الشعب السوداني ممتلكا لخصائص لا تملكها الشعوب الاخرى،ربما ان الامر مرتبط بصاحب الرسالة الثانية كونه من السودان .
كما نلاحظ ان خطاب الاستاذ هو خطاب اسلامي بنكهة عروبية شرقية اسلامية.
ونلاحظ غياب البعد الافريقي في خطابه .
فبالرغم من اعتزاز الخطاب الجمهوري بالسودان ،لكنه حتى في حديثه عن مشكلة الجنوب لا يتطرق الى الديانات والثقافات الافريقية في الجنوب،دعك عن بقية الثقافات السودانية غير المسلمة.
و كذلك نلاحظ ان الاستاذ لا يعرف مفهوم الاخلاق ،ومن ثم ينطلق الى الاشارة الى الاخلاق التي انعدمت في الحضارة الغربية.وغياب الاخلاق يتحدث عنه الاستاذ تحت مظلة غياب الروح.
ومن الواضح –ايضا ان الاستاذ يعول كثيرا على "القيم" في مخططه النظري لتلقيح الحضارة الغربية،بالرغم من اشارته الى أهمية العلم التجريبي، .يقول في ذلك
إن طريق السودان إلى "التنمية الإجتماعية" ليس طريق الحضارة الغربية ـ ليس طريق العلم التجريبي وحده .. فإن هذا طريق مقفول ، لأنه أهمل القيمة ـ أهمل الأخلاق ـ ونحن السودانين ، بفضل الله ، ثم بفضل كوننا مسلمين ، وورثة المصحف الكريم ، نستطيع أن نقدم النهج الجديد ، الذي ، بما يملك من القيمة ، يستطيع أن يجعل الإنسان سيد الآلة ، وموجهها ، بدلاً من خادمها ، وتابعها ، كما هي الحالة في الحضارة الغربية اليوم ..

خطاب الاستاذ حول التعويل على السودان ،يمثل رؤية مضادة للهامشية التي جعلت كثيرين يصفون السودان برجل افريقيا المريض. كما ان التعويل على السودان كبلد هامشي ،مرتبط ايضا بالمرارات التي عايشها الاستاذ في تعامل السودانيين مع خطابه،وكذلك مرتبط بما ساد في الخمسينيات من القرن الماضي من كلام عن عودة المسيح كما راينا ذلك في لقاء ابن البان مع الاستاذ.
ويبدو ان ذلك الحديث الجاري حول عودة وظهور المسيح في السودان،هو الذي اوحى للاستاذ بالكلام عن السودان كمركز للوجود.وقد تطور ذلك في كتابه الام الاول الاسلام ،ثم اكتمل في كتابه الام الثاني "الرسالة الثانية من الاسلام "وهو ما يمثل اقصى نضج الفكرة الجمهورية في توجهها السوداني لقيادة العالم.
المشاء
-------------------------------------------------------
*1احيانا يسمى الاستاذ المجتمع العالمي بالمجتمع الكوكبي:
يقول في محاضرة بعنوان:
الدين و التنمية:
المجتمع الكوكبي كله في سلام مع بعض،

*نلاحظ ايضا ان المخطط النظري يقوم على فكرة ان السودان اشتراكي ديمقراطي،وهو فكرة تستنبط ما يروج له الخطاب الاسلامي المعاصر عن وسطية الاسلام،فهو الآن وسيط بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الراسمالي في زمن الاستاذ.كما نلاحظ ان الاستاذ لم يتطرق الى الديمقراطية الاشتراكية في الدول الاسكندنافية ،كوسطية بين الشرق والغرب في ذلك الزمان.

Post: #354
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-03-2007, 07:17 PM
Parent: #1



الصديق : الكاتب أسامة الخواض :

أين كان يختبئ الشاعر من الناقد الباحث فيكَ ؟
لقد أغرقتنا في بحرك ونحن في كامل هندامنا .
يحق لنا أن نسأل : أين أسفارك وكيف تقتنيها ؟

إنها تحتاج حفاوة أن أسرناكَ في الغدو والرواح ، وأنت تكتنـز
كل تلك الرؤى .
كان الرصد طيباً لخطاب الأستاذ .

لك الشكر الجزيل .


Post: #355
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-03-2007, 07:27 PM
Parent: #1




التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (6)


المانترا :

وجه من وجوه اليوغا تشابه ما اعتدنا عليه ( مَسك الاسم ) الذي هو مظهر من مظاهر الاستغراق في النص المقروء من الذكر الحكيم ، وهو ما أجمله الأستاذ محمود محمد طه في التلقي عن المولى بالقراءة القُرآنية .

من سِفر ( علم نفسك اليوغا ) بقلم ماري ستيوارت ص ( 123 ـ 124 ) النسخة العربية ،

أورد تعريفاً عن ( المانترا ) كطقس من الطقوس يقوم المتدرب بأخذ أسم له دلالة من المعتقد أو الدين ، ثم يقوم بقراءة الاسم أو العبارة المأخوذة من العقيدة ، وبتردادها بوساطة مُعلم تُحدث أثراً كبيراً في ترفيع درجة الصفاء الذهني لدى المُتدرب أو الممارس لطقس الصفاء الذهني . يجلس في مكانٍ أشبه بالخلوة بمعناها الفصيح : أن تكون في موضعٍ يخلو فيه العابد مع النفس ليمارس التأمل مع الترداد المتواصل للاسم وبأعداد يتم فيها إتباع شروط المعلم ، وهو عمل ذهني على درجة عالية من التقنية التي إن لم يتم ممارستها وفق الأسس فإنها تقود ( للذِهان ) أو المرض العقلي ، لما فيه من قوة يمكنه أن يُحدث تواصلاً مع الأفكار حتى يكاد المرء أن ينقطع من دنياه .

إن تمرين ( المانترا ) من تمارين اليوغا الذي يُشابه عندنا في تُراث المتصوفة بطقس
( مَسك الاسم ) ، ولتلك طقسها عند المتصوفة عامة ، ولها عند المتصوفة في السودان طقوس على جانب من الدقة ويأخذها المعلمون من الشيوخ مأخذ الجد ، لأن التمرين فيها خطر وعلى جانب عميق من الأثر الذي يُحدثه في النفس والعقل ، يصبح فيها الإنسان على درجة عالية من الصفاء والاستقرار الذهني ، والتي تُقربه من عوالم التخاطر ، وينفتح فيها الذهن ليكون مُستقبلاً للأفكار ، وعلى درجة من النقاء يمكنه أن يبُث الكثير لمن حوله .

لقد اعتاد مشايخ الطرق الصوفية عندنا على حفظ أسرارهم بعيداً عن الضوضاء ، وهو طقس موروث عن المتصوفة ، ويُمنح للخاصة من المتدربين ، وفيها الجمل أو الكلمات تقال في حالات الصفاء وبأعداد محسوبة ، وفي حالة الخروج كما يقال عن النص ، فإن المتدرب يُلامس أحوال الذهان أو الدخول فيه وهؤلاء من يُسمون عندنا : ( الدراويش ) .

هذه التقنية التي تسمى في اليوغا ( المانترا ) ومعادلها عندنا ( مَسك الاسم ) لديهما قاسم مشترك في المفردات وطريقة الاستخدام ، وهي على علاقة بالنص الذي أجمله الأستاذ / محمود محمد طه في الأخذ عن القرآن الكريم .

ونواصل

Post: #356
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-03-2007, 07:34 PM
Parent: #1



التلقي عن القرآن الكريم (7)



نرفق نصوص انجليزية تبين بعض من ملامح ما تحدثنا عنه في
التلقي عن القرآن الكريم (6)





A quotation from : The Science of Yogic Meditation , by Yogacharya Shantikumar Bhatt ,1982 D.B. Taraporevala Sons & co. Pvt. Ltd


The practice of Japa is as old as mankind. It is practiced by the primitive
tribes in a crude from. There would hardly be any religion which doesn't expect the followers to practice Japa. The Holy Bible refers to Japa as follows:
'O Lord, Our Lord, how excellent is thy name in all the earth! Psalm – 8.
'I will bless the Lord at all times his praise shall continually be in my mouth ' Psalm – 34.
. I will praise three for ever because thou hast done it; and I will wait on thy name for it is good before thy saints.' Psalm-52
The power of Mantra is acknowledged in Zoroastrianism. Ahura Vairya is their very ancient Mantra. It is said that Asho Zarathushtra, the founder of this faith, had saved himself against many evils with the help of this Mantra. Ahura Vairya appears to be a prayer but in reality it is a Mantra as stated in the book 'Comparative and Critical Study of Mantra Shastra,' Ahura Mazda is the name of God in Zoroastrianism and the followers of this religion recite His 101 named daily.
Islam also recognizes the value of the practice of Japa, The Holy Koran says: 'O faithfuls, remember God. Praise Him every evening and morning. His names are very sweet. Recite his names in a low tone. 'Islam has developed its' own science of Mantra. They have Mantras to win cases in the courts, AZIZ, YA LATIF is a Mantra to be recited twelve thousand times every morning and evening in a holy atmosphere sanctified by the burning of incense in order to fulfill all desires>
In Tibet the Vajrayana branch of Buddhism had developed the science of Mantra. The tradition of Mantras in Jainism is as old as the Tirthankar Parsh-wanath.
The practice of Japa is suggested in all the four Vedas.
'O Lord Vishnu, knowing thy holy name we recite thy name.' Rigveda 1-156-3.


Post: #357
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-03-2007, 10:54 PM
Parent: #356

عزيزي الشقليني
قلت:
Quote: الصديق : الكاتب أسامة الخواض :
أين كان يختبئ الشاعر من الناقد الباحث فيكَ ؟
لقد أغرقتنا في بحرك ونحن في كامل هندامنا .
يحق لنا أن نسأل : أين أسفارك وكيف تقتنيها ؟
إنها تحتاج حفاوة أن أسرناكَ في الغدو والرواح ، وأنت تكتنـز
كل تلك الرؤى .
كان الرصد طيباً لخطاب الأستاذ .
لك الشكر الجزيل .

عزيزي شكرا لكلامك واسئلتك المبدعة.
اكتب النقد بمزاجي الخاص ،لانني لست ناقدا متفرغا.
فالنقد يحتاج الى تفرغ.
لانني احب الاستاذ ،احاول ان اكتب عنه ،بقدر ما اقدر.
كون رصدي للاستاذ كان طيبا ،فهذه شهادة اعتز بها.
وفي معيتي الكثير لاقول به عن الاستاذ نفعنا الله بجمال كتابته ، وسيرته العطرة،و شجاعته الفائقة.
محبتي لك ولمحبي الاستاذ.
المشاء

Post: #359
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-05-2007, 07:19 AM
Parent: #357

أوفيت أيها الصديق الكاتب : أسامة الأستاذ صاحب الرؤية حقه
وأعطيتنا فوق ما نستحق .

نأمل جميعاً أن نُسهم بالقدر الذي نرجوه إضاءة لكل صاحب
رؤية .
ونرجو جميعاً أن نكون قد أفسحنا نسمة ود بين بعضنا
ليكون الحصاد أوفر وأغنى .

الشكر موصول لك ، فأنت المُبادر بالدراسة ،
وأنت من دعوتنا إليها برفق .

نعلم جميعاً أن الكثير من الأحباء يتابعون ،
ونأمل أن نكون كما يودون وأكثر .

Post: #358
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-04-2007, 04:48 PM
Parent: #1



التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (8)

الحلاج وديانات الشرق :

من ديوان الحلاج للدكتور سعدي ضناوي ـ ص ( 10 ـ 12)
نقطف من المقدمة ما يوضح علاقة المتصوف : أبو المغيث الحسين بن منصور ( الحلاج ) المولود في قرية الطور في الشمال الشرقي لمدينة البيضاء من مدن فارس بإيران حوالى ( 244 / 857 م ) :
النص :

( حين انطلق الحلاج إلى مكة حاجاً للمرة الثانية كان برفقته أربع مئة من أتباعه أرادوا أن يثبتوا ولاءهم لسيدهم في بيت الله ، ذلك السيد الشاب الذي أيقن أن الإصلاح الاجتماعي يجب أن يبدأ أولاً بإصلاح النفس ، ولا يمكن لهذا الإصلاح أن يتم إلا باستهلاك ناسوتية الإنسان في لاهوتية الله . وإذا كان عامة الناس لا يستطيعون هذا المستوى من الإشراق الروحي والنفسي فإنهم قادرون أن يتخلوا عن الأنانية التي تُثير الفتن بين الناس وتبعث الأحقاد والضغائن . لقد نقل الحلاج الصوفية من كونها فلسفة اجتماعية مقتصرة على الخاصة من الناس إلى فلسفة ميدانها المجتمع وجنودها عامة الناس . ويغادر الحلاج مكة في سعي جديد و طويل نحو المعرفة ، فيصل إلى الهند وتركستان وكشمير وكأنه في تلك الرحلة أراد أن يحقق روح الإسلام باتصاله بالفكر الإنساني في العالم أجمع . لقد تعلم الكثير من العلوم في هذه الرحلة واكتسب العيدي من المعارف ، ومارس رياضة اليوغا التي تساعد السالك طريق المعرفة إلى بلوغ أقصى غاياته . وقد اطلع الحلاج في تلك الرحلة على " طرق المخاطبة العرفانية " بين الحكماء التي يقال إن ماهاريشي بتانجالي :

Maharishi Patanjali

مؤسس اليوغا هو الذي وضع أسسها والتي بموجبها يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى حالات من الوعي تفوق في سموها حالات الإنسان العادي . وهذا الفيلسوف الذي عاش في الهند منذ آلاف السنين أثبت أن في الإنسان قدرات تفوق قدراته العادية يستطيع الإنسان بلوغها من خلال ممارسة صيغ عرفانية تُدعى " سوترا" Sutra ،
تمكن العارف من القيام بأعمال خارقة والسيطرة على قوى الطبيعة ، كالمشي فوق الماء ، وقراءة الأفكار ، والتخاطب بغير وسيلة التعبير ، والاحتجاب عن الأنظار ، والظهور في أماكن متعددة في آن واحد ، ومعرفة الماضي والمستقبل ( المصدر : أخبار الحلاج لوي ما سينيون ، المنحى الشخصي لحياة الحلاج ص 14 ـ 15 )

. وحين عاد الحلاج من تلك الرحلة انطلقت الألسن تُخبر أنه مارس العديد من الخوارق ، وتأكدت فلسفته الداعية إلى التحقق بالوحدة الإلهية التي لا تتم إلا من خلال الشوق الإلهي والتخلي عن الأنانية التي هي أصل كل المفاسد والشرور . هذا الحب الإلهي الذي يتوق إلى الإتحاد بالله . وهذه الرواية نقلها عنه تلميذه إبراهيم بن فاتك بعد أن شهد معلمه عيد النيروز في بلاد فارس تعبر أصدق تعبير عن هذا الاتجاه حيث قال :

ـ " متى نُنَورِزْ ؟

فسأله ابن فاتك :

ـ " متى تعني ؟

قال :

ـ يوم أصلب !!،

فكما أن يوم النيروز هو نهاية سنة جديدة ، فكذلك " نيروز " الحلاج هو بداية حياته الثانية ، حياته الحقيقية التي يتحد فيها بالله لأن الحلاج إذا أخفق في تحقيق رسالته الأرضية في الانتصار على الظلم فلا بد وأن يبذل دمه على الصليب قرباناً ليكشف عن أعين البشر حجاب المادة ويجلو عن عقولهم الأوهام والأباطيل . إن روحه بعد صلبه ستتحرر من قيود المكان الزمان . لقد جاء الحلاج بفلسفته تلك سابقاً عصره فلم يخدع أبناء زمانه وإنما تركهم يقارنون بينه وبين المسيح وهذا معنى قوله :

على دين الصليب يكون موتي .. ولا البطحا أريد ولا المدينة


انتهى النص .

سنعود من بعد بعثرة المراجع وتشتيتها الذي تتبعناه في سلسلة التلقي عن القرآن الكريم من نسج الخيوط التي تربط رؤى المتصوفة عامة ورؤى الأستاذ محمود محمد طه ، وذلك عبر التداعي للمنقول من النصوص ، والتباسها حتى نتمكن بالتحليل لمعرفة أين يقف خطاب الأستاذ ، مقارنة بخطابات المتصوفة وعلائقها جميعاً بتُراث الشرق .

ثم نواصل


Post: #360
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-05-2007, 04:50 PM
Parent: #1






التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (9)





عن المقامات في الموسيقى القرآنية ما يشير لمفاتيح النغم النصي وكيفية الدخول للوجدان :
تجدون أنموذجاً في هذا الوصل من موقع قراء القرآن الكريم :

http://www.qquran.com/qu.php?goto=vma&mid=3



ونواصل

Post: #361
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-05-2007, 07:59 PM
Parent: #1







من الآثار النبوية الشريفة

( آثار القدم النبوية الشريفة )

نقلاً عن موقع : التصوف الاسلامي - المكتبة الصورية



http://www.islamic-sufism.com/gallery/displayimage.php?album=4&pos=3


Post: #363
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Hussain Ghaffar
Date: 06-06-2007, 08:03 PM
Parent: #361

الأستاذ عبد الله المحترم
لك تحياتى واحترامى
اشتركت حديثا فى الموقع ورايت هذا البوست وتجنبته فى أول وثانى وثالث مرة
مساء اليوم تجاسرت ودلفت الى منبركم المهيب وشاهدت الكليب الخاص
بالاستاذ محمود وتلاميذه فى الثورة أمام بيت الأستاذ
فغلبتنى دموعى وبكيت وبكيت وما زالت دموعى تغالبنى !
أنا لم أقابل الأستاذ محمود ولكنى قابلت بعض تلاميذه
وقرأت كتبه فانبهرت !
و قلت للبعض من أهلى وأصدقائى أن كتاب الرسالة الثانية
كان بمثابة زلزال فى حياتى !
اه اه
أعذرنى يا أخى الكريم
فالدموع تغالبنى ولا أستطيع اكمال مقالتى !
سأمر عليكم غدا أو ربما بعد غد
لكم كل الحب والتقدير
محبكم
حسين عبد الحليم

Post: #364
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-07-2007, 07:30 AM
Parent: #363



الحبيب حسين جعفر

أهلاً بكَ بيننا ، تقرأ وإن تشاء يكتب عن سيد له رؤية ،
وهو على درجة عالية من اللطف ، تسوقه المحبة أينما تطلع .
فالذكر يُحسِن القَبول ويفتح القلوب .
لقد سرقوا روح الراحل قبل أن يمتد إنجازه الذي نحن بصدر
دراسته .
تقبل شكرنا الجزيل بوجودك بيننا .
أي دمع هو زاد المُقلْ .. فملح المآقي يُغسلها .



Post: #362
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-06-2007, 04:21 AM
Parent: #1

و نواصل

Post: #365
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-07-2007, 05:45 PM
Parent: #1



النقل من القرآن الكريم مباشرة ( 10)


نورد هنا نصوصاً من الذكر الحكيم لها علاقة بما نحن بصدده من النقل من القرآن الكريم . إذا أن النص القرآني وغيره من كلمات المولى التي يُلقي بها لمن يُحب من عباده مفتوحة أبوابها لكم لا حدود له .

1 ـ

{قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }الكهف109

من مختصر تفسير الجلالين :

109 - (قل لو كان البحر) أي ماؤه (مدادا) هو ما يكتب به (لكلمات ربي) الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به (لنفد البحر) في كتابتها (قبل أن تنفد) بالتاء والياء تفرغ (كلمات ربي ولو جئنا بمثله) أي البحر (مددا) زيادة فيه لنفد ولم تفرغ هي ونصبه على التمييز.

2 ـ
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }لقمان27

من مختصر تفسير الجلالين :

27 - (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر) عطف على اسم أن (يمده من بعده سبعة أبحر) مدادا (ما نفدت كلمات الله) المعبر بها عن معلوماته بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد ولا بأكثر من ذلك لأن معلوماته تعالى غير متناهية (إن الله عزيز) لا يعجزه شيء (حكيم) لا يخرج شيء عن علمه وحكمته .

و نواصل



Post: #366
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-07-2007, 10:02 PM
Parent: #1




التلقي عن القرآن الكريم مباشرة ( 11)



نورد هنا نصوصاً من الذكر الحكيم لها علاقة بما نحن بصدده من التلقي المُباشر عن القرآن الكريم ، إذا أن النص القرآني وغيره من كلمات المولى التي يُلقي بها لمن يُحب من عباده مفتوحة أبوابها بلا حدود .



{قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }الكهف109

من مختصر تفسير الجلالين :

109 - (قل لو كان البحر) أي ماؤه (مدادا) هو ما يكتب به (لكلمات ربي) الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به (لنفد البحر) في كتابتها (قبل أن تنفد) بالتاء والياء تفرغ (كلمات ربي ولو جئنا بمثله) أي البحر (مددا) زيادة فيه لنفد ولم تفرغ هي ونصبه على التمييز.



{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }لقمان27

من مختصر تفسير الجلالين :

27 - (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر) عطف على اسم أن (يمده من بعده سبعة أبحر) مدادا
(ما نفدت كلمات الله) المعبر بها عن معلوماته بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد ولا بأكثر من ذلك لأن معلوماته تعالى غير متناهية (إن الله عزيز) لا يعجزه شيء (حكيم) لا يخرج شيء عن علمه وحكمته .

و نواصل



Post: #367
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-09-2007, 04:28 AM
Parent: #1




التلقي عن القرآن الكريم مباشرة ( 12)



قطف من أراء تتفق أن بعض المتصوفة لهم من الحرية ما لهم ، وأن خلافهم مع الفقهاء حول الفهم ، وهو الذي قال به الأستاذ في كل منعطف من منعطفات خطابه .
{ هذا النص ورد في كتاب ( تحليل الخطاب الصوفي ) للدكتورة آمنة بلعلي ، ص 274 . }
نورد القطف من النص :


[ إن تفسير القرآن الكريم كان نقلياً يعتمد في نسبته إلى رسول الله ( صلعم ) أو من شهد لهم بالقدرة على التفسير كابن عباس . ولم يكن هذا مطلب المتصوفة ، لأنهم لم يكونوا يعتبرون أنفسهم مُفسرين بقدر ما هم أهل العلم الذي ورَّثه الله إياهم بعد العمل بالقرآن ولم يكن يشغلهم الارتباط بما مضى حتى فيما بينهم ، وكأن الاستنباط بالنسبة إليهم فرض عين ، وهي إشارة للحرية التي أعطوها لأنفسهم ولغيرهم في الإبداع ، ولم يكونوا يهتمون بالثابت ولا بالأصيل ، ولا كانت منافسته مُبتغاهم ، على الرغم من أن تفسير الرسول للقرآن مثلاً الذي هو من العناصر الثابتة ، كانوا ينظرون إليه بأنه تخصيص ، وضرورة الاستنباط منه تعدَّ فضلاً وشرفاً لهم وكأنهم فهموا أن تفسير الرسول للقرآن كان بدوره على حسب مقتضى الحال ، لأن النص ثابت ، أما المتغير فهو الفهم الذي يستجيب لمقتضى الحال ، أما الفقهاء فتصوروا أن الموقف القديم من القرآن ثابت وخالد ، ويوجد بمعزل عن عقول المتصوفة ، لذلك رموهم بمعاداة القرآن وأضروا بالتُراث بأكمله ]


ونواصل


Post: #368
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-09-2007, 05:51 AM
Parent: #367

عزيزي الشقليني
شكرا لانك قد جلبتنا الى هنا في مقام خطاب الاستاذ
بعد غياب الاستاذ ياسر الشريف،
لم يعد هنالك من مناقش،
والاسافير اصلا خلقت للنقاش.
لا ادرى مدى صحة ما ساقول به.
ففي غياب النقاش ،
تصبح مساهماتنا،ملقاة في الهواء ،
والهواء الطلق.
في غياب النقاش ،
لا ادري ما جدوى ما نكتبه هنا؟
افكر كثيرا في هذا الامر.
محبتي لك
المشاء

Post: #369
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-09-2007, 08:07 AM
Parent: #1

تحية للكاتب الصديق : أسامة الخواض

تعلم أنتَ أيها الكاتب
أن ما تكتُب هو مُعلقٌ في الهواء ، كفراشة وقفت أجنحتها
في سكون الفضاء وهي تُطل على زهرة فواحة بالعطر ،
تُغري بالرحيق في مستودع الإكثار .
صورتها مُعلقة ينظُرها الذين يقرءون ، وأنت تعلم كم من مُحبي الأستاذ
وكم من ورثة منهجه يُطلون كل يوم ، وليس الحوار ميسور لكل من لديه
مفتاح للوصال هُنا .
على جنبات الكون من يقرأ ، ومن يقرأ ، ومن يغتني ومن يحاور نفسه .
ألست مع القائل قبل استشهاده : أسهمت بالوعي .

كان حوارك باهراً ، وفراشك مُعلقٌ ينظر من يُحب ألوانه وتُفتتَن الأنظار
والأبصار والبصائر ...
لا تقلق ...
لك الشكر الجزيل أن كنتُ دوماً رفيقاً للفِكَر أنا هبت نسائمه ،
وأذكر أنك سألتني عن تمثال المعشوق .. لم أغفل أنا السؤال ،
وسوف آتيك حين الفراغ ، فأنت الشاعر بمخزونك الذي
يرتقي .. ولا تصلُح معه العجلة .

تقبل محبتي

Post: #370
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-10-2007, 05:36 AM
Parent: #369

عزيزي الشقليني
في انتظار حديثك عن تمثال المعشوق.
فهمت "رسالتك" الطيبة.
ربما كان حديثي منصبا على صديقنا ياسر الشريف،
الذي اغنى الحوار وكثيرا .
سأعود غدا كان الله هون بحديث عن الرسالتين ،
وما قلت به عن التلقي من القرآن.
ارجو ان اوفق في العودة.
كن طيبا ومبدعا.
المشاء

Post: #371
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-10-2007, 06:07 PM
Parent: #1





التلقي عن القرآن الكريم مباشرة ( 13)


لك الشكر الجزيل أيها الكاتب : أسامة الخواض
على أمل أن نواصل .
لقد وعد الدكتور ياسر أن يعود من بعد شهر ،
وهو مُحق في أن السفر يُقلق ، ولا تنفع معه
جلسات الرصف الثقيل الذي نحن بصدده ،
ونأمل أن يكون بالفعل ( قولاً ثقيلاً ) يسهُم
في الوعي بالقدر الذي نتمنى .

عزيزنا الكاتب : أسامة

لا زلت عند وعدي لك في ( تمثال المعشوق )
واصبر عليَّ قليلاً ، فلم أزل أنا مأزوماً
مما يتم من صراعٍ دامٍ بين المُبدعين ،
رغم أن هنالك من يقول بأن الصراع الدامي
يخلق آخر المطاف من الارتجاج عملاً جديداً ،
لا أريد أن أنزلق هنا بالحديث عن كل ذلك ،
ولكنه ما شتت ذهني على الأقل .

شكراً لك
ــــــــ
ثم نواصل :

لقد حاولنا ونحن نجلب بعض الأمثلة ونقطف القطوف حتى نبين أن مسألة التلقي عن القرآن ليس بالعمل السهل ، أو أن أي من يعرف العربية يمكنه أن يجلس ويخلو لنفسه ويقرأ ، ويتلقى ، بل هو أمر يحتاج درجات من التأهيل و تثقيف سنان الفكر و خضوع الوجدان ، وأن تُبسط المشاعر التي تتأتى من الكد أن تنفتح .. وتلك مما نراه تهيؤ للنفس لابُد منه لقراءة الفكرة التي قال بها الأستاذ ، وهو ما سنأتي على تفصيله لا حقاً .

حول قراءة القرآن والتمهُل في قراءته ، وهو وجه من وجوه الدخول في عوالم الذكر الحكيم ، والتأسي بالنبي الكريم وهو يتلقى القرآن بتمهل و تؤدة .

1/
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان32

من تفسير الجلالين :

32 - (وقال الذين كفروا لولا) هلا (نزل عليه القرآن جملة واحدة) كالتوراة والإنجيل والزبور قال تعالى نزلناه (كذلك) متفرقا (لنثبت به فؤادك) نقوي قلبك (ورتلناه ترتيلا) أتينا به شيئا فشيئا بتمهل وتؤدة لتيسير فهمه وحفظه

2/

{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }المزمل4

من تفسير الجلالين :

4 - (أو زد عليه) إلى الثلثين وأو للتخيير (ورتل القرآن) تثبت في تلاوته (ترتيلا)
3/

{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106

من تفسير الجلالين :

106 - (وقرآنا) منصوب بفعل يفسره (فرقناه) نزلناه مفرقا في عشرين سنة أو وثلاث (لتقرأه على الناس على مكث) مهل وتؤدة ليفهموه (ونزلناه تنزيلا) شيئا بعد شيء على حسب المصالح.




ونواصل

Post: #372
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-11-2007, 12:32 PM
Parent: #1





التلقي عن القرآن مباشرة (14 )




نبدأ من النص القرآني :

{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }المزمل4
ونُذكر ما أوردناه عن المقامات في القراءة القرآنية ولسنا بصدد إعطاء دروس في المقامات بقدر ما نرغب أو نوضح أن النص القرآني : قراءة وتجويداً مع المقامات .
فالمقامات كالبياتي ، والراست ، النهاوند ، والسيكا والصبا والحجاز.... و هي تستتبع درجة من درجات الرُقي التعبيري في انخفاض الذبذبة الصوتية عند الغلظة وارتفاعها عند الحدة ومن جهة أخرى يتلون التعبير في المقامات لتُبرز التعبير الوجداني وفق المعاني المطلوب إبانتها :
التحذير و الوعيد بالعذاب و الوعد بالخير و النهي ، والتفكُر والقص القرآني بمُختلِف تنوعه وتلك ما لا تظهر في التجويد عادة ، إذ يهتم التجويد بدقة اللفظ والمدّ والتفخيم والترقيق ... وخلافه من القواعد في زمانها الإيقاعي ولكنها ترتقي بالمقامات التي تأخذ بعمق الدلالات والمعاني ويبرز التعبير الجمالي ، وهي درجة تظهر في القرار وجواب القرار ....
تلك أوردنا لنُفسح المجال لمعرفة أنه وبخلاف المعاني ومن بعد استيفاء العبور من الدين ارتقاء فإنه يتعين أن يُدرك السالِك جماليات اللفظ العربي القرآني و العبور إلى الموسيقى القرآنية من أوسع أبوابها .
والمتتبع لقصة الوحي منذ ابتدائه يعرف أن الجلوس في الغار قبل التنـزيل والتأمل كان تدريبا من تدريبات الصفاء للنبي الكريم إلى أن هبط الوحي :

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}.
وذلك منهاجاً لمن يتتبع نهج النبي فعليه بمسلكه في التأمل ، لن ينتظر الملاك الذي
هبط للنبي كما توضحه الآية وتفسيرها :

{وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى }النجم7

من تفسير الجلالين :

7 - (وهو بالأفق الأعلى) أفق الشمس أي عند مطلعها على صورته التي خلق عليها فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وكان بحراء قد سد الافق إلى المغرب فخر مغشيا عليه وكان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها فواعده بحراء فنزل جبريل في صورة الآدميين .



ونواصل


Post: #373
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-11-2007, 11:01 PM
Parent: #1




يقول ذو النون المصري :

أموتُ وما مَاتت إليكَ صبابتي
و لا قضيت من صدق حبكَ أوتاري
مُناي المُنى أنتَ لي مِني
وأنتَ الغنى كل الغنى عِند اقتداري


هذا بعض التوق في حضرة خشوع الخاشعين
في حضرة المُخاطرة وشدة الوجد

ونواصل



Post: #374
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-12-2007, 09:02 PM
Parent: #1



التلقي من القرآن الكريم مباشرة ( 15 )


إن التلقي عن القرآن الكريم هو نعيم مبتغى من السالكين ، لا يصله العابد إلا بعد مشقة الكدّ والصعود .
لم نزل نحن في تتبُع بحور الذكر الحكيم وهو يغوص في النفس وأغوارها . لم تتطرق كثير من المباحث حول علوم النفس البشرية والفتح القُرآني في مجاهلها وذلك توطئة لمعرفة كيف يكون الفرد القارئ وهو خاضع للنص القرآني فهو ليس أمام كتاب مقدس للقراءة والدراسة والتمعُن و التفكُر ، بل أمام طبيب للنفس مُدركاً مناطق ضعفها وقوتها فجورها وتقواها .
نأتي هنا على أمثلة من الذكر الحكيم في مسيرة السعي ليكون الفرد في مستوى المعرفة ثم يرتقي بها لمستوى التلقي عن الذكر الحكيم وفق خطاب الأستاذ إذ يذكر أنها درجة رفيعة من درجات الصعود على تضاريس الكدح :
راقب عزيزي القارئ الآيات المذكورة أدناه :

1/

{18} إِنَّ الْإِنسَانَونوا خُلِقَ هَلُوعاً{19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً{20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً{21} إِلَّا الْمُصَلِّينَ{22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ{23}

من التفسير الميسر :

إن الإنسان جُبِلَ على الجزع وشدة الحرص .
من إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى،
وإذا أصابه الخير واليسر فهو كثير المنع والإمساك،
إلا المقيمين للصلاة ،
الذين يحافظون على أدائها في جميع الأوقات، ولا يَشْغَلهم عنها شاغل،


انظُر كيف تكون المُخاطبة مُبطنة . تقرأ وتتفرَّس المعاني ، فتجد النفس دون أن تعلم قد انكشف غطاؤها ، وأن النص القرآني يعرف مناطق ضعفها و قوتها فيدرك السالِك أنه قُرب مرمى الخضوع وأن العين المُبصرة تأتيه من النص و تتحسس مداركه وتلمس عوالمه .

و نواصل

Post: #375
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-13-2007, 04:07 PM
Parent: #1





التلقي من القرآن الكريم مباشرة ( 16 )


من سِفر ( الرسالة الثانية من الإسلام ) نقطف مما كتب الأستاذ محمود محمد طه حول القرآن وآياته والترقي في أحرفه ، وقد نهج منهجاً في الترقي بالتعلم من القرآن ، ويتحدث عن الحروف الرقمية و الحروف الصوتية و الحروف الفكرية . ونوردها هنا كي لا نفترق عن نصوص الأستاذ محمود ونحن نعرج معارج القرآن الذي لا تنقضي عجائبه وفق خطاب الأستاذ حين يرقى فيه السالك .

ومن الباب الخامس ـ تحت عنوان الرسالة الأولى :

نقطف ما يلي :


{ وأما كون المكية من ضوابطها ذكر السجدة، فذلك لأن السجدة أقرب إلى الإسلام منها إلى الإيمان. وفي حديث المعصوم: (( أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد)) وفي القرآن الكريم (( واسجد واقترب)) وفيه سر عظيم من أسرار السلوك إلى منازل العبودية.
ومنها أن تفتتح السور بحروف التهجي، وهذا باب عظيم، وفيه سر القرآن كله، والحديث عنه لا يتسع له هذا المقام، وإنما نكتفي منه بما نحن بصدده من بيان الفرق بين رسالتي الإسلام. وعدد الحروف التي جرى بها الافتتاح أربعة عشر حرفا، وهي بذلك نصف الحروف الأبجدية. وقد افتتحت بها تسع وعشرون سورة، على أربع عشرة تشكيلة، هي:-
ألم، المص، الر، المر،كهيعص، طه، طسم، طس، يس، ص، حم،حم - عسق، ق، ن. وكل هذه التشكيلات ورد بعدها ما يفيد أنها القرآن، وأوضح شئ في ذلك قوله تعالى من سورة البقرة: (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين)) ذلك إذا وقفت على (( فيه))، أو شئت وقفت على (( لا ريب)) فجاءت الآيتان هكذا: (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب، فيه هدى للمتقين)) وفي كلتيهما فإن الإشارة بذلك إلى (( ألم)).
ومعنى الحرف أنه من كل شئ طرفه، وشفيره، وحده، ومنه (( حرف الجبل)) وهو أعلاه المحدد الرفيع. }


ونقطف ثانياً :


{ يقول (( من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)). والقرآن كله ذو شكل هرمي.. له قاعدة، وله قمة، وهو يتفاوت بين القاعدة والقمة في معان تدق كلما ارتقت نحو القمة. فهو تفاوت بين حسن وأحسن. وفي قمة القرآن الحروف الهجائية التي افتتحت بها السور، وهذه الحروف، في ذاتها، ذات شكل هرمي أيضا، يتفاوت بين قاعدة وقمة. فالحروف على ثلاث درجات:
الحروف الرقمية، والحروف الصوتية، والحروف الفكرية. فالحروف الرقمية هي الثمانية والعشرون المعروفة، ومنها يتألف الكلام الظاهر: والحروف الصوتية لا حصر لها، وهي، المسموع منها، وغير المسموع بالحاسة، تؤلف الخواطر التي تجيش في العقل الواعي. وأما الحروف الفكرية فهي ملكوت كل شئ، وهي كلمات الله التي قال عنها، جل من قائل (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مددا)). ومن هذه الحروف الفكرية تتكون الخواطر المستكنة في العقل الباطن، وفي سويدائه الحقيقة الأزلية، وعلى حواشيه الدين. وإلى الحروف الرقمية، والحروف الصوتية، والحروف الفكرية، الإشارة بقوله تعالى (( وإن تجهر بالقول، فإنه يعلم السر، وأخفى)) فالقول المجهور به يقابل الحروف الرقمية، والسر يقابل الحروف الصوتية، وأما الحروف الفكرية فيقابلها (( سر السر)) وهو المعبر عنه بكلمة (( وأخفى)) ومن هذه الحروف الفكرية ما لا يسمع الا بالحاسة السابعة. }


13/ 06 / 07

ونواصل


Post: #376
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-14-2007, 01:27 PM
Parent: #1




Centered

التلقي عن القرآن الكريم مباشرة (16)




إن الإيحاء نهج من مناهج علوم النفس البشرية وقد أتقنته الشعوب منذ قديم الزمان . لديها تمارين للبدن من صيام وصلاة واعتكاف وتركيز ذهني وتفكُر ، وتمارين الشهيق والزفير وتمارين اكتساب الجسد التطويع لتخرج الروح طلقة والنفس مُنكسرة أمام جلال الكون ومالكه .

ففي الإيحاء استنارة للذهن وسكون للجسد من بعد تقلب الأحوال ، وفيها يأخذ المرء من بعد التمارين روحاً تشف عما حولها . تتحكم في ضغط الدم ونبضات القلب بل والتحكم في الهرمون وزيادة السمع ، إذ كان الأقدمون يضعون الشمع على آذانهم من بعد تمارين الخلوة والتأمُل .

إن القرآن الكريم كتاب على درجة عالية من الثقل اللغوي وكثافة المعاني وتلون التعبير ، تتقلب النصوص من المُباشرة إلى المجاز ، يأخذ القارئ من بعد المنهاج الذي تحدث عنه الأستاذ محمود محمد طه من عبور المسالك ارتقاء و صعوداً في درب الصعود إلى الرب .
وتلك تختلف في خطاب الأستاذ عن المعاني التي أوردها مختصر تفسير الجلالين :


1/

{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6

ـ مختصر تفسير الجلالين :

6 - (يا أيها الإنسان إنك كادح) جاهد في عملك (إلى) لقاء (ربك) وهو الموت (كدحا فملاقيه) أي ملاق عملك المذكور من خير أو شر يوم القيامة .

وفي المعاني التي قصدها خطاب الأستاذ هو الصعود حياً في مراقي التعبُد ولا ينتظر الموت ، ومن بعد إزالة الغشاوة عن العابد في مرقى العبادة الفردية . تنفتح في تأمله الأبواب ويتلقى عن النص القُرآني رؤيا المولى صاحب الوقت مباشرة من بعد انقطاع النبوءة بوفاة النبي الكريم . تلك من الدرجات العُليا التي هي منتهى الرجاء ومطلب العابد في رقيه فتأتيه الرسائل إلى الذهن صافية ومن القلب واجدة ، تسلك طريقاً يُنير الدروب في تقلبات العصر .
ونواصل

14 / 06 / 07

Post: #377
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-15-2007, 07:57 AM
Parent: #1



العقوبات في الرسالة الثانية من الإسلام ( 5)



سألت نفسي كثيراً ، وبقي من الموضوع أمر مُعلق . لم اختار الأستاذ مصطلح ( المعاوضة ) كمفتاح للحديث عن العقوبات ومصطلح العوض في اللغة :

جاء في المعجم الوسيط :ـ

عاضَهُ بكذا : أعطاه إياه بدل ما ذهب منه
اعتاض منه : أخذ العَوض
تعاوضَ القوم : حَسُنَ حالُهم بعدَ سوء
تَعَوَّضَ منه : أخذ العَوض
استعاضَهُ : سأله العِوَض
عَوَّضَه : عوضه من هبته خيراً



ونقطف من كتاب الأستاذ ( الرسالة الثانية من الإسلام ) :
1/
التسيير خير مطلق

بدخول العقل في المسرح نشأ قانون المعاوضة في الشريعة، وهو قانون فج، إذا ما قيس إلى قانون المعاوضة في الحقيقة، ولكنه يدق، وينضبط، كلما قوي العقل واستحصد. وهو القانون الحادث، ويحكي الإرادة البشرية، المحدثة. وهو إنما يستهدف إتمام الانطباق على القانون القديم، الذي يحكي الإرادة الإلهية القديمة.. وهيهات!!
والإنسان مسير من البعد إلى القرب، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن التعدد إلى الجمعية، ومن الشر إلى الخير، ومن المحدود إلى المطلق، ومن القيد إلى الحرية.

2/

فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها.


الرأي :
المفاتيح :

1/
بتحليل الخطاب وفق كل المستندات التي أوردناها بشأن بقاء العقوبات الحدية والقصاص ، وأن الأستاذ قد قسمها درجات من أن الحدية درجتها أعلى من القصاص .
2/
لقد ذكر الأستاذ أنه عند دخول العقل المسرح ، أي درجة من الرُقي نشأ قانون المعاوضة في الشريعة وذكر أنه قانون فج إذا ما قيس بقانون المعاوضة في الحقيقة . أي أن قانون الحقيقة .
3/ وذكر الأستاذ: ( ولكنه يدق، وينضبط، كلما قوي العقل واستحصد. ) أي أن معاوضة الشريعة في طريقها للتعديل بالتطور .
4/
وذكر أن العقاب ليس أصلاً في الدين ، إذ هي تصحب النشأة القاصرة :
( وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب،)

التحليل :من ذكر الأستاذ أن العقوبة ليست أصلاً في الدين ، بل تدق وتنضبط في مسير التقدم ، حتى تتعلم ما يغنيها الحاجة إلى العقاب .
1.
لقد بين الأستاذ أن العقوبة ليست أصلاً في الدين ، ولكنه أبقى لم يُفصح كيف ( تدق ) درجات العقوبة ، والمفهوم أن العقوبات تتخفف من الغلظة في الرقي ، وأن المنهاج وفق ما أورده الأستاذ يقود إلى تخفيف العقوبات وإن لم يفصح كيف يكون ذلك التخفيف .
2.
وصف قانون المعاوضة في الشريعة بأنه ( فج ) .
3.
في التفاصيل التي يوردها الأستاذ كما ذكر الباحث : أسامة الخواض أنه فصل في تلك العقوبات الحدية بما يدعمها .

الخاتمة :

إني أرى الأستاذ باختيار المعاوضة بديلاً ( للعقوبات ) هو في الطريق إلى التخفف من العقوبات ، وأن الرؤية لم تكتمل ، إذ أنه يتعين أن ينتقي من القوانين ما يخفف صعوداً من قانون الشريعة وإلى قانون الحقيقة .

ربما كانت الرؤية تحتاج فتحاً آخر في الرؤى والذي أراه بذرة لعمل فكري أرجأه الأستاذ في وجه قرون الاستشعار لأصحاب الشريعة الذين يقفون مع السلطان منذ تاريخ قديم . وأرى مفتاح هذا الرأي يدعمه اختيار مُصطلح ( المعاوضة ) كأنه توجس خيفة من غلظة العقوبات .
وإقرار الأستاذ بأن العقوبة ليست أصلاً في الدين ، إذن فهي في الطريق إلى التغيير والتعديل والتخفيف وفق ما ذكر على طريق العلم .

وأرى أن استشهاد الأستاذ لم يمنح الرسالة الثانية استكمالها ، والأمر موجه مباشرة للمقربين من الأستاذ ليكملوا عمله ، بالصعود عبر المراقي وانتهاج النهج وقدح الأذهان ، لأنه لا يتوازن أن تستأصل الرسالة الثانية الكثير من الفروع وتترُك عقوبة تنتمي للعصر الذي شهده النبي ولم يتمكن من معايشة التسامُح وتم نسخ آيات الأصول وجاءت الفروع لتنظم مجتمع مدينة الرسول ، إلى أن يتيسر في هذا الزمان والذي نراه قد تجاوز العقوبات الغليظة جميعاً .

ونواصل

Post: #378
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-16-2007, 00:03 AM
Parent: #377

الأخوان الأعزاء عبد الله وأسامة وجميع متابعي هذا الخيط والمشاركين فيه..

عدت قبل أيام قليلة من زيارة إلى السودان استغرقت ثلاثة أسابيع.. كتبت قبل يومين ثلاثة هذا البوست:

معرض صور وأسماء بعض ضحايا قوانين سبتمبر النميرية في السودان..

وقد كتبت في بوستات سابقة الكثير حول مسألة الحدود والقصاص.. أهم ما يمكن أن أورده هنا هو قول الأستاذ بأن تشاريع الحدود والقصاص لا تطبق إلا على أرضية من التربية الفردية والعدالة الإجتماعية، وأن الحدود تُدرأ بالشبهات، وقد دفع الأستاذ حياته في سبيل الدفاع عن المستضعفين الذين أخذ النميري يطبق عليهم هذه العقوبات..

المعاوضة في الحقيقة يحكيها قول الله عز وجل: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" أرجو الرجوع إلى هذه الوصلة:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=10&chapte...s=فمن%20يعمل%20مثقال
ولا يفوتني الإشادة بقراءة الأخ عبد الله الشقليني الدقيقة لكتابات الأستاذ محمود في هذا الخصوص وربطها ببعضها البعض وبسيرته ومواقفه من تطبيق هذا النوع من العقوبات.. فمثلا قول الأستاذ محمود الذي أورده الشقليني هو قول مفصلي:

Quote: فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها.


قول الأخ الشقليني :

Quote: لقد بين الأستاذ أن العقوبة ليست أصلاً في الدين ، ولكنه أبقى لم يُفصح كيف ( تدق ) درجات العقوبة ، والمفهوم أن العقوبات تتخفف من الغلظة في الرقي ، وأن المنهاج وفق ما أورده الأستاذ يقود إلى تخفيف العقوبات وإن لم يفصح كيف يكون ذلك التخفيف .


نعم قال الأستاذ أن العقوبات تخفف، ولكنه في نفس الوقت الذي قال فيه أن تشاريع الحدود والقصاص لا يشملها التطوير الذي دعت إليه الرسالة الثانية، أيضا قال شيئا عن النصوص في رده على الدكتور طه حسين الذي أقترح عليك قراءته:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=26&chapter_id=18

Quote: والحق الذي لا مرية فيه: أن قوانين القرآن، فى نصها وروحها ، إنما هي وسيلة .. بيد أن الوسيلة فى روح القرآن، أقرب إفضاء إلى الغاية، من الوسيلة في نصه.. ولذلك لا يرى القرآن بأسا بالخروج على النص، بل أن الخروج على النص عمل يستهدفه التطور، الذي يرعاه، ويهديه القرآن.. ولنضرب لذلك مثلا.. فالقرآن نص على قانون الميراث نصا مفصلا، مع أن روح القرآن تأبى أن تقر من يعرفها، ويأخذ نفسه بها، على أن يمتلك ما يورث، وإنما تعلمه أن يصرف عنه، إلى سواه، كل ما زاد عن حاجته..
إن قوانين القرآن، في نصها، وسيلة إلى روحه.. وهي بذلك متطورة، وروح القرآن هي ((لا إله إلا الله)).. وهي وسيلة، وشيكة الإفضاء إلى الغاية منه.. وهي بذلك كالخالدة، لأنها طرف من الغاية.. والذي يسر لها الخلود مرونتها.. وسبب مرونتها شمولها.. وأيسر آيات شمولها صياغتها من نفي وإثبات.. ما من شك أن تحقيق النظام الديمقراطي الحديث، الذي ورد في رد الدكتور، أمر يستهدفه الإسلام.. وسيحققه.. وهو، في أثناء تحقيقه، لا يتمسك إلا بروح قوانين القرآن، دون نصها، وهذا أمر يحسن بالمسلمين ان يتفطنوا له..

هذا القول يفتح الطريق للمثقفين المسلمين، وفي طليعتهم كل من يؤمن بفكر الأستاذ محمود، نحو التعامل مع نصوص تشاريع الحدود والقصاص الواردة في القرآن بالطريقة التي تحفظ تماسك المجتمع البشري وتجنبه الدخول في احتكاكات حادة مع المسلمين في وقتنا الراهن الذي ساءت فيه سمعة الإسلام والمسلمين.. بكلمات أخرى يمكن القول بالتخلي عن عقوبات الحدود والقصاص والإلتزام بالقوانين الدولية الراهنة.. وهذا القول يجد سندا جيدا من خطاب الأستاذ للدكتور توريز بوديت بعنوان "إعداد الإنسان الحر" تحت عنوان "حكومة عالمية" وأرجو التركيز على ما سأضع تحته خطا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=26&chapter_id=8
Quote: حكومة عالمية:

ما الذي ينقص هيئة الأمم لتكون حكومة عالمية؟؟ ثلاثة أمور: الهيئة التشريعة العالمية، ومحكمة العدل العالمية، والسلطة العالمية التي توقع الجزاء، عند الإقتضاء.. وهذه الأمور الثلاثة ليست غائبة عنا غيابا مطبقا.. فإن لدينا منها النواة.. لدينا، مكان الهيئة التشريعة العالمية، القانون الدولي، وهو يقوم على العادات، والمعاهدات.. ولا يزال في المراحل الأولى من تطوره، وقد أخذ الفقه والقضاء يكونان مصدرين من مصادره.. ولدينا مكان محكمة العدل العالمية، محكمة العدل الدولية ((بلاهاي))، وهي هيئة تحكيمية، وحكمها غير ملزم.. وأما السلطة العالمية التي توقع الجزاء فهي الدول – كل واحدة محتفظة بكامل سيادتها – فإنها توقع ما جاء في ميثاق هيئة الأمم من عقوبات إقتصادية، وعسكرية، على من يخالف القانون..
لا جرم أن كل هذه الهيئات بدائيات، بينها وبين الكمال ما بين الحكومات الوطنية الحاضرة وبين الحكومة العالمية – خطوات، عديدات، واسعات – إن تركت الإنسانية لتقطعها بأسلوبها المعهود من التطور الوئيد، نشبت بينها نواشب التغالب، فتضورت بالمجاعات، واصطلمت بالحروب، وولغت في الدماء، وأفسدت في الأرض فسادا كبيرا.. وليس على طلائع البشرية، فيما أعلم، واجب يشرفهم أداؤه أكبر من أن يعينوا الإنسانية على إجتياز هذه الخطوات، العديدات، الواسعات، إجتيازا هينا، يسيرا، سريعا، في وقت معا.. ولا يكون التطور هينا، يسيرا، سريعا، في وقت إلا إذا سار على حداء عقل مستهد جريء..
لا بد من هيئة تشريعية عالمية تسن من القوانين ما ينظم علائق الدول ببعضها البعض، وتشرف على الهيئات التشريعية المحلية في الدول المختلفة، حتى لا تسن من القوانين ما يتناقض مع القانون الرئيسي الذي تسنه هي، والذي، بدوره، يجب ألا يتناقض مع القانون الأساسي الذي هو الدستور العالمي.. وبذلك تكون جهازا يربط بين قوانين الأمم المختلفة، الفرعي منها، والرئيسي، ويجعلها منسجمة في ضرب من الوحدة ينتظمها جميعا..
ثم لا بد من محكمة عدل عالمية، تنظر في القضايا الدولية، فتصدر أحكاما تحترم، وتنفذ.. ولا بد، آخر الأمر، من سلطة عالمية، تنفذ أحكام القضاء.. وستنهض هذه السلطة من إندماج الدول الحالية في نوع من الوحدة، يأخذ من سيادة كل دولة ما يحد من سلطان الحدود الحاضرة، ويلغي الحواجز الجمركية القائمة، ويجعل الدول الحالية إدارات محلية، لا تتجاوز سلطتها تنسيق مجهود الجماعات المحلية المختلفة، في القطر الواحد، في كل، منسجم، مؤد إلى غاية بعينها، هي، في حقيقتها، نفس الغاية الإنسانية في هذا الكوكب.
وقد جاء هنا ذكر الدستور العالمي، وليس له الآن وجود... فما هو؟ إنه لا يمكن أن يكون هناك دستور عالمي واحد إلا إذا قام على الأصول الثوابت التي تشترك فيها جميع الأمم، وجميع الأجيال، وتلك هي الأصول المركوزة في الجبلة البشرية، من حيث أنها بشرية، ذلك بان تلك الجبلة إنما هي نقطة الإلتقاء التي يتوافى عندها سائر البشر، بصرف النظر عن حظوظهم من التعليم والتمدين – وللطبيعة البشرية قانون كامن فيها هو ذاته صورة مضاهية لصورة القانون السرمدي الذي يهيمن على الظواهر الطبيعية، ويسيطر على القوى الصماء، التي تزحم الوجود، فلا يخلو مكان منها – هو صورة مضاهية لهذا القانون، ولكنها صورة معقولة، ملطفة، إنسانية، تفيض بالإنسانية والرقة واللطف..


وإلى لقاء آخر..

ياسر







Post: #379
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-16-2007, 05:52 AM
Parent: #378


مرحبا بعودة الصديق ياسر
وحتى عودتي للحديث عن رسول الرسالتين كما ورد في خطاب الاستاذ،
ابسط هنا مقدمة للفصل الاول من كتاب سيصدر ،حسب صفحة البروفسيور عبد الله احمد النعيم،
سيصدر في عام 2008.
والنعيم مؤلف الكتاب هو من الجمهوريين المعروفين بمحاولته الاسهام في دفع الخطاب الجمهوري .
الفصل الأول
توطئة البحث حول مستقبل الشريعة الإسلامية

تقوم الأطروحة المقدمة في هذا الكتاب على اعتقادي بأن للشريعة الاسلامية مستقبلا عظيما في حياة جميع المسلمين في كل مكان، ومن هذا المنطلق يعالج هذا الكتاب مسألة دور الشريعة الإسلامية في حاضر ومستقبل المجتمعات الإسلامية، وليس في ماضيها، وإن كان النظر التاريخي ضروري لمنهج البحث وتدعيم الأطروحة التي أقدمها في هذا الكتاب. والبحث في مستقبل الشريعة الإسلامية يشمل مسائل المحتوى الموضوعي للأحكام الشرعية كما يشمل كذلك الاطار العام والمؤسسات أو الوسائل المتعلقة بالتطبيق العملي لتلك الأحكام. ويركز هذا الكتاب على الجانب الثاني من هذه المعادلة ولا يتعرض لمسائل المحتوى الموضوعي لأحكام الشريعة الإسلامية إلا بتأكيد ضرورة الإصلاح والتجديد في فهم المسلمين لتلك الأحكام وتأييد المنهج التنويري الذي قدمه الأستاذ محمود محمد طه. وليس عندى في هذا المجال أكثر من إحالة القارئ لمؤلفات الأستاذ محمود محمد طه وبخاصة كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام" الذي صدرت طبعته الأولى في السودان عام 1967م. يمكن الإطلاع على هذا الكتاب وباقي مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه من الموقع: www.alfikra.org وجوهر الأطروحة التي أقدمها في هذا الكتاب في أمر الاطار العام والممارسة العملية هو التأكيد على أن مستقبل الشريعة الإسلامية إنما يكون في إلتزام المسلمين بأحكامها بصورة طوعية بعيداً عن أجهزة ومؤسسات الدولة التي تفَسد وتُفسد إذا حاولت فرض أحكام الشريعة الإسلامية بالسلطة الجبرية. فبحكم طبيعة وأغراض الشريعة الإسلامية، فلا يصح العمل بأحكامها إلا في حرية كاملة وقصد خالص وهو "النيه" في كل عمل ديني، وينطبق هذا على ما يسمى بأحكام المعاملات مثل تحريم الربا وشروط البيع كما يقوم في أمر العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج، فكل أحكام الشريعة الإسلامية ملزمة للمسلم دينياً بمعزل عن سلطة الدولة الجبرية.
ومن هذا المنظور الديني لا يجوز للدولة أن تدعي قداسة الإسلام وسلطته الروحية. فللدولة وظائفها وأغراضها المعلومة والهامة، كما سيكون البيان فيما بعد، إلا أن ذلك يتعلق بكونها مؤسسة سياسية مدنية ولا يصح أن ينسب لها الإعتقاد الديني أو النيه اللازمة لصحة العمل الديني. كذلك من المعلوم أن سلوك القائمين على مؤسسات وأجهزة الدولة تتأثر بمعتقداتهم الدينية الخاصة، إلا أن ذلك لا يجعل الدولة نفسها إسلامية، وإنما يؤكد ضرورة تمييزها عن الإسلام لأن سلوك الحاكم إنما يعبر عن فهمه هو للأحكام الشرعية وهو مجال أختلاف واسع ومتشعب بين المسلمين على مدى التاريخ. فالإسلام هو عقيدة المسلم التي يحاسب عليها حسب صحة علمه وعمله، بينما الدولة تقتضي استمرارية العمل المؤسسي في الحكم والإدارة والقضاء وما إلى ذلك من وظائف عامة.
وغايتي من تقديم وتدعيم هذه الأطروحة هو تأكيد التميز بين الإسلام ومؤسسات الدولة حتى تخدم أحكام الشريعة الإسلامية أغراضها الأساسية في توعية وإصلاح المسلمين ومجتمعاتهم. ويمكن وصف هذه الأطروحة بعبارة "حياد الدولة تجاه الدين" بحيث لا تحابي ولا تعادي أجهزة الدولة أي مفهوم أو معتقد ديني وإنما تعتمد مرجعية مبادئ المواطنة والحكم الدستوري في السياسات والقوانين العامة. والغرض من هذا الحياد هو ضمان الحرية والمسئولية الفردية الدينية في إطار المجتمع، وليس الفصل بين الإسلام والسياسة. إلا أن هذا التمييز لا يتحقق في الممارسة العملية إلا بضبط وتنظيم العلاقة بين الإسلام والسياسة وفق مقتضيات الحكم الدستوري كما سيرد البيان فيما بعد. وهذه الموازنة بين التمييز والضبط تمكن من اعتبار أحكام الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع والسياسة العامة شريطة ألا يكون ذلك إلا وفقاً للضوابط الدستورية. إن هذا الإيجاز في وصف معالم الأطروحة لا يغفل صعوبة تحقيق جميع أركانها ومؤسساتها، وإنما يهدف إلى إقرار المبدأ العام ريثما يأتي المزيد من البيان لجوانب النظرية والتطبيق في هذه المقدمة بصورة عامة ثم باسهاب أكثر في باقي فصول هذا الكتاب.
الدولةُ نسيجٌ متشابكٌ من السلطات، والمؤسسات، والعمليات، التي ينبغي قيامُها على تطبيق السياسات المتَّفقِ عليها من خلال الممارسة السياسية لكل مجتمع. لذلك ينبغي على الدولة أن تُمثِّل الجانبَ الأكثر استقراراً وتروياً في عملية الحكم، بينما تُشكِّل السياسةُ العمليةَ التفاعلية في إقرار السياسات العامة. ولتحقيق هذه المهمة، وغيرِها من الوظائف، يصبح لزاماً على الدولة احتكار استخدام العنف: أي القدرة على فرض إرادتها على غالب السكان، كما يمتنع حق استخدام العنف على أولئك الخاضعين لسلطانها. تلك القوةُ الجبرية للدولة، والتي بلغ مداها وتأثيرُها الآن مدى لم تصلْه أبداً طيلة التاريخ الانسانيِّ، سوف تأتي بنتائج عكسية إن استُخدِمَت بشكلٍ اعتباطيٍّ، أو لأهدافٍ فاسدةٍ أو غير مشروعة. لهذا من الضروري المحافظةُ على حيادِ الدولة، بقدر الامكان، وهو حيادٌ يستدعي اليقظةَ المستمرةَ والعمل من خلالِ عدد من الاستراتيجيات والآليات السياسية، والتشريعية، والتعليمية، وغيرها.
كما يتطلب حياد الدولة التمييز بين الدولةِ والسياسة تفاعلاً مستمراً بين أدواتِ الدولة ومؤسساتها من ناحية، وبين القوى الاجتماعية والسياسية، من ناحيةٍ أخرى. يَنبَني هذا التمييز أيضاً على إدراكٍ دقيق لمخاطر سوءِ استخدامِ، أو فسادِ، تلك القوةِ الجبرية، والضرورية، للدولة. ومن المهم التأكيدُ على حقيقةِ أن الدولةَ ليست مجردَ انعكاسٍ مباشر للمواقف والتوازنات السياسية اليومية، إذ أنه من الضروريِّ أن تكونَ قادرةً على التوسُّطِ بين الرؤى والأطروحاتِ السياسية المتنافسة، وفض المنازعات بينها، وهو ما يؤكدُ ثانيةً على ضرورة احتفاظِها باستقلالٍ نسبيٍّ، عن قوى المجتمع المختلفة. وحيثُ أن الاستقلالَ التام ليس ممكناً هو الآخر، فالدولةُ لا يمكنُها أن تنفصِلَ عن القادة السياسيِّين الذين يهيمنون على أجهزتها، فإنه يصبح من المهمِّ أحياناً أن نتذكر طبيعتَها السياسية. إلا أن هذه الطبيعة السياسية للدولة هي مدعاة لمواصلة السعي والجهد لضمان فصلِ الدولة عن السياسة، حتى يغدوَ ممكناً لأولئك المبعدين عن السلطة في زمنٍ ما، أن يجدوا في أدوات الدولة ومؤسساتها، ملجئاً يحتمُون به، من سوء استخدام موظفيها لسلطاتهم.
هذه الحاجةُ تتضحُ من تجارب هيمنةِ الحزب الواحد على الدولة، من ألمانيا النازيَّة والاتحاد السوفييتي إلى العديد من الدول الافريقيَّة والعربيَّة، طيلةَ العقودِ الأخيرة في القرنِ العشرين. وسواءً كانت القوميَّةَ العربيةَ بمصرَ، من خلال النظام الناصريِّ، أو كانت عقيدةَ البعثِ، تحت حُكم حافظ الأسد بسوريا، أو صدَّام حُسيْن بالعراق، فإن الدولة صارت وسيلةً مباشرةً للحزب الذي أصبح ذراعَها السياسي. في تلك الظروف أمسى المواطنون بين شقيّ رُحَى، إحداهُما الحزب وأُخراهما الدولة، دون أملٍ في خلاصٍ إداريٍّ أو تشريعيٍّ من قهرِ الدولة، أو إمكانيَّةٍ لمعارضةٍ سياسيةٍ خارجَ نطاقِ سلطانِها. وهكذا فإن الفشلُ في التمييز بين الدولة والسياسة يدعو إلى تقويض دعائم السَّلام، والاستقرار، والتنمية الصِّحيَّة، للمجتمع بأسرِه. ذلك لأن المواطنين الذين فقدوا معونةَ الدولةِ وحمايتَها، أو مُنِعُوا من المشاركةِ السِّياسيَّة الفعَّالة، أما لجأوا للانسحاب والتقَوْقُع، أو الرُكون إلى أساليب المقاومةِ العنيفة، لفُقدانِهم ما سواها.
السؤالُ يجب أن يكونَ إذن عن كيفية المحافظةِ على الفصل بين الدولةِ والسياسة ، بدلاً من تجاهلِ التوترِ بينهما عسى أن تُحَلَّ المسألةُ من تلقاءِ نفسِها. هذا التمييزُ الضروريُّ، رغم صعوبته، يُمكن معالجته من خلال مباديء وآليات الحكم الدُستوري، وحِماية حُقوق الانسان بشكلٍ متساوٍ بين كلِّ المواطنين. لكنْ، كما سأبيِّنُ في الفصل الثالث، لا يُمكن لهذه المؤسسات والمباديء أن تنجحَ دون المشاركةِ الشاملة، والفعالة، لكلِّ المواطنِين، وهو ما لا يمكن أن يكون ما داموا يعتقدون بعدم توافُقِها مع المعتقدات الدينية، والمعايير الثقافية، التي تشكِّلُ سلوكَهم السياسيِّ. تفترضُ مباديءُ السيادةِ الشعبيَّةِ، والحكمِ الديمقراطيِّ، أن المواطنين متحفزون للمشاركة في كل جوانب الحكم والحياة العامة، بما فيها الفعالياتِ السياسيةِ المنظمة، لاخضاع الحكومة للمحاسبة، وبالتالي مستجيبةً لمطالب عموم المواطنين. وهذا التحفيز والعزم، المتأثران جزئياً بالمعتقدات الدينية، والظروف الثقافيَّة، للمواطنين والدولة، يجب أن يُؤسَّسَا على تقديرٍ والتزامٍ بالدستوريَّة وحقوقِ الانسان. وسأوضِّح لاحقاً في هذا الفصلِ هذا المنهج للتغيير الاجتماعيِّ.
هذا الكتابُ هو محاولةٌ لدعمِ وتوضيح الاستيعاب الضروري، مع صعوبته، لتناقض الفصلِ المؤسسيِّ بين الاسلامِ والدولة، رغم الصلة اللاّزمة والدائمة بين الاسلام والسياسة، في المجتمعات الاسلامية الحاضِرة. وهذا التركيز على المجتمعات الاسلامية لا يعني أن القضايا التي أُناقشها هنا تَخُصُّ الاسلامَ والمسلمين وحدَهم. وعندي أن فكرة الدولة الإسلامية من حيث هي مرفوضة من مرجعية المنظور الديني الإسلامي، وليس فقط لفشل المحاولات المختلفة في إقامة هذه الدولة الوهمية عبر التاريخ كما سأفصل في الفصل الثاني. وخلاصة الحجة هنا أن هذا النموذج لا يستقيم عقلاً ولا يصح ديناً بحكم الخلل في جوهر الفكرة وليس فقط في عيوب الممارسة.
أمَّا الوهمُ الخطير الآخر الذي أرفضه أيضاً، فهو فكرةُ إقصاءِ الاسلام بعيداً عن الحياةِ العامَّة، لمجتمعِ المسلمين. وبشرحٍ مختصرٍ، أُفصِّله لاحقاً، فإن الاختلاف الواسعَ بين آراءِ العلماء والمذاهب، يجعلُ لزاماً على الدولة عمليًّا أن تختار بين آراءٍ تتنافسُ في رؤاها، وتتساوى في شرعيتِها. فضلاً عن ذلك، لا تُوجد معاييرٌ أو آلياتٌ متَّفَقٌ عليها للتحكيم بين تلك الرؤى، المنتميةِ لمذاهبٍ شتَّى، لذلك فإن الدولة دائماً مؤسسة مدنية ولا يمكن أن تكون دينية وعليه فإنه لا يجوز للدولة أن تحرم المسلم من اتباع الرأي الشرعي الذي يراه، ولكن لها أن تسّن القانون والسياسة العامة على أساس مدني وسياسي وليس ديني. ثانياً، مهما كانت الآليات والمعايير التي تفرضُها أجهزةُ الدولة، لتحديد التشريع والسياسة الرسميَّيْن، فإنها ستستنِدُ حتماً إلى التقديرِ البشريِّ لمن يُهيمِنُ على تلك الأجهزة.
بعبارةٍ أخرى، فإن أيًّا مما تفرِضُه الدولةُ باسم الشريعةِ هو بالضرورة مدنيٌّ، ونتاج للإرادة السياسية الجبريَّة، وليس المرجعية الاسلامية العليا، حتى وإن كان ممكناً الاتفاق عليها بين المسلمين. فالخلاص الكامل من وهمٍ إمكانية الدولة الإسلامية ضروري، كي يتمكن المسلمون، وسواهم من المواطنين، من الحياة وفقاً لمعتقداتهم، دينيةً كانت أو غير دينية. والحقيقةُ هي أن مسألة الدولة الاسلامية ما هي إلا فكرةٌ وافده مع الحكم الاستعماري الأوربي للبلاد الإسلامية ما بعد استعمارية، ترتكن إلى نموذجٍ أوروبيٍّ للدولة، ورؤيةٍ شموليَّةٍ للقانون والسياسة العامة، كأدواتٍ للتشكيل الاجتماعيِّ، في يدِ النخبة الحاكمة. ورغم أن الدولَ التي حكمت تاريخياً بلاد المسلمين كانت تلتمس دوماً شرعيةً إسلاميةً، إلا أنها لم تزعم أبداً كونَها "دولةً إسلاميةً". أما أنصار ما يُسمَّى بالدولة الاسلامية في العصر الحديث، فإنهم يبغون استغلال مؤسسات الدولة، وقوتِها، مما أسَّسَه الاستعمارُ الأوروبيُّ، واستمر بعد الاستقلال، لينظموا بالقوة الجبريةِ السلوكَ الفرديَّ، والعلاقات الاجتماعية، بالكيفية التي تنتقيَها الصفوةُ الحاكمة. وإنه لمن الخطورة بمكانٍ أن تتقدم هذه المبادرات الشمولية باسم الاسلام، لأنه يصبح من الأصعب مقاومتُها عما إذا كانت تمثل رؤيةً لدولةٍ مدنيةٍ، لا تدعي شرعيةً دينيةً لشموليتها. في نفس الوقت، نجد أن فصل أي دين عن الدولة هو أمرٌ عسيرٌ كذلك، لأنه على الدولة ذاتها أن تنظم دور الدين، كي تحافظ على حيادها الديني، مما هو ضروريٌّ للقيام بدورها كوسيطٍ محايد، بين قوىً سياسيةٍ واجتماعية متنافسة، كما بينا سابقاً.
السببُ الآخر للإصرار على حِياد الدولة تجاه الدين هو أن ذلك شرطٌ ضروريٌّ للإذعان المسلمين لأحكام الشريعة الاسلامية، وتطبيقها كالتزامٍ دينيٍّ. مِثل هذا الإذعان يجب أن يكون إرادياً تماماً، فهو مبنيٌّ على نيَّةٍ، ينفِيها الارغامُ الجبريُّ للدولة فإذا أراد المسلمون اقتراحَ سياسةٍ أو تشريعٍ موافقٍ لعقيدتهم الدينية، كما هو حق لكل مواطن، عليهم أن يدعموا اقتراحَهم ذاك بما أسمِّيه "المنطقَ العام". وكلمة "عام" هنا ترجع إلى الحاجة إلى الإعلان عن منطق السياسة أو التشريع المقترح، وإلى الحاجة لأن تبقى عملية الحوار العام هذه علنية ومتاحةً لكل المواطنين. وليس على أساس فرض عقيدة البعض على الآخرين. بالمنطق العام أنا أعني إذن وجوبَ ارتكاز التشريع أو السياسة العامة إلى ذلك النوع من المنطق المشاع، الذي يُمْكِن لكل مواطن أن يقبلَه أو يرفضَه، أو بتقديم البديل من المقترحات، من خلال عملية الحوار العام، دون أن يُتَّهمَ في دينه أوتقواه. المنطقُ العامُ، لا المعتقدات أو الدوافع الشخصية، هو أساس التشريع والسياسات العامة، سواءً مثَّل المسلمون أغلبيةً أو أقليةً، في مجتمعهم الذي يعيشون فيه.
ليس من المتوقع أن ينصَاعَ الناسُ جميعاً لمتطلباتِ المنطق العام، منذ الوهله الأولى لأن ذلك إنما يأتي عن قناعة على مدى الدوافع الداخليَّة والضمير. من الصعبِ أن نعلم لماذا يُصوِّتُ الناخبون بشكلٍ معينٍ، أو كيف يبررون اختياراتِهم السياسية لأنفسهم. لكنَّ الهدف يجبُ أن يبقى دفع المنطق والتفكيرِ العام، وتشجيعُهما، مع إضعاف النزعة إلى المعتقدات الدينية الشخصية كأساس للسياسة العامة والقانون افتراضَ أنَّ ولا يصح المهيمنين على الدولة محايدون في أداء أعمالهم الرسمية، فالأرجحُ أن الناسَ سيستمرون في العمل وفقاً لمعتقداتهم، ومبرراتِهم، الشخصية. والمطالبةُ بإظهار المبرِّرات، ومناقشتِها بشكلٍ عامٍ ومفتوحٍ، وفقاً لمنطقٍ يستطيع الجميع أن يقبلوه أو يرفضوه بحريةٍ، ستؤدي تدريجياً إلى تشجيعِ وتطويرِ إجماعٍ أوسعٍ، بين عامة المواطنين، يتجاوزُ المعتقداتِ المحدودة، دينيةً كانت أو غير دينيةٍ، للأفراد والجماعات المختلفة. والمقدرةُ على إظهار ألوانٍ من المنطق، ثم الجدالُ حولها بشكلٍ عامٍ، موجودةٌ فعلاً في العديد من المجتمعات. لذا، فإن ما أدعو إليه هو دفعُ هذه العملية بصورة متعمدة بعيدة المدى، لا افتراضُ غيابِها، أو المطالبةُ بغرضها كاملةً على نحوٍ فوري. وآملُ أن هذا الجهد لدفع ممارسةِ المنطق العام سيصبح أكثر وضوحاً، مع ما أبينهُ في هذا الفصلِ، وما يليه من فصولٍ.
هناك مسألةٌ إصطلاحيةٌ يجب أن أوضحها هنا، وهي العلاقةُ بين أطروحتي الأساسيةِ في هذا الكتاب، ومصطلحِ ومفهوم "العلمانية". يتشابهُ النصفُ الأول من أطروحتي، بفصل الاسلام عن الدولة، مع العلمانية، كما يفهمها ويرفضها غالب المسلمين باعتبارها استبعاد كامل للإسلام عن الحياة العامة. أما النصفُ الآخرُ من الأطروحة، بتأكيد الصلةِ بين الاسلام والسياسة، فهو يراعي تلك المخاوفِ من العلمانية. والادراكُ السلبيُّ الشائعُ للعلمانية، في ربوع المسلمين، لا يميزُ بين فصلِ الاسلام عن الدولة، من ناحيةٍ، وصلته بالسياسة، من ناحيةٍ أخرى. وغيابُ التمييزِ هذا يؤدي إلى فهمٍ لفصل الاسلام عن الدولة باعتبارِه عزلاً للاسلام عن المجالِ العام، وحصرَه في المجال الخاص. وبما أن هذا ليس ما أدعو إليه، فقد يكون من الحكمة استعمالُ مصطلح الدولة المدنية، بدلاً من العلمانية، لكيلا أضعف موقفي بالرؤية السلبية الشائعةِ عن العلمانية بين المسلمين. فبدلاً من تبديد الجهد في تصحيح الفهم الشائع للعلمانية، فسوف استخدم مصطلح الدولة المدنية على أن يفهم بأنه فصل الإسلام عن الدولة مع ضبط وتنظيم علاقة الإسلام بالسياسة كما سبق القول.
النقطةُ الاصطلاحيةُ الأخرى هي استخدامي لمصطلحِ "الدولة القطرية" بدلاً من "الدولة القومية"، فالمَعْلَمُ الحاسِمُ للنموذج الأوروبيِّ، كما تُطبقَه كلُّ المجتمعات الاسلامية، هو السُلطةُ الكاملة للدولة، على إقليمٍ معينٍ، والسكانِ الذين يعيشون به، بغضِّ النظر عما إذا كانوا يُشكِّلون معاً "قوميةً"، ترتكِنُ إلى وحدةٍ تاريخيةٍ إثنيةٍ، أو لغويةٍ، أو ثقافية. أجِدُ أيضاً أن "القومية" تؤدي إلى سياساتٍ فاشيةٍ، تنتهكُ حقَّ الأفراد والمجتمعات في تقرير مصيرهم، وهو الحقُّ الذي من أجله نشأت الدولةُ في المقام الأول. أملي إذن أن أساهم في تغيير توجهات المسلمين نحو الطبيعة المدنية الأصيلة للدولة، والدور الحاسم لمبادئ حقوق الانسان والمواطنة، في التوسط الدائم، والتفاوض، بين علاقات الاسلام والدولة والمجتمع. وسياقُ التفاوض المستمر لهذه العلاقات، في المجتمعات الاسلامية الحاضرة، يتشكَّلُ من خلال التحوُّلات العميقة، للمؤسسات والهياكل، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي يحيا المسلمون، ويتواصلون بالمجتمعات الأخرى، في ظلالها. وهذه القدرة على إقامة تلك العلاقات هي نتيجةٌ للاستعمار الأوروبي، والعولمة الرأسمالية. يتشكل هذا السياقُ أيضاً بالظروف الاجتماعية والسياسية الداخلية لكل مجتمع، بما فيها من تغييراتٍ استلهمتها هذه المجتمعاتُ من خارجها، في مسيرةِ لحاقِها بالأشكال الغربية لتكوين الدولة؛ من تنظيماتٍ تعليميةٍ، واجتماعيةٍ، ونظمٍ إدارية، وقانونية، بعد تحقيقِها للإستقلال السياسيِّ. وكلُّ المجتمعات الاسلامية لا تحيا فقط في دولٍ قطرية، مندمجةً تماماً مع نُظُمٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ عالمية، ذاتِ تأثيراتٍ ثقافيةٍ مُتَبَادَلَة، بل هي تُشارِكُ طواعيةً، وباستمرارٍ،في هذه العمليات.
سأقدم الآن بعضَ التوضيح، للعلاقة بين الاسلام والشريعة والدولة، من وجهة نظرٍ تاريخية. لكني لن أورد المصادر العلمية، الداعمة لأطروحاتي المختلفة، في هذا الفصل، لأنها جميعاً ستُغَطَّى بتفصيلٍ أكثرٍ، وذكرٍ وافٍ للمصادرِ المرتبطةِ بها، في الفصول اللاحقة من هذا الكتاب، ولأن ذكرَها قد يصرف القارئ عن متابعةِ الرؤية العامة، للأفكار والموضوعات الرئيسية، والتي أتناولُها تفصيلاً، فيما بعد.
أ- الاسلامُ، والشريعةُ، والدولة
بما أن موضوعَ الكتابِ هو العلاقةُ بين الاسلام والدولة والمجتمع، فمن المهم أن نوضح باختصارٍ هذه المصطلحات. وقد تبدو التعريفاتُ التالية واضحةً لعديدٍ من القراء، لكنه من الأفضل تعريفَها، لتجنب أيَّ خلطٍ، أو سوءَ فهمٍ، لدى القارئ. ولهذا أهميةٌ خاصةٌ هنا، حيث أحاول تغييرَ توجهاتِ المسلمين كمسلمٍ، لا كباحثٍ مبتوتِ الصلة بموضوعِ بحثه.
هناك بدايةً الفهمُ العامُ للاسلام باعتباره الديانةَ التوحيدية، التي أتى بها النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، بين عامي 610 و632 ميلادية، حين تلى القرآن، ثم وضح معناه وأحكامَه فيما عُرِفَ باسم سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم. ولذا يُشكِّلُ هذان المصدران الأساس المرجعي لأيِّ فهمٍ لمصطلحِ الاسلامِ، أو ما اشتُقَّ عنه من مفاهيمٍ، أو صفات، بين المسلمين. إنهما مصدرَ العقيدةِ التي يتمسَّكُ بها كل مسلمٍ، وبيانَ عبادته التي يتبعها، وخُلُقَهُ الذي عليه أن يتخلَّقَ به. ومن القرآن والسنةِ يلتمسُ المسلمون الترشيد والتسديد، لتطوير علاقاتهم الاجتماعيةِ والسياسية، ومعاييرِهم القانونية، ومؤسساتِهم المختلفة. الاسلامُ بهذا المعنى التأسيسيِّ هو إطلاقٌ لقوةٍ تحررية، تنبع من إيمانٍ عميقٍ بإلهٍ واحدٍ، قاهرٍ، شهيد؛ إنه التوحيد. ذلك هو معنى الاسلامِ الذي تعرفه الغالبيةُ العظمى للمسلمين، في حياتِها اليومية، وهي تلتمس هدايتَه الروحية، في القيام بما أمرَ اللهُ به عبادَه في هذه الدنيا. وهذا هو أيضاً المنظور الذي أعتمده أنا في معالجة القضايا الخاصَّةَ بالدولةِ والمجتمع، كما سأبينه بالتفصيل لاحقاً.
يُستخدَمُ مصطلحُ الشريعة، في الخطاب الاسلاميِّ المعاصر، كما لو كان مطابقاً للاسلام، بالمعنى الذي بيناه سابقاً، أي كمجموعِ واجبات المسلم، في كلٍّ من حياته الدينية الخاصة، ومؤسساته ومعاييره الاجتماعية والسياسية والقانونية. مع ذلك، فمبادئ الشريعة ما هي إلا حاصلُ التفسيرات الانسانية، للقرآن والسنة؛ إنها ما يمكن للانسان أن يفهمَه، ويَنْشُدَهُ، في سياقه التاريخي الخاص. الاسلام لهذا أوسع معنىً من الشريعة، رغم أن معرفةَ الأخيرة، والخضوعَ لها، هو سبيلُ إدراك الاسلام، وتحققُ التوحيد، في الحياة اليومية. الشريعة إذن هي البوابةُ والطريقُ، لكي يكون المرؤ مسلماً، لكنها لا تستنفد أبداً إمكانياتِ المعرفة الانسانية بالاسلام، ومحاولات الحياة من خلاله. المرجعية الاسلامية، سواءً عادت إلى الاسلام أو الشريعة، هي إذن ناتجٌ لما أسميه "التجربة الانسانية في اطار القرآن والسنة" ، هي منظومةٌ للمعنى تنشأ عن الممارسة البشرية، والتفكير المتعمق، بل وما يتطور باتساعٍ عن المنهجية المستقرة كذلك.
فرضيةُ أي خطاب إسلامي هي أن كل مسلم أو مسلمة مسئولٌ مباشرةً عن معرفة ما هو مطالبٌ به، والانصياع له، كواجب ديني. والمبدأ الأصلي بالمسئولية الفردية، والذاتية، والتي لا يمكن إلغاؤها أو إسقاطها، هو أحد المبادئ الأساسية المتكررة بالقرآن. مع ذلك، فحينما يحاول المسلمٌ معرفة ما تتطلبه الشريعة منه، في موقفٍ معين، فإنه على الأرجح سيسأل أحد العلماء، أو شيوخ الصوفية، ممن يثق بهم، لا أن يرجع مباشرة إلى القرآن والسنة ذاتهما. على أية حال، فسواء رجع السائل بنفسه، أم سأل عالماً، فإن الجوابَ يأتي بالضرورة عن طريق الرجوع إلى القرآن والسنة، من خلال البنية والمنهج اللذين نشأ الفرد على قبولهما. تجري هذه العملية إذن وفقاً لمذهبٍ معين، بتعاليمه ومنهجيته، لا من خلال رؤيةٍ جديدة تماماً أو على نحو مبتكر. وبعبارة أخرى، فإن كل فهم أو رؤية ييقى مغروساً في تصورات سابقة، تبين كيفية تحديد النص القرآني أو النبوي المتعلق بالحادثة، وكيفية تفسيره.
هنا لا يباشر المسلمون المَصدريْن الأوليين دونما مرور عبر مرشحات، من خبرات الأجيال السابقة، وتفسيراتها، وارتكان إلى منهجية تفصيلية، تحدد من خلالها موافقة النص للموقف الراهن، والكيفية التي يصّنف ويفهم بها. التجربة الانسانية لذلك هي جزءٌ أساسيٌّ لأية مقاربةٍ للقرآن أو السنة، وعلى مستويات متعددة، بدءاً من الخبرات والتأويلات المتراكمة عبر العصور، ووصولاً إلى السياق المعاصر الذي تُنْشَدُ فيه المرجعيةُ الاسلامية. السؤال التالي، من أجل توضيح مختصر في هذه المرحلة التمهيدية، هو: كيف نستحضر إطاراً مرجعياً إسلامياً، من وجهة نظرٍ مؤسسيةٍ، لسياسةِ الدولة وتشريعِها؟
كمؤسسةٍ سياسية، لا تملك الدولةُ في حد ذاتها أن تشعرَ أو تعتقدَ أو تتصرفَ، وإنما هو الانسان الذي يتصرفُ باسم الدولة، أو يحركُ قواها، أو يُفَعِّلُ أجهزتَها. لذا، فحينما يتخذ إنسانٌ قراراً سياسياً ما، أو يقترحُ تشريعاً، مفترِضاً أن هذا أو ذاك مجسدٌ للمبادئ الاسلامية، فإنه بالضرورة يعكس وجهةَ نظره الشخصية في الموضوع، لا وجهةَ نظر الدولة ككيانٍ مستقل. فضلاً عن ذلك، يحدث الشيء نفسه، حين يتحدث زعيمٌ سياسيٌّ، باسم حزبه، ليقدم مقترحاً بسياسةٍ أو تشريع. صحيح أن المواقف الخاصة، والمتعلقة بالتشريع أو السياسات، يمكن التفاوض حولها، لكن المحصلة هي دوماً نتيجةٌ للتقديرات البشرية الفردية، والاختياراتِ الانسانية، لقبول وتفعيل وجهة النظر التي اتفق عليها الأشخاص المعنيون بالأمر.
على سبيل المثال، معاقبة شرب الخمر، أو منع التعامل بالربا قانونا، هو بالضرورة رؤيةٌ بشرية في اطار سياسي وقانوني محدد تتخذ بعد النظر في كل الاعتبارات العملية، بحيث تعكس الصياغة المستخدمة في التشريع، والاجراءاتُ المتبعة في التطبيق، نفسَ التقديرات والخيارات البشرية. ما نقصده هنا، هو أن كافة خطواتِ عمليةِ وضعِ السياسات والتشريعات، وتطبيقهما، تخضع دوما للخطأ البشري، بما يجعلها أبداً عُرضةً للمسائلة والاختبار، دون أن ينعكس ذلك على الاعتقاد الديني في إلزامية الحكم الشرعي على المسلم. وهذا طرف من قولي بضرورة دعم شئون السياسة العامة، والتشريعات، بالمنطق العام، بين المسلمين الذين يكون بمقدورهم الخلاف حول تلك الأمور، بمعارضة التحريم العقابي أو المنع، أو تغيير القانون إذا تم تشريعه دون التعرض للنقد أو القدح في عقيدتهم الدينية.
لقد أسس علماء المسلمين الأوائل الاطار العام والمنهج التفسيري المعروف باسم "أصول الفقه" من أجل أن يتفهموا، ويطبقوا، تعاليم دينهم، كما وردت بالقرآن والسنة. وما يتضح من صيغ هذا العلم الأساسي هو أن هؤلاء العلماء اجتهدوا لوضع قواعد، لتفسير نصوص القرآن والسنة، في ضوء خبراتهم التاريخية المبكرة. يُعرِّفُ هذا العلم وينظِّمُ أيضاً التقنياتِ التشريعية، كالاجماعِ والقياس والاجتهاد. وهذه التقنيات هي مناهج في الفهم واستخلاص الأحكام الشرعية من التجربة البشرية، وليست مصادر للتشريع من ناحية المحتوى الموضوعي. لكن للإجماع والإجتهاد أدواراً تأسيسيةً أبعد مدى من معناهما الفني. وإنه هذا المعنى البعيد نفسه الذي يمكن أن يكون الآن وغداً أساساً لعمليةٍ أكثر دينامية وإبداعاً لتطوير الشريعة على النحو التالي.
الاسلام والشريعة
لقد أجمعت أجيال المسلمين، من نشأة الاسلام وحتى الآن، على أن نص القرآن محفوظ بدقة، بين دفتي المصحف. هذا الاجماع المتواصل عبر الأجيال والقرون هو سبب قبول المسلمين في كل زمان ومكان أن هذا هو القرآن. كما تم إجماع متفاوت على السنة، والتي يقبلها عمومُ المسلمين، كتقريرٍ أصيل عن أقوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأفعالِه، رغم أن الاجماعَ على السنة جاء متأخرا إذا قارناها بالقرآن، ولازال إلى اليوم موضعَ نقاشٍ بين العديد من المسلمين. وبعبارة أخرى، فإن معرفتَنا بالقرآن والسنة هي محصلةُ إجماعِ أجيالٍ متعاقبة، منذ القرن السابع الميلادي. لا نقصِد هنا، ولا نلمِّح إلى أن المسلمين قد اصطنعوا هذه المصادر عبر الإجماع، بل نشير ببساطة إلى أننا نَعْرف هذه النصوصَ ونقبلها لأن الأجيال المتعاقبة من المسلمين قد اعتقدوا ذلك. أكثر من ذلك، الإجماع هو أساس سلطة واستمرارية أصول الفقه، ومبادئه، وتقنياته، لأن هذه البنية المنهجية تعتمد دائما على قبولها من أجيال المسلمين المتلاحقة. بهذا الاعتبار، يصبح الاجماع أساس قبول القرآن والسنة، ومجموع وتفاصيل منهج فهم نصوصها كأحكام شرعية.
ما يميز القرآن والسنة عند المسلمين عن تقنيات أصول الفقه هو استحالةُ الاضافة، إلى أيٍّ من هذين النصين الأصيلين، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، والقرآن هو آخر الوحي. على النقيض، لا يوجد ما يمنع أو يبطل تكوين إجماعٍ جديد، حول تقنيات التفسير، أو حول تفسيرات جديدة، للقرآن والسنة، مما يصبح تلقائياً جزءاً من الشريعة، بنفس النهج الذي أصبحت به هذه التقنيات والتفسيرات جزءا منها في المقام الأول. ويوفر فصلُ الاسلام عن الدولة، وتنظيمُ الدور السياسي للاسلام من خلال الدستورية، واحترام حقوق الانسان، حمايةً ضرورية، لضمان حرية المسلمين في المشاركة في النظر والحوار حول فهم وتفسير نصوص القرآن والسنة لاستخلاص الأحكام الشرعية في كل زمان ومكان.
إن أي فهمٍ للشريعة هو بالضرورة ناتجٌ للإجتهاد، ففهم معاني القرآن والسنة لا يتم إلا عبر التفكر الانساني. وخلال عملية تأسس مناهج وأحكام الشريعة، في القرنين الأول والثاني الهجريين، قام علماء المسلمين بتعريف، وتحديد، مصطلح الإجتهاد على وجهين. أولهما تقييده بالأمور التي لا تخضع للنصوص القاطعة للقرآن والسنة؛ ورغم منطقية هذا المقترح إلا أنه يفترض توافقا للمسلمين على تعيين الآيات لما يناسبها من الحوادث، وتوافقا على تأويل تلك الآيات، بل واتفاقهم على تأبيد إجماع من سبقهم من العلماء كذلك. وثانيهما التحديد المفصل لصفات المجتهد مؤهلاته، وكذلك طريقة أدائه لهذا الإجتهاد. والحق أن تعريف الإجتهاد، وتحديد شروط المجتهد، هما بالضرورة ناتج للفكر والتقدير الإنساني، وليس الوحي المنزل.
وبما أن تعيين النصوص من القرآن والسنة التي تنطبق على مسائل أو حوادث محدده، أو الحكم بقطعية دلالتها، أو تحديد شروط المجتهد، هي كلها مما يقرره الفكر والتقدير البشريين، فإن فرض رقابة مسبقة على هذا الفكر يناقض طبيعة استقراء أحكام الشريعة من القرآن والسنة. إنه من غير المنطقي الحكم بتحريم الإجتهاد في قضية أو مسألة معينة، إذ أن هذا الحكم نفسه هو ناتج للفكر والتقدير البشريين. كما أنه لا ينبغي تقييد ممارسة الإجتهاد إلى طائفة محدودة من المسلمين، ممن يفترض إمتلاكهم لمؤهلات خاصة، لأن هذا التقييد في الممارسة سيعتمد على أولئك البشر الذين يضعون شروط الإجتهاد، وينتخبون من يرونه مؤهلا للقيام به. ومنح تلك السلطة لأية مؤسسة أو هيئة، رسمية كانت أو أهلية، هو أمر خطير، لأن تلك السلطة ستستغل غالبا لبعض المآرب السياسية أو غيرها. ومبدأ أن معرفة الشريعة هو مسئولية لازمة على كل مسلم يعني أنه لا يحق لأي إنسان أو مؤسسة أن تتحكم في تلك العلاقة بين المسلم والشريعة. ويلحق بهذا القول بأن تقرير شروط المجتهد، وقواعد الإجتهاد، هي أمور تتعلق بالعقيدة الدينية، وجزء من الإلتزام الديني لكل مسلم، لذلك من غير المقبول ديناً إقامة رقابة أو سلطة على تلك العملية. أي أن تقييد حرية الحوار بين المسلمين وإعطاء أي سلطة بشرية تقرير ما يجوز أو يجب ديناً، يناقض الطبيعة الدينية للشريعة ذاتها. وهذا المنطق هو أحد الأصول الإسلامية الرئيسة التي أقترحها لتأسيس الدولة المدنية وضمان حقوق الإنسان، والمواطنة، للجميع.
سوف أشرح وأناقش الجوانب المختلفة لأطروحتي أثناء مسيرتي في هذا الكتاب، وما يلي هو عرض موجز لها. بدأ البناء المتكامل والمنتظم للشريعة أثناء حكم الدولة العباسية المبكرة (بعد 750م). وهذه الرؤية للتأسيس المتأخر تاريخيا للشريعة، كنظام شامل ومحكم، تبدو جليا إذا نظرنا إلى مرحلة تأسيس المذاهب الإسلامية الكبرى، والجمع المنظم للسنة، المصدر الثاني والأكثر تفصيلا للشريعة، وكذلك تأصيل المنهجية الفقهية من خلال علم أصول الفقه. كل هذه التطورات جرت في القرنين الهجريين الثاني والثالث. وشهدت الحقبة العباسية الأولى ظهور مدارس الفقه الكبرى، التي نعرفها الآن، والمنسوبة إلى جعفر الصادق، مؤسس المذهب الرئيسي للفقه الشيعي (ت 765م)، وأبي حنيفة (ت 767م)، ومالك (ت 795م)، والشافعي (ت 820م)، وابن حنبل (ت 855م).
بعبارة أخرى، فإن الأجيال الأولى من المسلمين لم تعرف أو تطبق الشريعة، بالمعنى الذي أصبح به هذا المصطلح مفهوما ومقبولا عند غالب المسلمين اليوم. فضلا عن ذلك، فإن التطور اللاحق، للمذاهب، وانتشارها، قد خضع للعديد من العوامل السياسية، والإجتماعية، والديموغرافية. التي أدت إلى دفع نفوذ بعض تلك المدارس من منطقة إلى أخرى، أو تقييد إنتشارها في أجزاء معينة، كما هي الحال في المدارس الشيعية في وقتنا الراهن. وفي أحوال أخرى، أدت هذه العوامل إلى القضاء التام على مدارس بأسرها، كما هي الحال مع مدرستي الثوري والطبري في المذاهب السنية.
المسألة الأخرى الواجب اعتبارها هي ميل حكام المسلمين لتفضيل إحدى المذاهب على سواها عبر التاريخ الإسلامي. على سبيل المثال، نشأت مدرسة الأحناف بالعراق، مركز قوة الخلافة العباسية، فتمتعت لذلك بالدعم الرسمي للدولة، ثم أنتقل لاحقاً إلى أفغانستان، ومنها إلى شبه الجزيرة الهندية، حيث حملها مهاجرو الهند إلى شرق أفريقيا. واتشر هذا المذهب عبر آسيا الوسطى، والامبراطورية العثمانية، حيث أصبحت قواعد الفقه الحنفي أساسا لأحكام الدولة والقضاء. لكن رعاية الدولة لمذاهب معينة لم تكن من خلال التشريع، أو التقنين، كما هي الحال الآن، بل من خلال تعيين القضاة المنتمين لمذهب بعينه، وتخصيص نطاق عملهم الجغرافي، وتحديد مجالات قضائهم.
مع أن الإجماع بين المذاهب المختلفة كان له الأثر الإيجابي والظاهر أن مبدأ الإجماع كان عامل توحيد، جمع جوهر محتوى المدارس السنية معا، مما قلص في إستقرار أصول الفقه ومبادئ الشريعة، إلا أنه كذلك ضيّق مساحة الفكر الإبداعي للإجتهاد. والرؤية الشائعة هي أنه غدا هناك ضعف تدريجي للفكر التشريعي الإبداعي، مما يطلق عليه "غلق باب الإجتهاد"، بزعم أن الشريعة قد بلغت بالفعل مداها النهائي في ذلك الزمان. وسواء أغلق باب الإجتهاد أم لم يغلق، وهذا موضوع خلاف بين المؤرخين، فإن الواضح أنه لم يحدث تغيير حقيقي لبنية الشريعة ومنهاجها، منذ القرن العاشر الميلادي، رغم استمرار بعض التكييفات العملية، في مواقع ومجالات محدودة. والغالب أن هذا التجمد كان ضروريا للحفاظ على استقرار النظام أثناء فترات تدهور، بل أحيانا انهيار، المؤسسات السياسية والإجتماعية، للمجتمعات الإسلامية. لكن الاجتهاد، من وجهة نظر إسلامية، لا يملك أحد سلطة إيقافه، رغم ما ظهر من إجماع بين المسلمين على ذلك. لا يوجد ما يمنع إذن من ظهور إجماع جديد على ضرورة إطلاق حرية الإجتهاد، لمواجهة الطموحات والإحتياجات الجديدة للمجتمعات الاسلامية.
الاسلام والدولة
إن الطبيعة الدينية الأساسية للشريعة، وتركيزها على تنظيم العلاقة بين المؤمن وربه، تعنى أن تلك المسئولية لا يمكن التنازل عنها، أو تفويضها. ولا يمكن لمؤسسة بشرية، إدارية أو قضائية، أن تكون دينية بهذا المعنى، حتى حين تزعم تطبيقها أو فرضها لمبادئ الشريعة. وبعبارة أخرى، فإن الدولة بكافة مؤسساتها، هي ذات طبيعة مدنية لا دينية، مهما كانت المزاعم بالدولة الدينية. كذلك في مسألة الإفتاء التي تتعلق أيضاً بالطبيعة الدينية للشريعة، فقد قام العلماء المستقلون عن سلطة الدولة بإصدار فتاوى تقابل حاجات حكام الامارات، وقضاة الدولة، وعامة المسلمين. إلا أن هذه الممارسة، حتى عندما تأخذ شكل مؤسسة رسمية، لا تعفي المسلم طالب الفتوى من مسئوليته وجهة نظر دينية، عما يتخذه أو يدعه من تصرف بناء على الفتوى، كما يكون المفتي مسئولا كذلك عن فتواه. ستبقى بالطبع الحاجة العملية للإدارة والقضاء، كما ستبقى الحاجة لإلتماس الفائدة من معرفة العلماء وآرائهم. ما أعنيه ببساطة هو أن هذه الأعمال مدنية بطبيعتها، لأنها لا يمكن أن تحل محل المسئولية الدينية لكل مسلم. ويمكن التمثيل على هذه الأطروحة بالنظر لتجربة الإمبراطورية العثمانية.
فقد اضطرت الضرورة العملية سلاطين الإمبراطورية الاختيار بين المذاهب الفقهية، فأخذو بالمذهب الحنفي، ثم قننوا مبادءه في منتصف القرن التاسع عشر. وأصبح ذلك أول مرة يتم فيها تحويل الشريعة إلى مواد مقننة ، تسن باعتبارها القانون الرسمي الموحد داخل أراضي الإمبراطورية. ومسألة اعتماد الدولة العثمانية على المذهب الحنفي ترجع لتفضيل تلك الدولة لذلك المذهب وليس لأنه يحتكر الرأي الصحيح في الشريعة دون غيره من المذاهب، لكن يبقى ضروريا على كل دولة أن تنتقي بين ومثل هذا الإنتقاء ضروري لكل دولة تحاول تقنين الشريعة، إذ أنه يستحيل عليها إعمال كافة آراء المذاهب والعلماء. وقد أدى هذا التقليد الذي ابتدعه العثمانيون لأول مرة إلى تأسيس انتقائية الدولة، لبعض الآراء دون بعضها، لكنه ظل محصورا في نطاق الأحوال الشخصية، إذ حلت القوانين الأوروبية محل الشريعة في كافة المجالات الأخرى. وقد حدث نفس هذا الإحلال لقوانين المستعمر الأوروبي محل الشريعة، والنظم العرفية المحلية، في باقي البلاد الإسلامية ما عدا الأحوال الشخصية، والتي سنت قوانينها وفقا لأحد المذاهب المعمول بها. على أية حال، أدى هذا الوضع المستحدث إلى مصادمة، بين حاجة الدولة لتبني مذهب أو رأي محدد بجعله القانون النافذ بإرادة الدولة وبين الحاجة لاستقلالية الشريعة عن السلطان، فالمفترض في الحاكم أن يحمي الشريعة، لا أن يصنعها أو يسيطر عليها. وهكذا، وحتى زماننا الحاضر، بقيت الشريعة حكماً دينيا على المسلمين، مستقلة عن سلطة الدولة، بينما لم تكف الدولة عن محاولة استخدام الشريعة لتدعيم شرعيتها السياسية.
فضلا عن ذلك، أصبحت تنازلات العثمانيين للقوى الأوروبية نموذجاً لتبني النظم القانونية للدولة الغربية. وقد بررت المراسيم الإمبراطورية تلك التغييرات ليس فقط لأغراض تقوية الدولة، والحرص على مكانة الإسلام في المجتمع، بل كذلك بالحاجة لتأكيد المساواة بين المواطنين العثمانيين، مما مهد لقبول النموذج الأوروبي للدولة القومية، القائم على مبدأ مساواة مواطنيها أمام القانون.
أدخلت الإصلاحات السالفة الذكر على النظام القانوني العثماني القانون التجاري في عام 1850، وقانون العقوبات عام 1858، وقانون الإجراءات التجارية عام 1879، وقانون الإجراءات المدنية عام 1880، وقانون التجارة البحرية، مقتفية في ذلك نموذج القانون المدني الأوروبي، الساعي لسن قوانين شاملة تغطي كل القواعد المناسبة. ورغم أن مبادئ الشريعة قد أقصيت بشكل كبير عن هذه القوانين، إلا أنه كانت هناك محاولة للإحتفاظ ببعض عناصرها. صدرت "المجلة"، والتي عرفت لاحقا بالقانون المدني لعام 1876، خلال فترة عشرة سنوات، من 1867: 1877. وتم فيها تقنين قواعد العقود، والضرر، وفقا للفقه الحنفي، جامعة في ذلك بين الشكل الأوروبي، والمحتوى الاسلامي. وقد قام هذا التقنين الواسع المدى لمبادئ الشريعة على تبسيط هائل للاحكام المتعلقة بهذه المواضيع، وجعلها أيسر منالا للمتخاصمين والقضاة أو المحامين.
اكتسبت "المجلة" نفوذاً كبيراً عندما أصبحت قانوناً، وصارت نموذجا مبكرا، لنشر أجزاء كبيرة من الشريعة، بواسطة سلطة الدولة، محولة بذلك مبادئ الشريعة إلى قانون وضعي، بالمعنى الحديث للمصطلح. أكثر من ذلك أن هذا التشريع جرى تطبيقه على نطاق واسع للمجتمعات الاسلامية داخل الامبراطورية العثمانية، كما استمر تطبيقه في بعض البقاع، في النصف الثاني من القرن العشرين. ويعود نجاح "المجلة" أيضا إلى اشتمالها على بعض الفقرات المأخوذة من غير المذهب الحنفي، موسعة بذلك من إمكانية الانتقاء بين خيارات أوسع بين المذاهب والآراء الاسلامية المتعددة. وكان مبدأ التخير قد تم قبوله بالفعل نظريا، لكنه لم يستخدم عمليا على مثل هذا المستوى العام والرسمي. وبتطبيقها عبر مؤسسات الدولة فقد فتحت "المجلة" الباب لإصلاحات لاحقة، رغم محدودية غرضها في البداية. مع ذلك، فقد أعاقت في نفس الوقت إمكانية العمل بآراء المذاهب الأخرى بما قننته من أحكام المذهب الحنفي، رغم ما اشتملت عليه من تخير، واحتواء لآراء شتى. وما نريد تأكيده هنا، هو أن العملية بأسرها هي ناتج للسلطة السياسية المدنية للدولة، وليس السلطة الدينية للشريعة.
تلك النزعة المتزايدة للإنتقائية، في تخير المصادر، وتركيب المفاهيم والمؤسسات القانونية الغربية والاسلامية معاً، ذهبت إلى مدى أبعد شوطا، عبر أعمال فقيه القانون المصري عبد الرازق السنهوري (ت 1971). والمحاولة الواقعية التي طبقها السنهوري قامت على التسليم بأنه لم يعد بالامكان إسترجاع الشريعة كاملة دون تغيير، وأنه لا يمكن تطبيقها دون أن تتكيف مع حاجات المجتمعات الاسلامية الحديثة. لقد استخدم السنهوري هذه المقاربة عند صياغته لمشروع القانون المدني المصري عام 1948، والقانون العراقي عام 1951، والقانون الليبي عام 1953، والقانون الكويتي والتجاري عام 1960/61. وفي جميع تلك الحالات كان السنهوري يستدعى بواسطة حاكم متفرد بالسلطة، لوضع مشروع قانون شامل، يسن لاحقا دون نقاش أو تداول ديمقراطي للتشريع. من الصعب إذن معرفة مدى قبول هذا النموذج لو كانت تلك البلاد ديمقراطية. لكن مهما كانت درجة استيعاب الشريعة داخل تلك القوانين، فمن الواضح أن العملية ذاتها كانت تشريعا مدنياً، لا إنفاذا مباشرا لمبادئ الشريعة، من منظور إسلامي واجب ديناً.
يلاحظ هنا أن تلك التشريعات مكنت القضاة من الإطلاع على عموم الآراء والمذاهب الفقهية الإسلامية، وصناع السياسات، في عملية تخير بعض الجوانب، وتكييفها، لتدمج داخل التشريع الحديث. وأظهر تركيب التقاليد التشريعية الأوروبية والاسلامية استحالة التطبيق المباشر والمنظومي، لمبادئ الشريعة التقليدية في السياق الحديث. والسبب الرئيسي لذلك هو تعقيد الشريعة ذاتها، وتنوعها، خلال تطورها عبر القرون. فبالاضافة إلى الاختلافات الواسعة داخل المجتمعات السنية والشيعية، وبين بعضها البعض، والتي تتواجد أحيانا داخل البلد الواحد، كما هو الحال في العراق، ولبنان، والسعودية، وسوريا، وباكستان، فإن المجتمع المسلم قد يتبع مذاهب أو آراء شتى، رغم عدم تطبيقها رسميا في المحاكم. والممارسة القضائية في بلد ما قد لا توافق مذهب المتبع عند غالب سكانه، كما هو الحال في دول شمال أفريقيا، التي يتبع غالب سكانها المذهب المالكي، بينما تطبق دولها، تأثرا بماضيها العثماني، المذهب الحنفي. وحيث أن الدول الحديثة لا يمكنها العمل دون مبادئ قانونية، مستقرة رسميا، ومطبقة بشكل عام، فإن مبادئ الشريعة لا يمكن سنها قانونا، أو فرضها كقانون وضعي في أي دولة، دون أن تخضع لعملية تخير بين تأويلات مختلفة، تتساوى جميعا في اعتبار الشريعة لها. هذه المسألة لا يمكن ببساطة تجنبها، سواء من قبل الاسلاميين الذين ينشدون إقامة ما يسمونه بالدولة الاسلامية، عبر تطبيق كامل للشريعة، أو من قبل النظم المدنية التي تزعم فرض مبادئ الشريعة في مجال الأحوال الشخصية.
كما تفاقمت الآثار السياسية والقانونية لهذه التطورات من خلال التغيرات الكبرى التي أدخلها الاستعمار وإستمرار علاقة التبعية حتى بعد الإستقلال، وذلك في مجال التعليم العام، والتدريب المهني لموظفي الدولة. حيث استبدلت الشريعة في مناهج المؤسسات التعليمية بالتركيز على العلوم الاجتماعية والطبيعية وفق المفاهيم الغربية. وفي مجال التعليم القانوني خاصة، فإن الجيل الأول بعد الإستقلال من المحامين والقضاة قد تلقى تدريبا متقدما في جامعات أوروبا وأمريكا الشمالية، وعاد ليدرس للأجيال اللاحقة، أو يتولى المناصب القانونية الرفيعة. هذا بالإضافة إلى إشاعة فرص التعليم على تفاوت بين مراحله المختلفة، وإنحسار الأمية التي كانت سائدة في المجتمعات الاسلامية. فهذا الإنتشار الديمقراطي للتعليم والمعرفة أفقد علماء الفقه الإسلامي امتيازهم وقيادتهم الفكرية التي كانت سائدة في الماضي.
بالتالي فلم يفقد العلماء احتكارهم لمعرفة المصادر المقدسة للشريعة فحسب، بل أصبح بوسع عموم المسلمين تدريجيا مساءلة التأويلات التقليدية لتلك المصادر. وهذه الفرصة متاحة الآن لدعاة الدولة المدنية، وحماية حقوق الانسان، أن يزيدوا من معرفتهم بالمصادر الاسلامية للشريعة، وتاريخها، ومنهجيتها، كي يصبحوا أكثر مقدرة على مجابهة المذاهب والأفكار. وليس المقصود بذلك إنشاء عملية، أو مؤسسة، رسمية لاعتماد من يصلح للاجتهاد، بل على العكس، هناك واجب ديني على كل مسلم ومسلمة، أن يتفقهوا في دينهم، بما يمكنهم من النظر فيه، ليستخلصوا أحكامه في حياتهم الشخصية، ويعبروا عن رؤاهم في الشئون العامة. فمن الواضح عملياً أن هؤلاء الذين يدركون مصادر الشريعة ومنهاجها هم أكثر نفوذاً وإقناعا من أولئك الذين يفتقرون إلى تلك المعرفة.
التحول الهام الآخر في حياة المجتمعات الاسلامية، والذي يعنينا هنا، يتعلق بطبيعة الدولة ذاتها في سياقها المحلي والعالمي. رغم الاعتراضات الواضحة على الطريقة التي استقرت بها الدولة، تحت الرعاية الاستعمارية، فإن رسوخ نموذج الدولة الأوروبي في المجتمعات الاسلامية، كجزء من نظام عالمي يرتكز على نفس النموذج، قد بدل جذريا العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في شتى البقاع. وباحتفاظها بهذا الشكل الخاص لتنظيم الدولة بعد الاستقلال، تكون المجتمعات الاسلامية قد اختارت أن تتقيد بالقدر المتعارف عليه من الالتزامات القومية والدولية، لعضويتها بالمجتمع العالمي للدول الاقليمية. ومع وجود فروق واضحة في مستوى نموها الاجتماعي، واستقرارها السياسي، عبر دولها، فإن المجتمعات الاسلامية اليوم تحيا تحت نظم دستورية قومية، ونظم قانونية، تتطلب المساواة وعدم التمييز بين مواطنيها. وحتى حين تقصر الدساتير القومية، والنظم القانونية الوطنية، عن التعبير عن هذه الالتزامات بوضوح، أو رعايتها بفعالية، فإن واقع العلاقات الدولية الحالي يضمن درجة دنيا من الانصياع العملي. وهذه التغيرات لا يمكن ببساطة الرجوع عنها، رغم أنه لا زالت هناك حاجة ملحة وماسة لتوافق أكبر وأشمل، مع متطلبات الحكم الديمقراطي، وحماية حقوق الانسان، في معظم هذه البلدان، وغيرها من مجتمعات العالم.
وخلاصة هذا العرض المختصر أنه من الواضح وجود حاجة ملحة للمضي في عملية الاصلاح الاسلامي، حتى يتوافق الالتزام الديني للمسلمين مع المتطلبات العملية لمجتمعاتهم اليوم. والمنطلق الأساسي لعملية الاصلاح الحيوية هو أن المرجعية الاسلامية هي دائما قائمة على القرآن والسنة، لكن الفهم البشري لهذه المصادر الأصيلة لايكون إلا في الإطار التاريخي والتجربة العملية في حياة المسلمين. فلا يمكن أن تعرف الشريعة، أو تطبق، في هذه الحياة، إلا من خلال التجربة الإنسانية. وكل ما يدركه المسلمون اليوم من تصورات للشريعة، حتى تلك التي ينعقد حولها إجماعهم، ما هي إلا حاصل آراء بشرية عن معنى القرآن والسنة، قبلتها أجيال المسلمين السالفة، ومارستها مجتمعاتهم. وبعبارة أخرى، فإن الآراء المختلفة حول أحكام الشريعة قد أصبحت كذلك بحكم إجماع المسلمين عليها، عبر قرون عدة، وليس لفرضها قانوناً، بواسطة الدولة، أو من مجموعة متفردة من العلماء.
ب-منهجية ومسار التحول الإجتماعي
يقتضي فصل الإسلام عن الدولة ضبط، المساحة المتعلقة بتصرفات الدولة، عبر سياساتها الحكومية، وكذلك الاصلاحات الدستورية والقانونية. هناك أيضا مساحة المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، حيث يكون السعي لتأكيد الحياد الديني للدولة، والدستورية، وحقوق الانسان، بشكل يتسق مع الاسلام، ويؤثر على الثقافة الشعبية والسلوك الاجتماعي وهذان المجالان للتغيير والإصلاح، عبر التغييرات الرسمية المؤسسية، والمدنية، هما في الواقع متكاملان متساندان. ومع أن كل منهما قد يستدعي أعمالا واستراتيجيات مختلفة، تتباين حسب السياق الاجتماعي والثقافي، فما يتم في أي من المجالين يؤثر على الآخر. فضمان حقوق الإنسان يوسع فرص الحوار والإصلاح الديني الذي ينعكس على سلوك المسلمين وقبولهم لمشروعية حقوق الإنسان التي تؤدي بدورها إلى المزيد من الحماية تلك الحقوق. وحتى تأتي هذه التحولات المتفاعلة ثمارها ينبغي علينا أن ننظم ونضبط العلاقة بين الإسلام والسياسة لكي نضمن إستمرارية فصل الإسلام عن الدولة.
التحولات المقترحة، إذن، تعترف بالأدوار المتعددة للإسلام في مجتمعات المسلمين كدين، وبشكل أوسع، كثقافة وأساس للممارسة الإجتماعية. ويشير هذا إلى بعد ثالث في مقترحي، وهي مسألة غرس التغيير الإجتماعي في ثقافة المجتمع، أو منحه الشرعية الثقافية. وكما سأؤكد مرارا في هذا الكتاب، فإن فصل الاسلام عن الدولة لا يعني إقصاء الاسلام عن السياسة العامة، والتشريع، والحياة العامة بشكل كلي، شريطة أن يدعم ذلك بالمنطق العام، وأن يخضع لوقاية المبادئ لدستورية، وحقوق الانسان. للشريعة إذن أهم مستقبل في المجتمعات الاسلامية، لدورها التأسيسي في تطبيع الأطفال إجتماعيا، وإضفاء الطابع الديني على المؤسسات والعلاقات الإجتماعية. كما لها دور هام آخر في صياغة وتطوير تلك القيم الأصيلة، التي تترجم إلى تشريعات وسياسات عامة، عبر العملية السياسية الديمقراطية. لكنها مع ذلك لا تملك مستقبلا كنظام معياري، تفرضه الدولة وتشرعه، كقانون عام وسياسة عامة. يمكن بالطبع الزعم بأن قانونا ما أو سياسة معينة هما الشريعة، لكن هذا الزعم يبقى زائفا أبدا، لأنه لا يعدو كونه محاولة لإضفاء قداسة الاسلام على الإرادة السياسية للصفوة الحاكمة.
لا يمكن تحقيق التحول الثقافي، أو التغيير الإجتماعي، كمبادرة خارجية تماما، لا تأبه بالتاريخ أو الثقافة أو الممارسة الإجتماعية. بل إن التحول الثقافي، والتغيير الإجتماعي، يجب أن يغرسا ويرسخا في ثقافة المجتمع نفسه، ليكون لهما الشرعية والتماسك والثبات. ويشير هذا بدوره إلى الدور الذي يجب أن تلعبه المجتمعات وأبناؤها، كمشاركين وفاعلين ونشطاء في التغير الإجتماعي، أو بعبارة أخرى الواسطة الإنسانية في العملية. سأناقش الآن الأبعاد المختلفة لإطار التحول الإجتماعي ذلك، من خلال ديناميات الثقافة والهوية، وحتمية الشرعية الثقافية للتغيير الإجتماعي، ودور الواسطة الإنسانية.
الثقافة والهوية
يقتضي الفهم الصحيح لمنهجية ومسار التغيير الاجتماعي معرفة وافية بمفهومي الثقافة والهوية، وهما الاطار الضروري لمعرفة الانسان لنفسه، وكذلك هما أساس التفاعل الاجتماعي. وأستخدم مصطلح الثقافة بأوسع معنى له، ككل يشتمل على القيم والمؤسسات وأشكال السلوك، التي تنتقل داخل المجتمع، والتي تتضمن السلع المادية، وكذلك العلاقات الإجتماعية والسياسية. لا ندعي هنا أن الثقافة هي كل شئ، لكننا نؤكد فقط وجود بعد ثقافي لكل جانب من جوانب الحياة والنشاط الإنسانيين، والتي ترتكز إلى المعايير والمؤسسات الثقافية.
رغم أن الثقافات الإنسانية المختلفة يمكن تمييزها وتعيينها بشكل عام عن بعضها البعض، إلا أن كلا منها يتسم كذلك بتنوعه الذاتي الداخلي، ونزوعه للتغير، وتأثيره المتبادل في علاقته بغيره من الثقافات. من الخطأ إذن افتراض أن التاريخ والسياق الخاص لا معنى لهما؛ تماما كإنكار إمكانية وجود قيم ومؤسسات وملامح مشتركة. وواقع التنوع عبر الثقافي يجعل ممكنا الحديث عن ثقافات خاصة محلية، وقومية، وإقليمية، أو عن الثقافات المُعَرَّفة باللغة، والعرق، والدين، وغيرها. وتمنح المعايير والعادات والتاريخ المشترك داخل الجماعة تماسكا لفكرة الثقافة المشتركة، حتى مع وجود تداخلات مع الجماعات الأخرى. ولا يجب أن يكون ذلك على حساب الإعتراف بالتنوع والتناقض داخل كل ثقافة. وفي نفس الوقت لا ينبغي أن يقود الإعتراف بالفروق بين الثقافات إلى حسبان أن بعضها شديد الإستثناء والتفرد، لدرجة تنفي إمكانية التحليل المقارن مع غيرها من الثقافات. وكما سنناقش في الفصل الثالث، فإن واقع التنوع والتناقض الداخلي، وكذلك الحوار والتأثير العابر للثقافات، يمكن دفعه بشكل مدروس، لإيجاد إجماع مشترك، على قيم وممارسات معينة، كالدستورية وحقوق الإنسان، رغم الفروق الدائمة لأصول هذا الإتفاق ومنطقه، بين الثقافات المتعددة.
تخضع المجتمعات الإسلامية لنفس مبادئ الحياة الإجتماعية والسياسية،التي تعيشها المجتمعات الإنسانية الأخرى، لأن المسلمين، شأنهم شأن غيرهم، يكافحون لتدبير الإحتياجات الأساسية، من مطعم ومأوى وأمن واستقرار سياسي وغيرها. وهم ينشدون كذلك مواجهة احتياجات التغير والتكيف للتطور، والتي تؤثر على حياتهم الفردية والجماعية، تحت ظروف مطابقة أو مقاربة لتلك السائدة بين كل الجماعات والمجتمعات الإنسانية. وحقيقة أن التغير الإجتماعي في المجتمعات الإسلامية، متأثر بالفهم السائد للإسلام ودوره، في الحياتين الخاصة والعامة للمؤمنين به، هي حقيقة مشابهة للواقع الإجتماعي للمؤمنين بغير الإسلام من الديانات. فالتغير الإجتماعي بين الهندوس أو المسيحيين، على سبيل المثال، يتشابه في تأثره بالفهم السائد لكل من الديانتين بين المؤمنين بهما. وبينما تؤثر المعالم المميزة للإسلام، على سبل فهم المسلمين وممارستهم له، في الأحوال المختلفة، فإن هذا الفهم ليس متفردا لدرجة أن يشذ عن مبادئ الحياة الإجتماعية، والسياسية، للمجتمعات الإنسانية بشكل عام. والدراسة المقارنة قد تظهر، على سبيل المثال، أن التاريخ المشترك، وخبرة زمن الإستعمار، والسياق الحاضر، يجعل ما بين بعض المجتمعات المسلمة، في شبه الجزيرة الهندية، وبين جيرانهم من مجتمعات هندوسية أو سيخية، أكبر حجما مما بينهم وبين مجتمعات المسلمين في صحراء أفريقيا، الذين يتشابهون بدورهم، مع جيرانهم من الجتمعات غير المسلمة.
يستدعى مصطلح الهوية ليشير إلى شئ يتميز بالوضوح والثبات والإستقرار. لكنه من الواضح أيضا أن الناس ينظمون حياتهم لتكون أكثر انفتاحا ومرونة، مما يتيح لهم مدى أوسع من بدائل السلوك، والتي يمكنهم تبريرها، من خلال المعاني والمنظومات، الثقافية أو الدينية. وجميعنا ينتقي يوميا ما يود توكيده أو إهماله من جوانب هويته، استجابة لاعتبارات حركية أو استراتيجية، بحيث ندفع أو نحمي أهدافنا قصيرة أو طويلة المدى. وكمسلم يمكنني توكيد هوية إسلامية جامعة مانعة، أو قد أؤكد التسامح الاسلامي، وقبول الاختلافات الدينية، إذ يعتمد ذلك على وضعي الإجتماعي، كمنتم للأقلية أو الأغلبية الدينية، وعلى العلاقات السياسية السائدة بين المجتمعات الدينية في بلدي.
بعبارة أخرى، فإن تكون الهوية وتحولها ليس أمرا ثابتا أو محتوما، بل هو عملية دينامية، تتطلب اختيارات متروية مدروسة؛ فالأفراد يكونون المعاني والقيم من خلال الرموز الثقافية، التي تتشاركها جماعات معينة؛ لكنه ليس نادرا أن يتنقل الفرد بين تلك الرموز، في مسيره بين الهويات الثقافية الإجتماعية المتنوعة. وتتضمن تلك الرموز "علائق بدائية"، كالإنتماءات اللغوية والدينية، والتي يتم تعلمها أو تكونها في مرحلة مبكرة من العمر، وكذلك رموزا حديثة، يتم تعلمها في مراحل لاحقة من العمر. وقد نتحول بين الرموز أحيانا على نحو "ذرائعي" أو محسوب، لا يتفق ضرورة مع الأهداف المعلنة أو المفترضة للرموز الأصلية. فضلا عن ذلك، فإن كل مجموعة من العمليات والتفاعلات تجمع سويا، عناصر هويات موجودة بالفعل، بعد تعديلها أو استرجاعها، مع هويات مستحدثة، أو خاصة بموقف بعينه. على سبيل المثال، يتضمن كوني مسلما في سياق معين، ما عناه كوني مسلما في الماضي، وهو ما تضمن ضرورة تفاوضات سابقة مع الآخرين حول معنى الهوية الاسلامية وغايتها، في الموقف المعين. وبعبارة أخرى، فإن تحديد الهوية عند أية مرحلة مفترضة، أو موقف خاص، هو حاصل للفاعلين، والسياق، والغاية، وكذلك لأي معنى أو محتوى، يربطه الفاعلون المختلفون بهوياتهم الشخصية، في علاقتها بهوية الشخص أو الجماعة الأخرى، التي يتعاملون معها.
إن أحد جوانب عملية تكون الهوية وتحولها هو الحاجة إلى قبول تلك الهوية المفترضة أو الاعتراف بها. فمع أهمية التوحد الذاتي، إلا أن النجاح، حتى على هذا المستوى الشخصي والخاص، يعتمد على استجابة الآخر الخارجي، والذي تتأكد الهوية المستقلة في مواجهته. ولأنه ليس لدينا سلطان على إدراك الآخرين لنا، فإننا بحاجة لمفاوضتهم حول إدراكهم لهوياتنا، وارتباطهم بهذه الهوية من وجهة نظرهم. يصبح الحديث عن هويات منعزلة، أو مكتفية بذاتها، إذن، حديثا مضلِّلا، فطبيعة عملياتتحديد الهويات وتفاعلها مع بعضها البعض يقبل احتمالات مختلفة. على سبيل المثال، قد أخطو في موقف مفترضا أن الآخرين سيدركون هويتي الاسلامية بعداء، مما يدفعني إلى إخفاء، أو عدم تأكيد، هذا الجانب عن نفسي. لكني إن أدركت أن هويتي كمسلم لا تهم الآخرين، أو ربما قد تعمل لصالحي، فإني قد أكشفها، وهنا يصبح السؤال: أي مسلم يتوقعه أو يقبله الآخرون: ليبراليا، أم محافظا، أم تقيا. بل أكثر من ذلك، إن اندماجنا في مثل هذه التعبيرات الحركية أو الذرائعية، للهويات الثقافية أو الدينية، لهو من الشيوع والتلقائية بمكان، حتى أننا لا نكاد نعيه، أو نعترف به صراحة.
وهكذا، فإن تعريف مفهوم الهوية يضيق أو يتسع اعتمادا على الفاعلين، والسياق، والغاية. هي عادة شفرة للخطاب الأخلاقي والسياسي، أو وكيلا لغايات متنوعة، مصرحا بها وغير مصرح. إنها تتضمن تعريفنا لأنفسنا –أين ومتى يتم هذا التعريف، ولأية غاية- وكذا كيف يدركنا الآخرون ويعاملوننا –وأخيرا كيف يتفاعلون مع أحد جوانب هويتنا أو أخراها. وجماعية كانت أو شخصية، فإن الهوية تضم مدى من الأفعال، والدوافع، والإلتزامات الجوهرية، والإنتماءات المساعدة. مثلا، هل يتطلب أو يفترض كون الإنسان هنديا مسلما عداء نحو الهندوسي، أو قبولا له كإنسان مساو، ومواطن هندي؟ على أي وجه يُفتَرَضُ أو يُتوقَّعُ أن يكون شعورُ باكستانيٍّ سني نحو شيعي أو أحمدي في كراتشي؛ أو شيعي إيراني نحو بهائي في طهران؛ أو تركي سني نحو عَلَوي في إستانبول؟ ليس أحد هذه العلاقات مطردا، أو محددا بحتمية، على وجه أو آخر، إذ يبدل أعضاء كل جماعة طريقة إدراكهم، أو تعلقهم، ببعضهم البعض.
إن مفهومي الذات والآخر، وكذلك معاني القيم، وتكوينات الذاكرة، كلها عرضة لعمليتي النقض وإعادة التشكل، وهذا تحديدا ما يدعوني إلى توكيد أهمية تأمين فضاء لهاتين العمليتين، لتجريا تحت أفضل الظروف. وحقيقة أن أنصار التأويلات السائدة لجوانب الهوية الدينية أو الثقافية، المفترضة أو المدركة، يعرضونها عادة باعتبارها الموقف الشرعي أو الأصيل الوحيد للثقافة، من إحدى القضايا المثارة، تجعلنا نصر على إتاحة كل سبيل للمخالفة والحرية، لتأكيد الرؤى أو الممارسات البديلة. ووجود ثقافات متشابكة، وهويات مشتركة، بين الأفراد والجماعات، أي مسألة التشابه، لا تعني وجود ثقافات أو هويات متناغمة أو متسقة، أو أن تلك الرؤى يجب فرضها عبر الجماعات أو المجتمعات. والحقيقة الأخرى هي أن التنوع الداخلي لكل ثقافة، يشير أيضا إلى وجوب التسامح، وقبول الإختلافات، داخل كل ثقافة، وبين كل ثقافة وأخرى. هذه الرؤية لتكون الثقافة والهوية، وتحولهما، تؤكد الحاجة إلى حماية عمليتي النقض وإعادة التشكل، وفضائهما، لتوكيد هوية كل فرد، والسماح له مع ذلك بنقض معناها، أو لوازمها، بما يراه ضروريا. ففضاء كهذا ضروري للجدل الداخلي العام، وللحوار بين الثقافات، لتعبير الأفراد والجماعات عن ذواتهم.
أدعو للعلمانية، والتعددية، والدستورية، وحقوق الإنسان، من وجهة نظر إسلامية، فأنا أعتقد أن هذا المنهج ضروري لحماية حرية كل إنسان، أن يؤكد هويته الثقافية أو الدينية، أو يعارضها، أو يحولها. حقي أن أَكُونَ نفسي يفترض، ويتطلب، قبولي واحترامي لحق الآخرين أن يكونوا ذواتهم أيضا، على النحو الذي يرغبون. ومبدأ المعاوضة أو المعاملة بالمثل هو الأساس الأصيل لعالمية حقوق الإنسان، كما سأبين في الفصل الثالث.
الشرعية الثقافية للتغيير الإجتماعي
نفس هذه الحقيقة للتنوع الثقافي داخل وبين الثقافات، والحاجة لتأمين إمكانيات الإجماع، وكذلك التعارض، بينها، تؤكد أهمية ضمان الشرعية الثقافية للتغيير الإجتماعي. ومفهوم الشرعية الثقافية يعني أنه بما أن السلوك الإجتماعي، وبالتالي إمكانية التغيير الإجتماعي، يحدث داخل منظومة معيارية لكل ثقافة، فإن تغيير بتلك المنظومة يجب أن يكون مفهوما، ومترابطا منطقيا داخل الإطار نفسه. ولا يصح ادعاء الحياد الثقافي للمنظومة المعيارية، فهي بالضرورة نبت أصيل، ودائم، لثقافتها. وكل ما يفعله الإنسان، من نشاط وتفاعل حياتي يومي، إلى تلك الأنشطة الدينية أو الرمزية العميقة، هو أيضا من غرس الثقافة. ونحن نميل لعدم إدراك ذلك، لأن ثقافتنا قد استبطنت بعمق باعتبارها "السبيل الطبيعي" لكل ما نفعله لوجودنا. وبمجرد إدراكنا أن سبل وجودنا، وأفعالنا المختلفة، ليست في الحقيقة معيارا عالميا لكافة الناس، بل أحيانا ولا حتى لبعض ممن يحيون بين ظهرانينا، سنقدر صعوبة الحديث عن قيم أو معايير عالمية، دون أن نجابه حقيقة التنوع الثقافي الدائم والأصيل.
ومع ذلك، فإن إدراكنا لاستحالة الحياد الثقافي، لا يعني أنه يستحيل عقد إجماع، على معايير أو أطر عالمية الصالحية والتطبيق، كالدستورية وحقوق الإنسان، كما سيرد البيان في الفصل الثالث. وإنما يكون اعتبار الشرعية الثقافية هو خطوة أولى لتحقيق عالمية أصيلة، عبر إجماع حول تلك المفاهيم، سواء على المستوى الثقافي المحلي، أو القومي، أو الدولي. وبخصوص حقوق الإنسان، مثلا، فإن الفهم العالمي، والفهم المرتبط بثقافة أو سياق معين، يمكن أن يتساندا، إعتمادا على إدراك الفاعلين المختلفين للعناصر النسبية للعملية، وتفاعلهم مع مختلف الفاعلين والعوامل والسياقات. ومع إدراك أن كلا من النتائج الإيجابية والسلبية محتمل، فإنني معني بمعالجة هذا التوتر الدائم، بما يخدم دفع عالمية حقوق الإنسان، من وجهة نظر إسلامية.
إن القول بتوتر دائم يحتاج إلى معالجة مستمرة لا يعني أن القيم والمعايير العالمية، وتلك المرتبطة بسياق أو ثقافة معينة، لا يلتقيان أبدا. إن الرؤية الثنائية تلك مضللة، لأنها إما تفترض أن حقوق الإنسان محايدة ثقافيا أو سياقيا، أو أن مفهوما لحقوق الإنسان قد نشأ داخل ثقافة معينة لا يمكن قبوله أو تطبيقه فيما سواها من الثقافات والسياقات. إن منظومة معيارية، مثل حقوق الإنسان، تسعى للتأثير على سلوك الأفراد، والمؤسسات الإجتماعية والسياسية التي تنظم حياتهم، لا يمكن أن تكون إلا ناتجا للثقافة، حتى نفهمها ونطبقها عمليا في سياق معين. مثل هذه المعايير لا يمكن تخيلها أو فهمها بمعزل عن الخبرات الواقعية لأولئك الذين يفترض بهم تطبيقها. لكن تشارك الخبرات الإنسانية، وتشابه سياقاتها، تعني أيضا إمكانية اختراع وتطبيق استراتيجيات تعزز قيما متشابهة في ثقافات أخرى، شريطة أن تولي تلك الجهود احتفاء بالإطار المرجعي الداخلي لهذه الثقافات. هنا يمكن لمعايير حقوق الإنسان العالمية أن تنشأ، والتي تتشارك، تعريفا، بين كل الناس في كل مكان. وكما سأؤكد في الفصل الثالث، فإن مقولة غربية حقوق الإنسان مقولة هشة؛ فكيف تكون حقوقا للإنسان إن كانت غربية فحسب؟ في نفس الوقت، على تلك الحقوق أن تكتسب شرعيتها داخل الخطاب الثقافي لكل مجتمع، غربيا كان أم غير غربي.
وهكذا، يمكن تعريف الشرعية الثقافية كمقدرة على التواؤم والاتساق، مع المبادئ والمعايير المتفق عليها للثقافة المعنية، مستندين بذلك إلى القوة والمصداقية العائدة إلى صلاحيتها الداخلية. وتُحتَرَمُ القيمةُ أو المعيار، شرعيا الثقافة، من المنتمين لثقافة ما، لما يحدثانه من إشباع، لحاجات أو أهداف معينة، في حياة هؤلاء الأفراد ومجتمعاتهم؛ ومعرفة أن هذا حقيقي، للمعيار الوارد أو المعدل حديثا، ضرورية لنجاح هذه العملية. وليس هذا صعبا كما يبدو، فمثل هذه العملية تجري باستمرار داخل كل ثقافة، عبر النقض والتحول الداخليين. ولاحتمال وجود صراعات أو توترات بين المفاهيم المتنافسة، للحاجات أو الغايات، الفردية أو الجمعية، فهناك تغير وتوافق دائمين، لمعايير كل ثقافة أو قيمها، مما يُحترَمُ ويُتَّبَعُ. وليس كافيا لأنصار التغيير أن يتشبثوا بموقفهم الداخلي من الثقافة، بل عليهم أن يستخدموا من الحج ما يصح داخل ثقافتهم تلك، حتى يقنعوا المنتمين لها. بهذه الطريقة، فإن عرض وجهات النظر البديلة، وقبولها، يجري من خلال خطاب داخلي متماسك داخل الثقافة. ومعايير الصحة الداخلية لكل مبادرة، لضمان شرعيتها الثقافية للتغيير، تختلف من حالة إلى أخرى، داخل نفس الثقافة أو المجتمع، كما تختلف بين المجتمعات، لكن هذا أيضا مما يمكن معالجته وإعادة تشكيله.
ورغم أن هذه المقاربة تزيد من إمكانية الاعتماد على تعارض الثقافة المحلية مع حقوق الإنسان، فإنني لا أجد بديلا لمنهجية أساسية من الشرعية الثقافية التي يمكن تحسينها باستمرار وعبر الزمن من خلال الممارسة. على سبيل المثال، قد تستخدم الثقافة لتبرير التمييز ضد المرأة، أو العقاب الجسدي للأطفال، باعتبار أن ذلك من مصلحتهم. ورفض الحجج الثقافية الداعمة لتلك الرؤى لا يجدي عادة نفعا في الواقع. بل إن النساء أنفسهن سيدعمن على الأغلب قمعهن إن اعتقدن أنها "إرادة الله" أو إحدى ثوابت ثقافة مجتمعاتهن. على النقيض، فإن مقاربة تعترف بقيمة احترام إرادة الله، أو الثقافة التقليدية، ثم تتساءل بعدها عن معنى هذه القيمة في الظروف الحالية، هي على الأرجح مقاربة أكثر حظا في الإقناع. وكمسلم، فلو خيرت بين الاسلام وحقوق الانسان لاخترت قطعا الاسلام. لكن إن بُيِّنَ لي أن كليهما متسقان، لرحبت بسعادة بحقوق الانسان، كتعبير عن قيمي الدينية، لا بديلا لها. وكمسلم مدافع عن حقوق الإنسان، أجد واجبا علي أن ألتمس السبل، لبيان ودعم مقولة الاتساق، بل الترابط، بين هذه الحقوق والاسلام، رغم أنها قد لا تتسق مع بعض تأويلات الشريعة.
إن قوة أي تغيير يستند إلى مصداقيته الداخلية أمر حاسم لعدة أسباب ترتبط بديناميات العلاقات والتفاعلات الإجتماعية. فأولا، قد يدرك المجتمع، من خلال موقف استعادي، التغيير باعتباره موجبا ومفيدا، لكن الغالب أن هذه التغييرات سيقاومها حراس النظام السابق، باعتبارها سلبية ومؤذية. وتقدير هذه النقطة يسمح لكلي طرفي الجدل حول قضية ما من تفهم وجهة النظر الأخرى والتعامل معها. فليس أنصار التغيير، أو خصومه، ممن يتأصل شرهم، أو استبدادهم. في الواقع، إن أنصار التغيير قد يخدمون الأهداف المشروعة لمجتمعاتهم المتطورة، بينما يخدم خصومه حاجات نفس المجتمع بمقاومتهم للتغيير، حتى يتبدى لهم عكس ذلك. وفي النهاية، فإن الدفاع عن حقوق الإنسان يشمل بالطبع حقوق أولئك الذين يعارضوننا، أو الذين لا تعجبنا آراؤهم. بل أكثر من ذلك، علينا أن نولي عناية أكبر باحترام حقوق من يعارضنا، عن أولئك الذين يوافقوننا ونحبهم، لأن الغالب هو ميلنا إلى انتهاك حقوق أعدائنا لا أصدقائنا. واتساق كهذا هو من الأهمية بمكان لمصداقية مبدأ حقوق الإنسان ذاته.
ثانيا، نظرا لاعتماد الفرد على مجتمعه، الذي يملك مقدرة عظمى لغرس أو فرض الامتثال على أفراده، فإن السياسة العامة، والفعل العام، يغلب عليهما التوافق مع مثاليات المعايير والأنساق الثقافية أكثر من الأفعال الشخصية. وتغيرات السلوك العام لذلك تأخذ عادة زمنا أطول، لميل الأفراد إلى الامتثال لحين أن يفشو قبول المعيار الجديد. وبعبارة أخرى، فإن المعارضة الواسعة والمفتوحة تهدد بقوة أصحاب السلطان في المجتمع، الصفوة التي تتلاقى مصالحها مع الوضع الراهن. وفي قمعها للمعارضة تشدد تلك الصفوة على حتمية الحفاظ على استقرار المجتمع، ومصالحه الحيوية، لا أن تقر بأنها في الحقيقة مصالحها الذاتية تلك التي تبتغي حمايتها. يصبح السؤال إذن: من يملك السلطة لتحديد ما يشمله الصالح العام؟ ومادة القضية المتنازع حولها تغدو وسيطا للكفاح الدائم. وتؤكد هذه العوامل على الحاجة إلى دعم المثاليات الثقافية، عند تقديم أي مقترح جديد للسياسة أو الفعل العام، لتفادي نجاح مقاومة أولئك الذين ينصبون أنفسهم حماة لاستقرار المجتمع ورفاهيته.
إن تشديدي على دور الفاعلين الداخليين، والخطاب الداخلي، لتعزيز الشرعية الثقافية للتغيير الإجتماعي، لا يعوق الدور الذي يمكن أن يلعبه الفاعلون الخارجيون، في دعم قبول ذلك التغيير. لكن أولئك الفاعلين الخارجيين لا يمكنهم التأثير بفاعلية، على موقف داخلي، إلا من خلال اندماجهم في الخطابات الداخلية لنفس القيم، بمجتمعاتهم أنفسهم، مما يمكن المشاركون في ثقافة ما، من الإشارة إلى العمليات المشابهة، في الثقافات الأخرى. والأفضل أن يدعم هؤلاء الفاعلون الخارجيون حقوق الداخليين في مواجهة المدرَكات السائدة دون أن يكون ذلك بتدخل سافر، لكي لا يحطوا من مصداقية رفاقهم. وعلى المدافعين عن التغيير في المجتمعات المختلفة أن ينغمسوا في حوار بين الثقافات، لتبادل الرؤى واستراتيجيات الخطاب الداخلي، وليدعموا القبول العالمي لأهدافهم المشتركة. والحوار بين الثقافات يمكنه أيضا دعم القيم المشتركة، على مستوى نظري أو مفاهيمي، بإلقاء الضوء على المشترك خلقيا وفلسفيا، بين الثقافات والخبرات الإنسانية.
دور الواسطة الإنسانية
كما أكدنا سالفا، فإن أي مبادرة للتغيير الإجتماعي، لكي تصبح ممارسة إجتماعية راسخة، فلا بد لها من أن تغزل داخل نسيج الحياة اليومية، والممارسة الإجتماعية، للناس. والطبيعة المتسعة، بعيدة المدى، لهذه العملية، تشير بوضوح إلى ضرورة العمل على مستويي الدولة والمجتمع، وأن هذين البعدين من التغيير، يلزم تكاملهما وتعاضدهما. ومنهجية ضمان الشرعية الثقافية للتغيير الإجتماعي، تؤكد تلك الإستراتيجية المزدوجة للتغيير على مستوى القانون والسياسة، كما تعمل على جعل تغيرات السياسات تلك ذات معنى، في الحياة السياسية والإجتماعية للمجتمعات. على أية حال، تفترض هذه المقاربة لونا معينا من العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
النظر للدولة كوسيط لنوع التغيير المؤسسي المرغوب لا يعني تمام استقلالية الدولة، بحيث تتصرف مستقلة عن القوى الإجتماعية والسياسية داخل سكانها، أو بحرية عن محددات مصادرها أو غيرها من العوامل. في الواقع، إن بنية الدولة وطبيعتها، وإرادتها ومقدرتها على التصرف، هي نتاج عمليات داخلية أساسية، سياسية و اجتماعية واقتصادية، وكذلك مؤثرات خارجية ودولية. وككيان سياسي، لا فكاك لوجوده عن هؤلاء الذين يحكمون بسلطة الدولة، وأولئك الذين يقبلون سلطانهم، فإن مقدرة هؤلاء الموظفين على التصرف هي بداية سلطة سياسية. وبغض النظر عما يتاح لهم من موارد مادية، أو قوى جبرية، فإن الصفوة التي تتحكم في الدولة تعتمد على الإرادة العامة للشعب، لقبول تصرفات الدولة، أو على الأقل الإذعان لها. وذلك لأن المتحكمين في الدولة ما هم إلا قطاع ضئيل من أولئك الذين يقبلون سلطاتها، ومقدرتهم على فرض إرادتهم بالقوة المباشرة تنهار أمام المقاومة العريضة المستمرة. يحتاج المتحكمون في الدولة إذن إلى إقناع الأغلبية العظمى، أو حثها، للخضوع لقوتهم وسلطانهم، وهو يتوسلون لذلك بزعمهم العمل باسم إرادة الأغلبية، أو العمل وفقا لأفضل مصالحها. لا يعني ذلك أن تفقد سلطة الدولة نفاذها، بل فقط الإشارة إلى الحاجة إلى الإقناع، والتي تتيح بعض الإمكانية للتغيير.
إنه لمن الغرور والغطرسة أن ندعي أن الناس يقبلون السياسات أو يذعنون لها لأنهم لا يعرفون مصلحتهم. مع ذلك، فهذا مايوحي به كل جهد خارجي لفرض حقوق الإنسان، أة غيرها من المعايير، على الناس. وسواء اعتمد ذلك على قوة التقاليد، أو الموقف الديني أو الأخلاقي للصفوة الحاكمة، فالناس لا يخضعون لسلطان يهدد، أو يحقر من، مصلحتهم الذاتية الأساسية في الوجود الإنساني. وما أعنيه بالوجود الإنساني هنا هو أكثر من النجاة الجسدية، إذ يشمل إحساسا بالعدالة الإجتماعية، والكرامة البشرية. تحدي المدافعين عن التغيير إذن هو تحريك حاجة الناس إلى العدالة والكرامة، لكي يتغلبوا على قوة السلطة المادية أو المعنوية المضادة، وكذا مخاطر القمع الوحشي. قد يكون صحيحا أن الناس ثقافيا مهيئون للخضوع لسلطة القادة الدينيين أو التقليديين، لكن هذا الميل سرعان ما يتضاءل، أمام الإدراك الواضح بأن التغيير الإجتماعي المقترح، مقنع بدرجة تتغلب على تلك التنشئة. وبعبارة أخرى، فإن ضعف تصميم الناس على مقاومة انتهاكات حقوق الإنسان يعكس ضعفا، أو نقصا، لاقتناعهم بضرورتها لوجودهم الإنساني. العلاج إذن لابد مشتمل على تعزيز قناعة الناس بأن حقوق الإنسان قيِّمَة وجوهرية لحياتهم ورفاه مجتمعاتهم.
مفتاح ذلك كله، في النهاية، هو مقدرة الواسطة الإنسانية لأنصار التغيير الإجتماعي، على تحفيز الواسطة الإنسانية للناس على عمومهم، لصالح التغيير المقترح، سواء كان في حقوق الإنسان أو ما سواها. ومنهجية الشرعية الثقافية تؤكد الدور المركزي للواسطة الإنسانية، بالتمسك بالحياة الثقافية والإجتماعية للأفراد والمجتمعات، باعتبارها القوة الدافعة للتغير، لا أن تتخذ هؤلاء الأفراد والمجتمعات كيانات سلبية لاستقبال ذلك التغيير. في نفس الوقت، فإن الواسطة الإنسانية تعمل من خلال الشبكات الإجتماعية للحركة والتفاعل، مما يؤكد الحاجة إلى التعاون والتضامن. ومن الواضح أن شيئا لا يحدث في العلاقات الإنسانية، خيرا كان أم شرا، دون واسطة من بعض الأشخاص أو الجماعات، التي تنجح أو تفشل في القيام بعمل ما. لكنه من الواضح أيضا، أن مفهوم الواسطة الإنسانية ذاك يجب أن يضم كل الناس، خاصة في عالم اليوم المعولم، ولا يمكن قصره على المسلمين فحسب. بالتالي، فإن نتيجة الواسطة الإنسانية لأي مجتمع هي مشروطة بما يحدث في العالم حولنا، لا ما يجري في داخل مجتمعاتنا وحدها.
لربط ذلك بمركز اهتمام هذا الكتاب من وجهة نظر إسلامية، لنا أن نستدعي حقيقة أن تاريخ الفكر الإسلامي يظهر دورا مركزيا للواسطة الإنسانية في تأسيس الشريعة كنظام متكامل وقادر على الاستجابة لاحتياجات المجتمعات الاسلامية على مدى التاريخ. وكما أكدنا سابقا، ونشرح تفصيلا لاحقا في الفصول التالية، فإن الطبيعة الأصيلة للشريعة هي كونها ضرورة ناتجا للتأويلات البشرية للقران وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. تم هذا التطوير على أيدي علماء وفقهاء، طوروا وطبقوا منهجية أصول الفقه، باستقلال تام عن الدولة، وعناية كاملة بظروف وهموم مجتمعاتهم، ومؤسساتهم السياسية. قبل هؤلاء العلماء تنوع الآراء كظاهرة صحية وخلاقة لعملهم، أثناء سعيهم لإيجاد إجماع فيما بينهم وما بين مجتمعاتهم. وهكذا، استقر كل مبدأ للشريعة من خلال الإجماع والطاعة الطوعية للمسلمين بشكل عام، وليس أبدا من خلال السلطان المؤسسي، رسميا كان أم غير رسمي. وبعبارة أخرى، فإن صحة أي مبدأ للشريعة، وسلطانه على المسلمين، كانا دوما ناتجا للواسطة الإنسانية لعلماء المسلمين ومجتمعاتهم، عبر أجيال عدة.
يفتح تقدير مركزية الواسطة الإنسانية، سواء في تأويل الشريعة، أو في التغيير الإجتماعي، الباب على مصراعيه لكل ألوان الإمكانيات المبدعة، للإصلاح والتحول. وهذا صحيح بشكل خاص في أزمنة الأزمات الصارخة، كالتي تعيشها المجتمعات الإسلامية اليوم، إذ تدفع تلك الأزمات المسلمين أن يسائلوا افتراضاتهم السائدة، ويتحَدُّوا مؤسساتهم القائمة، والتي فشلت في الوفاء بوعدها من التنمية والتحرر. تفتح تلك الأزمات فرصا جديدة للواسطة الإنسانية المبدعة، والتي هي قدرة الناس على الإمساك بزمام حياتهم، وإدراك غاياتهم الخاصة، لتصبح بذلك مصدرا وسببا للون التحول الذي أقترحه. لكنه ليس بوسعنا الجلوس جانبا وانتظار النتائج المرجوة أن تتحقق بنفسها، لأن المجتمعات ببساطة تمر بأزمات خانقة. علينا نحن أيضا أن نُعْمِلَ واسطتنا الإنسانية، من خلال الفكر النظري، والتطبيق العملي، لندفع بمبادراتنا إلى لون التغيير الإجتماعي الذي ننشده. من الضروري وجود نظرية جيدة تقود الفعل، لكنها يجب أن تكون عملية أيضا حتى تكون جيدة في المقام الأول. وإنه من وجهة النظر تلك أنطلق الآن لأبين مآمل أن يكون نظرية جيدة، بوسعها أن تحرك وتنهز المسلمين في كل مكان، للعمل على التحول الإجتماعي الإيجابي المنشود.

Post: #380
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-16-2007, 10:43 AM
Parent: #1

عاد إلينا الدكتور ياسر الشريف .. والعودُ أحمد .
ثريا مُستفيضاً في القول .

بذلك يعيد الحوار أركانه :

النظر من خارج الانتماء كمُحب لرجل صاحب رؤية تستحق الوقوف عندها ،
وبين منتمي للفكرة قلباً وقالباً ،
وبين ناقد مطبوع بالقراءة الناقدة ،
ورغب أن يُنير الطريق نحو دراسة موضوعية لرؤى الأستاذ محمود ،
التي يراها خير تكريم له .
بذلك اشتركنا جميعاً :

شخصي و

الكاتب : الدكتور ياسر الشريف و

الكاتب : الأستاذ أسامة الخواض

ثم نواصل
16/06/07

Post: #381
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-16-2007, 06:37 PM
Parent: #1

الكاتب : أسامة الخواض
تحية طيبة

لك الشكر الجزيل أن نقلت لنا مورداً
جديداً يتحدث كاتبه عما نحن بصدده

يحمل الفصل الذي نقلته الكثير الذي
يفتح الأبواب للحديث عن الشريعة ومآلاتها .
شكراً لك

ونواصل

Post: #382
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-17-2007, 04:13 AM
Parent: #381



من هو رسول الرسالة الثانية؟؟؟؟
مقدمة في شكل ضوء خافت

************
للحديث عمن هو رسول الرسالة الثانية كما ورد في خطاب الاستاذ ،لا بد من مقدمة.والمقدمة تهدف الى القاء ضوء خافت حول مسالة الولاية والنبوة والرسالة.ذلك ان خطاب الاستاذ في تبشيره وتفصيله للرسالة الثانية ،كان لا بد له من تأويل يقول بامكانية الرسالة اصلا .ذلك ان الفهم السائد هو ان الرسالة قد ختمت.

و يبدو انه اعتمد على التفريق بين النبوة والرسالة والولاية.

في كتابه "طريق محمد" يتحدث الاستاذ باستفاضة عن الفرق بين تلك المستويات الثلاثة المشار اليها سابقا.
يقول الاستاذ في طريق محمد عن النبوة والرسالة والولاية :

Quote: فكأن المراتب الثلاث ، نبوة أهلت ، من أسفلها ، لرسالة ، وأثمرت ، من أعلاها ، ولاية .. ثم ان هذه النبوة لا تستقر ، وإنما هي منطلقة في مراقي الزيادة ـ علم ، وعمل بمقتضى العلم ـ وفي ذلك قال تعالى لنبيه : (( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ، وقل رب زدني علما )) . وكلما زادت أنوار النبوة ، زاد التأهيل للنهوض بأعباء الرسالة من جانب ، وتندحت الولاية بأطايب الثمرات من الجانب الآخر .. وما ثمرات الولاية إلا دقائق المعرفة بالذات العلية .. وإنما بهذه المعرفة لدقائق ، ولطائف ، أسرار الذات القديمة ، تتوحد الذات المحدثة .. وذلك باتساق القوى المودعة في البنية البشرية ، اتساقا به يتم السلام الداخلى ، وبه يحقق كل فرد فرديته التي بها ينماز عن أفراد القطيع البشري .. فإن تحقيق فردية كل فرد منا بفضل توحيد ذاته البشرية هو غاية المراد من تعبدنا الله بعقيدة التوحيد ، ذلك بأن ذات الله في غنى عن التوحيد ، وإنما المحتاج للتوحيد هي الذات البشرية التي فرقها الخوف أباديد ..


هل الحديث هنا عن ختم الاولياء كما ورد في خطاب ابن عربي ؟؟
في عرضها لكتاب شودكيفيتش ،تقول-سعاد الحكيم: الباحثة المتخصصة في ابن عربي:
Quote: فالولاية، على حدِّ ما يعرِّف بها شودكيفِتش مرارًا في هذا الكتاب، هي قُرْب، ولكنه قرب مزدوج: قرب من الله، وقرب من الناس. فإذا كان "الإنسان الكامل" شجرة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء، والحقيقة المحمدية "برزخًا" بين الحقِّ والخلق، فالولي وريث يجمع الأعلى والأسفل.

http://maaber.50megs.com/ibn_arabi/ibnarabi_5.htm
وكلام ابن عربي عن الولاية يقترب كثيرا من كلام الاستاذ عن الولاية.
لكن تبقى المسالة هي الكلام عن ختم الاولياء ،كما يتحدث بذلك ابن عربي،ومن هو ذلك الختم؟
وهل ان رسول الرسالة الثانية هو ختم الاولياء؟؟
*******
نختم هذه المقدمة الموجزة ببعض من اقوال تلميذ لابن عربي هو عبد الكريم الجيلي صاحب الانسان الكامل في معرفة الاواخر والاوائل.

في الباب الثالث والستين :في سائر الاديان والعبادات ص نمرة :259،

يقول عبد الكريم الجيلي في الانسان الكامل عن النبوة والولاية والرسالة:
Quote: فعلم من هذا أن ولاية النبي أفضل من نبوته مطلقا،و نبوة ولايته أفضل من نبوة تشريعه، ونبوة تشريعه أفضل من رسالته،لان نبوة التشريع مختصة به، والرسالة عامة بغيره، و ما اختص به من التعبدات كان افضل مما تعلق بغيره،فان كثيرا من الانبياء كانت كانت نبوته نبوة ولاية .


ثم يذكر بعض الامثلة كالخضر في بعض الاقوال ،وكعيسى إذا نزل الى الدنيا فانه لا يكون له نبوة تشريع وكغيره من بني اسرائيل، وكثير منهم لم يكن رسولا بكل كان مشرعا لنفسه،ومنهم من كان رسولا ‘لواحد،ومنهم من كان رسولا الى طائفة مخصوصة، و منهم من كان رسولا الى الانس دون الجن،
ثم يحدد فرادة رسالة محمد ص:
Quote: ولم يخلق الله رسولا إلى الاسود والاحمر والاقرب والابعد إلا محمد صلى الله عليه وسلم ،فإنه ارسل الى سائر المخلوقات ،فلهذا كان رحمة للعالمين.


كلام الجيلي يرى ان الرسالة قد ختمت ،ذلك ان محمد "ص" هو الوحيد الذي ارسل الى سائر المخلوقات.
*******
في سبيل الاجابة عن السؤال الرئيس الذي يواجه القول برسالة ثانية ،وهو :
من هو رسول الرسالة الثانية؟؟
كانت هنالك اجابات متعددة لكنها ،متسقة.
وسنعود الى ذلك .
المشاء

Post: #383
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-17-2007, 04:04 PM
Parent: #1



التلقي عن القرآن مباشرة ( 17)



أهو التلقي عن الكتاب المقدس بآيات الفروع والأصول ،
أهو التلقي عن آيات الأصول وحدها ؟

قد يتبادر للذهن أن الترقي لمرحلة أن يتلقى العابد عن القرآن الكريم هي مرحلة وفق خطاب الأستاذ / محمود محمد طه ، هي في طريق الرسالة الثانية . أي أنها مرحلة من سلوك العابد عبر الرسالة الأولى بجميع شروطها ثم إلى الرسالة الثانية .
نحن نعلم أن الرسالة الثانية قد رفعت النسخ عن آيات الأصول التي لم يستطع المجتمع في زمان حياة النبي أن يحياها فنسخت آيات الفروع وهاهي آيات الأصول تعود عودها حاملة الدين إلى مآله .
تبقى السؤال الذي يتعين معرفة جوابه :

من بعد انقطاع الخطاب النبوي بوفاة النبي و حين يترقى العابد ويكون العمل بالكدح صعوداً وتوقاً لملاقاة الخالق ، وهو في سعي وتمني لا ينقطع . وفي طريق الهدي عبر القرآن الكريم يتلقى العابد الرؤيا الراشدة له من المولى عز وجل و يُصبح العابد بوجدانه أسير التلقي . تنـزاح الحُجب ويتلقى العلم من صاحب الوقت مباشرة وتصل ذهنه وينقاد بالنور الإلهي المبثوث .

تعال معنا أيها القارئ لنتأمل نماذج من آيات الأصول وأخرى من آيات الفروع لنتفرس في معانيها وقُدرة الإيحاء المُضمرة في مكنون لغتها ومعانيها :

من آيات الفروع : ـ

1. {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5
{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5

ومن آيات الإسماح :

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }الكافرون6

يتقلب الذكر الحكيم في لغته ومعانيه وتشمل :

الوعد والوعيد والتفكُر، و العلوم والقص والعِبر والأحكام والعقوبات وتقسيم الأموال ...الخ . فعند القراءة وتفاوت أثرها والنفس خاضعة والوجدان مُثقل بأحمال الذكر الحكيم ، أيكون التلقي عن المولى بكثافته يهبط إلى القارئ العابد موحداً ، لا متقلب من أثر معانيه المتنوعة ومواضيعه المتفرقة من وعلوم وقص ، ولغات قرآنية تتفاوت من المباشر إلى المجاز الفخم و نورد أسلوب الحكيم
كمثال :

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }البقرة189

من تفسير الجلالين : ـ

189 - (يسألونك) يا محمد (عن الأهلة) جمع هلال ، لم تبدو دقيقة ثم تزيد حتى تمتلئ نورا ثم تعود كما بدت ولا تكون على حالة واحدة كالشمس (قل) لهم (هي مواقيت) جمع ميقات (للناس) يعلمون بها أوقات زرعهم ومتاجرهم وعدد نسائهم وصيامهم وإفطارهم (والحج) عطف على الناس أي يعلم بها وقته فلو استمرت على حالة لم يعرف ذلك (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) في الإحرام بأن تنقبوا فيها نقبا تدخلون منه وتخرجون وتتركوا الباب وكانوا يفعلون ذلك ويزعمونه برا (ولكن البر) أي ذا البر (من اتقى) الله بترك مخالفته (وأتوا البيوت من أبوابها) في الإحرام (واتقوا الله لعلكم تفلحون) تفوزون .

أو آيات يتدرج فيها الحكم :

1/يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219
2/ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة90

ونواصل :




Post: #384
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-18-2007, 05:21 PM
Parent: #1

[CENTER]

حول رؤى الأستاذ وكيف نتحدث عن فكره (1)



يقولون :


فنحن لسنا من أشياع الأطروحة التي تقول: إن الإبداع ليس تعبيراً بالضرورة عن اعتقاد المبدع، لأن المسافة الموجودة بين المقول وبين المعتمل في الطوية هي مسافة تلق وتواصلٍ من حق القارىء أن يتعرف عليها ويسير فيها، ولأن اللسان دليل على الجَنان يترجم عنه بإرادة واطمئنان.


نترك ما يقولون جانباً ، ونُعرف القراء كيف دلفنا إلى خطاب الأستاذ ؟
تبدأ الحكاية كما تبدأ المحبة . تقرأ أنت النص وتتولد المحبة لكاتب النص عند بلوغه سمواً يتطلب أن تُقدر عمله وانجازه ببصر تنظُر أنتَ ما قام به ، ومن بصيرة تحفُر في الصخر الذي حفر من قبل . تبحث أنت بقايا الحِلي و الجرار القديمة التي تركها حين رحل ، وأكبر الآثار حفظاً هو المكتوب من الرؤى .

لربما نتفق مع رؤى الأستاذ ولربما يكون لنا مساحة من استقلالية الرأي ، لكننا لن يملكنا رأينا ، بل نحن نملك أن ننظُر من له رؤية ، ونلبس لبوسه ، ونتلمس الضوء الذي سار ذهنه على خطاه وأبدع . سنحفر منذ خلوته الأولى منذ أواخر الأربعينات ، وسننظر بعينيه ما نفترض أنه قرأ ، فيبدو لنا الوهج هنا وهناك .

نتلمس خُطى الأستاذ وسيره بين طرائق الصفاء ،
فنستدل على عبادته من الاستغراق في البواطن من جهة ،
فيورد الرؤى بوثوق هو أقرب للمتصوفة من مسلك الباحث .
فعرفنا أنه متصوف نهل من إرثهم ، ودخل خلوات الصفاء
المُبهرة وهي نسيج تعبدي يأخذ بألباب السامعين و يهز المتلقي .

تلك من العبادات التي تُنقي السريرة وتُخرج الوهج من إصباح الوجه ، وتلبس المقولة لباس التبجيل ...
ذاك منهاج الأستاذ ، وبتقمص الحالة الفكرية تأتى لنا أن نرى بعينيه المُبصرتين :
استشهد كاتب النص ، وبقي النص يوحي ويتقلب في بحور الفكر بلا حدود .
الطريق ممهد لمن يريد أن يواصل .

ونواصل

Post: #385
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 06-18-2007, 06:29 PM
Parent: #384

كثيرا ما نمر لنرشف من حميا بردكم.
ولا يمنعنا منها بعض حين إلا ضيق أوانينا.

التحية لكل أصحاب الدن، في شراكة صاحبه الكبير!

Post: #386
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-19-2007, 06:26 AM
Parent: #385

مرحبا بالصديق حيدر بدوي صادق
ولك خالص التقدير
لكن لا بد من ملاحظة مهمة تتعلق بامر هذا البوست،
في فضاء اسبيري روحه النقاش.
بعد غياب الصديق ياسر الشريف ،
اصبح البوست عبارة عن اوراق نتبادلها ،
بدون اي تعليق .
هذا لن يؤثر في ما ساقوم ببسطه هنا،
لكن يبقى سؤال مهم:
لماذا الصمت ؟؟؟خاصة انه قد طرحت مواضيع متعددة تتعلق بخطاب الاستاذ،
وبالخطاب الجمهوري؟؟؟
المهم،
سنواصل.

Post: #387
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-19-2007, 10:51 AM
Parent: #1





حديث من القلب وعتاب (1)


العزيز حيدر تحية طيبة لك

وأنت تعبر من هُنا

وكما تفضل الكاتب : أسامة الخواض

يقول وحده الدكتور / ياسر الشريف هو من يحاورنا ومعه ربما الأخ عمر في مداخلتين أو ثلاثة .
إن الأستاذ محمود مفكر وصاحب رؤية ، يستحق فتح خطابه على مصراعي بوابته المشرعة للجميع .
كتب الدكتور محمد محمود كتاب باللغة الإنجليزية عن رؤى الأستاذ ولم أحصل على نسخة من كتابه ،
وهو باحث ثري ، وتربطنا به صداقة وإن فرقتنا الدروب .
يستحق الأستاذ برويته الناصعة أن ينهض رفاق دربه وصحبه في المسيرة و يكملوا ما بدأ .
أهي الحياة وقسوتها لا تترُك سانحة للجلوس لدراسة و تطوير الرسالة الثانية من الإسلام ، وفيها الكثير المُجمل ، بل الكثير الذي يتطلب التطوير ، كما أوردنا عن العقوبات . لقد أسس صاحب الفكر مقولة أن العقوبات ليست من الأصول ...
لكن توقف الخطاب ، وهنا يحتاج أقلام التفصيل :
ما الموقف من القوانين التي تحمي حقوق الإنسان ؟
ما الموقف من القوانين الدنيوية التي تتنقح عند كل زمان ، أهي أنسب لإنسان الرسالة الثانية أم بتر الأطراف والصلب ؟
أنقنع بقبول الحدود مع أن الرؤية للأستاذ تقول إن العقوبات ليست أصلاً من الأصول ؟
نعلم جميعاً أن الأستاذ قد جلس جلوس الصفاء واعتكف في خلوة عابدة وحفر بذهنه في زمن بينه وبين الكمبيوتر بيد دونها بيد ، لكننا وبوسائط العصر يمكننا طي المسافات .
نحن من بعد لا ننكر جهد منتدى الفكرة في حفظ تراث الأستاذ ، بل وتصحيح أخطاء الطباعة إن وجدت ، ولكن الخطاب كان يحمل بين حناياه أُس التطوير .
نعلم أن الأمر صعب وأن الدنيا تُحيط بمن يؤمنون بفكر الأستاذ ، ونعلم كم تشتت الصحاب في المهاجر وأركان الدنيا من بعد إحراق كتب الأستاذ من بعد استشهاده في منتصف الثمانينات ، ونعلم أن الجهد يحتاج جلوس الصفاء ، ولولا جلوس الصفا لما استطاع هذا القائد أن يكتُب ما كتب . فمن كتابات الأستاذ تعرف أنه صاحب زخيرة باهرة من الإطلاع : نهل بلا ملل ، وكان شريكاً منذ الإستقلال في العمل العام والعمل الحزبي . قضي كل حياته لرسالته ، فلا أظن أن من رفاق دربه أو تلامذته أو من يؤمنون بفكره يعوزهم النُبل أو تنقصهم الدراية أو تقف من فوقهم أسقف دون الولوج لما ولج .
حري بالجميع أن يذهبوا للعمل الجماعي ويثرون المكتبة بالكثير الذي يُسعد الأستاذ في مآله الرفيع .
كلنا يعرف السيد المسيح ولا أحد يعرف جلاديه .
كلنا نعرف الحلاج ولا أحد يذكر قضاة السلطة الذين زينوا مقتله .

ونواصل


Post: #388
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-20-2007, 06:27 AM
Parent: #387

عزيزي الشقليني
لك رذاذ من سماء الكتابة

تبدو واضحة ازمة الجمهوريين من خلال هذا البوست الذي طرح قضايا متشعبة كثيرة،تحتاج الى نقاش ،والى استفاضة والى تحقيق .وهذا ما كنا وما زلنا نسعى اليه في مقاربتنا لخطاب الاستاذ والخطاب الجمهوري.

ووضوح الازمة يتمثل في ان الاخوان الجمهوريين ،يشاركون في بوستات السلفيين ،
ولا يشاركون في مثل هذا البوست ،رغم انفتاح البوست على موضوعات كثيرة في خطاب الاستاذ.

و حتى صديقنا حيدر بدوي ،لم يشارك معنا هنا ،سوى برفع البوست،وهذا جهد مشكور ،لكنه لا يرقى لمقام الدكتور في الحركة وقامته الاكاديمية .

كنا نأمل في مشاركة الدكتور النور حمد ،لكن يبدو ان هنالك مانعا ما .

المهم يا سيدي ،
سنقول بقولنا ،
و نمضي في حال سبيلنا ،
لكن كان عشمنا في ان الاستاذ يستحق اكثر من ذلك الصمت.

محبتي للمتابعات والمتابعين ،

وسأعود بعد قليل بمداخلة .
المشاء

Post: #389
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-20-2007, 07:31 AM
Parent: #388

السؤال الرئيس عمن هو صاحب الرسالةالثانية،
تمت الاجابة عليه بشكلين:
الشكل الاول ان محمد "ص" هو صاحب الرسالتين.
والشكل الثاني يتمثل في الاجابة عن السؤال التالي:
وكيف سيأتي محمد "ص"؟؟
ذلك ،
ان محمدا "ص" وحده لا يكفي ،
لانه غير موجود بالرغم من قول الاستاذ من انه اتى الى مكة ،
من القرن العشرين،
ولم يوضح الاستاذ لماذا انه لم يات بما يناسب قرنه اي القرن السابع،
وأتى اليهم بما لا يناسب القرن السابع ؟؟
المهم ،
رؤية الاستاذ تستند انه اتى اليهم ،لسبب غير مفهوم، بمستوى القرن العشرين،
لكنهم بسبب ان حاجتهم بسيطة،لم يتسجيبوا اليه ،
فتنزلت الرسالة الاحمدية الى رسالة محمدية.
لكن السؤال يطرح نفسه ،
وبقوة،
كيف سيأتي اليهم في القرن العشرين؟
كانت الاجابة عبر التبشير بالرسالة الثانية،
ومن ثم ضرورة توفر الفهم من قبل رجل او انسان،
فكان ذلك الرجل.
وسنعود بالأمثلة.
المشاء

Post: #390
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-20-2007, 08:28 AM
Parent: #389

عذرا
فاتني ان اقول ان المناخ الديني الذي ظهرت فيه تباشير الرسالة الثانية ،
كان مرتبطا بما ورد في حوار ابن البان مع الاستاذ.
لم ينكر الاستاذ دعوته لظهور المسيح في السودان،
و لذلك كان القرن العشرون بالنسبة اليه ،
هو بداية نهاية التاريخ.
المشاء

Post: #391
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-20-2007, 04:16 PM
Parent: #1

العزيز الكاتب :
أسامة الخواض
تحية واحتراما

التحية لك وأنت تجتهد للسعي وراء خطاب الأستاذ / محمود محمد طه ،
فهو من القلائل الذين جلسوا لرؤية واضحة . تذكرت ما تحدثت أنت عنه ، وعتابنا الظاهر ، والخفي بين النصوص .

يحتاج منا الصبر لرصد الزمان في خطاب الأستاذ ولا سيما :

1. ( القرن العشرين ) ، أ هي زمن ضربه مثلاً أم هو خطاب زمان الرسالة الثانية في مقابل الرسالة الأولى ؟
2. الإسلام الأول والإسلام الثاني في حاجة للتفريق بينهما كمصطلح ، فأجد دوماً لبساً عند ذكر الإسلام نكون في حاجة للحديث عن أي إسلام :
أ هو إسلام سلم الأستاذ السباعي الأول أم الأخير ؟
3. أزمة المسيح وموته تم التداول بشأنها قبل موت الحلاج ومن بعد مقتله منذ ألف عام . وكنت في حاجة لشهادات من جلسوا من تلامذته وأصحابه معه قبل اعتقاله الأخير ، فقد كانت روح الفداء طلقة من لسانه ، وتحدث كثيراً عن السيد المسيح . فنحن من بعد في حاجة لتوثيق ما قاله أو ما تم تسجيله إن وجد .

ونواصل

Post: #392
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 06-21-2007, 01:29 AM
Parent: #391

العزيزان عبد الله وأسامة،

تحية ملؤها المحبة والتقدير ووافر الشكر على حسن ظنكما بي.
نعم، أقر بتقصيري في المشاركة في الحوار في ظل هذا المستوى
الراقي من المناظرة الفكرية الرفيعة.

سأعود لطرح رايي في النقاط التي أثرتموها.

Post: #393
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-21-2007, 03:22 AM
Parent: #1

شكراً لك أيها العزيز حيدر
على هذا التواضع الجم ،
والإطراء الذي هو فوق ما نستحق ،
ونتمنى أن نكون قد أفسحنا فيما قاله
و نتلمس أطراف ما لم يقله ...
وإني لأرى أن هنالك الكثير من رؤاه
احتجبت بسبب قصر قامة الزمان
الذي ولد فيه في السودان .

شكراً لك


ونواصل

Post: #394
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-21-2007, 05:27 PM
Parent: #1


إلى محمود محمد طه في سماوات العلا



لن ينتحب الدهر وبين أيدنا ورثنا عَرشَكَ المُتَكلم .
وصورتك المُنى
الحُلم ..عَجِّل بالرحيل
فممالك بَساتينكْ
تَبسُم لنا
هذه صورتكَ النبيلة يا نسمة رقة بها من العطر:
أول ما يأتي مع مفاتيح الصباح وضوء من باذنجان الليل فتح قلبه .
عابدٌ انتظر الصباح ليله وهو يحزم أمره . أخذته السَكينة.

أ أنتَ يا ورقاً يُسمِّد الأرض لتُنبِتْ البواسق من الشجر المُثمر .
لن تمضي أيامي مُبعثرة وصدركَ حانٍ ،
وقطاف أزهار ربيع العُمر أقرب من أكسيد الحياة .
كم يقزم جلادوك هُم .

أحدهم يختبئ في بيت قريب منا . من عمله و إلى البيت .
غيَّر صورته كي لا تعرفه الدروب .
إن الوزر أثقل من أحجار الرحى حين تحملها الحنايا .
بيتك يا سيد الكِرام قنديل محبة بثثته لنا في ورق الهدايا :
استنارة تفرح الطفولة في الدواخل ، وتطرب بيت الفكر .

نم هنيئاً بين الثُريات في عليائك ، فنور محبتك أشرق من شمس الوجود ،
وأينعت ثمارك تلامس وجداننا .

في بقائك السرمدي بين أضلعنا ... يطيب المقام.


عبد الله الشقليني





Post: #395
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-22-2007, 06:00 AM
Parent: #394


في الاجابة على السؤال الرئيس ،عمن هو رسول الرسالة الثانية ،كانت هنالك اجابات متعددة .
و من ذلك القول بان محمدا هو رسول الرسالة الثانية ،كما في الامثلة التالية:
*محمد كرسول للرسالتين:
يقول الاستاذ في كتابه:
الاسلام
Quote: وقد بلغ المعصوم الرسالتين معا ، بالقرآن ، وبالسيرة التي سارها بين الناس ، ولكنه فصل الرسالة الأولى في تشريعه ، وأجمل الرسالة الثانية ، اللهم إلا ما يكون من أمر التشريع المتداخل بين الأولى والثانية ، فإن ذلك يعتبر تفصيلا في حق الرسالة الثانية أيضا ، ومن ذلك ، بشكل خاص ، تشريع العبادات جميعه

ويوضح الاستاذ الفرق بين الرسالتين من خلال "الشهادة ". اي الفرق بين الشهادة المثنية و الشهادة المجردة.
يقول في ذلك:

Quote: .. وظاهرة الرسالة الأولى أنها تبدأ بقول (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) ، وتنتهي بقول (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) فهي كالصورة الفوتغرافية الثابتة ، إلا قليلا ، وأما ظاهرة الرسالة الثانية فإنها تبدأ بقول (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) وتنتهي بقول (( لا إله إلا الله )) المجردة ، فهي كالفلم السينمائي يتحرك من بداية إلى نهاية ، في تطور مستمر . ومعنى تجريد الشهادة معرفـة مكانة الله ، من مكانة محمد . وهـو تمام التوحيـد ، والله تعالى يقول لنبيه الكريم : (( وأنزلنا إليك الذكـر لتبيـن للناس ما نـزل إليهـم ، ولعلهـم يتفكرون . ))


وفي مقدمة الطبعة الرابعة من كتابه:
من دقائق حقائق الدين
يقول الاستاذ عن الرسالتين الاولى والثانية:
Quote: فالاسلام رسالتان .. رسالة الامة المؤمنة ، وقد مضى وقتها! ورسالة الامة المسلمة ، وقد جاء وقتها! وقد جاء النبى الكريم بالرسالتين معا ، وتضمنهما القران ، معا


وفي كتابه "الاسلام وانسانية القرن العشرين"،
يقول الاستاذ:
Quote: الرسالة الثانية من الإسلام“ هي مراد الدين بالأصالة، في حين أن „الرسالة الأولى“ قد كانت المراد بالحوالة.. ورسول الرسالتين „محمد“..


وفي طريق محمد:
Quote: ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين : الأمة المؤمنة ـ الأصحاب ـ .. والأمة المسلمة ـ الأخوان ـ .. وأنه بذلك صاحب رسالتين : الرسالة الأولى محمدية ، والرسالة الثانية أحمدية ....


وفي مقدمة الطبعة الثالثة لكتاب "طريق محمد "،
والتي يصفها بالمقدمة الطويلة ،
يقول الاستاذ:
Quote: ومحمد ، وهو رسول للأمة المسلمة ، صاحب رسالة أكبر منه وهو رسول للأمة المؤمنة .. فهو في رسالته للمسلمين أحمدي ، وفي رسالته للأمـة المؤمنـة محمـدي ، وسبب الفـرق بين الرسالتين حكم الوقت .. الفرق بين وقت الرسالة الأولى ـ القرن السابع ـ .. ووقت الرسالة الثانية ـ القرن العشرين ـ

وفي نفس تلك المقدمة يقول الاستاذ:
Quote: ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين : الأمة المؤمنة ـ الأصحاب ـ .. والأمة المسلمة ـ الأخوان ـ .. وأنه بذلك صاحب رسالتين : الرسالة الأولى محمدية ، والرسالة الثانية أحمدية .. ،


*محمد وعلاقته بالرسالة الثانية:

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد القول بان محمدا "ص" هو رسول الثانية ،هو ما هي علاقته بتلك الرسالة الثانية؟
الاجابة تمثلت في انه فصل ما تداخل بين الرسالتين الاولى والثانية ومارسها في خاصة نفسه من خلال التشريعات الخاصة به كنبي ،والتي ستتحول من تشريع خاص به الى تشريع عام لكل الامة في الرسالة الثانية.


ويتحدث الاستاذ في الباب السادس من الرسالة الثانية عما ورد من تفصيل من الرسالة الثانية في حياة الرسول المحمدي:
Quote: الرسالة الثانية هي الإسلام ، وقد أجملها المعصوم إجمالا ، ولم يقع في حقها التفصيل إلا في التشاريع المتداخلة بين الرسالة الأولى وبينها ، كتشاريع العبادات ، وكتشاريع الحدود ،


ويقول في كتابه:
حقائق من دقائق الدين

Quote: ولم يقع فى حق الرسالة الثانية تفصيل الا فى معنى ان النبى قد عاشها ، فى خاصة نفسه ، وقد صارت بذلك سنته ، وسنته هذه ستكون هى شريعة الامة المسلمة المقبلة
..
وفي الرسالة الثانية من الاسلام يقول:
Quote: وأجمل الرسالة الثانية إجمالا ، اللهم إلا ما يكون من أمر التشريع المتداخل بين الرسالة الأولى ، والرسالة الثانية ، فإن ذلك يعتبر تفصيلا في حق الرسالة الثانية أيضا ، ومن ذلك ، بشكل خاص ، تشريع العبادات ، ما خلا الزكاة ذات المقادير .

وفي من دقائق حقائق الدين ،
يقول الاستاذ:
Quote: الرسالة الثانية عمدتها قرآن الأصول ـ القرآن المكي ـ وقد أجملها النبي إجمالا ، ولم يقع في حقها التفصيل ، إلا في القدر المتداخل بينها وبين الرسالة الأولى ، وإلا في معنى ، ما أنه عاشها ، وطبقها في حياته الخاصة .. فرسول الرسالة الأولى محمد ، ورسول الرسالة الثانية محمد .. فصل الأولى وحمل عليها الأمة ، وأجمل الثانية وعاشها ..

و في طريق محمد يتحدث عن التفصيل:
Quote: ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين : الأمة المؤمنة ـ الأصحاب ـ .. والأمة المسلمة ـ الأخوان ـ .. وأنه بذلك صاحب رسالتين : الرسالة الأولى محمدية ، والرسالة الثانية أحمدية .. أو قل الرسالة الأولى الشريعة التي فصلها للأمة ، والرسالة الثانية السنة التي أجملها ، ولم يفصلها إلا في معنى ما مارسها ، وعاشها دما ولحما ..

وفي طريق محمد يقول أيضا:
Quote: فإنه قد جاء محمد بنبوة أحمدية ، ورسالة محمدية .. فكان أحمد المشار إليه من وجه ، ولم يكنه من وجه .. فدعا إلى الإيمان تفصيلا ، ولم يدع إلى الإسلام إلا إجمالا ، في معنى ما بلغ القرآن ، وفي معنى ما سار السيرة


ويلجأ خطاب الاستاذ الى القول احيانا بالتبشير بالرسالة الثانية:
*التبشير:

Quote: يقول الاستاذ عن التبشير بالرسالة الثانية في تلك المقدمة:
وإنما نسخت آيات الأصول في معنى أنها أرجئت ، وعلق العمل بها فيما يخص التشريع ، إلى أن يحين حينها ، ويجئ وقتها ، وهو الوقت الذي نعيش نحن اليوم في تباليج فجره الصادق .. وإنما من ههنا وظفنا أنفسنا للتبشير بالرسالة الثانية ..


ويقول في نفس المقدمة التي سبق الاشارة اليها عن التبشير وعلاقته ب"الرجال":
Quote: فإذا كانت الأرض اليوم ، بكل هذه الطاقة المادية الهائلة ، والتقدم البشري الرفيع في وسائل الدنيا ، ثم بكل هذه الحيرة المطبقة على عقول الناس ، وقلوبهم ، إنما تتهيأ لظهور أمة المسلمين عليها ، فقد أصبح واجباً على ورثة الإسلام - على ورثة القرآن - أن يدعوا إلى الرسالة الثانية ، تبشيرا بالعهد الجديد الذي أصبحت البشرية تشعر بالحاجة الملحة إليه ، ولكنها تخطئ طريقه ، وإنما طريقه في المصحف ، ولكن المصحف لا ينطق ، وإنما ينطق عنه الرجال ..

*من سيفصل الرسالة الثانية ؟؟؟

للاجابة على هذا السؤال ،يرى الاستاذ ان الفهم هو من المسائل الاساسية في من سيكون مفصلا للرسالة الثانية ونجد ان الفهم مرتبط بالرجل احيانا و بالانسان احيان دون تحديد جندره،و ايضا بامة الرسالة الثانية اي الاخوان .
*الفهم:
وفي مقدمة الطبعة الثالثة من :
الرسالة الثانية من الاسلام
يرى الاستاذ ان القول برسالة محمد للرسالة الثانية لا يكفي ،
اذ ان تفصيلها يقتضي فهما جديد للقران:

Quote: إن محمدا رسول الرسالة الأولى ، وهو رسول الرسالة الثانية .. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا ، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا ، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جـديدا للقـرآن ، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بيـن يـدي القـراء ..

وفي كتابه "طريق محمد" يقول عن الفهم، والذي يتمثل في احياء التشريع الخاص بالنبي بعد اندثاره ،اي بعد ان اعتبر انه خاص بالنبي :
Quote: والآن ، وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، والبشرية تعيش الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ وهي جاهلية أرفع ، بما لا يقاس ، عن مستوى جاهلية القرن السابع ، فقد أصبحت الأرض مهيئة لتتلقى عن الأحمدية ، وتعي ، أكثـر مما تلقى ، ووعى ، أسلافها ، وكذلك جاء وقت الرسالة الأحمدية .. والرسالة الأحمدية تطوير للرسالة المحمدية .. وذلك ببعث آيات الأصول التي كانت في عهد المحمدية منسوخة لتكون هي صاحبة الوقت في القرن العشرين ، وتكون هي عمدة التشريع الجديد ، ولا يقتضي كل أولئك إلا فهما للقرآن جديدا ، به تحيا السنة بعد اندثارها


*الفهم والرجال:
يتحدث الاستاذ عن العلاقة بين الرجال والقران ،اي التأويل في زعمنا،حين يتحدث عن العلاقة بين التبشير بالرسالة الثانية وتأويل القرآن:
فقد أصبح واجباً على ورثة الإسلام - على ورثة القرآن - أن يدعوا إلى الرسالة الثانية ، تبشيرا بالعهد الجديد الذي أصبحت البشرية تشعر بالحاجة الملحة إليه ، ولكنها تخطئ طريقه ، وإنما طريقه في المصحف ، ولكن المصحف لا ينطق ، وإنما ينطق عنه الرجال ..
وفي اشارة الى امة المسلمين يقول الاستاذ ،
في كتابه "الاسلام وانسانية القرن العشرين"يقول عن الرسالتين :
Quote: الرسالة الثانية من الإسلام“ هي مراد الدين بالأصالة، في حين أن „الرسالة الأولى“ قد كانت المراد بالحوالة.. ورسول الرسالتين „محمد“.. راجعوا كتابنا بهذا الإسم: „الرسالة الثانية من الإسلام“..


وبعد ذلك يتساءل قائلا:
Quote: وستسأل وكيف يجيء محمد بنبوة أحمدية ورسالة أحمدية؟؟

فيجيب:
Quote: بأنه يجيء في قلوب، وعقول، وشمائل، الذين يحيون سنته، ويسيرون سيرته، ويظهرون كمالات أخلاقه للناس، بعد طول العهد، وانقطاع الإرشاد..


ولعل الاشارة هنا الى امة المسلمين وصاحب الفهم اي رسول الرسالة الثانية.
ينطلق الخطاب بعد ذلك الى خطوة مهمة ،تبعد محمدا كرسول بشكل جزئي لكي تتحدث عن "الرجل" في مواضع عدة.اي تركز الحديث عن "الرجل"، الذي سيكون رسول الرسالة الثانية ،و في حين يتم الحديث عن انسان..وهو ما يؤكد انه رجل.
* عن "الرجل":
وفي كتابه :
بيننا و بين محكمة الردة
يتحدث الاستاذ عن "الرجل" الذي اشرنا اليه كمفصل للرسالة الثانية،يقول:
Quote: وفيصل القول ان الاسلام بداية ونهاية.. بدايته مرحلة ايمان ونهايته مرحلة إيقان.. وأمة المرحلة الأولى – مرحلة الايمان – المؤمنون وهم من فصلت في حقهم رسالة الاسلام الأولى.. وأمة المرحلة الثانية – مرحلة الايقان – المسلمون وهم من بلغت في حقهم رسالة الاسلام الثانية، وهم لما يجيئوا بعد، وستفصل الرسالة الثانية في حقهم لدى مجيئهم: ويتولى ذلك رجل من المسلمين آتاه الله فهما عنه من القرآن..

الكلام عن العلاقة بين "الرجل " الذي أوتي فهما،ونهاية الاسلام ،تجعل من القرن العشرين ،بداية لنهاية التاريخ.
وفي مقدمة الطبعة الرابعة من "
الرسالة الثانية
يقول الاستاذ:
Quote: وما أريد في هذه المقدمة إلى شئ من تفصيل يتناول مواضيع الكتاب المختلفة ، وإنما أريد بها إلى تقرير أمر يهمني تقريره ، بادئ ذي بدء ، وذلك أن الإسلام رسالتان: رسالة أولى قامت على فروع القرآن ، ورسالة ثانية تقوم على أصوله .. ولقد وقع التفصيل على الرسالة الأولى .. ولا تزال الرسالة الثانية تنتظر التفصيل .. وسيتفق لها ذلك حين يجئ رجلها ، وحين تجئ أمتها ، وذلك مجئ ليس منه بـد .. (( كان على ربك حتماً مقضياً )) ..


ويبدو ان التحية "للرجل" في مقدمة الرسالة الثانية من الاسلام ،هي اشارة واضحة،
الى "رسول الرسالة الثانية"،
كما في الاهداء التالي:

Quote: إلي الإنسانية !
بشرى .. وتحية .
بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة
الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
وتحية للرجل وهو يمتخض ، اليوم ، في
أحشائها ، وقد اشتد بها الطلـق ، وتنفس
صبح الميلاد .


وفي مكان آخر في مقدمة الطبعة الرابعة من "الرسالة الثانية من الاسلام"،
يتساءل الاستاذ:

من رسول الرسالة الثانية ؟؟
فيجيب:
هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن ، وأذن له في الكلام ..
ثم يتساءل مرة أخرى عن ذلك "الرجل المأذون له":
كيف نعرفه ؟؟
فيجيب:
حسنا !! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه : (( احذروا الأنبياء الكذبة !! )) قالوا: (( كيف نعرفهم ؟؟ )).. قال : (( بثمارهم تعرفونهم )) ..

*الانسان:
وفي كتابه :
الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين
لا يتحدث عن "الرجل" وانما عن "انسان"،يقول في ذلك:
الرسالة الثانية ما عايزة وحي، عايزة إنسان ربنا يوفقه ليفهم عنه

*علاقة الرسالة الثانية بالتطور:

في خطاب الاستاذ ،اهتمام واضح بقضايا التطور وعلاقة ذلك بنشوء ظاهرة التدين نفسه،ودائما يبحث العلاقة بين الارض والسماء.وهي علاقة تطورية ،وقد كانت الرسالة على قدر تطور البشر .بل يمضي الاستاذ الى خطوة تشبه ماركس وداروين وفرويد،الى انشاء مراحل لتطور الانسان ،كما فعلت تلك المدارس ،كل منها بحسب منظورها للتاريخ وللقوة الفاعلة فيه.ولهذ ا حديث آخر .ما يهمنا من تلك الاشارة ان الاستاذ يبني خطابه على التطور ،كمقولة سوسيولوجية و دينية ايضا ،بحسب منظوره ،كما راينا في حديثه عن قانون المعاوضة وعلاقته برهافة "القرن العشرين"،كقرن يمثل بداية لنهاية التاريخ ،بحسب كرونولوجيا الاستاذ .
يعتبر القرن العشرون قرنا حاسما في خطاب الاستاذ،بل ويرى ان الرسالة الثانية اصلا هي تنطلق من تلبية تلك الاحتياجات،التي تعجز الرسالة الثانية عن تلبيتها بحكم الوقت.بل يعتبر ان النبي محمد "ص"،قد جاء اساسا من القرن العشرين.
يقول عن اتيان النبي محمد من القرن العشرين،وهذا ما يؤكد ان القرن العشرين هو "نهاية التاريخ":
Quote: وقد قلنا مرارا كثيرة أن النبي لم يكن من مجتمع القرن السابع الميلادي ، وإنما هو قد أتاهم من المستقبل ـ أتاهم من القرن العشرين ـ وهو ، وإن عاش معهم ، فإنما كان يعايشهم ، ويعاشرهم ، ولكنه لم يكن منهم . فقد كان هو المسلم الوحيد بينهم ، وكانوا هم المؤمنين


ويقول عن طبيعة الرسالة الثانية اي التجدد والحيوية والتطور والنمو،وهذا ما يفتح الباب ،ان انسقنا وراء منطق الرسالة الثانية وضرورتها من حيث علاقتها بالقرن العشرين المختلف جذريا عن قرن الرسالة الاولى اي القرن السابع،هذا ما يفتح الباب على رسالات اخرى ،بحسب التطور البشري،
يقول عن مجالات تطوير الرسالة الاولى:
..
Quote: ولا يقع التطوير في أمر العبادات إلا على الزكاة ذات المقادير ، وما ذاك إلا لأنها ليست ركنا تعبديا إلا لعلة أن الناس لم يكونوا يطيقون أفضل منها ، وإلا فإن الركن التعبدي إنما هو زكاة المعصوم . ولا يقع التطوير على تشريع المعاوضة ، وما ذاك إلا لأنه أصيل ، وقد بني على الأصول الثوابت من الدين . وإنما يقع التطوير في تشريع المعاملات ، كالحقوق الأساسية للأفراد ، وكالنظم الاقتصادية والسياسية ، إلى آخر ما يرتبط بتحولات المجتمع ، وما يسرع إليه التغيير من هذه النظم التي يجب أن تواكب المجتمع في حيوية ، واقتدار على التجدد ، والنمو ، والتطور ، وقد سبقت إلى كل أولئك الإشارة في هذا الكتاب .

فالأصل في الرسالة الثانية الحيوية والتطور ، والتجدد
هنالك مقاطع كثيرة في خطاب الاستاذ تتحدث عن دور التطور في استجابة الناس للرسالة الاحمدية:
يقول الاستاذ:
Quote: لقد جاء محمد، في العهد المكي بنبوة أحمدية ورسالة أحمدية، فدعا إلى الإسلام، فلم يستجب له، وذلك لحكم الوقت المتمثل يومئذ في قصور المجتمع، فاُمر بالهجرة، وجاء عهد المدينة، وسحبت „الرسالة الأحمدية“، فاستبدلت „بالرسالة المحمدية“ فأصبح محمد ذا „نبوة أحمدية“ و „رسالة محمدية“، فدعا إلى الإيمان، فاستجيب له.. وسيجيء محمد „بنبوة أحمدية“ و„رسالة أحمدية“ فيدعو إلى „الإسلام“، كما دعا أول أمره في العهد المكي، وسيستجاب له، هذه المرة، وذلك لحكم الوقت المتمثل اليوم في نضج المجتمع، واستوائه، وطاقته الفكرية، والمادية..

وعن اثر الجاهلية المتطورة –جاهلية القرن العشرين-في بزوغ الرسالة الثانية ،يقول في كتاب محمد:
Quote: والآن ، وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، والبشرية تعيش الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ وهي جاهلية أرفع ، بما لا يقاس ، عن مستوى جاهلية القرن السابع ، فقد أصبحت الأرض مهيئة لتتلقى عن الأحمدية ، وتعي ، أكثـر مما تلقى ، ووعى ، أسلافها ، وكذلك جاء وقت الرسالة الأحمدية .. والرسالة الأحمدية تطوير للرسالة المحمدية

ويرى الاستاذ ان التطور مهم في مسالة الرسالة الثانية ،باعتبار ان الرسول جاء من القرن العشرين،ولكي يعود مرة اخرى لا بد مما يسميه ب"اعداد المسرح" اي الظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الظروف التي تتيح له كي يأتي كرسول للقرن العشرين.يقول في حديث له عن "ارهاص الرسالة الثانية" في كتابه:
الاسلام
Quote: اعلم ، أيضا ، أن حكمة الله أرجأته تخفيفا على الذين آمنوا ، حتى يجئ اليوم الذي تفصل فيه الرسالة الثانية ويصبح المسرح معدا ليحقق الذين آمنوا الإسلام ، بأن يتقوا الله ، (( حق تقاته )) وبأن يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من الله . وستقول وماذا تعني بإعداد المسرح ؟؟ وأقول إقامة المجتمع الصالح ، ونظام الحكم الصالح ، الذي يجعل مجاهدة الفرد في سبيل اتباع أحسن ما أنزل مجاهدة ميسرة الأسباب .


وفي كلام واضح ان العنصرين الاساسين لظهور رسالة ثانية ،
يقول في كتابه الاسلام اشارة الى ذينك العنصرين:
Quote: لقد آن الأوان لتفصيل الرسالة الثانية ، وذلك بالنظر في تكميل تشريع الرسالة الأولى ، بتطويره ليحقق قسطا أكبر من الهدف الديني ، والعمدة في التطوير أمران ، حاجة المجتمع الحاضر ، وروح الإسلام ، كما كان يعيشها المعصوم


فالعنصران الاساسيان في أمر تطوير الرسالة الأولى هما حاجة المجتمع الحاضر،وهي حاجة متجددة ،وروح الاسلام ،كما تبدت في حياة المعصوم ،وتشريعه الخاص.
وفي حديث له عن ارتفاع التشريع،
يقول في "الرسالة الثانية من الاسلام":
Quote: ولما كانت الرسالة الثانية تقوم على الارتفاع من الآيات الفرعية إلى الآيات التي هي أصل ، والتي جرى منها التنزل إلى الفروع لملابسة الزمان ، ولملاءمة طاقة المجتمع ، المادية ، والبشرية ، فقد وجب الارتفاع بالتشريع ، وذلك بتطويره ليقوم على آيات الاصول ، وكذلك يدخل عهد الاشتراكية ، وعهد الديمقراطية


النزعة التطورية عند الاستاذ هي نزعة ثنائية لا تسمح في ظاهرها،بالتعدد ا .فهوأي الأستاذ، يحصر تلك النزعة التطورية في الثنائيات التالية:
الرسالة المحمدية الرسالة الاحمدية
القرن السابع القرن العشرون
النصوص المدنية النصوص المكية
المؤمنون المسلمون
الاصحاب الاخوان
قانون الغابة قانون الانسان
وغيرها من الثنائيات التي لا يمكن القبول بها الا اذا قبلنا ان القرن العشرين هو بداية لنهاية التاريخ.
و اذا لم يتم القبول بذلك ،فان التطور الهائل الذي فتحه عصر التنوير بالتحديد،كبداية للحداثة ،يجعلنا نقول أن من الممكن التحدث نظريا عن رسالات أخر كثيرة قادمات ،بحسبان ان التطور هو من العناصر الحاسمة في نشوء رسالة جديدة.
وعندما قلنا نزعة ثنائية لا تسمح بالتعدد في ظاهرها،فاننا نرمي ان تلك النزعة الثنائية ،هي نزعة انتقائية في بعض توجهها ،وذلك استنادا على ما تقول به حاجة العصر كما هو الموقف من الزكاة باعتبارها لا تلبي حاجة المجتمع المعاصر، اذ ان بديلها من النص القرآني بديل آخر يقول بالاشتراكية كما في تأويل الاستاذ.
و طالما ان حاجة المجتمع هي من العناصر الحاسمة في تطوير الخطاب القرآني ،من داخله،فكيف ينقطع التطور ،ويصبح مرتبطا بالقرن العشرين،ما لم يكن خطاب الاستاذ يرى في القرن العشرين ،على الأقل ،بداية لنهاية التاريخ ،وما سيخلفه من تطور هو تطور هامشي ،لا يستدعي رسالة ثالثة ورابعة .......الخ من الرسالات التي يكون سبب ظهورها ،هو من منطلق سوسيولوجي ،باعتبار التطورات الهائلة التي تعصف بالمجتمع الاسلامي ،ولا تجد لها اجابة في ما نزل من رسالات ؟
وسنعود لنواصل في مداخلة بعنوان:
مصرع الانسان الكامل؟؟؟
الابواب مشرعة لليوتوبيا


محبتي
المشاء

Post: #396
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-22-2007, 06:35 AM
Parent: #1

العزيز الكاتب : أسامة الخواض

تحية لك

وإن حديثك اليوم لغيمة قصدت سهلاً ،
وحباته التي تنتظر كثير جفافٍ ستنطلق من بعد الغيث

التحية لك وأنت تخطو بنا خطو المُتمهِل

لك الشكر الجزيل

Post: #397
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-22-2007, 07:03 AM
Parent: #396

عزيزي الشقليني
شكرا على كلماتك المشجعات
فاتني ان اقول ان الاستاذ في اجابته عمن هو رسول الرسالةالثانية،
قد لجأ للتدرج،
فهو عن حق قد نسب الرسالة الثانية مستندا على مسالة النسخ،
وعلى حياة الرسول ص الخاصة.
لكنه انطلق من تدرجه ذلك ،
الى "الصدمة"،
أي ان رسول الرسالة الثانية ،
هو رجل فهم عن رسول الرسالة الاولى،
وهو يكون نظريا قد حل اشكال السؤال التالي:
ان محمدا "ص" قد مات؟؟؟
فاجاب ان التاويل هو الذي يحيلنا الى أهمية "الرجل".
ولذلك كان الاستاذ ،وخاصة في رده على مصطفى محمود،
يقول ان التعويل هو ليس على التفسير العصري،
و انما على التأويل.
والتأويل في خطاب الاستاذ مرتبط ،بتأثير من التيارات الغربيةمثل الماركسية والفرويدية و الدارونية، بحاجة الانسان المعاصر،
وكذلك بالتشريع الخاص لمحمد "ص".
المشاء

Post: #399
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 06-22-2007, 08:14 AM
Parent: #397

عزيزاي الأثيران أسامة وعبد الله،
تحيتي ومحبتي،
أشكركما، وأشكر لكما، وبكما، ومعكما، الله على أن جعل منكما عضداُ منيعاً لنا في رحلتنا في الوادي المقدس!
لا أخفيكما أنكما مفتاحان أصيلان لأبواب اليقين بعظمة الأستاذ محمود محمد طه ومقداره الكريم، مثلما أنكما مفتاحان
لمغاليغ الشك والسؤال الحكيم. وهل من يقين بدون شك؟

أتفق معك يا أسامة في نظرتك الثاقبة لموضوع رسول الرسالة الثانية، ولا أجد في نفسي أي حرج من قبول تأويلك كاملاً. وما أدهشني بالفعل، وأنت من صناع الدهشة الممتعة، أنك فككت المسألة مفهوماً مفهوماً، في تواتر منساب لعملية تفكيك تأويلية بارعة، شأنك مع النصوص بشكل عام، والنصوص الفكرية بشكل خاص.

هناك نقاط كثيرة أثرتها أنت سأرجع لها، باذن الله بعد رحلة مزمعة للسودان، ياخذ مني التحضير لها وقتاً كثيراً، مثلما تأخذ شؤون أخرى، أسرية ومهنية، وفكرية-سياسية تتبدى أثارها في مساهماتي هذه الأيام. لهذا، فإنني أرجو منك ومن صديقي الأثيري، الأثير، عبد الله، أن تعذراني من المشاركة المتصلة، راجياً من الله التوفيق والسداد في مدي بعافيتي بعافيتي الصحة والوقت لكي أسهم أكثر بعد عودتي في بدايات أغسطس، بحوله تعالي.

أما أنت يا عبد الله فإني أتفق معك في عدم اطمئناني بعد لرأينا كجهوريين في مسألة الحدود، لكوني أقبلها أيماناُ بسبب قناعتي بصدق الأستاذ محمود الذي لم تكذبه حادثة تنبأ بها ولا فكرة لم يعشها قبل أن ينطق بها. لهذا السبب، وتوقيراً للأستاذ محمود فإني أجد صعوبة بالغة في مسآءلة أطروحاته. مع ذلك، فإن شأن الحدود من الشؤون الثقيلة على فهمي ولذلك فإن نار الشك، وحرقة السؤال الملحاح، تعصف بذهني. ولذلك فإنني لم أستقر فيها على رأيي ذاتي بعد، وإن كانت لي رؤى تطالعني طوراً، وتختفي طوراً. منها، مثلاً، أن الحدود ليست متعارضة مع حقوق الإنسان بسبب أن ضوابط تنفذها تكاد تجعل من أمر تطبيقها عملياُ أمراُ بالغ الندرة. مثلاً، إثبات الزنا يحتاج لأربعة شهود عدول يرون الأمر رأي العين الشحمية مرود في مكحلة. وهذا أمر لم يحدث أن قضى به طيل العهد النبوي لأنه لم تثبت ولا حتى حالة واحدة في تنفيذ حد الزنا. والحالة الوحيدة التي تم فيها تطبيق الحد كان في حالة إمرأة اعترفت للنبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم اعترافاً بيناُ صريحاًُ. وقد حاول النبي جاهداً أن يثنيها عن اعترافها لكي يجد شبهة تدرأ الحد بأن قال لها "لعلك فعلت كذا وكذا،" وفي هذه الحالة حتى لو كذبت كان سيدرأ عنها الحد لوجود الشبهة. ولا أظنك تخالفني الرأي بأن إثبات الزنا مرود في مكحلة يقتضي أن يكون أربعة الشهود واقفين على العملية الجنسية بتمامها، ولا يوجد إنسان عدل يرضى بأن ينتهك حرمة وخصوصية الآخرين. ولا يمكن لشخص ماجن، مع أشخاص ماجنين، حضور لهذه العملية أن تقبل يبلغوا عن الحدث لمعاقبة زميلهم الماجن وزميلتهم. وحتى إن بلغوا فإن شهادتهم لا تقبل لأنهم ليسوا عدول. ولا يكفي أن يكون الشهود العدول ثلاثة، خل عنك أن تقبل شهادة أربعة ماجنين.

إذن هناك استحالة عملية، في تقديري، لتأصيل البينة التي يقوم عليها حكم الزنا. وفي تصوري أنه لم يبق إلا أن نص حد الزنا وجد كرادع دستوري للحفاظ على قدسية العلاقة الجنسية وخصوصيتها باعتبارها أهم الوسائل الموصلة إلى التماهي مع المطلق والذوبان فيه. ولقدسية هذه العلاقة، وعظم شأنها، أراد لها الله أن تتم في الستر بصورها المشروعية في الشريعة وفي الحقيقة. وهنا الحديث يطول، ولا وقت عندي للتطويل. فلم يبق إلا أن أحيلكما لكتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية،" الذي يتناول هذا الشأن الجليل من أسرار النص القرآني بتفصيل بديع. فإلى موقع الفكرة www.alfikra.org للاستزادة في هذا الشأن.

أما حدود السرقة وقطع الطريق وحد الخمر، فكلها قابلة للدرء كذلك. مثلاُ إن كانت هناك ضرورة ملجئة للسرقة، كالجوع المهلك، مثلاُ، فإن الحد يدرأ. وإن لم تكن هناك ضرورة ملجئة، فينظر إن كان الشخص به على نفسية أو جسدية ملجئة. وهذه أيضاً تدرأ الحد. أما في حالة الخمر فإن السكر، المذهب للعقل هو الذي يقوم في حقه الحد، لا مجرد الشرب كما يظن البعض. وذهاب العقل لا يمكن افتراضه مجرد افتراض بغير سبب يدل عليه. ولا يجوز، في تقديري، أن نقول بأن الشخص ذاهب عقله بسبب الشرب، لأن سبب ذهاب عقه قد يكون لعلة نفسية، تؤدي بالشارب إلى ارتكاب جريمة ما وهو مخمور، بعد الأثر المركب للشرب وللمرض النفسي. وإذا ثبت وجود مرض نفسي، مع السكر، ووجود جرمية تدل على ذهاب العقل، تقوم الشبهة ولا يطبق الحد. وليس من العسير مع تقدم الطب النفسي اليوم أن تشخص العاهات النفسية بسرعة ومهنية ومصداقية عالية لدى الطبيب العدل، الملتزم بأخلاق مهنته. وقس على ذلك.

إذن قانون الإثبات في الشريعة الإسلامية قانون صارم للغاية يقوم في الأساس على مبدأ صيانة حق المتهم في محاكمة عادلة تقصد إثبات الجريمة أو عدم إثباتها وفق ضوابط شديدة الدقة لتحفظ دستورية النص وقدسيته، من باب تقديس حق الفرد في الحرية والخصوصية وحق الجماعة في الأمن من طيش الأفراد الطائيشن، المنتهكين لحقوق الأفراد الآخرين وحق الجماعة ككل في استئمان الأفراد على مسؤولية السلوك الدستوري.

هذا مبحث وردتني في هذه الورادات للتو، وأنا أكتب لك ولاسامة، ولقرائنا الكرام. ولأنها مازالت غضة فإنني سأعمل التفكير فيها أكثر. وكشأنكما دائماُ، أرجو ألا تحرماني من متعة السؤال، والشك، والاندهاش بالمعاني التي ينبتها خصيب التلاقح الفكري الخلاق، الذي أنتما من مبدعيه النادرين في هذا المنبر الحر.

ولي عودة، بإذن الله، لشؤون جليلة أخرى طرحتموها هنا مع المتداخلين الكرام تستحق التوقف عندها. أسأل الله تعالي أن يوفر لي أسباب الوفاء بوعدي لكلما بالعودة فور عودتي من السودان وتفتيت رهق السفر.

لك ولمشاء العصر القلق وافر المحبة والإجلال، أيها المفكران الفذان. وليس في قولي أدنى مبالغة!

تعريجة:يا مشاء، يا خي رد المكالمات. تركت لك عدة رسائل صوتية، "ولا هياة لمن تنادي" كما يقول أهلي الحلفاويين حين ينطقون الحاء.

Post: #398
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-22-2007, 07:40 AM
Parent: #1

عزيزي الكاتب : أسامة الخواض

تحية طيبة لك وأنت تتبع خُطى الرسل في خطاب الأستاذ،
الذي رد به على الأستاذ / صالح بان النقا في لقاء معه عام 1951 م، ما يزيد اللبس
من أن هنالك رسول هو عيسى ، فلم أجد وصلاً بين ما قال لاحقاً وما قال عام 1951 م ، يا تُرى أتعدل الخطاب اللاحق ؟:

النص



ج): لا نبي بعد محمد من لدن بعثه إلى قيام الساعة. ليس في هذا إشكال ولا خلاف لأن النص في القرآن صريح ولكن الإشكال في أمر الساعة ، وذلك بأن الساعة ساعتان: ساعة يبدأ بها "يوم الله في الأرض" وساعة يبدأ بها "يوم الله في السماء".
أما يوم الله في الأرض فذلك حين تبلغ الإنسانية الكمال وهي في إطارها الأرضي من اللحم والدم فتملأ الأرض عدلا وحرية ومحبة بين الناس وقد أرسل الله جميع الرسل من لدن آدم والي محمد ليعدوا حياة الأحياء لهذا اليوم العظيم بتعليم الناس الأخلاق التي تستقيم مع معاني العدل والحرية والمحبة، وحين قال الصادق الأمين "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" إنما أشار إلى هذا الإعداد الخاص الذي اشترك فيه جميع الرسل وحين قال "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا" إنما أشار إلى هذا اليوم "يوم الله في الأرض" واليه الإشارة أيضا في القرآن الكريم حين قال عن لسان المصطفين فيه "وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين" تلك (جنة الله في الأرض) في "يوم الله في الأرض" فإذا ابتدأ هذا اليوم فقد ابتدأت الساعة التي بها نهاية توقيت ختم النبوة بمحمد وجاء وقت المبعوث الذي بشر به محمد والرسل من قبله وهو عيسي ومع عيسي يبعث جميع الأنبياء والصديقين والأولياء كأصحاب له .. في هذا اليوم يصح أن تكون هناك نبوة لا بمعني وحي محسوس يجيء به الملك كما كان الشأن بين محمد وجبريل فإن ذلك قد إنقطع باستقرار القرآن بالأرض ولكن بمعني إلقاء رحماني علي قلوب عباد تطهرت من شوائب الشرك ولهذا اليوم علامات لا تعرف إلا بأنوار البصائر فمن كانت له بصيرة يبصر ويعرف أن الوقت قد حان ومن كان لا يري إلا بعيني رأسه كما تري الدواب لا يبصر شيئا ويظن أن الوقت هو الوقت منذ الأزل ، لأن الشمس مازالت تشرق من المشرق وتغرب في المغرب كما فعلت دائما .. إن هذا اليوم قد أظلنا الآن والناس عنه في عماية عمياء وقد مد لهم في عمايتهم عنه إلتباس صورته في أذهانهم باليوم الآخر الذي أسميته أعلاه بيوم الله في السماء فأن ذلك لا يجيء إلا حين تنتصر الحياة علي الموت بتجربته واجتيازه وهو امتداد ليوم الله في الأرض و ليس مغايرا له والي ذلك الإشارة بقوله تعالي: "من كان في هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا"
أما الجزء الأخير من السؤال فانه الإجابة من الناحية الموضوعية وهي المهمة قد سلفت أعلاه ومن الناحية الشخصية "فإني أزعم لنفسي ذلك وأرجو أن أكون محقا".



هنا الوصال من منتدى الفكرة

http://www.alfikra.org/talk_page_view_a.php?talk_id=6&page_id=1

Post: #400
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-22-2007, 11:40 AM
Parent: #398

الأخ العزيز عبد الله الشقليني

تحية لك وللأخ أسامة والأخ حيدر وجميع المتابعين والمشاركين..

قولك:

Quote: عزيزي الكاتب : أسامة الخواض

تحية طيبة لك وأنت تتبع خُطى الرسل في خطاب الأستاذ،
الذي رد به على الأستاذ / صالح بان النقا في لقاء معه عام 1951 م، ما يزيد اللبس
من أن هنالك رسول هو عيسى ، فلم أجد وصلاً بين ما قال لاحقاً وما قال عام 1951 م ، يا تُرى أتعدل الخطاب اللاحق ؟:

النص


ليس هنا اختلاف بين ما قاله الأستاذ محمود للصحفي إبن البان وما جاء في كتب الفكرة لاحقا خاصة كتابي "عودة المسيح" و "المسيح" من أن المسيح المنتظر هو المسيح المحمدي وليس هو شخصية سيدنا عيسى الإسرائيلي، لأن الأستاذ يتحدث عن "مقام" وليس عن شخصية.. ولو عدت إلى مداخلات سابقة في صفحة 2 من هذا البوست سوف تجد ذلك واضحا.. على كل حال، هذا المقام لم ينزل بعد إلى الأرض طبعا، ولكن ما حدث للأستاذ محمود في يوم الثامن عشر من يناير هو مقدمة له..

لا زلت أرجو أن أجد الوقت للعودة بالجديد في التوضيح الذي يحتاج كثيرا من الوقت وقراءة المداخلات السابقة تجنبا للتكرار..

وشكرا

ياسر

Post: #401
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 06-23-2007, 04:24 AM
Parent: #400

إلى أعالي الملكوت!

Post: #402
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-23-2007, 05:41 AM
Parent: #1





حول المأذون له بالرسالة الثانية ( 6 )


الكاتب الدكتور ياسر ، تحية لك وأنت تعود لنا من جديد .
من الإجابة أدناه ، والربط يتم التعرف على عيسى الرسول وأنه خاتم الرسل ،
وهذا ما يحتاج التوضيح بالربط بينه وبين النص الذي يقول به الأستاذ عن الرسول :
(" لو بقي من الدنيا قدر يوم واحد لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا" ) ،
والنص الذي ورد في الرسالة الثانية من الإسلام ـ تحت عنوان من المأذون . وقد تحدث الكاتب أسامة عن التدرج في تنـزيل الرؤية ، ولكن بقراءتنا للنص الأول الذي ورد في المقابلة ، والنص الثاني نجدأن هنالك عيسى من أهل بيت الرسول ، ونجد هناالنص : ( هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام.. ) .
و هنا نرى موضع الإلتباس والذي في حاجة لاجتهادلمعرفة من ( هو الرسول ) :

النص الأول المنقول عن الأستاذ :

من المأذون؟

ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخا، وما هو محكم محكما.. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخا، وينسخ ما كان محكما؟؟ هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول.. والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولا، يقتضي نبوة، وقد ختمت النبوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبوة قد ختمت، ولكنه ليس حقا أن الرسالة قد ختمت: (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شئ عليما)).. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.. ولكن النبوة ما هي؟؟ النبوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس.. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا.. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس.. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف.. لماذا ختمت النبوة؟؟

أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنه مشغولون.. قال تعالى في ذلك: (( كلا‍‍!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..
من رسول الرسالة الثانية؟؟

هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..
كيف نعرفه؟؟

حسنا!! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: (( احذروا الأنبياء الكذبة!!)) قالوا: (( كيف نعرفهم؟؟)).. قال: (( بثمارهم تعرفونهم)).

النص الثاني المنقول عن الأستاذ :

من لقاء بان النقا عام 1951 م :

(س) السؤال ، و(ج) إجابة الأستاذ محمود محمد طه :



(س) :


حتى هذه الآونة لم تحل البراهين الدالة علي نزول المسيح عيسي بن مريم حسب ما لدينا من نصوص الفقه والحديث ، وقد تطرق أن سمعنا أن هناك دعوة مثل هذا الحديث العيسوى تقومون بها. فماذا تقرر وماذا تقول ؟؟

(ج):

إن القرآن من أوله إلى آخره في معانيه التي لا تدركها إلا أنوار البصائر بشارة بمجيء عيسي ، جهل المسلمون معاني القرآن المكنونة، فكيف يجهلون الأقوال الصريحة في البخاري وغيره المأثورة عن الصادق المصدوق وقد أوردت لك منها حديثا في ج1 واليك غيره " لو بقي من الدنيا قدر يوم واحد لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا". الذين يعرفون القرآن يعلمون أن محمدا ليس نبيا وإنما هو النبي وخاتم الأنبياء وأن عيسي ليس رسولا وإنما هو الرسول وخاتم الرسل.
"أما عن الجزء الأخير من السؤال فأنه قد ألقى إلى ذلك وتواتر الإلقاء وإنما يحقق الله الحق ويبطل الباطل بكلماته وليس المهم عندي من أكون وإنما المهم عندي أن أعرف كيف أدعو الناس إلى الله دعوة يكون بها صلاح الدين والدنيا".


ونواصل

Post: #404
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 06-23-2007, 10:12 AM
Parent: #402

نشرنا ردا في صفحة اخرى ،
ونعيد نشره مرة اخرى في مكانه

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

Post: #405
Title: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-23-2007, 11:09 AM
Parent: #402

الأخ العزيز عبد الله الشقليني،

تحية لك ولأسامة والأخ حيدر والجميع

"رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن وأذن له في الكلام" لا تختلف عن "حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي"، المهم أن هذا الرجل هو الذي يملأ مقام المسيح.. وقد كتبت سابقا عن وجه الشبه بين الأستاذ محمود والمسيح عيسى في مسألة الفداء، والآن أقول أنه من المعروف أيضا أن الأستاذ محمود من أهل البيت النبوي.. فالأستاذ محمود ركابي ينتهي نسبه إلى ركاب بن غلام الله، وقد ورد في الطبقات عن غلام الله اليمني هذا أنه ينتسب إلى سيدنا الحسين فهو إذن من أهل البيت، وطبعا هناك كثيرون ينتمون إلى أهل بيت النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في بلدان كثيرة، ولكن مقام "رجل من أهل بيتي" هذا له ثمن أو قل استحقاقات كتلك التي قال عنها الحلاج "ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم!!" وقد كتبت كثيرا عن مسألة الفداء هذه في هذا البوست.. ألم تسمع بما قاله الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي عن صاحب المقام؟:

لو أنَّ النورَ يشرقُ من سناهُ * على الجسدِ المغيبِ في الُّلحودِ

لأصبح عالماً حياً كريماًَ * طليقَ الوجهِ يرفلُ في البرودِ

فذاك الأقدسيُّ إمام نفسه * يسمى وهو حيٌُّ بالشهيدِ

وحيد العصر ليس له نظيرٌ * فريد الذات من بيت فريدِ


وخاتم الرسل، المسيح المحمدي، ليست رسالته رسالة وحي، كما قلت سابقا.. وهو يجيء إلى هذه الدينا من الدار الآخرة، ومعه يُبعث جميع النبيين والشهداء، وهذا وارد في القرآن في سورة الزمر:


وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)

والمسيح عندما يأتي يجيء بجسد روحاني، ويرتفع بهذا الجسد من غير أن يمر بحدث الموت، لأنه يكون قد اجتازه.. وللمسيح عودة أخرى في ساعة التخريب.. اقرأ هذه الفقرة من كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" فهي توضح المسالة بطريقة جيدة..


Quote: الساعة ساعتان

ومن ثم، فإن قولك: (الساعة ذروة الغيب وعلمها محجوب عن الكل، اختص الله به نفسه دون العالمين) هذا القول، الذي به افتتحت أنت هذا الفصل قول خاطئ .. ولقد قررنا، في الفصل السالف، أن ذروة الغيب هي الغيب المطلق – هي ذات الله .. والساعة ساعتان: ساعة التعمير، وساعة التخريب .. فأما ساعة التعمير فهي لحظة مجيء المسيح ليرد الأشياء إلى ربها، حسا ومعنى، وليملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا .. ويومئذ يظهر الإسلام على جميع الأديان .. ويتحقق موعود الله: (هو الذي أرسل رسوله، بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله .. وكفى بالله شهيدا) .. ويتأذن الله بالتطبيق، كما تأذن بالإنزال .. وذلك فيما يتعلق بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا ..) وهذه هي ساعة التجلي الكمالي .. وأما ساعة التخريب فهي لحظة مجيء المسيح، للمرة الثانية، ليرد الأشياء إلى الله حسا، وقد أبطأ المعنى .. وذلك: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب .. كما بدأنا أول خلق نعيده .. وعدا علينا .. إنا كنا فاعلين) ..
والساعتان منضويتان، في بعضهما، في سياق القرآن .. فهو عندما يقول: (الساعة) إنما يعني: المعنى القريب للساعة، وهي ساعة التعمير، والمعنى البعيد للساعة، وهي ساعة التخريب .. وإنما يقع التمييز بينهما، عند القادرين عليه، بفضل الله، ثم بفضل التفريد في التوحيد .. وتلك هي المقدرة على إدراك مثاني القرآن وقد أشار إليها تبارك، وتعالى، في قوله: (الله نزل أحسن الحديث كتابا، متشابها، مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم .. ثم تلين جلودهم، وقلوبهم، إلى ذكر الله .. ذلك هدى الله، يهدي به من يشاء .. ومن يضلل الله فما له من هاد) .. (مثاني) يعني: ذو معنيين، معنيين: معنى قريب، ومعنى بعيد .. ولعجز الناس عن المقدرة على تفريد التوحيد لم يقع في خلد المتحدثين عن الدين إلا معنى واحد للساعة، وتلك هي ساعة التخريب .. وعندما يجئ المسيح بساعة التخريب يكون الوقت وقت التجلي الجلالي، حيث تنصهر الأحياء، والأشياء تحت سطوة الجبروت، وحيث تسير جميعها إلى الله كرها، بعد أن سارت إليه طوعا في وقت التجلي الكمالي، في ساعة التعمير .. وساعة التعمير هي المقصودة من قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها، بإذن ربهم، من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر) .. قوله (خير من ألف شهر) يعني خير من ألف سنة .. قوله: (تنزل الملائكة)، يعني أعوان المسيح .. قوله (والروح) إشارة إلى المسيح .. قوله (سلام هي حتى مطلع الفجر) يعني يعم الأرض السلام، وذلك لملئها عدلا، كما ملئت جورا .. وهذه الألف سنة هي يوم الله المشار إليه في قوله تعالى: (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) وهو، نفسه، اليوم الآخر الوارد في عديد الآيات، ومنها، على سبيل المثال: (وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال: يا قومي!! اعبدوا الله، وارجوا اليوم الآخر، ولا تعثوا في الأرض مفسدين ..) .. وإنما سمي (اليوم الآخر) لأنه آخر أيام الدنيا، وأول أيام الآخرة، وفيه تتحقق جنة الأرض، وهي نموذج من الجنة الموعودة .. وبعد انقضاء هذا اليوم، ذي الألف سنة، تتراجع المعارف، والعلوم، والفهوم .. ويأخذ الخط البياني للحياة الإنسانية في الإنحدار ويوالي ذلك، حتى يبلغ الكتاب أجله، وحتى تحل ساعة الخراب، التي أشرنا إليها آنفا .. فإذا انتهت دورة الوجود الأولى، بعودة السموات والأرض إلى الرتق بعد الفتق، وبدأت الدورة الجديدة، للوجود الجديد، ببروز أهل النار للنار، وأهل الجنة للجنة، فقد بدأ اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة، والمشار إليه في قوله تعالى: (تعرج الملائكة، والروح، إليه، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) .. وفي هذا المقام يطيب لي أن أردك إلى صفحة 78 لتراجع قولك عن هذين اليومين: (ومعنى هذا أن أيام الله هي كما يشاء الله، فإذا شاء يكون اليوم بألف سنة وإذا شاء يكون بخمسين ألف سنة .. فهو ليس خاضعا لزمنه مثلما نحن خاضعون وإنما هو يخلق زمنه .. وهذا شرح فلسفي رفيع لمعنى الأبدية .. أو زمن من لا زمن له) .. هذا قولك الذي أحب لك أن تعيد النظر فيه، فإنه في أشد الحاجة إلى المراجعة ..

http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=29


هذا ولك فائق الشكر..

ياسر

Post: #406
Title: Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-23-2007, 11:29 AM
Parent: #405

كما أرجو التأمل في أبيات الشيخ الأكبر إبن عربي التالية:


يا أهل يثرب لا مقام لعارف * ورث النبيّ الهاشميّ محمدا

عم المقامات الجسام عروجه * وبذاك أصبح في القيامة سيدا

صلى عليه الله من رحموته * ومن أجله الروح المطهر أسجدا

لأبيه آدم والحوادث نُومٌ عن * قولنا وعن انشقاق قد هدى

فجوامع الكلم التي أسماؤها * في آدم هيّ للمقرب أحمدا

جمع الإناث إلى الذكور كلامه * بأخص آيات الثناء وقيدا

إن الأنوثة عارضٌ متحققٌ * مثل الذكورة لا تكن مترددا

الحد يجمعنا إذا أنصفتني * هن الشقائق لا تجب من فندا

لا تحجبن بالإنفعال فإنه * قد كان عيسى قبلها فتأيدا

قولي وعيسى لايشك بأنه * روح الإله مقدساً ومؤيدا

الله يعلم صدق ما قد قلته لا * يصلح العطار ما قد أفسدا

أدباً مع الله العظيم جلاله * فالدهر للذات النزيهة كالردى

الكاف في التشبيه يعمل حكمها * وتكون زائدة إذا أمر بدا

مثل الذي قد جاء ليس كمثله * من سورة الشورى وخاب من إعتدى

Post: #407
Title: Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-23-2007, 06:40 PM
Parent: #406

الأخ العزيز أسامة الخواض

تحية طيبة

لقد نقرت على الوصلة التي وضعتها:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

ولكن الوصلة الثانية في هذه المداخلة لم تعد موجودة لأنك قمت بتعديل المداخلة بدون أن تعيد وضع الرابط الذي طلبت الرجوع إليه:

" لفهم العلاقة بين المسيح والرسالة الثانية بحسب كرونولوجيا العالم كما تتبدى في الخطاب الجمهوري"

أرجو أن تعيد وضع الرابط للمداخلة التي تقصدها.. وحتى ذلك الوقت سأعلق على مداخلتك..

قولك:

Quote: من الواضح ان المسيح او "رجل" في مقام المسيح ،وليس المسيح الاسرائيلي،هو الذي سيطبق الرسالة الثانية.


نعم، ما جاء في الكتب التي نشرها الجمهوريون أن المسيح المحمدي هو الذي سيطبق الرسالة الثانية.. وهذه هي العبارة بالتحديد من كتيب "المسيح":
Quote: والإصلاح إنما يكون بالنهج العملي الذي توفرت عليه شريعة أصول الإسلام .. ولذلك فإن احتفالنا بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام إنما هو احتفال ، في ذات الوقت بمجيء المسيح المحمدي الذي يطبّق أصول الإسلام التي تجعل وصايا المسيح الإسرائيلي ، وأكثر منها ، ممكنة التحقيق ، وفي الحق فإن حياة السيد المسيح لم تكن سوى إشارة متقدمة إلى ذلك المستوى المقبل من الكمالات الإنسانية التي ستتحقق بفضل الله ، ثم بفضل الإسلام ، على ظهر هذا الكوكب ..


وقد اتضح بعد حادث الثامن عشر من يناير 1985 أن حياة الأستاذ محمود وفكره وطريقة تضحيته بحياته في سبيل دعوته وإثبات صحتها أنه بالفعل كان في مستوى الكمالات التي بشَّر بها النبي محمد عليه السلام عندما قال: "سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" وبشَّر بها القرآن عندما قال: "ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا"..

قولك:

Quote: أما رسول الرسالة الثانية ،فالخطاب الجمهوري يقول ضمنا انه الاستاذ محمود محمد طه.


نعم، قولك هذا صحيح إذا أردت به أن تقول أن الأستاذ محمود هو الذي استخرج مفهوم الرسالة الثانية من القرآن..

قولك:

Quote: طبعا من الصعوبة مناقشة الفكر الديني ،لانه اصلا يقوم على غيبيات.


نعم الفكر الديني يقوم على غيبيات، وربما يكون من الصعب على الإنسان الذي لا يؤمن بالغيب أن يفهم الفكر الديني عموما.. وإذا قام مثل هذا الإنسان بدراسة الفكر الديني بأساليب الدرس المعهودة قد يصف الدين بالخرافة وأساطير الأولين.. الجديد الذي جاءت به الفكرة الجمهورية أنها لا تطالب بالإيمان ولا تفرض الإذعان كما كان الحال في السابق.. ويحسن أن أنقل قولا للأستاذ محمود في كتاب "تعلموا كيف تصلون" حول قيمة الصلاة:

Quote: إن الصلاة ليست عمل السذج ، والبلهاء ، والغافلين ، والعاجزين ، كما يظن المثقفون على عصرنا الحاضر.. وإنما الصلاة عمل هؤلاء جميعاً ، وهي ، إلى ذلك ، وفوق ذلك ، وقبل ذلك ، عمل المثقفين ، والعلماء ، والفنانين ، والفلاسفة ، وعمل كل مفكر ، للفكر عنده مكانة ، وكرامة.. فنحن لا نحاول محاولتنا هذه لندعو إلى الصلاة المؤمنين وحدهم ، وإنما دعوتنا تتوجه إلى أصحاب الفكر الحر ، الكريم ، حيث وجدوا.. ذلك بأنا موقنون أن عصرنا الحاضر هو عصر الفكر ، والعلم.. وهو ، من هذا المستوى ، يواجه الدين ـ من حيث هو دين ـ بتحدٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية الطويل ، العريض.. ومضمون هذا التحدي هو : أيستطيع الدين ـ من حيث هو دين ـ أن يرتفع إلى مخاطبة العقول النيرة ، وإقناعها ، في مستوى جميع تطلعاتها ، وتساؤلاتها ؟؟ أم يظل ، كسابق عهده ، يطالب بالإيمان ، ويفرض الإذعان ، ثم هو لا يكاد يسعى إلى ما فوق ذلك ؟؟..


وكذلك قوله في كتاب الإسلام:
Quote: الفهم الذري للدين يجعله يناسب عصر الذرة

.. نعم فالعلم التجريبي الروحي - الدين - ليس جديدا ولكنه سيعود جديدا ، لأن عصر الذرة يتطلب فهما ذريا للدين - أعني فهماً دقيقاً ، يصل إلى نواة الدين ، ويفجر تلك النواة تفجيراً يسمع له دوي أعتى من دوي تفجيـر النواة المادية ، ولقـد سايـر الديـن طفـولة البشرية في سحيـق الآماد ، وأحسن مسايرتها ، وكان بها رفيقا ، شفيقا ، يمد لها في الأوهام ، والأباطيل ، التي كانت تكتنف تفكيرها ، ريثما ينقلها ، على مكث ، وفي أناة ، من وهم غليظ ، إلى وهم أدق ، ومن باطل غليظ إلى باطل أدق ، وهكـذا ، دواليك ، حتى قطعت الإنسانية عهد الطفولة ، ووقفت اليوم ، في طور المراهقة ، تستشرف إلى عهد الرجولة ، والاكتمال وأصبح على الدين دور جديد ، هو أن يقفز بالإنسانية عبر هذا الطور القلق الحائـر المضطرب - طور المراهقة – ليـدخل بها عهـد الرجـولة ، والاكتمال . ولما كان الفرق بين الطفل والرجل كبيرا شاسعا ، فالرجل يتحمل مسئولية عمله ، بينما الطفـل يطلب الحماية من تلك المسئولية ، فقد أصبح على الدين ، منذ اليوم ، ألا ينبني على الغموض ، وألا يفرض الإذعان ، على نحو ما كان يفعل في عهود طفولة العقل البشري .. وإنما يجب عليه أن يقدم منهاجا متكاملا للحياة ، يخاطب العقل ، ويحترمه ، ويحاول إقناعه بجدوى ممارسة ذلك المنهاج في الحياة اليومية ، في كل مضطربها .


قولك:
Quote: فمثلا مسالة المأذون له ،لم يتم توضيحها :


بالعكس يا أسامة.. مسألة المأذون تم توضيحها بعبارة واضحة تقول: " فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القـرآن ، بالقدر الذي وعى عن الله .. ".. والأستاذ محمود اعتبر نفسه ذلك الرجل بما لديه من فهم وقد تحدث به ونشره على الملأ وثبت على ذلك ولم يتنازل عما يراه الحق..

قولك:

Quote: فكي نعرف انه ماذون؟؟


وأنت تقصد طبعا "فكيف نعرف أنه مأذون؟؟".. والجواب على ذلك سهل، وهو: تعرف أنه مأذون من تماسك المحتوى الفكري لما قال به، ومن تطابق الفكر والقول والعمل فيما قاله وفيما فعله، وأخيرا من تماسك المستوى الأخلاقي في الثبات على ما يراه الحق وعدم تنازله، حتى عندما عرضت عليه الحياة "وهي مذلة فأبى و آثر أن يموت نبيلا"..

Quote: وما هي مقاييس الحصول على الاذن؟


مقاييس الحصول على الإذن التي أعرفها هي الصدق والحرية، وأعني بالحرية تطابق العمل مع القول وتطابق القول مع الفكر.. فإذا رأيت إنسانا صادقا لم يعهد عليه أحد الكذب ولم تعهد عليه أنت الكذب، فإذن هو صادق حتى يثبت لك غير ذلك؛ وقد أثبت الأستاذ أنه رجل صادق وحر..

قولك:


Quote: ولذلك فنحن لا نلجأ لنقاش الفكر الديني ،الا في المسائل ذات الصلة بالحياة الواقعية.
وفي ما يتعلق بالغيبيات نحاول استكناه البنية التي يقول بها الخطاب.


إذن مرحبا بنقاش الفكرة الجمهورية في المسائل ذات الصلة بالحياة الواقعية.. وأيضا مرحبا بمحاولة استكناه البنية التي يقول بها الأستاذ محمود فيما يتعلق بالغيب، وهي طبعا مما يقول به القرآن عموما كما في قوله تعالى في سورة آل عمران:
مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ "

وفي سورة البقرة:
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

وشكرا، مع فائق المودة والتقدير..

ياسر

Post: #408
Title: Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
Author: osama elkhawad
Date: 06-23-2007, 10:06 PM
Parent: #407

مرحبا مرة اخرى بالصديق دكتور ياسر الشريف
ادناه الرابط الذي لم يظهر في مداخلتي الاخيرة:

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

Post: #410
Title: Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-24-2007, 03:18 PM
Parent: #408

عزيزي أسامة،

تحية لك وللأخ عبد الله الشقليني والجميع..

أعود الآن إلى مداخلتك التالية للتعليق على النقاط الجديدة التي لم يسبق لي التعليق عليها..

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

قولك:

Quote: حين تحدثت عن كيف سيتعامل الجمهوريون مع خطاب الاستاذ ،
كنت اقصد المشروع النظري الذي اختطه ،
اي ان القرن العشرين هو نهاية التاريخ ،
وهو عهد البعث الاسلامي الثاني.


طبعا دعوة الأستاذ ليست مشروعًا نظريًا فحسب.. فالأستاذ محمود قد طبق ما يدعو إليه تطبيقا عمليا.. وهذا قد حدث في القرن العشرين.. إذن البعث الإسلامي قد حدث طرف منه على مستوى الأستاذ محمود.. نعم، حدث رفض لما قال به الأستاذ محمود، ولم يتم قبوله إلا لدى فئة قليلة من الناس هم الجمهوريون وأصدقاؤهم.. ولم يتحقق ما كان يأمل به الجمهوريون، وكتبوه في كتيباتهم، من انتصار الرسالة الثانية في القرن العشرين.. سأعود لهذه المسألة بعد قليل في هذه المداخلة.. أما بشأن "نهاية التاريخ" فقد قلت لك في هذه المداخلة:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .]

Quote: الحركة الجمهورية احتفت كثيرا بالقرن العشرين لأنه القرن الذي ظهرت فيه الفكرة الجمهورية منذ ميلادها وإلى أن توجت بموقف الأستاذ محمود، ولكنها لم تقل أن ذلك القرن هو نهاية التاريخ، بل تركت الأمر مفتوحا..


وأنت قد كررت هذا القول كثيرا فمثلا في هذه المداخلة:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
قلت:

Quote: من الواضح ايضا ان الدعوة الى نهاية التاريخ كما أسميها ،او عودة المسيح ،كانت دعوة الاستاذ منذ الخمسينيات،وتوجب بكتابين عن عن عودة المسيح.


وقد عقبت أنا عليك بالآتي:
Quote: أنت تعتبر الحديث عن عودة المسيح نهاية التاريخ وهذا طبعا واحد من المفاهيم السائدة، ولكن هذا ليس مفهوم الأستاذ محمود.. لو رجعت إلى نفس المقابلة ستكتشف ذلك.. بل الفقرة التي أوردتها نفسها توضح ذلك ولكن في إيجاز شديد..


أنت تقول لي في مداخلتك التي وضعت وصلتها بعاليه:
Quote: أما كلامك عن وجه شبه بين المسيح و الاستاذ،
فهذا كلام تنقصه الدقة للاسف.
فهنالك اشارات واضحة عن العلاقة بين المسيح المنتظر والاستاذ عبر الرسالةالثانية،


نعم هناك حديث عن أن الذي يطبق الرسالة الثانية هو المسيح المحمدي [ولكن لم يردْ قولٌ بأنه هو الأستاذ.. لن تجد أي نص يدعم هذا القول].. نعم، لقد جاءت إشارة عن أن المأذون أو رسول الرسالة الثانية هو الأستاذ محمود، ومن هنا جاء قولي عن وجه الشبه الذي تحدثت عنه بين الأستاذ والمسيح الإسرائيلي عيسى بن مريم في مسألة الفداء.. أرجو ملاحظة الفرق.. فإن الأستاذ قد جاء بمفهوم الرسالة الثانية ولكنه لم يزعم أنه هو الذي يطبقها.. ولا بد لي أن أقول لك بأنك محق في أن بعض النصوص الواردة في الكتب التي كتبها الأخوان الجمهوريون تعطي الإنطباع بالجزم أن الرسالة الثانية سوف يتم تطبيقها في القرن العشرين كما في هذا النص الذي أوردته أنت من كتيب "عودة المسيح":

Quote: ولذلك فالمسيح الأخير انما هو المسيح المحمدي في معنى أنه يجيئ بالرسالة الثانية من الاسلام التي عاشها محمد،وظلت مدخرة ،في القرآن،و في سيرته،لتعيشها بشرية القرن العشرين.


وقد سبقه نص آخر بنفس المعنى في نفس الكتيب، "عودة المسيح":
Quote: ولذلك فقد جاءت الرسالة الأولى مفصلة، في القرآن، وظلت الرسالة الثانية مجملة، فيه، لم يقع عليها التفصيل إلا في معنى ما عاشها النبي.. وسيجيء المسيح الأخير ليفصلها، ويطبقها، على مجتمع القرن العشرين الذي أعدته المسيحية واليهودية والإسلام، في رسالته الأولى، إلى هذا المستوى الرفيع..


وأنت تجد عندي العذر المديد عندما تتساءل قائلا:

Quote: لقد مر القرن العشرون ،ولم يجيئ المسيح المنتظر ،
فماذا نقول عن ذلك ؟؟؟


فقد طرح بعض الجمهوريين وبعض أصدقاء الجمهوريين نفس هذا التساؤل أيضا.. وأنا ليست لدي إجابة موضوعية وناجزة على هذا التساؤل.. طبعا لدي إجابة ولكنها ذاتية، بمعنى أن لدي يقين بها، ولكنها ليست موضوعية، بمعنى أنني لا أملك المقدرة على إقناع الآخرين بها.. وأقبل تماما قول من يقول بأن القرن العشرين قد مضى ولم يتحقق ما قال به الجمهوريون في كتبهم.. وأقول لهم بأنني لا أفترض أن يتم كل ما كان يأمل فيه الجمهوريون في زمن معين، ولا أنزعج إذا لم يحدث ذلك، طالما أنني أجد نفسي وأعرف من القرآن أن أمر الساعة كان وسيظل من الأمور الخفية: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ"، وأعرف أن انتصار الرسالة الثانية هو "ساعة التعمير".. ولا أعتقد أن ما كتبه الجمهوريون في كتبهم عن القرن العشرين هو زعم بمعرفة هذه الساعة معرفة يقينية[وهي ليست نهاية التاريخ، فالوجود لم تكن له بداية ولن تكون له نهاية، وإنما هي دورات تبدأ وتنتهي].. يا عزيزي أسامة، بنفس هذا المستوى فإن لدي يقين بمسألة البعث، والحياة بعد الموت، ولكن هل تحكم على فكرة الحياة بعد الموت بأنها باطلة، لمجرد أنك لم تر إنسانا يُبْعث بعد الموت، أو لمجرد أنني لم أستطع أن يكون لدي إجابة موضوعية [وليست ذاتية يقينية] تقنعك بالحياة بعد الموت؟؟ أرجو أن تفكر في هذا الأمر قليلا ولا تصرفه عن تفكيرك بمثل قولك السابق بأنك لا تناقش الغيبيات، فالغيب يحيط بي وبك من كل جانب ولا فكاك لنا منه.. وتذكَّر أن الفكرة الجمهورية لا تفرض الإذعان ولكنها تطالب أصحاب العقول بألا يرفضوا كل ما لا يقع تحت إدراكهم من أول وهلة وأن يعطوه فرصة!!

ولك مني وافر المحبة والتقدير، فأنا أعلم مقدار محبتك للأستاذ وإعجابك به، وهذا ما يحملني على الكتابة معك في هذا البوست..
وشكرا
ياسر

Post: #413
Title: Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
Author: osama elkhawad
Date: 06-27-2007, 04:33 AM
Parent: #410

شكرا عزيزي ياسر على كتابة النقاط الجديدة في تعليقك السابق.
قلت عزيزي:
Quote: طبعا دعوة الأستاذ ليست مشروعًا نظريًا فحسب.. فالأستاذ محمود قد طبق ما يدعو إليه تطبيقا عمليا.. وهذا قد حدث في القرن العشرين.. إذن البعث الإسلامي قد حدث طرف منه على مستوى الأستاذ محمود..

حين قلت مشروعا نظريا كنت ارمي بشكل موارب،
الى تفكر العلاقة بين المشروع النظري ،وبين ما اثبتته الممارسة.
فالاستاذ ينطلق من مشروع عالمي ،يهدف الى تغيير العالم كله.
ولذلك فاننا نلاحظ انه كثيرا ما يتحدث عن الانسانية ،
وخاصةفي العتبات النصية اي اهداءات كتبه.
وارجو ان اوفق في ان اقارب مسالة العتبات النصية في الخطاب الجمهوري"خطاب الاستاذ +كتابات ومنشورات الأخوان الجمهوريين".
الكلام عن نهاية التاريخ ابتداء من القرن العشرين واضح بشكل لا لبس فيه.
و يمكنني بناء على ذلك،
أن أقول بان مشروع الاستاذ ،
يحتوي على كثير من اليوتوبيا.
وأول عناصر اليوتوبيا تعويله على السودان كمركز لدائرة الوجود،
استنادا على تعويله على "الاخلاق"،
وهذا يبدو في كثير من كتابات الاخوان الجمهوريين الذين يعلون وكثيرا جدا من شأن السودانيين ،كمواطنين من نمط فريد.
محبتي
وارجو ان اعود قريبا بمداخلة طويلة .
المشاء

Post: #409
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-24-2007, 03:37 AM
Parent: #1


العزيز : الكاتب الدكتور ياسر الشريف

تحية لك وكثير من الاحترام لما تكتب ،

فقد قدمت بمشاركة مكنوزة بالثراء وأنت أهل لذلك
في كل حين .
تقبل جزيل شكرنا لعودتك مُشاركاًللحفارة التي
رأينا أنها تأمل أن تكن جديرة بالأستاذ

و نواصل

Post: #411
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-25-2007, 03:36 AM
Parent: #1



محمود محمد طه و رؤيته في الصلاة (1)


نشُد على يد الدكتور ياسر الشريف إذ ذكرنا بسِفر الصلاة وهو وثيق الصلة بالنهل التعبُدي ،
لم يغب عن بالنا ولكنه غاب من ترتيب أولياتنا للدراسة .
نلمح من المقطوف من خطاب الأستاذ/ محمود في رسالة الصلاة رؤية واضحة لكيف يتعامل الفكر الجمهوري مع طقس الصلاة لا كتقليد يتبعه المرء كأمر إلهي واجب الانصياع له ، بل كقناة للقاء المُفكرين والفلاسفة والعلماء لينظروا إليها نظرة جديدة .
من يبحث في علوم النفس البشرية يجد أن هنالك صلة قوية من جلوس التأمل في الصلاة وجلوس المفكرين والعلماء والفلاسفة لدراسة ما حولهم وإعمال الذهن في صفائه للربط بين إنجاز الماضي والمبذول في الحاضر ، وما يتعين أن نفعله .

كلنا يذكر كيف كان جان بول ساتر في الخمسينات يُجالس الشباب في دورهم وأماكن ترفيههم وفي نواد الجامعات وفي خلواتهم . كان يتأمل بذهن صافٍ تلك الكائنات التي تُضمر المستقبل في الأرحام . لولا جلوس الصفاء ، وهو الوجه الأعمق من أوجه الصلاة أياً كانت الصلاة ، فإنها وقفة مع النفس يقف المرء فيها أمام الظواهر ويعيد ترتيب الدُنيا .

هذا الجلوس وهذا الصفاء هو القاسم المشترك بين أهل العلم وأهل التديُّن المُبدع ، الذين يذهبون في طريق التأويل كما ذهب الأستاذ محمود في رسالة الصلاة ، يُبشر بالصلاة الأعمق من التقليد في الحركات ومُحاكاة القول . من هنا كان خطاب الأستاذ محمود غير ما اعتدنا . انتبذ مكاناً عميقاً في محبة العلم حيث تلتقي جموع المعارف البشرية في حوض ماؤه يفتح الذهن للخلق .

النص من سِفر كيف تصلون اقتبسناها من مداخلة الدكتور ياسر الشريف بتاريخ 23/06/07 :

( إن الصلاة ليست عمل السذج ، والبلهاء ، والغافلين ، والعاجزين ، كما يظن المثقفون على عصرنا الحاضر.. وإنما الصلاة عمل هؤلاء جميعاً ، وهي ، إلى ذلك ، وفوق ذلك ، وقبل ذلك ، عمل المثقفين ، والعلماء ، والفنانين ، والفلاسفة ، وعمل كل مفكر ، للفكر عنده مكانة ، وكرامة.. فنحن لا نحاول محاولتنا هذه لندعو إلى الصلاة المؤمنين وحدهم ، وإنما دعوتنا تتوجه إلى أصحاب الفكر الحر ، الكريم ، حيث وجدوا.. ذلك بأنا موقنون أن عصرنا الحاضر هو عصر الفكر ، والعلم.. وهو ، من هذا المستوى ، يواجه الدين ـ من حيث هو دين ـ بتحدٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية الطويل ، العريض.. ومضمون هذا التحدي هو : أيستطيع الدين ـ من حيث هو دين ـ أن يرتفع إلى مخاطبة العقول النيرة ، وإقناعها ، في مستوى جميع تطلعاتها ، وتساؤلاتها ؟؟ أم يظل ، كسابق عهده ، يطالب بالإيمان ، ويفرض الإذعان ، ثم هو لا يكاد يسعى إلى ما فوق ذلك ؟؟.. )


ونواصل

Post: #412
Title: الصلاة وسيلة، وليست غاية..
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-25-2007, 08:48 PM
Parent: #411

الأخ العزيز عبد الله الشقليني،

تحية المودة والتقدير لك وللأخ أسامة والجميع

قرأت مداخلتك التي أقتبسها أدناه وتوقفت عندها كثيرا.. إنها تذكرني بالكاتب الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران صاحب الأجنحة المتكسرة و "النبي" وغيرهما من الروائع البديعة، واسمح لي أن تصرفت ووضعت حرفا لا شك أنه قد سقط سهواً عند الطباعة..


Quote: إلى محمود محمد طه في سماوات العلا




لن ينتحب الدهر وبين أيدينا ورثنا عَرشَكَ المُتَكلم .
وصورتك المُنى
الحُلم ..عَجِّل بالرحيل
فممالك بَساتينكْ
تَبسُم لنا
هذه صورتكَ النبيلة يا نسمة رقة بها من العطر:
أول ما يأتي مع مفاتيح الصباح وضوء من باذنجان الليل فتح قلبه .
عابدٌ انتظر الصباح ليله وهو يحزم أمره . أخذته السَكينة.

أأنتَ يا ورقاً يُسمِّد الأرض لتُنبِتْ البواسق من الشجر المُثمر .
لن تمضي أيامي مُبعثرة وصدركَ حانٍ ،
وقطاف أزهار ربيع العُمر أقرب من أكسيد الحياة .
كم يقزم جلادوك هُم .

أحدهم يختبئ في بيت قريب منا . من عمله وإلى البيت .
غيَّر صورته كي لا تعرفه الدروب .
إن الوزر أثقل من أحجار الرحى حين تحملها الحنايا .
بيتك يا سيد الكِرام قنديل محبة بثثته لنا في ورق الهدايا :
استنارة تفرح الطفولة في الدواخل ، وتطرب بيت الفكر .

نم هنيئاً بين الثُريات في عليائك ، فنور محبتك أشرق من شمس الوجود ،
وأينعت ثمارك تلامس وجداننا .

في بقائك السرمدي بين أضلعنا ... يطيب المقام.

عبد الله الشقليني


وقد عدت وقرأت الآن تعليقك على الاقتباس من كتابة الأستاذ عن الصلاة في كتاب "تعلموا كيف تصلون" وقلت لنفسي أن أبحث عن المزيد في مسألة الصلاة من نفس الكتاب، وآتي به إلى هذا البوست.. فوجدت هذا النص تحت عنوان "الصلاة وسيلة"، وقيمة هذه الكتابة تكمن في كيف تعين الصلاة الإنسان على التخلص من الخوف، فإلى النص، الذي أرجو أن يفتح المزيد من النوافذ على قيمة الصلاة وقيمة الدين

Quote: الصلاة وسيلة

الصلاة وسيلة ، وليست غاية.. ويجمل بنا هنا أن نقرر حقيقة ، كثيراً ما قررناها ، ولكن تكرار تقريرها مرجو الفائدة ، دائماً.. تلك الحقيقة هي : أن ليست هناك غاية في ذاتها إلا الإنسان.. وكل شئ ، في الوجود ، إنما هو وسيلته ، بما في ذلك القرآن ، والإسلام ، والتشريع.. وما ينبغي أن نتردد في إعتبار الصلاة وسيلة.. بل أنه ليتحتم علينا ، لكي ننتفع بها ، أن نعرفها هكذا.. ولقد فصّلنا ذلك في كتابنا : ((رسالة الصلاة)).. في صفحة 74 ، من الطبعة الخامسة.. فليراجع في موضعه..
فالصلاة وسيلة ، إذن.. هي وسيلة إلى التخلق بالأخلاق الكاملة - أخلاق الله - ولقد قلنا أن أعلاها ((الأحدية)).. و ((الأحدية)) في حق العبد براءة ظاهره ، وباطنه ، من الأغيار.. وهذه صفة لا يتم تحقيقها.. وإنما يقع ، دائماً ، الترقي في مراقيها.. وهو ترق سرمدي.. وأقرب ، إلى العبد ، من أخلاق الله ، عن ((الأحدية)) ، ((الواحدية)).. وهي ، في حقه ، تحقيق فرديته التي ينماز بها عن سائر أفراد القطيع.. وهذا إنما يتم بتجويد الكلمة : ((لا إله إلا الله)).. وقد فصلنا القول في ((لا إله إلا الله)) في كتابنا الذي صدر باسم : ((لا إله إلا الله)).. وفي أماكن أخرى من كتبنا ، وبخاصة ((القرآن)).. فليراجع في موضعه.. والذي يهمنا هنا هو أن نقرر : أن التوحيد إنما هو صفة الموحِد (بكسر الحاء)) لا الموحَد ((بفتح الحاء)) ، وذلك لمكان إستغناء الموحَد عن توحيد الموحِدين ، ولمكان حاجة الموحِد لتوحيد بنيته المنقسمة على نفسها.. فبتوحيدنا لله إنما نبتغي توحيد بنيتنا.. وأدنى مراتب توحيدنا لله ، من وجهة النظر السلوكية ، العلمية ، تتمثل في وحدة ((الفاعل)).. وبإستيقاننا وحدة الفاعل هذه نتحرر من الخوف.. ونستعيض عنه الثقة ، والطمأنينة ، ورضا البال.. وإنما يكون إستيقاننا وحدة الفاعل هذه بفضل الله ، ثم بفضل الصلاة..
نحن نعلم ، بما علمنا الرسل ، أنه : ((لا إله إلا الله)).. وجميعهم قد جاءوا بها.. وعلمنا في هذا المستوى إنما هو علم بالتعلم ، هو علم كسبي ، وهو ، من ثم ، علم قليل الغِناء ، إلا إذا ما ترسخ في النفس ، وبترسخه في النفس يصبح يقيناً.. ولا يقع ترسخه إلا نتيجة للممارسة العملية.. فبالممارسة العملية يجئ العلم ((الوهبي)) ، في مقابل العلم ((الكسبي)).. وهذا العلم ((الوهبي)) هو ((العلم)) ، وبه تتأثر الأخلاق في إتجاه ما قال المعصوم : ((تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربي على سراطٍ مستقيم)) وهو هو المعنى بقوله تعالى : ((وأتقوا الله ، ويعلمكم الله)).. قوله ((وأتقوا الله)) يعني: أعملوا بالشريعة ، وهي العلم الكسبي ، ((ويعلمكم الله)) العلم ((الوهبي)) ، أو العلم ((اللدني)) لأنه من لدن ((الذات)) ، بلا واسطة.. قال تعالى عن الخضر ، في قصة ما جرى بينه وبين موسى : ((فوجدا عبداً من عبادنا ، آتيناه رحمةً من عندنا ، وعلمناه من لدنا علما)).. هذا العلم اللدني هو ((العلم)).. وهو لا يؤخذ إلا عن الله ((بلا واسطة)).. الأنبياء ، والرسل ، لا يعلمونه.. وإنما هم يعلمون الوسيلة إليه.. ولقد جاء في هذا المعنى حديثان ، عن النبي ، مأخوذان عن آية : ((وأتقوا الله ، ويعلمكم الله)).. أولهما : ((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم)).. وثانيهما : ((إنما أنا قاسم ، والله يعطي.. ومن يرد به الله خيراً يفقهه في الدين.. ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يجئ أمر الله)).. قوله ، في الحديث الأول : ((من عمل بما علم)) يعني من عمل بالشريعة ، في العبادة ، والمعاملة.. ((أورثه الله علم ما لم يعلم)) عنى بها علمه الله العلم اللدني ، وهو علم ((أسرار الألوهية)).. وحين يوجب العلم ((بالشريعة)) تجويد ((العبادة)) يوجب العلم ((بأسرار الألوهية)) تجويد ((العبودية)) ، وهي الأدب الواجب على العبد ، نحو الرب.. والحديث الثاني أوضح في الدلالة على أن النبي ، إنما يعلمنا الوسيلة ، التي بها نتوسل إلى منازل العلم ((اللدني)).. قال : ((إنما أنا قاسم)) ، يعني ، إنما أنا معلم ((للشريعة)).. قوله : ((والله يعطي)) يعني ، والله يعطي ((الحقيقة)).. والحقيقة هي أسرار الألوهية.. قوله : ((ومن يرد به الله خيراً يفقهه في الدين)) هو لا يعني ((بالفقه)) هذا الذي يفني الناس أعمارهم في دراسته ، وتحصيله ، الآن.. وإنما يعني : معرفة أسرار الحكمة ((الباطنة)) ، في فعل الله ((الظاهر)).. وهذه هي ما عنيناها بعبارة : ((أسرار الألوهية)) التي سلفت الإشارة إليها.. وفي عجز الحديث سر عظيم ، وذلك حيث يقول : ((ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يجئ أمر الله))..
قال تعالى عن التوحيد ، وعن الصلاة : ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً.. إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه ، والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ، ومكر أولئك هو يبور * والله خلقكم من تراب ، ثم من نطفة ، ثم جعلكم أزواجاً.. وما تحمل من أنثى ، ولا تضع ، إلا بعلمه.. وما يعمر من معمر ، ولا ينقص من عمره ، إلا في كتاب.. إن ذلك على الله يسير)).. قوله : ((إليه يصعد الكلم الطيب)) يعني بالكلم الطيب : ((لا إله إلا الله)).. وصعود الكلم الطيب إنما هو إرتفاعها في المكانة ، تحقيقاً في قلوب الموحدين..
فإن: ((لا إله إلا الله)) أولها عندنا ، في الأرض ، وآخرها عند الله ، في إطلاقه.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : ((شهد الله أنه لا إله إلا هو ، والملائكة ، وأولو العلم ، قائماً بالقسط ، لا إله إلا هو ، العزيز الحكيم)).. هذه هي شهادة التوحيد ، في مراتب التنزل.. فقد شهد الله بذاته ، لذاته ، في إطلاقه ، ((بالوحدانية)) ، وهي ((الأحدية)) المطلقة.. ((شهد الله أنه لا إله إلا هو)).. ثم تنزلت الشهادة ، من هذا الإطلاق ، إلى مرتبة الملائكة ، فشهدوا ((بالوحدانية)) لله ، وهي درجة دون سابقتها ، بما لا يقاس.. وقد شهدت الملائكة في السموات ، وفي الأرض.. ثم تنزلت الشهادة إلى أولي العلم ، في الأرض ، فجاء قولنا : ((لا إله إلا الله)).. وهي شهادة جاء بها جميع الرسل ، يتفقون في ((اللفظ)) ، ويختلفون في ((التحقيق)).. وهي شهادة دون شهادة الملائكة ، ولكنها متطورة في ((التحقيق)) ، صاعدة نحو الله ، تبتغي أن تشهد ((بوحدانية)) الله ، كما شهد الله لذاته ، بذاته ، في إطلاقه.. وهيهات !! ومهما يكن من شئ ، فإن هذا هو تكليف العباد.. وشهادة الملائكة بوحدانية الله ليست قيمتها للملائكة ، إلا في معنى إعانتهم على أداء واجبهم في إعانة الناس على تحقيق هذا التوحيد.. تنزلت الشهادة : ((لا إله إلا الله)) لنرقى عليها ، ونصعد بها ، إلى الذاكر ، المذكور ، والشاهد ، المشهود.. فنحن في صعودنا في سلم هذا التوحيد لا نخدم غير ذواتنا وذلك بإحراز وحدة بنيتنا.. قوله : ((والعمل الصالح يرفعه)) عنى بالعمل الصالح عمل الخير ، والبر ، بالأحياء والأشياء.. وأعلى ((العمل الصالح)) الذي يرفع ((الكلم الطيب)) ، إنما هو الصلاة.. ولقد قلنا : إن رفع ((الكلم الطيب)) إنما يعني إستيقانه في صدور الذين أوتوا العلم.. ولا يقع الإستيقان إلا بممارسة العمل.. فإذا إستيقنا العلم بالله ، تحررنا من الخوف ، الذي دفعه ، إلى صدورنا ، الحرص على الحياة ، وعلى الرزق ، وجهلنا بحقيقة الأمر ، على ما هو عليه.. وقد قلنا أن أدنى منازل العلم بحقيقة : ((لا إله إلا الله)) ، لدى السالكين ، المجودين ، إنما هو شهود وحدة ((الفاعل)).. فإن نحن شهدنا ، في هذه المرتبة ، قوله : ((قل : لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. هو مولانا.. وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) ، شهوداً ذوقياً ، وآمنا بقوله تعالى : ((كتب عليكم القتال ، وهو كره لكم ، وعسى أن تكرهوا شيئاً ، وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئاً ، وهو شر لكم ، والله يعلم ، وأنتم لا تعلمون)) إيماناً قوياً ، يوشك أن يذهب عنا الحزن ، وأن تطمئن قلوبنا ، وأن نتحرر من الخوف.. ومن أجل هذا التطمين ، الذي هو سبيل التحرير من الخوف ، جاء ، في صدر الآية ، التي تذكر : ((الكلم الطيب)) و ((العمل الصالح)) ، جاء بقوله : ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً)).. وهو ، لتوكيد وحدة الفاعل هذه ، قد ساق ، قبل هذه الآية ، آيتين تقرران أنه الفاعل ((للخير)) و ((للشر)) ، قال تعالى فيهما : ((أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً ؟؟ فإن الله يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.. إن الله عليم بما يصنعون * والله الذي أرسل الرياح ، فتثير سحاباً ، فسقناه إلى بلدٍ ميتٍ ، فأحيينا به الأرض بعد موتها ، كذلك النشور)).. هكذا قال ، قبل أن يجئ بالآية التي تذكر : ((الكلم الطيب)) ، ((والعمل الصالح)).. وهاتان الآيتان شديدتا الدلالة ، والوضوح ، أيضاً ، في تقرير وحدة الفاعل.. ثم هو يلحق ، لزيادة هذا التقرير ، بالآية التي تذكر : ((الكلم الطيب)) ، و ((العمل الصالح)) آية ، هي أيضاً شديدة الدلالة ، وشديدة الوضوح ، في أمر وحدة الفاعل ، وهي قوله ، وقد أوردناها من قبل : ((والله خلقكم من تراب ، ثم من نطفة ، ثم جعلكم أزواجاً.. وما تحمل من أنثى ، ولا تضع ، إلا بعلمه.. وما يعمر ، من معمر ، ولا ينقص من عمره ، إلا في كتاب.. إن ذلك على الله يسير))..


وشكرا

ياسر

Post: #416
Title: Re: الصلاة وسيلة، وليست غاية..
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-27-2007, 09:44 PM
Parent: #412

عزيزنا الدكتور ياسر

شكراً لك هذا السرد المُبين
وليتنا نكون كما أحببت لنا أن نكون
نكتب بما نحمل من محبة ..
إن موسوعة الصلاة تستحق الكثير منا

Post: #414
Title: دعوة الأستاذ محمود عملية وليست يوتوبيا!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-27-2007, 10:14 AM
Parent: #1

سلامات يا عزيزي أسامة،
هذه المداخلة تعليق على مداخلتك هنا والتي جاءت بعاليه:
Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
في المداخلة السابقة لها قلت أنت:

Quote: حين تحدثت عن كيف سيتعامل الجمهوريون مع خطاب الاستاذ ،
كنت اقصد المشروع النظري الذي اختطه ،
اي ان القرن العشرين هو نهاية التاريخ ،
وهو عهد البعث الاسلامي الثاني.


وكان تعليقي:
Quote: طبعا دعوة الأستاذ ليست مشروعًا نظريًا فحسب.. فالأستاذ محمود قد طبق ما يدعو إليه تطبيقا عمليا.. وهذا قد حدث في القرن العشرين.. إذن البعث الإسلامي قد حدث طرف منه على مستوى الأستاذ محمود.. نعم، حدث رفض لما قال به الأستاذ محمود، ولم يتم قبوله إلا لدى فئة قليلة من الناس هم الجمهوريون وأصدقاؤهم.. ولم يتحقق ما كان يأمل به الجمهوريون، وكتبوه في كتيباتهم، من انتصار الرسالة الثانية في القرن العشرين..


قمت أنت باقتباس هذا الجزء من تعليقي:
طبعا دعوة الأستاذ ليست مشروعًا نظريًا فحسب.. فالأستاذ محمود قد طبق ما يدعو إليه تطبيقا عمليا.. وهذا قد حدث في القرن العشرين.. إذن البعث الإسلامي قد حدث طرف منه على مستوى الأستاذ محمود..

وتركت الجزء الآخر، وكتبت معلقاً:
Quote: حين قلت مشروعا نظريا كنت ارمي بشكل موارب،
الى تفكر العلاقة بين المشروع النظري ،وبين ما اثبتته الممارسة.
فالاستاذ ينطلق من مشروع عالمي ،يهدف الى تغيير العالم كله.


مشكلتك يا أسامة أنك لا تدرس فقط ولكنك تستنكر!! وقد نبهتك من قبل لهذه النقطة عندما نعيت أنت على الأخ الشقليني أن يسير في طريق الجمهوريين، أتذكر؟؟ فما الذي يمنع الأستاذ محمود من تقديم دعوة إٍسلامية سلمية تهدف إلى تغيير العالم؟؟ وأين تكمن المشكلة لو أن هذا المشروع لم تظهر ثماره حتى الآن.. البطء هو دائما حال الدعوات السلمية.. وهي يمكن أن تقارن كما قلت كثيرا بدعوة المسيح عيسى مثلا، فهي لم تظهر إلا بعد مضي ثلاثة قرون.. أنا أتوقع لأفكار الأستاذ محمود الظهور في وقت أقل من هذا والشواهد تشير إلى ذلك.. ولكنك تعود مرة أخرى لمسألة "نهاية التاريخ" وتصف الدعوة بأنها يوتوبيا فأنت تقول:

Quote: وارجو ان اوفق في ان اقارب مسالة العتبات النصية في الخطاب الجمهوري"خطاب الاستاذ +كتابات ومنشورات الأخوان الجمهوريين".
الكلام عن نهاية التاريخ ابتداء من القرن العشرين واضح بشكل لا لبس فيه.
و يمكنني بناء على ذلك،
أن أقول بان مشروع الاستاذ ،
يحتوي على كثير من اليوتوبيا.


ليس هناك صعوبة في إيجاد نصوص من كتب الأستاذ وكتب الجمهوريين يتوجه فيها الخطاب إلى الإهتمام بأمر الإنسانية فهي كثيرة، وسأترك الآن مسألة "نهاية التاريخ" فقد كتبت فيها ما يكفي.. وعن مسألة القرن العشرين أوضحت رأيي ولا أحتاج أن أكرر.. ربما تظهر دعوة الأستاذ لك بأنها يوتوبيا، وليس في وسعي سوى أن أرجو لك أن تفهمها على أنها دعوة عملية وبسيطة تبدأ بالفرد، وهي مسألة مجربة يكفيني فيها تجربة الأستاذ محمود لإقناعي بأن الفكرة الدينية التي قدمها تستحق الإلتزام بغض النظر عن انتصارها على مستوى المجتمع والعالم أم لا!! وسوف أسألك سؤالا مباشرا: هل تعتقد بأن الحديث عن الحياة بعد الموت أيضا يوتوبيا.. أنظر إلى القرآن المكي قبل الهجرة وستجد أن أغلبه يتحدث عن أمور "البعث" وهي أمور قد يصفها المنكرون لها بأنها "أحلام" أو "يوتوبيا" فانظر إلى كل هذه السور في هذه الصفحة:
http://quran.muslim-web.com/search.htm?SearchText=%E3%C8%DA%E6%CB
وابحث فستجد أنها كلها سور مكية..

قولك:


Quote: وأول عناصر اليوتوبيا تعويله على السودان كمركز لدائرة الوجود،
استنادا على تعويله على "الاخلاق"،
وهذا يبدو في كثير من كتابات الاخوان الجمهوريين الذين يعلون وكثيرا جدا من شأن السودانيين ،كمواطنين من نمط فريد.


قد تجد كثيرا من النصوص التي يتحدث فيها الأستاذ عن فضل السودانيين، ولكن أرجو ألا يغيب عنك أنه يشترط لذلك تقديم الفكرة والمنهاج الديني.. وهو عندما قال عن الشعب السوداني أن الله قد حفظ على أهله من أصائل الطباع ما سيجعلهم نقطة إلتقاء الأرض بأسباب السماء إنما كان يعني بأن ذلك يُرجى له أن يحدث من خلال الفكرة ومنهاجها الديني.. وأنت تعرف أن المسيح عيسى ابن مريم نفسه لم يكن له شأن يذكر في وقته، وكتب التاريخ تذكر أسماء الرومان وملوك ذلك الزمان ولكنها لم تذكر إسمه، بل قد لا تذكر حتى أسماء كهنة اليهود الذين طالبوا الرومان بقتله.. وحتى مشركي قريش واليهود قد سخروا من دعوة النبي محمد وقد حكى عنهم القرآن " بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) ".. ولم تكن كتب التاريخ لتذكر النبي محمد، عليه السلام، لو لم يهاجر من مكة إلى المدينة، ويحمل السيف وينازل المشركين وينتصر عليهم.. فدعوة الأستاذ محمود تشتمل على فهم علمي للقرآن وتحاول أن تجعل الغيب شهادة.. والسايقة واصلة..

لك شكري والسلام عليك وعلى عبد الله والجميع..

ياسر

Post: #415
Title: Re: دعوة الأستاذ محمود عملية وليست يوتوبيا!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-27-2007, 10:18 AM
Parent: #414

قد لا تظهر أن لهذا البوست علاقة بالأستاذ محمود والفكرة الجمهورية ولكن أرى أن هناك علاقة:

ملاحظة سلفاكير وقناعته بأن غالبية الجنوبيين يؤيدون الإن...صال ملاحظة صحيحة...
... ولذلك وضعت وصلته هنا..

ياسر

Post: #417
Title: Re: دعوة الأستاذ محمود عملية وليست يوتوبيا!!!
Author: osama elkhawad
Date: 06-28-2007, 05:17 AM
Parent: #415

عزيزي ياسر
شكرا لردك
قلت في حديث لك عما ذكرته في مداخلتي الاخيرة عن عناصر اليوتوبيا في خطاب الاستاذ:

Quote: ربما تظهر دعوة الأستاذ لك بأنها يوتوبيا، وليس في وسعي سوى أن أرجو لك أن تفهمها على أنها دعوة عملية وبسيطة تبدأ بالفرد، وهي مسألة مجربة يكفيني فيها تجربة الأستاذ محمود لإقناعي بأن الفكرة الدينية التي قدمها تستحق الإلتزام بغض النظر عن انتصارها على مستوى المجتمع والعالم أم لا!! وسوف أسألك سؤالا مباشرا: هل تعتقد بأن الحديث عن الحياة بعد الموت أيضا يوتوبيا..

سأعود للحديث عن ا ليوتوبيا من خلال مداخلتي التي اشطّبها ،في ما يتعلق بالانسان والفرد الكاملين،والمدى اليوتوبي الذي تفتحه عبارة "الفرد الكامل" وهي عبارة غاية في الجمال ،لكنها تظل حتى الآن يوتوبيا.

اما كلامك عن الحديث عما بعد الموت،فهو لا ينتمي لليوتوبيا بأية حال،وانما ينتمي الى الخطاب الميتافيزيقي.وحتى في دراسة الخطاب ،فان الخطاب الذي لا يمكن التحقق منه هو الخطاب الذي يدور حول الموت،ذلك لانه لم يأت اي احد ليخبرنا ماذا يدور هناك.
هنالك رؤى عن الموت في ثقافات كثيرة ،و لا يمكن سوى الايمان بها لمن اراد ان ينتمي الى واحدة من تلك الرؤى.وحتى من آمن بها ،لا يمكن له ان يثبتها ،ومن ينكرها لا يمكن له ان يثبت بطلانها.

اعتقد ان رؤية الاستاذ تستحق الاحترام العميق،لانها رؤية انسانية للتخلص من عذابات الحضارة الغربية ،كما يرى الاستاذ من خلال تلقيحها بالجانب الروحي .لكنها اي تلك الرؤية الانسانية ،قد فشلت لانها ربطت مصيرها بالجانب الاخلاقي ،وهو تطبيق الرسالة الثانية انطلاقا من بلد يعد من اكثر البلدان تخلفا في العالم.و حتى في المستوى النظري ،فان تلك الرؤية الانسانية ،لا تتحقق بواسطة انسان فرد،كما تقول ،بل ان الاستاذ يركز على ان المجتمع الصغير الذي سيحققها هو المجتمع الجمهوري ،وبعد ذلك السودان،ثم تنطلق في العالم كله حين تتم عولمتها كايديولوجية وحيدة للخلاص البشري من ويلات الحضارة الغربية العرجاء ،بحسب توصيف الاستاذ،او بشكل ادق ما فهمناه من خطاب الاستاذ ،حين تتحدث عن قيام التطور الانساني على رجلين:رجل المادة ورجل الروح.

اما فهمك لمشروع الاستاذ بانه بسيط ،ففي هذا اخلال بقيمة الاستاذ نفسه وخطابه ،باعتباره خطابا معولما ،وليس بسيطا كما ترى .
وحتى عملية انتاج الفرد الكامل،فانها مرتبطة ببنية اكبر منها اي المجتمع .فارجو الا تقلل من قيمة خطاب الاستاذ وطموحه العولمي .
فالاستاذ كان يكتب كمواطن عالمي .

ثم قلت:
Quote: قد تجد كثيرا من النصوص التي يتحدث فيها الأستاذ عن فضل السودانيين، ولكن أرجو ألا يغيب عنك أنه يشترط لذلك تقديم الفكرة والمنهاج الديني.. وهو عندما قال عن الشعب السوداني أن الله قد حفظ على أهله من أصائل الطباع ما سيجعلهم نقطة إلتقاء الأرض بأسباب السماء إنما كان يعني بأن ذلك يُرجى له أن يحدث من خلال الفكرة ومنهاجها الديني..


سبق لي الاشارة المعممة الى هذه المسالة ،عبر حديثي عن تعويل الاستاذ على الجانب الروحي،اي العامل الاخلاقي .فالجانب الروحي لا يقتصر على الاخلاق كما حاول الاستاذ ان يصور ذلك في حديثه عن الفرق بين الحضارة والمدنية.
فتمجيد الاستاذ للسودانيين ينطلق من مخططه النظري أي انتصار الرسالة الثانية انطلاقا من السودان ،و بواسطة المجتمع الجمهوري .

لقد انهار المجتمع الصغير اي الجمهوري ،حينما تم اعدام الاستاذ.و يبدو ان لذلك ،كما وافقتني ،علاقة بترويج كتابات الجمهوريين للقرن العشرين كبداية لنهاية التاريخ أو انه قد يبدو في تفكير البعض نهاية التاريخ.

و حتى انت يا عزيزي ياسر ،لا تعول على ذلك المجتمع الصغير كدليل على قوة الفكرة ،وانما عن بسالات صاحبها ،وفي هذا تراجع كبير من المخطط النظري للاستاذ،الذي يركز على "الرجل" لكنه يربطه بظهور امة المسلمين من خلال المجتمع السوداني .

وهذا التراجع النظري يقتضي تصحيحا نظريا في المشروع الذي حاول ان ينتصر له الاستاذ.من يصحح ذلك؟
لهذا علاقة قوية بالتراتبية الدينية ،والتي اصبحت تركز على الفرد المخلص،متجاهلة الدور الاجتماعي لفئة اجتماعية او مجتمع ما .

و كما ذكرنا من قبل فان خطاب الاستاذ يندرج ضمن الخطابات صاحبة الرسالات العالمية لتغيير العالم انطلاقا من السودان.وقد ذكرنا ثلاثة خطابات اساسية في هذا المنحي وهي:
خطاب المهدي والخطاب الجمهوري وخطاب الانقاذ من خلال حديثها عن المشروع الحضاري.

يمكن الربط بين السودنة التي تمت في الخمسينيات وبين سودنة العالم كما تبدى في الخطاب الجمهوري. ومن الواضح من حوار ابن البان مع الاستاذ انه كانت توجد مجموعة معينة ،تتحدث عن ظهور المسيح في السودان .ومن الواضح انه كانت هنالك مزاعم كثيرة عن النبوة والرسالة .

فالعم خاطر كان يعتقد انه نبي وان الاستاذ محمود هو ايضا نبي.كانت هنالك مجموعة من الانبياء والرسل السودانيين،وهذا يحتاج الى تقص أكثر لمعرفة من اين انطلقت فكرة ان المسيح سيظهر في السودان .

شكرا لك
مع تقديري الكامل
المشاء

Post: #418
Title: Re: دعوة الأستاذ محمود عملية وليست يوتوبيا!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-28-2007, 11:19 AM
Parent: #417

أخي العزيز أسامة الخواض،
سلامات
دعوة الأستاذ محمود لها بُعدان، بُعد على مستوى الفرد وهذا هو الأهم ويبدأ بداية بسيطة وعملية يمكن لأي إنسان أن يبدأ بها ثم يترقى في سلم الكمال الذي ليست له نهاية.. ولها بُعد في مستوى المجتمع والعالم، فهي دعوة تطمح إلى تحقيق جنة الأرض ولذا يعتبرها الكثيرون "مثالية" أو "يوتوبيا" مستحيلة التحقيق.. هذا البعد الثاني أتفق معك في أنه لا يزال نظريا ولم يتحقق.. هذا البعد الثاني أيضا يبدأ بداية بسيطة تقوم على الجمع بين الديمقراطية والإشتراكية في جهاز واحد ينتج عنه في النهاية المساواة الإجتماعية والسلام العالمي الحقيقي، ولكنه يقول بأن هذا لن يتحقق إلا بإقامة صلة سلام ومعرفة وتسليم واعٍ بين الإنسان وبين الغيب، أو بكلمات أخرى بين الإنسان وبين الله.. هذا التسليم الواعي لا بد أن يبدأ بنموذج فرد واحد وهذا الفرد في تقديري هو الأستاذ محمود محمد طه.. هذا ما عنيته عندما قلت أن دعوة الأستاذ محمود بسيطة وعملية وليست مثالية، وبرغم هذه البداية البسيطة هي تطمح إلى تغيير كبير على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع والعالم..

ونعم، هناك نصوص في كتب الأستاذ محمود والجمهوريين، وبخاصة كتاب "أسس دستور السودان" تتحدث عن إقامة الفرد النموذج والدولة النموذج وأن هذه الدولة هي السودان، كما في هذه الروابط:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=4&chapter_id=18
وفي المقدمة الثالثة لكتاب "قل هذه سبيلي" 1976:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=3&chapter_id=2

ولكن المسائل سارت في طريق آخر مختلف حتى الآن عما جاء في هذه النصوص، وحدث بدلا عن ذلك إغتيال الأستاذ محمود.. وقد قلت في مداخلة سابقة هنا:
Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
تعليقا على قولك:


Quote: لقد مر القرن العشرون ،ولم يجيئ المسيح المنتظر ،
فماذا نقول عن ذلك ؟؟؟


Quote: فقد طرح بعض الجمهوريين وبعض أصدقاء الجمهوريين نفس هذا التساؤل أيضا.. وأنا ليست لدي إجابة موضوعية وناجزة على هذا التساؤل.. طبعا لدي إجابة ولكنها ذاتية، بمعنى أن لدي يقين بها، ولكنها ليست موضوعية، بمعنى أنني لا أملك المقدرة على إقناع الآخرين بها.. وأقبل تماما قول من يقول بأن القرن العشرين قد مضى ولم يتحقق ما قال به الجمهوريون في كتبهم.. وأقول لهم بأنني لا أفترض أن يتم كل ما كان يأمل فيه الجمهوريون في زمن معين، ولا أنزعج إذا لم يحدث ذلك، طالما أنني أجد نفسي وأعرف من القرآن أن أمر الساعة كان وسيظل من الأمور الخفية: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ"، وأعرف أن انتصار الرسالة الثانية هو "ساعة التعمير".. ولا أعتقد أن ما كتبه الجمهوريون في كتبهم عن القرن العشرين هو زعم بمعرفة هذه الساعة معرفة يقينية[وهي ليست نهاية التاريخ، فالوجود لم تكن له بداية ولن تكون له نهاية، وإنما هي دورات تبدأ وتنتهي]..


قولك:

Quote: اعتقد ان رؤية الاستاذ تستحق الاحترام العميق،لانها رؤية انسانية للتخلص من عذابات الحضارة الغربية ،كما يرى الاستاذ من خلال تلقيحها بالجانب الروحي .لكنها اي تلك الرؤية الانسانية ،قد فشلت لانها ربطت مصيرها بالجانب الاخلاقي ،وهو تطبيق الرسالة الثانية انطلاقا من بلد يعد من اكثر البلدان تخلفا في العالم.


أولا: لا يزال الوقت مبكرا للحكم على فشل دعوة الأستاذ محمود وفكرته.. ثانيا: أعتقد أن الدعوة ستنجح لأنها تعلِّم الإنسان أن فيه روح الله، وأن هذه المعرفة هي التي ستمكِّن الإنسان من إعادة الفردوس المفقود.. ثالثا: بالنسبة لي فقد تحقق جزء من الحلم السوداني، بالرغم من ظروف السودان والسودانيين ومكانهم في العالم؛ والحلم السوداني عندي يتمثل في تحقيق الأستاذ محمود لنموذج الفرد الحر، وهو عندي الفرد الكامل.. هذا التفرد هو الذي يرشِّح الأستاذ محمود لكي يكون معلِّما للمجتمع الإنساني ككل، بأكثر مما كان معلِّما للمجتمع الجمهوري في السودان.. والمجتمع الجمهوري لم ينهار كما تقول في آخر هذه المداخلة ولكنه "كمجتمع" يمر بمراحل صعبة يبدو أنها ضرورية، والعزاء أن بعض أفراد المجتمع الجمهوري يولون مسألة التعريف بالأستاذ وبفكرته جانبا كبيرا من نشاطهم ومن حياتهم.. وقد سعدت بما أوردته من مساهمات الدكتور عبد الله النعيم في مداخلة بعاليه، فهو واحد من هؤلاء الذين أعنيهم..

واسمح لي أن أعلق على قولك:


Quote: و حتى انت يا عزيزي ياسر ،لا تعول على ذلك المجتمع الصغير كدليل على قوة الفكرة ،وانما عن بسالات صاحبها ،وفي هذا تراجع كبير من المخطط النظري للاستاذ،الذي يركز على "الرجل" لكنه يربطه بظهور امة المسلمين من خلال المجتمع السوداني .

وهذا التراجع النظري يقتضي تصحيحا نظريا في المشروع الذي حاول ان ينتصر له الاستاذ.من يصحح ذلك؟


أولا: موقف الأستاذ محمود ليس مسألة بسالة فحسب، وإنما هو يرتبط إرتباطا وثيقاً بما تحاول أنت أن تصرفه تارة بوصفه بالغيبيات وتارة بوصفه بالميتافيزيقيا.. باختصار، الأستاذ محمود لم يكن خائفا من الموت لأن لديه معرفة ويقين بحقيقة الموت، وأنه لا يعني الفناء أو "الإنعدام" وأن تحقيق الحياة الكاملة يتم عن طريق التصالح معه والتسليم لله من خلاله.. وكان الأستاذ قد ذكر في أحد أحاديثه قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لإبنته السيدة فاطمة عندما قالت له وهو في نزعات الموت الأليمة: "واكرباه لكربك يا أبتي"، قال لها: "لا كرب على أبيك بعد اليوم"..
ثانيا: ظهور أمة المسلمين التي تحدث عنها الأستاذ محمود مرتبط بظهور هذا المبعوث في يوم القيامة الصغرى "يوم يقوم الروح"، وقد أوردت لك الآية: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله * ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون"، وليس العكس.. وليس صحيحا أن الأستاذ محمود يربط ظهور "الرجل" بظهور أمة المسلمين من خلال المجتمع السوداني.. فمن أين أتيت أنت بهذا التقرير؟؟
ثالثا: الأستاذ محمود بالفعل انتصر لمشروعه بمعنى أنه التزم به ولم يتنازل عنه حتى في وجه الموت.. وكما قلت، لم تكن بسالة فحسب وإنما معرفة تعين الإنسان على التعرف على الكون:
وخلف حجاب الكون ما أنت طالب * ومن لفظة المقهور يلزم قاهر

قولك:


Quote: و كما ذكرنا من قبل فان خطاب الاستاذ يندرج ضمن الخطابات صاحبة الرسالات العالمية لتغيير العالم انطلاقا من السودان.وقد ذكرنا ثلاثة خطابات اساسية في هذا المنحي وهي:
خطاب المهدي والخطاب الجمهوري وخطاب الانقاذ من خلال حديثها عن المشروع الحضاري.


مقارنة خطاب الأستاذ بخطاب الإنقاذ وخطاب المهدية مقارنة غير موفقة وينقصها الدليل؛ فدعوة الأستاذ سلمية، وتدعو إلى تطوير التشريع، بينما دعوة المهدية والإنقاذ حربيتان وتتحدثان عن تطبيق الشريعة كما جاءت في القرن السابع.. [أظن أنني قرأت لك هذا القول ولا أذكر إن كنت قد علقت أم لا]

قولك:

Quote: يمكن الربط بين السودنة التي تمت في الخمسينيات وبين سودنة العالم كما تبدى في الخطاب الجمهوري.


أولا: السودنة التي تمت في السودان في الخمسينيات تعني وضع موظفين سودانيين مكان الموظفين البريطانيين الذين كانوا يشغلون تلك الوظائف بحكم الهيمنة الإستعمارية..
ثانيا: الخطاب الجمهوري لم يتحدث عن سودنة العالم بمعنى استبدال الموظفين في العالم بسودانيين.. فكيف تريد أن تربط بين الإثنين؟؟

قولك:
Quote: ومن الواضح من حوار ابن البان مع الاستاذ انه كانت توجد مجموعة معينة ،تتحدث عن ظهور المسيح في السودان .ومن الواضح انه كانت هنالك مزاعم كثيرة عن النبوة والرسالة .

فالعم خاطر كان يعتقد انه نبي وان الاستاذ محمود هو ايضا نبي.كانت هنالك مجموعة من الانبياء والرسل السودانيين،


أرجو من القارئ الرجوع إلى مداخلات لي سابقة في البوست علقت فيها على هذا الموضوع، تجنبا للتكرار..
قولك:


Quote: وهذا يحتاج الى تقص أكثر لمعرفة من اين انطلقت فكرة ان المسيح سيظهر في السودان .


لفظة السودان جاءت في بعض الأحاديث النبوية ولكنها لا تعني "القطر" السوداني الحاضر.. فهناك مثلا حديث موجود في تفسير إبن كثير للآيتين: "ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين":
http://quran.muslim-web.com/tafseer/KATHEER/056014.html
[....] عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ " إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة " ذَكَرَ فِيهَا " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ" قَالَ عُمَر يَا رَسُول اللَّه ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيل مِنَّا ؟ قَالَ فَأَمْسَكَ آخِر السُّورَة سَنَة ثُمَّ نَزَلَ " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عُمَر تَعَالَ فَاسْمَعْ مَا قَدْ أَنْزَلَ اللَّه " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ" أَلَا وَإِنَّ مِنْ آدَم إِلَيَّ ثُلَّة وَأُمَّتِي ثُلَّة وَلَنْ نَسْتَكْمِل ثُلَّتنَا حَتَّى نَسْتَعِين بِالسُّودَانِ مِنْ رُعَاة الْإِبِل مِمَّنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ..

يبدو أن الطرق الصوفية جاءت إلى بلاد السودان انطلاقا من هذا المفهوم، وكان آخرها الطريقة الختمية التي جاءت إلى السودان في عام 1818.. وكما لا يخفى عليك فإن الطريقة الختمية أيضا تحدثت عن ختم الأولياء وهو في الأدب الصوفي يعني مقام المسيح..

ولك شكري..

ياسر

Post: #419
Title: Re: دعوة الأستاذ محمود عملية وليست يوتوبيا!!!
Author: osama elkhawad
Date: 06-29-2007, 04:46 AM
Parent: #418

عزيزي ياسر
شكرا على هذا الحوار العذب ،
على الاقل من جانبي
كلامي عن المجتمع الصغير ،ينتمي الى مخطط الاستاذ النظري،اي المجتمع الجمهوري والمجتمع السوداني،
فكونك تركز على نموذج الاستاذ فقط،
فهذا يعني ان احياء هذا المخطط النظري يحتاج الى زمن اطول.
كلامي عن فشل المشروع النظري للاستاذ،قمت باثباته ،
لكن نجاحه ،ولو تحدثنا بشكل نظري ،يقتضي الاضافة الى المشروع ،
وتعديله،
ومن سيقوم بذلك ؟
هذا سؤال التاريخ.
كلامك عن السودنة الآتي في حاجة الى اعادة نظر ،
على الاقل من جانبي.
Quote: قلت:أولا: السودنة التي تمت في السودان في الخمسينيات تعني وضع موظفين سودانيين مكان الموظفين البريطانيين الذين كانوا يشغلون تلك الوظائف بحكم الهيمنة الإستعمارية..
ثانيا: الخطاب الجمهوري لم يتحدث عن سودنة العالم بمعنى استبدال الموظفين في العالم بسودانيين.. فكيف تريد أن تربط بين الإثنين؟؟


كلامي عن السودنة هنا ،بالتاكيد لا يعني توظيف السودانيين في مستوى عولمي،
و انما يعني ان بنية خطاب الاستاذ تتوافق مع الشرط التاريخي الذي اندرج فيه خطاب الاستاذ،اي الخمسينيات ،المرتبطة بروح من التفاؤل واستعادة السودانيين لذواتهم .
الحديث هنا عن السودنة هو من قبيل الاستعارة.
فنحن نعني ان الاستاذ حاول في مشروعه النظري ان يسودن العالم ،
انطلاقا من السودان كمركز لدائرة الوجود.
وهذه ليست سودنة وظائف ،وانما سودنة للعالم كله ،
من خلال انتصار الرسالة الثانية كايديولوجية وحيدة في دنيا العولمة ،
التي اشار اليها الاستاذ كثيرا،
وان كان ان تلك الاشارة ،كانت تحكي بدايات العولمة.
محبتي
المشاء

Post: #420
Title: Re: دعوة الأستاذ محمود عملية وليست يوتوبيا!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-29-2007, 08:12 AM
Parent: #419

أخي العزيز أسامة،

سلامات
أنا أيضا مستمتع بالحوار وأشكرك..

قولك:


Quote: على الاقل من جانبي
كلامي عن المجتمع الصغير ،ينتمي الى مخطط الاستاذ النظري،اي المجتمع الجمهوري والمجتمع السوداني،
فكونك تركز على نموذج الاستاذ فقط،
فهذا يعني ان احياء هذا المخطط النظري يحتاج الى زمن اطول.


ولماذا لا تقول بأن نموذج الأستاذ وفكرته أصبحتا ميراثا إنسانيا يمكن للمسلمين وغير المسلمين الإهتداء بهما؟؟ فالفكرة لم تمت بل بالعكس هي غير معروفة على مستوى العالم، والقليل المنتشر عنها على مستوى العالم العربي والإسلامي إنما هو تشويه لحقيقتها وعدم معرفة لها، وهذا إلى زوال بإذن الله، وعندما يزول تكون غربة الجمهوريين قد زالت.

قولك:

Quote: كلامي عن فشل المشروع النظري للاستاذ،قمت باثباته ،
لكن نجاحه ،ولو تحدثنا بشكل نظري ،يقتضي الاضافة الى المشروع ،
وتعديله،
ومن سيقوم بذلك ؟
هذا سؤال التاريخ.


لا أعرف إن كنت سأستطيع الشرح أكثر مما فعلت.. المشروع النظري رهين بتحقيق معين على مستوى الأستاذ.. هذا التحقيق في تقديري قد بدأ ولم ينته بعد، ولا يزال الوقت مبكرا للحديث عن فشله.. مرة أخرى أقول: الفكرة الجمهورية أصحبت تراثا إنسانيا عالميا، ومعرفتي الشخصية لها تقول بأنها مجهود إنساني رفيع لم يستطع أحد حتى الآن أن يثبت نقصها وحاجتها إلى إضافة وتعديل، ولكنها بطبيعتها منفتحة على التطور دائما..

قولك:


Quote: كلامي عن السودنة هنا ،بالتاكيد لا يعني توظيف السودانيين في مستوى عولمي،
و انما يعني ان بنية خطاب الاستاذ تتوافق مع الشرط التاريخي الذي اندرج فيه خطاب الاستاذ،اي الخمسينيات ،المرتبطة بروح من التفاؤل واستعادة السودانيين لذواتهم .
الحديث هنا عن السودنة هو من قبيل الاستعارة.
فنحن نعني ان الاستاذ حاول في مشروعه النظري ان يسودن العالم ،
انطلاقا من السودان كمركز لدائرة الوجود.
وهذه ليست سودنة وظائف ،وانما سودنة للعالم كله ،

من خلال انتصار الرسالة الثانية كايديولوجية وحيدة في دنيا العولمة ،
التي اشار اليها الاستاذ كثيرا،
وان كان ان تلك الاشارة ،كانت تحكي بدايات العولمة.


الخط الأول: بنية خطاب الأستاذ لا تسير مع ما وصفته بروح التفاؤل، وإنما كان دائما يمثل الرأي الآخر غير السائد.. فبينما يركز التيار العام على تحقيق الإستقلال كان الأستاذ يركز على أهمية منهاج الحكم ومذهبيته بعد خروج المستعمر، وعبارته المشهورة التي يقول فيها "فقد يخرج الانجليز غدا ، ثم لانجد أنفسنا أحرارا ، ولا مستقلين ، وانما متخبطين في فوضى مالها من قرار"، تقف دليلا على ما أقول، وهو بالضبط الذي حدث. [العبارة جاءت في أحد بيانات الجمهوريين وقد وردت كتاب "معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية خلال ثلاثين عاماً 1945 ـ 1985" هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=93&chapter_id=3

الخط الثاني: هل قرأت خطاب الأستاذ إلى الدكتور توريز بوديت بعنوان "إعداد الإنسان الحر"؟؟
http://alfikra.org/letter_page_view_a.php?letter_id=6&page_id=1
سوف تجد أن الأستاذ لا يتحدث عن "سودنة" العالم وإنما عن "عولمة" الإنسان والدول، وهذا بالضبط هو المرحلة التي تسير فيها الإنسانية اليوم وتحاول أن تتعلم من عثراتها وأخطائها.. وأرجو أن تسمح لي بنقل بعض فقرات الخطاب ووضع الخطوط للتركيز ثم التعليق عليها، وتذكَّر أن تاريخ الخطاب هو عام 1953، يعني بالضبط في زمن الحديث عن السودنة!!!! فتأمل:


Quote: إعدادالإنسان الحر
خطاب إلى الدكتور توريز بوديت
مدير عام منظمة اليونسكو

الخرطوم – 1953 – جريدة صوت السودان.

ثلاثة أمور وردت في تقريركم، لست أبالي إن لم يرد فيه غيرها.. فهي حسبي، وحسب كل مفكر... ثلاثة أمور، وسيلتان، وغاية: أما الغاية فهي ((إعداد إنسان حر يعيش في مجتمع عالمي)).. وأما الوسيلتان فإحداهما: ((التعليم الجديد))، في قولكم: ((وغير أن ذلك يفرض على البشر أن يدركوا مسئوليتهم في عالم تلتحم فيه العلاقات الدولية، فتلقي على الأفراد واجبات عديدة، لا يعدهم للقيام بها إلا نوع جديد من التعليم))، وثانيتهما النظام العالمي الذي أشرت إليه إشارة بعيدة بعبارة: ((خطة مشتركة))، في قولك: ((إن البشر يعيشون في عالم قلق، لا يكفي فيه أن توفر الحكومات أسباب التربية، والعلوم، والفنون، والآداب، في نطاق قومي، بل أن تضع خطة مشتركة تضمن إمداد التقدم الإقتصادي، والإجتماعي، في العالم دون أن تنال من سيادة أمة، أو من خصائصها الثقافية.. فهي بذلك تستوحي المبادئ العالمية، وتقيم صرح السلام على أسس مستقرة قويمة)).. فأنت تريد أن تنجب الإنسان الحر، الذي يعيش في مجتمع عالمي.. وأنت، لكي تحقق ذلك، تريد نظاما، دوليا، مشتركا، وإن شئت فسمه حكومة عالمية.. وتريد، إلى ذلك، نوعا جديدا من التعليم.. هذا ما تريد.. ولا عبرة عندي بهذا الحذر الذي تبديه، عند الحديث عن الحكومة العالمية، بقولك: ((دون أن تنال من سيادة أمة))، فإنه حذر دوافعه يمكن أن تلتمس في هذا الحرص الشديد الذي يطالعك في تمسك كل أمة بسيادتها الداخلية – وإلا فإنك تعلم، كما أعلم، أن الحكومة العالمية لا تقوم إلا على الحد من سيادات الأمم..


فهل مثل هذا الحديث "سودنة" أم "عولمة"؟؟ وهو في نفس الخطاب يقول بأن مسألة "الوحدة العالمية" إنما هي مسألة زمن:

Quote: فينبغي والحالة هذه، بل إنه، في الحقيقة، ضربة لازب، أن تقوم فيه حكومة واحدة، تقيم علائق الأمم على أساس القانون، كما تقيم حكومات الأمم – كل في داخليتها – علائق الأفراد على أساس القانون.. وذلك أمر مستطاع، بل هو أمر لا معدى عنه.. فإن المتتبع لتطور الحياة يعلم جيدا أن مسألة الوحدة العالمية هي نهاية المطاف المحتومة، في أوانها.. على كل حال، مسألة الوحدة مسألة زمن فقط.. وقد كانت عصبة الأمم، عقب الحرب العالمية الأولى، خطوة عملية في هذا الإتجاه.. وها هي هيئة الأمم الحاضرة خطوة أخرى.. ولا يزال، بيننا وبين الحكومة العالمية، خطوات، عديدات، واسعات.. فإن إستطاع المفكرون، المثقفون، من أمثالك دمجها في خطوة، واحدة، جريئة، رجونا أن تنجو الإنسانية من جوائح الحروب، وأن تفوز بمغانم السلام، والرخاء، من غير أن تنفق طويلا من الوقت، أو تدفع غاليا من الثمن.


ثم اقرأ هذه الفقرة من الخطاب وتأملها جيداً، مع التركيز على ما تحته خط، ولاحظ أن العالم قد توصل إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2002، وتمكن بواسطتها من تفعيل بعض القرارات الدولية!!!

Quote: حكومة عالمية:

ما الذي ينقص هيئة الأمم لتكون حكومة عالمية؟؟ ثلاثة أمور: الهيئة التشريعة العالمية، ومحكمة العدل العالمية، والسلطة العالمية التي توقع الجزاء، عند الإقتضاء.. وهذه الأمور الثلاثة ليست غائبة عنا غيابا مطبقا.. فإن لدينا منها النواة.. لدينا، مكان الهيئة التشريعية العالمية، القانون الدولي، وهو يقوم على العادات، والمعاهدات.. ولا يزال في المراحل الأولى من تطوره، وقد أخذ الفقه والقضاء يكونان مصدرين من مصادره.. ولدينا مكان محكمة العدل العالمية، محكمة العدل الدولية ((بلاهاي))، وهي هيئة تحكيمية، وحكمها غير ملزم.. وأما السلطة العالمية التي توقع الجزاء فهي الدول – كل واحدة محتفظة بكامل سيادتها – فإنها توقع ما جاء في ميثاق هيئة الأمم من عقوبات إقتصادية، وعسكرية، على من يخالف القانون..

لا جرم أن كل هذه الهيئات بدائيات، بينها وبين الكمال ما بين الحكومات الوطنية الحاضرة وبين الحكومة العالمية – خطوات، عديدات، واسعات – إن تركت الإنسانية لتقطعها بأسلوبها المعهود من التطور الوئيد، نشبت بينها نواشب التغالب، فتضورت بالمجاعات، واصطلمت بالحروب، وولغت في الدماء، وأفسدت في الأرض فسادا كبيرا.. وليس على طلائع البشرية، فيما أعلم، واجب يشرفهم أداؤه أكبر من أن يعينوا الإنسانية على إجتياز هذه الخطوات، العديدات، الواسعات، إجتيازا هينا، يسيرا، سريعا، في وقت معا.. ولا يكون التطور هينا، يسيرا، سريعا، في وقت إلا إذا سار على حداء عقل مستهد جريء..

لا بد من هيئة تشريعية عالمية تسن من القوانين ما ينظم علائق الدول ببعضها البعض، وتشرف على الهيئات التشريعية المحلية في الدول المختلفة، حتى لا تسن من القوانين ما يتناقض مع القانون الرئيسي الذي تسنه هي، والذي، بدوره، يجب ألا يتناقض مع القانون الأساسي الذي هو الدستور العالمي.. وبذلك تكون جهازا يربط بين قوانين الأمم المختلفة، الفرعي منها، والرئيسي، ويجعلها منسجمة في ضرب من الوحدة ينتظمها جميعا..

ثم لا بد من محكمة عدل عالمية، تنظر في القضايا الدولية، فتصدر أحكاما تحترم، وتنفذ.. ولا بد، آخر الأمر، من سلطة عالمية، تنفذ أحكام القضاء.. وستنهض هذه السلطة من إندماج الدول الحالية في نوع من الوحدة، يأخذ من سيادة كل دولة ما يحد من سلطان الحدود الحاضرة، ويلغي الحواجز الجمركية القائمة، ويجعل الدول الحالية إدارات محلية، لا تتجاوز سلطتها تنسيق مجهود الجماعات المحلية المختلفة، في القطر الواحد، في كل، منسجم، مؤد إلى غاية بعينها، هي، في حقيقتها، نفس الغاية الإنسانية في هذا الكوكب.

وقد جاء هنا ذكر الدستور العالمي، وليس له الآن وجود... فما هو؟ إنه لا يمكن أن يكون هناك دستور عالمي واحد إلا إذا قام على الأصول الثوابت التي تشترك فيها جميع الأمم، وجميع الأجيال، وتلك هي الأصول المركوزة في الجبلة البشرية، من حيث أنها بشرية، ذلك بان تلك الجبلة إنما هي نقطة الإلتقاء التي يتوافى عندها سائر البشر، بصرف النظر عن حظوظهم من التعليم والتمدين – وللطبيعة البشرية قانون كامن فيها هو ذاته صورة مضاهية لصورة القانون السرمدي الذي يهيمن على الظواهر الطبيعية، ويسيطر على القوى الصماء، التي تزحم الوجود، فلا يخلو مكان منها – هو صورة مضاهية لهذا القانون، ولكنها صورة معقولة، ملطفة، إنسانية، تفيض بالإنسانية والرقة واللطف..


آمل أن ينجح المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في حسم مشاكل السودان لصالح كل السودانيين، فيتمكنون من إرساء دولة السودان الجديد الفيدرالية الديمقراطية الإشتراكية التي كان الأستاذ محمود قد اقترحها في كتاب "أسس دستور السودان" في عام 1955، وطبيعي ألا تكون المسائل بنفس التفاصيل التي اقترحها الجمهوريون يومذاك، بل ستكون متطورة أكثر مما جاء في تلك الاقتراحات، وذلك لأن الواقع والظروف تطورا بشكل كبير..

هذا ولك كما للأخ الشقليني مني فائق الشكر والتقدير..

ياسر

Post: #421
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-29-2007, 08:26 AM
Parent: #1

الأحباء :

الكاتب : أسامة الخواض
الكاتب : ياسر الشريف

من يقرأ تسلسل الرؤى التي تلقون بها كعطر في أجه القُراء ،
وبالسلام النفسي الذي يُزين ما تكتبانه لهو دون تواضع :هو الطريق الذي يتعين أن يسلكه السالكون للفتح المعرفي .
يعلم القارئ الذي يغوص في الأعماق أن تجربتكما جديدة علينا ،
وجديدة في المُدونات السودانية أو مُدونات من ينتمون لأصول سودانية ، إلا ما نَدر .
قد نهض على أيديكما :
1.احترام الحوار
2.واحترام الرأي المُخالف
3.واحترام شريك الحوار

يحق لنا أن نشُد على أيديكما ، ونقول إن الأُلفة هي المُبتدأ ،
وأن نسعى دوماً لنكون أفضل ، ونطور خياراتنا التي اختَرنا ،
ونتجاوز كل السلبيات مما ورثنا ،
وأهمها القدرة على انتهاج ديمقراطية الحوار وقبول الآخر المُختلف .
حري بنا أن نشكر أن أي منكما يقوم بالسرد الضافي ،
وإيراد المراجع ومن ثم التحليل ثم الوصول للخلاصة مما ورد .
لقد وضعتما حداً للقارئ الكسول الذي اعتاد التلقين
وسيكون على القُراء المشاركة الحقيقية بالغوص في العمق لمعرفة الفروق بين الرؤى و مناطق الاختلاف . ليس من الضرورة الوصول لاتفاق بيننا بقدر ما يُصبح
الحوار تأسيساً للنهج في طريق المعرفة .


وهو خير تكريم للمُحتفى به

لكما الشكر الجزيل

ونواصل

Post: #422
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-30-2007, 06:54 AM
Parent: #421




( الإسلام ) كمصطلح في أول السلم وفي آخر السلم السباعي
وفق رؤى الأستاذ محمود ( 1)



المصطلح من المعجم الوسيط :

سَلِمَ من الآفات : بَرَئَّ
أسلمَ : انقاد
أسلمَ : دخل دين الإسلام
أسلمَ عن الشيء : تركه بعد ما كان فيه
أسلمَ في البيع : تعامل بالسَلم
سالمَهُ مسالمةً : صالحه
سَلَّمَ : انقاد ، رضي بالحكم
الإسلام : إظهار الخضوع والقبول لما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم .
الإسلام : الدين الذي أتى به النبي
السَّلام : اسم من أسماء الله ،
السلام : التسليم
السلام : التحية عند المسلمين
السلام : الأمان
دار السلام : الجنة
السَّلم : الإسلام
السَّلم : خلاف الحرب
السَّلَمَ : الاستسلام
السلم : الأسر من غير حرب
المُسلِم : من صدق برسالة محمد ( صلعم )
السلم : شجر من العضاهِ يُدبَغ به
استسلم : سنن الطريق أي ركبه ولم يُخطئه

الإسلام في الذكر الحكيم وتفسير الجلالين :

1/
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19
من تفسير الجلالين :
19 - (إن الدين) المرضي (عند الله) هو (الإسلام) أي الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد وفي قراءة بفتح {أن} بدل من أنه الخ بدل اشتمال (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب) اليهود والنصارى في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض (إلا من بعد ما جاءهم العلم) بالتوحيد (بغيا) من الكافرين (بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) أي المجازاة له .
2/
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85
من تفسير الجلالين :

85 - (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) لمصيره إلى النار المؤيدة عليه
3/
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الصف7
7 - (ومن) أي لا أحد (أظلم) أشد ظلما (ممن افترى على الله الكذب) بنسبة الشريك والولد إليه ووصف آياته بالسحر (وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) الكافرين .
4/
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
من تفسير الجلالين :

3 - (حرمت عليكم الميتة) أي أكلها (والدم) أي المسفوح كما في الأنعام (ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) بأن ذبح على اسم غيره (والمنخنقة) الميتة خنقاً (والموقوذة) المقتولة ضرباً (والمتردية) الساقطة من علو إلى أسفل فماتت (والنطيحة) المقتولة بنطح أخرى لها (وما أكل السبع) منه (إلا ما ذكيتم) أي أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه (وما ذبح على) اسم (النصب) جمع نصاب وهي الأصنام (وأن تستقسموا) تطلبوا القسم والحكم (بالأزلام) جمع زَلَم بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام ، قِدح بكسر القاف صغير لا ريش له ولا نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكمونها فإن أمرتهم ائتمروا وإن نهتهم انتهوا (ذلكم فسق) خروج عن الطاعة ، ونزل يوم عرفة عام حجة الوداع: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) أن ترتدوا عنه بعد طمعهم في ذلك لما رأوا من قوته (فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم) أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام (وأتممت عليكم نعمتي) بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين (ورضيت) أي اخترت (لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة) مجاعة إلى أي أكل شيء مما حرم عليه فأكله (غير متجانف) مائل (لإثم) معصية (فإن الله غفور) له ما أكل (رحيم) به في إباحته بخلاف المائل لإثم أي المتلبس به كقاطع الطريق والباغي مثلا فلا يحل له الأكل .


الإسلام في درجاته منذ الإسلام الأول إلى الأخير وفق ما ورد في مقدمة الطبعة الثالثة من ( الرسالة الثانية من الإسلام ) :


مقدمة الطبعة الثالثة

هذه مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب (( الرسالة الثانية من الإسلام)) وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت في يناير من عام 1967، الموافق لشهر رمضان المكرم من عام 1386.. ثم صدرت الطبعة الثانية منه في إبريل من عام 1968، يوافق المحرم من عام 1388.. وعند صدور هذه الطبعة صرفتنا صوارف العمل عن تصديرها بمقدمة خاصة بها..

الإسلام والإيمان


والناس، اليوم، لا يملكون القدرة على التمييز الدقيق بين الإسلام والإيمان، فهم يعتقدون أن الإيمان أكبر من الإسلام، وقد ورطهم في هذا الخطأ عجزهم عن الشعور بحالة الوقت، ذلك بأن الوقت الذي كان فيه هذا الفهم صحيحا قد انقضى، وأقبل وقت تطور فيه فهم الدين، وانتقل من مستوى الإيمان، إلى مستوى الإسلام.. الأمر فحواه كالآتي:
الإسلام فكر يرتقي السالك فيه درجات سلم سباعي، أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد.. ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية، اختلاف مقدار، فهو في الدرجة الأولية انقياد الظاهر فقط، وهو في الدرجة النهائية انقياد الظاهر والباطن معا.. وهو في الدرجة الأولية قول باللسان، وعمل بالجوارح، ولكنه في الدرجة النهائية انقياد، واستسلام، ورضا بالله في السر والعلانية.. وهو في الدرجة الأولية دون الإيمان، ولكنه في الدرجة النهائية أكبر من الإيمان.. وهذا ما لا يقوى العلماء الذين نعرفهم على تمييزه.. ولقد لبس على علماء الدين هذا الأمر حديث جبريل المعروف، الذي رواه عمر بن الخطاب، قال: (( بينا كنا جلوسا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فجلس إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام.. قال الإسلام أن تشهد ألا اله إلا الله، وان محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصوم الشهر، وأن تحج البيت، إذا استطعت إليه سبيلا.. قال صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه!! ثم قال فأخبرني عن الإيمان.. قال الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر، خيره وشره، واليوم الآخر.. قال صدقت.. ثم قال فأخبرني عن الإحسان.. فقال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. قال صدقت.. ثم قال: أخبرني متى الساعة؟؟ فقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل!! قال فأخبرني عن علاماتها.. قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة، العراة، رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.. قال صدقت.. ثم انصرف، فلبثنا مليا.. ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت الله، ورسوله، أعلم.. قال هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم!!)).. هذا الحديث لبس على علماء الدين الأمر فظنوا أن مراقي ديننا إنما هي الإسلام، والإيمان، والإحسان.. ولما كان واردا في القرآن قول الله تعالى عن الأعراب (( قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا: أسلمنا.. ولما يدخل الإيماني قلوبكم.)) فقد أصبح واضحا أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام.. وما علموا أن الأمر يحتاج إلى نظر..



ثم نواصل

30/06/2007 م

Post: #423
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 06-30-2007, 05:19 PM
Parent: #1




الإسلام ) كمصطلح في أول السلم وفي آخر السلم السباعي
وفق رؤى الأستاذ محمود ( 2)


{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14

من تفسير الجلالين :

14 - (قالت الأعراب) نفر من بني أسد (آمنا) صدقنا بقلوبنا (قل) لهم (لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) انقدنا ظاهرا (ولما) لم (يدخل الإيمان في قلوبكم) إلى الآن لكنه يتوقع منكم (وإن تطيعوا الله ورسوله) بالإيمان وغيره (لا يلتكم) بالهمزة وتركه بابداله ألفا لا ينقصكم (من أعمالكم) من ثوابها (شيئا إن الله غفور) للمؤمنين (رحيم) بهم .

من هنا بدأ الأستاذ / سلمه السباعي في الترقي في سلم العقيدة :
تبدأ من البدء : الإسلام ...

ذاك الإسلام الذي رأته الأعراب إيماناً ، ونبههم الذكر الحكيم بأنهم في مرحلة الإسلام ، ومرحلة العتبة الأولى في سلم العقيدة ، ولما يدخل الإيمان في القلوب يكون الإيمان . وتلك سماها الأستاذ المرحلة الثانية وهي في بطن الرسالة الأولى من الإسلام .
حين أورد الأستاذ النص أدناه من الذي ذكرنا من قبل :


{ولقد لبس على علماء الدين هذا الأمر حديث جبريل المعروف، الذي رواه عمر بن الخطاب، قال: (( بينا كنا جلوسا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب،شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فجلس إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام.. قال الإسلام أن تشهد ألا اله إلا الله، وان محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصوم الشهر، وأن تحج البيت، إذا استطعت إليه سبيلا.. قال صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه!! ثم قال فأخبرني عن الإيمان.. قال الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر، خيره وشره، واليوم الآخر.. قال صدقت..... }


التحليل :
1/ لقد ذكر الأستاذ الحديث كحديث معروف ، وهي صفة ذكرناها من قبل ، والتي تختلف عن طرائق البحث العلمي التي تورد المصدر للحديث ، والسِفر ثم الصفحات ودار النشر وزمانه والتاريخ والمُحقق إن وجد .

2/ إن الحديث المذكور أعلاه لم تتم روايته وفق مصادرنا من غير سيدنا عمر بن الخطاب ، وقد نوهنا من قبل إلى ذلك ، ورود الحديث من عدة مصادر إلا أن الراوي هو سيدنا عمر بن الخطاب ولا راوٍ غيره .

3/ يدعم الحديث أعلاه الدرجة الأولى وهي الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج لمن استطاع إليه سبيلا .
ونواصل :


30/06/2007 م

Post: #424
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-01-2007, 07:07 AM
Parent: #423

نختم مداخلاتنا هنا بكلام عن "الانسان الكامل" في خطاب الاستاذ.
ومفهوم الانسان الكامل مفهوم شائع في ثقافات كثيرة .
و من أسس هذا المفهوم في الثقافة العربية الاسلامية كان ابن عربي.
وبعد ذلك سنورد مقتطفات من مفهوم الانسان الكامل والفرد الكامل،
في خطاب الاستاذ للتمييز بين المشترك بين ابن عربي والاستاذ ،
واختلافهما.
نبدأ بايردا مقتطف طويل من مقالة مهمة لهيثم مناع عن :
الانسان الكامل في الثقافة العربية
يقول مناع:

تعيدنا فكرة الإنسان الكامل إلى تلك القوة العالمية المتميزة لكل الأفكار والمبادئ التي تتجاوز بعظمتها القبيلة والمكان والزمان. لذا لا نستغرب أن يجد هانز هينرش شيدر روابطها العضوية مع نظرية الإنسان الأول في الديانات الإيرانية القديمة، وأن يعتبرها لوي ماسينيون ابنة الرؤى السامية التي نشأت عند أنبياء بني إسرائيل في فكرة "عبد يهوا" العادل المبتلي بالآلام واستمرت مع المسيحية في الإيمان بعودة المخلص وزرعت في عدد غير محدود من الملل والنحل التي انتظرت المهدي "ليملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا وظلما". أو أن يبصر فيها الهادي العلوي مشاعيته البدائية الزاهدة: "من لا يملك شيئا ولا يملكه شئ، حيث الملك يجب أن لا يكون لأحد فرد بل لجميع الناس حتى لا يعلو أحد على أحد. "التاوي والمتصوف، يقول الهادي، ينظران كلاهما إلى مجتمع لا مالك فيه ولا محروم، ولا قامع ولا مقموع". بالتأكيد، فقد استعاد المؤرخون الثلاثة في الإنسان الكامل صورة ذهنية عالمية حاولت التاوية من خلالها استقراء قوة الخير في البشر والثقافة الإيرانية استعادة الإنسان الأول عند مزدك والديانات السامية قراءة فكرة المسيح المخلص والمهدي. إلا أن طرح ابن عربي كان ضمن تصور فكري شامل واجه فيه معالم حقبة كاملة. فهو يميز بين قوانين الطبيعة ومنظِمات حركة الإنسان انتصارا لفكرة الإرادة البشرية والإنسان الفاعل والمنفعل في طبيعة لها قوانينها ونواميسها. ويؤكد على وحدة الوجود للتأكيد على فكرة الخير الأسمى والعدل الذي يتجاوز الملة والطائفة. وعبر هذه الوحدة حارب خطاب الفرقة الناجية وتكفير الآخر بحظوظ النفس المشركة التي لا تختلف عن حظوظ النفس المؤمنة مؤكدا "إياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه". ورفض أشكال التمييز بين البشر في المعتقد أو الجنس باعتبار الكمال الإنساني يقابل "الإنسان الحيوان" الذي يحمل فيما يحمل عاهات التفريق بين البشر: "خلق الله الإنسان، مختصرا شريفا جمع فيه معاني العالم الكبير وجعله نسخة جامعة لما في العالم الكبير، ولما في الحضرة الإلهية من الأسماء وقال فيه رسول الله: إن الله خلق آدم على صورته، فلذلك قلنا خرج العالم على الصورة، وفي هذا الضمير الذي في صورته خلاف لمن يعود لأرباب العقول، وفي قولنا علم نفسه فعلم العالم غنية لمن تفطن وكان حديد القلب بصيرا، ولكون الإنسان الكامل على الصورة الكاملة صحت له الخلافة والنيابة عن الله تفي العالم، فلنبين في هذا المنزل نشأة هذا الخليفة ومنزلته وصورته على ما هي عليه، ولسنا نريد الإنسان بما هو إنسان حيوان فقط بل بما هو إنسان وخليفة وبالإنسانية والخلافة صحت له الصورة على الكمال، وما كل إنسان خليفة، فإن الإنسان الحيوان ليس بخليفة عندنا، وليس المخصوص بها أيضا الذكورية فقط، فكلامنا إذا في صورة الكامل من الرجال والنساء فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى والذكورية والأنوثية إنما هما عرضان ليستا من حقائق الإنسانية لمشاركة الحيوان كلها في ذلك".

يضع ابن عربي حدا في مفهومه للإنسان الكامل لأي فرق بين من هم أبناء دين واحد ومن هم خارجه، كذلك يعيد الاعتبار للمرأة كطرف أساسي كالرجل في هذا المفهوم.
جعل ابن عربي، كما يلاحظ هانس هينرش شيدر، من "الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية مظهران متماثلان لمذهب واحد في الوحدانية" وبذلك أصل ابن عربي فكرة الإنسان المساوي للعالم، الإنسان المشابه بل والمساوي لله في وجه الإنسان المهمش والذليل والطائع في المدارس الفقهية.

في مقابل عقائد الطاعات والواجبات، تقف فلسفة ابن عربي الصوفية لتذكر بأن الله إنما خلق العالم من أجل الإنسان "الإنسان هو المقصود من الوجود"، وأن هذا يعني أن الإنسان ليس فقط مركز الكون الواعي، بل أكمل مجالي الحق و "المختصر الشريف" و"الكون الجامع" الذي أعطى الروح لعالم شبحي لا روح فيه. إنه نقطة انطلاق الكون وآخر وأرقى تعبيراته: "أول ما خلق الله العقل فهو أول الأجناس. وانتهى الخلق إلى الجنس الإنساني فاكتملت الدائرة. وما بين طرفي الدائرة، جميع ما خلق الله من أجناس العالم بين العقل الأول الذي هو القلم أيضا وبين الإنسان الذي هو الموجود الآخر". الإنسان حسب ابن عربي بكلمة "قطب الفلك، وهو العمد، ألا تراه إذا انتقل من الدنيا خربت وزالت الجبال وانشقت السماء وانكدرت النجوم".
http://www.achr.nu/art53.htm[/B]

Post: #425
Title: مداخلتي الاخيرة-العفو والعافية
Author: osama elkhawad
Date: 07-01-2007, 09:29 AM
Parent: #424

أعود الآن بمداخلة موجزة اخيرة .
نشكر الاستاذين الشقليني و ياسر الشريف ،
على روحهما الجميلة في النقاش ،
ونرجو ان نلتقي مرة اخرى .
*****

بينما يعتقد ابن عربي ان الوصول لمرحلة الانسان الكامل ،
تقوم على الاداء الفردي ،
يرى الاستاذ محمود في نصوص كثيرة انها من واجبات المجتمع.
وبينما ينطلق الاستاذ من مفهوم ذكوري حول الانسان الكامل ،
لا يجد ابن اي حرج في ان تكون المراة انسانة كاملة.
وهنا نموذج من خطاب الاستاذ يتحدث عن اقصاء المراة من ان تكون انسانة كاملة :
ويقول في الله نور السموات والارض و "" متى قال الله:يا عيسى ابن مريم!! أأنت قلت للناس؟؟

Quote: والله، من صرافة ذاته، تنزل لخلقه ليعرفوه في ثلاثة منازل، أو قل ثلاث مراتب: مرتبة الإسم، ومرتبة الصفات، ومرتبة الأفعال.. وبالأفعال برزت السموات والأرض، ومن فيهن، إلى حيز المحسوس – فمرتبة الإسم مرتبة الإنسان الكامل.. ومرتبة الصفة مرتبة الإنسانة الكاملة، ومرتبة الفعل مرتبة الوجود الخارجي المحسوس.. فالوجود المحسوس صورة خارجية، لصورة داخلية، في النفس البشرية.. وهذه الصورة الداخلية هي، في المرأة، كما هي، في الرجل.. ولكنها، في المرأة، موجودة على صورة أكثر سذاجة منها، في الرجل، وبذلك فهي أقرب إلى (الصرافة) التي تنزلت منها (الذات) إلى مرتبة (الإسم) – مرتبة الإنسان الكامل – ومن ههنا جاء تغني الصوفية بسلمى، وليلى، ولبنى، وهم بذلك إنما يريدون إلى الكناية عن الذات الإلهية..

فالاستاذ هنا يقصي المراة من ان تكون انسانة كاملة.
محبتي
ومع السلامة
العفو والعافية
المشاء

Post: #426
Title: Re: مداخلتي الاخيرة-العفو والعافية
Author: osama elkhawad
Date: 07-01-2007, 09:50 AM
Parent: #425

ملاحظة غير مهمة:
كون ان ما قلت به كان مداخلة اخيرة مني،
لا ينفي انني على استعداد للرد على اية مداخلة او تعليق او سؤال.
محبتي
أرقدوا عافية
المشاء

Post: #427
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-01-2007, 05:32 PM
Parent: #1





شكر وعرفان للكاتب والشاعر : أسامة الخواض
ونأمل ألا يقف حائلٌ بيننا وبين نهر الرؤى المُتدفق من قلمه هُنا .



كانت مداخلة ثرية مُكثفة بحق .

(1)

في يوم من أيام التاريخ ، صعد الشهيد محمود محمد طه عتبات الوجود لرحلة العبور إلى دُنيا غير دُنيتنا ، كان فَرِحاًَ يبسم . قتلته انـزووا من الكسوف الأكبر . رحلت عنهم كرامة البشر على مقدم الواردين . رحلت عنهم كبرياء الوقوف مع الحق فالدُنيا نعيم لمن يتصالح مع نفسه وجحيم لمن لا يعرف أن الخسران المُبين أن تستل سيفك لأعزل .كان محمود شجرة في كل ورق من أوراقها برعُم قناديل البِشر . نقيٌ ملائكي النُطق والمسلك .
(2)
لن نقنَع بأن مُخطط الدراسة الذي كان بيد الكاتب والشاعر والناقد أسامة الخواض قد اكتمل ، ولكنا نعرف أن مشاغله تأخذ منه الكثير ، وقد نعُمنا معه بإضاءة مُترفة لجوانب من خطاب الأستاذ لم نكن لنراها ، وقد بانت بمنظاره
ناصعة مُتلألئة .
لقد كنت لنا أيها العزيز أسامة سيد المُبادرة ، وأباها الروحي ، والذي بفضل مساهمتك والدكتور ياسر الشريف بكل هذا الثراء الذي نأمل أنا والعزيز الدكتور ياسر الشريف أن نُكمله.

(3)

لديَّ مُخطط لكنه يقتضي فُسحة من الزمان ، ولا نُحب العجلة في أمر أحسب أن الكثيرين ينظرونه نظر الحيطة والحذر . ستكون مبادرتي على زمان متفاوت حسب ما يتيسر .

(4)

قرأنا الرد الأخير وقبله ، وقد نقلت لنا مُلخص رؤيتك حول الإنسان الكامل وأوردت لنا مقارنة برؤى ابن عربي ، ورغم ثاقب التناول إلا أنني رأيت
الموضوع يقتضي بعض الإسهاب ، أي أن مشاغلك قد عجلت بالخلاصة ولم تُمكنك الإسهاب كما اعتدنا منك . وأنا لا أعفي نفسي من المكر الخفي لجذبك إلى الملف الذي يمكننا أن نُضاهي به الكثير من الملفات التي تعسرت بأصحابها الذين يتعجلون الحوار ، ويُكسرون انسياب الرؤى والاختلاف كضرورة تفعل فعلها في الثراء وتُقلب النظر في الخطاب بأكثر من منظار ، بل وبأكثر من منهاج .
لك شكرنا الجزيل ، ولن نمل أن نرمي شراكنا في طريقك اليومي هُنا ،
وبدأت بهذه المناسبة ضوء الطريق لتمثال المعشوق ، ولكنني لم أكملها وأعد أن أفعل .


استميحك عذراً للإطلاع موضوع إريد رأيك فيه واسمه ( القيام إلى الثلث الأول من ليل الرواية )
في منتدى سودانيات ، وأحب رأيك على الماسنجر :
الوصال هُنا :
http://sudaniyat.net/vb/showthread.php?t=5991

عبدالله الشقليني
01/07/2007 م

Post: #428
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-01-2007, 07:12 PM
Parent: #1



هنا صورة الشهيد الأستاذ محمود محمد طه ، وزوجته على يساره.
نقلناها من منتدى الفكرة



Post: #429
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-01-2007, 11:06 PM
Parent: #428

عزيزي الشقليني
شكرا لكلمات التوديع المليئة بالمحبة،
وكفي.
يبدو ان مكرك الخفي قد نجح في استدراجي مرة اخرى الى هذا الشرك.
كنت احاول ان افصل نفسي عن شراك خطاب الاستاذ،
فقد لاح لي ذات مقاربة انني من كتب هذا الخطاب ،
وذلك لجلاء خطاب الاستاذ ، ونصاعة حجته ،و تماسك خطابه في حدود مخططه النظري كمفكر وعابد وناشط و مواطن عالمي من الطراز الأول.
اعود باستشهادات من خطاب الاستاذ ،
وهنالك اضعافها في معيتي تنتظر العمل عليها.
الاستاذ نقل مسالة الفردية من النطاق الفردي
كما يرى صديقنا ومحاورنا الجميل ياسر الشريف،
الى انها من مسؤلية المجتمع ،
وواحد من واجباته.
فهو قد انتقل من خطاب ابن عربي الفردي ،
الى خطاب سوسيولوجي يربط الفرد الكامل بمجتمع ما .
الاستاذ قال بالفردية بمثل هذا التماسك،
انطلاقا من مشروع الحداثة الغربي،
في شكله الراسمالي ،
الذي يعتمد على الفردية.
لم يكن بامكان ابن عربي،
ان يرى ان الفردية المطلقة هي من واجبات المجتمع،
لانه لم يشهد المجتمع الراسمالي ،
وايديولوجيته حول الفردية .
لقد اضاف الاستاذ البعد الروحي الى البعد الاجتماعي،
فحاول ان يقترح فردية هي مزيج بين الصوفية في مقاماتها ،
والراسمالية في قولها عن الفردية .
اما عن الانسان الكامل ،
فان الاستاذ،رغم حديثه عن ان المراة يمكن ان تكون فردا كاملا،
الا انه في مستوى الانسان الكامل كزوج لله ،
يستبعدها من ذلك .
وأدناه بعض من الاستشهادات :
يقول في اسئلة واجوبة الجزء الاول عن دور المجتمع في انتاج الفرد الكامل:
ويقول في نفس الكتاب عن الاخلاق:
Quote: المجتمع أعظم إبتداع تفتق عنه الذهن البشري بعد الدين .. و هو أقوى وسيلة توسل بها الفرد لإحراز حريته الفردية المطلقة ، بعد وسيلة الدين أيضاً، ذلك أنه عندما كان الإنسان وحيداً ، وضعيفاً ، لا ينهض بجميع إلتزامات حياته من غذاء ، و كساء ، ودفاع ضد الأعداء ، تم بينه ، و بين المجموعة ، إتفاق صامت على أن يتنازل لها عن قسط من حريته .. و لقد كان لتنازله هذا فائدة أخرى ، تعود عليه ، و هي ترويضه على كبت رغائبه ، و غرائزه ، غير الإجتماعية . ثم لم يزل الإنسان يحسن من نفسه ، فيجعلها أكثر مدنية ، من ذي قبل ، ويحسن في مجتمعه ، فيجعله أكثر تسامحاً ، و أقل عنتاً ، من سابق عهده ، حتى يقل ، بفضل الله ، ثم بفضل إسماح المجموعة ، الثمن الذي يدفعه ، من حريته الفردية لقاء إرتفاقه بنظمها السياسية ، والإقتصادية .. و هكذا ، دواليك ، حتى يجئ اليوم الذي تكون فيه المجموعة البشرية ، هي من الإسماح ، بحيث تتقاضى الفرد البشري أقل قدر ممكن ، من حريته ، و توفر له أكبر قدر ممكن من التشجيع ، الذي ييسر له بلوغ حريته الفردية المطلقة ، من غير أن يكون في ذلك إضرار بالمجموعة .. ذلك لأن الفرد ، الكامل ، الحر ، هو غاية الجماعة الكاملة ، الحرة ..

ويقول في نفس الكتاب كلاما مهما حول ان الاخلاق مؤقتة،لانها تستهدف تحرير الفكر،
وانها وسيلة لا غاية،اذ ان الفردية المطلقة

Quote: بداية الأخلاق ضبط الغرائز ، الذي كانت تتطلبه المجموعة الأولى من الفرد ، ليكون إجتماعياً .. و نهاية الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ..
فالأخلاق مرتبطة بالفكر دائماً ، و مرتبطة بالجماعة .. و هي ليست غاية في ذاتها ، وإنما هي وسيلة لخدمة الجماعة أولاً ، و لإذكاء الفكر ثانياً .. و عملها في إذكاء الفكر ، و في تحريره ، هو عملها الأساسي ، لأنه يؤدي إلى إنجاب الفرد الكامل ..
ويقول في القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري عن مركزية الفرد :
Quote: الفرد هو غاية الحياة .. وما الجماعة إلا وسيلتها إلى إنجاب الفرد، الحر، الكامل

ويقول في "الثورة الثقافية" ان المجتمع هو طارئ لانه سينتج الفرد الكامل :
أن إعدادنا المجتمع ، في هذا المستوى الرفيع ، لا يعدو أن يكون إعداداً للمسرح الذي يمثل فيه كل فرد دوره الفردي ، بمجهوده الفردي ، لإحراز كمالاته الفردية .. و لإنضاج فرديته التي ينماز بها عن أفراد القطيع .. و لابد لنا من منهاج تربوي ، إذن ، بممارسته يصل الأفراد إلى تحقيق هذه الفردية.

وعن الجندر الرجالي،وهو ما يوحي بذكورية خطاب الاستاذ، يقول في "الثورة الثقافية ":
Quote: و الحرية الفردية المطلقة هي حظ الرجل ، ذي الفكر الثائر .. الرجل الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ، و يعمل كما يقول .. ثم يتحمل مسئولية قوله و عمله ، و فق قانون دستوري .. و قد أسلفنا تعريف القانون الدستوري .. و حسن التصرف في الحرية ، إذا كانت في قاعدتها ـ الحرية المقيدة بالقانون ـ أو في قمتها ـ الحرية المقيدة بالأخلاق ـ لا يتأتى إلا إذا تهذب الداخل ، و استقام ، فسلم القلب من مذام الأخلاق ، و صفا العقل من أوضار الأباطيل ، و الخرافات .. هذه هي الثقافة .. سلامة القلب ، و صفاء الفكر .. و إنما يتم ذلك بتثقيف الباطن .. و من الممتع حقاً أن نلاحظ أن القامة البشرية تشبه صعدة الرمح ـ قناة الرمح ـ هي تشبهها في ظاهرها ، و في باطنها ـ في ظاهرها "الجسم" و في باطنها "النفس" و لذلك فإن العرب تقول: فلان صلب القناة ، يريدون أنه صعب المراس ، قوي الشكيمة ، شديد الأسر ..
الرجال عندنا ثلاثة: الرجل الذي لا يقول ، و لا يعمل ، لأنه يخاف من مسئولية قوله ، وعمله ، و هذا هو العبد .. والرجل الذي يحب أن يقول ، و أن يعمل ، و لكنه يحاول أن يهرب تحت الظلام ، فلايواجه مسئولية قوله ، ولا عمله .. و هذا هو الفوضوي .. و الرجل الذي يحب أن يفكر ، و أن يقول ، و أن يعمل ، و هو مستعد دائماً لتحمل مسئولية قوله ، و عمله .. و هذا هو الرجل الحر .. و الرجل الحر هو الثمرة الطيبة للثورة الفكرية ، و للثورة الثقافية .. و هو الإبن الشرعي للمجتمع الكامل .. و مع ذلك فإن المجتمع إنما هو من صنع الرجال


وفي خطاب الى المحامي العام يتحدث عن ان الفرد هو رجل وامراة:
Quote: فإن أنت استطعت أن تضع دستورا، سمحا، يكون دعامة تشريع يجعل الحكومة تنظم الحياة الخارجية على شكل يمكن الفرد، من رجل وإمرأة، من أن يجد فيه أقل قدر ممكن من الصعاب، وأكبر قدر ممكن من التشجيع، في سبيل جهوده الفردية الرامية إلى تحرير مواهبه الطبيعية من الأوهام والأباطيل، فإن هذا الدستور هو دستور القرآن.


وفي "الدين والتنمية الاجتماعية "يقول عن يوتوبيا الفرد الدينية:

Quote: وفي الحقيقة الصورة دي، لو نحن فكرنا لي قدام، هي التي ستبرز فان البشرية ماشة لأن يكون الفرد، وما يكون المجتمع .. المجتمع مهم في المرحلة فقط .. يعني نحن ماشين متطورين في صورة تبرز الفرد المستغني عن المجتمع .. دا يمكن يكون المعني البجينا بيهو الدين .. الدين، من الأول، لو لاحظنا، هو محاولة لأن ينتصر الفرد علي بيئته .. وبرزت لينا هذه المحاولة في صورة أن الفرد اخترع المجتمع
..

والانسان الكامل متراوح بين الانسان الفرد الكامل ،
وبين الانسان الكامل الذي يحاسب الناس يوم القيامة نيابة عن الله،
وهو ما قلنا انه يندرج في مفهوم الصدمة.
مع محبتي
المشاء

Post: #430
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 07-02-2007, 03:10 AM
Parent: #429

Quote: فقد لاح لي ذات مقاربة انني من كتب هذا الخطاب ،
وذلك لجلاء خطاب الاستاذ ، ونصاعة حجته ،و تماسك خطابه في حدود مخططه النظري كمفكر وعابد وناشط و مواطن عالمي من الطراز الأول.
اعود باستشهادات من خطاب الاستاذ ،


أسامة، يا صديقي المتفرد،
أعجبني جداً تماهيك الذاتي هذا، فهو من أعمق التماهيات المعبر عن مفوم "موت الكاتب" في حياة القارئ، وعليه بعثه من جديد في ثوب من سندس واستبرق!

عزيزي عبد الله، يا عارفاً في قبة من قباب الله،
لم أظفر منك وعزيزي أسامة بتعليق عن فهمي لقضية الحدود، التي أشكلت علي منذ التزامي بالفكرة الجمهورية إلى أن قيض الله ما أظنه فهماً متسقاً معها بفضل هذا الخيط الرفيع، وبفضل رحابة دارك، أيها الحبيب القريب. بدا لي أنني ربما أكون قد حشرت ذلك الفهم حشراً في سياق غير سياقها. فإن كان ذلك كذلك فإني أعتذر، وإن لم يكن فإنني أرجو تنويري. وهذه الدعوة أيضاً ممدوة للعزيز ياسر الشريف.

Post: #431
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-02-2007, 09:48 PM
Parent: #1

إنك أيها العزيز ألكتاب والشاعر أسامة : إنك أيضاً لصاحب رؤية ،
ونأمل أن تكون بيننا فالكثير الذي ينتظر ...
تحية طيبة لك .. ولم نزل في العشم في البقاء معنا ...

الحبيب الأستاذ / حيدر :
تحية طيبة لك ،
وأهديكما : أنتَ والكاتب أسامة الخواض :
حديث من القلب في حق الأستاذ محمود محمد طه

وهذا هو نصه :




في ذكرى محمود محمد طه : ألف بُستان يُزهر



(1)

خمسة وثمانون وتسعمائة وألف : هو عام الرحيل الباهِر .
ما أحوجنا إليك .
عُدت الآن إلينا تُطل من قُبة السماء .
تَنفرج صورتك البهية كمطر السقي الأول .
الضوء برقٌ والرعود زلازل ،
والأحجار جماجم على الثرى ،
ترتدي لحمها وجواهرها لتُبصِرك.
ذكراكَ نبتة عُشبٍ أخضر لأدواء النفوس ،
وكتابُك إستبرق .
لن ينتحب الدهر ،
وبين أيدينا ورثنا عَرشَكَ المُتَكلِم .
صورتك المُنى ،
والحُلم عَجَّل بالرحيل ،
والريح تنفُث حُزنها أسفاً علينا .

(2)

فتحنا عُلب الذاكرة :

العشب يُغطي الأرض وأنت تنظُر الأفق. للأخضر حزماً من الألوان وللمكان فُسحة تُسابق الريح فيها الخيل . وجدناكَ هناك تمشي بخُطى الرُسل ومؤسسي الديانات القديمة . في محبَسِكَ القديم جلستَ إلى الصفاء وصادقتكَ نفسُك وتصالحتَ مع الدُنيا ثم خرجتَ خُروجاً بيِّناً .

من يقرأ أسفاركَ و أقوالكَ يعلم أن وراءالمُعلِّم رؤيا في منامٍ انكشفت أستارها .كأنها تركب سرج سابحٍ له أجنحة ضاربة عرض السماء بذيل طاووس . سِرتَ بين أسفار العقيدة سير المُتمَهِل. قرأت من الماضي واستبطنت الجوار المُحمدي ومسَّت بصيرتكَ الصورة الباهرة ثم صُعِقتَ بالحُلُمُ .

كانت أردية النبوءة أثقل حِملاً على جسد المُريدين ولم تزلْ . تخاطَرتَ أنتَ مع المُستَقبل من مورد الماضي . استسقيتَ من البِرَك التي لا تنضب . جلستَ لمولاكَ الذي زين لكَ الكون جُرعة محبة . بصفاء هبطت الرؤيا هبوطاً سدَّ الأفق :
جسداً وروحاً و جوهراً . ما بين الحنايا أكبر من أن يُخفى ، حتى تيسر أن يستَكتِبُكَ مولاكَ فكتبت.

(3)

أيهم أطول في الخطو فيسبقُك؟

تتبع (محمود ) سيرة المصطفى . قرأ وتبِع الأقوال والأفعال . استبطن من سيرة مُعلمه النبي ـ ذاك عالي المقام ـ كيف يُميز بين نهجه في تدريس أهل زمانه ، ونهجه الذي ينفلت من عصره إلى مُقبِل الأيام وفتوحات المُستقبل . قرأ وصلى وترقى في صلاته لتأتيه النفحات المُباركة تتساقط عليه كِسَفاً في اليقظة وفي المنام . كان المحبس الجبري عندما بدأ أول مرة ثم كان محبسه الذي اختاره لنفسه من بعد ...منذ منتصف القرن الذي رحل .

بدأت الصلاة عنده من أولها : تغتسل و تتوضأ وتقف وتُكبِر وتقرأ وتركع وتسجد وفق التقليد... فالطريق الذي يوصل يبدأ من هُنا ثم صعودا . استبطن من المنقول عن النبي خيطاً يميز به خطاب النبوءة في عصرها وحين مدَّ التسامُح طوفانه ، ما استطاعت الدُنيا حينذاك أن تكون بقدره . رأى ( محمود ) أنها نُسِخَت لأنها أرفع مكانة وتستأهل الإنسانية القادمة وإلى مُنتهاها .

جلس هو جلوس الصفاء وهصر بدنه بالعبادة حتى تتخفف الحُجب الغليظة وقرأ ما وراء الخطاب ، فالعامَة يحسبهم يقرءون على عجل ، أما العلماء فأغلبهم نَقَلة تجارب الماضي وحَفَظة نصوص . لم تُسعفهم مكانتهم العالية في اللغة ودراسة علوم الدين أن يستبطنوا المآل من الخطاب الكثيف إلا من رأى منهم الشمس بازغة وهم قلَِّة . لمسوا خيوط محبة المصطفى و نسجوا نسيجاً باهراً وقرءوا الذكر بعد أن تبينوا معانيه وانتهجوا النهج من أول السُّلم وصعدوا . كتب بعضهم في الإشراق وفي الفتوحات الربانية التي على إبداعها لا توافق شكلاً ظاهر الشرائع التي ترى أن الرسالة واحدة : نُسخت فيها آيات السماح وإلى الأبد .

قرأ التقي العابد وجلس جلوس الصفاء فتفتحت قرائحه إلى كيف تصلون وما شريعة الأحوال الشخصية وما مكانة المرأة وما جهاد السيف وما الزكاة ...، حفر الذهن ومدَّ بصيرته لرؤى تقف في وجه التقليد بالتأويل وتكشف الحُجب التي كان يتعيّن على أمثاله أن يكتبوها للناس ، فهو رسول من رسل القراءة التي تُعيد للعقيدة تسامحها و أن المولى قد اختارها لعباده درجة ثم أخرى إلى يوم يُصبح الفتح أعظم والإنسان سيداً بعلمه لا بسيفه .

(4)

في يوم الجمعة الكُبرى صعد الشهيد ( محمود ) عتبات الوجود قبل الذهاب ثابتاً لرحلة العبور إلى دُنيا غير التي نحيا . كان فَرِحاًَ يتبسم . قَتَلتهُ انزووا في ظلمة الكسوف الأكبر . رحلت عنهم الكرامة و معرفة الحق فالدُنيا نعيم لمن يتصالح مع نفسه وجحيم لمن يكتشِف لاحقاً أن الخسران المُبين هو أن تستل سيفك في وجه أعزل .كان المُعلِم شجرة في كل ورقة من أوراقها بُرعُم يُزهِر قنديلَ بِشر . نقيٌ هو ملائكي المَسلَك : ناصِحٌ وناصِعٌ و صبوح .

(5)

هذه صورتكَ النبيلة يا نسمة رقة بها من العطر:
أول ما يأتي مع مفاتيح الصباح وضوءٍ من باذنجان الليل فتح قلبه .
عابدٌ انتظر الصباح ليله وهو يحزم أمره . أخذته السَّكينة.
أ أنتَ يا ورقاً تُسمِّد الأرض لتُنبِتْ البواسق من الشجر المُثمر ؟ .
لن تمضي أيامي مُبعثرة وصدركَ حانٍ ،
وقطاف أزهار ربيع العُمر أقرب من أكسيد الحياة .
كَم يقْزُم جَلادوكَ !؟ .
إن الوزر أثقل من أحجار الرحى حين تحملها الحنايا .
بيت قلبِكَ الظليل يا سيد الكِرام أعشاش محبة لَففتُه لنا في ورق الهدايا :
استنارة تفرح الطفولة في الدواخل ، وتُطرِب بيت الفِكَر .
نم هنيئاً بين الثُريات في عليائك فنور محبتك أشرق مثل شمس الوجود ،
وأينعت قِطائفُكَ تُلامس وجداننا وبقيتَ سرمدياً بين أضلعنا وطاب لكَ المقام.

عبد الله الشقليني
01/07/2007 م



Post: #432
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-02-2007, 09:59 PM
Parent: #1




من منتدى الفكرة اقتبسنا صورة للأستاذ خلال الإنشاد اليومي

Post: #433
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-02-2007, 11:36 PM
Parent: #1

الأعزاء عبد الله وأسامة والجميع،

تحية طيبة

أرجو قراءة هذه الصفحة من كتاب "طريق محمد" للأستاذ محمود وهي تتحدث عن الكمال النسبي للإنسان الكامل ومعنى ذلك..

http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=9&chapter_id=2

وشكرا يا عبد الله على الكتابة الآسرة..

ياسر


بإيجاز، من الناحية العملية ، والتطبيقية ، فإن (( إله )) كل إنسان إنما هو (( نفسه )).. ولما كانت نفوسنا هي حجبنا الناهضة بين عقولنا وبين الحقيقة - (( الله )) ، فقد قال المعصوم عنها : (( إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك )) .. وقال أحد العارفين عنها : (( وجودك ذنب لا يقاس به ذنب )) .. وهذه النفس إنما هي النفس (( السفلى )) ، وقد سميت بالنفس (( الأمارة )) ، وهي تنزل من النفس (( الكاملة )) - نسبية الكمال - وهي نفس (( الإنسان الكامل )) .. وهذه ، بدورها ، إنما هي تنزل عن النفس (( الكاملة )) - مطلقة الكمال - وهي نفس (( الله )) .. وإنما سير العباد كله مجاهدة للارتقاء من النفس (( الأمارة )) إلى النفس (( الكاملة )) - إلى نفس الله .. وهذا سير سرمدي ، يقع البدء فيه ، ولا يتفق الفراغ منه .. وإلى هذا السير المجيد الإشارة بالآية الكريمة : (( قل يا أيها الناس !! قد جاءكم الحق من ربكم ، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وما أنا عليكم بوكيل )) .. من اهتـدى فإنما يهتدي إلى نفسه (( العليا )) - (( الكاملة )) - ومن ضل فإنما يضل في متاهات نفسه (( السفلى )) - (( الأمارة )).. وطريق محمد إنما هو (( السنة )).. هو سنة (( محمد )) في أوليات السير ، ثم هو سنة (( الله )) في أخرياته .. وهـذه السنة إنما هي السراط المستقيم ، الممدود ، رأسيـا ، بيـن النفس السفلى في القاعـدة ، والنفس العليا في القمـة ، والمتمثـل ، أفقيا ، في نقطـة التقاء طـرفي الإفـراط ، والتفـريط ، أثناء تأرجـح (( النفس السفلى )) - ( اقرأ هنا (( النفس اللوامة )) بخاصة ، والأمارة موجودة ) بين هذين النقيضين .. نقطة التقاء هذين النقيضين ، في هذه القاعدة ، هي (( الحق )) .. والحق يتطور يطلب الحقيقة .. وإلى هذه السنّة النبوية الإشارة بقوله تعالى : (( قد جاءكم الحق من ربكم )).. وروح هذه الآية إنما هي في الفاصلة ، وهي قوله تعالى: (( وما أنا عليكم بوكيـل )) .. وإنما كانت هذه الفاصلة روح الآية لعظيم مكانتها في التأديب - تأديب النبي ، وتأديب أفـراد الأمـة - تأديـب (( المربي )) ، وتأديـب (( المتربي )) ، ذلك بأن بهـا يقـع على (( المتربي )) تحمل مسئولية عمله في مضمار سيره إلى تحقيق فرديته ، ويقع على (( المربي )) إخـراج نفسه من بين (( العبيد )) و (( ربهم )) حتى لا يكون قاطعا لطريق الرب ، وحتى تكتمل له هو عبوديته ، فلا تكون له رائحة ربوبية على أحد من الخلق .. وفي هذا التأديب من لطف التأتي إلى رياضة النفوس البشرية ما يلحق بحد الإعجاز .. بل إنه لهو إعجاز القرآن الحقيقي ..

Post: #434
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-02-2007, 11:49 PM
Parent: #433

وهذا نص آخر للتأمل من كتاب "تعلموا كيف تصلون":
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=25&chapter_id=2
معنى الحياة الكاملة هو حياة الفكر وحياة الشعور..


Quote: كتاب الله ، في الأصل هو الأكوان جميعها.. وهو الإنسان ، في المكان الأول ، لأن في الإنسان - جسمه وعقله - إجتمعت آيات الظاهر ، وآيات الباطن.. يقول تعالى ، في ذلك : ((سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ؟؟))
جسم الإنسان هو كتاب الله.. والقرآن ، المحفوظ بين دفتي المصحف ، والمقروء باللغة العربية ، إنما هو صورة لفظية ، وصوتية ، وعلمية ، لهذا الكتاب العظيم.. و((المثاني))، في هذا الكتاب العظيم ، إنما تعني الزوجين.. قال تعالى : ((ومن كل شئ خلقنا زوجين ، لعلكم تذكرون)).. وأعلى الزوجين النفسان : نفس الرب ، ونفس العبد الكامل.. كما أن ((المثاني)) في القرآن تعني : المعنى البعيد عند الرب ، والمعنى القريب الذي تنزل ، وتدنى ، لتفهيم العبد..
ثم قال : ((تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)) ، إشارة إلى الخوف ((العنصري)) الذي جاء به الكتاب الأول ، هذا الخوف الذي حجر الجلد ، وكثفه ، وجعله درعاً واقياً للحي.. هذا ، في المكان الأول.. ثم هو ، في المكان الثاني ، إشارة إلى هذا الخوف ((العرفاني)) الذي جاء به القرآن في وعيده.. وهو الخوف المشار إليه بالعبارة الحكيمة : ((رأس الحكمة مخافة الله)).. ثم قال : ((ثم تلين جلودهم ، وقلوبهم، إلى ذكر الله)).. وإنما يجئ لين الجلود بطمأنينة النفس ، بعد إنقباضها بفعل الخوف.. وما طمأنينة النفس إلا نتيجة العلم بالله.. قال : ((إلى ذكر الله)).. هذا في هذه الآية.. بعد أن قال : ((لعلكم تذكرون)) في تلك.. عنى لعلكم تذكرون أنكم عبيد ، وأن الله ربكم.. وهذا إقرار قد شهدتم به ، وأذعنتم له ، في عالم الأرواح ، ولكنكم نسيتموه في عالم الأجساد.. وإنما مقصود القرآن أن يذكركم ما نسيتم. هذه هي وظيفة القرآن : ((ولقد يسرنا القرآن للذكر ، فهل من مدكر ؟؟)) وعن ذلك الإقرار الذي نسيناه ، وهو مطلوب منا اليوم ، ودائماً ، جاء قوله تعالى : ((وإذ أخذ ربك من بني آدم ، من ظهورهم ، ذريتهم ، وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟؟ قالوا : بلى!! شهدنا !! أن تقولوا ، يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا : إنما أشرك آباؤنا من قبل ، وكنا ذرية من بعدهم ، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟؟ * وكذلك نفصل الآيات ، ولعلهم يرجعون)).. إنما جاء القرآن يرسم لنا طريق الرجوع إلى هذا العهد الذي شهدنا فيه بعبوديتنا ، وربوبية ربنا. الغرض من شهادة : ((لا اله إلا الله)) ، التي وظف القرآن لتحقيقها ، إنما هو أن تسوقنا إلى هذه الشهادة ((وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟؟ قالوا : بلى !! شهدنا !!)) فإذا تمت لنا هذه الشهادة ، بأن تذكرناها ، حق التذكر ، يتم لنا قوله تعالى : ((ثم تلين جلودهم ، وقلوبهم ، إلى ذكر الله)).. ولين الجلود والقلوب إنما يعني إتساع حياة الفكر ، وحياة الشعور ، وتلك هي الحياة الكاملة.. فلين القلوب ، والجلود يعني إنتشار وظيفة ((الإحساس)) في الجسم كله ، بدلاً من تمركزه في مواضع بأعيانها من الجسم ، هي الحواس الخمس المعروفة.. وقد تحدثنا عن ذلك في مقدمة كتابنا ((رسالة الصلاة)) فليراجع..

Post: #435
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-03-2007, 05:44 AM
Parent: #434

عزيزي حيدر
سلامات
نعود لرايك حول الحدود
ينبغي التفريق بين الحدود في مفهوم السلفيين وبين الحدود منظورا اليها من خلال تطوره،
كما فعل الاستاذ.
فهو قد اثبت ان العقوبة كانت فظيعة جدا ،وانها تزداد رهافة كلما تطور المجتمع من قانون الغابة او البدائية كما يسميها الى قانون الانسان وهو قانون العدل.
لكنه اوقف تطور الحدود في مرحلة اليهودية ،
و دافع عنها بحجة قانون المعاوضة،
وهو قانون في تجليه الذي يدافع عنه ،يركز على العقوبة الجسدية.
الكلام عن صعوبة اثبات الزنا ،يمكن ان يكون في غير صالح الذين يروجون له.
فكونه لم تثبت حالات زنا تستحق العقوبة ،
فهذا يعني ان العقوبة نفسها وشروط تنفيذها تساعد على الزنا ،
مما يجعل من العقوبة امرا شكليا فقط .
بل ان تلك الشروط القاسية مدعاة لان يمارس الناس الزنا ،
لان اثباته مستحيل.
اية عقوبة بدنية اصبحت مرفوضة،
وحتى تلك العقوبات التي تجرى على المعاقين ذهنيا ،
تتم بتصريح قضائي.
الاستاذ محمود للاسف كان يركز على فعل الجزاء البدني القاسي ،
كمعاوض للفعل الاجرامي،
ولم ينتبه -رغم تعويله على المؤسسات الدولية -الى ان القوانين الدولية التي صدرت عن الامم المتحدة ومنظماتها،
حرمت العقوبة البدنية .
مع تقديري وامنياتي بقضاء وقت ممتع في مركز دائرة الوجود.
المشاء

Post: #436
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-04-2007, 10:18 AM
Parent: #1

الأحباء والكتاب :
أسامة
ياسر
حيدر

التحية للجميع هٌنا .
العزيز حيدر

ربما كان المجتمع في الفتح المقروء من الرسالة الثانية ،
لم يزل أغلظ من تخطي بعض أغلال الرسالة الأولى ...
وقبع الخطاب في انتظار أن ينضج الزمان ويرتفع أهله ...
ربما وربما كان موعد الرحيل أسبق ، وقد أوضحنا أن اللغة
في المعاوضة تُخفي عدم تصالُح خفي ولكن ينتظر الزمان الذي يُفسِح
للتسامُح حتى يتم الفتح والتقدم درجة في التخفف من العقوبات الجسدية،
وذلك هو من الفأل الخير الذي استبطناه من رؤى الأستاذ .

Post: #438
Title: العقوبة.. الموت.. المعاوضة.. فهم مسألة الجبر والإختيار كمفتاح..
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-04-2007, 08:14 PM
Parent: #436

الأخ عبد الله،

تحية طيبة لك ولأسامة وحيدر والجميع..

قولك:

Quote: ربما كان المجتمع في الفتح المقروء من الرسالة الثانية ،
لم يزل أغلظ من تخطي بعض أغلال الرسالة الأولى ...


مداخلتك هذه، وتعليقك هذا جعلاني أتذكر هذه المداخلة التي كتبتها حول مسألة الحدود والقصاص وأحب أن ألفت النظر إليها:

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

والآن أريد أن أتحدث عن أمر آخر قد يبدو الحديث عنه غريبا بعض الشيء.. دعونا نترك الحديث عن الحدود لنتحدث عن كيف بدأ الموت.. فالكتاب المقدس يخبرنا بتحذير الرب لآدم من الأكل من شجرة معينة، لأن الأكل منها ينتج عنه الموت الجسدي، [سفر التكوين، إصحاح 2، رقم 17] "2: 17 واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها موتا تموت".. والقرآن يخبرنا بأن جزاء المخالفة كان الهبوط إلى اسفل سافلين [ثم رددناه أسفل سافلين] ويقول الأستاذ محمود أن أسفل سافلين هو أدنى درجات التجسيد المادي ويقول بأنها هي ذرة غاز الهيدروجين.. إذن أسفل سافلين هو نفس معنى الموت الذي جاء في سفر التكوين من الكتاب المقدس.. دعونا نتأمل قليلا: فلو لم يبدأ الموت ، أو الإهباط إلى أسفل سافلين، لما بدأت رحلة تطور الخليقة.. إذن الموت، أو الإهباط إلى أسفل سافلين، كان نعمة في صورة نقمة.. إذن الحياة تطورت بوسائل عنيفة بدأت بالموت، وفي فترة من فترات التطور كانت الحياة تنتج بالإنقسام وبوسائل أخرى، ثم ظهرت مرحلة الموت مرة أخرى وهي لا تزال موجودة الآن وتتمثل في موت الكائنات الحية.. والمجتمع تطور بوسائل عنيفة منها العقوبات التي تصل إلى حد الموت.. والحياة في تطورها تبتغي التخلص من الموت والتخلص من العقوبة.. في تقديري لو لم يتم فهم مسألة التسيير، أعني أن الإنسان مُسيَّر، لا يمكن فهم مسألة المعاوضة والعقوبة بوصفها وسيلة تطور ووسيلة تعليم.. في هذه الوصلة إضاءة من كتاب "الرسالة الثانية":
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=10&chapter_id=11
وفي موضع آخر من نفس الكتاب يخبرنا الأستاذ محمود بأن آدم غُفر له بأن أعطي حق الخطأ.. أرجو قراءة هذه الفقرة التي تتحدث عن ذلك..


Quote: كيف غفر لآدم؟

الجواب غفر له بإعطائه حق الخطأ . وهذا يعني أن حريته لم تصادر مصادرة أبدية فيقام عليه وصي إلى نهاية ذلك الأبد ، كما فعل بإبليس ، وإنما أذن له في استردادها ، وبدأ بممارسة ما يطيق منها ، فهو يعمل في ذلك بين الخطأ والصواب ، فكلما أحسن التصرف في الحرية التي لديه أوتي مزيدا منها ، وإن بدرت منه إساءة في التصرف تحمل نتيجة سوء تصرفه بعقوبة معاوضة ، ومقابلة للخطيئة ، يراد بها إلى شحذ قوى نفسه ، حتى تتأهل ، أكثر من ذي قبل ، لتحمل واجب الحرية في ذلك المستوى الذي بدر منها العجز عنه .. ثم إن هذه العقوبة يتجلى فيها اللطف الإلهي كما يليق به ، فهو يجازي بالحسنة عشر أمثالها ، وقد يضاعفها حتى تخرج عن الحصر ، وهو لا يجازي بالسيئة إلا مثلها ، وقد يعفو عنها ، وقد يبدلها حسنة ، وقد يضاعفها ، بعد ذلك ، أضعافا لا حد لها ، فهو تبارك وتعالى يقول (( والذين لا يدعون مع الله الها آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا يزنون ، ومن يفعل ذلك يلق آثاما ، يضاعف له العذاب ، يوم القيامة ، ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب ، وآمن ، وعمل عملا صالحا ، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفورا رحيما )) ولقد ألهم آدم كلمات فتلهمها ، فكانت سببا إلى التوبة ، فالمغفرة ، (( فتلقى آدم من ربه كلمات ، فتاب عليه ، إنه هو التواب الرحيم )) ولقد كانت تلك الكلمات هي (( ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا ، وترحمنا ، لنكونن من الخاسرين )) .
هذه هي المغفرة لآدم بعد أن أصبح بشرا عاقلا ، ولقد أنفق آدم دهرا دهيرا قبل أن يبلغ هذه المرتبة الرفيعة .. قال تعالى في ذلك ، (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا )) يعني قد أتى على آدم عهد سحيق ، لم يكن فيه مكلفا ، ولا مسئولا ، لأنه لم يبلغ مبلغ العقل ، ولقد تحدثنا عن هذا آنفا ، وقلنا أن الله سير الحياة ، من لدن ظهورها بين الماء والطين ، والى أن بلغت مبلغ العقل ، تسييرا شبه مباشر ، وقانونها يومئذ هو قانون المعاوضة في الحقيقة ، وآيتاه من كتاب الله ، كما سبق بذلك التقرير ، هما الآيتان الكريمتان (( فمن يعمل مثـقال ذرة خيـرا يـره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يـره )) وهو قانون يعمل دائما على تنمية الخير ، ومحو الشر ، وذلك بسوق الحياة إلى كنف الله الرحيم.
هذا التسيير في مراقي القرب هو المغفرة لآدم ، من لدن النطفة الأمشاج ، وإلى أن أصبح بشرا مكلفا، فماذا كان آدم قبل هذا ؟ وكيف غفر له ؟ اسمع (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين )) فقبل أن يصبح آدم نطفة مختلطة بالطين - نطفة أمشاجا - قد كان ذرة من بخار الماء ، الذي هو أصل الحياة ، كما يخبرنا تبارك وتعالى (( أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ، وجعلنا من الماء كل شئ حي، أفلا يؤمنون ؟ )) وهذه الذرة هي أصل سلالة الطين . وإنما غفر له في هذه المرحلة بهذا التسيير المباشر ، بالقهر الإرادي ، الذي حفز الحياة إلى الله وأزعجها إلى قربه ، فارتقت المراقي ، وبلغت المبالغ . وقانون هذه الإرادة الإلهية ، هو قانون المعاوضة في الحقيقة أيضا .
وهذه المغفرة لآدم في مستوياتها المختلفة هي بعينها التسيير ، فالناس مسيرون ، من مرتبة العناصر إلى مرتبة الحياة ومن مرتبة الحياة البدائية إلى مرتبة الحياة المتقدمة الراقية المعقدة ، ومن هذه إلى مرتبة الحرية الجماعية بدخول العقل في المسرح ، ومن مرتبة الحرية الجماعية ، إلى مرتبة الحرية الفردية المطلقة ، والتسيير يطرد في هذه إلى غير نهاية ، لأنه سير إلى الله في إطلاقه .

http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=10&chapter_id=13

Post: #437
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-04-2007, 05:09 PM
Parent: #1

شكراً للدكتور: ياسر الشريف
وللكاتب : أسامة الخواض

ونواصل

Post: #439
Title: عن دارون والاستاذ ومحمد خلف
Author: osama elkhawad
Date: 07-05-2007, 04:37 AM
Parent: #437

عزيزي ياسر
في مسالة التناص ،
ارى ان علاقة الاستاذ بدارون مهمة،
فهو قد حاول ان يتناص معها،
وهذه مهمة يقوم بها العارفون بنظرية التطور عند دارون،
فما يقول به الاستاذ ،
ينطلق اساسا من دارون،
كما نوه قبل ذلك محمد خلف الله في مقاله الذي اوردته في مداخلة سابقة.
و بمالناسبة التقيت محمدخلف وعرضت عليه ما اوردته،
فقال بانه لا يعبر عما قال به في ذلك المقال.
فهل لك بان تنشر لنا المقال كاملا؟؟

المهم كل ذلك يثبت ما نقول به من ان خطاب الاستاذ استند في جزء كبير منه على مساهمات الحداثة الغربية في المستويات العلمية والفكرية والاجتماعية والفلسفية،
وهو يحاول ان يقول ان هذه الفتوحات الغربية ،
هي موجودة في الاصل في القرآن.
محبتي
وفي انتظار نشر مقالة خلف كاملة ،
أو على الاقل الجزء الذي استشهدت به
المشاء

Post: #440
Title: بين الأستاذ محمود والحداثة الغربية... توضيح
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-05-2007, 01:35 PM
Parent: #439

عزيزي أسامة الخواض،

سلامات، والتحايا لأخينا عبد الله والجميع

لعلك يا صديقي تقصد ما جاء في هذه المداخلة:
في الأمانة الفكرية.. وأشياء أخرى.. مع الأخ أسامة الخواض..
في الصفحة الثانية من بوستنا هذا، وها أنذا أضع وصلتها حتى يسهل لمن يريد الرجوع إليها..

قولك:

Quote: عزيزي ياسر
في مسالة التناص ،
ارى ان علاقة الاستاذ بدارون مهمة،
فهو قد حاول ان يتناص معها،
وهذه مهمة يقوم بها العارفون بنظرية التطور عند دارون،
فما يقول به الاستاذ ،
ينطلق اساسا من دارون،
كما نوه قبل ذلك محمد خلف الله في مقاله الذي اوردته في مداخلة سابقة.
و بمالناسبة التقيت محمدخلف وعرضت عليه ما اوردته،
فقال بانه لا يعبر عما قال به في ذلك المقال.
فهل لك بان تنشر لنا المقال كاملا؟؟


لا أريد أن أكرر ما قلته في مداخلتي التي وضعت وصلتها بعاليه، فهو موجود ويمكن الرجوع إليه. ولا أعرف ما تقصده أنت بالضبط عندما تقول أن الأستاذ حاول أن يتناص مع نظرية دارون، ولذلك أرجو أن تسمح لي بتركها، كما أرجو أن تشرح معنى التناص الذي تقصده وتخبرنا عن مصدر هذا المصطلح لأنه مصطلح جديد عليَّ.. أما ما قاله الأستاذ محمد خلف الله عن "الأستاذ محمود ودارون" فهو ما نقلته أنا عنه من ذلك المقال، ولم يكن هو الموضوع الأساسي فيه، ولذلك لم أفهم قوله إليك بأن ما نقلته عنه لا يعبر عنه!! على أية حال، دعنا من الأخ محمد خلف الله فهو لا يشاركنا الكتابة في هذا المنبر، ودعنا نركز على العبارات الواضحة من كلامك.. فأنت ترى أن ما قال به الأستاذ في مسألة التطور "ينطلق أساسا من دارون".. ولكنك لم تواجه ما قاله الأستاذ محمود في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" وأوردته أنا في نفس المداخلة بعاليه، ودعني أنقله مرة أخرى:

Quote: (إن قصة الخلق في القرآن، لهي أكمل، وأتم، مما هي في أي فكر نعرفه، حتى اليوم .. وقضية التطور، في القرآن، تذهب إلى بدايات، وتسير إلى نهايات، أبعد، في الطرفين، مما يدخل في ظن عالم من العلماء الذين تعرضوا لنظرية التطور، من دارون إلى آخر من كتبوا في هذا العلم ..
في القرآن الوجود لولبي، وهو، على كل حال، وجود ليست له بداية، ولن تكون له نهاية .. وكل الذي بدأ، وكل الذي ينتهي، هو مظهر الصور الغليظة ..
في القرآن، الوجود هو الله، تنزل من إطلاقه، فظهر في صور المادة المحسوسة، وهو إنما ظهر ليعرف .. ليعرفه من؟؟ ليعرفه الذي هو مثله – الإنسان – و(ليس كمثله شيء) ...)

نعم، الأستاذ اطلع على ما جاء به دارون، بل أكثر من ذلك، اطلع على آخر ما جدَّ في هذه المسألة، وهذا أمر طبيعي، ثم نظر في القرآن فوجد فهماً يقول بالتطور ولكنه يختلف مع نظرية دارون في التفاصيل، ولكنه يحتفظ لدارون بفضيلة أنه قال بالتطور في مقابل من يمثلون الفهم الديني التقليدي اليهودي ـ مسيحي، وحتى الإسلامي، التي تنكر التطور.. وأرجو أن تقرأ ما جاء في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" في هذه الوصلة:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=19
وسأقتبس أهم ما فيها ثم أعلق عليه:


Quote: والخلق، في القرآن، ليس كائنا، وإنما هو مستمر التكوين ..

في القرآن، الخلق في ثلاثة عوالم، عالم الملكوت من أعلى، وعالم الملك من أسفل، وعالم البرزخ قد توسط بينهما .. فعالم الملكوت، عالم لطائف – عالم مادة لا تتأثر بها حواسنا – عالم أرواح – ... وعالم الملك، عالم كثائف – عالم مادة، مجسدة، تتأثر بها حواسنا – وهو، من ثم، عالم أجساد .. وعالم البرزخ هو عالم المزج بين اللطائف والكثائف – عالم العقول التي ركبت على الأجساد لتصهر كثائفها بنار المجاهدة، فتحيلها إلى لطائف .. وهذا هو عالم الإنسان .. والاختلاف بين العوالم كلها اختلاف مقدار .. فالوحدة هي السلك الذي ينتظم الأشياء، من الخلايا التي تكون الأجسام الحية، وإلى الذرات التي تكون المادة الصماء – فالاختلاف، إختلاف مقدار، لا اختلاف نوع .. بل إنه، في التوحيد، إختلاف النوع يمتنع .. هذا ما يراه القرآن، في حين أن ما يراه أصحاب نظرية التطور – دارون وأشياعه – هو أن أنواع الحيوانات إنحدرت كلها من أصل واحد، تباين، واختلف إلى فروع من الفصائل، والأنواع، نتيجة تباين الظروف والبيئات ..


إذن الأستاذ محمود يعرف لدارون فضل القول بالتطور، وهو الذي عن طريقه انفتحت أعين الناس على المسألة في الأساس.. ولكن الأستاذ محمود، بما فتح الله عليه من فهم ديني من القرآن ومن اطلاعه على علوم وفلسفة وثقافة عصره، يصحح هذا الفهم ويضعه في موضعه الذي يستحقه.. لذلك فإن القول بأن "الأستاذ ينطلق أساساً من دارون" قول غير صحيح.. دارون لم يقل بأن هناك خالقاً خَلَقَ الكون وهو الذي هدى التطور الذي جاء بكل المخلوقات ومن بينها الإنسان.. أما الأستاذ محمود فقد قال هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=19
:


Quote: وعن العوالم الثلاثة التي ذكرناها آنفا ترد الإشارة هكذا: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات .. فلهم أجر غير ممنون) .. قوله: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) .. إشارة إلى (عالم الملكوت) .. وقوله: (ثم رددناه أسفل سافلين) .. إشارة إلى (عالم الملك) .. وقوله: (إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون) .. إشارة إلى (عالم البرزخ) .. فإنه أشار بالأجر (غير الممنون) إلى الوشيجة التي ربطته، وهو في أسفل سافلين، بنشأته الكاملة في علم الله، ثم في إرادة الله، وذلك ما تفيده كلمة (الملكوت)، التي عبرنا بها قبل حين .. وهذه الوشيجة قد استنقذته، من أسفل سافلين، إلى عالم البرزخ، حيث يحقق كماله المقدور له، في علم الله .. وهذا الكمال يتمثل في رفع الجسد الترابي، بفضل الله، ثم بفضل العقل، إلى جسد ملكوتي .. (إلى جسد روحاني) ..

بدء الخلق

لقد برز الخلق عن الوحدة .. فالسموات، والأرض، نشأت من سحابة واحدة .. قال تعالى في ذلك: (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض، كانتا رتقا، ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي؟؟ أفلا يؤمنون؟؟ * وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم، وجعلنا فيها فجاجا سبلا، لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا، وهم عن آياتها معرضون * وهو الذي خلق الليل، والنهار، والشمس، والقمر .. كل في فلك يسبحون) .. السموات، والأرض، كانت سحابة واحدة، مرتوقة فانفتقت وكانت هذه السحابة من بخار الماء .. قال تعالى في ذلك: (ثم استوى إلى السماء، وهي دخان، فقال لها، وللأرض: ائتيا، طوعا، أو كرها .. قالتا: أتينا طائعين) .. وهذه السحابة، قبل أن تكون بخار ماء، قد كانت من غاز الهايدروجين .. وذرة غاز الهايدروجين هي أول مظاهر تجسيد الإرادة الإلهية ..


إذن الأستاذ محمود أورد الأدلة والنصوص القرآنية التي يعتمد عليها في قوله.. وأنت لم تواجه هذه النصوص، أو تقل لنا أن معنى هذه الآيات لا يعطي هذا الفهم، أو أن هناك تعسف في تفسيرها.. ومع ذلك تقول:

Quote: المهم كل ذلك يثبت ما نقول به من ان خطاب الاستاذ استند في جزء كبير منه على مساهمات الحداثة الغربية في المستويات العلمية والفكرية والاجتماعية والفلسفية،
وهو يحاول ان يقول ان هذه الفتوحات الغربية ،
هي موجودة في الاصل في القرآن.


الأستاذ محمود يعرف فضل ما جاءت به الحداثة الغربية كميراث بشري مبذول للجميع، ويعرف حسناته ويعرف تقصيره، وهو ليس كما تحاول أنت أن تسلبه هذه الفضيلة بقولك عنه:
Quote: وهو يحاول ان يقول ان هذه الفتوحات الغربية ،
هي موجودة في الاصل في القرآن.


نعم، الأستاذ محمود فهم أن الديمقراطية، والإشتراكية، ومسألة التطور كلها موجودة في القرآن، ولكنه لم ينكر دور الغربيين الذين جاءوا بها، بل وضعها في موضعها الصحيح وبيَّن محاسنها وأوجه تقصيرها ودعا إلى تبني الصحيح منها وتطويره، وطرح ما هو غير صحيح، مثل طرح الإلحاد.. ودعني أقول لك أمرا قد تستغربه: فالأستاذ محمود يعتبر أن الله هو الذي جعل العلماء والفلاسفة يعلمون ما قالوا به، ليس فقط الصحيح من ذلك العلم، وإنما الصحيح منه والخطأ.. واسمح لي أن أعيدك إلى كتاب "الماركسية في الميزان" هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=30&chapter_id=9
لتجد هذا القول الذي يجري بلغة الكلام الدارجة لأنه مأخوذ من محاضرة بهذا الإسم:


Quote: حتى الكفر ، والإلحاد .. الكفر من الله .. هو بإرادة الله .. و كارل ماركس ما دعا للإلحاد من نفسه ، و براه، وإنما الله قال ليه .. الله قال ليه أعمل فيها إلحاد .. أدعو للإلحاد .. بالصورة دي ظهر الإلحاد .. وظهر لحكمة في موضوعه .. وأنت ماشي لقدام فيها .. ومن الخطأ جداً أن تفتكر إنو كارل ماركس جاء بالإلحاد من عندو .. لكن الله ، تبارك وتعالى ، أراد أشياء لم يرضها.. عندنا في فرق بين الأسماء الإلهية دقيق .. الإرادة والرضا ، مثلا ً .. الإرادة بتدخل فيها الثنائية في الوجود ، الحكمة في دخولها لنعرفه نحن ، لأن عقولنا دي لا تعرفه ، ولا هي تدرك الوجود ، هي لا تدرك أي شئ ، إلا إذا كان عندنا المقارنة ليه بضده ، (وبضدها تتميز الأشياء) .. ربنا ما برضى بالكفر وإن أراده .. وهو إنما أرسل الرسل من أجل دا .. أراد الكفر و لكنه لم يرضه .. وأرسل الرسل ليخرجوا الناس من عموم ما أراد ، إلى خصوص ما يرضى ـ من الكفر إلى الإيمان..


وفي فقرة ثانية نجد أن الأستاذ يعرف فضل الفيلسوف هيجل على الفيلسوف ماركس ولكنه في نفس الوقت يشير إلى تقصير هيجل نفسه.. اقرأ معي:
Quote: هيجل كان فيلسوف ، و كان عندو معرفة بالحقيقة أكبر من معرفة ماركس ، ولكنها ماها كافية .. كان هيجل بيرى إنو مجموع الوجود هو الله .. الكلام دا فيهو جانب من الحق.. فإن الوجود دا أصله ما فيه غير الله وأسماؤه ، وصفاته ، وأفعاله .. و ما نحن إلا نتيجة لأفعال الله .. نحن إرادة الله مجسدة .. العارفين قالوا ما في الكون إلا الله .. بالمعنى دا هنا الوجود هو الله .. لكن هل الله هو الوجود ؟؟ دي هي النقطة الغايبه في موضوع الفلسفة .. يدركها التصوف ، ولا تدركها الفلسفة .. الله موش الوجود ، لكن الوجود هو الله .. وهناك قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح إبن مريم) .. في هذا الأمر لطيفة من رقائق ، ودقائق اللطائف العرفانية وتلك هي أن الذين قالوا إن المسيح إبن مريم هو الله ، ما كفروا.. هذه هي الحقائق الكبرى في الدين .. الله أرفع من الوجود كله ، والوجود مظهره في تنزلاته ليعرف .. فهنا هيجل كان مخطئ ، وإعتراض كارل ماركس عليه كان بخطأ أكبر من خطأ هيجل.. والحقائق أعلى من مسألة هيجل ومن مسألة كارل ماركس .. هنا ، المسألة دي ، أعني ذهول الماركسية عن الوجود الإلهي فوت عليها كل شئ في الناحية النظرية ، و فوت عليها شي كثير من الناحية التطبيقية .. هسع أنت يمكنك أن تقول أن الإنسان المفكر في دقة إذا كان إتبرهن ليه أن الإشتراكية ، أو الشيوعية ، فاشلة في روسيا ، أو فاشلة في الصين ، ما حقو يحكم من فشلها في التطبيق على فشل الفكرة .. الإنسان الدقيق في فكره يعرف إنو التطبيق قد يكون خطأ ، مع أن الفكرة صحيحة .. لكن نحن ، ومن أجل دا ، نحن ما مشينا لنخطيء الشيوعية من قصور من قصروا في تطبيقها ، وإنما مشينا ليها من أصل فلسفتها .. فهي خاطئة في أصل فلسفتها ومن أجل هذا فشلت في التطبيق ..


ولك شكري يا صديقي وفائق المودة..

ياسر

Post: #441
Title: الى متى ينتظر المفكرون الاسلاميون الكفار ليقولوا بآرائهم؟؟؟
Author: osama elkhawad
Date: 07-06-2007, 01:19 AM
Parent: #440

كلامك عن عدم اهمية ما قلت به عن محمد خلف ،
ونحن نسميه خلف،
هو كلام تنقصه الدقة.
فخلف من الذين اشرفوا على تحرير "الرسالة الثانية من الاسلام"،
و اكتشفوا فيها اخطاء مطبعية كثيرة .
المهم،
كلام الاستاذ يشبه او قل انه نفس منطق الاعجاز العلمي في القرآن.
يكتفي المسلمون بانتظار انجازات الكفار و النصارى،
ثم يقولون بعد كل ذلك الجهد المبذول ان الامر كان موجودا في القرآن.
بل ان القرآن هو اكثر تطورا من تلك النظريات العلمية.
كلامك حول ان دارون ينطلق من مفهوم مسيحي،
كلام خاطئ ،
بل هو ضد ما تقول به الكنيسة تماما.
ولاحظ الجدل الدائر في امريكا حول تدريس النظرية التطورية،
وتدريس النظرية الدينية التي تقول بان للكون مبدع.
ولم يتكلم الاستاذ عن الديمقراطية والاشتراكية ،
من الانطلاق من القرآن نفسه،
و انما من الانطلاق من تجربة الحداثة الغربية .
لم يحدث ان قدم باحث اسلامي اكتشافا جديدا انطلاقا من القرآن نفسه ،
قبل ان تكتشفه الحياة الدنيا.
لاحظ مثلا ان النظريات الدنيوية يتم تقديمها عبر مئات من الصفحات ،
بينما يتم تقديم النموذج القرآني في اية او بضع آيات.
وحتى ما يقول به الاستاذ ،احتذاء للنمط الغربي،عن التطور،
لا يوجد اثبات عيني له،وانما يمكن ان تؤمن به او لا ،
بدون دليل ،
وهذا عينه هو المنطق الميتافيزيقي.
للأسف ان المفكرين الاسلاميين ينهلون من الكفار و النصارى واليهود،
ولكنهم لا يمتلكون طرحا عصريا انطلاقا من القرآن والحديث النبوي الشريف.
المسالة كلها هي مسالة تقديرية ،
تنبي على "التأويل".
و لذلك لم يقم الاستاذ ان علينا اختبار مقولات القرآن ،
و انما قال ان التاويل هو المهم.
وهناك فرق كبير بين التأويل الذي ينتظر المنهج المادي،
ومن ثم بعد ذلك يستخدم التاويل ،
على ضوء تلك الاكتشافات العلمية،
ليقول كلاما لا يسنده المنهج الذي اوحي اليه بالتأويل.
محبتي
المشاء

Post: #442
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-06-2007, 10:19 AM
Parent: #1

الأحباء الكتاب :
أسامة الخواض
ياسر الشريف

تحية طيبة واحتراماً للمساهمات التي وردت هنا ،
ولدوركما في إثراء المعرفة .


ونواصل

Post: #443
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-06-2007, 10:21 AM
Parent: #1

الأحباء الكتاب :
أسامة الخواض
ياسر الشريف

الأستاذ محمود والفلسفة

تحية طيبة واحتراماً للمساهمات التي وردت هنا ، ولدوركما في إثراء المعرفة .

ربما يفتح الحوار مناطق يتعين الغوص فيها ، وهي مكانة رؤية الأستاذ من الفلسفة : تاريخها وحاضرها ، تعددها ونهلها من علوم العصر وتطور خطاباتها بتطور العلم ، ونهجها في التفكر دون حساب إلى مناهج وأسس وعلوم في المنطق والأخلاق والدين وعلوم النفس ... ، بل كافة مناحي الفتح المعرفي ، ومن هنا أرى أننا بحاجة إلى دراسة رؤية الأستاذ ووضعها في مكانتها كعمل فلسفي ، ينهج مثل جميع الفلاسفة المختصون في علوم الأديان من النهل من معارف العصر.
يمكننا دون أن نستبق التحليل في أن ندعي بأن الأستاذ قد انتهج التأويل مدخلاً لإقامة رؤاه كاملة .
يستحق الموضوع دراسة كيف أسس الأستاذ رؤاه : التأويل ، وقد تحدث كثير من الكتاب حول التأويل في اللغة ، وذلك يصدق على النصوص الدينية وغيرها .
كما أن الرسالة الثانية رؤية دينية متكاملة ، يمكننا بالدراسة المقارنة معرفة مكانتها .
أنا أعتقد أن الفلاسفة عموماً ينهلون من علوم عصرهم ، وهذا لا يُعيب ، بقدر ما يؤسس للفلسفة :

إن الفلسفة تمشي بين الناس .

ونواصل
06/07/07

Post: #444
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-06-2007, 01:59 PM
Parent: #1

عزيزي أسامة
سلامات
قولك:
Quote: كلامك عن عدم اهمية ما قلت به عن محمد خلف ،
ونحن نسميه خلف،
هو كلام تنقصه الدقة.


أنا لم أقل أن ما قلته من تعليق على الأستاذ محمد خلف الله غير مهم. ولكن قلت أنه يجب علينا أن ننشغل بحوارنا الخاص، طالما أنت تقول بشيء قريب مما نقلته أنا بالنص من كتابته وعلقت عليه..

قولك:
فخلف من الذين اشرفوا على تحرير "الرسالة الثانية من الاسلام"،
و اكتشفوا فيها اخطاء مطبعية كثيرة .

هذا القول يفهم منه الإنسان أن كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" الذي طبعه الجمهوريون عدة طبعات وصلت إلى ستة طبعات، وكانوا يوزعونه، كانت به أخطاء مطبعية كثيرة وأن الأخ محمد خلف الله قد أشرف على تحرير الكتاب مرة أخرى واكتشف هذه الأخطاء!!!! هذا الكلام غير صحيح..
الجمعية السودانية لحقوق الإنسان في لندن قامت بإعادة طباعة كتاب الرسالة الثانية حوالي عام 1995، وأنا لدي نسخة من هذه الطبعة، وللأسف وجدت فيها أخطاء كثيرة.. ولذلك لا أنصح أحدا بالإعتماد على تلك الطبعة.. بالمناسبة دي دعني أقول أن أحد الأسباب التي حملتني على كتابة كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" في الكمبيوتر هو هذه الحقيقة.. والحمد لله تمت مراجعة الكتاب من عدة أشخاص وهو النسخة الموجودة الآن في الشبكة..
قد يكون كلامك هذا صحيح لو كنت تقصد بأن محمد خلف الله وآخرين قاموا بمراجعة طبعة "جمعية حقوق الإنسان السودانية" لكتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" ووجدوا فيها أخطاء طباعية كثيرة!!!!

قولك:

Quote: المهم،
كلام الاستاذ يشبه او قل انه نفس منطق الاعجاز العلمي في القرآن.
يكتفي المسلمون بانتظار انجازات الكفار و النصارى،
ثم يقولون بعد كل ذلك الجهد المبذول ان الامر كان موجودا في القرآن.
بل ان القرآن هو اكثر تطورا من تلك النظريات العلمية.


الأستاذ محمود قال أن الله يخاطبنا بآيات الآفاق وآيات النفوس ويعلِّمنا من آيات الآفاق.. وعلوم العصر هي آيات آفاق وأنت لم تستطع أن تجيء بدليل أو نص يقلِّل فيه الأستاذ من جهود العلم المادي، أو حتى يقلل من قيمة النظريات مثل نظرية التطور.. أما في مسألة التطور بالتحديد فقد نقلت لك ما قاله الأستاذ وأنت لم تواجهه في مستواه، وأرجو أن تفعل..
الأستاذ بالفعل تحدث عن أن معجزة القرآن في عهد الرسالة الثانية ستكون "علمية" و "فكرية" بخلاف معجزته في عهد الرسالة الأولى التي كانت معجزة بلاغية وبيانية.. [وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي ((علمية)) القرآن..] وهذا يمكنك أن تجده في هذه الصفحة من كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية":
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=23&chapter_id=12
ولكنه لم يقلل من شأن الكشوفات العلمية أو النظريات بل بالعكس أشاد بالإنسان الكلف بالإستكشاف والعلم..


Quote: إن هذا الإنسان المعاصر، الذي ذهب إلى القمر، يجوس خلاله، ويستكشف مجاهيله، وأرسل مركباته بآلاتها إلى كوكب المريخ، ترسل صوره، واضحة جلية، هذا الإنسان المتطلع إلى المجهول، الكلف بالغيب، الموكل بالفضاء الخارجي، يجوب بآلاته آفاقه، انما هو، في خفية أمره، يبحث عن نفسه، وهو لا يشعر.. هو يبحث عن نفسه التي أضلها تحت ركام الخرافات، والمخاوف، والأوهام، والأباطيل، عبر قرون لا حصر لها، من تاريخه الطويل.. وسيظل يبحث عنها، وسيجدها، وسيتعرف اليها، وسيكون في سلام معها.. وبهذا، وبهذا وحده، سيحقـق السلام مع الأحياء الآخرين.. فإنه، ما دام هو منقسما على نفسه، وعلى جهل بها، وفي حرب معها، فإنه لن يعطي الآخرين سلاماً، بل حرباً، ذلك بأن فاقد الشئ لا يعطيه..
في عهد فرعون موسى، عندما كان الأمر الغالب على العصر هو السحر، فقد جاءت رسالة موسى بالحق بصورة بزت سحر السـحرة، وأبطلته، فظنوه سحراً، وما هو إياه، وإنما هو يشبهه، ويختلف عنه.. ولقد قص الله علينا من خبره، فقال، جل من قائل: ((ولقد أريناه آياتنا، كلها، فكذب، وأبى * قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى * فلنأتينك بسحر مثله، فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه، نحن ولا أنت، مكاناً سوى * قال: موعدكم يوم الزينـة، وأن يحشر الناس ضحى * فتولى فرعون، فجمع كيده، ثم أتى * قال لهم موسى: ويلكم!! لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب.. وقد خاب من افترى * فتنازعـوا أمـرهم بينهم، وأسروا النجوى * قالوا: إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، ويذهبا بطريقتكم المثلى * فأجمعوا كيدكم، ثم أتوا صفاً.. وقد أفلح اليوم من استعلى * قالوا: يا موسى إما أن تلقي، وإما أن نكون أول من ألقى * قال: بل ألقوا.. فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا: لا تخف!! إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا.. إنما صنعوا كيد ساحر.. ولا يفلح الساحر حيـث أتى * فألقي السحرة سجداً.. قالوا: آمنا برب هارون وموسى * قال أآمنتم له قبل أن آذن لكم؟؟ إنه لكبيركم الذي علمكم السحر.. فلأقطعن أيديكم، وأرجلكم من خلاف.. ولأصلبنكم في جذوع النخل.. ولتعلمن أينا أشد عذاباً، وأبقى * قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، والذي فطرنا، فاقض ما أنت قاض.. إنما تقضي هذه الحياة الدنيا)).. فقد جاءهم الحق بصورة تشبه ما عندهم، ولكنه بز ما عندهم، وفاقه، فعرفوه واستيقنوه، وأذعن له من كان له بصر بالأمور..
وفي عهد عيسى، حين كان الغالب عليهم، والمعظم في صدورهم الطب، جاءهم الحق في صورة تشبه ما عندهم، ولكنها أعظم منه، فقال، جل من قائل: ((ورسولا إلى بني إسرائيل: أني قد جئتكم بآية من ربكم، أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير، فأنفخ فيه، فيكون طيراً بإذن الله.. وأبرئ الأكمه، والأبرص، وأحيي الموتى، بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون، وما تدخرون في بيوتكم.. إن في ذلك لآية لكم، إن كنتم مؤمنين)).. فجاءهم الحق بصورة تشبه ما عندهم، وما يعظم في صدورهم، ولكنه زاد عليه فعـرفوه، واستيقنـوه، وأذعـن له منهـم من سبقـت له من الله عناية..
ثم جاء عهد محمد، فكان الغالب عليه، والمعظم فيه، قوة البيان، وفصاحة اللسان، والعناية بإقناع العقول.. ولم تكن المعجزات في عهد موسى، وعيسى، تهمل إقناع العقول، ولكنها كانت تتجه، في المكان الأول، لتبهر العيون، وتسترهب العقول، بالخوارق.. ولكن معجزة محمد كانت تتجه، في المكان الأول، إلى مخاطبة العقول، لإقناعها بالبيان المعجز، في شمول في العبارة، وعمق في الإشارة، ودقة في المعنى.. هو يقول ((كذلك يبين الله لكم آياته.. لعلكم تعقلون)).. ويقول ((كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون)).. وكذلك كانت معجزة القرآن، ((البيان)).. ثم هو دعوة إلى الفكر ليس لها نظير.. قال تعالى، في ذلك: ((وأنزلنا إليك الذكر، لتبين للناس ما نزل إليهم.. ولعلهم يتفكرون)) فلكأنه تعالى قد جعل الغرض من إرساله رسوله، ومن إنزاله قرآنه ومن تفصيله تشريعه، إنما هو ((الفكر)).. ولكن هذا المستوى السامي من أغراض الدين لم يتحقق.. وهو لا يتحقق إلا في المرحلة العلمية منه التي تقوم على أصول القـرآن.. وذلك لأن الفكـر إنما هـو سمة مرحلة ((العلم)) من الإسـلام، لا مـرحلة ((العقيـدة)) منـه..


وفي فقرة لاحقة يقول:

Quote: وبالرجوع إلى ما أسلفنا الإشارة إليه، من أن المعجزة التي تظهر مع الرسالات إنما هي بسبيل مما يكبر في صدور الناس الذين أنزلت إليهم تلك الرسالات، نجد أن القرآن قد جاء في عهد البلاغة التي كانت كبيرة في صدور العرب، وعظيمة الوقع على نفوسهم، جاء بالإعجاز في هذا الباب، من شمول العبارة، ولطف الإشارة، وفصل الخطاب، ودقـة المعنى.. هذا في استعماله لأواني التعبير العربي - اللغة العربية، ولطالما أشرنا إلى أن القرآن ليس اللغة العربية.. ونعني بذلك: أن اللغة العربية لا تحمل كل معانيه، إنما القرآن عـلم، هو علم النفس البشرية التي اغتربت عن موطنها.. وهي الآن في سبيل الرجعى إليه.. والقرآن هو خط سيرها، في الصـدور، والورود.. وهو إنما صب في قوالب التعبير العربي ليكون منهاجاً لها، به تتحقـق لها الرجعى.. قال تعالى، عن حقيقة القرآن، وعن مظهره: ((حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا، لعلكم تعقلون * وإنـه، في أم الكتاب، لدينا، لعلي حكيم)).. فالقـرآن حقيقته.. في أم الكتاب.. وأم الكتاب، هنا، هي الذات الإلهية.. فإنه، عندما قال ((لدينا))، قد خرج بالصورة عن الزمان والمكان، فلحقت بالذات.. فهذه هي حقيقة القرآن.. ثم إنه تنزل المنازل، حتى لقد طوعت أواني التعبير العربي لتحمل أكبر قدر من هذا الإطلاق.. والحكمة في ذلك هي أن نفهم نحن: ((إنا جعلناه قرآنا عربياً، لعلكم تعقلون)).. وتطويع أواني التعبير العربي لتحمل هذا الفيض الزاخر من العلم، هو إعجاز التعبير، الذي ووجه به العرب، فلم يستطيعوا أن ينهضوا لتحديه، فأذعنوا له، واستيقنته نفوسهم، وآمن له منهم من سبقت له من الله العناية..
ولكن التعبير باللغة العربية إنما هو ظاهر القرآن.. وللقرآن ظاهر، وباطن، وله حد، ومطلع.. ولقد تحدثنا عن كل أولئك في كتابنا: ((أسئلة وأجوبة)).. ويكفي أن نقول هنا: أن ظاهره هو بمثابة آيات الآفاق.. وأن باطنه هو آيات النفوس.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟؟)) وكل باطن من القرآن داخله باطن.. ولا تتناهى الصور، على الإطلاق.. لأن نهايتها في الإطلاق - في الذات الإلهية - وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي ((علمية)) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شئ في صدور الناس الآن، وسيجيء الحـق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه، وتتفوق عليه.. وسيذعنون لها، وستستيقنها نفوسهم، وسينقادون لها.. لا يشذ عنها شاذ، ولا يعصي أمرها عاص.. يقول تعالى في ذلك: ((طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم، من السماء، آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)).. وهذه الآية إنما هي بيان الكتاب المبين المطوي في آية ((طسم)) هـذه.. وهـذه هي مهمة الرسالة الثانية من الإسلام.. هذا مجال التفاوت في فردياتها.. تلك الفرديات التي تنشأ على أديـم مجتمـع تحكم علائـق أفراده الشريعة التي تقـوم على أصول القرآن..


لاحظ ما وضعت تحته خطاً.. وطبعا غني عن القول أن كل هذا الذي تنبأ به الأستاذ لم يحدث حتى الآن.. ولكن كل الدلائل التي نراها تشير إلى أنه سوف يحدث، وربما يكون ذلك أقرب مما نتصور..
وهناك دليل آخر على أن الأستاذ يختلف عن علماء المسلمين الذين يقولون أن إعجاء القرآن في أنه تنبأ بأشياء أثبتها العلم مؤخرا أو أشياء حدثت كما جاء في القرآن.. وقد كان الدكتور مصطفى محمود واحدا من هؤلاء.. اقرأ ما جاء في هذه الوصلة:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=36
..
Quote: لماذا .. إعجاز القرآن؟

وهذا، أيضا، فصل قليل الأهمية .. وهو بسبيل من الفصل السابق، وفي معناه .. ولكنه أكثر ضررا بالعقول منه ..
وأنت تفترعه بقولك: (القرآن كتاب حافل بالنبوءات) .. ثم تمضي لتقص علينا كيف أنه تنبا بأحداث، ثم كيف تحققت هذه الأحداث على وفق ما أنبأ .. وما قيمة هذا؟؟ قيمته أنك تريد أن تقول: أن القرآن كتاب منزل من الله الذي يعلم الغيوب، وما هو بكتاب موضوع من لدن محمد بن عبدالله!! هذا هو كل همك!! ألا ترى أنه هم صغير، صغير لا يليق برجل في مثل قامتك هذه، وفي زمن مثل زمنك هذا الذي تعيش فيه؟؟
دع هذا للأشياخ، فقد استغرقهم، واستغرقوه .. وأقبل لتتحدث عن القرآن بما يليق بك وبزمانك ..
القرآن هو همس أقدام ذات (نفس) الله وهي تتنزل من الإطلاق إلى القيد .. ولقد تركت هذه الأقدام آثارها في الزمان والمكان .. ثم جاء القرآن يقتفي هذه الآثار، ليبينها للسالكين إلى الله في إطلاقه .. قال تعالى عنه، ليفيد هذا المعنى: (سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟؟ * ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم .. ألا إنه بكل شيء محيط ..) .. ولما كان تعالى بكل شيء محيطا فقد أصبح لا بد من لقائه، وما يتمارى بذلك إلا الغافلون .. ولزيادة توكيد هذا اللقاء جاء قوله، تبارك، وتعالى: (يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا، فملاقيه) .. ولا تكون ملاقاة الله بقطع المسافات .. فإنه تعالى قد قال: (ما وسعني أرضي، ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن) .. ولذلك فإنا إنما نلقاه فينا .. قال تعالى، في ذلك: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) .. وقال المعصوم: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) .. وقال أصحابنا: (سيرك منك وصولك إليك) .. وأصبح واضحا، لأرباب القلوب، أن لقاءنا الله إنما يكون بتقريب صفاتنا من صفاته .. إنما يكون بتخلقنا بأخلاقه .. إنما يكون بمحاكاته .. إنما يكون باقتفائنا آثاره .. والقرآن جاء يقتفي هذه الآثار .. وهذا هو معنى قولنا: أن القرآن هو همس أقدام الذات الإلهية، وهي تنزل منازل التدني، والتدلي، من الإطلاق إلى القيد .. وإنما السير إليها هو باقتفاء هذه الآثار: (فارتدا على آثارهما قصصا) .. وهذه الآثار لا ترى بعين الرأس، وإنما ترى بعين العقل، ولذلك فإنه، تبارك، وتعالى، قد وهبنا العقول من أجل أن نسير إليه باقتفاء آثاره .. ثم أنه قوى عقولنا برسل الملائكة، ثم أنه قواها برسل البشر ليرسموا المنهاج، ويبينوا معالم الطريق .. وقد جاء محمد المعصوم فأبان المعالم بتجسيده للقرآن، في الدم واللحم، حتى لقد صح أن تقول عنه عائشة: (كانت أخلاقه القرآن) .. ثم دعانا إلى تقليد محمد فقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، يحببكم الله) .. وقد سار محمد إلى الله سيرا يوجهه، ويهدي خطاه الله، بواسطة جبريل، وبغير واسطة .. (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) .. فقد سار جبريل أمام محمد يقتفي آثار الحق، لا يخطئها، وسار محمد بسيره، حتى قويت أنواره، فاستقل عن جبريل، وأخذ يسير خلف الله بلا واسطة ..
ونحن، إنما نسير خلف محمد ريثما تقوى أنوارنا، فنسير خلف الله بلا واسطة .. وهذا هو لقاؤنا الله .. هو لقاء وسيلته العقل .. ولا يتخلف العقل عن هذا اللقاء إلا لغواشي الجهالات، والأوهام، والأباطيل .. وإنما أرسل الله جبريل، وأرسل محمدا، لتخليص العقول من هذه الأغلال .. قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون)..
فإذا قويت العقول بفضل الله، ثم بفضل تقليد محمد، بإتقان، في اسلوب عبادته، وفيما تيسر من أسلوب عادته، فقد تأهلت لتستقل عن التقليد، ولتعيش في أصالة، ولتتلقى عن الله كفاحا، وقد سقطت من بينها وبينه الوسائط .. والتلقي عن الله بلا واسطة يورث الاستقامة .. ولقد تحدثنا عن الاستقامة كثيرا في هذا الكتاب، وفي عدة مواضع من كتبنا .. وغاية الاستقامة ما حكى الله عن النبي الكريم، في قمة معراجه .. قال تعالى عنه: (إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى) .. وهذه حال من يكون مع الله على أدب الوقت .. وأدب الوقت مع الله أن تعيش في اللحظة الحاضرة، قائما بالواجب المباشر جهد الإتقان، ثم، بعد ذلك راضيا بما يجريه الله عليك، من غير أن تذهب نفسك حسرات عند الفشل، ومن غير أن يستبد بك الفرح عند النجاح .. (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم) .. هذا هو نهج الحياة الكاملة التي تحررت من الخوف، واستغرقت في الأنس، والطمأنينة، والحب .. هذه هي حياة الفكر، وحياة الشعور .. وطريقها القرآن .. وما أنزل القرآن إلا من أجلها وهي، هي معجزة القرآن الباقية، والخالدة، والمستمرة البقاء، والخلود، باستمرار ترقيها، وتطورها، وتجددها، محاكية لصفة الله، تبارك، وتعالى، في قوله، عن نفسه،: (كل يوم هو في شأن) .. ثم هو لا يشغله شأن عن شأن ..
لا أجد هنا الحيز لأتحدث أكثر عن إعجاز القرآن، وموعدنا بذلك، إن شاء الله، كتابنا الذي وعدنا به القراء في هذا الكتاب، وهو عن (القرآن بين التفسير والتأويل) .. وإني لأرجو الله أن يعينني على إخراجه ..
ولكني ما أحب أن أزايل مقامي هذا قبل أن ألفت نظرك إلى أن إعجاز القرآن ليس، فحسب، في لغته، ولا هو في علميته بآيات الآفاق، من أرض أو سموات، وإنما معجزته، كلها، في آيات النفوس الواردة إليها الإشارة في قوله تعالى: (سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟؟) ..
ومعلوم، عند أرباب القلوب، أن الإنسان هو الكون الأكبر، وأن العوالم، كلها، هي الكون الأصغر .. فالإنسان هو مقصود الله بالأصالة، وهو موضع نظر الله إلى مخلوقاته .. والأكوان، جميعها، هي مقصود الله بالحوالة، وهي مطية الإنسان، ووسيلة سيره إلى ربه – إلى كماله – إعجاز القرآن إنما في كونه علم النفس .. وهو في ثالوثه المحكي كثيرا في الأسماء الثلاثية: (الله الرحمن الرحيم) .. أو (العالم المريد القادر) .. أو (الخالق البارئ المصور) .. ولقد حكيت، أحكم حكاية، في قوله، تبارك وتعالى: (لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف) .. أرجو أن تفكر في هذا .. وللعون أحيلك، في هذا الكتاب، إلى فصل (لا إله إلا الله) ..

قولك:

Quote: كلامك حول ان دارون ينطلق من مفهوم مسيحي،
كلام خاطئ ،
بل هو ضد ما تقول به الكنيسة تماما.

أرجو أن ترجع إلى كتابتي لتجد أنني لم أقل بأن دارون ينطلق من مفهوم مسيحي.. وإنما قلت أن الأستاذ محمود "يحتفظ لدارون بفضيلة أنه قال بالتطور في مقابل يمثلون الفهم الديني التقليدي اليهودي ـ مسيحي"..

قولك:

Quote: ولاحظ الجدل الدائر في امريكا حول تدريس النظرية التطورية،
وتدريس النظرية الدينية التي تقول بان للكون مبدع.



نعم بعض الأمريكان متخلفون جدا بطريقة تشبه أتباع الفهم الديني الإسلامي التقليدي وكل هؤلاء لا يفهمون أن التطور نفسه إبداع.. أليس تطور الإنسان في رحم الأم من حيوان منوي وبويضة إلى إنسان مكتمل نوع من أنواع الإبداع؟؟ فلماذا ينكر الناس أن التطور في رحم الدنيا أيضا نوع من الإبداع؟؟ وأنا عندي أن أتباع الفكر الديني التقليدي، إسلامي أو يهودي أو مسيحي، لا يقلون جهلا من العلماء والفلاسفة الملحدين الذين ينكرون أن يكون للكون مبدع وخالق.. ولكن هؤلاء الأخيرون الأخيرون غير أمينين للعلم الذي يدعونه.. وقد أشاد الأستاذ محمود بالعالم آينشتاين في كتاب "الإسلام" وأورد ترجمة العالم المصري الكبير أحمد زكي لكلمات آينشتاين:
Quote: (( إن ديني هو إعجابي ، في تواضع ، بتلك الروح السامية التي لا حد لها ، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة ، القليلة ، التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة ، العاجزة ، وهو إيماني العاطفي ، العميق ، بوجود قدرة عاقلة ، مهيمنة ، تتراءى حيثما نظرنا ، في هذا الكون المعجز للأفهام ، إن هـذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله ))


قولك:
Quote: ولم يتكلم الاستاذ عن الديمقراطية والاشتراكية ،
من الانطلاق من القرآن نفسه،
و انما من الانطلاق من تجربة الحداثة الغربية .


الأستاذ محمود قال بفكرة الرسالة الثانية بعد أن تعرف على ثقافة عصره من إشتراكية وديمقراطية.. ولكن انطلاقا من إيمانه بأن الله لا يعلِّم بالقرآن وحده، وإنما بكل شيء في الحياة وفي الكون فقد اعتبر أن معرفة البشر لمبدأي الديمقراطية والإشتراكية هي أيضا من كتاب الله.. ثم نظر فوجد الأساس القرآني والإسلامي اللفظي لهذين المفهومين العصريين.. هاك نصا يقول فيه الأستاذ أن كتاب الله هو الأكوان جميعها والإنسان قبل أن يكون القرآن، وذلك من كتاب "تعلموا كيف تصلون" هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=25&chapter_id=2


Quote: كتاب الله ، في الأصل هو الأكوان جميعها.. وهو الإنسان ، في المكان الأول ، لأن في الإنسان - جسمه وعقله - إجتمعت آيات الظاهر ، وآيات الباطن.. يقول تعالى ، في ذلك : ((سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ؟؟))
جسم الإنسان هو كتاب الله.. والقرآن ، المحفوظ بين دفتي المصحف ، والمقروء باللغة العربية ، إنما هو صورة لفظية ، وصوتية ، وعلمية ، لهذا الكتاب العظيم..


قولك:
Quote: لم يحدث ان قدم باحث اسلامي اكتشافا جديدا انطلاقا من القرآن نفسه ،
قبل ان تكتشفه الحياة الدنيا.
[1]
لاحظ مثلا ان النظريات الدنيوية يتم تقديمها عبر مئات من الصفحات ،
بينما يتم تقديم النموذج القرآني في اية او بضع آيات.
[2]
وحتى ما يقول به الاستاذ ،احتذاء للنمط الغربي،عن التطور،
لا يوجد اثبات عيني له،وانما يمكن ان تؤمن به او لا ،
بدون دليل ،
وهذا عينه هو المنطق الميتافيزيقي.
[1]

الخط [1]: نحن هنا يا صديقي بصدد الأستاذ محمود ولسنا بصدد باحثين آخرين.. فأرجو أن تعطي الأستاذ قيمة أنه يختلف عن كل المفكرين الآخرين.. أستغرب لماذا تضعه معهم في مكان واحد!!؟؟ ألا يكفي أنه المفكر الوحيد الذي تعرض لمحاكمات صورية ولحكم القتل وتنفيذه في عصرنا هذا يا أسامة؟؟
الخط [2]: يا صديقي أسامة، لم يكتف الأستاذ في كتبه بإيراد آية ويقف عند ذلك الحد، وإنما تحدث عن فهم مبوب ومفصل بصورة كبيرة.
الخط [3]: ما هو الذي يقول به الأستاذ، احتذاء للنمط الغربي، عن التطور؟؟ أرجو أن توضح نفسك أكثر وسأعود..

قولك:

Quote: للأسف ان المفكرين الاسلاميين ينهلون من الكفار و النصارى واليهود،
ولكنهم لا يمتلكون طرحا عصريا انطلاقا من القرآن والحديث النبوي الشريف.
المسالة كلها هي مسالة تقديرية ،
تنبي على "التأويل".
و لذلك لم يقم الاستاذ ان علينا اختبار مقولات القرآن ،
و انما قال ان التاويل هو المهم.


حتى لا يضيع علينا "الدَرِبْ في الموية" يا أسامة.. إذا كان عندك اعتراض محدد على فهم الأستاذ محمود عن مسألة التطور، والآيات التي أوردها، ومنهجه الذي قال به عن تعليم الله لنا بـ "آيات الآفاق" فأرجو أن تورده وتخليك من الكلام المعمم هذا، لأنه لا يفيدنا..

مع تقديري وشكري..

ياسر

Post: #445
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-07-2007, 01:52 AM
Parent: #444

عزيزي ياسر
كلام الاستاذ عن التطور لم يكن في مخطط دراستي,
وقد قلت انني غير متخصص في ذلك الامر،
ولهذا من يقومون به، اذا ما راقهم قولنا عن التناص.
وقد سبق لي ان قلت ان موضوع التناص في ما يتعلق بخطاب الاستاذ يحتاج الى جيش من الباحثين.
اعتقد ان على خلف ان يرد على ما قلت به فهو من ا لمشرفين على طبعة "حقوق الانسان".
وساحاول الاتصال به لمعرفة رايه ،او نشر رده عليك بواسطة الايميل.
محبتي
المشاء

Post: #446
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-07-2007, 06:19 AM
Parent: #1


الأحباء :
الكاتب والشاعر : أسامة الخواض
الكاتب : الدكتور ياسر الشريف

تحية لكما وأنتما تُثريان الملف .

نسترِح برهة عند نبع من طرائق المتصوفة في الكتابة ،
منها تجربة لنا لم يزل دمها يُقطر :


الحبيب عبد الهادي في مقام الوجد .


قلت لنفسي :

ـ ومن يشبهُكْ ؟
كريم تغضب أنتَ أن ترى الشاة في مورد الماء ولا تَضمُمْ كفيكَ لشُربها .
أترى أعزلناه من مجلس الصُحبة ، أم أن ربي هو جلَّ منْ لا ينسى ؟
يقولون الغيم يُغطي ولكن كُسوف الشمس يُظلِم الكَون .

قال النفري العابد ، وهو يستبطن الخطاب الرباني :

يا عبد تُب إليَّ مما أكره أقدر لكَ ما تُحِبْ .
يا عبد نَاجِني على بُعدكَ و قُربك واستعِن بي على فتنتك ورشدك .
يا عبد أنا العزيز القادر وأنتَ الذليل العاجز .
يا عبد أنا الغني القاهر وأنتَ الفقير الخاسر .
يا عبد أنا الشهيد بما فطرت وأنتَ الغافل الجائر .
يا عبد أنا الوفي بما وعدت و زيادة لا تبيد ، وأنا المتجاوز عمَّا تواعدت
وحنان لا يميد .


حبيبنا عبدٌ أنت للهادي

نقول لك مما استبطنَّا من العبودية في جلال الربوبية الناطقة :


بمثل ذاك أحببتُك عَبدي ... وعتبتُ عليك .

عندما تغضب ألا يتذكرك إخوتكْ ، فكأنكَ وصفتهم بوصفي :

أنا الذاكر أكون فوق النَسيان . كَوني و أنا حُرٌ في مُلكه، أخلقه كيف أشاء ،
ولا يُنازعني صفاتي أحد . أنا ملئ المكان ودهر الزمان ،
وظِل الذي يقف في هجير الدُنيا ويدعوني فأستجب ،
فإن أحببت من عِبادي أكون يده وأكون قلبه الناطق بملكوتي .
كُن عزيزاً عَبدي ، وليسلم الناس من لسانَك واليد ، ألم تقرأ عبدي :

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }إبراهيم22


اللهُم اغفر لنا إن نسينا أو أخطأنا ، فأنت في مقام ربوبيتُك ربي لا تأخذكَ سِنة ولا نوم .

عبد الله الشقليني
07/ 07 / 07


Post: #447
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-07-2007, 06:29 PM
Parent: #1

الأحباء:
الكاتب أسامة
والكاتب ياسر
التحية لكما وأنتما تُفردان لنا الكثير من المنقول و من الرؤى .


نقطف بعض من ردود الأستاذ للدكتور مصطفى محمود ، ونتقصى اللغة الباهرة :


القرآن هو همس أقدام ذات (نفس) الله وهي تتنزل من الإطلاق إلى القيد .. ولقد تركت هذه الأقدام آثارها في الزمان والمكان .. ثم جاء القرآن يقتفي هذه الآثار، ليبينها للسالكين إلى الله في إطلاقه .. قال تعالى عنه، ليفيد هذا المعنى: (سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقرآن جاء يقتفي هذه الآثار .. وهذا هو معنى قولنا: أن القرآن هو همس أقدام الذات الإلهية، وهي تنزل منازل التدني، والتدلي، من الإطلاق إلى القيد .. وإنما السير إليها هو باقتفاء هذه الآثار: (فارتدا على آثارهما قصصا) .. وهذه الآثار لا ترى بعين الرأس، وإنما ترى بعين العقل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونحن، إنما نسير خلف محمد ريثما تقوى أنوارنا، فنسير خلف الله بلا واسطة .. وهذا هو لقاؤنا الله .. هو لقاء وسيلته العقل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومعلوم، عند أرباب القلوب، أن الإنسان هو الكون الأكبر، وأن العوالم، كلها، هي الكون الأصغر .. فالإنسان هو مقصود الله بالأصالة، وهو موضع نظر الله إلى مخلوقاته .



راقب عزيزي القارئ مفردات اللغة الباهرة:

1/ إن القرآن هو همس الذات الإلهية

2/ الإنسان هو الكون الأكبر .

3/ هذه الآثار لا تُرى بعين الرأس إنما ترى بعين العقل .

4/ ونحن إنما نسير خلف محمد ريثما تقوى أنوارنا ،
فنسير خلف الله بلا واسطة

ونواصل

Post: #448
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-08-2007, 07:28 AM
Parent: #447

مصرع الانسان الكامل ؟؟؟الابواب مشرعة لليوتوبيا
كما قلنا يرى الاستاذ ان من واجبات الجماعة والمجتمع انجاب الفرد الكامل،
او قل الانسان الكامل ،في مستوى دنيوي لا يربتط بالانسان الكامل كزوج للذات الالهية ،
وكمحاسب للناس يوم القيامة .
ولذلك يمكن ان نسأل هل يحتوي خطاب الاستاذ على عناصر يوتوبية؟
هل هنالك علاقة ما بين يوتوبيا الفرد الكامل مثلا و المجتمع الشيوعي عند ماركس؟
هل عدم تحقق مجتمع ا لرسالة الثانية في القرن العشرين كما يبدو من المخطط النظري ،
يعني مصرع الانسان الكامل؟
أو بمعنى آخر هل يمكن تخليص اليوتبيا من خطاب الاستاذ؟
هل يمكن أعادة انتاج خطاب الاستاذ بروح براغماتية ،تنزع عن ذاتها ثوب اليوتوبيا؟
كيف يمكن تطوير خطاب الاستاذ انطلاقا من مجتمع الانفوميديا والتي قللت من علاقة وجه لوجه،
اي علاقات التفاعل المباشر لتنطلق الى واقع افتراضي؟
ما مفهوم الانسان الكامل في حدود ما يجد من تطورات تلقي بتأثيرها على المجتمع وعلى العلاقات بين الافراد؟
اسئلة كثيرة تطرح ضمن سياق كيف سيهاجر خطاب الاستاذ الى الخطاب الاصلاحية والثورية الاسلامية؟؟
المشاء

Post: #449
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-08-2007, 06:25 PM
Parent: #1




الأستاذ محمود ومناهج المتصوفة ( 1)


الشاعر والكاتب : أسامة الخواض
تحية طيبة لك .
قرأت الأسئلة التي أوردت أعلاه .
كنتُ ولم أزل أرغب ألا أتعجل تقييم الرؤية كاملة ، وكما تفضلت يحتاج الأمر هصراً للجسد أن يصبر على معرفة دُنيا الأستاذ / محمود محمد طه قبل طرح الكثير من الأسئلة .
نعلم جميعاً أن مُخطط الأستاذ أكبر من التعجُل ، ومما قرأنا وتدارسنا فهنالك أكثر من منهاج :
1/ منها أن ينتهج منهج المباحث ، دون التدقيق على المراجع ، ربما من فرط الثقة بمعرفة القُراء ، ولكنها لا تُعفي الباحث من إيراد المصادر .
2/ منها أن ينتهج منهج المتصوفة ، و وسيلته ( التأويل ) وذاك أراه وجهاً آخر .

من الصعب أن ينفلت منهاج المتصوفة من الحُلم ، وهو لصيق بعلوم النفس البشرية ، ولها كما نعلم تاريخ ضارب في القدم ، وقد ذكر ( لوى ماستنيان )في تتبُع سيرة أبو المغيث الحلاج أنه زار الشرق ، وزار معابده ودرس البراهمية واليوغا ، وبقي هناك أكثر من ثلاثة أعوام قبل أن تتوهج مدرسته في التصوف ، من خلال شعره وأقواله .
عندما قدم من الشرق ، قدمت شخصية جديدة ، قوية الوقع على من يقابله . وتلك يصل لها العابد أياً كانت عبادته عندما ينتهج المنهج الصوفي في تهذيب النفس ... وذاك بحر يحتاج لكثير من الأسفار ، وقد قيل قديماً أن مهره الدم ، لأن لغته غير ما اعتدنا ، ومنهاج التأويل قديم قدم التاريخ ، فكهنة آمون يمارسونه ، وعندنا الكجور يمارسونه ، رغم اختلاف العقائد والمنطلقات .
... وذاك أيضاً بحر لا أريد أن أتعجله ، لأنه يحتاج صبر المصادر ، ولا يُقنِع حديثي الآن أحد ، لأن منهاجه غير منهاج المباحث التي اعتدنا .
كل ما هناك : تجربة وتدريب ، وصوم و ( ميديتيشَن ) : تدريب للجسد وتدريب للروح ... وذاك أيضاً بحر .
كنتُ آمل أن نقطع شوطاً من تدراس خطاب الأستاذ قبل النهل من منهجه المتصوف .
يحضرني عزيزي الكاتب أسامة الخواض ، نادرة قد تبدو غريبة ولكنها مفتاح أثر المتصوفة في نفوس من يلتقيهم ، وأذكر الحادثة ويعذرني القراء ألا دليل سوى ذاكرتي :
أذكر أنني كنتُ أشاهد في زمان مضى برنامجاً تلفزيونياً ، آمل أن يكون محفوظاً في ذاكرة التلفزيون السوداني ، ففيه كان يتحدث الشيخ عبد الجبار المبارك عن الأستاذ / محمود محمد طه ، وذكر أنه شاهده ذات مرة وسلم عليه ، ورأى بأم عينيه أسداً من خلفه ، وانتفض إلى أن قال ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ،
واختفى الأسد ، ودلل الشيخ على الحدث من أن الشيطان يقف من وراء الأستاذ وقد تمثل له في شكل أسد !!!
نترُك الحدث كما هو ونذكر من سِفر ديوان الحلاج تحقيق الدكتور سعدي ضناوي ، حيث أفاد بأن الحلاج غادر لرحلة إلى الهند وتركستان وكشمير ، وكان يسعى ليحقق روح الإسلام باتصاله بالفكر الإنساني في العالم أجمع ، ودرس اليوغا واطلع في رحلته على طرق المخاطبة العرفانية بين الحكماء والتي بموجبها تمكن الإنسان أن يتوصل لحالات من الوعي تفوق في سموها قدرات الإنسان العادي من خلال ممارسة صيغ عرفانية تسمى ( sutra ) تمكن العارف قراءة الأفكار والتخاطب بغير وسائل التعبير المعروفة ومناهج معرفة الماضي واستبطان معرفة المستقبل ،
( وتلك ممارسات تم قراءتها من خلال جلسات في معرفة التنويم الإيحائي في عصرنا الحديث الذي يمكن فيه للنائم الرجوع لتاريخ أحداث من قبل ميلاده مخزونة في الذاكرة )
و ذلك بخلاف الجاذبية النفسية العالية للأفراد الذين يمارسون مسالك المتصوفة ... وذاك بحر .
نتوقف هنا ، ريثما نواصل في مناهج المتصوفة وعلوم النفس البشرية :
اليوغا ، المسمرية ، التنويم الإيحائي ( المغناطيسي ) ، التنويم الإيحائي الذاتي ...
بحر ينتظر ... وليت لنا الصبر .

ونواصل

Post: #450
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-09-2007, 05:08 PM
Parent: #1

ونواصل

Post: #451
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-10-2007, 05:34 AM
Parent: #450

عزيزي الشقليني
كلامي عن نزع اليوتوبيا من خطاب الاستاذ ،
مرده الى صلة قربى بينه و بين الخطاب الماركسي في حديثه عن المجتمع الشيوعي،
والفرد الشيوعي.
فلذلك فان تطور خطاب الاستاذ مرتبط بالواقعية في التعامل مع الراهن.
ومن ضمن ذلك التطورات الرهيبة التي أعقبت خطاب الاستاذ ،
والذي في رايي المتواضع يتعلق بحداثة النصف الاول من القرن العشرين.
وحتى الكلام عن الفرد الحر وعلاقته بالمجتمع يتطلب برنامجا أكثر تطورا مما طرحه الاستاذ في "دستوره" وديباجة الدستور .
وللاسف الشديد ،فان الجمهوريين لاسباب لا اعرفها ،
ويبدو انها مرتبطة ب"عقيدتهم" في الاستاذ ،
لا يرون ضرورة من تعديل البرنامج الذي مرت عليه ثورات علمية واجتماعية وسياسية كثيرة ،
جعلت امر تطويرها مسالة لازمة.
لاحظ مثلا ان خطاب الاستاذ كان مبنيا على صراع "الحرب الباردة".
ولاحظ مثلا ان الاستاذ لم يتطرق الى نقد الاشتراكية الديمقراطية المقامة منذ عقود في الدول الاسكندنافية .
ولاحظ قبل كل شيئ ان الاستاذ ،وهو غير متخصص في صنع الدساتير ،
هو الذي وضع البرنامج و الديباجة معا.
خطاب الاستاذ يتحدث عن حداثة النصف الاول من القرن العشرين،
وهذه مسالة واضحة جدا.
اليوتوبيا وحدها ،لا تكفي لنجاح حركة فكرية ما ،
وخاصة في هذا القرن ،الذي يفوق كثيرا القرن العشرين الذي عول عليه الاستاذ كثيرا،
وبنى خطابه عليه،
وسايره في ذلك الجمهوريون.
محبتي
المشاء

Post: #453
Title: الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية لا يزال أمل الإنسانية!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-10-2007, 11:02 AM
Parent: #451

عزيزي أسامة الخواض،
سلامات
ما قلته هنا في مداخلتك هذه يسير أيضا في اتجاه ما سبق أن قاله الأخ محمد خلف الله عبد الله وقد سبق لي أوردت تعليقي عليه في هذا الرابط.

في الأمانة الفكرية.. وأشياء أخرى.. مع الأخ أسامة الخواض..

محمد خلف الله قال:


Quote: وإذا كان محمود، مثلاً، يرى أن الشيوعية أكفأ من الرأسمالية (مع تشابههما في الأصل المادي) من حيث المقدرة على تحقيق الوفرة المادية وعدالة توزيعها، فإن انكشاف أمر مسار التجربة السوفيتية كان كفيلا بتصحيح هذه الملاحظة، إن لم نقل إسقاطها من أي طبعة لاحقة من "الرسالة الثانية من الإسلام"؛ هذا بالطبع إن لم يكن محمود يقصد بالشيوعية شيئا آخر سوى تلك التجربة الزمنية الملموسة."

لا أريد أن أكرر ما سبق أن كتبته ونقلته هنا فيمكن لمن أراد قراءته أن يرجع إليه في الوصلة بعاليه ولكني سأعلق على ما قلته أنت هنا..

Quote: كلامي عن نزع اليوتوبيا من خطاب الاستاذ ،
مرده الى صلة قربى بينه و بين الخطاب الماركسي في حديثه عن المجتمع الشيوعي،
والفرد الشيوعي.


أراك قد ذُهِلت عن انتقاد الأستاذ محمود للفلسفة الماركسية وقوله بأنها غير مؤهلة لتحقيق الإشتراكية أو الشيوعية وذلك لإنكارها لجانب الغيب، ولاتخاذها العنف كأسلوب تغيير وحيد وأساسي.. وبرغم هذا أنت تتحدث عن صلة قربى بين خطاب الأستاذ وبين الخطاب الماركسي، وترى أن تحقيق المساواة الإقتصادية في مستوى الشيوعية يوتوبيا أو مثالية يستحيل تطبيقها.. ولذلك تدعو إلى تطوير هذا الخطاب فقلت:

Quote: فلذلك فان تطور خطاب الاستاذ مرتبط بالواقعية في التعامل مع الراهن.
ومن ضمن ذلك التطورات الرهيبة التي أعقبت خطاب الاستاذ ،


وسوف يلاحظ القارئ أن كلامك هذا يشبه ما قاله الأخ محمد خلف من "انكشاف أمر التجربة السوفيتية".. فأنتما تتفقان على ضرورة تطوير الفكرة الجمهورية لخطابها فيما يختص بمسألة الإشتراكية والشيوعية لأن التطبيق قد فشل..
الراهن والواقع يا صديقي يقول أن الإنسانية لا تزال تريد اجتماع الديمقراطية الحقيقية بالإشتراكية الحقيقية في نظام واحد وهذا ينتج عنه المساواة الإجتماعية والعدل ومن ثم السلام والمحبة في المجتمع.. نعم، منذ هزيمة الإتحاد السوفيتي فإن العالم يسيطر عليه قطب واحد، هو القطب الذي يتخذ أسلوب الرأسمالية في الإقتصاد، والديمقراطية في السياسة.. توحد القطبية في العالم هو الذي جعل حتى الدول التي سارت في طريق الإشتراكية الإجتماعية social democracy مثل ألمانيا ترجع شيئا فشيئا عن هذا الخط.. أنا أعتقد أن هذه مسألة مرحلية فقط وأن الإنسان لا يملك شيئا أفضل من العودة إلى فكرة الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية، وهذا هو ما دعا إليه الأستاذ محمود.. آخر ما كتبه الأستاذ هو "الديباجة" [تجدها هنا:]
"الديباجة" - آخر ما كتبه الأستاذ محمود محمد طه
وتجد فيها تأكيدا لهذا الأمر..

قولك:

Quote: وحتى الكلام عن الفرد الحر وعلاقته بالمجتمع يتطلب برنامجا أكثر تطورا مما طرحه الاستاذ في "دستوره" وديباجة الدستور .

كنت أتمنى أن تبين لنا كيف أن الدعوة إلى الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية تحتاج إلى تطوير.. ولكنك تقول:

Quote: وللاسف الشديد ،فان الجمهوريين لاسباب لا اعرفها ،
ويبدو انها مرتبطة ب"عقيدتهم" في الاستاذ ،
لا يرون ضرورة من تعديل البرنامج الذي مرت عليه ثورات علمية واجتماعية وسياسية كثيرة ،
جعلت امر تطويرها مسالة لازمة.

ما هي الثورات العلمية والإجتماعية والسياسية التي جعلت من فكرة الجمع بين الديمقراطية والإشتراكية التي دعا إليها الأستاذ تحتاج إلى تطوير..

قولك:

Quote: ولاحظ مثلا ان الاستاذ لم يتطرق الى نقد الاشتراكية الديمقراطية المقامة منذ عقود في الدول الاسكندنافية .

ما حدث في الدول الإسكندنافية وبعض الدول الغربية الأخرى مثل ألمانيا وهولندا من اتجاه نحو "الإشتراكية الديمقراطية" social democracy هو محاولة من هذه الدول لحماية مجتمعاتها من أن تتأثر بالنظام الإشتراكي السوفيتي القريب من حدودها.. وهو على أي حال خير من النظام الديمقراطي الرأسمالي القح كالذي يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا.. ولكن للأسف بعد نهاية الإتحاد السوفيتي، وزوال خطره، أخذت بعض الدول مثل ألمانيا، كما ذكرت سابقا، في الرجوع عن خط الرعاية الإجتماعية للطبقات الأضعف في المجتمع.. الدول الإسكندنافية قليلة السكان ولذلك نجحت نسبيا في الإلتزام بالإشتراكية الديمقراطية، وهي على أية حال حجة مع دعوة الأستاذ محمود للجمع بين الإشتراكية والديمقراطية وليست حجة ضدها.. ومع أن الأستاذ كان معجبا بهذه التجربة إلا أنه يعلم أنها غير كافية.. جوهر الذي أقوله لك جاء في مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب "قل هذه سبيلي" هنا:
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=3&chapter_id=2


قولك:

Quote: ولاحظ قبل كل شيئ ان الاستاذ ،وهو غير متخصص في صنع الدساتير ،
هو الذي وضع البرنامج و الديباجة معا.

الأستاذ محمود مفكر إجتماعي إنساني.. وهو لم يضع برنامجا كما تقول أنت، وإنما وضع فكرة واقتراحات أسماها "أسس دستور السودان".. أما الديباجة فقد كتبها بعد أن شعر بأن ما جاء في كتاب "أسس دستور السودان" يحتاج إلى توسيع وتفصيل.. بمناسبة قولك الذي وضعت تحته خطا وهو "التخصص في صنع الدساتير" اسمح لي أن أقول أن المعرفة في هذا الجانب غير مربوطة بالدراسة الأكاديمية أو التخصص..

وشكرا

ياسر

Post: #452
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-10-2007, 10:48 AM
Parent: #1







الأستاذ محمود ومناهج المتصوفة (2)



الأستاذ / أسامة الخواض
تحية طيبة لك وأنت تنهل من خلال النظر الثاقب لرؤى الأستاذ ، وقد تجمعت لديك الكثير من المستندات وفرغت الان للتحليل .
إن اليوتوبيا لم تخرج ولن تخرُج من حٌلم المتصوفة ، وكما تفضلت لم تخرج اليوتوبيا عن حُلم المجتمع الشيوعي عند الماركسية ، و منهاج الماركسية يعتمد المادية الجدلية في النظر الثاقب للواقع ورؤية تناقضاته وصراعاته ، ومن بعد الماركسية الجديدة ... والطريق انفتح لتقدم الفكر الفلسفي والسير بخطى الإنسانية بالتطوير .
قلنا اليوتوبيا لا ولن تخرُج من حٌلم المتصوفة ، لأنها استبطان لعالم يلعب فيه الخيال دوراً رئيساً في الترقي في سلم التصوف ، وهو منهاج يختلط كثيراً بتجارب علوم النفس السريرية وسنعود لها لاحقاً بالتفصيل .
لربما يتعين علينا أن ننظر إلى اليوتوبيا من قبيل ( الحكومة العالمية ) لدى الأستاذ أو المجتمع في مرحلة الشيوعية لدى الفكر الشيوعي الكلاسيكي ، نظر الفاحص ، وقد يتيسر لنا الوقت للتحليل ، أما لدى المتصوفة وعلماء النفس فإن الحُلم وصناعته بل وخلقه هو تقنية اساسية من تقنيات الإيحاء .


ونواصل


Post: #454
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-12-2007, 04:38 AM
Parent: #1

الأحباء :
الكاتب : اسامة الخواض
الكاتب : الدكتور ياسر

لم نزل نحن في لُجة المباحث ، وقد صدق من قال : إن الأمر يحتاج عدة ملفات للنظر في رؤى الأستاذ ، ومقاربتها برؤى غيره من المفكرين في خبايا الدين الإسلامي وفلسفته ، وما أغفله من بيدهم تدوين التاريخ .

لم أزل أذكر مقولة يقولها لنا دوماً الصديق : المهندس / مختار عثمان :
( إن كل الخير لا أن نُقنِع بعضنا بقدر ما نُفصِّل رؤانا كاملة ، لأي منا لينظرها بنظر الصبر ، وذلك يترك لنا الباب مُشرعاً أمام تلاقُح الفِكَر . ونترك لكل السادة القُراء والقارئات حرية الإختيار )

إني أرى أنه ليس الهدف من الحوار إقناع بعضنا برؤى البعض ، أو السعي الدؤوب لنتطابق في الرؤى بقدر ما نهدف الثراء والتنوع ، لأنني أرى إعادة قراءة فكر الأستاذ لها ما لها من استبطان يُنسب للكاتب هنا ، ونظرته مناهجه ، قد يتفق وقد يختلف حتى مع كاتب النص الأصل ، وتلك مدعاة للنظر في النصوص السابقة و مراجع اللاحقة ...
إني أرى موجهات الدساتير أو موجهات القوانين تختلف عن الفقه الدستوري وعن فقه القانون ، وهما من أمور الإختصاص ، وأرى أن المعيار هو المقارنة بين إنجاز الأستاذ وانجاز غيره ، وهنا يحضرني قانون الترابي للعقوبات أيام الديمقراطية وكيف أن به أكثر من 189 مادة ، وبها أكثر من 18 مادة تنص على الجلد !!!!
وصاحب الدراسة رجل قانون ، ودرسه في السوربون ، واللغة الفرنسية صاحبة الدقة اللغوية ، وأنا من ذلك الأنموذج أتوجس كثيراً من طرائق بعض القانونيين في التفكير !!
هذا موضوع على سعة ورحابة قد تُميل الغرض من الدراسة هنا ، وأعتقد أن القانون وتفاصيله في حاجة للتقنية الفنية .

شكراً لكما ونواصل

Post: #455
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-12-2007, 06:51 AM
Parent: #454

عزيزي الشقليني
شكرا على كلماتك الرائعات
قلت عزيزي :
Quote: إني أرى موجهات الدساتير أو موجهات القوانين تختلف عن الفقه الدستوري وعن فقه القانون ، وهما من أمور الإختصاص ، وأرى أن المعيار هو المقارنة بين إنجاز الأستاذ وانجاز غيره ، وهنا يحضرني قانون الترابي للعقوبات أيام الديمقراطية وكيف أن به أكثر من 189 مادة ، وبها أكثر من 18 مادة تنص على الجلد !!!!
وصاحب الدراسة رجل قانون ، ودرسه في السوربون ، واللغة الفرنسية صاحبة الدقة اللغوية ، وأنا من ذلك الأنموذج أتوجس كثيراً من طرائق بعض القانونيين في التفكير !!
هذا موضوع على سعة ورحابة قد تُميل الغرض من الدراسة هنا ، وأعتقد أن القانون وتفاصيله في حاجة للتقنية الفنية


يبقى التساؤل الرئيس :
كيف نصنف كتاب:
أسس دستور السودان؟
هل هو محاولة لكتابة دستور مقترح ؟
واذا لم يكن كذلك ،
فكيف نصنفه؟؟
محبتي
المشاء

Post: #456
Title: تساؤل أسامة عن كيفية تصنيف كتاب "أسس دستور السودان"!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-12-2007, 08:06 AM
Parent: #455

الأخ أسامة الخواض والأخ عبد الله الشقليني

تحية المودة الباقية،

قولك يا أسامة:


Quote: يبقى التساؤل الرئيس :
كيف نصنف كتاب:
أسس دستور السودان؟
هل هو محاولة لكتابة دستور مقترح ؟
واذا لم يكن كذلك ،
فكيف نصنفه؟؟


الكتاب يتحدث عنه عنوانه الذي يقول عنه بأنه "أسس" للدستور وليس هو الدستور.. الأسس أيضا جاءت في العنوان هكذا: "لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية إشتراكية بل قد جاء في مقدمة الطبعة الثانية في نوفمبر عام 1968 إبان الحكم النيابي الثاني هذا القول:

Quote: ونحن الآن نقدم للناس أسس الدستور ، وسنقدم ، في مقبل الأيام القريبة ، ان شاء الله ، دستور السودان ((اقرأ الدستور الاسلامي)) مقعدا ، وممددا ، ومبوبا ، وعند الله نلتمس السداد ..


ولكن الأحداث سارت بطريق آخر لم يمكَّن الجمهوريين من تقديم ذلك الدستور.. ماذ حدث بعد ذلك؟؟

1ـ في نفس شهر نوفمبر الذي صدر فيه الكتاب، حدثت محاولة حل الحزب الجمهوري بواسطة محكمة الخرطوم الشرعية التي اتهمت الأستاذ محمود بالردة ومن ثم حكمت بحل حزبه إلخ...

2ـ سارت الأحزاب الكبرى، الأمة والإتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي، في خط الدستور الإسلامي وهو الذي وصفه الجمهوريون بأنه مزيف وأنه ليس بدستور وذلك لأنه يتحدث عن الشريعة الإسلامية كمصدر للدستور، وقالوا أن الشريعة الإسلامية تتناقض مع الدستور..

3ـ شدَّد الجنوبيون الذين يحملون السلاح في الجنوب من مقاومتهم للحكومة المركزية.. وقامت القوى المؤثرة من المشاركين منهم في الجمعية التأسيسية بالإنسحاب منها..

4ـ في مارس 1969 أخرج الجمهوريون كتابا عنوانه "أسس حماية الحقوق الاساسية":
http://alfikra.org/book_view_a.php?book_id=17
وأقاموا سلسلة من المحاضرات والندوات التنويرية للشعب.. لاحظ ما جاء في هذه الكلمات:


Quote: ويتوجه الحزب بالدعوة للهيئات والأحزاب والأفراد ليشتركوا في يوم الختام حتى يأخذ شكل مؤتمر تتخذ فيه التوصيات من أجل حماية الحقوق الأساسية في دستور السودان الدائم ..


ألا يفهم منها أن الجمهوريين لا يدَّعون كتابة الدستور؟؟ ولكن هذا لا يمنع من أن يكون لهم تصورهم لأسسه، أو حتى مقترحهم لصورته..

5ـ أثناء حملة الجمهوريين التي طافوا بها المدن الرئيسية جاءت سلطة مايو بواسطة إنقلاب عسكري تماما كما توقع الجمهوريون.. [عندما وقع الإنقلاب كان الأستاذ قد أقام عدة محاضرات في مدينة الأبيض]

6ـ قامت سلطة مايو بإلغاء مشروع الدستور الإسلامي وعملت على حل مشكلة الجنوب بطريقة سلمية، فتنفس الجمهوريون الصعداء وهذا هو الأساس الذي عليه أيدوا تلك السلطة باعتبارها أخف الضررين..

7ـ عندما حدثت المصالحة الوطنية بين مايو والجبهة الوطنية ظهر الحديث مجددا عن التوجه الإسلامي بحسب فهم الأخوان المسلمين بصورة أساسية، وتعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية، وأدخلوا فكرة البنوك الإسلامية، وقد قاوم الجمهوريون هذا السعي بكثير من الإصدارات وفي منابرهم الحرة.

8ـ في عام 1983 صدر كتابان هامان هما "بنك فيصل الإسلامي" و "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة".. وكانت حملة الجمهوريين قوية ومؤثرة جدا فبدأ النظام باعتقال الجمهوريين الناشطين في حركة المقاومة ابتداء من منتصف مايو 1983، وفي أوائل يونيو تم اعتقال الأستاذ محمود وقد وصل مجموع المعتقلين من الجمهوريين والجمهوريات إلى أكثر من خمسين.

9ـ أثناء وجود الأستاذ والجمهوريين في السجون أصدر النميري قوانين سبتمبر في سبتمبر 1983

10ـ تقدم الجمهوريون القانونيون، بتوجيه من الأستاذ، برفع دعوى دستورية ضد قوانين سبتمبر ولكن تم شطب الدعوى عدة مرات..

11ـ في هذا الجو برزت الحاجة إلى كتابة "ديباجة" جديدة لكتاب "أسس دستور السودان"..

أرجو أن أكون قد أجبت على السؤال يا عزيزي أسامة.

وشكرا

ياسر

Post: #457
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-12-2007, 10:38 PM
Parent: #1

الشكر الجزيل للأحباء الكُتاب :

ـ أسامة الخواض
ـ ياسر الشريف

إن للأستاذ علينا حق أن نُعيد دراسة رؤاه ، وأن نستخدم
كل المُنتجْ الذي بين أيدينا من مناهج الدراسة النقدية .
ونأمل أن نتوغل في العوالم التي ساعدت الأستاذ في صياغة رؤاه ،
ونتقصى دروبها و حواريها .
إن جيله قنُعَ بالقيادة السياسية والحياة العادية دون بوارق
إبداعية عدا النذر اليسير .

يميز الأستاذعن جيله صبره صبر المتصوفة عندنا ،
فجلهم اكتفى بالأذكار أو شعر المديح . وحده من كسر الطوق بالكتابة ،
فكان القلم هو الذي أرشدنا لرؤاه ، على عكس الجيل الذي تعود على المشافهة ،
كان كاتباً ثري المعاني ،
استعفف من اللغة التقريرية الضحلة ونهج الفخم والباهر من التعبير .
يحتاج متابعة تسلسُل الفكرة لديه درجة من الصفاء لأن بعض أوصافه
ذات دلالات معنوية عميقة الغور .

Post: #458
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-13-2007, 07:44 AM
Parent: #457

عزيزي عبد الله الشقليني،

لك وللصديق العزيز أسامة التحايا النواضر.. شكرا لك على هذه المداخلة.. وفي الحق إن لأنفسنا علينا حقا، وذلك هو أن نعيد دراسة كتب الأستاذ، وأنا شخصيا أستفيد من هذا البوست لأنه يحفزني إلى الرجوع لدراسة الكتب والنصوص لأنها تقدح التفكير وتنشط الذهن.. اخترت اليوم هذا النص من كتاب رسالة الصلاة:


Quote: وفي الحق، إن الخوف ( القهر) هو الذي استل المادة العضوية من المادة غير العضوية، فبرزت بذلك الحياة.. ثم إن الخوف هو السوط الذي حشد الأحياء في زحمة سباق التطور.. فالحياة مولودة في مهد الخوف.. ومكتنفة بالخوف في جميع مدارجها.. ولولا بوارق الأمان، الفينة بعد الفينة، ولولا لوائح اللطف، الفينة بعد الفينة، ولولا غواشي الغفلة، في أغلب الأحيان، لاجتاح الخوف الحياة، ولقطع نياطها..


أرجو أن نرجع إلى هذه الوصلات من كتاب رسالة الصلاة:
الدين قبيل آدم
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=8&chapter_id=8
العقل الواعي والعقل الباطن
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=8&chapter_id=9
العقل الواعي وكيف نشأ؟
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=8&chapter_id=10

ونحاول دراستها بعمق أكثر مما فعله مثلا الشيخ عبد الجبار المبارك في كتابه الذي نقله الأخ نزار محمد عثمان إلى هذا المنبر..

ولك شكري وتقديري
ياسر

ـــــــــــ

الشقليني كتب:

Quote: إن للأستاذ علينا حق أن نُعيد دراسة رؤاه ، وأن نستخدم
كل المُنتجْ الذي بين أيدينا من مناهج الدراسة النقدية .
ونأمل أن نتوغل في العوالم التي ساعدت الأستاذ في صياغة رؤاه ،
ونتقصى دروبها و حواريها .
إن جيله قنُعَ بالقيادة السياسية والحياة العادية دون بوارق
إبداعية عدا النذر اليسير .

يميز الأستاذعن جيله صبره صبر المتصوفة عندنا ،
فجلهم اكتفى بالأذكار أو شعر المديح . وحده من كسر الطوق بالكتابة ،
فكان القلم هو الذي أرشدنا لرؤاه ، على عكس الجيل الذي تعود على المشافهة ،
كان كاتباً ثري المعاني ،
استعفف من اللغة التقريرية الضحلة ونهج الفخم والباهر من التعبير .
يحتاج متابعة تسلسُل الفكرة لديه درجة من الصفاء لأن بعض أوصافه
ذات دلالات معنوية عميقة الغور .

Post: #459
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-14-2007, 09:48 PM
Parent: #1

الأحباء :
الكاتب : أسامة
والكاتب : دكتور ياسر الشريف

لم نزل في شواطئ المعرفة بأدب الأستاذ ،
نسعى حثيثاً أن نتلمس خُطاه ونعبُر الدروب التي سَلَكْ .
ليت الزمان بضاعة بخسة الثمن ، لنمشي على سجاده الفاخر بالمعاني العميقة ،
إلا أنه غال الثمن ، وبيننا وبين معرفة (كُل ) الأستاذ بيداً دونها بيدُ .

ونواصل

Post: #460
Title: فقر المساهمين هنا في الاطلاع على خطاب الاستاذ
Author: osama elkhawad
Date: 07-15-2007, 05:47 AM
Parent: #459

عزيزي الشقليني
دعنا نكن واضحين
من الجلي هنا ان الحوار انحصر في بضعة اشخاص،
مما يكشف عن فقر المساهمين هنا في الاطلاع على خطاب الاستاذ .

واذا كان لهذا البوست من فائدة فهو انه عرف القراء على زبدة خطاب الاستاذ،
وان الاستاذ واحد من المفكرين الافذاذ في تاريخنا الثقافي ،
فهو كاتب من الدرجة الاولى ،
واسلوبه جذاب ومتنوع ،
و اطلاعه واسع ،
وهو في المقام الاول كاتب حقق التوافق بين فكره و حياته،
ودفع ثمنا لذلك حياته ،
في مقام ارهب خصومه،وهو يذهب الى المقصلة.

واذكر هنا انني تعرفت على اسم الاستاذ من صديقي عمر علي احمد ،
و كنت اسمعه يتمتم باسمه واسم مصطفي محمود ،
وكنت في ذلك الوقت يافعا.
تحياتي للاستاذ عمر علي احمد تروس.
محبتي
المشاء

Post: #461
Title: Re: فقر المساهمين هنا في الاطلاع على خطاب الاستاذ
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-15-2007, 09:39 AM
Parent: #460

العزيز الكاتب أسامة الخواض

تحية لك ، والتحية للدكتور ياسر الشريف .
يبدو أننا تصدينا للأمر في حين اكتفى الكثيرون بالقراءة .
يستحق الأستاذ محمود أكثر من حفاوتنا ، فقد صبر وصابر ، قبض عُمره
ونذره لبضاعة الإنسانية والخير وفق ما نرى . لن نقف مكتوفي الأيدي .
سنزرع الصفحات البيض بألوان الحديث الشجي ولن نمَل .
اليوم أمرُ وغداً أيضاً أمرُ .
شكراً لك سيدي .
ما بخلت ولن تبخل بمن نحر الفؤاد على باحة العشق الإلهي ،
طارت العصافير وأينعت الأزهار بثمارها ولو بعد حين .

Post: #462
Title: Re: فقر المساهمين هنا في الاطلاع على خطاب الاستاذ
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-15-2007, 10:47 AM
Parent: #460

عزيزي أسامة الخواض،

سلامات


Quote: عزيزي الشقليني
دعنا نكن واضحين
من الجلي هنا ان الحوار انحصر في بضعة اشخاص،
مما يكشف عن فقر المساهمين هنا في الاطلاع على خطاب الاستاذ .


أن تنحصر المشاركة بالحوار في عدد معين من الأشخاص لا يعيب هذا البوست، فهو مقروء ومُتابع من قبل الكثيرين وبعضهم كتب مداخلات بهذا المعنى مثل عثمان موسى وعلي عمر علي أحمد.. وعدم المشاركة في الحوار لا يكشف عن فقر القراء الذين لا يكتبون، ولا عن فقر الذين يشاركون بالتعليق وانتظار المزيد من الحوار، فكثير من القراء مطلعون على خطاب الأستاذ ولكن لديهم تساؤلات وانتقادات أظن أنك عبَّرت عن الكثير منها خير تعبير، وهذا فضل يرجع إليك.. البوست له قيمة أخرى هي أنه سيكون موجود في الأرشيف في مكتبة الأستاذ محمود في سودانيز أونلاين كما اقترحت على الأخ شقليني، وسيعين المزيد من القراء الذين لهم نفس تساؤلاتك وانتقاداتك..

وأتفق معك في قولك:


Quote: واذا كان لهذا البوست من فائدة فهو انه عرف القراء على زبدة خطاب الاستاذ،
وان الاستاذ واحد من المفكرين الافذاذ في تاريخنا الثقافي ،
فهو كاتب من الدرجة الاولى ،
واسلوبه جذاب ومتنوع ،
و اطلاعه واسع ،
وهو في المقام الاول كاتب حقق التوافق بين فكره و حياته،
ودفع ثمنا لذلك حياته ،
في مقام ارهب خصومه،وهو يذهب الى المقصلة.


قولك:

Quote: واذكر هنا انني تعرفت على اسم الاستاذ من صديقي عمر علي احمد ،
و كنت اسمعه يتمتم باسمه واسم مصطفي محمود ،
وكنت في ذلك الوقت يافعا.
تحياتي للاستاذ عمر علي احمد تروس.


وأنا أيضا أحيي الأستاذ عمر علي أحمد وأسرته..

ياسر

Post: #463
Title: ليس تساؤلات
Author: osama elkhawad
Date: 07-15-2007, 08:07 PM
Parent: #462

عزيزي ياسر
يبدو انني اخطأت التعبير،
فلم يرد في بالي ابدا أن الحديث يدور عن المساهمين في البوست،
لم يرد هذا في بالي اصلا،
لكنه خطأ اتحمله .
كنت اقصد كل عضوية المنبر،
وكان يمكن ان ياتوا حتى من طريق السؤال.
وما اقوم به ليس تساؤلات كما تحاول ان توحي ،
وانما ان ذلك يمثل رؤيتي لخطاب الاستاذ ،
من خلال علاقته بالحداثة.
و باب التساؤل وارد في البحث ا لعلمي،
وخاصة في مقام حواري كهذا .
ارجو قبول اعتذاري .
المشاء

Post: #464
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-16-2007, 04:58 AM
Parent: #1

الأحباء هنا ومن يقرءون

إن الإعتذار من سمات أهل العلم والتواضُع
في مكانه زينة ، والإشادة بالمسلك حق
يُحسب لك أيها الباهر : أسامة .
شكراً جزيلاً لك

ونواصل

Post: #466
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-16-2007, 05:05 AM
Parent: #464

شكرا الشقليني
ما اود قوله هو ان صورة الاستاذ قد تنمطت في ذلك الجسور الذي ابتسم للموت.
ولم يعرف المنمطون مثلا ان الاستاذ من اكثر المفكرين دفاعا عن القوانين التي وقف ضدها.
ما يحسب لهذا البوست انه كان حوارا حقيقيا،
ولو تم ذلك الحوار في منابر الحوار الصفري ،او المقابر الاسفيرية بحسب تعبيري،
لبلغ قراء البوست عشرات الالاف.
محبتي
المشاء

Post: #467
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-16-2007, 10:43 AM
Parent: #466



سلامات يا عزيزي أسامة،

قولك:
Quote: وما اقوم به ليس تساؤلات كما تحاول ان توحي ،
وانما ان ذلك يمثل رؤيتي لخطاب الاستاذ ،
من خلال علاقته بالحداثة.


رؤيتك لخطاب الأستاذ من خلال علاقته بالحداثة في دراستك ينقصها الإهتمام بمسألة التطور، مع أن فكرة تطور الإنسان من أسفل سافلين إلى ما لا نهاية هي من أهم الأعمدة التي تقوم عليها فكرة الأستاذ.. حاول أن تربط بين مسألة التطور، والقهر [الخوف] الذي أوردت فيه أحد نصوص الأستاذ من كتاب "رسالة الصلاة" بعاليه..

قولك:
Quote: ما اود قوله هو ان صورة الاستاذ قد تنمطت في ذلك الجسور الذي ابتسم للموت.
ولم يعرف المنمطون مثلا ان الاستاذ من اكثر المفكرين دفاعا عن القوانين التي وقف ضدها.

وقد سبق لك أن قلت في مداخلة سابقة تعقيبا على كلامي عن مفهوم التطور:

Quote: كلام الاستاذ عن التطور لم يكن في مخطط دراستي,
وقد قلت انني غير متخصص في ذلك الامر،


إستبعاد فكرة التطور من دراستك يجعل حديثك عن موقف الأستاذ محمود من القوانين والعقوبات الحدية حديثا ناقصا، لأن هذا الإستبعاد يحجب عنك مسائل مهمة جدا في خطاب الأستاذ.. فمثلا أنت قد كررت هنا ما قلته كثيرا في مواضع أخرى من البوست واخترت عدم مواجهة ما قلته لك أنا في هذا الموضوع.. وأنت لن تستطيع مواجهة ما أقوله لك طالما أنك تستبعد مسألة التطور ومسألة علاقة الإنسان بالكون وحديث الأستاذ محمود عنها، وعن مفهوم الحقوق الأساسية، ومفهوم الدستور..

سأعود في فرصة أخرى إذا سمح الوقت..
وشكرا
ياسر



Quote: عزيزي ياسر
يبدو انني اخطأت التعبير،
فلم يرد في بالي ابدا أن الحديث يدور عن المساهمين في البوست،
لم يرد هذا في بالي اصلا،
لكنه خطأ اتحمله .
كنت اقصد كل عضوية المنبر،
وكان يمكن ان ياتوا حتى من طريق السؤال.
وما اقوم به ليس تساؤلات كما تحاول ان توحي ،
وانما ان ذلك يمثل رؤيتي لخطاب الاستاذ ،
من خلال علاقته بالحداثة.
و باب التساؤل وارد في البحث ا لعلمي،
وخاصة في مقام حواري كهذا .
ارجو قبول اعتذاري .
المشاء


Quote: شكرا الشقليني
ما اود قوله هو ان صورة الاستاذ قد تنمطت في ذلك الجسور الذي ابتسم للموت.
ولم يعرف المنمطون مثلا ان الاستاذ من اكثر المفكرين دفاعا عن القوانين التي وقف ضدها.
ما يحسب لهذا البوست انه كان حوارا حقيقيا،
ولو تم ذلك الحوار في منابر الحوار الصفري ،او المقابر الاسفيرية بحسب تعبيري،
لبلغ قراء البوست عشرات الالاف.
محبتي
المشاء

Post: #465
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-16-2007, 05:03 AM
Parent: #1



الأستاذ محمود ومناهج المتصوفة (3 )


إن الصفاء والسكينة مطلب العُباد ، ونهرهم الذي يشربون منه المعاني . بالسمع ثم البصر ثم الفؤاد ، والفؤاد غير الذي نعرف من أفئدة وسنأتي على ذلك إن تيسر .
ماذا يقول الذكر الحكيم في الصفاء والسكينة :

1/
{وَالصَّافَّاتِ صَفّاً }الصافات1
من تفسير الجلالين :
سورة الصافات 1 - (والصافات صفا) الملائكة تصف نفوسها في العبادة أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به .
2/
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }الفتح4
من تفسير الجلالين :
4 - (هو الذي أنزل السكينة) الطمأنينة (في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) بشرائع الدين كلما نزل واحدة منها آمنوا بها ومنها الجهاد (ولله جنود السماوات والأرض) فلو أراد نصر دينه بغيركم لفعل (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في صنعه أي لم يزل متصفا بذلك
3/
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح18
من تفسير الجلالين :
18 - (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك) بالحديبية (تحت الشجرة) هي سمرة وهم ألف وثلاثمائة وأكثر ثم بايعهم على أن يناجزوا قريشا وأن لا يفروا من الموت (فعلم) الله (ما في قلوبهم) من الصدق والوفاء (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية .
ونواصل :
16/07/07

Post: #468
Title: جلب قوانين "الغابة "الى "المدينة"
Author: osama elkhawad
Date: 07-17-2007, 05:27 AM
Parent: #465

عزيزي ياسر
تحايا زاكيات و مخلصات
قلت :
Quote: رؤيتك لخطاب الأستاذ من خلال علاقته بالحداثة في دراستك ينقصها الإهتمام بمسألة التطور، مع أن فكرة تطور الإنسان من أسفل سافلين إلى ما لا نهاية هي من أهم الأعمدة التي تقوم عليها فكرة الأستاذ.. حاول أن تربط بين مسألة التطور، والقهر [الخوف] الذي أوردت فيه أحد نصوص الأستاذ من كتاب "رسالة الصلاة" بعاليه..


الكلام عن الاهتمام بمسالة التطور ،لم يكن في مخطط دراستي لعدم المامي الكافي بدقائق نظرية ا لتطور عند دارون،
ويمكنك القيام بذلك بحكم انك طبيب ،
لتوضح كيف تناص خطاب الاستاذ مع دارون.
انا اخترت محاور محددة في ما يتعلق بالحداثة،
وهذا ما تقول به مناهج النقد الحديث التي استند عليها،
فالمقولة التقليدية عن الدراسة التي تحيط بكل شيئ ،
باتت تنتمي الى المتحف النقدي المعاصر.
والكلام عن علاقة الاستاذ بالحداثة لا تكفيه دراسة يتيمة .
اما بخصوص الحدود ،فرأيي كان واضحا ان الاستاذ متخلف في النظر الى مسائل الحدود ،مقارنة باعجابه بالقرن العشرين الذي ادان تلك الحدود التي تمثل انتهاكا واضحا وصريحا لحقوق الانسان،
وتكريسا للعقوبة البدنية الفظيعة.
وموقفه من الحدود لا يتناسب مع موقفه المتطور في مسائل الحريات الاساسية التي اتت به الحداثة الغربية ،ومسائل اخرى مثل الاشتراكية وحقوق المراة.
بل ان موقفه من الحدود لا يتناسب مع كلامه حول التطور اللطيف للعقوبات من خلال قانون الغابة وقانون المدينة ،
فهو قد جلب قوانين الغابة الى المدينة تحت ستار قانون المعاوضة ،
وهي معاوضة بدنية .
لم يكن الاستاذ اول من قال بمسالة الخوف ودورها في التطور الانساني ،
فالمباحث الماركسية ،وخاصة الماركسية الجديدة قد تحدثت كثيرا عن دور الخوف من الطبيعة في ظهور الاديان.
وهذه تحتاج لمقاربة تناصية اخرى عن علاقة الاستاذ بالماركسية الجديدة،
وقد لاحظت ان الاستاذ خالد الحاج قد استند في دراسته عن خطاب الاستاذ على بعض من مقولات ودراسات الماركسية الجديدة،
اذن يا عزيزي مسالة التناص متشعبة،
وها نحن الآن قد طلعنا بواحدة لم نتحدث عنها ،
وهناك كلام اكيد عن علاقة الاستاذ بابن عربي وتلميذه عبد الكريم الجيلي،
وقد فسر خصوم الاستاذ تلك العلاقة خارج مفهوم التناص ،
باعتبار ان الاستاذ قد تلاص ،ولم يتناص معهما.

مع شكري
المشاء

Post: #469
Title: في مسألة الحدود وأشياء أخرى!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-17-2007, 11:22 AM
Parent: #468

عزيزي أسامة الخواض،

سلامات

Quote: الكلام عن الاهتمام بمسالة التطور ،لم يكن في مخطط دراستي لعدم المامي الكافي بدقائق نظرية ا لتطور عند دارون،
ويمكنك القيام بذلك بحكم انك طبيب ،
لتوضح كيف تناص خطاب الاستاذ مع دارون.


موضوع التطور لم يقف عند ما قاله دارون قبل أكثر من 150 سنة.. ولذلك أنت لا تحتاج أن تلم بدقائق نظرية دارون.. يكفيك أن تعرف ما يقوله العلم الحديث عن نشأة الحياة في هذا الكون.. أو ما يعبر عنه الأستاذ ببروز المادة العضوية من المادة غير العضوية.. وهذه لا تحتاج إلى دراسة الطب.. إذن إرتباط مسألة التطور بعلاقة الإنسان بالكون وعلاقة الإنسان بالمجتمع هي محور ما تسميه أنت بعلاقة الأستاذ محمود بالحداثة، فالديمقراطية والإشتراكية في فكر الأستاذ محمود هي مسائل داخل "علاقة الإنسان بالمجتمع"، ولا يستقيم الحديث عن علاقة الأستاذ بالحداثة بغير فهم مسألة التطور، وما قاله فيها..

سبق لي أن سألتك عما تقصده بكلمة "تناص" ولم تتكرم بالشرح.. وكيف تريدني أن أقوم بدارسة أوضح فيها تناص خطاب الأستاذ مع دارون وأنا لا أعرف معنى الكلمة بالضبط.. هذا فضلا عما قلته لك سابقا في بوست بعاليه أن ما قاله الأستاذ يذهب إلى بدايات ويتجه إلى نهايات لم تخطر على بال العلماء، وبالقطع ليس على بال دارون.. ولا أحتاج أن أكرر نفسي فالبوست موجود بعاليه.

قولك:
Quote: انا اخترت محاور محددة في ما يتعلق بالحداثة،
وهذا ما تقول به مناهج النقد الحديث التي استند عليها،
فالمقولة التقليدية عن الدراسة التي تحيط بكل شيئ ،
باتت تنتمي الى المتحف النقدي المعاصر.

أنت وشأنك.. ولكن الشاهد أن دراستك ستكون ناقصة بدون الوقوف عند مسألة التطور وسأبين لك بعد قليل.

قولك:
Quote: اما بخصوص الحدود ،فرأيي كان واضحا ان الاستاذ متخلف في النظر الى مسائل الحدود ،مقارنة باعجابه بالقرن العشرين الذي ادان تلك الحدود التي تمثل انتهاكا واضحا وصريحا لحقوق الانسان،
وتكريسا للعقوبة البدنية الفظيعة.


لا زلت عند موقفي أنك لم ترد على ما سبق أن كتبته لك، خاصة في هذه المداخلة:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
في صفحة 4 من هذا البوست..
إن فهم مسألة المعاوضة يرتبط بفهم مسألة العذاب والموت في هذه الحياة، وهو أمر يرتبط بمسألة التطور وعلاقة الإنسان بالكون.. العقاب هو اختراع مجتمعي يتم فيه إنزال نوع من العذاب على الأفراد لحفظ تماسك المجتمع.. مسألة المعاوضة والعقاب لا يمكن لدارس لفكر الأستاذ أن يحذقها بدون فهم ما يقوله الأستاذ عن التطور وعلاقة الإنسان بالكون وعلاقته بالمجتمع.. أرجو أن ترجع إلى مساهمتي التي وضعت وصلتها وتقول لي رأيك حولها..

قولك:
Quote: بل ان موقفه من الحدود لا يتناسب مع كلامه حول التطور اللطيف للعقوبات من خلال قانون الغابة وقانون المدينة ،
فهو قد جلب قوانين الغابة الى المدينة تحت ستار قانون المعاوضة ،
وهي معاوضة بدنية .


يا صديقي، الأستاذ قال أن العذاب نفسه سينتهي، وأن الموت سينتهي، وأن النار سوف تفنى في يوم ما.. ولكن قل لي: لماذا تنسى أن الأستاذ محمود، بعد أن كتب كل ما كتب عن المعاوضة وعن الحدود وضرورة درئها بالشبهات والتوسع في هذه الشبهات، لم يوافق على تطبيقها في عهد النميري، وقال أنها لا تطبق إلا في أرضية من التربية الفردية والعدالة الإجتماعية في مستوى تحقيق الديمقراطية والإشتراكية والمساواة الإجتماعية؟؟ بل أكثر من ذلك دفع حياته ثمنا للتدليل على أن ما يراه الحق لن يتنازل عنه.. الإنسان المنصف هو الذي يركِّز على هذه النقطة من مواقف الأستاذ، وهي نقطة معارضة قوانين سبتمبر، ويركِّز على أن الدعوة الأساسية هي للتربية الفردية ولإقامة المجتمع الذي تتحقق فيه الحرية الفردية المطلقة والعدالة الإجتماعية الشاملة..

قولك:
Quote: وهناك كلام اكيد عن علاقة الاستاذ بابن عربي وتلميذه عبد الكريم الجيلي،
وقد فسر خصوم الاستاذ تلك العلاقة خارج مفهوم التناص ،
باعتبار ان الاستاذ قد تلاص ،ولم يتناص معهما.


هل هذا الموضوع داخل في دراستك عن الأستاذ محمود؟؟!! مجرد سؤال، لأن البوست هنا يعطيك الحق في الحديث عن مسائل ليست في موضوع دراستك.. وأرجو أن تكون على إلمام كاف بما كتبه الشيخ ابن عربي أو الشيخ عبد الكريم الجيلي، ومن ثم توضح علاقة الأستاذ بهما، فسوف تكون دراسة ممتعة توضح أوجه الشبه وأوجه الإختلاف.. ولكن صدقني، لن تفلح في هذا إذا لم تهتم بمسألة التطور، وما ينبثق عنها من فكرة التسيير ومسألة وحدة الوجود بمعنى أن الوجود هو الله ولكن "الله ليس هو الوجود".. إذا لم تفهم هذه التفريقات فإن دراستك لن تختلف عما يقول به بعض خصوم الأستاذ الذين يقولون بأن الأستاذ قد سرق فكرته من ابن عربي.. طبعا أنا لا أفهم حتى الآن ما تقصده بـ "تناص" الأستاذ مع الشيخ إبن عربي أو الشيخ عبد الكريم الجيلي!!! وأنت لم تشرح معنى المصطلح..

مع فائق المودة والسلام لك وللأخ الشقليني..

ياسر




Post: #470
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-17-2007, 05:35 PM
Parent: #1





مفتاح من مفاتيح النظر إلى ( التناص ) ومراجع في النقد العربي



العزيز الدكتور ياسر الشريف
تحية طيبة وعطور زاكيات يرحلنَّ لمكان جلوسك العالي .

ربما طرح الأستاذ أسامة الخواض مصطلحي :

( الحداثة والتناص )

وهي من المصطلحات النقدية التي بدأت ضامرة ثم استشرت في أفق النقد ، حتى المعاجم العربية عندنا لم تُدركها حق الإدراك المطلوب ، لحداثة المصطلحين ، ولبُعد المترجمين عن حذق بضاعتهم ، فساروا سير المُطففين في مكيال يحتاج الجلوس الصبور ، وربما هي ضرورة السوق ، فهو هوى العامة الكُثر ، وليس الخاصة .

يقول كثير من النقاد أن المصطلحات قد تم تداولها في تاريخ النقد العربي بمسميات أُخر ، ولكنها لم تكن بمثل الثقل الذي تطور طرحه في الوقت الراهن .
ونرى أننا بحق في حاجة للمنهاجين للنظر بعين التدقيق كيف نُقارب نصوص الأستاذ مع نصوص من سبقوه كنص مُقارن ، وكفتح حداثي بقدر ما أسهم في الفكر الديني . كثيرون من يرونه أن هنالك نقاط التقاء بينه وبين من سبقوه من المتصوفة ، ومنهم من يرى أن فكره متقلب يختار الدروب المُتعددة وينتهج أكثر من منهاج في خطابه ، ولذا تفضل الأستاذ أسامة وأوضح أكثر من مرة أن هنالك أكثر من بوابة للدخول لدُنياه ، وأحدها ما اختاره أسامة وذكر الاحاطة بكافة مناهج النقد أمر صار من غير المُستطاع فعله ، و إلا خرجنا من التدقيق والصعود رأساً بالنقد إلى البقاء في السطوح الضحلة .
نحن عند ولوجنا أمر التفرُس في رؤى الأستاذ محمود كنا نهدف التكريم ، ونهدف بما عندنا أن نتدارس رؤاه بما يتوفر من موضوعية ، ونهرب هُروباً بيناً من أن تأخذنا المحبة أن نقبل الأمر كما هو ، أو يأخذ غيرنا من أعداء الأستاذ الغضب أن يهدموا مشروعه هدماً بفؤوس التجني .
ومن هنا يتعين أن نُدير مفاتيحاً تُدخلنا إلى باحة النقد الجاد ، وقد تساءلت أنتَ عزيزي الدكتور ياسر عن ( التناص )، ونورد هنا على عجالة ما هو متوفر الآن وتقبل محبتنا .

التناص ( النشأة والمفهوم ) ـ إيمان الشنيني :


الوارد في مقالها في مجلة أفق الألكترونية :

وهو مقال بحق يعطي مفاتيح لبوابة التناص ، في المفهوم الغربي وفي المفهوم العربي القديم في النقد .
يوجد المقال هنا :

http://www.ofouq.com/today/modules.php?name=News&file=article&sid=1382


ننقل عن مجلة مدارات المفاتيح الآتية :


(1)
يعرف التناص –في النقد الغربي– كما نحتته الباحثة جوليا كريستفيا عام 1969 استنباطا من دراسة عن دوستويفيسكي لباختين، بأنه مجموع العلاقات القائمة بين نص أدبي ونصوص أخرى. ورغم أن مفهوم التناص عرف في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا عند مجموع الداريسين الغربيين، إلا أنه لم يدرس كفاية من لدن النقاد العرب المعاصرين، حتى أنهم لم يتفقوا بعد على ترجمة موحدة لمصطلح Interextualité، فقد عربه البعض بالتناص، والبعض الآخر بالنصوصية، وفريق ثالث عربه بتداخل النصوص أو تعالقها… أما التراث النقدي العربي فقد عرف الظاهرة مبكرا وأشبعها دراسة وتحليلا، وإن كان بوضوح أقل وتحت مسميات عدة، مثل: التضمين؛ السرقات الشعرية؛ الاقتباس؛ الاحتذاء… إلخ.

(2)

ويشير الدكتور محمد مفتاح في كتابه اللاحق “مساءلة النص” إلى التحريف وسوء الفهم الذي اعترى إنجازات الدارسين لمفهوم التناص، ثم بعد دعوته إلى وجوب إدراك ظروف نشأة المفهوم وأبعاده الفكرية، يقترح درجات ستة للتناص، هي:
1. التطابق: أي تساوي النصوص في الخصائص البنيوية وفي النتائج الوظيفية.
2. التفاعل: كل نص هو نتيجة تفاعل مع نصوص أخرى تكون درجة وجودها بحسب نوع النص المتفاعلة معه، وأهداف الكاتب ومقاصده.
3. التداخل: تشارك نصوص لفضاء نص عام دون تحقيق الامتزاج أو التفاعل بينها.
4. التحاذي: يكون بمحافظة كل نص على هويته في غياب أي صلة بين النصوص.
5. التباعد: إذا كان من الممكن تحاذي نص حديثي ونص قرآني، فإن التباعد يتجلى في مجاورة نكتة سخيفة لآية قرآنية.
6. التقاصي: يقوم على التقابلات التالية: النصوص الدينية/النصوص الفاجرة؛ النصوص العلمية/النصوص الفكاهية.


عزيزنا الدكتور ياسر

ونورد المراجع في النقد العربي التي تناولت موضوعات التناص برؤى نقدية قد تختلف وقد تلتقي مع التناص ، والتي يتعين المرور عندها والتوقف قبل القفز إلى التناص :

من أهم المصنفات في النقد العربي :
ـ فحولة الشعراء ـ لأبي سعيد عبد الملك الأصمعي ـ 215 هـ
ـ طبقات فحول الشعراء ـ لابن سلام الجمحي ـ 232 هـ
ـ البيان والتبيين و ـ الحيوان ـ لأبي عثمان الجاحظ ـ 255 هـ
ـ الشعر والشعراء ( طبقات الشعراء ) لأبي محمد بن قتيبة ـ 276 هـ
ـ اختيار المنظوم والمنثور ـ لأحمد بن أبي طاهر طيفور ـ 280 هـ
ـ الكامل ـ لأبي العباس المبرد ـ 286 هـ
ـ قواعد الشعر ـ لأبي العباس أحمد بن يحي ثعلب ـ 291 هـ
ـ طبقات الشعراء ـ لأبي العباس بن المعتز ـ 296 هـ
ـ البديع ـ لابن المعتز
كتاب التشبيهات ـ لابن أبي عون ـ 322 هـ
ـ عيار الشعر ـ لابن طباطبا محمد العلوي ـ 322 هـ
ـ سرقات أبي نواس ـ لمهلهل بن يموت بن المزرع ـ 334 هـ
ـ أخبار أبي تمام ـ لأبي بكر محمد الصولي ـ 335 هـ
ـ الموازنة بين الطائيين ـ لأبي القايم بن بشر الآمدي ـ 370 هـ
ـ الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء لأبي عبيد الله المرزباني ـ 384 هـ
ـ الكشف عن مساوئ المتنبي ـ للصاحب بن عباد ـ 385 هـ
ـ حلية المحاضرة ـ لمحمد بن الحسن الحاتمي ـ 388 هـ
ـ الرسالة الحاتمية فيما وافق المتنبي في شعره كلام أرسطو ـ للحاتمي
ـ الرسالة الموضحة ـ للحاتمي
ـ الفَسرْ في شرح ديوان المتنبي ـ لأبي الفتح بن جني ـ 392 هـ
ـ الوساطة بين المتنبي وخصومه ـ للقاضي علي الجرجاني ـ 392 هـ
ـ المنصف في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبي ـ لأبي القاسم الأصفهاني ـ
ـ شرح ديوان الحماسة ـ لأبي علي المرزوقي ـ 421 هـ
ـ يتيمة الدهر لأبي منصور الثعالبي ـ 429 هـ
ـ الإبانة عن سرقات المتنبي ـ لأبي سعيد محمد العميدي ـ 433 هـ
ـ شرح مشكلات ديوان شعر أبي الطيب ـ لأبن الكريم النهشلي القيرواني ـ 405 هـ
ـ العمدة في صناعة الشعر ونقده ـ لأبن رشيق القيرواني ـ 456 هـ
ـ قراضة الذهب ـ لأبن رشيق
ـ مسائل الإنتقاد ـ لأبي عبدالله بن شرف القيرواني ـ 460 هـ
ـ إحكام وصنعة الكلام ـ لابن عبد الغفور الكلاعي ـ 543 هـ
ـ الريحان والريعان ـ لابن خيرة المواعيني ـ 543 هـ
ـ البديع في نقد الشعر ـ لاسامة بن منقذ ـ 589 هـ
ـ الاستدراك في الرد على رسالة ابن الدهان ـ لضياء الدين بن الأثير ـ 637 هـ
ـ المثل الثائر في أدب الكاتب والشاعر ـ لضياء الدين بن الأثير
ـ الجامع الكبير في صناعة المنظوم ـ لابن الأثير
تحرير التحبير ـ لزكي الدين بن أبي الأصبع ـ 654 هـ
ـ نصرة الإغريض في نصرة القريض للمظفر بن المفضل العلوي ـ 656 هـ منهاج البلغاء وسراج الأدباء ـ لأبي الحسن حازم القرطاجني ـ 684 هـ
ـ الوافي في نظم القوافي ـ لأبي البقاء الرندي ـ 685 هـ
ـ مقدمة بن خلدون ـ لعبدالرحمن بن خلدون ـ 808 هـ

والكثير الذي ينتظر ،
ونواصل

Post: #471
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-17-2007, 09:59 PM
Parent: #470

الأخ العزيز عبد الله الشقليني،

تحية المودة والتقدير

تجدني عاجز عن الشكر على الكلمة باللغة الفرنسية ومنها عرفت أن الكلمة الإنجليزية هي:
Intertextuality
وقد بحثت فوجدت الوصلة التالية في موسوعة ويكيبيديا

http://en.wikipedia.org/wiki/Intertextuality

سأعود عندما يتوفر الوقت..

ياسر

Post: #472
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-18-2007, 06:07 AM
Parent: #1

شكراً لك عزيزنا
الدكتور ياسر ،

ونشكر مجدداً الأستاذ أسامة الخواض أن نبهنا،
ونأمل أن يتسع وقتنا للمقاربات التي نأمل .

Post: #473
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-18-2007, 06:28 AM
Parent: #472

عزيزي ياسر
سلامات
كان من الواضح لدي منذ بداية نقاشنا ان هنالك "عجمة " ما في النقاش.
لكنني استمتعت بحديثك ،
والذي افادني في النظر الى ما قلت به.
تلك العجمة تبدت في ان مقاربتي لم تفهم ،اي ضرورة التمهيد لها ،
وهذا تقصير مني ،لكنني كنت ارجئ المقدمة .
لكن هذا لا يعفيني من ان لي مشاركة في تلك العجمة .
ولم اتطرق الى التناص باعتباره مصطلحا شائعا في مقاربات كثيرة ،
ومن ضمنها الطب نفسه،
بعد ان تخلت عن علاقتها الابتدائية بالادب.
ما اريد القول به هو عن علاقة خطاب الاستاذ بخطاب الحداثة الغربي ،
عبر محاور محددة من جانبي كباحث.
انت تريدني ان اتحدث عن الخطاب كله ،
وهذا امر مستحيل .
فيمكن مثلا مقاربة علاقة الاستاذ بغاندي ،من خلال اتباع فكره نمطا سلميا من المقاومة.
وعندما تحدثت عن علاقة خطاب الاستاذ بابن عربي والجيلي، كنت اضرب مثلا عن علاقات كثيرة بين خطاب الاستاذ و خطابات اخرى ،مثل علاقته بالماركسية الجديدة،
و الثورة الثقافية في الصين ،وماركس و المتصوفة،وغيرها من الخطابات التي يصعب حصرها.
مسالة الخوف اثيرت كثيرا في الثقافة الغربية وتمت مقاربات كثيرة لعلاقة الخوف ،
بنشوء الفن ونشوء الدين.
لذلك نلاحظ ان الاستاذ يتناص مع الفرويدية و الماركسية ،ويحاول ان يبحث عن أجوبة للاسئلة التي اثارها الخطاب .
حديثك عن انتهاء العذاب وغيره ،ينتمي الى اليوتوبيا ،نحن نتحدث عن الحياة،
وما اختاره الاستاذ من عقوبات تليق بالقرن العشرين ،يمثل كما قلت جلب قوانين الغابة ،
التي تحدث عنها الاستاذ ،حينما تحدث عن قوانين الغابة عند بني اسرائيل،
فهو نقل قوانين الغابة الى فضاء مدينة القرية العشرين من خلال ايمانه بالمعاوضة كقانون مثالي يتمثل في تطبيق العقوبة الجسدية .
انت تتحدث عن عناصر اليوتوبيا في خطاب الاستاذ ،
ويمكننا ان نقول ان هنالك تفريقا مهما بين الاستاذ في خطابه البراغماتي ،وبين استبصاراته اليوتوبية ،
وهذا يشبه الفصل الذي تم بين ماركس الشاب وماركس الناضج ،كما عند التوسير.

ويمكن ان نستعدل النقاش بعد تعرفك على مصطلح التناص .
محبتي
المشاء

Post: #474
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبد الحي علي موسى
Date: 07-18-2007, 09:59 AM
Parent: #473

(من يَتزود ويرشُف رحيق الحقيقة العِرفاني ، فإنه كادح إلى ربه كدحا فملاقيه).
تحياتي أخ عبد الله الشقليني صاحب هذا البيت المحضور.
وتحياتي للأخوة د.ياسر ود حيدر وعمر هواري وأخي أسامة على الحوار الراقي، الهادئ، والهادي.
أنا من الذين لم يروا الأستاذ إلا من خلال سيرته العطرة، وكتاباته، وأركان نقاش تلاميذه التي ملأت أركاني محبة له فعندها قلت أن الأستاذ هو:
حلاج ثاني.
أبو حامد الغزالي.
ابن عربي آخر.
بل أنه لم يعرف بعد.
فحبذا لو سلكنا هذا النوع من الحوار، عسى أن نتعرف به في قيده.
وحبذا كذلك إذا خرجنا من النص إلى ما يحويه النص.
ونتابعكم بكلياتنا.

Post: #475
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-18-2007, 06:11 PM
Parent: #474

العزيز
عبدالحي

تحية لك بيننا

كنا ولم نزل نأمل أن نفترش والبساط المُورق من أوله وإلى المنتهى ، فمسيرة فكر بدأه صاحبه منذ 1949 م وإلى 1985 م ، ليس بالأمر الهين ، إن الطيوب أكبر حجماً من الهواء الذي يحملها .
نتمنى أن نُسهِم في الوعي بقدر ما يتوفر لنا في الزمان .
إن الدراسات المقارنة ، و الرؤى النقدية ، قديمها وحديثها لهي أقدر على استجلاء هذه الحديقة الفكرية الزاهرة .
سنواصل بالقدر الذي نتلمس فيه طرائق جديدة للدراسة واستبطان المكنوز منها .
ونواصل

Post: #476
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-19-2007, 05:59 AM
Parent: #475

شكرا أخي عبد الحي على كلماتك المشجعات،
لكنني ,واسمح لي بقول ذلك،
انني لم افهم كلامك الآتي:
Quote: وحبذا كذلك إذا خرجنا من النص إلى ما يحويه النص.

وهذا ما قد سيجعلنا نعيد النظر في تجربة الحوار هنا .
محبتي
وأرقد عافية
المشاء

Post: #477
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-19-2007, 05:28 PM
Parent: #1


العزيز الكاتب والشاعر : أسامة الخواض .
تحية لك وأنت تواصل معنا هُنا ،
وأعتقد أن الملاحظات مدعاة أن نمُد
البساط لمجلسنا أن يكون أكثر سعة بالمُصطافين
وأن نأخذالدراسة بمنعطفها الساحر بين رؤى النقد
وفتوحاته الفكرية .

شكراً لك وللأستاذ ياسر ولجميع الذين يزينون
هذه الورقة السماوية الباسقة
والتحية من قبل ومن بعد للسادة والسيدات القُراء.


Post: #478
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-20-2007, 05:46 AM
Parent: #477


شكرا الشقليني على التوضيح ،
وشكرا مرة اخرى للاستاذ عبد الحي.
من المرات القلائل التي يشير فيها الاستاذ محمود محمد طه الى مصادره الغائبة،
ذكر نظرية التطور ،وبالتحديد دارون.

في كتابه المهم عن مصطفى محمود ،
يقول المقطع الطويل نسبيا ،
وسنذكره كاملا:

Quote: إن قصة الخلق في القرآن، لهي أكمل، وأتم، مما هي في أي فكر نعرفه، حتى اليوم .. وقضية التطور، في القرآن، تذهب إلى بدايات، وتسير إلى نهايات، أبعد، في الطرفين، مما يدخل في ظن عالم من العلماء الذين تعرضوا لنظرية التطور، من دارون إلى آخر من كتبوا في هذا العلم ..

في القرآن الوجود لولبي، وهو، على كل حال، وجود ليست له بداية، ولن تكون له نهاية .. وكل الذي بدأ، وكل الذي ينتهي، هو مظهر الصور الغليظة ..
في القرآن، الوجود هو الله، تنزل من إطلاقه، فظهر في صور المادة المحسوسة، وهو إنما ظهر ليعرف .. ليعرفه من؟؟ ليعرفه الذي هو مثله – الإنسان – و(ليس كمثله شيء) ...
الخلق في القرآن، هو الإرادة الإلهية جمدت، وتجسدت .. فهو قد تنزل من الإطلاق، في معنى ما تنزلت الإرادة .. وهو إلى الإطلاق راجع .. لأن الإرادة، في التحليل الأخير، إنما هي الإطلاق .. قال تعالى: (ولله ما في السموات، وما في الأرض، وإلى الله ترجع الأمور) ..
والخلق، في القرآن، ليس كائنا، وإنما هو مستمر التكوين ..
في القرآن، الخلق في ثلاثة عوالم، عالم الملكوت من أعلى، وعالم الملك من أسفل، وعالم البرزخ قد توسط بينهما .. فعالم الملكوت، عالم لطائف – عالم مادة لا تتأثر بها حواسنا – عالم أرواح – ... وعالم الملك، عالم كثائف – عالم مادة، مجسدة، تتأثر بها حواسنا – وهو، من ثم، عالم أجساد .. وعالم البرزخ هو عالم المزج بين اللطائف والكثائف – عالم العقول التي ركبت على الأجساد لتصهر كثائفها بنار المجاهدة، فتحيلها إلى لطائف .. وهذا هو عالم الإنسان .. والاختلاف بين العوالم كلها اختلاف مقدار .. فالوحدة هي السلك الذي ينتظم الأشياء، من الخلايا التي تكون الأجسام الحية، وإلى الذرات التي تكون المادة الصماء – فالاختلاف، إختلاف مقدار، لا اختلاف نوع .. بل إنه، في التوحيد، إختلاف النوع يمتنع .. هذا ما يراه القرآن، في حين أن ما يراه أصحاب نظرية التطور – دارون وأشياعه – هو أن أنواع الحيوانات إنحدرت كلها من أصل واحد، تباين، واختلف إلى فروع من الفصائل، والأنواع، نتيجة تباين الظروف والبيئات ..


وبالرغم من التأثير الهائل الذي مثلته مدرسة التحليل الفرويدية وما بعدها ،على خطاب الاستاذ وجهازه المفهومي،
نراه لا يشير مطلقا الى اسم فرويد او اي من تلاميذه.
نقول بذلك تمهيدا لنشر مقاربة عن التناص بين التحليل النفسي وخطاب الاستاذ.
أرقدوا عافية
المشاء

Post: #479
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-21-2007, 07:48 AM
Parent: #478

للمزيد من القراءة
المشاء

Post: #480
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبد الحي علي موسى
Date: 07-21-2007, 10:35 AM
Parent: #479

تحياتي أخي اللطيف الشقليني والأخوة المتداخلين
لفتت نظري مداخلة للأخ عمر هواري:
Quote: فمثلا في مسألة الحضارة والمدنية فأن تفريق الأستاذ بينهما ليس تفريق لغوي أومصطلحي بقدر ما هو تفريق قيمي وحتى في هذا فأن الأستاذ محمود ذكر أن الاختلافبينهما هو اختلاف مقدار لا اختلاف نوع ..

إن الذي يؤمن بوحدة الوجود، لا يرى اختلاف الأشياء في النوع.
فالاشتراكية والرأسمالية، يختلفان فقط في المقدار.
و النفوس السبعة لا تختلف إلا في المقدار .
كذلك المدنية والحضارة، فعندما يستخدم الأستاذ كلمة مدنية، فهو يعني بها الحضارة في قمتها . وعندما يستخدم كلمة حضارة فهو يعني المدنية في قاعدتها فأين الخلط يا أخ أسامة؟
وعند قولي بالخروج من النص إلى ما يحويه النص قصدت أن المحتوى هو الذي يدلل على النص.
و مع أني قد ذكرت أن هذا الحوار هو الهادئ والهادي فلماذا اقترحت - أخي أسامة- أن نعيد النظر في تجربة الحوار هنا؟
أخ الشقليني:
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.
(فإن لم تكن)،
تراهـ.
ذكر أحد الصوفية وأظنه ابن عربي:
(فإن لم تكن)، يعني عندما لم تكن. أي عندما تفنى به عن نفسك.
عندها ستراهـ.
أي بعد مقام الفناء، ستراهـ في مقام البقاء.

Post: #481
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-21-2007, 11:02 AM
Parent: #1



محمود محمد طه واللغة ( الجاحظ مرجعاً ) (1)


بدأنا الحديث عن فخامة اللغة التي يستخدمها الأستاذ محمود ، ولكننا بصدد إجراء المقارنة بحظها مما تحدث به الأقدمون .
من مرجع سِفره ( البيان والتبيين ) تحدث الجاحظ عن اللفظ والمعنى ، وهو من أوائل الذين تحدثوا . وهو يرى أن أحسن الكلام ما كان معناه في ظاهر لفظه . أو ( اللفظ للمعنى بدن والمعنى للفظ روح ) .
يؤكد الجاحظ على الأسلوب القوي المُحكم بكل عناصره هو الذي يجلوه ويضفي عليه من نعوت البلاغة ، وبالتالي يُحدث تأثيره في النفوس ، وينوه بأن المعاني من الغريبة العجيبة والشريفة الكريمة والبديعة المُخترعة ، وكيف يتنازعها الأدباء والشعراء فيدعون أنها من بنات أفكارهم ووحي خيالاتهم .
لقد اهتدى الجاحظ بنفاذ بصيرته وهو يعالج قضية اللفظ ، أن لكل فن من القول ولكل أديب ناثر أو شاعر له ألفاظه أو معجمه اللغوي الخاص .
ويرى الجاحظ أيضاً أن المزاوجة بين اللفظ والمعنى تتأتى بالنظم الذي يتيح لجوهر المعنى أن يبدو كاملاً و مؤثراً . ، ونظم الكلام على هذا النحو عنده هو الذي يضفي عليه نعوت ويمنحه قوة التأثير في النفوس .

تحدث الجاحظ عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال أنه أصل من الأصول النقدية البلاغية ، ولا يزال تنظر لها النقاد على أنها من مقاييس النقد .، فبمقدار تحققه في الكلام يكون حظه من البلاغة والإصابة .
ومن مطابقة الكلام لمقتضى الحال عند وجوب تحري الموضوع والغرض واختيار ما يلائمه من ألفاظ ، وقد قرر المقولة بأن لكل مقال مقام ، ولكل صناعة شكل .

تحدث الجاحظ عن فصاحة الكلمة و فصاحة الكلام .
فهو يشترط في فصاحة الكلمة سلامتها من تنافر الحروف . ومن فصاحة الكلمة عند الجاحظ أن تكون من المألوف غير الغريب ، كما لا ينبغي أن يكون اللفظ عامياً وساقطاً سوقياً ، وكذلك لا ينبغي أن يكون وحشياً . فالقرقرة والفأفأة من الألفاظ الغريبة . ، وفصاحة الكلمة كما يراها الجاحظ في تآلف ألفاظها لا في تنافرها .
تحدث الجاحظ عن البيان :
مرة يعرفه بأنه الجامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى ، وهتك الحجاب دون ضمير حتى يفضي السامع لحقيقته .
ومرة يعرف البيان بأنه الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي وهو الذي سمعت الله عز و جل يمدحه ويدعو له ويحث عليه وبذلك نطق القرآن .
تحدث الجاحظ عن :

المجاز : وقد تعرض لأنواعه من مجاز عقلي ومجاز مُرسل واستعارة .
الكناية : وورد بالمعنى العام وهو التعبير عن المعنى تلميحاً لا تصريحاً وأفصاحاً كلما اقتضى الحال ، ويفهم قول الجاحظ ( رُب كناية تربى على إفصاح ) .
وقد عرف البلاغة : جماع البلاغة البصر بالحجة ، والمعرفة بمواضع الفرصة ، ومن البصر بالحجة ، والمعرفة بمواضع الفرصة .

ايجاز :

عرف الجاحظ بأنه الجمع للمعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة ، ويقول : ما فيك عيب إلا كثرة الكلام .
تحدث الجاحظ عن المعاني :
إنه أوسع من أن تحيط به الألفاظ والأسماء . إن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية وممتدة إلى غير نهاية . يضيف الجاحظ أن دلالات المعاني :
1. اللفظ
2. الإشارة
3. العقد
4. الخط
5. ثم الحال التي تسمى نصبة والنصبة هي الحالة الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف .
تحدث الجاحظ عن البديع :
أهم قضايا البديع لدى الجاحظ :

1. السجع :

2. المزدوج :
ويسمى بالمزاوجة وهو ضرب من السجع تتفق فيه أجزاء الكلام وفواصله في الحرف الأخير الذي يشبه القفافية في الشعر .
3. التقسيم :
وهو استيفاء التكلم أقسام المعنى على نحو قوله تعالى :
( وهو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً ) وقد فطن الجاحظ إلى الأسلوب البديعي ونوه بجودته .
4. الإحتراس :

5. وهو كلام يأتي به المتكلم في ثنايا كلام آخر لتخليصه مما يوهم خلاف المقصود .
6. الإقتباس :

7. وهو أن يضمن المتكلم كلامه كلمة من آية من الذكر الحكيم .، فهو يورث الوقار والرقة وسلس الموقع .
8. أسلوب الحكيم :

9. وهو تلقي المُخاطب بغير ما يتوقعه ، إما بترك سؤاله والإجابة بسؤال لم يسأله ، وإما بحمل الكلام على غير ما كان يقصد .

من بعد كل ذلك نعود لقبس من لغة الأستاذ محمود ، لنرى بالمقارنة مع الأقدمين أين هي لغته وأين حظها من الفخامة والسلاسة أو التقريرية .

ونواصل


Post: #482
Title: من بريد موقع الفكرة الجمهورية....
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-21-2007, 07:11 PM
Parent: #1

الأخوان الأعزاء الشقليني وأسامة الخواض وعبد الحي،
تحية طيبة
أستمتع بمتابعة المداخلات كلها..
تقدم أحد قراء منبر الفكرة الجمهورية "بشر الحافي" بكتابة أسئلة في بريد الموقع رأيت أن أشرككم في قراءتها وكذلك قراءة تعليقي عليه..
وشكرا
ياسر

Quote: التاريخ: 21/07/2007
من: Webmaster [بشر الحافي ]
الموضوع: RE: مجرد اسئلة
الأخ السائل "بشر الحافي"،
تحية وشكرا على الكتابة وعلى الأسئلة..
أقترح عليك قراءة هذا البوست في منبر سودانيز أونلاين فإن فيه حوارا مع الأخ الأستاذ أسامة الخواض ربما تجد فيه بعض الإضاءات على موضوع الأسئلة..
محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

ما هو الأساس المعرفي الذي شيَّد عليه الأستاذ محمود فكرته؟؟ أراك تزعم بأنه العرفان الصوفي.. وهذا ليس صحيحاً.. الأستاذ محمود بدأ بعلاقة عادية بالإسلام، وتلقى تعليما مدنيا في عهد الإستعمار وتخرج مهندسا.. تفاعَلَ الأستاذ مع مواضيع عصره السياسية في بداية العهد الوطني بعد قيام مؤتمر الخريجين، وفي منتصف الأربعينيات نشأ الحزب الجمهوري كأول حزب يدعو إلى قيام جمهورية سودانية، وقاد نضالا سياسيا لمصادمة الإستعمار.. أنا أستطيع أن أقول بكل ثقة أن الأساس الذي شيَّد عليه الأستاذ فكره منذ قيام الحزب الجمهوري كان أساسا فكريا.. دعني أنقل لك ما جاء في كتاب "السفر الأول" الذي خرج في عام 1945 مع نشأة الحزب:

نحن اليوم بسبيل حركة وطنية تسير بالبلاد في شحوب أصيل حياة العالم هذه المدبرة ، إلى فجر حياة جديد ، على هدى من الدين الإسلامي ، وبرشد من الفحولة العربية ، وبسبب من التكوين الشرقي .. ولسنا ندعو ، أول ما ندعو ، إلى شئ ، أكثر ولا أقل ، من إعمال الفكر الحر فيما نأتي ، وماندع من أمورنا ـ الفكر الحر الذي يضيق بكل قيد ، ويسأل عن قيمة كل شئ ، وفي قيمة كل شئ .. فليس شئ عنده بمفلت عن البحث ، وليس شئ عنده بمفلت عن التشكيك .. فلا يظنن أحد أن النهضة الدينية ممكنة بغير الفكر الحر .. ولا يظنن أحد أن النهضة الإقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر.. ولا يظنن أحد أن الحياة نفسها يمكن أن تكون منتجة ممتعة بغير الفكر الحر.
إن الحزب الجمهوري لا يسعى إلى الإستقلال كغاية في ذاته ، وإنما يطلبه لأنه وسيلة إلى الحرية.. وهي التي ستكفل للفرد الجو الحر الذي يساعده على إظهار المواهب الكمينة في صدره و رأسه . و يؤمن الحزب الجمهوري ، إيماناً لا حد له ، بالسودان .. و يعتقد أنه سيصبح من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح ، و غذاء الفكر ، إذا آمن به أبناؤه ، فلم يضيعوا خصائصه الأصيلة ، و مقوماته ، بالإهطاع نحو الغرب ، و نحو المدنية الغربية ، في غير روية ، و لا تفكير .. و رأي هذا الحزب في المدنية الغربية ، هو أنها محاولة إنسانية نحو الكمال .. و هي ككل عمل إنساني خطير ، مزاج بين الهدى و الضلال .. و هي لهذا ، جمة الخير ، جمة الشر .. و شرها أكبر من خيرها .. و هي كذلك بوجه خاص على الشرقي الذي يصرفه بهرجها ، و بريقها ، و زيفها ، عن مجال الخير فيها ، و مظان الرشد منها .. ويرى هذا الحزب : أننا ما ينبغي أن نتقي هذه المدنية ، بكل سبيل ، كما يريد المتزمتون من أبناء الشرق .. و لا ينبغي أن نروج لها ، بكل سبيل ، و نعتنقها ، كما يريد بعض المفتونين ، المتطرفين ، من أبناء الشرق .. و إنما ينبغي أن نتدبرها ، و أن ندرسها ، وأن نتمثل الصالح منها .. هذه المدنية تضل و تخطئ ، من حيث تنعدم فيها معايير القيم ، وتنحط فيها إعتبارات الأفكار المجردة .. فليس شئ لديها ببالغ فتيلاً إذا لم يكن ذا نفع مادي ، يخضع لنظام العدد ، والرصد .. فهي مدنية مادية ، صناعية ، آلية ، وقد أعلنت إفلاسها ، وعجزها ، عن إسعاد الإنسان ، لأنها كفرت بالله ، و بالإنسان .. و يعتقد الحزب الجمهوري أن الشرق ، عامة ، و السودان ، خاصة ، يمكنهما أن يضيفا عنصراً إلى المدنية الغربية هي في أمس الحاجة إليه ، وذلك هو العنصر الروحي .

انتهى..
على هذه الأرضية من التفكير الحر توصل الأستاذ إلى أن الديمقراطية والإشتراكية وحقوق المرأة هي من حسنات الحداثة الغربية، ثم نظر في الإسلام فوجدها حاضرة في القرآن ولكن ليس في النصوص المحكمة التي قامت عليها الشريعة الإسلامية منذ عهد المدينة، وإنما في نصوص نسخت منذ الهجرة من مكة.. على هذا الأساس قامت دعوته التي نادت ببعث أصول القرآن ونسخ فروعه التي قامت عليها الشريعة..
إذن ليس هناك أي إرباك أو تناقض بين هذه القيم وبين الأصل القرآني الذي كان يعتبر منسوخا..
ولك وافر التقدير..
ياسر الشريف


-------
>التاريخ: 17/07/2007
>من: بشر الحافي
>الموضوع: مجرد اسئلة
> ازعم باني مطلع على بعض افكار الاستاذ ،وهناك ما لم افهمه بوضوح؟
مثلا هل الاساس المعرفي الذى شيد عليه الاستاذ بناءه النظرى واقصد العرفان الصوفي هل هذا الاساس صالح ليحمل افكاراً كالديمقراطية، الاشتراكية ، حقوق المراءة الى اخر ما ينتمى الى عصور الحداثة الاوروبية،السنا هنا امام محاولة توفيقية، الم يكن هذا التناقض مصدر ارباك كبير داخل الخطاب الجمهوري

Post: #483
Title: Re: من بريد موقع الفكرة الجمهورية....
Author: مامون أحمد إبراهيم
Date: 07-21-2007, 07:27 PM
Parent: #482

أعزائى الكرام ,

على سبيل المرور والتحيه ,

مع رؤى مافوق الأحلام , سلام

وألف سلام .

Post: #484
Title: Re: من بريد موقع الفكرة الجمهورية....
Author: osama elkhawad
Date: 07-22-2007, 05:45 AM
Parent: #483

عزيزي عبد الحي
شكرا على مداخلتك
وسأعود للرد عليك بكرة ،
كان الله هوّن.
وتحياتي مصحوبة ايضا الى الاخ الكريم مأمون
محبتي
المشاء

Post: #485
Title: Re: من بريد موقع الفكرة الجمهورية....
Author: عبد الحي علي موسى
Date: 07-22-2007, 09:58 AM
Parent: #484

تحياتي أخي الشفاف عبد الله الشقليني وأنت تزين هذا الحوار- من حين لآخر - بمعارف وأسرار إلهية طالما سكرنا معها.
الأخوة الكرام :
الشقليني، د. ياسر، أسامة، عمر، د. حيدر، عبد الغني كرم الله، محمد عبد الجليل
قد ذكرت أن هذا البوست محضور لأني لا حظت ، إن لم أكن مخطئا، عدم وجود متداخل سلفي.
عليه يجب أن ننتبه، في وجود حالة كتلك، ألا تشتت الأفكار بأمور انصرافية مقصودة.
أخي أسامة الخواض تحية خاصة
في أول مداخلة لي بهذا البوست، ذكرت أنني لم أرى الأستاذ قط في حياته الأولى ورغم ذلك أزعم أنني أحبه لذا أتداخل في كل ما يتعلق بموضوع يخص الأستاذ. وأود أن أضيف كذلك، أنني لست جمهوريا، لذا فالذي أكتبه هنا إنما هو رأيي أنا ولا يمثل من قريب أو بعيد رأي الأخوة الجمهوريين، حتى لا يحسب أن هذا هو رأي الجمهوريين.
كذلك لا أخفي سعادتي بحوارك الممتع مع الأخ د. ياسر، وطول نفس كليكما وكم تمنيت أن يقتدي الآخرون، وأنا منهم، في هذا المنبر بهذا النوع من الحوار الراقي والاحترام المتبادل لتعم هذه التجربة الوطن الكبير.
الأخ د. ياسر الشريف تحية خاصة كذلك
Quote: ]والآن أقول أنه من المعروف أيضا أن الأستاذ محمود من أهل البيت النبوي.. فالأستاذمحمود ركابي ينتهي نسبه إلى ركاب بن غلام الله، وقد ورد في الطبقات عن غلام اللهاليمني هذا أنه ينتسب إلى سيدنا الحسين فهو إذن من أهل البيت،

أرحت قلبي.
فأسال الله أن يريح قلبك دنيا وأخرى، ويزهدك فيهما وفيما سواه.
لطالما بحثت عن هذا النسب الشريف وقد أكدته لي اليوم.
كما يجب ألا ننسى حديث العترة:
تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا – يعني كتاب الله والعترة – حتى يردا علي الحوض.
فالشكر لك أخ د. ياسر والشكر كذلك (للسائل) اللطيف عبد الله الشقليني والذي كأنه قد تبادر إليه أنني أريد أن أسأل نفس السؤال.
وأعانك الله أخي د. ياسر الشريف وأخي عمر هواري ود. حيدر في خدمة الفكرة.
عميق شكري ومحبتي للجميع.

Post: #486
Title: Re: من بريد موقع الفكرة الجمهورية....
Author: osama elkhawad
Date: 07-23-2007, 03:17 AM
Parent: #485

الاستاذ :عبد الحي
تحيات مخلصات
سألتني عن موضوع سبق ان قتلناه بحثا وحوارا هو موضوع العلاقة بين الحضارة والمدنية ،
وأضيف الثقافة .
كلام الاستاذ عمر هواري ليس له علاقة بالمصطلحين ،
و مبادرة الاستاذ اساسا تنطلق من تقديم نموذج جديدي للحضارة الآلية .
فهو ينطلق من مصطلحات الحداثة الغربية و من ضمنها الحضارة والمدنية .
ولذلك فنحن نقارب مفهومه لهما من ضمن ذلك المنظور الحداثي المصطلحي.
وقد قلت ما قلت به و اعتقد ،بل انني اثبت ان الاستاذ مرتبك في استخدامه للمصطلحين.
فبعد ان قال ان مساهمة الغرب تمثل حضارة لا مدنية ،
نراه يعود للكلام عن المدنية الغربية الآلية.
الارتباك واضح حسب رايي الضعيف.
شكرا لكلامك عن الحوار الهادئ ،
وكون انني قلت ان النقاش في حاجة الى استعدال ،فذلك مرده ان الدكتور ياسر الشريف لم يكن يفهم منطلقي البحثي اي التناص.
مرحبا بك مرة اخرى ،وسيستمر النقاش في نفس الوتيرة الهادئة الهادية.
محبتي
المشاء

Post: #487
Title: مصطلح التناص غير واضح.. ودارون ليس مصدرا للأستاذ محمود!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-23-2007, 09:24 AM
Parent: #486

الأخ الصديق أسامة،
تحية لك ولك المتداخلين والقراء وللأخ الشقليني الذي يعمل على إثراء البوست وتنويع مواضيعه..


Quote: وكون انني قلت ان النقاش في حاجة الى استعدال ،فذلك مرده ان الدكتور ياسر الشريف لم يكن يفهم منطلقي البحثي اي التناص.

لا يزال لدي عدم وضوح في فهمك واستعمالك لمصطلح التناص Intertextuality، فالذي فهمته أنا مما أورده الأخ الشقليني، ومن مصادر أخرى في الشبكة، أنه ليس هناك اتفاق في معنى المصطلح بالضبط، وهناك عدة معاني له.. لذلك من ناحيتي لن أستخدمه في الحوار معك، وسأكتفي بما تكتبه أنت في عبارات واضحة، وأنت حر في إستعمال المصطلح في دراستك، أما هنا في البوست فأرجو أن نتركه جانبا فتجربتي معك في مسألة دارون تجعلني أبتعد عن كلمة "التناص" بعد أن قرأت قولك:
Quote: في مسالة التناص ،
ارى ان علاقة الاستاذ بدارون مهمة،
فهو قد حاول ان يتناص معها،
وهذه مهمة يقوم بها العارفون بنظرية التطور عند دارون،
فما يقول به الاستاذ ،
ينطلق اساسا من دارون،
كما نوه قبل ذلك محمد خلف الله في مقاله الذي اوردته في مداخلة سابقة.

وقد سبق لي أن علقت مطولا على كلامك هذا..

والآن يطالعني قولك:
Quote: من المرات القلائل التي يشير فيها الاستاذ محمود محمد طه الى مصادره الغائبة،
ذكر نظرية التطور ،وبالتحديد دارون.

عندماذكر الأستاذ محمود إسم دارون ومن كتبوا في مسألة التطور أتبعه بالعبارة التي وضعتها أنت بالكتابة المشددة.. فهل هذا يعني أن كتابة دارون مصدر من مصادر الأستاذ.. أنا أستغرب أنك تفهم العبارة فهما يختلف عما يعطيه ظاهر الكلمات.. فالعبارة تقول:
Quote: وقضية التطور، في القرآن، تذهب إلى بدايات، وتسير إلى نهايات، أبعد، في الطرفين، مما يدخل في ظن عالم من العلماء الذين تعرضوا لنظرية التطور، من دارون إلى آخر من كتبوا في هذا العلم ..


فكيف بالله بعد هذه العبارة تقول أن نظرية دارون كانت من مصادر الأستاذ؟؟ وأستغرب جدا كيف أنك نقلت ما نقلته في المداخلة من كتابة الأستاذ محمود الأخرى الموضحة للفرق بين ما قدمه الأستاذ وما يقوله دارون وأشياعه في الفقرة الأخيرة من النص المنقول، ثم بعد هذا تقول أن الأستاذ قد أحسن وذكر مصادره!! نعم الأستاذ مطلع على النظرية وما كتب بعدها، ولكن هل دارون كان مصدره فيما كتب عن التطور؟؟ الغريب أنك تقول الآن أن الأستاذ هنا أشار إلى دارون كمصدر له مع إعترافك بأنك غير ملم بدقائق نظرية التطور.. فكيف تريدنا أن نفهم هذا التناقض؟؟

قولك:

Quote: وبالرغم من التأثير الهائل الذي مثلته مدرسة التحليل الفرويدية وما بعدها ،على خطاب الاستاذ وجهازه المفهومي،
نراه لا يشير مطلقا الى اسم فرويد او اي من تلاميذه.
نقول بذلك تمهيدا لنشر مقاربة عن التناص بين التحليل النفسي وخطاب الاستاذ.


سوف أنتظر حتى أقرأ ما وعدت أن تنشره. وأتمنى أن يكون الحوار مفيدا فأنا أحسب أنك ملم بمسائل التحليل النفسي وبما قال به فرويد وغيره..

ولك مني التحيات الزاكيات..
وشكرا
ياسر

Post: #488
Title: Re: مصطلح التناص غير واضح.. ودارون ليس مصدرا للأستاذ محمود!!!
Author: عبد الحي علي موسى
Date: 07-23-2007, 09:57 AM
Parent: #487

تحياتي أخ عبد الله الشقليني ود. ياسر وأسامة والأخوة المتداخلين
الأخ أسامة يقول:
Quote: من الجلي هنا ان الحوار انحصر في بضعة اشخاص،
مما يكشف عن فقر المساهمين هنا في الاطلاع على خطاب الاستاذ

فالله يقول:
(ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
ولو علموا لساهموا.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
(اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
والأستاذ قال:
أزيحوا حجابكم الحسي هذا لأرى أمة محمد.
أمة محمد التي اجتمعت لتعالجه بالموت.
هذه الأمة التي تهتف :
سقط هبل...
ويصفهم هو بأصحاب الوجوه السمحة.
فلماذا أخي أسامة تنتظر مساهماتهم؟
الأخ الشقليني قال:
Quote: يبدو أننا تصدينا للأمر في حين اكتفى الكثيرون بالقراءة

والله يقول:
َلوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
(بل أنتم اليوم كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم).
الأخ اسامة يقول:
Quote: وهناك كلام اكيد عن علاقة الاستاذ بابن عربي وتلميذه عبد الكريم الجيلي،
وقد فسر خصوم الاستاذ تلك العلاقة خارج مفهوم التناص ،
باعتبار ان الاستاذ قد تلاص ،ولم يتناص معهما.

أظنك توافقني أن الأستاذ قد تواطأ قلبه مع لسانه وهذه يتفق فيها حتى خصومه.
الأستاذ قال أنه تأثر وقرأ للغزالي.
وقال أنه لكثير الإعزاز بالشيخ الأكبر ابن عربي. ولم يقل أنني اطلعت على فتوحاته المكية، أو فصوصه، أو قد اطلعت على الانسان الكامل للشيخ عبد الكريم الجيلي، فهو إذن صادق فيما يقول. فكيف يكون قد تلاص مع ابن عربي أو الجيلي وهو من الصادقين؟
فمثل هذا الكلام لا يقول به إلا شيخ عطية محمد سعيد.
وشخص يتلاص مع آخر، لا يمكن أن يكون بيته من الجالوص ولسان حاله يقول لنا:
إن دنياكم هذه لا تساوي عندي عفطة عنز. وأكثر من ذلك، لما اختار الموت بهذه الطريقة الشريفة.
أما إن كنت تقصد أن ابن عربي والجيلي وكبار الصوفية قد تكلم عن الانسان الكامل أو حتى صلاة الأصالة، أو الصلاة الدائمة عند ابن عطاء الله، أو الكبرى عند غيره، فلا ضير في ذلك، لأن العلم التجريبي- النظريات العلمية مثلا – ترتكز على ما قبلها وقد توافقها أو لا توافقها، بل حتى القرآن، ألم يقل الله :
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19).
مع تأكيدي أن ما قاله الأستاذ هو علم وهبي ذوقي وليس علم أوراق كما يقول السادة الصوفية دائما أن علمنا هذا علم أذواق وليس علم أوراق أو أخذوا – الظاهريون – علمهم ميت عن ميت ، وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت.
فهذا هو علم الأستاذ..
وهذا هو الأستاذ..
ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم كما يقول الفرزدق.
مع احترامي ومحبتي للجميع واستمتاعي بالحوار

Post: #489
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-23-2007, 05:02 PM
Parent: #1

الأستاذ عبد الحي
تحية لك .. وأنتَ بيننا
فلا تستَعفف من طعام مائدتنا ،
و أنت تبسُط صحائف الطعام ..
ونحن ننتظر .
***
في القُرى النائية ، وفي المدائن البعيدة الوادعة ،
ينظر الجميع إلى القمر ليلاً ،
كل يرى منه بضعاً .
بوجودك أيها العزيز عبد الحي ،
يكون للقمر وجه آخر يُسفِر .
كان السيد الذي نحتفي بخطابه ..هو القمر .

يقول شاعر من شعراء الحقيبة :

وجه القمر سافر
يَضوي شُعَاعُو نور وَافِر


***
التحية للأساتذة :

أسامة
ياسر
عبدالحي

ونواصل

Post: #490
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-24-2007, 04:34 AM
Parent: #489

عزيزي عبد الحي
سلامات كثيرة ومحبة
أظن انك اسأت فهمي حين قلت:
Quote: وهناك كلام اكيد عن علاقة الاستاذ بابن عربي وتلميذه عبد الكريم الجيلي،
وقد فسر خصوم الاستاذ تلك العلاقة خارج مفهوم التناص ،
باعتبار ان الاستاذ قد تلاص ،ولم يتناص معهما.

كلامي يتحدث عن قول خصوم الاستاذ في ما هو مشترك بينه وبين ابن عربي والجيلي.
وارجو ان تعيد قراءة كلامي مرة اخرى.
أما الكلام عن العلم الوهبي ،فهو كلام لا يقر به مفهوم التناص الذي اشتغل ضمن شبكته،
فلولا دارون لما كتب الاستاذ عن مفهوم التطور .
محبتي
المشاء

Post: #491
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-24-2007, 07:49 AM
Parent: #490

سلامات يا عزيزي أسامة الخواض،

قولك:

Quote: فلولا دارون لما كتب الاستاذ عن مفهوم التطور .


لا أريد أن يُفهم من كتابتي هذه التقليل من دور دارون، ولكني أستغرب لجزمك في العبارة بعاليه.. من أين لك هذه الثقة؟؟

لقد كنت دائما أحاول أن أقول لك بأن دارون أو غيره لا يخرج عن الإرادة الإلهية، فلو لا أن الله قد أراد لدارون أن يقول ما قال به لما قال [وقد ثبت فيما بعد أن ما قال به ليس دقيقا تماما ولكنه على الأقل فتح الباب].. المهم أن الله قد أراد للبشرية أن تعلم أمورا جديدة "علَّم الإنسان ما لم يعلم".. "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم".. هذا هو المهم..

وشكرا
ياسر

Post: #492
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-24-2007, 09:06 PM
Parent: #491

وصلات تستحق القراءة:

http://www.daralhayat.com/culture/bookrevs/04-2005/Item...107e63d56/story.html

http://en.wikipedia.org/wiki/The_Origin_of_Species

وشكرا
ياسر

Post: #493
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-25-2007, 04:09 AM
Parent: #1

التحية للجميع هنا ،
تذكرت هنا حديث عن القمر والسماء الدُنيا .
أذكر في أيام الصغر في أكتوبر 1969 م كُنا نستمع من عبر سماعات المسجد قرب دارنا الأول للشيخ الزين وهو يخطب من بعد صلاة المغرب وإلى ما قبل صلاة العشاء ، وكانت تلك الأيام أيام رحلة أبولو المشهورة إلى القمر وهبوطها فيه ، وكان في الرحلة (3) من الأمريكيين و جلبوا من تربة القمر ، ورفعوا العلم في أرض القمر .
كان الشيخ الزين يقول :
ـ ما تسمعوا كلام التلفزيونات دة كُلو كِضب أمريكان ساكت وغِش .
والقمر دة في السماء الدنيا ، وربنا وضع الشهب الرصد لمن يستمع من الجن ، فما بال الإنسان !
وهو يشير إلى الآية الكريمة مع تفسيره الخاص لها :

{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }فصلت12

والجدير بالذكر أنه كان يرأس المحكمة الشرعية التي حكمت على الأستاذ بالردة !!!!

Post: #494
Title: حركة التأويل -من الحداثة الغربية الى الخطاب الاسلامي
Author: osama elkhawad
Date: 07-25-2007, 04:57 AM
Parent: #493

عزيزي ياسر
خالص التحايا المباركات
فهمك لمنهجي مهم في النقاش ،حتى لا تطلب مني ما لم يرد في منهجي.
ومن هنا كان كلامي عن "عجمة " النقاش.
نعود لما اوردته ،ولا أقول نقلته ،كما اعتاد الجمهوريون ان يقولوا عن الاستشهاد،
فالنقل يوحي بالسلبية ،بينما ان الاستشهاد يوحي بفاعلية الكاتب،

نعود لكلامك الآتي:
Quote: على هذه الأرضية من التفكير الحر توصل الأستاذ إلى أن الديمقراطية والإشتراكية وحقوق المرأة هي من حسنات الحداثة الغربية، ثم نظر في الإسلام فوجدها حاضرة في القرآن ولكن ليس في النصوص المحكمة التي قامت عليها الشريعة الإسلامية منذ عهد المدينة، وإنما في نصوص نسخت منذ الهجرة من مكة.. على هذا الأساس قامت دعوته التي نادت ببعث أصول القرآن ونسخ فروعه التي قامت عليها الشريعة..
إذن ليس هناك أي إرباك أو تناقض بين هذه القيم وبين الأصل القرآني الذي كان يعتبر منسوخا..

هذا يتفق مع كلامنا عن ان قيمة الاستاذ تتمثل في " التجسير" بين الخطاب الاسلامي وخطاب الحداثة الغربية.

فالتأويل تم بالانتقال من "خطاب الحداثة الغربية" الى "الخطاب الاسلامي.
ولذلك فما قال به النور حمد واسماء ،
هو حديث تجانبه الصحة.
محبتي
المشاء

Post: #495
Title: قول الأستاذ بنسخ المحكم وبعث المنسوخ لا علاقة له بالتأويل!!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-25-2007, 11:23 AM
Parent: #494

سلامات يا عزيزي أسامة،

قولك:

Quote: نعود لما اوردته ،ولا أقول نقلته ،كما اعتاد الجمهوريون ان يقولوا عن الاستشهاد،
فالنقل يوحي بالسلبية ،بينما ان الاستشهاد يوحي بفاعلية الكاتب،


يمكن أن يكون معنى كلمة "إيراد" مرادفا لمعنى كلمة نقل.. ولكن في كل المرات التي استعملت أنا فيها كلمة "النقل" كان الإستعمال مقصودا لأني أنقل "نصوصا" من موقع الفكرة.. أنا أستشهد بالنصوص ولكني أنقلها.. وسأورد إليك بعض المواضع التي تدلل على ذلك:
في هذه المداخلة:
Re: يسمى وهو حيٌّ بالشهيد!!
قلت:
ويحسن أن أنقل قولا للأستاذ محمود في كتاب "تعلموا كيف تصلون" حول قيمة الصلاة:



Quote: Quote: إن الصلاة ليست عمل السذج ، والبلهاء ، والغافلين ، والعاجزين ، كما يظن المثقفون على عصرنا الحاضر.. وإنما الصلاة عمل هؤلاء جميعاً ، وهي ، إلى ذلك ، وفوق ذلك ، وقبل ذلك ، عمل المثقفين ، والعلماء ، والفنانين ، والفلاسفة ، وعمل كل مفكر ، للفكر عنده مكانة ، وكرامة..
إلخ..

وفي هذه المداخلة:
Re: دعوة الأستاذ محمود عملية وليست يوتوبيا!!!
قلت:

Quote: سوف تجد أن الأستاذ لا يتحدث عن "سودنة" العالم وإنما عن "عولمة" الإنسان والدول، وهذا بالضبط هو المرحلة التي تسير فيها الإنسانية اليوم وتحاول أن تتعلم من عثراتها وأخطائها.. وأرجو أن تسمح لي بنقل بعض فقرات الخطاب ووضع الخطوط للتركيز ثم التعليق عليها، وتذكَّر أن تاريخ الخطاب هو عام 1953، يعني بالضبط في زمن الحديث عن السودنة!!!! فتأمل:


ثم بعد ذلك أوردت الفقرات التي نقلتها من موقع الفكرة بـ "كوبي آند بيست"..

وفي هذه المداخلة:
بين الأستاذ محمود والحداثة الغربية... توضيح
قلت:

Quote: أما ما قاله الأستاذ محمد خلف الله عن "الأستاذ محمود ودارون" فهو ما نقلته أنا عنه من ذلك المقال، ولم يكن هو الموضوع الأساسي فيه، ولذلك لم أفهم قوله إليك بأن ما نقلته عنه لا يعبر عنه!!

فأنا قد نقلت نصا من مقال محمد خلف ..

وفي نفس الفقرة قلت لك:


Quote: فأنت ترى أن ما قال به الأستاذ في مسألة التطور "ينطلق أساسا من دارون".. ولكنك لم تواجه ما قاله الأستاذ محمود في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" وأوردته أنا في نفس المداخلة بعاليه، ودعني أنقله مرة أخرى:
ثم قمت بنقل النص..

وفي هذه المداخلة:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
قلت لك:


Quote: أنا لم أقل أن ما قلته من تعليق على الأستاذ محمد خلف الله غير مهم. ولكن قلت أنه يجب علينا أن ننشغل بحوارنا الخاص، طالما أنت تقول بشيء قريب مما نقلته أنا بالنص من كتابته وعلقت عليه..

وفي هذه المداخلة:
من بريد موقع الفكرة الجمهورية....
كتبت لمن كتب بإسم "بشر الحافي" :

Quote: أنا أستطيع أن أقول بكل ثقة أن الأساس الذي شيَّد عليه الأستاذ فكره منذ قيام الحزب الجمهوري كان أساسا فكريا.. دعني أنقل لك ما جاء في كتاب "السفر الأول" الذي خرج في عام 1945 مع نشأة الحزب:
ثم نقلت النص..
وفي هذه المداخلة:
مصطلح التناص غير واضح.. ودارون ليس مصدرا للأستاذ محمود!!!
قلت لك:

Quote: فكيف بالله بعد هذه العبارة تقول أن نظرية دارون كانت من مصادر الأستاذ؟؟ وأستغرب جدا كيف أنك نقلت ما نقلته في المداخلة من كتابة الأستاذ محمود الأخرى الموضحة للفرق بين ما قدمه الأستاذ وما يقوله دارون وأشياعه في الفقرة الأخيرة من النص المنقول، ثم بعد هذا تقول أن الأستاذ قد أحسن وذكر مصادره!! نعم الأستاذ مطلع على النظرية وما كتب بعدها، ولكن هل دارون كان مصدره فيما كتب عن التطور؟؟ الغريب أنك تقول الآن أن الأستاذ هنا أشار إلى دارون كمصدر له مع إعترافك بأنك غير ملم بدقائق نظرية التطور.. فكيف تريدنا أن نفهم هذا التناقض؟؟

ولذلك لا أرى إشكالا في استعمال كلمة "نقلت" بهذه الطريقة.. فأنت قد نقلت بعض النصوص في معرض كتابتك..
وقد قام الأخ الشقليني أيضا باستعمال الكلمة في هذه المداخلة:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
فقال:

Quote: ننقل عن مجلة مدارات المفاتيح الآتية:


ثم نقل لنا مشكورا ما جاء عن مسألة مصطلح "التناص".. فليس هناك إشكال في إستعمال الكلمة بهذه الطريقة..
ــــ

ثم أنك يا عزيزي أسامة قمت بنقل النص التالي مما كتبته أنا لبشر الحافي:

Quote: على هذه الأرضية من التفكير الحر توصل الأستاذ إلى أن الديمقراطية والإشتراكية وحقوق المرأة هي من حسنات الحداثة الغربية، ثم نظر في الإسلام فوجدها حاضرة في القرآن ولكن ليس في النصوص المحكمة التي قامت عليها الشريعة الإسلامية منذ عهد المدينة، وإنما في نصوص نسخت منذ الهجرة من مكة.. على هذا الأساس قامت دعوته التي نادت ببعث أصول القرآن ونسخ فروعه التي قامت عليها الشريعة..
إذن ليس هناك أي إرباك أو تناقض بين هذه القيم وبين الأصل القرآني الذي كان يعتبر منسوخا..

وقد كان سبب إيرادك لهذا النص هو أنك تريد أن تقول:

Quote: هذا يتفق مع كلامنا عن ان قيمة الاستاذ تتمثل في " التجسير" بين الخطاب الاسلامي وخطاب الحداثة الغربية.


ثم أوضحت نفسك أكثر فقلت:

Quote: فالتأويل تم بالانتقال من "خطاب الحداثة الغربية" الى "الخطاب الاسلامي.


وهنا لم أستطع أن أفهم ما تقصده، وقد بدا لي قولك مضطربا.. فقول الأستاذ بنسخ المحكم وبعث المنسوخ لا علاقة له بالتأويل.. ثم أن الأستاذ لم يقل بنقل الحداثة الغربية "كذا" وإنما قال ما جاء في النص الذي أوردته بعاليه منقولا من تعليقي على بشر الحافي في بريد موقع الفكرة:

Quote: و رأي هذا الحزب في المدنية الغربية ، هو أنها محاولة إنسانية نحو الكمال .. و هي ككل عمل إنساني خطير ، مزاج بين الهدى و الضلال .. و هي لهذا ، جمة الخير ، جمة الشر .. و شرها أكبر من خيرها .. و هي كذلك بوجه خاص على الشرقي الذي يصرفه بهرجها ، و بريقها ، و زيفها ، عن مجال الخير فيها ، و مظان الرشد منها .. ويرى هذا الحزب : أننا ما ينبغي أن نتقي هذه المدنية ، بكل سبيل ، كما يريد المتزمتون من أبناء الشرق .. و لا ينبغي أن نروج لها ، بكل سبيل ، و نعتنقها ، كما يريد بعض المفتونين ، المتطرفين ، من أبناء الشرق .. و إنما ينبغي أن نتدبرها ، و أن ندرسها ، وأن نتمثل الصالح منها .. هذه المدنية تضل و تخطئ ، من حيث تنعدم فيها معايير القيم ، وتنحط فيها إعتبارات الأفكار المجردة .. فليس شئ لديها ببالغ فتيلاً إذا لم يكن ذا نفع مادي ، يخضع لنظام العدد ، والرصد .. فهي مدنية مادية ، صناعية ، آلية ، وقد أعلنت إفلاسها ، وعجزها ، عن إسعاد الإنسان ، لأنها كفرت بالله ، و بالإنسان .. و يعتقد الحزب الجمهوري أن الشرق ، عامة ، و السودان ، خاصة ، يمكنهما أن يضيفا عنصراً إلى المدنية الغربية هي في أمس الحاجة إليه ، وذلك هو العنصر الروحي .


هذا ما قاله الأستاذ محمود في كتاب "السفر الأول" عام 1945 قبل أن تظهر الفكرة التي دعت إلى "بعث المنسوخ ونسخ المحكم" وتطوير التشريع.. وظل الحديث عن نفخ الروح في المدنية الغربية الآلية الحاضرة بنفس المعنى في كتاب "الديباجة"، وتمثل في الدعوة الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية في جهاز واحد، وإلى تقديم المنهاج الإسلامي الديني لترقية الفرد وتعريفه بحقيقة علاقته بالكون وبالمجتمع بما يضمن تحقيق السلام في النفس البشرية أولا قبل أن تتحقق في المجتمع ككل، وغير ذلك من التفاصيل الكثيرة..
وشكرا، مع وافر المحبة والمودة..

ياسر



















Post: #496
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-26-2007, 01:11 PM
Parent: #1

بوست يستحق المتابعة في منبر "سودان للجميع":

http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=1856&sid=...5146b63e298443a9dce6
....

Quote: في العرفان : محمود محمد طه وتكريس نظام اللاعقل* (1)
غسان على عثمان

[email protected]

"إن العرفان يلغي العقل ، ومن الحق العقل أن يدافع عن نفسه ، ولكن ليس بالطريقة السحرية التي يعتمدها العرفانيون الباطنيون بل بإتباع منهج واستخدام آليات تخضع (بضم التاء) الحقيقة للرؤية" - محمد عابد الجابري – بنية العقل العربي.


في البدء نعترف بأن كل مجتهد مصيب! ولا إقصاء لأحد بأي مرجعية كان يعمل ولكن في المقابل يحق لنا مناقشة وتحليل ومحاولة الكشف عن آليات ومنهج صاحب الرؤية المعينة والذي هو هنا الأستاذ محمود محمد طه (رحمه الله) ، ونود في هذه المقالات التي نود كتابتها مناقشة نظرية العرفان كموقف ورؤية للعالم وللدين ، ونأمل من خلال ما نكتب أن يفهم كلامنا في سياقه وأنه ليس تجنياً على أحد ولا محاولة للنيل من أحد ولنا الاعتراف بفضل الرجال أمثال صاحب الرسالة الثانية للإسلام. فهو قبل أن نطلق عليه الوجه العرفاني نؤمن بدوره النضالي والسياسي وسيرته العطرة.
في العرفان Gnosis :
يتفق معظم الباحثون في تعريف العرفان بأنه " العلم بأسرار الحقائق الدينية" ، و"العرفاني هو الذي لا يقنع بظاهر الحقيقة الدينية بل يغوص على باطنها لمعرفة أسرارها" ، وفي رأينا أن القول بوجود أسرار دينية لا يشبه العقيدة الإسلامية في شيء فمحمد (ص) بلغ الرسالة وأدى الأمانة ولا يحدثنا النص القرآني عن أسرار للدين إلا اللهم ما يفعله العرفانيون اجتزءا للنص وقراءته عضين ، فمن المسلم به أن المعرفة الجزئية لا تكون علما، إنما المعرفة الكلية هي التي تكون أساس العلم! ولهذا وبما أن الموقف العرفاني يكرس السلطة بالعلم في يد ذات عارفة تمتلك الفرادة والعلو على الواقع المادي فأنها لا تمتلك القول بعلميتها ، فالمعرفة الجزئية فروض تتأسس فقط على القول بها ، ومثل هذا إدعاء بعض أصحاب الكرامات (والتي لا يعترف الإسلام بها) بأنه يصلي العشاء بمكة ويتناول العشاء مع عياله في قرية من قرى السودان النائية! فهذه مسألة تتحقق لديه فقط أم لديك فمرجعها القول بها! وحديث العرفانيين حول أن الحقيقة واحدة وأن الموجودات فاضت عن الواحد متمثلة في مراتب يعلوها العقول المفارقة وتتذيلها المادة والتي هي أساس كل بلاء! وهذا مذهب بن سيناء في النفس ، يجعلنا نقف على تهافت هذه المقولة فعن أي حقيقة يتحدث العرفاني؟ الحقيقة التي اختص بها بواسطة نظام يسميه الكشف والخروج عن قوانين الواقع والمحسوس؟ أم الحقيقة التي يعلمها من يراها ويشهد إيماناً بها؟ وما يدعيه أهل العرفان باعتمادهم آلية الكشف واعتبارها آلية فوق العقل ، نقول أن صدق الحكم هو أن يكون ما هو مصرّح به مطابقا لما هو موجود في الواقع، وكذبه أن يكون مخالفا لما هو موجود فيه. هذه أبسط قواعد منطق القضية ، ففي القول بأن الحقيقة واحدة تجني على العقل وإقصاء ما بعده إقصاء للآخر وأيضا يشكل ذلك تعدياً على المبادئ العقلية التي تنظم المعرفة فلا مبدأ للهوية ولا وجود للسببية وإلغاء للحتمية والغائية وهذه المبادئ هي التي تضمن الارتباط المنطقي بين حدود البرهان وصدق القضية. وفي الغالب أن العرفانيين يعتمدون أيما اعتماد على مقولات الإمام الغزالي الذي يرى بطلان الثقة بالعقليات أو لا نكون مغاليين أن مرجعيتهم هي الهرمسية ممثلة في رؤيا هرمس كما يقول محمد عابد الجابري أو كما يخبرنا التاريخ بوجود جماعات أطلقت على نفسها تسميات عدة ولكن تعمل بأيدلوجيا واحدة وهي القول بأن النص القرآني له ظاهر وباطن والظاهر هو ما يأتي به محمد (ص) والباطن يعلمهم أهل المكاشفات والرؤيا. فلعرفان هو موقف من العالم، موقف نفسي وفكري ووجودي وطابعه العام التقوقع على الذات والهروب من العالم وتضخم "الأنا" كما يقول محمد عابد الجابري..
الخوف أساس نشأة الدين:
نقرأ فيما نقرأ للأستاذ محمود في تفسيره الذي أراه يفتقر إلى أدنى مقومات التحليل العلمي والعلم هنا بمفهومه العام يشمل كل معرفة منظمة, عقلية منطقية كانت أو حسية تجريبية،أو كما يقول الإمام المازري (ت536هـ )أن العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به, مع سكون النفس إليه, إذا وقع عن ضرورة أو دليل ، نشدد على حداثة هذا الفهم , فهو قد جمع فيه بين أربعة عناصر واضحة: اعتقاد+مطابق+سكون النفس+دليل ضروري أو نظري في رسالته المسماة "رسالة الصلاة 31 : " ولما كان الإنسان الأول قد وجد نفسه في البيئة الطبيعية التي خلقه الله فيها محاطاً بالعداوات من جميع أقطاره فإنه قد سار في طريق الفكر والعمل من أجل الاحتفاظ بحياته، وقد هداه الله بعقله وقلبه إلى تقسيم القوى التي تحيط به إلى أصدقاء وإلى أعداء،ثم قسم الأعداء إلى أعداء يطيقهم وتنالهم قدرته، وإلى أعداء يفوقون طوقه ويعجزون قدرته ... مثل الحيوان المفترس والإنسان العدو فقد عمد في أمرهم إلى المنازلة والمصارعة، وأما الأعداء الكبار والأصدقاء فقد هدته حيلته إلى التزلف إليهم بتقريب القرابين وبإظهار الخضوع وبالتملق، فأما الأصدقاء فبدافع من الرجاء وأما الأعداء فبدافع من الخوف، وبدأت من يومئذ مراسيم العبادة ونشأ الدين "
أن نص كهذا يفتقر إلى الصرامة في المنهج فكيف يتأسس الدين على الخوف وقد بعث الأنبياء رحمة إلى العالمين؟ لإنقاذهم من تخبطهم في اللاعقل كعبادة الأصنام والشرك بالله وإنكار البعث؟ ثم عن أي خوف يتحدث؟ هل هو الخوف بمعناه النفسي؟ أم الخوف باعتبار مقولات الوجوديون الخوف من المعرفة ؟ أو القلق من العدم؟ والأنبياء بعثوا ليعلموا الناس كيف يعبرون الحياة الأولى بتمام عقلهم ووعيهم بالمسئولية الملقاة على عاتقهم ككائنات مؤتمنة ومستعمرة في الأرض؟ فهذا التفسير لا يجد سنده في أياً من مبادئ العلم أو التفسير إلا إذا كان صاحب رسالة الصلاة يعتمد على التحليل التاريخي للعلم, والقائم على مقولات فارغة تخطاها العلم الآن في علم الاجتماع أو علم النفس, فيرى أن الدين أو العلم به تحدده الأطر الثقافية, فإنه مع ذلك يختفي وراء هذا المنهج قول بمسلمات لا برهان عليها, أن لم تكن أيديولوجيات, وأهواء مضمرة, وممنوعات أيضا. أو أنه متأثر بمدرسة "بول فرايراب ند" الذي دعا إلى إعادة الاعتبار للسحر والتنجيم والكهانة والأساطير!!!
ولكن هل العقل قادر على الوصول إلى تمام المعرفة؟
يرى المحاسبي (ت243هـ ) بأن العقل غريزة, وشبهه بالبصر, كما شبه العلم بالسراج, فهو عنده: غريزة يولد العبد بها, ثم يزيد فيه معنى بعد معنى, بالمعرفة بالأسباب الدالة على المعقول. (المعقول.!.)
ونواصل،،،

* ندين بهذا التسمية إلى الأستاذ الدكتور/ محمد عابد الجابري والذي خصص باباً كاملاً من كتابه "بنية العقل العربي – دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية" للعرفان كموقف.

Post: #497
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-27-2007, 01:21 PM
Parent: #1

للأساتذة :
أسامة
ياسر
عبدالحي
كل الشكر على الثراء وثقل المُداخلات ،

ولدي الكثير من الرؤى حول ( الحياة العرفانية )
وتحتاج الصبر على اكتمال أُكلها ، فهي تنتظر النُضج .
أراها منهاج للمعرفة من خلال السلوك والتربية والتلقين ،
وكم هائل من التدريب من صوم وترديد الكثير من النصوص
والجلوس كما اسلفنا جلسات الصفاء .

هي من تُراث الشرق ، وكما أوردت نهل منها الحلاج ،
وأبدع فيها حين ألبسها لبوس الإسلام .

تحتاج دراستها إيجاد مفاتيح المعرفة بها أولاً .

ولها علاقة وثيقة بعلم النفس .
وهنالك علائق كثيرة بينها وبين :
تناسخ الأرواح أو ( تناسُخ الذواكر )و
قراءة الأفكار ، ورحلة الذاكرة من عقل لآخر ، وفتح معارف
جديدة من خلال انتقال خبرات ذهنية من عقل لآخر !!!...

هذا عالم مُثير يحتاج أن نجلس له ونقدم مفاتيح
أبوابه .وسنعود عندما يتيسر أن نُضيف جديداً
مع المراجع
لكم التحية جميعاً ،



ونواصل .

Post: #498
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-28-2007, 05:31 AM
Parent: #497


في محاولته لتأسيس الاسلام كعلم ،كما يرى الاستاذ في مرحلة القرن العشرين،يلجأ الاستاذ الى استعارة الجهاز المفهومي لعلم النفس وخاصة في صيغته الفرويدية وما بعدها. ويمهد لذلك باعتبار ان الاسلام نفسه هو علم نفس ،ثم من خلال مصطلحات علم النفس الفرويدي وما بعده،يحاول ان يثبت علمية الاسلام كعلم نفس .
و هو يحاول ان يمزج التصوف بعلم النفس الفرويدي المعاصر،من خلال استعارة التقسيم السباعي للنفس كما عند المتصوفة.
وفي اطار "علمنة " الاسلام كعلم نفس ،يقول في " الدعوة الاسلامية الجديدة ":
Quote: المسألة الثانية التي أحب أن يكون في توكيد ليها هي انو الإسلام درجتين.. وان الإسلام النحن عايزينو قدامنا موش ورانا.. الإسلام بمعنى علم النفس، دا موجود في المصحف، وما بعث، وما شرع على أساسه.. بل أن آياته كانت منسوخة.. في حق الأمة كانت منسوخة، وما قائمة إلا في حق النبي وحده..


ويقول في" القرآن و مصطفى محمود و الفهم العصري" :
Quote: إعجاز القرآن إنما في كونه علم النفس.

ويقول في "رسالة الصلاة":
Quote: ((الإسلام دين الفطرة)) معناها دين ((علم النفس))، وهو سيهدي البشرية، من حيث هي بشرية، بصرف النظر عن ألوانها، وألسنتها، إلى ضالتها المنشودة.. هو سيهدي كل إنسان إلى نفسه، لأنه كما قلنا ((علم نفس)) وهو بهذا المستوى العلمي، سينتصر في عصر العلم على الأديان التقليدية، فيتحقق موعود الله تعالى: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون)) ((بالهدى)) إلى النفوس كما قال ((من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه)) ((ودين الحق)) يعني دين العلم، ولسنا نريد الإطالة ههنا، فإن له سفرا خاصا سيكون عنوانه ((العهد الذهبي للإسلام أمامنا)).


ويعيد مرة اخرى ما قاله في "رسالة الصلاة" ،يعيد ذلك في "الدستور الاسلامي نعم ولا ":
Quote: "(الإسلام دين الفطرة) معناها دين (علم النفس) وهو سيهدي البشرية، من حيث هي بشرية، بصرف النظر عن ألوانها، وألسنتها، إلى ضالتها المنشودة .. هو سيهدي كل إنسان إلى نفسه، لأنه كما قلنا (علم نفس) وهو بهذا المستوى العلمي سينتصر في عصر العلم على الأديان التقليدية فيتحقق موعود الله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) – (بالهدى) إلى النفوس كما قال تعالى (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) ( ودين الحق) يعنى دين العلم، ولسنا نريد الإطالة هاهنا. فان له سفرا خاصا سيكون عنوانه (العهد الذهبي للإسلام أمامنا)" هذا ما قلناه عن الإسلام في "رسالة الصلاة"


ويقول في تطوير شريعة الاحوال الشخصية ":
Quote: ولقد قصدنا، بحديثنا المستفيض عن مرحلة ((العـلم)) من الإسلام إلى أن الإسلام ((عـلم نفس)).. فعلم النفس هو ما يحتاجه الإنسان المعاصر كما سبق أن بينا..


ويقول في "اسس دستور السودان":
Quote: لو كان الاسلام قصاراه العقيدة لكان غير صالح لانسانية القرن العشرين ، ولكن العقيدة فيه مرحلة الي الحقيقة – العمل بالشريعة يوصل الي الحقيقة – والحقيقة عبودية حين الشريعة عبادة .. والعبودية منهاج حياة ، فيه تساس النفس البشرية ، وفق علم النفس سياسة بها تحرز حريتها من الخوف وتفوز بعتق مواهبها الطبيعية – العقل والقلب – من أسر الأوهام ..


وفي كتابه "تطوير شريعة الاحوال الشخصية"،يقول :
Quote: ولطالما أشرنا إلى أن القرآن ليس اللغة العربية.. ونعني بذلك: أن اللغة العربية لا تحمل كل معانيه، إنما القرآن عـلم، هو علم النفس البشرية التي اغتربت عن موطنها.. وهي الآن في سبيل الرجعى إليه.. والقرآن هو خط سيرها، في الصـدور، والورود.. وهو إنما صب في قوالب التعبير العربي ليكون منهاجاً لها، به تتحقـق لها الرجعى.


ويرجع الاستاذ "علمية " الاسلام كعلم نفس ،الى ما يقول به المتصوفة عن سباعية النفس السالكة،ففي كتابه"الدعوة الاسلامية الجديدة"،يتحدث عن سباعية النفس :
Quote: الأمر يختلف إذا كان انبعث الدين في مستوى العلم، يعني في مستوى الفطرة.. العلم هنا، في الحقيقة، يعني علم النفس.. الإسلام علم نفس.. المجودون من السالكين في طريق الصوفية عرفوا معنى علم النفس.. في الوقت البنتكلم فيه عن الإسلام، وكيف أنه سبعة مراحل، هم عندهم النفوس سبعة مراحل برضو.. وكلها واردة في القرآن.. النفس الأولانية – النفس الحيوانية – دي سميت النفس الأمارة: "وما أبرئ نفسي.. إن النفس لأمارة بالسوء".. دي النفس الأمارة، وسموها الأمارة لأنها بتأمر بالسوء.. هي دي النفس الحيوانية.. وهي غير منقسمة.. فالحيوان مسترسل يرعى في المروج.. الحيوان ما عنده اعتبار حلال وحرام.. دي كما قلنا سميت النفس الأمارة، ولقد جاء وارد عنها في حديث سيدنا يوسف الذي حكاه القرآن: "وما أبرئ نفسي.. إن النفس لأمارة بالسوء".. ثم تجيء بعدها النفس اللوامة: "لا!! أقسم بيوم القيامة.. ولا!! أقسم بالنفس اللوامة".. النفس اللوامة تبدأ أول ما تنقسم النفس الأمارة من حيوانيتها إلى بشريتها.. عند هذه القسمة يصبح الإنسان عنده ضمير ينازعه، ليه أنا عملت كدا؟؟ دا غلط، دا عيب، دا حرام.. أصبح مقسوم، الحيوان القبيلك مسترسل في شهوته.. أصبح مقسوم بمعنى أصبح عنده عقل يوزن بيه المسائل.. أصبح بيشعر بالعيب.. يشعر بالخطأ.. ودي سميت النفس اللوامة.. ثم تجيء بعدها النفس الملهمة: "فألهمها فجورها وتقواها".. ثم تجيء بعدها النفس المطمئنة: "يا أيتها النفس المطمئنة !! أرجعي إلى ربك راضية، مرضية..".. وفي الآية دي تجيء النفس الراضية، وتجيء النفس المرضية.. بعد كل هذا تجيء النفس الكاملة، عند السالكين في المعارف دي.. والنفوس كلها مأخودة من القرآن.. النفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس الملهمة، والنفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، والنفس الكاملة.. وتسير في مراقي الأسرار في العدد السباعي.. "السبعة" إنتو شفتوها في الأسرار.. في الأيام السبعة، والسموات السبعة إلى آخر الأمر في السبعة: "ولقد آتيناك سبعا من المثاني، والقرآن العظيم" سبعا من المثاني.. صلاة الليل بالقرآن هي البتفتح البواب في المغاليق دي..
يقول الله تعالى: ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين، الذين يعملون الصالحات: أن لهم أجراً كبيراً)).. ههنا الحديث الأساسي عن مرحلة المسلمين، وهؤلاء هم المهديون إلى التي هي أقوم.. والتي هي أقوم إنما هي ((النفس الكاملة)).. لأنها هي على جادة الإستقامة.. وعندما قال النبي الكريم شيبتني هود وأخواتها، إنما عنى من هود قوله: ((فاستقم، كما أمرت، ومن تاب معك، ولا تطغوا.. إنه بما تعملون بصير..)) والاستقامة هنا إنما هي لزوم ((العبودية)) التي هي حد العبد، والطغيان هو الزيادة عن هذا الحد، بدخـول رائحة إدعاء ((الربوبية))، التي هي آفـة العبودية السرمدية، والتي لا تنفك عنها على المدى.. ومنهاج هداية المسلمين إلى النفس الكاملة هو ((عـلم النفس)) ولقد تحدثنا، بشئ من التفصيل، عن هذا في مقدمة كتابنا ((أسئلة وأجوبة)).. الكتاب الأول..


في مقابل ما يقول به خطاب الحداثة الغربية بخصوص علم النفس ،يحاول الاستاذ ان يجعل من التقسيم الصوفي السباعي للنفس السالكة علم نفس له مقومات مختلفة عن علم النفس المادي ،فهو يتحدث عن علم نفس الروح.
وهذا اذا اثبتت علميته ،هو علم نفس يختلف عن علم نفس الحداثة الغربية .
وسنعود لاكمال الحديث كان الله هوّن.
المشاء
محبتي

Post: #499
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-29-2007, 10:41 AM
Parent: #498

سلامات يا عزيزي أسامة،

قولك:


Quote: في محاولته لتأسيس الاسلام كعلم ،كما يرى الاستاذ في مرحلة القرن العشرين،يلجأ الاستاذ الى استعارة الجهاز المفهومي لعلم النفس وخاصة في صيغته الفرويدية وما بعدها. ويمهد لذلك باعتبار ان الاسلام نفسه هو علم نفس ،ثم من خلال مصطلحات علم النفس الفرويدي وما بعده،يحاول ان يثبت علمية الاسلام كعلم نفس .


أولا: علم النفس الحديث نفسه إنما قام على تراث كبير من المعرفة ساهمت فيه الأديان بشكل كبير، وكثير من العلماء في هذا المجال كانوا مسلمين، ويمكن أن نذكر إبن سينا كمثال..
ثانيا: قولك بأن الأستاذ محمود يلجأ إلى إستعارة الجهاز المفهومي لعلم النفس وخاصة في صيغته الفرويدية، وتدليلك على ذلك بالنصوص التي أوردتها لا يسيران مع بعضهما البعض!!

ثالثا: حتى لو سلَّمنا بأن هذه المصطلحات حديثة، فليس هناك بأس من استخدام لغة العصر ومصطلحاته لمخاطبة العقول وإقناعها بأن إتباع منهاج الإسلام يريح النفوس ويجعلها تشعر بالسعادة.. ولذلك يصف الأستاذ محمود الصلاة بأنها "جلسة نفسية"، وقد ذكر في معرض ذلك الحديث النبوي: "أرحنا بها يا بلال" إشارة إلى الصلاة.. ويتحدث الأستاذ عن قيمة الوضوء في أنه جلسة محاسبة، وجلسة الإستغفار كذلك، وهي عند المسيحيين تسمى بـ "الإعتراف"..
بين الإعتراف والإستغفار
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=25&chapter_id=12
الأنسب هو أن نقول أن سيغموند فرويد استفاد من العملية التي يسميها المسيحيون بـ "الإعتراف".. فالناس، خاصة المسلمين، قد يعرفون أريكة سيغوند فرويد ولكن لا يعرفون الممارسة التي تتم في الكنيسة بإسم الإعتراف..


..

قولك:

Quote: في مقابل ما يقول به خطاب الحداثة الغربية بخصوص علم النفس ،يحاول الاستاذ ان يجعل من التقسيم الصوفي السباعي للنفس السالكة علم نفس له مقومات مختلفة عن علم النفس المادي ،فهو يتحدث عن علم نفس الروح.
وهذا اذا اثبتت علميته ،هو علم نفس يختلف عن علم نفس الحداثة الغربية .


ما هو الذي يقول به "خطاب الحداثة الغربية بخصوص علم النفس"؟؟ يجب عليك في البداية أن تحدد ذلك إن أردت المقارنة.. أما قولك:
يحاول الاستاذ ان يجعل من التقسيم الصوفي السباعي للنفس السالكة علم نفس له مقومات مختلفة عن علم النفس المادي

فهذا قول ليس فيه تعمق فيما يقول به الأستاذ.. وهو قول يوهم القارئ بأن الأستاذ محمود يدَّعي إنشاء علم نفس يختلف عن علم النفس المعروف أو حتى طب نفسي موازي للطب النفسي المعروف.. علم النفس ميراث إنساني مشترك.. وقد نشأ الطب النفسي كنتيجة لتقدم علم النفس، والأستاذ محمود شديد الإحترام للطب النفسي وكذلك لعلم النفس، وما يقوله يعتبر إضافة وتتويجا، وفي بعض الأحيان تصحيحا، ولكن ليس محاولة إلغاء أو شطب كما يوحي كلامك يا عزيزي أسامة..

يقول الأستاذ محمود في مقدمة كتاب "تعلموا كيف تصلون":


Quote: والذي يهمنا أن نقرره الآن هو : أننا إنما نعيش في عصر العلم ، والفكر - عصر التكنولوجيا ، وعصر الفضاء ، وعصر دقائق العلم بخواص المادة ، ونستقبل ، كل يوم ، مزيداً من دقائق العلم بكل أولئك - وليس هذا العلم هو حاجتنا بالأصالة ، إنما هو حاجتنا بالحوالة.. وما حاجتنا بالأصالة إلا العلم بدقائق النفس البشرية.. نحن نبحث عن أنفسنا.. نريد أن نجدها ، وأن نعرفها ، وأن نكون في سلام معها.. هذا هو العلم الحقيقي الذي سيتوج العلم المادي الحاضر ، ويوجهه.. وعندنا ، نحن المسلمين ، أن القرآن إنما هو دعوة إلى هذا العلم ، وأن الصلاة إنما هي منهاج إلى تحقيق هذا الغرض.. بها تتسامى النفس ، من مرحلة الإيمان إلى مراقي الإيقان ، التي تدخل بها مداخل الحياة الخالدة ، تلك الحياة التي لا تؤوفها آفة الجهل ، والنقص ، والعجز.. وهذا هو مطلب الحياة.. بل هو مطلب العناصر ، جميعها ، منذ فجر الوجود ، وقبل ظهور الحياة في المسرح


ودمت والجميع بخير إلى حين عودتك..
ياسر

Post: #500
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-29-2007, 04:48 PM
Parent: #1






في حق ( سيدنا ) نقول :


كنتَ سيدي في الأحلام
ومن بعد المنام أيضاً ،
وعندما تستيقظ النسمة في ساحة الفجر،
يأخذ الاحمرار من موعدنا الفاجر بالهزيمة .

كنتَ سيدي تركُل العافية التي تُطأطئ الرأس ،
فوقفت شامِخاً .
كنتَ سيدي نغماً لا يُشبه توازننا الحائر
بين دين العامة وتُسونامي الثقافة .

تفعل الآن فِعلك فينا وأنت غائب ،
فما بال حُضورك اللصيق بنا
يجاور اللمحة
والبسمة
ويضيق بالسهو في غير محله .
كتبت لنا من مِداد روحكَ
كل الخُطى ، ومشى الماء إلى إبريقه ،
ثم صلى تهجُداً .
كتبت عنك في رؤى الأحلام ،
وأمسكت يدُكَ الرفيقة ببناني
ودعوته لقول المَحبة ، فلم تتخَطاكَ هيَّ .
لا أعرف ولم أكُن أصدق أن العُمر
تأتلف لنهايته كل الدموع وملايين الأعيُن
تلمَحُك على منصة الوداع المُهيب ،
سُلطان الرأي يعلو
وتسقُط أسماء من أسهموا في غيبتِكَ الكُبرى .
تترحم أنت عليهم ، وهمُ الأحياء يُثقلهم
حِمل فراقك كونِهم ، ويموتون وهم أحياء ،
يتلصصون الطُرقات العامة ويلبسون
سواد السِتر ، فنور قلبك تركته بيننا وذهبت
للثرى جسداً ، وروحاً للثُريا .

Post: #501
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 07-29-2007, 09:44 PM
Parent: #500

سلامات يا عزيزي الشقليني،

Quote: كتبت لنا من مِداد روحكَ
كل الخُطى ، ومشى الماء إلى إبريقه ،
ثم صلى تهجُداً .

..
..
لا أعرف ولم أكُن أصدق أن العُمر
تأتلف لنهايته كل الدموع وملايين الأعيُن
تلمَحُك على منصة الوداع المُهيب ،



فدىً لعيني طفلة غازلت دموعها
حديقة في الخيال!!
فدىً لك العمر
فدىً لك العمر
ولولا الأسى لقلت تفديك الليالي الطوال..

فدىً لك العمر!!

وشكرا لهذه الهدية التي تنضاف إلى جميع باقات الهدايا التي أتحفتنا بها في هذا البوست..

ياسر

Post: #502
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 07-30-2007, 06:49 AM
Parent: #501

عزيزي ياسر
سلامات عاطرات
الاستاذ يحاول ان يؤسس لعلم نفس اسلامي ،وهذا واضح من نصوصه،
فهو يستعير مصطلحات علم النفس الحداثي ،و يوظفها لتأسيس علم نفس اسلامي ،
لم تسمح له الظروف بتقعيده.
وسأعود لذلك ،
و هنا اقتباس من خطاب الاستاذ حول ان الاسلام هو علم نفس الانسان المعاصر:
يقول في "تعلموا كيف تصلون"يقول:
Quote: إن في الصلاة ((الذكية)) لعلاجاً للأمراض العصبية ، والعقلية ، المتفشية اليوم.. إن فيها الصحة الداخلية ، والصحة الخارجية ..

و انت تدري ان هنالك طرقا للعلاج النفسي ،بدأ تبنيها في الغرب ،
وهي تختلف عن علم النفس الغربي.
وساعود لذلك .
محبتي
المشاء

Post: #503
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 07-30-2007, 10:06 AM
Parent: #502

الأعزاء عبد الله وأسامة وياسر، وضيوفكم الكرام،
أحييكم من الخرطوم، بعد زيارة قصيرة، عامرة،
لرفاعة تشرفت فيها بزيارة المنزل الذي تربى فيه
الأستاذمحمود محمد طه بالديم. وزرت أيضاً
موضع الخلوة التي قضى فيها قرابة الثلاثة سنوات
متهجداً، يوم كانت الفكرة الجمهورية جنيناً في رحمه
الشريفة. ثم زرت المسجد الذي منه انطلقت ثورة رفاعة
في العام 1945، والتي على إثرها اعتتقل الأستاذ محمود
وحوكم بعامين من السجنز وزرت كذلك الحراسة موقع
الحراسة التي أودع فيها قبل المحاكمة.

وزرت أيضاً المكان الذي كان يقف فيه الأستاذ، أناء الليل،
وأطراف النهار، وجسمه في ماء النهر -حتى منتصفه- من جهة
ديم لطفي، ينظر للسماء في تأمل وتواصل مع الذات القديمة.
وقيل أن الأستاذ كان يقف من الفجر وحتى مغيب الشمس، وقفة
واحدة، في تواصل متسق مع الكون وخالق الكون، ينظر للشمس
بالنهار، والقمر بالفجر وبالليل، في أحايين كثيرة.

وهكذا حبلت مريم، فأنجبت الفكرة الجمهورية!

Post: #504
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-31-2007, 07:35 PM
Parent: #1




الأحباء جميعاً
تحية لكم على هذا التكريم للسادة السيدات القُراء .
ما أجمل أن يقرأ الإنسان ما يحترم العقل الذي نحمله
في الصندوق الذي يقف فوق أكتافنا

شكراً لكم ونواصل



Post: #505
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-01-2007, 03:48 AM



العزيز الأستاذ حيدر .
شكراً على المُداخلة الثرية ،

ونتمنى أكثر : لو تكرمت بالتفصيل حول
مسلك الأستاذ وطرائق حياته ،
لأن لهاالأثر في تكوين مناخاً
لظهور الفكره
وتقبل التحية والاحترام


Post: #506
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-02-2007, 04:04 AM
Parent: #505

الأحباء
تحية طيبة للمشاركين وللقُراء .

سنعود لاحقاً لصور من لغة كتابة الأستاذ ،
والتي يمُر معظم القُراء عليها مرور الكرام دون انتباه .
إن تخير اللغة الفخمة والتصوير الفني والبلاغة المُبينة
هي مورد من موارد الفكرة ، فمركز الكلام كما هو معروف هو مُستودع اللغة شفهية كانت أم مكتوبة . وللحوار دور كبير في نقلة خطاب الأستاذ من حضرة التفكير الذاتي إلى مسلك خطاب عقول الآخرين وتقريب الإفهام لديهم .
لم تعُد اللغة مستودع الأفكار كما كُنا نعتقد ، بل كائن حي يُشارك الفكرة التكوين ، بل وتُداعب الكاتب من ثرائها وتهبه هيكل الفكرة أحياناً من مَحض خاطرة ....

ونواصل

Post: #507
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-02-2007, 04:04 AM
Parent: #505

الأحباء
تحية طيبة للمشاركين وللقُراء .

سنعود لاحقاً لصور من لغة كتابة الأستاذ ،
والتي يمُر معظم القُراء عليها مرور الكرام دون انتباه .
إن تخير اللغة الفخمة والتصوير الفني والبلاغة المُبينة
هي مورد من موارد الفكرة ، فمركز الكلام كما هو معروف هو مُستودع اللغة شفهية كانت أم مكتوبة . وللحوار دور كبير في نقلة خطاب الأستاذ من حضرة التفكير الذاتي إلى مسلك خطاب عقول الآخرين وتقريب الإفهام لديهم .
لم تعُد اللغة مستودع الأفكار كما كُنا نعتقد ، بل كائن حي يُشارك الفكرة التكوين ، بل وتُداعب الكاتب من ثرائها وتهبه هيكل الفكرة أحياناً من مَحض خاطرة ....

ونواصل

Post: #508
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-02-2007, 05:48 AM
Parent: #507


تصور يونج للعقل الباطن

يستعير الاستاذ بعضا من الجهاز المفهومي لعلم النفس الفرويدي وما بعده،كما في كلامه عن العقد النفسية.وهو يقسمها الى عقد نفسية مو######## و اخرى مكتسبة .ولا يعرف تلك العقد،ويبدو انه يعرف ان علم النفس الفرويدي وما بعده قد عرفها ،فلذلك فهو يتناص معها بدون تعريفها كما في حديثه في كتابه الاسلام:
Quote: وليس هناك أدنى شك أنه ، بعد كل ما يقال عن المجتمع ، ومساعدته للفرد ، فإن الفرد ، في آخر المطاف ، لا يمكن أن يتحـرر إلا بمجهوده الفـردي ، ذلك بأنك يمكنك أن تؤمن حياة الفرد من الخـوف ، ومن الفقر ، ومن الجهل ، ومن المرض ، وستبقى بعد كل هذا العقد النفسية المو######## والمكتسبة – العقـد المو######## منذ فجـر الحياة الإنسانية ، حيـن بـدأ المجتمع ، وأوجبـت على الأفـراد الواجبات - وهي عقـد لا حـد لها ، وإن كانت حدتـها تقـل كلما ارتقى المجتمع وقلت ، تبعا لرقيه ، العقد المكتسبة في حياة الفـرد البشري .. فإن هذه العقد النفسية ، بنوعيها هي غول الحرية ، لأنها قسمت الشخصية البشرية إلى ظاهر ، يُرْضِي مقاييس المجتمع ، وإلى باطن ، لو اطلعـوا عليه الناس لتقاطعـوا ، وتدابـروا .. فهـذه القسمة المنكـرة ، في الشخصية البشرية ، هي التي تحتاج إلى المجهـود الفـردي لتلتئم ، وتكـون بالتئامها كلا واحـدا ، متكاملا ، فإنـه ، كما قال المسيح ، (( البيت المنقسم لا يقوم )) .


ويقول في" الرسالة الثانية من الاسلام"،مستعيرا مصطلح الكبت من فرويد،والخوف من الماركسية :
Quote: ولقد تحدثنا عن الكبت فيما سلف من هذا الكتاب ، وقلنا أنه بفعل الخوف . وقلنا أن الحرية الفردية المطلقة تتطلب الحرية من الخوف ، ومن أجل الحرية من الخوف ، على إطلاقه ، وجب تنظيم المجتمع على صورة تؤمن الفرد من الخوف على الرزق ، والخوف من تسلط الحاكم ، والخوف من تعنت الرأي العام. ثم وجب إعطاء الفرد فكرة متكاملة عن علاقته بالبيئة ، وعن حقيقة البيئة التي عاش فيها أسلافه ، والتي لا يزال يعيش فيها هو ، حتى يستطيع أن يتحرر من العقد النفسية التي ترسبت في عقله الباطن ، وورثها صاغرا عن كابر ، في سحيق الآماد .


و في "قل هذه سبيلي" يرى أن الاسلام علم نفس ،يتفوق على علم النفس الغربي،ولا يوضح لنا كيف يمكن ان يحدث ذلك:

Quote: فالإسلام علم نفس ، وظف منهاجه لتحقيق الصحة للنفس ، بتحريرها من الخوف والكبت ، الموروث والمكتسب ، وباطلاقها من اسار العقد النفسية ، وبوصلها بأصلها الذي منه صدرت. ولمقدرة الإسلام علي تحقيق السلام ، ومقدرته علي تبني الثراث الإنساني جميعه ، وتلقيحه ، وصقله وتوجيهه .. بهذه المقدرة علي المواءمة والتبني والتصحيح ، فإن الإسلام هو صاحب المدنية المقبلة ، التي تشارك فيها الإنسانية جمعاء الشرق والغرب والجنوب والشمال فهي مدنية إنسانية ، الدين فيها علم وتحقيق ، وهي مدنية تقيم علائق الناس علي السلام والمحبة والصلة.


حينما يتحدث الاستاذ عن مشاركة الانسانية جمعاء يبدو انه يتحدث عن "انتصار " الاسلام على كل العقائد،فالاسلام --كما يرى- سينتصر في عصر العلم على الأديان التقليدية ،ولا يتحدث عن مشاركة ثقافية عولمية من كل الثقافات في نسيج انساني لا يستبعد الثقافات الأخرى.وهذا ما يمكن ان يوحي بأننا بصدد شمولية دينية تتلبس لبوس الرسالة الثانية من الاسلام.
ويقول في "تعلموا كيف تصلون" مواصلا الحديث ،بلغة يونغ عن اللاشعور الفردي و اللاشعور الجماعي:
Quote: ولقد رسب هذا الخوف ، في النفس البشرية ، عقداً لا يحصيها الحصر.. وهي تقع على مستويين : المستوى الموروث في عمر الحياة ، والمستوى المكتسب في عمر الفرد.. وهذه العقد بمستوييها هي الحائل الآن بين الإنسان والعلم.. هي الحجاب القائم بين قلب الإنسان ، حيث الحقائق الأزلية ، وعقل الإنسان ، حيث المرآة التي تتطلع لإنعكاسات هذه الحقائق الأزلية عليها.. وعمل كل العبادة إنما هو محاولة تلطيف هذا الحجاب الحائل ، وذلك بحل هذه العقد ، المكتسبة ، والمو########.. وإلى هذه العقد بمستوييها ، وإلى كونها حُجباً


ويقول في "الاسلام وانسانية القرن العشرين"،عن سبب نشوء الكبت:
Quote: نحن اخترعنا المجتمع ليكون وسيلتنا، بمعنى أن يؤمننا من الخوف في المدى الممكن.. يؤمننا من الخوف في المدى السياسي، ويؤمننا من الخوف في المدى الاقتصادي.. لكن في عندنا رواسب مو########، ورواسب مكتسبة، فيما سميناه، قبل قليل في هذه المحاضرة، بالعقل الواعي، والعقل الباطن.. الإنسان، عندما اضطر ليكبت رغائبه، وشهواته، إطاعة للقوانين، وإطاعة لأمر الآلهة، في أول الأمر، والإله الواحد، في آخر الأمر، كبت أشياء كثيرة في صدره، وانقسم بيها في الداخل.


وفي "تعلموا كيف تصلون" يتحدث عن "العلم الجديد" الذي سيعيننا :
Quote: لمناقشة هذه العقد النفسية، المو########، والمكتسبة، التي رسبها فينا الجهل.. نناقشها، ونصححها، ونسلط عليها النور لتخرج من ظلامها، وسجنها، إلى نور الحياة، وحركة الحرية..


وفي "تعلموا كيف تصلون" يقول يرى ان الجلسة النفسية في مقام علم النفس الفرويدي يمكن ادراكها عن طريق الصلاة ،ويرى فيها اي الصلاة علاجا لكل أمراض العصر النفسية:
Quote: إن الصلاة في الإسلام جلسة ((نفسية)) يعمل فيها العقل ، الذي شحذت ذكاءه العبادة ، عمل السحر في تنظيم النشاز الداخلي ، حتى يسكن جيشان الخواطر الداخلية ، وتنحل العقد النفسية، ويتم الإتساق بين جميع القوى المودعة في البنية البشرية ـ في الجسد ، وفي العقل ، وفي القلب ـ فتحل بذلك الوحدة محل الإنقسام ، ويقوم السلام في جميع أطراف البنية البشرية..
إن في الصلاة ((الذكية)) لعلاجاً للأمراض العصبية ، والعقلية ، المتفشية اليوم.. إن فيها الصحة الداخلية ، والصحة الخارجية ..


وفي "رسالة الصلاة " يقول نفس الرسالة عن علم نفس جديد يحل العقد النفسية كلها :
Quote: إن التحلي ((بأدب الوقت)) يوصل إلى ذات الله، يوصل بفضل الله، إلى توحيد الذات البشرية، وذلك بحل العقد النفسية التي قسمت شخصيتنا، وأورثتنا الشذوذ في جميع صوره، وجميع مستوياته


العقل الباطن:

يستعير الاستاذ في خطابه مصطلح فرويد "العقل الباطن" وفي الاستشهاد التالي يرينا ان القرآن والعبادات ،هي حل للعقد النفسية وان بوسع القرِآن الوصول الى سراديب العقل الباطن:
Quote: وقد سلف القول بأن القرآن ، والعبادات المأثـورة عن المعصوم ، هي وسيلة تنفيس هذه العقـد ، فإن تقليد النبي في أسلوب حياته ، تقليداً متقناً ، يفتح مغاليق القرآن . وفهـم القرآن يرسل النور في سراديب العقل الباطن ، حيث تكبـل الرغائب السجينة من ملايين السنين ، بعيـدة عـن النور ، والحرارة ، والحياة ، وكلما تغلغل النور في تـلك السراديب ، كلما انبعثـت الشخصية البشرية ، حرة ، طليقة ، كأنما نشطت من عقال


ويقول في "تطوير شريعة الاحوال الشخصية" يرى ان العقل الباطن يكون في قاع العقل ،ولهذا في دفاعه عن حكم الرجم يرى ان الحجارة تصوب الى الدماغ باعتباره يحتوي العقل الباطن الذي وقع عليه الكبت :
Quote: ومن أجل شرف هذه العلاقة ((الجنسية)) الذي حاولنا أن نبينه في الأسطر السابقات وقع شديد الحرص عليها في الدين.. وهي أكبر مظهر للحياة في مجال تعبيرها عن وجودها.. ومن أجل ذلك قامت على تنظيمها أول ((شريعة)) عرفها الإنسان، ووقع عليها أول ((كبت)) في العقل الباطن.. ومن أجل هذا ((الكبـت)) الذي وقـع في ((قـاع)) العقل شرع الرجم بالحجارة.. تصوب إلى الدماغ، عقوبة على مخالفة الممارسة


ولكن الاستاذ في "الرسالة الثانية من الاسلام"،لا يرى ان العقل الباطن مركوز في قاع العقل ،وانما ان القلب هو الذي يحتوي العقل الباطن :
Quote: ولا بأس هنا من استطراد بسيط إلى القيمة العملية من العبادة ، ذلك بأن قيام العبد في مواجهة الرب ، وقد سقطت من بينهما الوسائط، تعني اللقاء بين الحادث والقديم ، وقد رفعت من بينهما الحجب ، والحادث هنا العقل والقديم القلب ، وهو ما يعبر عنه أيضا بالعقل الباطن . وهذه الحجب هي جثث الرغبات المكبوتة على سطح العقل الباطن ، بفعل الخوف الموروث ، في سحيق الآماد، من لدن النشأة البشرية الأولى ، وهي (( الرين )) الذي وردت الإشارة إليه في قوله تعالى (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) .


وفي الباب الخامس من "الرسالة الثانية من الاسلام يتحدث عن أقسام الحروف ،ويرى ان خواطر العقل الباطن تتكون مما يسميها بالحروف الفكرية .يقول:
Quote: وفي قمة القرآن الحروف الهجائية التي افتتحت بها السور ، وهذه الحروف، في ذاتها، ذات شكل هرمي أيضا ، يتفاوت بين قاعدة وقمة . فالحروف على ثلاث درجات :
الحروف الرقمية ، والحروف الصوتية ، والحروف الفكرية . فالحروف الرقمية هي الثمانية والعشرون المعروفة ، ومنها يتألف الكلام الظاهر: والحروف الصوتية لا حصر لها ، وهي ، المسموع منها ، وغير المسموع بالحاسة ، تؤلف الخواطر التي تجيش في العقل الواعي . وأما الحروف الفكرية فهي ملكوت كل شئ ، وهي كلمات الله التي قال عنها ، جل من قائل (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ، ولو جئنا بمثله مددا )) . ومن هذه الحروف الفكرية تتكون الخواطر المستكنة في العقل الباطن ، وفي سويدائه الحقيقة الأزلية ، وعلى حواشيه الدين


و يرى في "الرسالة الثانية من الاسلام" عن "امة المؤمنين" أن العقل الباطن هو سر سر الانسان:
Quote: قلنا لقد جاء القرآن مقسما بين الإيمان والإسلام ، كما جاء إنزاله مقسما بين مدني ومكي ، وكان المكي سابقا على المدني ، وبعبارة أخرى ، بدئ بدعوة الناس إلى الإسلام فلما لم يطيقوه ، وظهر ظهورا عمليا قصورهم عن شأوه ، نزل عنه إلى ما يطيقون . والظهور العملي حجة قاطعة على الناس ، وهو المعني بقوله تعالى ، (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ، والصابرين ، ونبلو أخباركم .)) حتى نعلم علم تجربة لكم ، وإلا فإن علم الله غير حادث ، و (( المجاهدين )) يعني الجهاد الاكبر ، وهو مجاهدة النفس ، (( والصابرين )) يعني الصابرين عن الله ، (( ونبلو أخباركم )) يعني نستخرج خواطركم المكبوتة في العقل الباطن - في سر سركم .


و يرى الاستاذ ان الحياة العليا كما يسميها تتمثل في انتفاء التعارض بين العقل الباطن والعقل الواعي،كما في حديث له في "الرسالة الثانية من الاسلام":
Quote: والفردية لا تتحقق لأحد وهو منقسم على نفسه ، فلا بد له من إعادة الوحدة إلى بنيته ، فلا يكون العقل الواعي في تعارض وتضاد مع العقل الباطن ، وبفض التعارض بينهما تتم سلامة القلب ، وصفاء الفكر ، وجمال الجسم ، فتتحقق حياة الفكر ، وحياة الشعور .. وهذه هي الحياة العليا

وفي "قل هذه سبيلي" يتحدث عن الكسب العملي ومعناه والمتمثل في انتفاء التعارض بين العقل الواعي والعقل الباطن:
Quote: الكسب العملى من عقيدة التوحيد التى هى القاعدة الاساسية من قواعد الاسلام ومعناه مطابقة السيرة للسريرة وموافقة العقل الظاهر للعقل الباطن


ويقول في "الرسالة الثانية من الاسلام" ان بلوغ الحرية الفردية المطلقة يتمثل في في انتفاء الانقسام بين العقل الباطن والعقل الواعي ،وهو ما يرى انه قائم في التعارض بين الفرد والجماعة :
Quote: ولا يمكن أن يبلغ الفـرد الحرية الفردية المطلقة وهو منقسم على نفسه ، وبعضه حرب على بعض . بل لا بد له من اعادة الوحدة إلى بنيته ، حتى يكون في سلام مع نفسه ، قبل أن يحاول أن يكون في سلام مع الآخرين ، فإن فاقد الشئ لا يعطيه . وهو إنما يكون في سلام مع نفسه حين لا يكون العقل الواعي في تضاد، وتعارض مع العقل الباطن ، ويومئذ تتحقق سلامة القلب ، وصفاء الفكر . وبعبارة أخرى ، تتحقق حياة الفكر ، وحياة الشعور ، وتلك هي الحياة العليا .. وتوحيد القوى المودعة في البنية إنما يتم بأن يفكر الإنسان كما يريد ، ويقول كما يفكر ، ويعمل كما يقول ، وهذا هو مطلب القرآن إلينا جميعا ، حين قال ، عز من قائل ، (( يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ؟ * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) . وإنما يفض التعارض القائم ، بين العقل الواعي والعقل الباطن عن طريق فهم التعارض القائم بين الفرد والجماعة


و في تعلموا كيف تصلون يرى كما يونغ ان العقل الباطن هو حصيلة كل التاريخ البشري:
Quote: قوله تعالى : ((ويكفر عنكم سيئاتكم)) يعني يغفر لكم خطيئاتكم المو######## من لدن آدم.. وتلك تتمثل في الكبت على العقل الباطن المتوارث عبر التاريخ البشري.. قوله تعالى : ((ويغفر لكم)) يشير إلى الخطيئة المكتسبة ، في مقابلة الخطيئة المو########.. والخطيئة المكتسبة تتمثل في الكبت الواقع على العقل الباطن ، المكتسب أثناء عمر أحدنا.. وإنما يكون التكفير والمغفرة برفع هذا الكبت ، الموروث ، والمكتسب ، وإنما يكون رفع الكبت ((بالفرقان)).. بنور العقل القوي الذي يتخلل السراديب المظلمة ، حيث ترقد الرغائب المكبوتة على حواشي العقل الباطن خلال ملايين السنين.. وقد سمى ، تبارك وتعالى ، هذه السراديب المظلمة حول العقل الباطن ((بالرين))


و في "تعلموا كيف تصلون" يستعير مصطلح الجلسة النفسية كما في العلاج القائم على التداعي ،فيرى ان الصلاة هي "جلسة نفسية" تتم فيها "مناقشة؟؟؟؟ العقد النفسية المترسبة في العقل الباطن:
Quote: فالصلاة جلسة نفسية بمعنى أنها فرصة للنظر الداخلي، ولمناقشة العقد النفسية المكبوتة في طبقات العقل الباطن..


نلاحظ ان هنالك أفهاما متعددة للعقل الباطن فاحيانا يكون هو قاع العقل ،واحيانا اخرى هو القلب ،ومرة هو سر السر،وهو خواطر تتألف من الحروف الفكرية فقط .
مع خالص المحبة
المشاء

Post: #509
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 08-02-2007, 04:07 PM
Parent: #508

سلامات يا عزيزي أسامة،

كنت قد رددت عليك في المداخلة التالية:

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

أرجو من المهتمين الرجوع إليها

والآن تقول:


Quote: يستعير الاستاذ بعضا من الجهاز المفهومي لعلم النفس الفرويدي وما بعده،كما في كلامه عن العقد النفسية.وهو يقسمها الى عقد نفسية موروثـة و اخرى مكتسبة .ولا يعرف تلك العقد،ويبدو انه يعرف ان علم النفس الفرويدي وما بعده قد عرفها ،فلذلك فهو يتناص معها بدون تعريفها


القول بالعقد النفسية سبق فرويد بكثير.. والقول بالوراثة للصفات والسلوك أيضا سابق لفرويد..
ما قولك في الآية القرآنية التي يستشهد بها الأستاذ محمود كثيرا؟
"كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"
وقد قلت لك في المداخلة السابقة أمرا لم تعره الإهتمام الكافي:

Quote: ثالثا: حتى لو سلَّمنا بأن هذه المصطلحات حديثة، فليس هناك بأس من استخدام لغة العصر ومصطلحاته لمخاطبة العقول وإقناعها بأن إتباع منهاج الإسلام يريح النفوس ويجعلها تشعر بالسعادة.. ولذلك يصف الأستاذ محمود الصلاة بأنها "جلسة نفسية"، وقد ذكر في معرض ذلك الحديث النبوي: "أرحنا بها يا بلال" إشارة إلى الصلاة.. ويتحدث الأستاذ عن قيمة الوضوء في أنه جلسة محاسبة، وجلسة الإستغفار كذلك، وهي عند المسيحيين تسمى بـ "الإعتراف"..

وأقول الآن أن الأستاذ محمود يستشهد أيضا بالحديث النبوي: "حُبِّب إليَّ من دنياكم ثلاث، النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة".. وشرح عبارة "قرة عيني" بأنها تعني طمأنينة النفس ورضا البال.. فما رأيك أنت في قول النبي عليه الصلاة والسلام هذا؟؟


أنت تقول عن الأستاذ أنه لم يُعَرِّف تلك العقد، وأنه يعرف أن علم النفس الفرويدي وما بعده قد عرَّفها، ولذا هو يستعير ذلك الجهاز المفهومي بدون تعريفه..

إن فرويد قبل كل شيء طبيب.. التفصيل في الحديث عن العقد النفسية وأنواعها يقوله الأطباء والمعالجون النفسانيون، وليس الأستاذ كذلك، ولكنه يريد أن يدل الناس على وسيلة لو أحسنوها سوف تجلب لهم الراحة النفسية ورضا البال.. ولذلك تجد أن الأستاذ محمود لم يتوسع في مسألة الحديث عن الأمراض والعقد النفسية، وإنما اقتصر على الحديث بأن الدين يساعد الإنسان على التخلص من تلك العقد ومن القلق والتوتر، وهذه طبعا ليست كل أسباب الأمراض النفسية وإنما هناك أسباب أخرى.. وأنت تخطئ عندما تحاول أن تصور أن الأستاذ ينادي بالصلاة كبديل للعلاج، أو أنه يضع علم نفس موازٍ للطب النفسي.. فالواقع هو أن بعض الناس يحتاجون للعلاج النفساني والطبي.. وعبارة الأستاذ نفسها التي جئت بها لا يُفهم منها ما قلته أنت:

Quote: وفي "تعلموا كيف تصلون" يقول يرى ان الجلسة النفسية في مقام علم النفس الفرويدي يمكن ادراكها عن طريق الصلاة ،ويرى فيها اي الصلاة علاجا لكل أمراض العصر النفسية:


فالعبارة تقول:
Quote: إن في الصلاة ((الذكية)) لعلاجاً للأمراض العصبية ، والعقلية ، المتفشية اليوم.. إن فيها الصحة الداخلية ، والصحة الخارجية ..


وهناك فرق كبير بين العبارتين.. فعبارتك أنت التي وضعت لك تحتها خطاً تفيد الإكتفاء بالصلاة لعلاج كل الأمراض، بينما عبارة الأستاذ يُفهم منها أن الصلاة فيها علاج، ولا يُفهم منها إقتصار علاج كل الحالات المرضية على الصلاة.. وسأدلل على ذلك بقول للأستاذ في موضع آخر يقول فيه أن العلاج الأنسب هو لدى الطبيب النفسي، وذلك في كتاب "أسئلة وأجوبة الثاني":

Quote: إن المرض قد يكون عقلياً، وقد يكون جسدياً، وفي الغالب يكون في العقل والجسد كليهما.. في العقل بالتصرف الشاذ، والميل إلى العنف الجسدي، أو اللفظي .. وفي الجسد بالتحول، للعزوف عن الغذاء، ولقلة الراحة.. وأما علة الإصابة بالمرض فهي الغفلة عن ذكر الله .. وأما العلاج فهو بتقوية الروح على النفس .. وقد يكون ذلك (بالعزيمة) من رجل صالح، قوي الروح.. أو من طبيب نفساني قد يستعين بالعقاقير، أو بصعقة الكهرباء.. أو من رجل ذاكر، بإستعمال بعض الرقي أو بتلاوة الآيات.. وأصبح، في الوقت الحاضر، الجانب المأمون في العلاج هو الطبيب النفساني.. أو طبيب الأعصاب..


وأنا شخصيا أعرف هذا الأمر بحكم علاقتي الشخصية بالأستاذ محمود، وبحكم أنني لفترة من الفترات كنت أعمل طبيبا في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية.. ولن أذيع سرا إذا قلت أن الأستاذ كان يشجِّع المحتاجين لهذا العلاج على اللجوء إلى الطبيب النفساني، وأن هناك بعض الجمهوريين والجمهوريات أصيبوا ببعض هذه الأمراض وقد تلقوا العلاج الطبي اللازم لحالتهم..

قولك:

Quote: العقل الباطن:
يستعير الاستاذ في خطابه مصطلح فرويد "العقل الباطن" وفي الاستشهاد التالي يرينا ان القرآن والعبادات ،هي حل للعقد النفسية وان بوسع القرِآن الوصول الى سراديب العقل الباطن


يخبرنا ربنا عن نفسه فيقول: " هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".. فليس غريبا إذن أن يكون أكرم ما خلقه الله، وهو العقل، "ظاهر وباطن".. إذن مصطلح "العقل الباطن" ينسجم تماما مع القرآن.. أكرر قولي أنني لا أرى بأسا من استخدام الأستاذ لعبارة "العقل الباطن، وهو ليس ملزما أن يشير إلى مخترع المصطلح، حتى لو صح أن المصطلح هو من اختراع فرويد.. وقطعا لا يذهب فرويد بخصوص الترسبات في العقل الباطن إلى المدى الذي يذهب إليه الأستاذ محمود عندما يشرح مقصود القرآن.. فمثلا الأستاذ يورد هاتين الآيتين اللتان تدعوان للتأمل:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ*

ويقول أننا قد شهدنا لله بالربوبية في عالم الذر، ولكننا نسينا هذه الشهادة.. فتأمل!!

أنت تقول:

Quote: ويقول في "تطوير شريعة الاحوال الشخصية" يرى ان العقل الباطن يكون في قاع العقل ،ولهذا في دفاعه عن حكم الرجم يرى ان الحجارة تصوب الى الدماغ باعتباره يحتوي العقل الباطن الذي وقع عليه الكبت :

ثم تورد النص.. لتأتي بعد ذلك وتقول:
Quote: ولكن الاستاذ في "الرسالة الثانية من الاسلام"،لا يرى ان العقل الباطن مركوز في قاع العقل ،وانما ان القلب هو الذي يحتوي العقل الباطن :


لو قرأت الفقرة التي اقتبستها من كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" بدقة لوجدت أن الأستاذ لم يقل أن العقل الباطن هو شيء ملموس وموجود في داخل الدماغ، وإنما هو شيء مجرد.. وهذا ينسجم أيضا وصفه للقلب بأنه العقل الباطن.. ولكنه أيضا لا يقصد بالقلب فقط العضو الملموس المحسوس وإنما يقصد به ذات الحي.. جاء هذا في كتاب "رسالة الصلاة" وأظن أنني قد أوردته في موضع سابق في هذا البوست:

Quote: فأين كان النفخ إذن؟
الجواب، في القلب!! وما هو القلب؟ هو ذات الحي!! هو الحي بالأصالة، حين لا يكون الجسد، ولا الدماغ، حيين إلا بالحوالة..
هو الحي الذي أعطى الجسد والدماغ الحياة، وهو ليس خادمهما، وإنما هو سيدهما.. وقد أخطأ علم الطب الحديث - علم وظائف الأعضاء- حين ظنه مجرد مضخة للدم..


قولك:
Quote: نلاحظ ان هنالك أفهاما متعددة للعقل الباطن فاحيانا يكون هو قاع العقل ،واحيانا اخرى هو القلب ،ومرة هو سر السر،وهو خواطر تتألف من الحروف الفكرية فقط .


أولا قال الأستاذ أن الخواطر المستكنة في العقل الباطن تتكون من الحروف الفكرية وهي عبارة أخرى للقول بأن مصدر الإنسان هو الله، فيمكنك أن تشبه العقل الباطن بكرتونة لعبة الأطفال المسماة "البزل Puzzle" والحروف الفكرية هي قطع هذه "البزل" وهي غير متناهية ولكنها تحتاج إلى تنظيم لتصنع منها الشكل الذي تراه خارج الكرتونة وهذا نموذج له بعد تركيبه بصورة صحيحة:


في الحقيقة ليست هنالك أفهاما متعددة للعقل الباطن؛ وإنما هناك طرق متعددة للتعبير عن شيء مجرد وغير مفهوم وغير مُحاط به تماما من جانب العلم المادي، هذا الشيء هو العقل الباطن.. ولكني أريدك أن تقول لنا أنت: هل العقل الباطن عضو؟؟ وأين يوجد؟؟

ولك مني التحايا..

ياسر

Post: #510
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-03-2007, 08:18 AM
Parent: #1






حول العقل الباطن في الكتب المقدس



الأحباء :
الكتاب :
ياسر
أسامة
إن الحديث عن علوم النفس البشرية ، والدخول لخطاب الأستاذ من ذلك المدخل الثري لهو أمر يفتح الأبواب لفتوحات عظيمة للنظر للعقل والذهن ،
وعن العقل الباطن ، والتباس معانيه أهو ( الشيطان ) في القص المقدس أم هو
( العقل الباطن ) ، يحضُرني هنا فكرة ضخمة ستكون في سفر إن وجدنا وقتاً ، أقطُف منها هذا الحوار للنظر للعقل الباطن بعينٍ أخرى :

النص :


عزيزنا العقل الباطن
تحية واحتراماً
تحدثت الفاضلة (ريما) أنت طيب لا تمكُر . صدوق لا يُكذب . بريء لا يُخادِع .وديع أنت حملٌ من يعرفك ترتاح نفسه .
سألت نفسي أ أنت كذلك ؟
لو كُنت سيدي بهذا الصفاء وتلك الوداعة لغفرت ، وصفحت . فالقلب الأبيض يلون صاحبه بالمحبة . تلك الجوهرة الإلهية الثمينة التي تمسح على رؤوس الخُطاة ، وتجفف أدمعهم ولهجرت الإنسانية كل الدور الخاصة التي نحبس فيها من نُحبهم : أطلت الكآبة على دُنياهم ، عبثت موجات الهستريا بعوالمهم ، استوطنت عقولهم نوبات سيكوباتية أو خطرفات الذهان ! .
عندما نقرأ من القص المُقدس نجدكَ تتخفى وتدَّعي براءة الذئاب من دم ابن يعقوب النبي . وأنا أعجب منك ! .عندما نقرأ في انجيل لوقا من الإصحاح الثامن ، فإنك تفرح وكأنك قد خرجت من الإثم ، فالأمر كما يقول المُقدس :ـ

{ ولما خرج إلى الأرض استقبله رجلٌ من المدينة كانت فيه شياطين منذ زمان طويل وكان لا يلبس ثوباً ولا يُقيم في بيت بل في القبور . فلما رأى يسوع المسيح صرخ وخرّ لهُ وقال بصوت عظيم مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي . أطلب منك أن لا تُعذبني . لأنه أمر الروح النجس أن يخرج من الإنسان .لأنه منذ زمان كثير كان يخطفه . وقد رُبط بسلاسل وقيود محروساً . وكان يقطع الرُّبط ويُساق من الشيطان إلى البراري . فسأله يسوع قائلاً ما اسمك . فقال ( لجئون ).لأن شياطين كثيرة دخلت فيه .فطلبوا إليه ألا يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية . وكان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى في الجبل . فطلبوا إليه أن يأذن لهم بالدخول فيها فأذن لهم .فخرجت الشياطين من الإنسان ودخلت الخنازير . فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحيرة واختنق . فلما رأى الرعاة ما كان هربوا و هبوا وأخبروا من في المدينة وفي الضياع . فخرجوا ليروا ما جرى . وجاءوا إلى يسوع فوجدوا الإنسان الذي كانت الشياطين قد خرجت منه لابساً وعاقلاً جالساً عند قدمي
يسوع . }



أهذه دُفوعك سيدي العقل الباطن ؟

ونواصل

Post: #511
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-03-2007, 08:20 AM
Parent: #1






حول العقل الباطن في الكتب المقدسة (1)



الأحباء :
الكتاب :
ياسر
أسامة
إن الحديث عن علوم النفس البشرية ، والدخول لخطاب الأستاذ من ذلك المدخل الثري لهو أمر يفتح الأبواب لفتوحات عظيمة للنظر للعقل والذهن ،
وعن العقل الباطن ، والتباس معانيه أهو ( الشيطان ) في القص المقدس أم هو
( العقل الباطن ) ، يحضُرني هنا فكرة ضخمة ستكون في سفر إن وجدنا وقتاً ، أقطُف منها هذا الحوار للنظر للعقل الباطن بعينٍ أخرى :

النص :


عزيزنا العقل الباطن
تحية واحتراماً
تحدثت الفاضلة (ريما) أنت طيب لا تمكُر . صدوق لا يُكذب . بريء لا يُخادِع .وديع أنت حملٌ من يعرفك ترتاح نفسه .
سألت نفسي أ أنت كذلك ؟
لو كُنت سيدي بهذا الصفاء وتلك الوداعة لغفرت ، وصفحت . فالقلب الأبيض يلون صاحبه بالمحبة . تلك الجوهرة الإلهية الثمينة التي تمسح على رؤوس الخُطاة ، وتجفف أدمعهم ولهجرت الإنسانية كل الدور الخاصة التي نحبس فيها من نُحبهم : أطلت الكآبة على دُنياهم ، عبثت موجات الهستريا بعوالمهم ، استوطنت عقولهم نوبات سيكوباتية أو خطرفات الذهان ! .
عندما نقرأ من القص المُقدس نجدكَ تتخفى وتدَّعي براءة الذئاب من دم ابن يعقوب النبي . وأنا أعجب منك ! .عندما نقرأ في انجيل لوقا من الإصحاح الثامن ، فإنك تفرح وكأنك قد خرجت من الإثم ، فالأمر كما يقول المُقدس :ـ

{ ولما خرج إلى الأرض استقبله رجلٌ من المدينة كانت فيه شياطين منذ زمان طويل وكان لا يلبس ثوباً ولا يُقيم في بيت بل في القبور . فلما رأى يسوع المسيح صرخ وخرّ لهُ وقال بصوت عظيم مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي . أطلب منك أن لا تُعذبني . لأنه أمر الروح النجس أن يخرج من الإنسان .لأنه منذ زمان كثير كان يخطفه . وقد رُبط بسلاسل وقيود محروساً . وكان يقطع الرُّبط ويُساق من الشيطان إلى البراري . فسأله يسوع قائلاً ما اسمك . فقال ( لجئون ).لأن شياطين كثيرة دخلت فيه .فطلبوا إليه ألا يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية . وكان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى في الجبل . فطلبوا إليه أن يأذن لهم بالدخول فيها فأذن لهم .فخرجت الشياطين من الإنسان ودخلت الخنازير . فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحيرة واختنق . فلما رأى الرعاة ما كان هربوا و هبوا وأخبروا من في المدينة وفي الضياع . فخرجوا ليروا ما جرى . وجاءوا إلى يسوع فوجدوا الإنسان الذي كانت الشياطين قد خرجت منه لابساً وعاقلاً جالساً عند قدمي
يسوع . }



أهذه دُفوعك سيدي العقل الباطن ؟

ونواصل

Post: #512
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 08-03-2007, 11:25 AM
Parent: #511

الأخ العزيز عبد الله الشقليني،

تحية المودة والتقدير

وشكرا لما تفضلت به.. في واحدة من مداخلاتي بعاليه كنت قد ذكرت ابن سينا كنموذج للعلماء الذين كتبوا في الطب وفي مسائل النفوس وأدواؤها.. وقد استفاد علماء النفس في القرن الماضي مما تركه ابن سينا.. وقد وجدت من يقول بأن ابن سينا هو الأب المؤسس للتحليل النفسي في هذا المقال الجيد:
http://www.bab.com/articles/full_article.cfm?id=6681
ومن هذا المقال أقتطف:

Quote: انغماسه بالحياة العامة ورحلاته الكثيرة أثَّرت على نظرياته فكانت فلسفته أقرب إلى الناحية العقلية منها إلى الروحية والتصوفية، وكان للتجربة والقياس مكاناً عظيماً عنده، فنراه يحارب التنجيم وبعض نواحي الكيمياء بحجج العقل والبرهان، وكان يقدِّس العقل ويعتبره أعلى قوى الإنسان، وقال بسلطان العقل الذي يتغلَّب على سلطان النفس، هذا ما نلاحظه بقوله "حسبنا ما كُتِب من شروحٍ لمذاهب القدماء، فقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا"، ونراه يخالف أفلاطون وأرسطو وغيرهم من فلاسفة اليونان في كثير من النظريات والآراء، وبالرغم من هذا التقديس للعقل يؤكد ابن سينا محدودية العقل الإنساني وبالتالي حاجة الإنسان إلى القوانين المنطقية، لهذا يعتبر أن المنطق من الأبواب التي يدخل منها إلى الفلسفة كما أنه الموصل إلى الاعتقاد الحق.
كتب كثيراً في فضائل الأخلاق ورذائلها مؤكداً على فضائل القوة الشهوية وهي:"العفة، القناعة، السخاء"، والقوة الغضبية وهي:"الشجاعة، الصبر، الحزم"، وفضائل القوة النطقية وهي:"الحكمة، البيان، وجود الحس، أصالة الرأي، الحزم، الصدق، الرحمة، حسن العهد، التواضع …".
وهو القائل بأن السعادة القصوى لا تأتي إلا عن طريق العلم، وأفضل الحركات الصلاة، وأنفع البرّ الصدقة، وأزكى السِّر الاحتمال، وتشبّع ابن سينا بأعلى القيم الأخلاقية والروحية فنراه يقول في النفس :
هبطت إليك من المحلِ الأرفعِ ورقاء ذات تعزّز وتمنّعِ
كذلك قال: هذِّب النفس بالعلوم لترقى وزر الكل فإن للكل بيت
فإن أشرقت فإنك حيُّ وإذا أظلمت فإنك ميت
ويضيف: ليس بعامر بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خرابا


Quote: تمتاز مؤلفاته إجمالاً بالوضوح في البيان والدقة العملية وحسن التبويب والتصنيف ما يثير في النفس الإعجاب والتقدير، ويعتبر من أعظم أطباء الحضارة العربية الإسلامية، ومؤلفاته الطبية جعلته من عباقرة التاريخ الخالدين، وكتاب "القانون في الطب" أكبر موسوعة طبية وصلت إلينا من القرون الوسطى دوَّن فيه معارف القدماء والمعاصرين إضافة إلى تجاربه وآرائه حتى استغنى الأطباء به عن أي كتاب آخر، وقد فاق القانون كتب جالينوس وأبقراط لذلك اعتمدت دراسته في جميع كليات الطب في الجامعات الأوروبية حتى مطلع العصر الحديث


Quote: عالج ابن سينا منذ عشرة قرون داء الصرع وبعض الأمراض العصبية والعقلية بما يشبه العلاج بالصدمات الكهربائية، وذلك بواسطة نوع من السمك يعرف بالرعاد، حيث يوضع في الماء شريطان من المعدن، ويمسك بهما المريض، فيحدث هذا النوع من السمك أثناء حركته الفجائية نوع من الموجات تؤدي إلى رعشة تصيب المريض مما يجعله لا يقوى على مسك الشريطين مدة طويلة، فيلقي بهما أرضاً ومن خلال عدد من الجلسات يحدث لديه الشفاء.


Quote: التزم ابن سينا في كل مؤلفاته بالاتجاه العلمي السليم القائم على تقديم اليقين على الظن والتجربة على الخيال، وابتعد عن البحث في الأمور الغيبية وتتجلى هذه الاتجاهات خاصة عندما يشرح مرض "المالينخوليا" الذي كان ينسبه البعض إلى قوى غيبية أو إلى الجن.
ويُعتبر أبو علي ابن سينا المبتكر الأول للتحليل النفسي والعلاج النفساني الذي يقول بالتلقين والإيحاء وله نوادر طبية رائعة جداً في هذا الاختصاص من الطب.
يرى ابن سينا أنّ وضع الطبيب وحالته المعنوية أمام مريضه هامة جداً وتترك أثراً عظيماً في شفاء المرض فيقول:"ينبغي على الطبيب أن يكون دائماً مبشِّراً بالصحة، فانّ للعوارض النفسانية تأثيرات عظيمة".


وهذه قصيدة "النفس" لإبن سينا..

وسوف أعود

ياسر

Post: #513
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-04-2007, 06:25 AM
Parent: #512

عزيزي ياسر
سلامات
كونك تحاول ان توحي ان مدرسة التحليل النفسي قد اسسها ابن سينا ،
فهذا كلام فيه كلام كثير.
يبدو ان صاحب المقال الذي استشهدت به ،وليس نقلت منه،
يبدو ان مفهومه للتحليل النفسي ،ليس له علاقة بمدرسة فرويد وما بعدها.
وكان يمكن للاستاذ ان يستند على ذلك ،
لكنه يعرف تماما ان ما يقول به يعود الى فرويد و ما بعده.
محبتي
المشاء

Post: #514
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-04-2007, 07:13 PM
Parent: #1

[CENTER]
عن فرويد وابن سينا



عزيزنا الدكتور ياسر الشريف

ثري أن يتفرع الحديث عن علوم النفس البشرية .

( فرويد ) مؤسس التحليل النفسي : ( 1856 _ 1939 )
ابن سينا ( 980 _ 1037 )
يفصلهما تاريخ ما يقارب التسعمائة عام !
فرويد مؤسس التحليل النفسي ، ونحت اصطلاح ( عقدة أوديب )
وتجاوز التنويم المغناطيسي ( التنويم الإيحائي ) إلى التحليل النفسي :
أي المناجاة الحرة أو التداعي الحر للخواطر والكلمات.
من الصعب المقارنة بين العالمين ، ولكن لفروق الزمان وللفتوحات العلمية خلال أكثر من تسعمائة عام ،فإن لفرويد قصب السبق في علوم النفس البشرية ، إذ كان طبيباً وعالماً و ممارساً في الطب النفسي ، وقد كان يعالج بالتنويم الإيحائي ، ومن ثم طور كل ذلك إلى التحليل النفسي .
إن المدرسة ( الفرويدية ) منذ الأربعينات من القرن الماضي كانت فتحاً في علوم النفس ، وإلى تاريخ اليوم ، لم يزل الكثير من أسسها باقية ، وانفتحت علوم اليوم كما يقولون في النصوص المقدسة :
( فتحاً مُبيناً )
لقد أسهم ( سيجموند فرويد ) كما أسلفنا الحديث ، في تطوير هيكل النظرة للإنسان وهمومه ، وانكسار النفس من واقع الحياة وتعقيدها ، وقد أسهمت فتوحات فرويد المعرفية في تطوير الآداب والمسرح والسينما والتلفزة والقص ، وأنموذج الطيب صالح الباهر :
( موسم الهجرة إلى الشمال )
فيه الكثير من الخلفيات ( الفرويدية ) من أثر الطفولة في تكوين الشخصية ، وذاك موضوع يحتاج لأبواب مُشرعة . وبحق فإن مُبدعونا منهم الأستاذ ومنهم الطيب صالح كل في مجاله ، قد تأثر بفتوحات ( سيجموند فريد ) في علوم النفس البشرية ، بل الكثير من الأدباء والعلماء بنوا رؤاهم على تأسيسه ، ولا أحد يُنكر ذلك .
الآن تبدل الحال ، فالعلوم تتطور ، وتطورت علوم النفس كثيراً عما كانت منذ مائة عام وتلك ( حال الدُنيا ) .
نرجع لموضوعنا :
لا أعتقد أن الفيلسوف وأصحاب الرؤى الفلسفية ( أمثال الأستاذ ) مُطالبون بتفاصيل العلوم ، فالعلوم التطبيقية تتطور ويكتشف العلم في كل خطوه فتوحات ولن يتوقف الأمر . علوم تفتح المغاليق والمجاهل ، وهذا يعني أن هنالك إشارات يتوارثها العلماء في تاريخهم ، يُرفدون بعضهم البعض ، ويبنون من فوق إنجاز بعضهم .

قصدت هنا المُداخلة التي أرغب أن تُثري الحوار ، ولك شكري ومحبتي .
والشكر موصول أيضاً للكاتب أسامة الخواض فقد نبه إلى الكثير الذي يحتاج منا للتقصي على أمل ان نُحاوره في مُقبِل أيامنا .
ونواصل
4/8 / 07

Post: #515
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-05-2007, 12:37 PM
Parent: #514

الأحباء
ياسر والخواض
تحية طيبة
إن لسيجموند فرويد
سفر على جانب كبير من الغرابة في زمانه ، فما بال اليوم ،
وفيهاالكثير عن التليباثيى وكان لدي منذ زمان و فقدته في الوطن :

وهو عن
Essays on psychology
يمكن لمن يقرأه أن يعرف كيف كان الرجل قد سابق عصره وسبقه ،
إذ كتب عن التليباثي قبل أكثر من ستين عاماً ، ولم يزل
من يتشكك في تلك الخصائص الغريبة في كون العقل ذلك الذي لم
يزل مجهولاً .
ونواصل

Post: #516
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-05-2007, 11:50 PM
Parent: #515

شكرا الشقليني على مداخلاتك حول علم النفس وفرويد ومساهمته في قلب التفكير الانساني حول اننا لا نتصرف بعقولنا الواعية ،وانما ان هنالك وعيا آخر يتحكم فينا بطريقة أخرى.
و الاستاذ حاول ان "يوطن" فرويد في الخطاب الاسلامي ،
وحاول ان "يجسر " بين خطاب الحداثة الغربية والخطاب الاسلامي،
من خلال ايجاد مناطق مشتركة بين الخطابين ،
ومن ضمن ذلك الحديث عن الصلاة كجلسة نفسية ،
يتم فيها الحوار والنقاش بين العقل الباطن والعقل الواعي،
ولم يتحدث الاستاذ عن كيفية ذلك النقاش بين العقلين.
فالاستاذ يحاول ان يشكل علما اسلاميا روحيا وتجريبيا كما يرى ،
لكنه لا يقول بكيفية اثبات تلك العلمية.
عموما نلاحظ ان خطاب الحداثة الغربية مسيطر على خطاب الاستاذ ،
ومن خلاله يحاول ان يجد مناطق اشتراك بين "العلمين المادي والروحي التجريبين.
مع خالص مودتي ومحبتي
المشاء

Post: #517
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-07-2007, 05:35 AM
Parent: #516

من المصطلحات التي هاجرت الى خطاب الاستاذ محمود محمد طه من خطاب الحداثة الغربية ،
مصطلح البدائية.وهو مصطلح انزوى في متحف التاريخ الثقافي والاكاديمي.
وما يثير الجدل بخصوص "موقع مصطلح البدائية في خطاب الاستاذ ،توصيف الشعب السوداني بانه شعب بدائي وخاصة في اقاليمه.
يبقى السؤال التالي:
هل مصطلح البدائية والبدائي في خطاب الاستاذ قد تخلص من المحمول الرمزي الكريه
الذي اسسته الانثروبولوجيا الغربية في تمظهرها المركزي الاوروبي -اميركي؟؟
سنعود لذلك في براح آخر.
مع تقديري ومحبتي
المشاء

Post: #518
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-07-2007, 05:36 AM
Parent: #516

من المصطلحات التي هاجرت الى خطاب الاستاذ محمود محمد طه من خطاب الحداثة الغربية ،
مصطلح البدائية.وهو مصطلح انزوى في متحف التاريخ الثقافي والاكاديمي.
وما يثير الجدل بخصوص "موقع مصطلح البدائية في خطاب الاستاذ ،توصيف الشعب السوداني بانه شعب بدائي وخاصة في اقاليمه.
يبقى السؤال التالي:
هل مصطلح البدائية والبدائي في خطاب الاستاذ قد تخلص من المحمول الرمزي الكريه
الذي اسسته الانثروبولوجيا الغربية في تمظهرها المركزي الاوروبي -اميركي؟؟
سنعود لذلك في براح آخر.
مع تقديري ومحبتي
المشاء

Post: #519
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-07-2007, 05:36 AM
Parent: #516

من المصطلحات التي هاجرت الى خطاب الاستاذ محمود محمد طه من خطاب الحداثة الغربية ،
مصطلح البدائية.وهو مصطلح انزوى في متحف التاريخ الثقافي والاكاديمي.
وما يثير الجدل بخصوص "موقع مصطلح البدائية في خطاب الاستاذ ،توصيف الشعب السوداني بانه شعب بدائي وخاصة في اقاليمه.
يبقى السؤال التالي:
هل مصطلح البدائية والبدائي في خطاب الاستاذ قد تخلص من المحمول الرمزي الكريه
الذي اسسته الانثروبولوجيا الغربية في تمظهرها المركزي الاوروبي -اميركي؟؟
سنعود لذلك في براح آخر.
مع تقديري ومحبتي
المشاء

Post: #520
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالغني كرم الله بشير
Date: 08-07-2007, 08:09 AM
Parent: #519



عزيزي، الشقليني....

صباح سرمدي، بنور الفكر وضياء العاطفة...

ليس للحروف قدرة على وصف طربي، وفرحي، وأنا اتابع هذه الحقل، بل الروض، الملئ بالفكر، والمسئولية، بعيدا عن الكسل، والتراخي المعهود في عقول تدعي الثقافة، والنضال...

سعداء، حقا، سعادة عقل وقلب، وهذا يكفي، في زمن الخواء، والضلال الماثل...


ده كلو، عشان أقول...متااااااااااااااااااااابعين، وسعداء...

طوبى لك، ولكل المتداخلين الاعزاء، فرد فرد، ...

Post: #521
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: أبو الحسين
Date: 08-07-2007, 09:34 AM
Parent: #1

تسجيل حضور ومتابعة وصلوات ودعوات لروح محمود محمد طه...

ودعوة للأحباب لتشريفنا في حضرة السادة الختمية الميرغنية...

... منتديات الســــــــادة الختمية الميرغنية ...

وتحايا نواضر لك أُستاذي الشقليني ولضيوف حضرتك الكرام...


أبو الحســــــين...

Post: #522
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-07-2007, 08:26 PM
Parent: #521

الحبيب أبو الحسين
أبو ريده

تحية طيبة لك ،

ويقولون في المثل : ( قدم الخير ) .

نفُرش لمثل قلمك بساطاً يورق بوجودك بيننا .
وقد تصفحت المنتدى وتذكرت موضوعاً
قبل رحيل صديقنا الستاذ / محمد الأزهري ،
وكنت قد كتبته بعنوان :

( إلى السيد محمد عثمان في المكان العالي )

وقد ثم إثراء المقال بمداخلات أهلنا المتصوفة .
وسوف أبحث عنه عله يُثرى منتدى السادة الختمية ،
لهم التقدير بما كسبوه من محبة أهلنا الطيبين .

ألف شكر لك .

Post: #523
Title: علم النفس .. السايكولوجي.. الروح والنفس..
Author: Yasir Elsharif
Date: 08-07-2007, 08:35 PM
Parent: #1

الأعزاء أسامة والشقليني،
تحية لكما وللجميع الذين يقرأون هنا ويتابعون..
أسامة بخصوص مداخلتك التالية:

Quote: عزيزي ياسر
سلامات
كونك تحاول ان توحي ان مدرسة التحليل النفسي قد اسسها ابن سينا ،
فهذا كلام فيه كلام كثير.
يبدو ان صاحب المقال الذي استشهدت به ،وليس نقلت منه،
يبدو ان مفهومه للتحليل النفسي ،ليس له علاقة بمدرسة فرويد وما بعدها.
وكان يمكن للاستاذ ان يستند على ذلك ،
لكنه يعرف تماما ان ما يقول به يعود الى فرويد و ما بعده.
محبتي
المشاء

ــ
التحليل النفسي الذي تحدث عنه كاتب المقال وقال أنه بدأ بإبن سينا لم يصل في درجته طبعا إلى التحليل النفسي عند فرويد والمحدثين.. هذه مسألة بديهية.. وهو قد قال: "ويُعتبر أبو علي ابن سينا المبتكر الأول للتحليل النفسي والعلاج النفساني الذي يقول بالتلقين والإيحاء".. وهذا يأخذني إلى التعليق على ما قلته يا عزيزي الشقليني:
ــ
Quote: وبحق فإن مُبدعونا منهم الأستاذ ومنهم الطيب صالح كل في مجاله ، قد تأثر بفتوحات ( سيجموند فريد ) في علوم النفس البشرية ، بل الكثير من الأدباء والعلماء بنوا رؤاهم على تأسيسه ، ولا أحد يُنكر ذلك .
ــ
لا أعتقد أن الفيلسوف وأصحاب الرؤى الفلسفية ( أمثال الأستاذ ) مُطالبون بتفاصيل العلوم ، فالعلوم التطبيقية تتطور ويكتشف العلم في كل خطوه فتوحات ولن يتوقف الأمر . علوم تفتح المغاليق والمجاهل ، وهذا يعني أن هنالك إشارات يتوارثها العلماء في تاريخهم ، يُرفدون بعضهم البعض ، ويبنون من فوق إنجاز بعضهم .

ــــ
نعم ليس هناك شك في أن الأستاذ محمود قد اطلع على ثقافة عصره وهضمها، ولكنه ليس مجرد "مستعير" أو سارق "متلاص" كما يحاول صديقنا أسامة أن يوحي... وما قلته أنت بعاليه "وهذا يعني أن هنالك إشارات يتوارثها العلماء في تاريخهم ، يُرفدون بعضهم البعض ، ويبنون من فوق إنجاز بعضهم"، ينطبق على الأستاذ محمود كما ينطبق فرويد نفسه.. فإن ما قاله فرويد من تقسيم الشخصية إلى ثلاث أقسام:
الأنا السفلىId والأنا Ego والأنا العليا Super Ego نجد له جذورا في الثقافة اليهودية.. فالمعروف أن فرويد من أسرة يهودية، ولكنه، مثله مثل كثير من العلماء ذوي الخلفية اليهودية الذين يهجرون الدين ويصبحون علمانيين أو حتى ملحدين، وذلك بسبب تخلف الدين اليهودي، وهذا ليس موضوعنا لذلك لا أريد التوسع فيه.. الإنسان جسد ونفس وروح. وهنا أريد أن أعرض لمسألة النفس والروح في اللغة العبرية وفي اللغة الألمانية التي كان يتحدثها، ويكتب بها فرويد، وجذور المصطلحات في اللغة اليونانية أو في اللغة اللاتينية..


كلمة Pneuma أصلها من الإغريقية وهي حرفيا تعني "الهواء" Luft بالألمانية، وتعني "النسمة" Hauch بالألمانية، ولكنها أيضا تعني "الروح" بالألمانية Geist.. ويلاحظ أيضا أن كلمة الروح قريبة من "ريح" بالعربية. أما عبارة Hagion Pneuma بالإغريقية فهي قد ترجمت إلى Heiliger Geist بالألمانية وهي تعني "الروح المقدسة".. أو "الروح القدس"..
لا يوجد في التوراة تعريف دقيق لكلمة الروح ويذكر سفر التكوين أن الخالق الأعظم خلق الإنسان من غبار الأرض ونفخ الخالق في أنف الإنسان ليصبح مخلوقا حيا. أما في الكتاب الرئيسي في تفسير التوراة وهو كتاب "كبالاه" Kabbalah فإن الروح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
نفيش Nefesh وهي الطبقة السفلى من الروح وترتبط بغرائز الإنسان الجسدية وهو موجود من لحظة الولادة. [يلاحظ أن كلمة نفيش قريبة من كلمة نفس وقريبة أيضا من كلمة نفخ]
روخ (Ruach) وهي الطبقة الوسطى من الروح والمسئولة عن التمييز بين الخير والشر وتنظيم المبادئ الأخلاقية.

نيشامه (Neshamah) وهي الطبقة العليا من الروح وهي المسؤولة عن تميز الإنسان من بقية الكائنات الحية . [يلاحظ أن كلمة نيشامة قريبة من كلمة نسمة العربية]

[المصدر:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D9%88%D8%AD
ومن هنا يمكن لأي إنسان أن يدرك تأثير الثقافة اليهودية المأخوذة من التوراة ومن تفسيراته في تقسيم سيغموند فرويد للشخصية الذي يمكن الرجوع إليه هنا:
http://www.humanthermodynamics.com/Freud.html
...

Quote:

Freud theorized that the human personality has three distinctive and interacting parts and he used thermodynamics as an extended metaphor to explain this. Using this tripartite division, in 1923 Freud published the ground-breaking book: "The ego and the id" in which he named these three distinctive parts, the id, the ego, and the superego:
[1] The id, Freud described as our biological needs and drives, as: hunger, thirst, and sex, etc. The id provides energy for the system just as fire provides energy in thermodynamics.



[2] The superego, Freud explained as society's rules, our voice of conscience. In thermodynamic terms, the superego would be a lid on the apparatus that contained water, which was to be converted into steam.



[3] The ego is the conscious mind that contains one's thoughts, judgments and memories. In Freud's thermodynamic metaphor, the ego was the wheels and the escape valves where the steam is released.
Freud broke down his personality idea from parts that cannot be directly observed into a tangible model of energy heating water and being released as steam. Freud examined the first law of thermodynamics and applied this to his psycho-dynamics theories. The first law of thermodynamics states that:
"Energy can neither be created nor destroyed"

Quote: والآن لننظر ما قاله الفلاسفة عن الروح منذ أفلاطون وحتى إيمانويل كانط:
قام أفلاطون (427 - 347 قبل الميلاد) بإعتبار الروح كأساس لكينونة الإنسان و المحرك الأساسي للإنسان وإعتقد بأن الروح يتكون من 3 أجزاء متناغمة وهي العقل والنفس و الرغبة وكان أفلاطون يقصد بالنفس المتطلبات العاطفية او الشعورية وكان يعني بالرغبة المتطلبات الجسدية وأعطى أفلاطون مثالا لتوضيح وجهة نظره بإستخدام عربة يقودها حصان, فللحصان حسب أفلاطون قوتان محركتان و هما النفس و الرغبة ويأتي العقل ليحفظ التوازن. بعد أفلاطون قام أرسطو (384 - 322 قبل الميلاد) بتعريف الروح كمحور رئيسي للوجود ولكنه لم يعتبر الروح وجودا مستقلا عن الجسد او شيئا غير ملموس يسكن الجسد فإعتبر أرسطو الروح مرادفا للكينونة ولم يعتبر الروح كينونة خاصة تسكن الجسد وإستخدم أرسطو السكين لتوضح فكرته فقال إنه إذا إفترضنا إن للسكين روحا فإن عملية القطع هي الروح وعليه و حسب أرسطو فإن الغرض الرئيسي للكائن هو الروح وبذلك يمكن الإستنتاج إن أرسطو لم يعتبر الروح شيئا خالدا فمع تدمير السكين ينعدم عملية القطع.

حاول رينيه ديكارت (1596 - 1650) وفي خطوة مهمة إثبات إن الروح وتنظيم الإعتقاد بالروح تقع في منطقة محددة في الدماغ اما إيمانويل كانت (1724 - 1804) وفي خطوة جريئة قال إن مصدر إندفاع الإنسان لفهم ماهية الروح هو في الأساس محاولة من العقل للوصول إلى نظرة شاملة لطريقة تفكير الإنسان اي بمعنى ان العقل الذي يحاول تفسير كل شيء على اساس عملي سوف يضطر إلى التساؤل عن الأشياء المجهولة الغير ملموسة وبذلك فتح كانت الباب على مصراعيه لرعيل من علماء النفس ليفسروا الروح على اساس نفسي.

انتهى
من نفس مصدر ويكيبيديا الموضوعة وصلته بعاليه:

أما كلمة سايكولوجي Psycholgy ψυχολογία والتي تعني "علم النفس" فهي مركبة من كلمتين إغريقيتين هما Psyche و Logos .. والكلمة الإغريقية [psyché] يقابلها باللغة الألمانية Seele التي تعني "ذات" و " لُب" و "نَفْس" [بفتح النون وسكون الفاء] وهي ترجع إلى "نسمة" بالألماني Hauch، وإلى "نَفَس" [بفتح النون وفتح الفاء] بالألماني Atem. وفي الأسطورة الإغريقية القديمة فإن "سايك" Psyche هو إسم "طائر روح" Seelenvogel بجناحي فراشة ويُعتبر تجسيداً للنفس الإنسانية.. وقد اعتبر الإغريق الـ Psyche "النفس" مسئولة عن السلوك..



وقد وردت Psyche في الأساطير الإغريقية ويمكن قراءة الأسطورة في هذا الرابط باللغة الإنجليزية
http://en.wikipedia.org/wiki/Psyche_%28psychology%29
وفي هذا الرابط باللغة الألمانية بشكل موسع قليلا:
http://de.wikipedia.org/wiki/Amor_und_Psyche

عند قراءة أسطورة "سايك وكيوبيد" أو "سايك وآمور" يدرك القارئ بكل يسر أثر هذه الأسطورة على تفكير سيغموند فرويد.. وفي الحقيقة حتى الرمز الذي يرمز إلى علم النفس مأخوذ من الحرف الأول من كلمة "سايكولوجي" باللغة الإغريقية..

وقد شاع استعمال كلمة "ساكولوجية" منذ القرن الثامن عشر، ولكن ويليام فونت الألماني يعتبر هو منشئ علم النفس الحديث في عام 1879 كما يتضح من الوصلة بأسفله..
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%...D9.86.D9.81.D8.B3[/B]
Quote:

تشير كلمة علم النفس أيضا إلى تطبيق هذه المعارف على مجالات مختلفة من النشاط الإنساني، بما فيها مشاكل الأفراد في الحياة اليومية ومعالجة الآمراض العقلية.
باختصار علم النفس هو الدراسات العلمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية، ويمكن تعريفه بأنه: "الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، وخصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه".



والآن عودة إلى مداخلة الأخ أسامة الخواض الأخيرة والتي يقول فيها:
Quote: شكرا الشقليني على مداخلاتك حول علم النفس وفرويد ومساهمته في قلب التفكير الانساني حول اننا لا نتصرف بعقولنا الواعية ،وانما ان هنالك وعيا آخر يتحكم فينا بطريقة أخرى.

طبعا الصحيح هو أننا نتصرف بعقولنا الواعية، ولكن عقولنا هذه يقع عليها تأثير غير ظاهر لنا، وهذا ما يعبِّر عنه الأستاذ بتدخل الإرادة الإلهية في الإرادة البشرية، وهو تدَخُّل غير مباشر وتَدْخُلُ فيه عوامل كثيرة منها ما هو موروث من الأسلاف بما فيهم الأبوين، ومنها ما هو نتيجة التجارب الشخصية في الحياة ولذلك يقول القرآن: "ونفس وما سوَّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكَّاها * وقد خاب من دسَّاها" ويقول:"كل نفس بما كسبت رهينة".. ويقول: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"، ويقول في سورة البلد آيات غاية في الوضوح في الدلالة على دقة ولطف تدخل الإرادة الإلهية في خلق الإنسان: " لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)".. هذا الحديث يقودنا إلى فكرة التسيير وهذا مبحث آخر له أهمية عظمى..
أرجو أن يكون قد اتضح الآن أن مساهمة العالم الجليل فرويد، على أهميتها، لا تلغي ما قال به الدين من أن هناك قوة خفية هي التي تؤثر في تصرفاتنا.. وقول الأستاذ عن الآية القرآنية "من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها" إنما هو توضيح جديد لمسألة قديمة.. وهو يستشهد دائما بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك" والمقصود بها طبعا، النفس السفلى، وهي النفس التي تتبع الشهوات وتدعو إلى الجبن والبخل والكذب والغش والحسد والأنانية وكل مذام الصفات.. وعندما يقول النبي محمد: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" أو عندما يقول: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جائع"

قولك:

Quote: و الاستاذ حاول ان "يوطن" فرويد في الخطاب الاسلامي ،
وحاول ان "يجسر " بين خطاب الحداثة الغربية والخطاب الاسلامي،
من خلال ايجاد مناطق مشتركة بين الخطابين ،
ومن ضمن ذلك الحديث عن الصلاة كجلسة نفسية ،
يتم فيها الحوار والنقاش بين العقل الباطن والعقل الواعي،
ولم يتحدث الاستاذ عن كيفية ذلك النقاش بين العقلين.
فالاستاذ يحاول ان يشكل علما اسلاميا روحيا وتجريبيا كما يرى ،
لكنه لا يقول بكيفية اثبات تلك العلمية.


أعتقد أن الأستاذ محمود قد أوضح طريقة منهاج الإسلام في تخليص الإنسان من مذام الصفات التي تتصف بها النفس الدنيا، وكيفية الإرتفاع والإهتداء إلى النفس العليا.. وقراءة واحدة لكتاب تعلموا كيف تصلون وكتاب "رسالة الصلاة" وكتاب "طريق محمد" كافية للتدليل على ذلك..
وشكرا مع فائق المودة..
ياسر

Post: #524
Title: Re: علم النفس .. السايكولوجي.. الروح والنفس..
Author: osama elkhawad
Date: 08-08-2007, 05:08 AM
Parent: #523

قولني الصديق ياسر ما لم أقله،
حين قال:
Quote: نعم ليس هناك شك في أن الأستاذ محمود قد اطلع على ثقافة عصره وهضمها، ولكنه ليس مجرد "مستعير" أو سارق "متلاص" كما يحاول صديقنا أسامة أن يوحي...

لم أقل ان الاستاذ متلاص ،و انما اوردت ذلك في سياق ما يقول به خصومه.
فهم ،وأكرر ف"هم" بحسب مصطلحي يعتقدون ان الاستاذ "متلاص" ،ولم ينتبهوا الى ان هنالك فرقا كبيرا بين التناص والتلاص .
الاستاذ استعار الجهاز المفهومي للتحليل النفسي،
ولم يشر اليه ،ولو بكلمة ،كما فعل مع داروين.
الاستاذ هنا استعار المفهوم نفسه ،وحاول ان يوظفه في سبيل اثبات ان هنالك علما روحيا تجريبيا .
و حتى في كلامه عن الجلسات النفسية و مناقشة الوعي للّاوعي ،في الصلاة،
لم يشر الى كيفية حدوث ذلك .
وسنعود لمصطلح البدائية ،وهل ان الاستاذ قد تخلص من المحمول المعرفي السيئ لذلك المصطلح ،كما اورده علم الانثربولوجيا الغربي.
المشاء

Post: #525
Title: Re: علم النفس .. السايكولوجي.. الروح والنفس..
Author: Yasir Elsharif
Date: 08-08-2007, 08:31 AM
Parent: #524

سلامات يا عزيزي أسامة

قولك:

Quote: لم أقل ان الاستاذ متلاص ،و انما اوردت ذلك في سياق ما يقول به خصومه.
فهم ،وأكرر ف"هم" بحسب مصطلحي يعتقدون ان الاستاذ "متلاص" ،ولم ينتبهوا الى ان هنالك فرقا كبيرا بين التناص والتلاص .
الاستاذ استعار الجهاز المفهومي للتحليل النفسي،
ولم يشر اليه ،ولو بكلمة ،كما فعل مع داروين.


نعم، أنت لم تقل أن الأستاذ "متلاص" ولكنك تحاول أن توحي بذلك.. والآن تؤكد هذا الإيحاء بقولك: "الأستاذ استعار الجهاز المفهومي للتحليل النفسي، ولم يشر إليه ،ولو بكلمة ،كما فعل مع دارون."
فما معنى أنه استعار شيئا واستخدمه ولم يشر إلى صاحبه أو أصحابه؟؟
وهل كان ذكر الأستاذ لإسم دارون في معرض أنه استعار منه مفهومه عن نظرية التطور؟؟ أم أنه عنى أن ما يذهب إليه الفهم الديني الذي يقدمه يتعدى ما قال به دارون؟؟

وهل ما قال به الأستاذ في مسألة فهم النفس البشرية هو ما قال به فرويد؟؟ لقد اتضح الآن أنك تهتم بظاهر الألفاظ والمصطلحات وتتجاهل المحتوى؟؟

وقد حاولت أن أوضح لك وللقراء والأمر متروك لهم.. أما مسألة "البدائية" فقد سبق لك أن فتحت بها بوستا وصل صفحتين وهو موجود في مكتبتك.. فهل لديك جديد؟؟
عن اثر مفهوم "البدائية" على الفكر "المحمودي"

أعتقد أن ذلك البوست كان مفيدا جدا، وأذكر أنني نقلت وصلته إلى منبر الفكرة الحر وقتها وقد كتبت مداخلة بهذا العنوان، جاءت بعده مداخلة فريدة من الأخ النور حمد، أقترح على كل من لم يقراها ان يفعل:
Re: نقلت وصلة البوست إلى منبر الفكرة الحر

وشكرا

ياسر

Post: #526
Title: Re: علم النفس .. السايكولوجي.. الروح والنفس..
Author: عبدالغني كرم الله بشير
Date: 08-08-2007, 10:38 AM
Parent: #525

استاذحيدر بدوي،
سلام، ومحبة، ليتك توسعت في تفاصيل زيارتكم ..

****************************************
د. حيدر بدوي كتب:

تشرفت فيها بزيارة المنزل الذي تربى فيه
الأستاذمحمود محمد طه بالديم. وزرت أيضاً
موضع الخلوة التي قضى فيها قرابة الثلاثة سنوات
متهجداً، يوم كانت الفكرة الجمهورية جنيناً في رحمه
الشريفة. ثم زرت المسجد الذي منه انطلقت ثورة رفاعة
في العام 1945، والتي على إثرها اعتتقل الأستاذ محمود
وحوكم بعامين من السجنز وزرت كذلك الحراسة موقع
الحراسة التي أودع فيها قبل المحاكمة.

وزرت أيضاً المكان الذي كان يقف فيه الأستاذ، أناء الليل،
وأطراف النهار، وجسمه في ماء النهر -حتى منتصفه- من جهة
ديم لطفي، ينظر للسماء في تأمل وتواصل مع الذات القديمة.
وقيل أن الأستاذ كان يقف من الفجر وحتى مغيب الشمس، وقفة
واحدة، في تواصل متسق مع الكون وخالق الكون، ينظر للشمس
بالنهار، والقمر بالفجر وبالليل، في أحايين كثيرة.

وهكذا حبلت مريم، فأنجبت الفكرة الجمهورية!
******************************************


عزيزي، شقليني، سلامي ومحبتي..

Post: #527
Title: Re: علم النفس .. السايكولوجي.. الروح والنفس..
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-08-2007, 04:55 PM
Parent: #526

العزيز الكاتب : عبد الغني كرم الله

الكاتب : صاحب الصبر على دفئ الحديث ، ورؤى القص :

أهلاً بك هُنا بيننا .
فكم من وردة تتوق لقاح بعضها ، وهي تنتظر الفراش حامل الأجنة
أن يستقصِد الرحيق .
نعم ليت العزيز الأستاذ حيدر يُسهِب في رواية تاريخ طفولة الأستاذ ،
وليت هنالك مُتحفاً لمُقتنياته إن كان الدُنيا أرحب ،
وتمجيد من يُبدعون التاريخ مكان يستحق التكريم الحضاري ،
فالبيت الذي نشأ فيه شكسبير صار مُتحفاً .

شكراً لك عزيزنا ود كرم الله

Post: #528
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-08-2007, 05:17 PM
Parent: #1





حول منهاج الأستاذ : ( رسالة لم تكتمل بعد ) في طريق :
(كل يوم هو في شأن ) (1)



للأحباء
الكاتب : أسامة الخواض
والكاتب : دكتور ياسر الشريف
تحية خاصة لتلك العَباءة السماوية التي تألقت بوجودكما ،

وبعض قُطوف الأحباء هنا أيضاً رفدوا النبع بلون المَجرى ، وليتهم يكونون بجوارنا ، إذ هو نِعم الجوار .
حول خطاب الأستاذ والاستشهاد بالفتوحات العلمية :
لقد كتب كثير من أصحاب النقل في الآداب الإسلامية حول حذرهم كل الحذر من ربط التفسير للذكر الحكيم بفتوحات العلوم ، فكثير منهم يحذر أن يُربط بين تفسير من التفاسير ، أو تأويل كما اعتاد الأستاذ محمود في رؤيته أن يًفرق بين التفسير والتأويل ، أو بين التطوير للفهم وبين التأويل .
عموماً يتوخى كثير من نقلة النصوص الدينية ومن يركنون لتفاسير المجتهدين في الزمان الغابر دون النظر نظر الفاحِص والناقد ، والتي هي مَيزة من يقرأ ويتعلم ثم يستخدم الصندوق الذي نحمله بين أكتافنا وإعمال الذهن بالمقارنة والتحليل .
وقد كان هؤلاء على حذر من الاستدلال بفتح في علوم الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك أو علوم النفس البشرية أو النظريات التي يبني فيها العلماء جهدهم على جهد من سبقوهم ثم يُطورون ما بين أيديهم .
لقد كانت ولم تزل هنالك مقولة سلفية تقول :

إن العلوم ناقصة في مقابل نص قُراني إلهي كامل ، وفي حالة تثبيت التفسير أو التأويل على انجاز علمي فقد اعترفنا ضمناً بأننا قيدنا النص القرآني بناقص ، وتلك لا تصح في مقام الألوهية .

والأستاذ يقول في الرسالة الثانية من الإسلام نص يخالف هذا النص السلفي حين يكتُب :



(.... المسلمون يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة.. وهذا صحيح.. ولكن كمالها إنما هو في مقدرتها على التطور، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية، والاجتماعية، وعلى توجيه تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر، بالغة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية، والفردية من النشاط، والحيوية، والتجديد.. هم يقولون، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة، يقولون: الشريعة الإسلامية كاملة، فهي ليست في حاجة إلى التطوير، فإنما يتطور الناقص.. وهذا قول بعكس الحق تماما، فإنه إنما يتطور الكامل.. فالكمل من العارفين مثلهم الأعلى أن يتخلقوا بما وصف الله تعالى به نفسه حين قال عز من قائل: (( كل يوم هو في شأن)).. فهم يجددون حياة فكرهم ، وحياة شعورهم، كل يوم.. )

ويكتب في موضع آخر :

( ... وبالمثل، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسما حيا، ناميا، متطورا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله، منزلة، منزلة.. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد.. (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)).. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من نص إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ.. قال تعالى: (( ما ننسخ من آية، أو ننسئها نأت بخير منها، أو مثلها.. ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير؟)).. قوله: (( ما ننسخ من آية)) يعني: ما نلغي، ونرفع من حكم آية.. قوله: (( أو ننسئها)) يعني نؤجل من فعل حكمها.. (( نأت بخير منها)) يعني أقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة.. (( أو مثلها)) يعني نعيدها، هي نفسها، إلى الحكم حين يحين وقتها.. فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها.. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة، في القرن السابع، منسوخة الآن.. )




إذن الأستاذ يُثبت أن التطور هي سمة الكامل كما ورد في النص القرآني :
( كل يوم هو في شأن )
وتلك سمة الألوهية السرمدية .
وتلك فروق تُمكننا أن نعرف أن الذهن المفتوح المُتجدد هو سمة من سمات فكر الأستاذ محمود ، فلا هو مؤسس أوراد تستكين للتكرار وتثبيت المفاهيم في العقول الباطنة فحسب ، بل جعل الصعود لمراقي الفكر هو تطور من مرحلة لأخرى .
لذلك فإني أزعم أن للأستاذ رسالة لم يمهله العُمر ومشاغل العمل اليومي من استكمال قضية التأويل المُتجدد . وإني لم أزل أعتب على كثير من الأساتذة الجمهوريين ، من تلامذة الأستاذ ورُصفائه في العمل الفكري أن يُكملوا تلك الرسالة ( المُتجددة ) ، والتي أرى أن الأستاذ قد وضع منهاجها ، ويتعين أن يقم من يصعد بها إلى تجاوز الغلظة في العقوبات التي لم يزل الأستاذ / أسامة الخواض يرددها ولديه الأدلة قاطعة الشك من أن الأستاذ لم يتجاوز تلك الغلظة بالدفاع عن العقوبات كما وردت في الرسالة الأولى وفق تصنيف الأستاذ ، وأنه لم يوليها ما أولاه لقضية الجهاد أو مساواة المرأة أو قضايا الأحوال الشخصية .
إن منهاجه يمكن تلاميذه من تجاوز الوقوف عند رؤاه والتشبُث بالربوة التي وقف عندها ، ولكن الأستاذ ومن تأسي الناقص بالكامل ، فإن الإنسان كادحاً إلى ربه كدحاً ، وإن ربه ( كل يوم هو في شأن ) .
وذاك مفتاح مورق لكل بناء أخضر يرغب السادة الأساتذة الجمهوريون أن يبتنوا فكراً مُتكامل البُنيان ، ينقل الفكرة الإسلامية من كثير من العقبات التي تُعاني كثيراً عند محاولة إقناع العقل الراهن بغير أدواته ، فأدوات التصوف و تعامله مع العقل ومجاهله فتحت أبواباً لم تزل مُشرعة ، وديانات الشرق حُبلى بالكثير من الخبرات ، والتاريخ يقول لنا الكثير .

ونواصل



Post: #529
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-09-2007, 05:47 AM
Parent: #528

عزيزي ياسر
سلامات عاطرات
كلامي عن الاستعارة ليس له علاقة بالتلاص.الاستاذ استعار فعلا الجهاز المفاهيمي لمدرسة التحليل النفسي ،وحاول من خلال ذلك ان يشير الى امكانية علم نفس روحي تجريبي،
من خلال ما قال به عن أثر القرآن على اللاشعور ،وكون الصلاة جلسة نفسية،
يتم فيها النقاش بين الشعور واللاشعور،لكنه ،للأسف ،لم يقل ،بالكيفية التي يتم فيها ذلك النقاش المقترح.
فلنا ان نقول ان الاستاذ لم يتلاص مع التحليل النفسي ،وانما حاول ان يجسر بين الاسلام والتحليل النفسي ،لكنه لم يوضح تلك الكيفية ،
ويبدو انه فعلا كان غريبا على عصره،فلم يناقشه لا الاعداء ولا من يناصرونه في ذلك .
وهذا بعض من فرادته،التي لم نكتشف الا بعضا منها في غيابه.
محبتي
المشاء

Post: #530
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالغني كرم الله بشير
Date: 08-09-2007, 05:57 AM
Parent: #528



عزيزي، الشقليني..

أول زيارة لي لبيت الاستاذ، الطيني،البسيط، الصغير، بحي المهدية "الثورة"، لقد فوجئت، بصغرة أبوابه تفتح (على الجنوب)، و"غربه"، فسحة ماهلة، وله بابين، والاتنين صغار، يعني العادة ان يكون باب صغير، وأخر كبير (لزوم السيارة، حتى على مستوى الأمل)، وله حوش صغير، إلى الآن، اعجب كيف كان يحوي الاخوان، وهم كثر، حقا، اعجب إلى يومنا هذا، ولكن، حقيقة الجسد، هي الروح، والروح خفيف، نبيل، لا يتقيد بزمان، أو مكان، بل حر، دخلت البيت لوحدي، وجدت أسرة بسيطة تسكن الدار، "قريبة الاستاذ، أظن اسمعها علوية، كان هذا 1992 أوقريب من ذلك، دخلت غرفة الاستاذ، أحسست برهبة كبرى، وبحزن داخلي، هناك صورة كبيرة للاستاذ، ودولاب بسيط ابيض، وآيات قرآنية، وسرير، قالت لي "علوية"، انه سرير الاستاذ ترددت بالجلوس عليه، ولكن رغبة في البركة جلست عليه، قالت لي بأن هناك شاب جاء ونام في الغرفة، من غير الجمهورية، كان يقرأ القرآن طوال الليل، شاب مجذوب، ذهبت إلى غرفة استاذة بتول مختار، في الركن الشمالي الشرقي، كانت مليئة بالكتب، كتب بألوان مختلفة، صفراء ووردية وخضراء، كتب مرصوصة، وأخرى مربوطة بدبارة، أحسست بحزن عظيم، بكيت، أحسست بعالم عظيم، ينزوي في غرفة صغيرة، (أين منها الغرفة الشهيرة لمطصفى سعيد)، كتب بسيطة الطباعة،والتصميم، تحمل هم وطني، ومشاكله الفكرية والروحية، والدينية، والاقتصادية، اغلفتها من ورق عادي، زي ورق الكراسات المدرسية، ومكتوبة والعنوانين مخطوطة بخط اليد، أخذت عدة كتب، أذكر منها قضية بورسودان، وخمر المعاني، والصوم ضياء والصلاة نور، فيما يعني ذلك العنوان، واخذت بعض الكتب لا اذكرها، وأدخلتهم في كبيس نايلو، علوية قالت لي "ما يشوفك ناس الامن"، قلت ليها كويس، ثم تجولت في البيت، دخلت الزقاق الخلفي، زقاق صغير، "نفسي أعرف كان محظوظ بشنو، من العمل المبارك، في ذلك البيت الصغير العظيم، ثم دخلت الصالون، برضو صغير، لك أن تتصور بيت من 300 متر، الصالون له بابين، واحد فاتح "جنوب"، وآخر "شرق"، مطل على غرفة الاستاذ، طبعا نويت انوم في غرفة الاستاذ (لكن خفت خوف مبالغ فيهو)، شربت الشاي، ورأيت عدة أيات معلقة على صالون البيت، (ومنها وخشعت ..... إلى نهاية الأية الكريمة)، ثم خرجت للحوش الصغير، جنوب الصالون، كيف احتمل هذا الحوش الحركة، والانشاد، والنقاش "؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟"، لست أدري، ثم ذهبت لغرفة صغيرة، زي مخزن، وبها وجدت مجموعة من المجالات التي كان يطالعها الاستاذ منها time وبعض المجلات الانجليزية، ثم خرجت من البيت، بحزن لا يوصف، وفي الشارع كان الناس يمرون، مرور الكرام، لا شئ، لا شئ، ولكنهم سعداء، لا يشقى من يمر به، كانت هذه أول زيارة لي لبيت الاستاذ، ثم مضيت نحو الشرق، لشارع المواصلات، وفي نهاية الشارع وجدت جامع، "قبالة شارع الثورة بالنص"، وهناك وجدت محطة، وبها مسطبة، فجلست، وأخرجت الكتب، وبدأت اقرأ بنفس متطقع، وفرح وحزين معا (ونسيت هل خلق رجال الأمن أم لا)، حتى جاء البص، ومضيت للخرطوم، وكنت أرى الناس بشكل آخر، ماذا جرى لي، لست أدري، ولكني إلى الأن أحس بطعم تلك الزيارة... وبعدها تعرفت على الاخوان الجمهوريين، وعلى استاذ عبداللطيف عمر في الحارة (السابعة)، حينها، وعلى استاذ امين لطفي، ومضيت إلى مدن، حيث الكنز العظيم، والرضى الأعظم، استاذ سعيد الشايب...

Post: #531
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-09-2007, 12:24 PM
Parent: #530

عزيزنا الحبيب : عبد الغني كرم الله
يقولون : ( ليل العاشقين طويل )

نهار يُرخي سُدوله ، والليل يبحثُ عن مصابيح الزمن الآتي .
هنالك في النُجوم الخافتات ظل حُلماً في الخاطر .
لستُ أدري لِمَ أوصى ألا يكون على قبره علامة ، وتذكرت غاندي حين أٌحرق جثمانه ونُثِر في النهر العظيم في الهند .
أ هيَّ الثٌُلة المُصطفاة تذوب في أوطانها ؟
أهيَّ الأنهر تأخذ بُدرة الجسد ، أو تطمُر الأرض جسد الأستاذ ولا تنبُس ببنت شفة .

كنتُ ولم أزل أذكر الرحيل المهيب للأستاذ : شيئاً كالخُرافة ، قصٌ بين الحقيقة والخيال . ران على الكون حينذاك سكون أسود ، وانبعث من انكسار القهر صوت لا يُبالي . عملاق يقف في محكمة ، قُضاتها لم يكونوا يحلمون بالوقوف في سُدة القضاء لو لا سياسي كان يسكُن القصر كمستشار قانوني وعضو في مجلس الأمن القومي حينذاك . كانت إدارة المكر بكأس الدهاء .
هو ذهن البنائين ، فكر ماسوني نهض من رُكام عالم قديم . جلس فيه رجل في زمان ما وحسَّ أن الأستاذ قد طوى سجاد الفكر من سدنة السياسة ، فأعمل الماكر مُدية رفيعة السنان ، عميقة الغور إن أحبت جسداً تستطعمه ...
لذا تقرر القضاء على الجسد الذي ابتنته الرضاعة من ثدي الصوم وتمرات الإفطار .
كم حريُّ بنا أن نُكرم ذاك الوجه الصبوح لابن محمد طه ، فقد نبت من سلالة نور ، سقى سجادها بدمه .

لك التحية سيدي

ونواصل

Post: #532
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-10-2007, 05:55 AM
Parent: #531

عزيزي الشقليني
محبة
وبعد
المنبر بطيئ ،ولذلك لم استطع ايراد ما قلت به عن العلاقة بين النص الديني وما تقول به العلوم.
فماذا ترى في استشهاد الاستاذ بانجازات العلم الحديث والعمل عليها كما في حديثه عن التحليل النفسي مثلا ،و حديثه عن "الطاقة".
نرجو الاستفاضة في هذا المجال المثير للاسئلة.
محبتي
المشاء

Post: #533
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-10-2007, 07:54 AM
Parent: #532



العزيز الكاتب والشاعر : أسامة الخواض


لك الشُكر الجزيل لما تفضلت به ، وأرى أن علاقة تشُد الرباط بين التصوف و علوم النفس البشرية وبين رؤى الأستاذ . وذاك بحر يتعين عند تناوله تحري التفاصيل الدقيقة . سوف أقوم بمراجعة كافة النصوص التي أوردها الأستاذ محمود والخاصة بالتحليل النفسي ، ولكني أرى خلفية لكثير من رؤى الصوفية وهي في معظمها مسلكاً تجريبياً له مدراس في الولوج لدُنياه .
خلفية لتلك الدراسة يمكنني استدعاء موضوعاً كتبته منذ زمان ، لعله يكون فرشاً للمائدة التي نرغب أن نرى لِم اختار الأستاذ محمود تلك النماذج عن التحليل النفسي وهو من فتوحات أول القرن الماضي ، وقبله بألف عام نهل أبو منصور الحلاج من دراسته لليوغا ، والبراهمية والبوذية ، وتلك كانت من علوم أهل الشرق ، ربطت علوم النفس بالعقيدة ، وقد تمكن الحلاج وهو مُفكر باهر من الأخذ بالتقنية التعبُدية ، وعرف طرائقها بعد أن قضى أكثر من ثلاثة أعوام في مناطق في الهند وكشمير قبل أن يقوم بفتوحاته المعرفية في التصوف .
وأرى أن الأستاذ قد نهل من معرفة فرويد وهو رائد من رواد علوم النفس ، وبين وفاته أي سيغموند فرويد وبدأ رسالة الأستاذ ما يقارب نيّف و عشر سنوات .
نترك الأمر لحين الإطلاع على كل الذي أورده الأستاذ عن فرويد ونُعيد قراءة تلك الخلفية التي تُمهد :

النص :


إضاءة حول الكرامة الصوفية


يقول الشيخ محمد الطيب الحساني :
( لحظاتنا كلها كرامات وليس هنالك كرامة أفضل من كرامة العِلم )
إن من يطلع على ما يُطبع في المطابع العربية حول الكرامات ، يجدها تكاد تفوق كل ما طُبع عن الكرامات في كتب التراث . وتحوي سير الأولياء ، المناقب ، الشطحات ، النفحات ، الأعاجيب ، الخوارق ، المدد ، ، البركة وأحياناً المعجزات . ولعل المدد هي الكلمة المرددة في جنبات الأضرحة والمزارات المقدسة ، وترد على أفواه الناس و ذوي الحاجات الذين يؤمنون بالكرامات ويتناقلون روايتها مخلفين لنا بوعي أو بدونه تراثاً أدبياً جديراً بالدراسة وحَرياً بالنقد والتحليل .

إن التحليل والدراسة تقرب الراغب في المعرفة ، حتى لا يجذبه التقديس من منطلق إيحاء صوفي ، أو النبذ من منطلق عقلاني بتحميل الناتج وِزر بؤرة اللاوعي في العقلية الغيبية للإنسان المعاصر . لقد بات واضحاً في مجال المعرفة أن المنتج غير العقلاني يلعب دوراً كبيراً في صُنع التاريخ ، وفي تحريك مجرياته . يمكن مراجعة ( حضرات الخليفة عبد الله التعايشي ) والخاصة برؤية المهدي و الخضر و الرسول الكريم في إحدى الحضرات ، والتأمين على رأي الخليفة في غزو الحبشة وغزو مصر . و بالرجوع لمنشورات المهدية الذي حققه الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم يجد الراغب فوق ما يتمنى .

إن إهمال المنتج غير العقلاني بدعوى الإغراق في الغيبيات ، يفقد المُتقصي جانباً من دراسة مجتمعه أدبياً واجتماعياً وسياسياً وتاريخياً ونفسياً. فالكرامات هي مادة الحديث في السمر ، ووسيلة وعظية في المساجد . وهي من أدوات الترقي في المقامات لدى معظم أهل الطرق الصوفية . وهي من الأغراض التي يتكئ عليها الأدب العربي الحديث ولا سيما في الرواية . وقد استثمر الأديب الفخيم الطيب صالح الكثير من التراث الصوفي الذي تحفظه الذاكرة الشعبية السودانية ، وأينعت ثمار أدبه أينما إيناع ، وأزهر القص عنده جاذبية وروعة ما بعدها روعة . إن النص الكراماتي هو نص روائي لا متناه ، يستطيع أن يواكب العصور بوهجه ، ويتجاوزها بنصوصه الشعبية الهلامية وصفاً لسير الأولياء . لقد أخطأ المؤرخون كثيراً عندما أزاحوا الكرامات الصوفية جانباً ، إذ أهملوا جانباً خصباً من طرائق البحث في الوجه الآخر للمجتمع ، أشبه بالتأريخ الشعبي للحياة كما يتصورونها في ذواكرهم أو يتمنونها في دُنياهم .

لقد كانت الكرامات منهلاً خصباً للأدب حيث وُظِفت توظيفاً انتشله من التقريرية إلى الخيال اللا محدود ، وقَدِمت الرؤى الشعرية التي تركت بصماتها على الأسلوب الأدبي والفني . فالكرامة تنشأ من الراوي كطرف ، ومُحقق الكرامة ( المدد ) كطرف ثانٍ ، وشهود الكرامة كطرف ثالث . وتتحرك الكرامة في محور إثبات الولاية للولي ، والتنفيس الإبداعي عن أفراد المجتمع ، و الكرامة ذات المدلولات التعليمية . لقد وجدت الكرامات من القص الشفاهي مع النقل و الإضافة من الخيال مزرعة خصبة ، فابتنت لها دوراً شاهقة زخرفتها بالنقوش ، حتى أضحت بما عليها من ألبسة فضفاضة و ناعمة تلتف من حولنا وتنبت في أنفسنا سحراً طفولي الملامح ، يُسكِن الأساطير شُعب الخيال . إن الدهشة سيدة الجاذبية ، والخيال هو الحاضِر دوماً . يُغذي تلك الصورة الحالمة ويرفدها من نبعه الذي لا ينضب.

يمكن للكرمة لو جاز لنا وصفها في صورها الشعبية المنقولة إلينا حين تتلون بألوانها و تتخلق بغرائبها تتأرجح بين الخيال والرهبة والحُلم وهي ترتدي القلائد المُقدسة : ـ

طيراناً في الهواء ، أو مشياً على الماء ، أو تحمل الجوع والعطش ، أو طي الأرض ، أو تسخير الملائكة والجن والحيوانات والجمادات وكائنات أخرى ، أو إنقاذ الناس ساعة الحاجة ، أو التنبؤ بالمستقبل ، أو القدرة على شفاء الآخرين من الأمراض ، أو المعاونة على التأليف ومعرفة كل العلوم ، أو مصاحبة الأنوار والغمام ، أو إحياء الموتى وتكليمهم ،أو خلود الولي بعد موته أو إرهاصات موته ، أو تحقيق النصر على الأعداء ، أو القدرة على تغيير جوهر الأشياء مع بقاء الصورة ، أو مشاهدة الخضر ومصاحبته ...الخ
الناظر لحياة مؤسسي الطرق الصوفية عندنا ، والمميَّزين من سلالتهم في كافة ربوع بلادنا ومنذ القدم ، يجد أنهم يُعرَفون عند الناس بأهل العلوم الدينية . إن لهم دوراً محورياً في حياة أهلنا ، تُلبسهم أقاصيص الكرامات لباساً متوهِجاً ، توقِد المحبة في أنفس المُريدين فيمطرونهم بمتاعبهم ، و يلتمسون في صحبتهم رحابة الصدر وسِعته ، يطربهم الدعاء لهم بالخير .

إني أرى العقل الباطن ، صاحب الغريزة المنفلتة في صراع دائم مع العقل الواعي . وأرى أن الصورة المُثلى التي تتصارع بين الضوء وبين الظلمة ، أو ما يسمى في اللغة الأخلاقية الصراع بين الخير والشر ، يجعل المستضعف في هذا الصراع يبحث عن نصير ، يُعينه ساعة الخوف الكُبرى ، ويتوسم الدفء الحنون أينما كان . يتقبل المتصوفة النفس البشرية بما بها من ضعفٍ وقصور . لا يلهبون ظهرها بالوعيد والنفي والبتر والقطع ، بل بالعون على الطريق بالميسرة . وينهجون نهجاً مغايراً لنهج أهل الظاهر ، يتقبلون الضعف بالرحابة حتى تقربت العامة والخاصة إلى دورهم . ففي غيوم إسقاطات الدنيا وأهواء النفس المُتقلبة ، ينهض الشيخ الصوفي الرحيم داعماً للعقل الواعي وقد تجسد لحماً ودماً . يترفق ثم يتصالح مع العملاق الذي يسكن الذاكرة ، حين يسود بالغرائز ويلتهب بالخوف . إنها النفس وقد أضجرها ما بها ، ترغب أن تنام في حضن تطمئن إليه ، يستنجد الفرد بكلمات يتقوى بها في وجه العافية حين تضعف ، أو الخوف عندما يستوطن أو الأحلام حين يستعصي تحقيقها ، أو الهموم عندما تتكاثف . إنها النفس وقد وقفت عارية تسأل النجدة .

إن طرائق تدريب المتصوفة لأجيالهم اللاحِقة ، وصبرهم على مهارات التعامل مع المُريدين ، تجعلهم يتقنون معرفة المُقبلين عليهم ، باختلاف طبقاتهم التعليمية والثقافية والاجتماعية . يدخلون عوالمهم ويتحكمون في عواطفهم . لقد مكنهم كل ذلك من تبوء تلك المكانة التي يعجز المرء عن إدراك عظمة عوالمها .
لقد توقف المستعمرون كثيراً أمام هذه الظاهرة ، فقد كانت ولم تزل محبة الناس هي القوة التي ترفِّع الشأن ، وتسمو بالمتصوفة تلك المراتب . وأرى أن صناعة المحبة في أنفُس الناس مهمة شاقة على التوصيف ، يلفها الكثير من الغموض و التعقيد . فالمسلك تجاه الجميع والنظر لأمورهم بمنظار الرأفة يُحبب المُريدين إلى مجالسهم ، لاسيما عندما يجدون ذواكرهم تنهل من وهج السلالة و عِطر تاريخها ، تربط الخلف بالسلف ، فتنمو المحبة وتزدهر . تثري الحياة الوجدانية من حولهم وتكسبها أهمية في مجتمعاتهم تفوق دراسة العلوم الدينية واللغوية التي تقوم عليها البنية التحتية للتعليم عند المتصوفة .

لقد نهل هؤلاء من حضارات أمم الشرق القديم ما أعانهم على إبداع المناهِج الدافئة والجلوس للصفاء ، وتفتحت أذهانهم للحياة العِرفانية . والرصيد المُدون من تراث المتصوفة في المشرق أو المغرِب العربي ، إضافة للتراث المدون من إرث المتصوفة السودانيين قد أمدتهم برصيد وافر من المرجعية والزاد . فتمارين التعبُد والصيام ، وقراءة الأسماء والأوراد وطقوس قهر البدن وإذلال الروح للانصياع ، هي التي تمهد لنور الصفاء أن يرسم خطوطه في أوجه المتصوفة و يمهد لنقل الإيحاءات القوية للآخرين لحظة رؤيتهم أو مخاطبتهم . و عند توهُج الحضور للشيخ المتصوف تتبدى صورته في رونقها ، و ينهض الذهن البشري بالإيحاء و يتخلَّق في أبهى حُلله . تطرب الدنيا من النشوة ، كأنما تغشى العيون غشاوة سحر مسمري قديم ، وتنهض الشخصية الكاريزمية من سُباتها وتطوف المحبة من حولها أفواجاً من الناس .

عبد الله الشقليني

10/03/2005 م
المرجع :

1/ منشورات المهدية ، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم
2/ أدبيات الكرامة الصوفية ، للدكتور محمد أبو الفضل بدران




Post: #534
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-10-2007, 09:35 AM
Parent: #533

الشيخ / محمد الطيب الحساني الذي استفتحنا أعلاه بمقولته الفخمة :


( لحظاتنا كلها كرامات وليس هنالك كرامة أفضل من كرامة العِلم )



هو من مشايخ الطريقة الخلوتية ، وموقعه منطقة الأقصر في جنوب مصر ،

قُرب القرية المعمارية الشهيرة ( القُرنة ) أو ( الجُرنة )التي صممها ونفذها العماري الباهر :

حسن فتحي

الذي هو قامة من قامات الهندسة المعمارية ، شيد قرية كاملة
بإستخدام مادة ( الطين ) ....وتوفى في الثمانينات من القرن الماضي ..

وتلك مناسبة....

ونواصل

Post: #535
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-11-2007, 07:32 AM
Parent: #1


للأحباء هنا نعدهم بالمواصلة ،
وسنورد ما يتيسر لنا
ونواصل

Post: #536
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-13-2007, 05:07 AM
Parent: #535

قلت عزيزي الشقليني:
Quote: وإني لم أزل أعتب على كثير من الأساتذة الجمهوريين ، من تلامذة الأستاذ ورُصفائه في العمل الفكري أن يُكملوا تلك الرسالة ( المُتجددة ) ، والتي أرى أن الأستاذ قد وضع منهاجها ، ويتعين أن يقم من يصعد بها إلى تجاوز الغلظة في العقوبات التي لم يزل الأستاذ / أسامة الخواض يرددها ولديه الأدلة قاطعة الشك من أن الأستاذ لم يتجاوز تلك الغلظة بالدفاع عن العقوبات كما وردت في الرسالة الأولى وفق تصنيف الأستاذ ، وأنه لم يوليها ما أولاه لقضية الجهاد أو مساواة المرأة أو قضايا الأحوال الشخصية .
إن منهاجه يمكن تلاميذه من تجاوز الوقوف عند رؤاه والتشبُث بالربوة التي وقف عندها ، ولكن الأستاذ ومن تأسي الناقص بالكامل ، فإن الإنسان كادحاً إلى ربه كدحاً ، وإن ربه ( كل يوم هو في شأن
) .
وذاك مفتاح مورق لكل بناء أخضر يرغب السادة الأساتذة الجمهوريون أن يبتنوا فكراً مُتكامل البُنيان ، ينقل الفكرة الإسلامية من كثير من العقبات التي تُعاني كثيراً عند محاولة إقناع العقل الراهن بغير أدواته ، فأدوات التصوف و تعامله مع العقل ومجاهله فتحت أبواباً لم تزل مُشرعة ، وديانات الشرق حُبلى بالكثير من الخبرات ، والتاريخ يقول لنا الكثير .

أتفق مع ما قال به الصديق ياسر الشريف في مواضع كثيرة من ان الاستاذ اصبح ملكا لكل مناصري الحداثة و التجديد.

من الصعب على الجمهوريين وخاصة الأجيال الاولى،
ان تحاول الاضافة الى خطاب الاستاذ ،
فهم قد تربوا على يديه الكريمتين،
ومن الصعب ايضا ان يدعوا انهم وصلوا مرحلة الاصالة.

ومع احترامنا لما يقوم به البروفيسور عبدالله النعيم،
فاننا نعتقد ان الاجيال التي لم تشهد الاستاذ محمود في حياته ،هي التي يعول عليها ،

اضافة الى ذلك فان مناصري الحداثة والخلق والابداع من الاجيال المسلمة يمكن ان يقوموا بتطوير خطاب الاستاذ ،
وهو من يتحدث كما تفضلت عن ضرورة ملاحقة التطور،خاصة في هذا العصر السريع التطور بما لا يقارن مع ما عاشه الاستاذ طيب الله ذكراه العطرة.

وساعود لموضوع علاقة العلم بالخطاب الاسلامي .

محبتي

المشاء

Post: #537
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Abu Eltayeb
Date: 08-13-2007, 06:01 AM
Parent: #536

Quote: وبعدها تعرفت على الجمهوريين، وعلى استاذ سعيد في الحارة (السابعة)، حينها، وعلى استاذ امين لطفي،...


الأخ غنى

سلامات هل تقصد استاذ عبداللطيف عمر فى الحارة السابعة حينها ام تقصد انك قد قابلت استاذ سعيد شايب بمنزل استاذ عبداللطيف بالحارة السابعة

لك ودى

لطفى

Post: #538
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالغني كرم الله بشير
Date: 08-13-2007, 06:26 AM
Parent: #537


عزيزي ابو الطيب، سلام وشوق لا يوصف


والله انت معانا، حجاب المادة ده كضب ساكت، لي قدام، طبعا كنت اقصد استاذ عبداللطيف، ولا ازال اذكر زيارتي الأولى لهم، ثم زيارتي الثانية، والحوش الصغير في الحارة السابعة، وكراسي بسيطة، وكان عدد الاخوان قليل، وكانت الخرطوم تمر بأصعب سنوات عجاف تمر بتاريخها الحزين، حيث الظلام الحسي والمعنوي، وضربات القدر، لمدينة نائمة، وغافلة، وسادرة.... لا تعرف حقيقتها، وهويتها، ودورها..
(غدا، وفتاي احطم قيد حبسي، ....بعد ما طال عبسى)...


عزيزي استاذ لطفي..
السلام مقرون بالمحبة، والشوق.... ولي قدام، وشكرا للتصحيح...

Post: #539
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-14-2007, 06:39 AM
Parent: #538

لصاحب البوست في غيابه النبيل ،
محبة
المشاء

Post: #543
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-14-2007, 10:20 AM
Parent: #538

يطيب المقام
في حضرة الكرام .
محبة وشكر

Post: #540
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-14-2007, 09:07 AM
Parent: #1

الأحباء :
الكاتب : اسامة الخواض
أبو الطيب
ياسر الشريف
عبد الغني كرم الله
تحية ود وكثير سلامي

تحية ومحبة لكل هذا الثراء ، وجريان النهر بين أيديكم .
غبت وقد كان أضيافي في الدار وأطفالهم خير بلسمٍ في الزمان الصعب .
شغل الجميع البلور واستدعاء الأغنيات من ( يو تيوب ) ولم يغب ناظري عنكم وما تكتبون .
**
سعدت بولوج أبو الطيب بيتنا ، وتذكرت ( عبد اللطيف ) :
( ستنكرني ثلاثاً قبل صياح الديك ) .
وتلك اقتباس من أحد رُسل يسوع المسيح وهو يتماثل لنا في جلسة القضاء القَعيد من فقره ( قضاة الأستتابة !!!) لرفقاء درب الأستاذ : عبداللطيف وأصحابه .
ثم نواصل

Post: #541
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-14-2007, 09:42 AM
Parent: #540

عزيزنا الأستاذ والشاعر : أسامة الخواض

تحية ومحبة خالصة .. بعُدتُ ولكنني قريب بينكم ، عُذري لكم جميعاً .

صدقت سيدي

فالأستاذ محمود ورؤاه اضحت ملك الجميع . وقد ترك منهاجاً ، وأعلم أن اجيالنا لم تعهد ( الرؤى ) ، بل أعتاد أهلنا في السودان وخارجه جميعاً الفتور عن الصبر وبقيت الرؤى غريبة ، ومؤسسات التقليد هي الفئة الغالبة . الأستاذ محمود محمد طه من الذين يؤمنون بفضاءات الفكر ، وحرية في التطوير . تلك من سمت المسلك الذي لم يعتد عليه أهلنا ، ومن هنا يتعين أن نأخذ اسفاره بعين من بدأ الطريق بنهجه ، وليس كمن ينظر الحلول . له طريقه ونهجه الذي بإتباعه تتحقق الرؤى فلم يكُن الأستاذ صاحب اسفار انقطعت برحيله ، بل أنه يمكننا أن نعمل أذهاننا و نُطبق :

مبدأ أن له طريق لنهج التطوير لو تتبعنا منهاج النقد مثلاً : ( موت المؤلف )
كتقنية نقدية لإعادة قراءة رؤاه لفتحنا أبواباً تقود لتجاوز الغلظة التي بقيت منذ الرسالة الأولى ، ونقيم عليها رؤانا من آلية النظر والتأويل التي قال بها، واسترشاداً بسلوك الناقص ابتغاء اللحاق بالكامل كما في النص الذي يستند عليه الستاذ دوماً :
( كل يوم هو في شأن )

، ومن ثميمكننا استكمال تصوره الذي نراه انقطع برحيله ونحت التضاريس التي علقت بالفكر وتخوف السادة الجمهوريون من تجاوز ربوة استاذهم تَهيباً .وأرى الطريق مُمهداً للتأثيث للطلاق من الغلظة وفق ما نراه من نهج انتهجه الأستاذ ، وألا نتوقف في ما وصل إليه قبل رحيله .

لقد كنت ولم أزل أرى أن مبدأ ( المعاوضة ) لنص لغوي قد عنون به الأستاذ العقوبات غطاء من غلظة لم تفته ، بل احس بها ،
وإني لأكاد أجزم أن الرؤى عنده قد تبلورت للتخلص من الغلظة إلا ان زمانها للعلن لم يأت بعد ،


أم أنك ترى اننا قد تطرفنا في الغوص ، وأفضل لنا التقيد بمنظور صاحب الرسالة ، ولا نخرج عن نصوص الأسفار ؟


تقبل محبتنا ... ،
ونواصل


Post: #542
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 08-14-2007, 09:51 AM
Parent: #540

سلام يا عزيزنا الشقليني وضيوفك الكرام.. هذه صورة للأستاذ عبد اللطيف وهو يحمل جنازير القيود بيده اليمنى ويدخل إلى حيث جلس علماء مسرحية الإستتابة وإسمها الحقيقي هي جلسة القهر والتشفي.. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب بنقلبون".. خلف الأستاذ عبد اللطيف يظهر مدير السجن محمد سعيد الذي أجرت معه الصحافة لقاء نشر في هذا المنبر قبل عدة شهور.. بعض أسماء الجالسين: حسن محمد حامد، عبد الرحمن دفع الله المسلمي، صديق عمر الإمام، محمد آدم عيسى [وزير الشئون الجنائية بديوان النائب العام] ، المكاشفي طه الكباشي، أحمد محجوب حاج نور، عبد الجبار المبارك..
بمناسبة يو تيوب أرجو أن أتمكن قريبا من رفع كامل المحكمة المهزلة إلى موقع يوتيوب لكي تكون ملكا للدارسين والباحثين والمؤرخين وصانعي الأفلام..



Post: #544
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-14-2007, 11:50 AM
Parent: #542




الأستاذ محمود يصافح الجمهوريين والجمهوريات بعد خروجه من المعتقل في ديسمبر 1984

ثم من بعد كان له موعداً للحبس ثم الإستشهاد وموعداً مع سجل التاريخ
تمجد الرجل وتقزَّم الذين أجرموا في حقه وحق الشعب الذي كان ينتظر
صاحب رؤية في الخاطر


العزيز الدكتور ياسر الشريف.
تحية لك ،
نعم كما ذكرت ، كان يوماً كالحاً ،
وأمسية أشد سواداً ، أمتها النسور التي تنتظر
الموت لتُخلِد الدم في سجلها القضائي .
كانت ثُلة البوم تنعق ، تُريد مجداً
في سجلها ، والمكاشفي يتلذذ بأنه يُسجل
( سبقاً في القضاء ) ، كان يحسبه قضاء ،
وكان يحسب نفسه قاضياً !!!!
يجلس و يتوسط مجلس قُضاة الطوارئ ، ثم يرفع
الحُكم لمحكمة الإستئناف التي يتصدرها !!!
يحكم بالسجن في الأولى و عندما يستأنِف المظلوم
يحيل الإستئناف الحكم لقطع اليد !!!

مرة حكم المكاشفي في خيانة الأمانة بقطع اليد
ليُسجل في ( جينيس ) طوارئ الخيبة أنه ابتدر سابقةقضائية !!!!

Post: #545
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 08-14-2007, 02:44 PM
Parent: #544

سلامات يا شقليني

هذه صور تجمع المكاشفي مع المهلاوي عندما أخذ الجمهوريون الأربعة من السجن مرة أخرى إلى المحكمة ليتم الإفراج عنهم.. يظهر المهلاوي مرتديا قلنسوة عجيبة..







Post: #546
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 08-14-2007, 03:35 PM
Parent: #1


أرجو من المتابعين لهذا البوست قراءة هذه المداخلة في بوست المناظرة بين الشيخ السلفي والشيخ المتصوف هنا:

وما الصبُّ إلا منشد قد ترنَّما ....

الجدير بالذكر أن الشيخ محمد نجيب المطيعي الذي جاء إلى السودان في عام 1983 كان قد بدأ هجوما على المسيحيين وعلى المتصوفة، وبصورة خاصة على الشيخ محي الدين ابن عربي.. وقد كان كتاب الجمهوريين "الهوس الديني يثير الفتنية ليصل إلى السلطة" بسبيل مقاومة هذه الهجمة السلفية التكفيرية.. وقد انتهت المسألة طبعا إلى اعتقال الأستاذ محمود والجمهوريين كما هو معروف، ليتم الإفراج عنهم بعد أكثر من عام ونصف بحسب خطة تآمرية لتصفيتهم.. وقد كانت المؤامرة مُدارة وموجَّهة من السعودية.. أرجو متابعة المناظرة التي أرسلها واصل وتسهيلا للجميع سأقوم بوضع روابط الشرائح الـ 10

هذه المناظرة التلفزيونية في 10 شرائح في يوتيوب بين الشيخ الوهابي عبد الرحمن عبد الخالق والشيخ يوسف الرفاعي.. واضح أنها مرفوعة بواسطة وهابية.. الغريبة أن ممثل الصوفية يتبرأ من الشيخ ابن عربي!!! تنبيه: الفيديو يحتوي على عبارات غير لائقة وغاية في السوء.. ولكنها برغم هذا الظلام مفيدة جدا لمن يريد معرفة مدى سوء التكفيريين ويتخذ من بعض المواد نماذج في الكتابة عن سوئهم..
شريحة 1/
http://www.youtube.com/v/NJD-wVeqMpo

شريحة 2/
http://www.youtube.com/v/zoPWhvR9RV4

الشريحة 3/
http://www.youtube.com/v/8otB4E5g9lw

الشريحة 4/
http://www.youtube.com/v/R5RY1s_jblg

الشريحة 5/
http://www.youtube.com/v/Muw7uL18BZY

الشريحة 6/
http://www.youtube.com/v/uTYdOGMBpGw

الشريحة 7/
http://www.youtube.com/v/6g0X8ddETa0

الشريحة 8/
http://www.youtube.com/v/3_I8UXL9JJQ

الشريحة 9/
http://www.youtube.com/v/c1ZmMjO7hNU

الشريحة 10/
http://www.youtube.com/v/F_uChz-3H8I

.....
وشكرا

Post: #547
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-15-2007, 02:35 AM
Parent: #1

مرحبا بعودة الشقليني
الاعزاء والعزيزات،والمتابعين و المتابعات:
الطريقة التراجيدية التي اعدم بها الاستاذ ،وما يرتبط بذلك من حوادث،
يمكن ان تصلح لبوست منفصل،
لأن فيها تساؤلات كثيرة عن تحالفات الجمهوريين،
وعن الجمهوريين انفسهم،
وعمن قبل بالاستتابة.
تلك اسئلة كثيرة وموجعة ،وتحتاج الى بوست منفصل.
دعونا نركز على خطاب الاستاذ.
وأبدا بما طرحته من حديث حول عدم قدرة الاجيال التي تربت على يد الاستاذ ،عدم قدرتهم على تجديد الفكرة،
و من المرجح جدا ان يقولوا بانها لا تحتاج الى تجديد وانما الى تطبيق.
محبتي
المشاء

Post: #548
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-15-2007, 03:49 AM
Parent: #547

العزيز الأستاذ والشاعر : أسامة الخواض
تحية طيبة وأتفق معك حول أن : ( الجمهوريون والسياسة )
هو أمر يحتاج لبوست كامل .

ومن أمثلته :
موقف الحركة الجمهورية من مايو قبيل تطبيق الشريعة .

نورد هنا قطفاً من لقاء مع الأستاذ في يناير 1985 م
وقد كنت قد تحادثت حول هذا الموضوع من قبل مع الدكتور ياسر الشريف ،
وهولم يطلع عما تم من تأييد لمايو كأخف الضررين في زمن من الأزمان :




محمود: كنا أمام خيارين مايو أو الطائفية والهوس الديني .. فارتضينا أخف الضررين

أجـــرى الحوار: عمر السيد ، هاشم بلول ، عمر إبراهيم - 4 يناير 1985



س : الأستاذ محمود من الذين عاصروا فترة النضال الوطني و استقلال البلاد. فأين نقف نحن اليوم من تحقيق مفهوم الإستقلال الحقيقي ؟.

ج : بسم الله الرحمن الرحيم .. يسرني في هذا اليوم أن ألتقي بأبنائي من طلبة جامعة الخرطوم، أعضاء هيئة تحرير مجلة الجامعة. و سأواجه أسئلتهم بالقدر الكافي من التفصيل.
أما بخصوص السؤال فنحن اليوم في أبعد موقع عن تحقيق الإستقلال في جميع عصورنا. و الناس لو كانوا يتعمقوا في الأمور بيلاحظو مافي استقلال حقيقي و ما بتحقق إلا إذا كان قائم علي مذهبية و فكر. و حركتنا الوطنية تهمل المذهبية و تهتم بالإغلبية الميكانيكية و لذلك من البداية ما حققنا الإستقلال ، وقد نجلوا الإستعمار اليوم أو غدا ولا نكون أحرارا أو مستقلين، و إنما متخبطين في فوضى لا قرار لها و الفوضى التي نشاهدها اليوم علي عهد مايو في أخريات أيامه. و نحن إن نلاحظ أن عهد مايو عندما قام في 1969م جاء في ساعة حرج ، في ساعة الصفر ممكن تقول والبلاد كانت ستتورط علي يد الطائفية في ما يسمى ظلما وجورا و بهتانا بالدستور الإسلامي ، و أنقذت مايو البلد من الهوس الديني و الطائفية من تقنينها لوجودها و للشريعة الإسلامية و الدستور الإسلامي ولا هي دستور إسلامي و لا تشريع إسلامي و الدستور الإسلامي بصورة خاصة تزييف للإسلام. وسلطة مايو في أول عهدها أوقفت هذا العمل ، و لكن في آخر أيامها تورطت فيه هي بنفسها بسنها قوانين سبتمبر 1983م تحن كنا مؤيدين لمايو بنصحها لأنو نحن بنعرف إنو ما عندها بديل غير الهوس الديني و الطائفية و نحن كنا مناهضين للطائفية و الهوس الديني. و معروف إنو الطائفية حاربتنا سياسيا بقيام محكمة الردة لكن واجهناها بالصورة الكافية ، قبل أن تنجح في مؤامراتها جاءت مايو و كانت مايو ثورة علمانية و لن تستطيع أن تكون ثورة دينية و لكن علي علمانيتها و دستورها العلماني في الوقت الحاضر كانت أحسن مرحلة من مراحل الحكم الوطني و لكن تورطت في الهوس الديني و انحرفت و أتت بقوانين سبتمبر 1983م لا هي إسلامية و لا هي شرعية و لا علمانية و كانت الفوضى و اختلطت الأمور و انحدرت البلد وهنا برزنا نحن لمناهضتها و خاصة معارضة قوانين سبتمبر 83.
س: قلت أن الإستقلال يبني على مذهبية وفكر ؟ أو بمعني آخر تأييدكم لهذا النظام علي أي أسس كان؟


ج : نحن ما عندنا فرص لنجد المستوى اللي نحن عايزنو للدعوى للفكرة و كان علينا إختيار أخف الضررين: الطائفيــة أو مــايو.



وسنعودن تيسر لموضوع منفصل آخر حول الفكر الجمهوري والسياسة ،


ونواصل

Post: #549
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-15-2007, 04:20 AM
Parent: #1

شكرا الشقليني على كلامك
ودعونا نحافظ على اتساق البوست
محبتي
المشاء

Post: #550
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-15-2007, 07:28 PM
Parent: #1




بين سيجموند فريد و محمود (1)



الأحباء جميعاً
تحية طيبة ،

ونخص الكاتب والشاعر : أسامة الخواض
والكاتب : الدكتور ياسر الشريف

لقد سألنا الأستاذ والصديق : أسامة الخواض ، وقد قدم هو والعزيز ياسر الكثير حول الرؤى في مجال علوم النفس بين سيجموند فرويد ومحمود محمد طه .
وإني أرى أن هنالك فرقاً بين فيلسوف يبحث في التأسيس لرؤاه من تُراث علوم النفس البشرية وبين عالم نفس وطبيب أسهم هو في صناعة وتطور علوم النفس البشرية .
الأول يأخذ موجهات علوم النفس ، والآخر يقوم بصناعتها ، وتلك مساحة يتعين علينا أخذها في الاعتبار حتى نُقارن بين فيلسوف يُجمع المفاتيح العامة ، وبين عالم نفس تبحَّر في تقنية علم النفس .
وخير مفتاح أن نبدأ بعرض موجز عن بعض مفاهيم الدكتور سيجموند فرويد ، بين الرؤى الفلسفية للأستاذ محمود محمد طه .



(1) مختصر عن بعض المفاهيم لدى فرويد :


" الهفوات في الأفعال ". فرويد.

الأطروحة: انّ الهفوات في الأفعال تبرهن على وجود آليّات لا شعوريّة تتحكّم في سلوكات الإنسان و تصرّفاته.

يؤكّد فرويد على أنّ الهفوات في الأفعال انّما يقصد بها:

- عثرة لسان
- زلّة قلم
- الخطأ في القراءة
- التّعثّر أثناء المشي
- إضاعة أمتعة

هذه الهفوات ليست ميزة المرضى النّفسانيّين فقط، بل حتّى الأسوياء يقعون في هذه الهفوات و هذه الأخطاء.

 يعتقد الكثير من النّاس أنّ ليس لهذه الأفعال من قيمة، إذ هي تعبير في أكثر الأحوال عن الغفلة و قلّة الانتباه و الصّدفة.

 غير أنّ فرويد يؤكّد أنّ هذه الأفعال، التّي تبدو عديمة الأهمّية في الظّاهر، انّما هي تشكّل بالنّسبة إليه أعراضا و أمارات و علامات تعكس البنية اللاّشعوريّة للإنسان. فعلى المحلّل النّفساني، إذن، إذا ما أراد فهم شخصيّة فرد معيّن، أن يقوم بتأويل هذه الهفوات، أي البحث عن الدّلالات اللاّشعوريّة و عن الصّراعات النّفسيّة الباطنيّة التّي كانت سببا لهذه الهفوات.


" مهمّة الأنا ". فرويد.


الأطروحة: انّ مهمّة الأنا، تكمن في التّوفيق بين مطالب الواقع و الأنا الأعلى و الهو.

الإشكالية: ما منزلة الأنا الحقيقيّة في الحياة النّفسيّة ؟ و فيم تتمثّل مهمّته ؟

بنية النّص المنطقيّة:

1- تحديد الأطروحة.
2- الإشارة إلى علاقة التّمزّق، الذّي يعيشها الأنا، بين مطلب الواقع و مطلب الهو ( اللّذّة ).
3- إبراز الرّقابة الأخلاقيّة التّي يسلّطها الأنا الأعلى على الأنا.

انّ كلّ إنسان ينتمي، في نفس الوقت و بصفة مزدوجة، إلى:

- حياة بيولوجيّة عضويّة.
- حياة اجتماعيّة.

• ¨ انّ الانتماء إلى الحياة العضويّة بواسطة الجسد، يفترض حضور تحديدات طبيعيّة خاصّة بالكائنات الحيّة. هذه التّحديدات هي: الشّهوات، الرّغبات، الميولات و النّوازع ك: الجوع، الرّغبة الجنسيّة و العدوانيّة.

• ¨ انّ الانتماء إلى الحياة الاجتماعيّة و العيش مع الآخرين، يقتضي من جهته خضوع الإنسان إلى جملة من القوانين و إلى أوامر اجتماعيّة، أخلاقيّة و قانونيّة تضبط الحياة الاجتماعيّة.

ليس هناك انسجام و توافق بين ما يطالب به الجسد و بين ما تقتضيه القوانين و الضّوابط الأخلاقيّة.

انّ الأنا، و قد أصبح ميدانا لصراع بين قوى متضادّة و متناقضة، يحاول أن يخلق نوعا من التّوازن الظّرفي و النّسبي بين هذه المطالب المتضادّة.


 التّصوّر الفرويدي للجهاز النّفسي:


• ¨ الأنا: هو العنصر المركزي في بنية الشّخصيّة. فهو الذّي يخلق نوعا من التّوازن بين التّركيبة العضويّة/ البيولوجيّة للكائن الإنساني و ما تحتّمه من ضرورات و مطالب، و بين الواقع الخارجي و ما يفرضه من موانع، مراعيا في ذلك سلطة أخلاقيّة مستبطنة في تركيبة الشّخصيّة ذاتها.

يبدأ تشكّل الأنا، بالنّسبة إلى فرويد، منذ لحظة الولادة، و ذلك عبر المواجهة التّي يقيمها مع العالم الخارجي للبشر و للأشياء..

يتعلّم الأنا، منذ البداية، كيف يعدّل سلوكه بواسطة التّحكّم في دوافعه الممنوعة اجتماعيّا.

يلعب الأنا دور الوسيط بين الدّوافع اللاّشعوريّة و الضّوابط الاجتماعيّة التّي تحوّلت إلى مكتسبات شخصيّة.

• ¨ الهو: انّ الشّكل البدئي و الأصلي للنّشاط النّفسي. مضامينه لا شعوريّة و تتألّف من دوافع غريزيّة ( عدوانيّة أو جنسيّة ) و رغبات مكبوتة.

انّ رغبات الهو خاضعة فقط لمبدأ اللّذّة أو لمبدأ الألم. تجهل تماما مبدأ الواقع و العلاقات المنطقيّة و السّببيّة.

( مبدأ الواقع: هو المقابل لمبدأ اللّذّة. يقوم بتعديل مبدأ اللّذّة، و ذلك بتكييفه وفقا لمطالب و لضوابط العالم الخارجي. فحين يتشكّل " الأنا-الواقع "، تكتشف الذّات واقعيّة العالم الخارجي و حدودها في نفس الوقت.)

• ¨ الأنا الأعلى: انّه وريث عقدة أوديب. يتشكّل عن طريق استبطان المطالب و الموانع الأبويّة. دوره شبيه بدور المحاكم أو المراقب بالنّسبة إلى الأنا. انّه سبب الشّعور الأليم بالدّونيّة و الذّنب ( تأنيب الضّمير ).

يتمثّل دور الأنا، بالنّسبة إلى فرويد، في التّوفيق و في تحقيق الانسجام بين هذه المكوّنات المتناقضة و المتعارضة للشّخصيّة ( الواقع، الهو، الأنا الأعلى ).

هكذا يمكن القول أنّ فرويد قدّم صورة جديدة للإنسان. فحين يعتقد ديكارت أنّ دلالة الذّات الإنسانية يمكن اختزالها و حصرها في العمليّات العقليّة للتّفكير الواعي بذاته، فانّ فرويد يؤكّد أنّ هذه العمليّات العقليّة الواعية، لا تشكّل الاّ السّطح المرئي لشخصيّة الإنسان. و أنّ الإنسان هو أوّلا و قبل كلّ شيء، مجموعة من التّناقضات و من الصّراعات النّفسيّة بين مطالب الغرائز و الرّغبات في الإشباع و مطالب القيم الأخلاقيّة و الاجتماعيّة للأنا الأعلى.




(2) نص الأستاذ محمود محمد طه :
رسالة الصلاة

محمود محمد طه
أول طبعة يناير 1966
عدد الصفحات 119





العقل الواعي، وكيف نشأ؟

نشأ العقل الواعي على مرحلتين: مرحلة قانون الغابة، ومرحلة قانون العدل..
فأما مرحلة قانون الغابة فقد تحدثنا عن طرف منها في حديثنا عن الخوف، وسنكتفي بما قد جرى ذكره.. لا سيما وأن هذه المقدمة قد طالت، وهي، على كل حال، ليست مكانا للاستقصاء والتفصيل..
وأما مرحلة قانون العدل فإنها تؤرخ بدء العقل البشري، وبدء المجتمع البشري.. وبدء الدين.. وبدء العرف الذي هو أصل القوانين جميعها..
لقد قلنا أن الله تبارك وتعالى قد جعل سلالة الانسان وسطا، فهو لم يجعله قويا يستغني عن الحيلة بقوة عضلاته في حل مشاكله، وهو لم يجعله ضعيفا، رخوا، لا ينهض لأي من أعدائه وقلنا أنه، تبارك وتعالى، بهذه الحكمة، الحكيمة، قد هداه طريق ((الفكر والعمل)) معا.. فهو يفكر، وينفذ، وبذلك أصبح طريق تطوره يختلف، في ظاهره، عن طريق تطور الحيوانات، والحشرات الأخرى.. وهو، في مراحله الباكرة، قد اهتدى إلى الدين، وإلى المجتمع، وهذان أمران ليس هناك ما هو أعظم منهما نفعا.. وقد اتفق لنا أن تحدثنا عن نشأة المجتمع، في كتابنا: ((الرسالة الثانية من الإسلام)) فليراجعه من شاء من القراء الكرام..
وفي مرحلة قانون الغابة كان الخوف مسيطرا على المسرح، سيطرة تامة.. فليس هناك غير الصيد والصياد.. والصياد نفسه هو صيد لصياد أكبر منه.. وقد رسخت هذه الفترة الخوف في نفس الانسان، واضطرته ليبحث عن الأمان في الكثرة من فصيلته، والتي من فصيلة الحيوانات المستضعفة التي تكون، في الغالب الأعم، فريسة لذوات المخالب الحمر، والأنياب الزرق.. وكذلك نشأ المجتمع، وألف الحيوان الأليف.. وقد اقتضت معيشته في الجماعة أن يتنازل، طائعا، أو مكرها، عن قسط كبير من حريته.. ذلك بأنك لا تستطيع أن تعيش في أية جماعة بشرية بغير أن تراعي حدودا معينة، تقيد تصرفاتك بفعل ما لا ينضر به الآخرون.. ومن هذه الحدود المعينة نشأ القانون فيما بعد.. وأغلب الظن أن أول هذه الحدود انصب على تنظيم الغريزة الجنسية.. ذلك بأن الغيرة الجنسية أمر مشترك بين الحيوان والإنسان.. وقل أن تجد حيوانا، أو طائرا، لا يغار على أنثاه.. وقد دخلت هذه الصفة الحميدة مع الانسان عهد كرامته الجديد..
ونعتقد أن ثاني هذه الحدود انصب على رعاية الملكية الخاصة، وحمايتها..
وبفضل حماية الزوجة، وحماية الملكية الخاصة، أصبح المجتمع البشري ممكنا..
ولم يكن الأمر بهذا اليسر.. فقد كان من أصعب الأشياء على الانسان البدائي أن يقيد نفسه، ويسيطر على نزواته.. وكان من أصعب الأشياء، أيضا، على المجتمع أن ينفذ العقوبة على المخالف لقواعد السلوك، وللعرف الذي درجت الأجيال على رعايته..
ونشأت فكرة الآلهة، وفكرة الدين، في مطلع هذه المرحلة.. ومع فكرة الدين نشأت العقيدة في الحياة الأخرى، بصورة من الصور، وما يجري فيها من خوف، أو أمن، ينبني على فعل الخير - رعاية العرف- أو فعل الشر - مخالفة العرف- في هذه الحياة..
ووصفت الآلهة بكل الصفات التي تجعلها رهيبة، وتجعلها قادرة، وتجعلها مطلعة على أفعال الانسان.. وقسمت إلى من يصادق، ويعين، ويرعى من يفعل الخير، فيطعمه من جوع، ويؤمنه من الخوف.. وإلى من يستحوذ على من يفعل الشر، فيخذله، ويسلمه إلى متاهات الظلام المخوف..
وكانت عقوبات القتل الذريع توقع على أقل مخالفة من مخالفات العرف المرعي، ولم يكن الفرد مهماً في بدء المجتمع، وإنما كانت الأهمية، كلها، للمجتمع.. وذلك، في وقته، قد كان أمرا حكيما، غاية الحكمة، لأمرين، أولهما: أن المجتمع، يومئذ، قد كان ناشئا، وحديثا، فهو قد كان في أشد الحاجة إلى تمام الرعاية لقواعد نشأته.. وثانيهما: أن الفرد البشري قد كان حيواني النزعة، غليظا كثيفا، يحتاج العنف العنيف، لتقوى سيطرته على نزواته، وبدواته..
فكان العرف الأول، بغير تدبير واع من آباء الأسر - وهم قد كانوا نواة الحكومة الأولى- حكيما، موزوناً، يرعى مصلحة الفرد، ويرعى مصلحة الجماعة، في آن معا.. وفي هذا تظهر حكمة الحكيم الذي سير الحياة في العهود السحيقة، من بؤرة هوانها، وذلها، إلى منازل شرفها، وعزها..
وقد كان الفرد البشري، حتى في هذه المرحلة، يعيش وسط الخوف.. بيد أن أمرا هاما قد طرأ على حياته، وهو أنه قد أصبح يستطيع أن يعيش في أمن، بالقدر الذي يتفق مع تلك الفترة الرهيبة، إذا ما أخلص للجماعة، واجتنب مخالفة العرف الذي ترعاه.. ليس فقط يعيش في أمن.. بل إنه لينعم بصداقة الآلهة، وصداقة الأرواح الخيرة، التي ترف بأجنحتها عليه، وصداقة الخيرين من أبناء، وبنات، الأسر التي تكون الجماعة..
وهكذا، بدافع من الرهبة والرغبة، أخذ يبرز الذكاء الذي يميز بين ما يليق، وما لا يليق، وأخذت تبرز الإرادة التي تروض الشهوة الفطرية، لتسوقها في طريق الواجب.. وذلك برفض اللذة العاجلة، إيثاراً للذة الآجلة، التي قد تكون في كنف الآلهة، في هذه الحياة، أو في الحياة المقبلة بعد الموت، أو قد تكون في رضا الجماعة، وتقديرها، وثنائها المستطاب..
فمن الاحتكاك بين اللذة الحاضرة، والواجب المرعي برز الذكاء للتمييز، وبرزت الإرادة للتنفيذ.. وهذه هي بداية العقل البشري، لأن به دخلت القيمة في حياة الانسان، ولأن به تجدد اعتبار المستقبل، وبدأ جولان الخيال في شعابه، وانسراحه في غيوبه.. وبهذا المستوى من العقل البشري بدأ الدين الخاص، وأخذ يستصفى من الدين العام، كما تستصفي حرارة الشمس ماء الأنهار العذب من مياه البحر الملح.
لقد قلنا، آنفا، أن الروح الإلهي المنفوخ في البنية البشرية هو العقل.. وقلنا أن الله نفخه فيه بوسيلة الخوف الذي نتج عن إغراء العداوة بين الأحياء فيما بينهم، وبين الأحياء والعناصر التي تزخر بها البيئة الطبيعية التي أوجد الله فيها الحياة.. ونقول الآن أن مرحلة بروز العقل البشري، في البشر، تؤرخ تحولا جوهريا في طريقة نفخ الروح الإلهي، وذلك أن الطريق قد انفتح أمام الانسان، بفضل الله، ثم بفضل العلم، ليكون بمفازة من عذاب الخوف إن هو اتبع الواجب الذي ترسمه الحكمة.. وذلك بمراغمة هوى نفسه.. وهو لم يترك في حيرة من أمر الواجب فقد تولى الله هدايته، فأرسل رسل الأنوار - الملائكة- لتمد بدائه العقول، التي نشأت في الظلام، بأسباب القدرة على صحة الإدراك.. وهو تبارك وتعالى يقول: ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)) والرسل الأولى رسل العناصر التي أبرزت، بالخوف، الجسد من القلب.. ثم أبرزت، بالخوف أيضا، الحواس من الجسد.. ثم أبرزت بالخوف أيضا، العقل من الحواس.. والرسل الثانية رسل العقول إلى كل فرد بشري.. والرسل الثالثة رسل عقول الحكماء، والأذكياء، والمجربين، إلى عقول أهل الغرارة والسذاجة.. والرسل الرابعة رسل الملائكة الأطهار، تتصل بالبشر المؤهلين، لتسوقهم، ولتسوق بهم، إلى طريق الحكمة، والصلاح، الذي به يكون العتق من الخوف، ومن الضلال الذي يوجب الخوف.. قال تعالى: ((الذين آمنوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون)) والرسل الخامسة، إذن، رسل البشر المكرمين، إلى بقية البشر المكلفين.. يأتونهم ببينات السماء، عن طرائق الوحي الأمين.. والرسل السادسة رسل العقول المرتاضة بأدب الحق، وبأدب الحقيقة، إلى القلوب التي وسعت كل شئن لأنها بيت المطلق.. والرسل السابعة رسل هذه القلوب.. إلى هذه القلوب منها وإليها، بغير واسطة فما في الكون إلا إياها..
ومرحلة قانون العدل لا تزال سارية، وهي لا تزال تدال، بمحض الفضل، على مرحلة قانون الغابة.. فهما، إنما تقتسمان النفوذ، اليوم، وستكون الدولة لقانون العدل، يوم ينتصر الانسان على الخوف، ويسلم من القسمة، ويحقق وحدة ذاته..
لقد قلنا أن الانسان بفعل الخوف، وبفعل الرجاء، قد بدأ يسيطر على نزواته، وبدواته، وأخذ يروض شهواته بعقله، حتى لا يأذن بالحركة للشهوة التي توقعه في غضب الآلهة، وغضب الجماعة، وتوجب عقوبتهما، عاجلا أو آجلا..
ومن هذه السيطرة نشأ الكبت، وانقسمت الشخصية.. واليوم، فإن من الكبت الذي نعانيه ما هو نصيب أحدنا من التراث البشري في التاريخ الطويل، ومنه ما هو كسبه الخاص، أثناء ممارسته حياته في بيئته الطبيعية والاجتماعية، في عمره هذا القصير..
والذي أوجب الكبت، في الماضي، ولا يزال يوجبه، هو تصور الجماعة، وتصور الفرد، للواجب عرفا، وشرعا.. وفي يوم الناس هذا وبعد أن قطعت البشرية كل هذا العمر الطويل، فإن التصور لا يزال غبيا، وجاهلا، وبعيدا عن الحكمة.. فما ظنك به يوم بدأ الكبت في صدر أول فرد بشري؟؟
والكبت مرحلة هامة، من مرحلتي سيرنا نحو الكمال، وهو، من ثم، ليس شرا، وإنما يجيء الشر من إقامتنا عليه، وقعودنا عن السعي إلى التخلص منه.. ولما كان الكبت نتيجة للخوف، فإن التخلص منه لا يتم إلا بالتخلص من الخوف، وبالتخلص من الخوف ندخل المرحلة الثانية، والأخيرة، من مرحلتي سيرنا إلى الكمال..
ولا يكون التخلص من الخوف إلا بالعلم - إلا بمعرفة الأشياء على ما هي عليه في الحقيقة المستورة عنا بأستار الغيب - فإنا لو اطلعنا على الغيب لهزمنا الخوف، قال تعالى عن جن سليمان: ((فلما قضينا عليه الموت، ما دلهم على موته إلا دابة الأرض، تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)).. وقال تعالى عن لسان حبيبه: ((قل لا أملك لنفسي نفعا، ولا ضرا، إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، وما مسني السوء إن أنا إلا نذير، وبشير، لقوم يؤمنون)) والغيب هو الله.. والله تبارك وتعالى، يعني هذا حين قال: ((قل لا يعلم، من في السموات، والأرض، الغيب، إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون)) وجاءت عبارة: ((وما يشعرون)) هنا لتشير إلى أن حياتنا ناقصة، لنقص علمنا، ذلك النقص الذي سلط علينا الخوف. وقد حجر الخوف بعضنا ليكون درعا لباقينا، وقل بذلك شعورنا.. ونحن ننتظر أن يبعث، بالعلم، البعض الذي أماته الخوف منا.. وذلك أمر محقق، ولكننا نجهل ميقاته.. وجاء باسم الاستفهام ((أيان)) ليشير إلى الزمان الذي فيه البعث.. ((يبعثون))، وهذه عبارة تشير إلى أننا أموات بسبب الجهل، وننتظر البعث بالعلم.. ولقد قلنا أن العلم الذي به الحياة إنما هو إدراك الأشياء كما هي في الحقيقة.. والحقيقة هي الله أيضا.. فالحقيقة، والغيب هما العلم المطلق وهو فينا، في حالة كمون، ولا يفتر منا إلا في المكان، والزمان.. والذي نحققه من المطلق، في الزمان والمكان، هو العلم النسبي - هو الحق- والحق هو وجه الأشياء الذي يلي الحقيقة.. ونحن لا نستطيع أن نحقق من المطلق شيئا إلا إذا تحلينا بما يسمى ((أدب الوقت)).. وأدب الوقت هو الحضور في اللحظة الحاضرة، من لحظات الزمان.. ذلك بأن اللحظة الحاضرة هي أصل الزمان، وهي وسط بين طرفين، كليهما وهم، وكليهما، في حكم الحقيقة، باطل.. وهما لا يجدان تبريرهما إلا في الحكمة التي تقوم وراء خلق الأزواج، قال تعالى: (( ففروا إلى الله، إني لكمومن كل شئ خلقنا زوجين، لعلكم تذكرون منه نذير مبين)).. هذه هي الحكمة في خلق ((الزوجين)).. ((لعلكم تذكرون)) ومعناها لعلكم تتعلمون.. لأن عقولنا لا تدرك الأشياء إلا بأضدادها.. وهذا ما عنيناه بقولنا، آنفا، أن العقل هو قوة الإدراك الشفعي..
ثم قال ((ففروا إلى الله)).. فروا من الضدين، كليهما، إلى من لا ضد له..
ولنعد للزمان، فقد قلنا أن اللحظة الحاضرة هي أصله، وقلنا أن هذه اللحظة الحاضرة هي وسط بين طرفين كليهما وهم.. ونقول هنا أن هذين الطرفين هما الماضي والمستقبل.. فليس الماضي زمنا، ولا المستقبل زمنا، باعتبار الحقيقة، وإنما هما زمانان باعتبار الحكمة. والشئ الذي هو زمن، باعتبار الحقيقة، إنما هو اللحظة الحاضرة، وهذه اللحظة الحاضرة تدق، حتى لتكاد أن تخرج عن الزمان، فإذا خرجت عن الزمن، التقت بالإطلاق، فكانت إياه.. وهذا حديث يحتاج إلى شرح لا نجد له الوقت، ولا الحيز، هنا، وقد نعود إليه مرة أخرى..
ويهمنا هنا عبارة ((أدب الوقت)) التي أشرنا إليها آنفا.. فإن أدب الوقت هو الحضور مع اللحظة الحاضرة، لأن فيها ذات الله.. فما هي في الماضي، ولا هي في المستقبل.. واللحظة الحاضرة تمثل القلب، والماضي والمستقبل يمثلان الدماغ.. كل منهما يمثل نصفا.. كل منهما يمثل جناحا من جناحي الطائر - طائر الزمان- والفضل في بروز الجسد أولا، ثم العقل ثانيا، من القلب، يرجع إلى الله، ثم إلى المستقبل والماضي.. ذلك بأن الخوف أزعجنا عن العيش في اللحظة الحاضرة، وشدنا إلى المستقبل، وهو بنفس القدر، ولنفس السبب، شدنا إلى الماضي، فأصبحت حياتنا ((أرجوحة)) بين الماضي والمستقبل، فنحن لا ننتظر في اللحظة الحاضرة، إلا ريثما نتحول منها.. ونحن، في أثناء مرورنا باللحظة الحاضرة، إنما نتلقى الحياة التي نطيقها، ولولا أنا مشدودون إلى الماضي والمستقبل، فلا نلبث، في اللحظة الحاضرة، إلا ريثما نتحول، لاحترقت حياتنا، هذه الناقصة، ذلك بأن اللحظة الحاضرة، حين تتناهى، فيها الحياة المطلقة، ونحن بعد، لم يستعد المكان فينا ليتلقى من المطلق إلا بالقدر القليل جداً، وهو قدر يزيد، بمحض الفضل، كل حين..
والماضي، والمستقبل حجابان يحولان بيننا وبين اللحظة الحاضرة، فلا نعيش فيها إلا بالقدر الذي تطيقه حياتنا الناقصة، والتي تسير إلى الكمال، كل حين، ولكن ((بقدر معلوم)) وأصحابنا الصوفية يقولون ((الحجاب رحمة)).. وهم إنما يعنونه في هذا المقام بالذات.. فإن التعرض لتجلي الحقيقة الكبرى على أوان ناقصة يحصل منه ((السحق)) وهو ذهاب العقل، وإذا ذهب العقل فقد انقطعت الزيادة..
وإلى هذين الحجابين، في المكان الأول، الإشارة بقوله تعالى: ((سواء منكم من أسر القول، ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل، له معقبات، من بين يديه، ومن خلفه، يحفظونه من أمر الله.. إن اللهوسارب بالنهار لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال)) عنى بقوله ((من أسر القول)) المادة غير العضوية، وعنى بقوله ((ومن جهر به)) المادة العضوية، وهي تشمل جميع درجات الأحياء. قوله ((له معقبات)) يعني حجبا.. ((يحفظونه من أمر الله)) يعني من التجلي الوتري، فلا ينمحق تحت هيبته.. قوله تعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) يعني، فيما يعني، لا يتجلى وتريا على مكان قبل استعداد ذلك المكان لتلقي الأمر الجلل.. وهو، تقدست أسماؤه، فيما هو دون التجلي الوتري، لم ينزل كلامه على حبيبه إلا بعد أن أعد المكان بطول التحنث.. ثم قال، زيادة في ذلك: (( قميا أيها المزمل  أو زد عليه.. ورتل القرآن ترتيلا  نصفه، أو انقص منه قليلا الليل إلا قليلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا))..
وعندما طلب موسى رفع هذه الحجب قبل أن يستعد المكان منه للتجلي الوتري لم يجب، بمحض الرحمة، إلى طلبه.. قال تعالى في ذلك: ((ولما جاء موسى لميقاتنا، وكلمه ربه، قال رب!! أرني، أنظر إليك!! قال: لن تراني، ولكن انظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا، وخر موسى صعقا، فلما أفاق قال: سبحانك!! تبت قال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي، وبكلامي،إليك، وأنا أول المؤمنين فخذ ما آتيتك، وكن من الشاكرين)).. وهذا ليس نهيا لموسى عن طلب الزيادة، ولكن توجيه له ليطلب الزيادة بالعمل بالشريعة، ليستعد المكان منه للتلقي، فيجيء الفيض من الله.. لأن استعداد المكان إنما هو سؤال بلسان الحال، والدعاء بلسان الحال لا تتأخر الإجابة عليه، ولا الاستجابة له، والله، تبارك وتعالى، يقول: ((أدعوني استجب لكم)).
وقد فدى الله موسى بالجبل، وجعله له عبرة، ومن خلال العبرة تم التجلي لموسى ولكنه لم يكن تجليا وتريا لأن الجبل قد جعل واسطة فيه..

العقل الواعي والعقل الباطن

قلنا أن العقل هو الروح الإلهي المنفوخ في البنية البشرية، وقلنا أن النفخ يعني الاستيلاء الإرادي القاهر على العناصر، والأحياء.. وهو، في مرحلة الأحياء، إنما كان بإغراء العداوة بين الأحياء فيما بينهم، وبينهم وبين جميع العناصر التي تزخر بها البيئة الطبيعية التي يعيشون فيها.. وهذا التعميم يخضع لبعض الاستثناء.. فإن هناك بعض القوى، وبعض العناصر، أمكن وضعها في جانب الصداقة، ومع ذلك، فإن جانبها لم يكن مأمونا، كل الأمان، والخوف من تصرفاتها، وبدواتها، لم يزل موجودا، مما جعل الخوف هو العنصر الغالب في مشاعر الأحياء.. وفي الحق، إن الخوف ( القهر) هو الذي استل المادة العضوية من المادة غير العضوية، فبرزت بذلك الحياة.. ثم إن الخوف هو السوط الذي حشد الأحياء في زحمة سباق التطور.. فالحياة مولودة في مهد الخوف.. ومكتنفة بالخوف في جميع مدارجها.. ولولا بوارق الأمان، الفينة بعد الفينة، ولولا لوائح اللطف، الفينة بعد الفينة، ولولا غواشي الغفلة، في أغلب الأحيان، لاجتاح الخوف الحياة، ولقطع نياطها.. ولا يزال الخوف، إلى الآن، هو الأصل في سوق الحياة إلى كمالها في جانب الله.. قال تعالى في ذلك: ((وإن من قرية إلا نحن مهلكوها، قبل يوم القيامة، أو وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أنمعذبوها عذابا شديدا، كان ذلك في الكتاب مسطورا كذب بها الأولون.. وآتينا ثمود الناقة مبصرة، فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس.. وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنةتخويفا للناس.. والشجرة الملعونة في القرآن.. ونخوفهم، فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا)).. اعتبر قوله تعالى: ((وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)) وقوله تعالى: ((ونخوفهم)).. ثم اقرأ قوله تعالى: ((يأيها الناس اتقوا يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذاتربكم، إن زلزلة الساعة شئ عظيم حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد)).. أو اقرأ قوله تعالى: ((فكيف تتقون، إن السماء منفطر به؟ كان وعده مفعولا.كفرتم، يوما يجعل الولدان شيبا، )).. وخير حالات المؤمن أن يعمل الطاعات وقلبه خائف من لقاء ربه، قال تعالى: ((والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)).. وخير حالات الخوف أن يكون موزوناً بالرجاء، فلا يستبد فيتداعى إلى اليأس، ولا يضعف فيتداعى إلى الغفلة.. وفي وزن الخوف والرجاء قال تعالى: ((أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أيهم أقرب، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه.. إن عذاب ربك كان محذورا)) وقال أيضا: ((أمن هو قانت، آناء الليل، ساجدا وقائما، يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه؟ قل هل يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب.)) فهذه الحالة هي من حالات العلم بالله.. والحكمة وراء الخوف، والتخويف، إنما هي سوق الناس إلى الله حين يظهر عجزهم عن النهوض بأعباء حياتهم: اقرأ صورة لكل الذي ذكرنا، في الآيات، البينات، التاليات: (( وإن الذين لا يؤمنون بالآخرةوإنك لتدعوهم إلى سراط مستقيم  ولو رحمناهم، وكشفنا ما بهم من ضر، للجوا في طغيانهم يعمهون عن السراط لناكبون حتى إذا فتحنا عليهم باباولقد أخذناهم بالعذاب، فما استكانوا لربهم، وما يتضرعون وهو الذي أنشأ لكم السمع، والأبصار، والأفئدة.ذا عذاب، شديد إذا هم فيه مبلسون وهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي ذرأكم في الأرض، وإليه تحشرون قليلا ما تشكرون وله اختلاف الليل، والنهار. أفلا تعقلون)).. هذه جميعها صور للخوف، والتخويف بالعذاب في الدنيا، وبوعيد العذاب في الساعة، وفي الأخرى.. وهذا في الإسلام، وفي القرآن، وهو لم يجيء إلا مؤخرا، وبعد أن لطف حس الناس، وأصبحوا يزدجرون بأقل مزدجر!! ولقد ذكرنا، تبارك وتعالى، في هذا السياق الرهيب، والأبصار، والأفئدة، فقال: ((وهو الذي أنشأ لكم السمع، والأبصار، والأفئدة. قليلا ما تشكرون)) وفيه إشارة إلى أنه تعالى إنما أنشأها بالعذاب، وبالخوف من العذاب، وبالتخويف منه، كل على كل مستوى، من مستويات الحياة.
ولقد قال: ((قليلا ما تشكرون)) ونحن إنما نفهم هذا القول فهما جيدا إذا تذكرنا قوله تعالى: ((ما يفعل الله بعذابكم، إن شكرتم، وآمنتم؟ وكان الله شاكرا عليما)).. فكأنه قال: إن الحكمة وراء العذاب أن الله يريد به أن يمخض، من كثافتكم، الرقائق التي بها يظهر شبهكم إياه، فتكونوا شاكرين وعالمين، كما هو شاكر وعليم.. ثم إن الله، تبارك وتعالى، يقول، في الآيات السابقات: ((وهو الذي ذرأكم في الأرض، وإليه تحشرون)).. ذرأكم بثكم، وشتتكم، كما تشتت البذرة ((وإليه تحشرون)) تجمعون، وتساقون، وتزفون.. وإنما يكون حشرنا إليه بتقريب صفاتنا من صفاته، وذلك باستخراج لطائفنا من كثائفنا بالعذاب، وبالخوف، وبالتخويف من العذاب.. ثم إنه قال، وههنا ملاك الأمر، قال: ((وهو الذي يحيي ويميت، وله اختلاف الليل، والنهار. أفلا تعقلون)).. ((يحيي ويميت)) إشارة إلى قهر الحياة.. و ((اختلاف الليل والنهار)) إشارة إلى قهر العناصر.. ومن قهر العناصر برزت الحياة.. ومن قهر الحياة برزت العقول.. ولذلك قال تعالى: ((أفلا تعقلون)).. ومن جراء القهر ولد الخوف، ومن جراء الخوف ولدت الحياة، وسارت محفوزة في المراقي، سمتا فوق سمت، إلى أن بلغت مرتبة ظهور العقل البشري في أعلى الحيوانات.. وهي لا تزال تطرد، تطلب كمالات العقل والقلب..
فالعقل هو الروح الإلهي المنفوخ في الانسان، والخوف هو وسيط النفخ، وصراع العناصر المختلفة، التي تزخر بها البيئة الطبيعية، هو العامل المباشر، والله من وراء كل أولئك محيط.. وهذا النفخ مستمر، وهو سرمدي، ويأخذ في اللطف كلما برزت لطائف الحياة من كثائفها، وكان لها السلطان.. وسيجيء يوم يبدل الله فيه الخوف أمناً، والحرب سلاماً، والعداوة محبة.. ((ما يفعل الله بعذابكم، إن شكرتم، وآمنتم؟ وكان الله شاكرا عليما؟)).
وأين نفخ الروح الإلهي؟ هل نفخ في الأجساد؟ أم هل نفخ في العقول؟ لا هنا لا هناك.. فليس الجسد مكان النفخ، وإنما هو نتيجة النفخ.. ومثل ذلك يقال عن العقل.. فليس الدماغ، وهو عضو العقل، مكان النفخ، وإنما هو نتيجة النفخ.. فالنفخ متقدم عليهما، كما يتقدم السبب النتيجة..
فأين كان النفخ إذن؟
الجواب، في القلب!! وما هو القلب؟ هو ذات الحي!! هو الحي بالأصالة، حين لا يكون الجسد، ولا الدماغ، حيين إلا بالحوالة..
هو الحي الذي أعطى الجسد والدماغ الحياة، وهو ليس خادمهما، وإنما هو سيدهما.. وقد أخطأ علم الطب الحديث - علم وظائف الأعضاء- حين ظنه مجرد مضخة للدم.. والأمر كما هو عليه في الدين.. ففي الحديث: ((ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائره.. ألا وهي القلب)) وليس المقصود بالفساد هنا الفساد الحسي الذي ينتج عنه الموت الحسي، فحسب، وإنما المقصود الفساد المعنوي الذي ينتج عنه الموت المعنوي - الكفر-
وفي القرآن التركيز كله على القلب، ولا يجيء ذكر العقل - الدماغ والجسد- إلا في المكان الثاني.. قال تعالى ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع، وهو شهيد)) فالذكرى في المكان الأول لصاحب القلب الذكي، ((لمن كان له قلب)) وجاء به على التنكير ليفيد التعظيم.. فإن لم يكن، فلصاحب العقل الواعي: ((أو ألقى السمع، وهو شهيد)).. ((ألقى السمع)) يعني أعار الأذن، وتلك إشارة إلى العضو المحسوس، وهي، من ثم، إشارة إلى الجسد.. ((وهو شهيد)) يعني غير شارد الذهن وقت الاستماع، وتلك إشارة إلى حصر القوى التي تعمل في الدماغ - إلى العقل- والآيات التي تركز على القلب في المكان الأول، مستفيضة في القرآن، ونحن لا نستطيع، كما أننا لا نحتاج، إلى متابعتها هنا، فليراجعها من شاء في مظانها.. وإنما نريد هنا أن نورد ثلاث آيات، هن آية في الدلالة على المكانة التي يحتلها قلب الانسان، من الانسان.. قال تعالى على لسان إبراهيم الخليل: (( يوم لا ينفعولا تخزني يوم يبعثون إلا من أتى الله بقلب سليممال، ولا بنون )) ففي آخر المطاف لا منجاة من عذاب الخزي، ولا من خزي العذاب، إلا بسلامة القلب..
وهل يزيد في توكيد كرامة القلب لو قلنا أن لكل مخلوق قلبا، وليس لكل مخلوق عقل؟؟ فإنه لم يعرف شئ من الكائنات، مهما صغر حجمه، وخف وزنه، ليس له قلب.. مع القلب الجسد، فإنهما قد نشآ في وقت واحد.. فالجسد بيت القلب، وهو من ثم صنوه، وزوجه، وهو المعني بقوله تعالى: ((سبحان الذي خلق الأزواج كلها، مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون)).. فالإشارة في ((من أنفسهم)) إلى القلب والجسد.. وفي حين أن الجسد بيت القلب، فإن القلب بيت الرب.. وهو، من ثم، زوج الرب.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((ومما لا يعلمون))…
والحواس إنما هي نوافذ البيت التي تدخل النور، والهواء الطلق للساكن، وبها، ومنها، يطل الساكن، أيضا، على العوالم الخارجية.. والعقل، وهو أمير الحواس، إنما هو ((ديدبان)) القلب، وحارسه الأمين، يؤذنه بقرب الخطر، ويدفع عنه الخطر، حيث أمكن..
والقلب هو بيت الله، هو الحرم الآمن، الذي قال تعالى عنه: ((ليكفروا بما آتيناهم، أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا، ويتخطف الناس من حولهم؟وليتمتعوا، فسوف يعلمون أفبالباطل يؤمنون، وبنعمة الله يكفرون؟)) فالكعبة، في مكة، هي بيت الله، في ظاهر الشرع، والقلب، في الصدر، هو بيت الله، في الحقيقة.. وقد جعل الله بيتيه آمنين من الخوف.. قال تعالى، في حق قريش: ((لإيلاف الذي أطعمهم من جوع فليعبدوا رب هذا البيت  إيلافهم رحلة الشتاء والصيف قريش وآمنهم من خوف)) فالقلب، في سويدائه، حرم آمن من الخوف، ولا يلم الخوف إلا بحواشيه، فذلك قوله: ((أنا جعلنا حرما آمنا، ويتخطف الناس من حولهم)).. ولقد سبق لنا أن قررنا أن الله، تبارك وتعالى، قد نفخ الروح الإلهي بوسيلة الخوف.. وقررنا أن مكان نفخ الروح الإلهي إنما هو القلب.. وقررنا، فيما سلف، أن القلب حرم آمن من الخوف.. ولذلك فقد فداه الله بالجسد، وجعله على حواشيه، ليكون له ردءاً، ودرعا، من الخوف، وهذا هو السبب في نشوء الجسد في وقت يكاد يكون واحداً مع وقت نشوء القلب.. ثم لحق بهما العقل، ليكون عونا على الانتصار على الخوف.. وحين يتم الانتصار على الخوف، بفضل الله، ثم بفضل العقل، يصبح نفخ الروح الإلهي في القلب البشري بوسيلة اللطف، بالأمن، وبالسلام، وبالمحبة.. فما دام النفخ من الخارج فإنه بوسيلة الخوف الذي تسلطه العناصر الخارجية، وسيجيء وقت يصير فيه النفخ من الداخل، ويومئذ يكون الخوف قد انهزم، وإلى الأبد.. والله، تبارك وتعالى، يقول، في أمر النفخ، في مرحلتيه: ((سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)).. ((سنريهم آياتنا في الآفاق)) إشارة إلى نفخ العناصر بالقهر الإرادي في الجسد.. قوله: ((وفي أنفسهم)) إشارة إلى نفخ العناصر بوسيلة الخوف، في الجسد، وفي الدماغ، أو قل العقل،.. قوله: ((حتى يتبين لهم أنه الحق)) يعني حتى يصل بهم الإدراك إلى استيقان التوحيد، ويومئذ ينهزم الخوف، ويجيء دور الأمن، والسلام.. وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: ((أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟))..
والقلب عضو يعمل فيه الفؤاد، والفؤاد هو قوة الإدراك الوتري.. والجسد والدماغ عضوان يعمل فيهما العقل، والعقل هو قوة الإدراك الشفعي.. وفي مرحلة الإدراك الشفعي يكون النفخ من الخارج، والخوف هنا حاضر..
وفي مرحلة الإدراك الوتري يكون النفخ من الداخل،.. ((أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)).. ههنا مقام نفخ الذات في الذات.. نفخ الذات في القلب البشري.. وليس للخوف ههنا مجال..
وفي الإدراك الوتري ينقطع التعدد ولا يبقى غير الوحدة.. فالمدرك، والإدراك، والشئ المدرك، جميعها شئ واحد، ولذلك فإن القلب هو عين الفؤاد..
ما هو العقل الباطن؟ هو القلب، وهو قوة الإدراك الوتري.. ما هو العقل الواعي؟ هو العقل، وهو قوة الإدراك الشفعي..
وحدة البنية البشرية

إن القلوب حرم آمن من الخوف لأنها بيت الله، وقد أسلفنا في ذلك القول، ونحب أن نقول أن هذا ينطبق على جميع القلوب، حتى قلب المادة غير العضوية وهي ما نسميها اصطلاحا ((ميتة))..
وعن سلامة القلوب في أصل التكوين قال المعصوم: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه))..
وفي ذلك قال تعالى عن اليهود: ((وقالوا قلوبنا غلف، بل لعنهم الله بكفرهم، فقليلا ما يؤمنون)) وقال عنهم أيضا: ((فبما نقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف.. بل طبع الله عليها بكفرهم، فلا يؤمنون إلا قليلا)) وذلك أن الكافر لا يكون بغير إيمان إطلاقا، فإن في قلبه الحقيقة - في عقله الباطن الحقيقة- ولكن بينها وبين عقله الواعي حجب كثيفة وهذه الحجب هي التي عبر عنها، تبارك وتعالى، حين قال: (( كلا، إنهم عن ربهم،كلا، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون يومئذ، لمحجوبون)) والرين هو الصدأ والدنس والطبع.. وذلك كله قد كان بسبب الكبت الذي جرى منذ نشأة المجتمع البشري، والذي لا يزال يجري، وهو قد قام في ظل الأوهام، والخرافات، والأباطيل، التي صحبت علمنا بالله، وبحقائق الأشياء، وبما يكون عليه الواجب علينا نحو أنفسنا، ونحو الله، ونحو الجماعة.. وهذه هي المرحلة التي أسميناها مرحلة الجسد والعقل المتنازعين، والتي ستعقبها، بعون الله وبتوفيقه، مرحلة الجسد والعقل المتسقين..
ولما كانت القلوب، في سويداواتها، قد جعلها الله حرما آمنا فإن منطقة الكبت لا تقع فيها، وإنما تقع في ((الخرطوم))، في ((المقرن)) في ((البرزخ)) الذي يقوم عند مجمع بحري العقل الواعي، والعقل الباطن.. قال تعالى في ذلك، ((مرج البحرين بينهما برزخ لا يبغيانيلتقيان )).. وهذا ((الخرطوم)) هو موطن الانسان في الانسان - هو موطن الانسان الكامل، في الانسان الذي هو مشروعه المستمر التكوين- وكما أن طريق التكوين، والتطوير، لولبي، فكذلك الكبت فإنه لولبي.. هو لولب يدور حول مركز..
والإنسان الكامل يجيء من التقاء موسى العقل، بخضر القلب على شرط أن يجد موسى مع الخضر الصبر، والثبات.. ولقد قص الله علينا عن موسى الشريعة، وخضر الحقيقة، حيث لم يستطع موسى مع الخضر صبرا: ((وإذ قال موسى لفتاه لا فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهماأبرح حتى أبلغ مجمع البحرين، أو أمضي حقبا فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنافاتخذ سبيله في البحر سربا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة؟ فإني نسيت الحوت!! وما أنسانيه إلاهذا نصبا قال ذلك ما كنا نبغي، فارتداالشيطان، أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر.. عجبا!! فوجدا عبدا من عبادنا، آتيناه رحمة من عندنا، وعلمناه من لدناعلى آثارهما قصصا قال إنك لن تستطيع قال له موسى: هل أتبعك على أن تعلمني، مما علمت رشدا؟ علما وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟معي صبرا )) ولم يصبر موسى.. وإنما هو لم يصبر لأنه صاحب شريعة، وكان على الحق غيورا.. ولو قد عمل بشريعته هذه حتى بلغ حقيقة كحقيقة الخضر لصبر معه.. والمحاولة هنا، عندنا نحن، هي أن تقوى، بالعبادة، عقولنا حتى تساير، في المطالع، قلوبنا، من غير أن تزعجها، أو أن تعجلها، فنعيش مستنيرين، ومنورين، في أفقي مشارقنا، ومغاربنا، بقمر شريعتنا، وشمس حقيقتنا، والمسافة بينهما محفوظة، في غير إخلال: ((لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار.. وكل في فلك يسبحون)).
ومنطقة الكبت، في صدر كل منا، عبارة عن سجن رهيب.. أشد رهبة من سجن ((الباستيل)) المشهور.. وهو سجن مظلم، لا يصل إليه النور، ولا الهواء.. وقل أن تصل إليه، من الخارج، الأصوات.. وقد زج في هذا السجن بأبرياء، ومظاليم، وأحرار، بغير محاكمة وقام على أبوابه سجانون عتاة، أشداء، أرهبوا السجناء، وأذلوهم، واضطروهم إلى الطاعة، ففقدوا الحرية، وفقد بعضهم الحركة.. ولكنهم لا يزالون، جميعهم، أحياء يتطلعون ليوم الإنعتاق، وأمامهم إحدى خطتين: إما أن يثوروا بالسجانين والحراس، ويقتحموا أبواب السجن، فتسيل بهم الشوارع سيلا بشريا مجتاحا، أو أن يجدوا العدل منا، والإنصاف، والتفهم العميق.. وفي سبيل هذا التفهم برزت في أروبا، وفي أمريكا، أساليب من الحياة، والفكر، كأساليب ((الهيبيز)) وأساليب ((اللامعقول))، ولكنها أساليب تدل على الحيرة، وعلى القلق، وعلى الجهل بأصل المشكلة.. ومع ذلك فإنها تملك فضيلة الاعتراف بهذه المأساة، في حياتنا، التي تحاول الكثرة الغالبة تجاهلها.. ومن أجل ذلك فإنا لا نعتبر حركات الشباب، التي تتجه اتجاه ((الهيبيز)) علامة مرض، وإنما هي عندنا علامة صحة.. وهذا هو الذي جعلنا نجزم بأنا نعيش الآن في أخريات أيام مرحلة التطور العضوي - العقلي..
ومن أجل تفهم هذه المأساة لا بد من تعمق أصولها، وهي أصول بدأت منذ فجر العقل البشري.. وقد كان الخوف، والجهل مسيطرين على قضاة وسجاني هؤلاء البؤساء.. ونحن لا نستطيع أن نعيد الحرية لهؤلاء المظاليم إلا إذا كنا، قضاة وسجانين، متحررين من الخوف، ومتحررين من الجهل.. ولا يحررنا من كل أولئك إلا العلم بالأشياء على ما هي عليه في الحقيقة.. وأول ما تعطيه حقيقة الأشياء أن الناس قد خلقوا ليكونوا أحرارا.. ولا يذهلننا عن هذه الحقيقة كون الناس قد خلقوا ضعافا.. فإن هذه مرحلة، وهم، في هذه المرحلة، قد باعوا حريتهم، وقد أنى لهم الآن أن يستردوها بالعمل الجماعي، وبالعمل الفردي..
وأول ما يمكن أن يقدمه لنا العمل الجماعي تنظيم الجماعة وفق قانون العدل، بدلا من قانون الغابة، حتى نحارب الخوف فلا نضطر إلى زيادة السجناء ((الكبت)) بغير موجب.. وقانون العدل يقول أنه ليس هناك قوي، وضعيف، وإنما هناك محق ومبطل.. والمحق يصله حقه وإن كان عاجزا، والمبطل ينال منه سلطان العدل، وإن كان متجبرا كفارا..
ومن أجل محاربة الخوف فإن قانون العدل يقول: إن الناس أشراك في خيرات الأرض، وأشراك في تولي السلطة - الاشتراكية والديمقراطية- وفي بنتهما - العدالة الاجتماعية-
وثاني ما تعطيه حقيقة الأشياء أن الوجود خير كله.. لا مكان للشر، في أصله، وإنما الشر في مظهره.. وسبب الشر هو جهلنا بهذه الحقيقة.. ومن ثم، فليس هناك ما يوجب الخوف.. ونحن لا نستطيع أن نستيقن هذه الحقيقة الكبرى إلا إذا تلقينا من الله بغير واسطة، ولا يكون لنا ذلك إلا إذا لقينا الله، ونحن لا نستطيع أن نلقاه إلا إذا عشنا متحلين ((بأدب الوقت)) وهو أن نعيش اللحظة الحاضرة، غير مشتغلين بالماضي، ولا بالمستقبل.. وهذا ما من أجله فرضت الصلاة.. وهذا هو الصلاة.. وستجدون هذا مفصلا في هذا الكتاب الذي نعيد تقديمه إليكم بهذه المقدمة الطويلة، المستفيضة..
إن التحلي ((بأدب الوقت)) يوصل إلى ذات الله، يوصل بفضل الله، إلى توحيد الذات البشرية، وذلك بحل العقد النفسية التي قسمت شخصيتنا، وأورثتنا الشذوذ في جميع صوره، وجميع مستوياته.. وهو أيضا - التحلي ((بأدب الوقت)) - يفتتح العهد الجديد- عهد المرحلة الرابعة من مراحل نشأة الانسان- وهي مرحلة التطور العقلي الصرف، الذي تحدثنا عنه آنفا، ووعدنا بالعودة إليه.. بيد أنا لا نملك في هذا المقام في أمره تطويلا.. وإنما نكتفي بما ورد في شأنه في مقامه من هذه المقدمة..

خاتمــة:

أما بعد فإن هذه المقدمة قد استفاضت، وكان همي دائما، وأنا أسير في شعابها، كفكفة أطرافها.. ولكن موضوعها طويل بطبعه، وسنفرد له مؤلفا مستقلا باسم ((الاسلام علم نفس)) وبالله التوفيق.. وعليه التكلان..
ومهما يكن من الأمر، فإن الله، تبارك وتعالى، قد أظفرنا من هذه المقدمة بما نريد.. وإني لأرجو أن ينفع الله بها الناس، فيقبلوا على قراءة ((رسالة الصلاة)) وهم ينتظرون من وراء صلاتهم، فائدة حاضرة، وعاجلة، فإن آجلا لا يبدأ عاجله اليوم ليس بمرجو..





وبتوفر المادة بين أيدينا يمكننا أن نقوم بالمقارنة بين رؤى الأستاذ والمفاهيم التي قدمها سيجموند فرويد في مجال إبحاره التخصصي .
ونواصل

Post: #551
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-15-2007, 11:38 PM
Parent: #550

الأحباء تحية طيبة
ونخص الأستاذ الكاتب أسامة والدكتور ياسر .

جلست إلى الصديق الأستاذ : آدم موسى محمد أحمد ،
وتحادثنا طويلاً
وقال لي :

لماذا لم تبدءوا دراسة حول مقارنة فكر الأستاذ بكل من مفكري المتصوفة :

أبو الحارث المُحاسبي أو أبو حامد الغزالي ( إحياء علوم الدين )
أو كتابات السهروردي أو ابن عربي ،
وقد رأى أن الأستاذ قد نهل منهم جميعاً ، وفتح ذهنه من بعد للتخاطر ،
وهو القراءة للنصوص القرآنية أو نص الأحاديث و من ثم التفكير
الحُر في الصفاء .

قلت لنفسي حبذا لو نهلنا من تلك الأسفار التي تركنا في السودان
وها نحن نحتاجها اليوم .


ونواصل

Post: #552
Title: حول "المتأكدمين"
Author: osama elkhawad
Date: 08-16-2007, 02:24 AM
Parent: #551

عزيزي الشقليني
كما قلنا فان مقاربة النصوص الغائبة في خطاب الاستاذ
Quote: تحتاج الى جيش من الباحثين
.
مخططي النظري يهدف الى مقاربة علاقة الاستاذ بخطاب الحداثة الغربي.
وسبق ان نوهت الى علاقة الاستاذ بابن عربي وتلميذ ابن عربي عبد الكريم الجيلي حول "الانسان الكامل".
شكرا لآدم و نتمنى ان نجد من يحقق في المقاربة بين الاستاذ والخطاب الصوفي،
وهذه من مهام الاكاديميين الذين تحول معظمهم الى "متأكدمين".
وقد نوه الدكتور النور حمد والاستاذة اسماء محمود محمد طه الى ذلك،
في كلامهما حول غياب دور "الاكاديميا" العربية،
في علاقتها بخطاب الاستاذ.
مع محبتي
المشاء

Post: #553
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-16-2007, 04:01 AM
Parent: #552

الأستاذ والشاعر : أسامة الخواض
تحية لك وأنت توضح عِظم ما نحن بصدده ،
بالنسبة لأبو حامد الغزالي فقد بدأ الرجل سيره من الشريعة ،
ثم ومن خلال تطوره نهض إلى الحقيقة ، وهي من نفس المصطلحات التي
قال بها الأستاذ محمود محمد طه ، ولديه مقولات في اليقين وعين اليقين ، وهو رجل له منهاج دراسي مُنظم ،
وإن كان ما نقوله الآن صحيحاً ، فيتعين لنا أن ننهل من المصادر التي ارتكز عليها ، لنعرف أين كان الأستاذ مُبدعاً ، وأين هو من الإتباع ، فالسهروردي وابن عربي وأبو حامد الغزالي وغيرهم لهم كتابات ثرية في المنهج والتصوف ، وقد قطعوا شوطاً ، ويتعين أن نُقيم ذلك الإنجاز الفكري بالربط بمنابعه وألا نترُك فكره وكأنه مُنقطعًٌ عن الماضي .

أعلم أنه من الصعب الرجوع للكثير من المصادر ، وأعلم أيضاً أن فرويد ومن قبله دارون كان لهم الأثر ، ومن قبله هيغل والذي بين الكثير من أن الوعي سابق للمادة وذلك هو من أسس منهاج الأستاذ أن الذات العليا هي التي تُشكل الخليقة ، فلماذا لا يكون منهاج المقاربة بحداثة أحد فلسفات القرن التاسع عشر ؟

و نواصل


Post: #554
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-16-2007, 05:05 AM
Parent: #553

الأحباء جميعاً
ونخص الأستاذ / أسامة والدكتور ياسر
والجميع .
عزيزنا أسامة ،


وعطفاً على ما تفضلنا من قبل ولنُكمل
ما سبق من الوعي والمادة ،
وتذكر أنت الصراع الذي طور به كارل ماركس
فكره بعد أن نما في حضن (الشباب الهيغلي )
وقام بتطوير المادية الديالكتيكية التي
تقول بأن الوعي هو من نتاج تطور المادة

***
نعود الآن عزيزنا أسامة لنستطرد عن العمل الأكاديمي
عزيزنا الأستاذ أسامة
إنه لمن غير المُنصف أن نُلقي اللوم على الأكاديميين للنظر لفكر الأستاذ كمادة للمباحث الأكاديمية ، فمعظم المؤسسات الأكاديمية الي تُعنى بالدراسات الإسلامية يقف أهلها صمديون في وجه المُجددين ، فمؤسسة الأزهر كفرت الأستاذ محمود منذ الستينات ، بل وكفرت طه حسين في 1926 م عندما كتب عن الأدب الجاهلي وتشكُكه في حقيقته ورميه بأن العقل الذي صاغ المعلقات التي وصلت إلينا هم شعراء من عهد بني أمية والعصر العباسي ، وقد استخدم الدكتور طه حسين كل مفاتيح الشك في نقده للأدب الجاهلي .
انظر ماذا حل به قُذف به بعيداً عن مؤسسة الأزهر وكفروه ، ولم يقدر على نضال الممانعة فآثر السكوت وكتب ما كتب ليُغسل الكفر المُدعي به عليه .
أنظر الدكتور حامد أبوزيد وكيف كفرته نفس المؤسسة التي تٌعنى بالفكر الإسلامي أو هكذا نظن .
ها هو عمرو خالد مُجدد في طرائق عرض الدين ، بلا لحية أو شارب ، يسعى حثيثاً لتقريب وجه الداعية أما غيره فكما تقول الآية الكريمة :

( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رُعبا ) الكهف 18

أما الأكاديميون الذي تعنيهم فُرادا ، فالمباحث في الدكتوراه مثلاً تعني الصبر والمال ، ومن لديه القدرة ينظر البعيد الذي يقدمه ولا يجد سوى الإستهجان من المؤسسة الخربة التي ليس لها علاقة بالتطوير :

فهم نقلة فحسب .

أما الذين كتبوا عن الغابرين من مؤسسي الفكر والتصوف فقد تقدم المباحث فيهم المستشرقون امثال جستنيان كما فعل مع الحلاج .
وأرى أن الأمر برمته في حاجة لمؤسسة خيرية عصرية ترعى مثل ما تفضلت به من فكر الأستاذ بالمباحث الأكاديمية وتمولها كما تفعل كل المؤسسات التي ترعى المباحث لضرورات نتائج البحث ..

لقد قدم الدكتور محمد محمود سفراً حول الأستاذ باللغة الإنجليزية وأنا أحمد تلك اللفتة التي تستحق الثناء .

ونواصل

Post: #555
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: osama elkhawad
Date: 08-16-2007, 05:13 AM
Parent: #553


صورة لماركس

صورة لفرويد

صورة لداروين
عزيزي الشقليني
قلت بحق:
Quote: أعلم أنه من الصعب الرجوع للكثير من المصادر ، وأعلم أيضاً أن فرويد ومن قبله دارون كان لهم الأثر ، ومن قبله هيغل والذي بين الكثير من أن الوعي سابق للمادة وذلك هو من أسس منهاج الأستاذ أن الذات العليا هي التي تُشكل الخليقة ، فلماذا لا يكون منهاج المقاربة بحداثة أحد فلسفات القرن التاسع عشر ؟

شكرا على تنبيهنا الى أثر هيغل .فالأستاذ يتبنى نهجه في اسبقية الوعي على المادة.
وهذا ما يستدركه على الماركسية من ضمن نقده لها.و قد استند الاستاذ في اسبقية الوعي على المادة،على ان الطاقة لا ترى بالحواس المعروفه،ولهذا فهو يرى ان الوعي اي العقل الاكبر اي الله هو اصل العالم ومنه انبثقت كل العوالم ،فهو يتبنى ما قال به ابن عربي عن "وحدة الوجود" ولهذا فهو يستند على منهج توحيدي لا يرى في الظواهر تناقضا بل يرى فيها توحدا وتكاملا.

وبالرغم من مثاليته الفلسفية،فان الاستاذ يستند على آباء التطور في الحداثة الغربية أي ماركس ودارون وفرويد والذين غيروا النظر الى العالم باشاراتهم العلمية الى وجود بنى تحتية أعمق من وعينا الظاهر.

ولهذا حاول الاستاذ مجاراتهم بخلق مخطط للتطور البشري ،لكنه لا يشير الى كيفية التحقق من تلك المراحل.وهذا مبحث فيه كلام كثير .
محبتي
المشاء

Post: #556
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-16-2007, 05:57 PM
Parent: #555

ننقل التحية والتقدير مُجدداً للسادة القراء والقارئات الأفاضل .
والشكر موصول للكاتب أسامة الخواض ، والدكتور ياسر الشريف و
لفيف من الكتاب الذين نلتقيهم عند كل منعطف ونحن في بهو فخم نحاول أن نتفرس على إنجاز فكري ، نفتح بوابة هُنا ونحن أخرى تنتظر .
ومن بعد نواصل :

العزيز الكاتب : أسامة
لكم ثريٌ أن نبحث في دور الأستاذ محمود في مقارنته بالحداثة كخطاب وكمنهاج طال كل العلوم والآداب وأمسك بكل شيء .
ربما كنا نبحث في أمر علاقته بحداثة الفكر والفلسفة ، وربما نجد أنفسنا في غفلة من الفلسفات ومقارنتها بالإنجاز البشري الباهر على مر العصور ، وإن لم ننتبه ربما يكون خطاب الأستاذ امتداد لخطاب من سبقوه منذ زمان ، وكان هو مُضيفاً سفراً إلى مكتبة من سبقوه من المتصوفة ،
لذا يتعين علينا أن نتأكد من أن المنهاج والرؤى جديدين أو على اقل تقدير تمكن الأستاذ من الاستفراد بما يخصه . لذا مقاربته بالفلاسفة الألمان في القرن التاسع عشر هو وغيره من فلاسفة التصوف يتعين أن نضع الجميع على موقد التجريب ونقلبهم على نار هادئة ولا نعجل بهم .
إن العبارة التي انتـزعتها من حديث الأستاذ باهرة لغة ومعنى فلسفي عميق .
وهي :


( وفي الحق، إن الخوف ( القهر) هو الذي استل المادة العضوية من المادة غير العضوية، فبرزت بذلك الحياة.. ثم إن الخوف هو السوط الذي حشد الأحياء في زحمة سباق التطور.. فالحياة مولودة في مهد الخوف.. )





تلك العبارة على جانب من الفخامة والدقة تُكشف لنا كيف أن الأستاذ قد جلس جلوس الصبر فهذا التعبير المبدع لُغوياً وفلسفياً يوضح جلياً إن خواطر المتصوفة تحتاج أكثر من سفر لتكشف لنا كيف تأتى للأستاذ فعل ذلك ومنذ زمان بعيد ، وكيف يكشف استبطانه ذخيرة كثيفة من كشوف الأولين والسابقين له في مد فكره ببذرة العمل الفكري الصبوح في نهوضه والمُشمِس في وضوحه .

ونواصل
16-08-07-

Post: #557
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: osama elkhawad
Date: 08-17-2007, 06:16 AM
Parent: #556

موقع الكاتب
عزيزي الشقليني
موضوع الاكاديميين والأكدمة ،يطر ح ما نسميه بموقع الكاتب.فالاستاذ قد أتي من خارج المؤسسة الدينية الرسمية ،
والمؤسسة الدينية الشعبية اي المتصوفة ،وان كان أنه قد اتبع اسلوب المتصوفة في الخلوة،و التي بعدها تحدث عن "الرسالة الثانية ".
فالاستاذ جاء من موقع الافندية ،فهو خريج مدرسة غردون،ويمكن ان نتلمس ذلك جليا في الخطاب الموجه اليه من أحد أصدقائه،يقول الاستاذ في "من دقائق حقائق الدين":
Quote: إلى حضرة الأخ العزيز الشيخ أبو زيد محمد الأمين الجعلي ، زاده الله من نوامي البركة، وسوابغ الإحسان ..
تحية طيبة
أما بعد ، فإني أحمد لك الله الذي لا إله غيره ، وأشكره ، ولا أكفره ، وأسأله لي ولك ، عافية الدين والدنيا .. ثم إن جوابك (بدون تاريخ) قد وردني ويجري نصه كالآتي:

(بسم الله الرحمن الرحيم
الصديق القديم محمود أفندي محمد طه
المحترم
السلام عليكم ورحمة الله ، وقع في يدي كتاب العبادلة للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي رضي الله عنه ورأيت في رسائلك أنك ترتضي قوله وتستدل به علما سديدا وإليك أهدي كتابه هذا (العبادلة) لتطلع عليه إن لم يكن قد وصلك قبلا فإن وصل إليك فلله الحمد وإن كان مكرراً عندك فآسف أن ترده إلي ولك الشكر ..
ولقد لقيت شخصية أتأكد أنها توصله إليك والله يجمعنا على الحق ويبصرنا به إنه سميع مجيب ولك الشوق والسلام عليكم ورحمة الله .
أبو زيد محمد الأمين ..)


فالشيخ ابوزيد يخطاب الاستاذ قائلا:
Quote: الصديق القديم محمود أفندي محمد طه.


ولذلك لم تلفت اليه المؤسسة الاكاديمية لانها قد جاء من خارجها ،و خافت منه وحاربته المؤسسة الدينية التقليدية.
و مما ساهم في غربة الاستاذ عن المؤسستين الاكاديمية والدينية التقليدية ممارسته لاسلوب الصدمة كما في حديثه عن الاصالة الفردية ومسالة صلاة الاصالة و الانسان الكامل ،وغيرها من الصدمات التي أخافت المؤسستين معا.
فهو متمرد من الطراز الاول .
نلاحظ من خطاب الشيخ ابوزيد اشارته الى تأثر الاستاذ بالشيخ الأكبر إبن العربي.
مع محبتي
المشاء

Post: #558
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-17-2007, 06:30 PM
Parent: #557


شكراً لك عزيزنا
الكاتب : أسامة للتوضيح وللتوثيق .

إن الأستاذ بحق قد قدم للدين من غير مؤسساته المعروفة ، ونجد كثراً من أهل تلك المؤسسات يعيبون على غيرهم أنهم لم يتتلمذوا على يد المشايخ . كان الأستاذ قارئاً حُراً وتلك أراها تقودنا أنه أمسك بمجداف المركب في بحر وجلس وحده و أعمل الذهن ، وصبر وصفا . للأكاديميين طرائق معرفة في علوم الفقه والنحو واللغة والحديث والعلوم القرآنية والتجويد بقراءاته وسيل من تفاصيل المدرسة الأكاديمية بمنهاجها الصارم .

الأستاذ كما ذكرت أنت من قبل لا يتقيد بتدقيق مصدر الأحاديث ، ولا يعنيه كبير اهتمام بالمراجع التي استقى منها النصوص الخاصة بالحديث النبوي ، وتلك مسألة تهم كل من يطلع على الأسفار ، فالمراجع تهُم من يقرأ الأسفار .
نعلم الكثير من مآخذ بعض معارفنا من أهل اليسار أنهم لم يكونوا في سابق عهدهم يدققون على النصوص الدينية ، وهي أزمة تحدث عنها الدكتور عبدالله علي إبراهيم من قبل ، من بعد أزمة ( شوقي ) طالب معهد المعلمين العالي عام 1965 م وما تم من بعد ، حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه ، وقد كان للأستاذ موقفه .

لا أريد أن أعود بك لموضوع علاقة الجمهوريون بالسياسة ، لكنني أريد التأكيد أن هجران المصادر والقول من ( الخواطر ) هو منهاج المتصوفة . فقد كان ابن عربي عند الحج ، ينتظر الخواطر التي تدور في الذهن وهو في حالة قراءته النصوص فيقع النص موقعاً متوهجاً في الذهن ثم يكتب كل ذلك ، حتى أنجز مجموعة أسفاره ( الفتوحات المكية )
فإني أرى أن التخاطر عند المتصوفة هي حالة وجدانية تستبطن كل التراث المعرفي المخزون في العقول الباطنة ، وينهمر النهر بلا قيود . هي أقرب لحالة صفاء واستلهام من العقل الباطن ، والدخول لذلك العقل الباطن من خلال جلسات الصفاء العرفاني هي تجربة سبقتنا جميعاً فيها أديان الشرق القديم ، التي مكنت الأفراد من الولوج لعقولهم الباطنة ، وتنقيتها من شوائب الدهر من كبت وخوف وغرائز ، فأصبح العقل الواعي يقود اللاشعور ، وينقيه ، وتلك هي المفتاح الذي نعرف منه مسلك ( الأنبياء ) والرسل ومؤسسي الديانات الذين اتبعوا مناهج العرفانية من قهر للجسد ، وتطويع له حتى يصلوا بحر الظُلمات : ( اللاشعور ) ويعيدون غسله برؤى العقل الواعي ، فينحل التناقض بينهما ويولد الإنسان الكامل الذي يقول به المتصوفة جميعاً ، و يبلغها رهبان البوذية في معابدهم من ممارسات تعبدية تُنقي مناطق في اللاشعور .


ونواصل


Post: #559
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: osama elkhawad
Date: 08-17-2007, 06:58 PM
Parent: #558

عزيزي الشقليني
تحايا عطرات
ساعود بدليل آخر عن اهتمام الاستاذ بالشيخ الأكبر ابن العربي.
مع محبتي
المشاء

Post: #560
Title: Re: حول "المتأكدمين"
Author: osama elkhawad
Date: 08-18-2007, 05:58 AM
Parent: #559

عزيزي الشقليني
سلامات شيقات
وعدت بايراد دليل على علاقة الاستاذ بالشيخ الأكبر :محيي الدين ابن عربي .
ففي الجزء الثاني من أسئلة و اجوبة يقول الاستاذ محمود محمد طه:
Quote: أرجو أن تقرأ سلامي على الأخ الكريم الأستاذ عبد الله حامد الأمين وأرجو أن تخبره أني أرسلت له كتاب إبن عربي عقب عيد الفطر مع أحد الأخوان، وكلفته أن يزوره بنفسه، ثم إني، عندما حضرت لعيد الأضحى، زرت الأستاذ لأراه، ثم لأعلم علم الكتاب الذي أرسلته، ولكني لم أجده، وعندما رجعت لكوستي، زارني الأخ الذي كلفته بتوصيل الكتاب، ومنه علمت أنه زار الأستاذ ومعه الكتاب، ولما لم يجده، رجع بكتابه معه، وأعطاه ذا النون ليوصله إليه، ولما وصل كتابك، ومنه علمت أن الكتاب لم يصل، وكان معي هنا الأخ محمد فضل فقد كلفته، عند رجعته، أن يعمل على توصيل الكتاب من ذا النون، والآن فإني لا أدري هل وصلكم الكتاب أم لا يزال عند ذا النون ـ إذا كانت الأخرى فإن تلفون ذا النون 77089 الخرطوم فأرجو الإتصال به لاستعجال الكتاب ـ فإن وصوله إليكم يهمني كثيراً، وإسم الكتاب "فصوص الحكم" للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.
هذا ولك وللأستاذ عبد الله فائق إحترامي، وتحيتي
المخلص
محمود محمد طه


يبدو ان الاستاذ ارسل كتابا من كتب الشيخ الاكبر،و هو كتاب "فصوص الحكم" للاستاذ ،لاحظ انه يستخدم لقب الاستاذ ،للاستاذ عبد الله حامد الامين وهو من مؤسسي الندوة الادبية ،ان لم تخني الذاكرة.
وفي ما قال به الاستاذ نرى حرصه الدقيق الموسوس أحيانا لكي يصل كتاب الشيخ الاكبر اليه .
وليس من الواضح اذا ما كان انه استعاره من الاستاذ عبد الله حامد الامين او انه يريد ان يرسله اليه .
المهم القلق قد يكون على الكتاب وقد يكون على الصحبة ،
وفي كليهما فالاستاذ يضر ب نموذج الانسان الحريص .
وسنعود في مواضع اخرى
مع محبتي للمتابعات والمتابعين
ارقد عافية
يا شقليني
المشاء

Post: #561
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-18-2007, 07:26 PM
Parent: #1


الأحباء جميعاً
ونخص الأساتذة :
أسامة الخواض
الدكتور ياسر الشريف

نرغب قبل إجراء الدراسة المقارنة بين رؤى الأستاذ وفتوحات علوم النفس البشرية لدى فرويد ،
أن نُعرج على أحد المصادر من أسفار ورسائل أبو حامد الغزالي ، وهو السابق للأستاذ محمود بحوالى ثمانية قرون أو أكثر .
له تجاربه مع التصوف بعد أن قرأ وجرب لأكثر من عشر سنوات وطاف الأماكن المقدسة ، وجلس جلوس الصفاء وكتب عن التصوف .
ويلحظ الجميع هُنا رأي أبو حامد الغزالي حول التأكيد على الممارسة والتجريب أكثر من الأسفار والكتب في الغوص في عمق التصوف ،
وتلك مما تحدث به الأستاذ ، وقد يرى استخدام ( الذوق ) :

( وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقها بالتعلم والسماع فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق (1) والحال (2) وتبدل الصفات )

وستكون من مفاتيح الدراسة المقارنة .

وقد كنت أيها العزيز الكاتب أسامة تسأل كثيراً عن تقنيات التداخل بين علم النفس ومناهج التصوف التي ينعقد اللسان كثيراً في وهو لا يجد التفاصيل موضحة كيف يسلك العابد الطريق و ما مناهج الغوص في النفس البشرية .

نشكر الجميع هنا : مشاركين وأضياف وقراء وقارئات .

وإلى النص :




الأستاذ محمود ومناهج المتصوفة (4 )










أبو حامد محمد الغزالي : ( طريق الصوفية )

من مجموعة رسائله من : المنقذ من الضلال : الأحاديث القدسية : قانون التأويل .
نقطف النص :

( طرق الصوفية
ثم أني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية وعلمت أن طريقهم إنما تتم بعلم وعمل ، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس ، التـنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة ، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله .
وكان العلم أيسر عليّ من العمل ، فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي رحمه الله ، وكتب الحارث المحاسبي ، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي وأبي يزيد البسطامي قدس الله أرواحهم ، وغير ذلك من كلام مشايخهم ، حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية ، وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقها بالتعلم والسماع فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق (1) والحال (2) وتبدل الصفات , وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما ، وبين أن يكون صحيحاً وشبعاناً ، وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر ، وبين أن يكون سكراناً . بل السكر لا يعرف حد السكر ، وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء ، والصاحي يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شيء . والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وأسبابها ، وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا .
فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال ،ة وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ، ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك . وكان قد حصل معي من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى وبالنبوة وباليوم الآخر . فهذه الأصول الثلاثة من الإيمان كانت رسخت في نفسي لا بدليل معين مُحرر بل بأسباب وقرائن وتجاريب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها .)

ونقطف الآتي :

( دخلت الشام وأقمت قريباً من سنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة والرياضة والمجاهدة ، اشتغالاً بتزكية النفس و تهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى ، كما كنت حصلته من علم الصوفية . وكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق أصعد منارة المسجد طول النهار وأغلق بابها على نفسي .
ثم رحلت إلى بيت المقدس ، أدخل كل يوم الصخرة وأغلق بابها على نفسي . ثم تحركت فيّ داعية فريضة الحج والاستمداد من بركاته مكة والمدينة ، وزيارة رسول الله تعالى عليه السلام بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله عليه ، فسرت إلى الحجاز .
ثم جذبتني الهمم ودعوات الأطفال إلى الوطن ، فعاوته بعد أن كنت أبعد الخلق عن الرجوع إليه ، فآثرت العزلة به أيضاً حرصاً على الخلوة وتصفية القلب للذكر .
كانت حوادث الزمان و مهمات العيال وضرورات المعاش تغير فيّ وجه المراد ، وتشوش صفوة الخلوة . وكان لا يصفو لي الحال إلا في أوقات متفرقة ، لكني مع ذلك لا أقطع طمعي منها ، فتدفعني عنها العوائق وأعود إليها . فدمت على ذلك مقدرا عشر سنين ، وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يكمن إحصاؤها واستقصاؤها . والقدر الذي أذكره لينتفع به : أني علمت يقيناً أن الصوفية هم السابقون لطريق الله تعالى خاصة ، وأن سيرتهم أحسن السير ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق ، بل لو جمع عقل العقلاء ، و حكمة الحكماء ، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه ، لم يجدوا إليه سبيلاً ، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم ، في ظاهرهم وباطنهم ، مقتبسة من نور مشكاة النبوة ، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به .
بالجملة فماذا يقول القائلون في طريق طهارتها ـ هي أول شروطها ـ تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى ، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله (3)
( ومن أول الطريقة تبتدئ المشاهدات والمكاشفات ( 4) حنى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ، ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد . ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه . وعلى الجملة ينتهي الأمر إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول وطائفة الإتحاد وطائفة الوصول وكل ذلك خطأ ، وقد بينا وجه الخطأ في كتاب المقصد الأسنى .
وبالجملة فمن لم يرزق منه شيئاً بالذوق ، فليس يدرك من حقيقة النبوة إلا الاسم ، وكرامات الأولياء على التحقيق هي بدايات الأنبياء ، وكان ذلك أول حال رسول الله ( صلعم ) حيث تبتل حين أقبل إلى جبل حراء حين كان يخلو فيه بربه ويتعبد ، حتى قالت العرب ( إن محمداً عشق ربه ) . وهذه حالة يتحققها بالذوق من سلك سبيلها ، فمن لم يرزق الذوق فيتيقنها بالتجربة والتسامح إن أكثر معهم الصحبة ، حتى يفهم ذلك بقرائن الأحوال يقيناً . ومن جالسهم استفاد منهم هذا الإيمان ، فهم القوم لا يشقى جليسهم . ومن لم يرزق صحبتهم فليعلم إمكان ذلك يقيناً بشواهد البرهان على ما ذكرناه في كتاب ( عجائب القلب ) من كتب ( إحياء علوم الدين )
والتحقيق بالبرهان علم ، وملابسة عين تلك الحالة ذوق ، والقبول من التسامح والتجربة بحسن الظن إيمان ، فهذه ثلاث درجات { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة 11 ، ووراء هؤلاء قوم جهال ، هم المنكرون لأصل ذلك ، المتعجبون من هذا الكلام ، يستمعون ويسخرون ويقولون العجب ! إنهم كيف يهذون ! وفيهم قال الله تعالى :
{ ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } محمد 16 فأصمهم وأعمى أبصارهم .
ومما بان لي بالضرورة من ممارسة طريقتهم ( حقيقة النبوة وخاصيتها ) ولا بد من التنبيه على أصلها لشدة مسيس الحاجة أيها .

انتهى النص المقتطف من مقالات أبو حامد الغزالي .

المرجع :
مجموعة رسائل الإمام الغزالي
للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي
ـ وضع الحواشي والتقديم ( أحمد شمس الدين )
• المنقذ من الضلال
• الأحاديث القدسية
• قانون التأويل
ص (56 ـ 65 )

الحواشي والشروح بقلم ( أحمد شمس الدين ) :
والأرقام لها المرجعية في صلب النص أعلاه :

1ـ عرف الجرجاني في كتاب التعريفات . الذوق في معرفة الله بأنه عبارة عن نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه يفرقون أوليائه يفرقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب أو غيره .
2ـ الحال عند أهل الحق معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو قبض أو بسط أو هيئة ، ويزول بظهور صفات النفس سواء يعقبه المثل أو لا ، وإذا دام وصار ملكاً يسمى مقاماً . فالأحوال مواهب ، والمقامات مكاسب ، والأحوال تأتي من عين الجود ، والمقامات تحصل ببذل المجهود .
3ـ كما أول شرط لصحة الصلاة هو طهارة الجسد وموضع السجود ، كذلك أول شرط لصحة سلوك طريق التصوف هو طهارة القلب بالكلية عما سوى الله تعالى . وكما أن مفتاح الصلاة هو تكبيرة الإحرام التي يستغرق بعدها المصلي بصلاته ، فيمتنع عن كل ما يلهبه عن ذكر الله ، فكذلك مفتاح الطريقة هو استغراق القلب بالكلية بذكر الله .
4ـ المشاهدة : تطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ، وتطلق بإزائه على رؤية الحق في الأشياء ، وذلك هو الوجه الذي له تعالى بحسب ظاهريته في كل شيء . والمكاشفة : هي حضور لا ينعت بالبيان . ( كتاب التعريفات للجرجاني ) وقد قال الكلاباذي ( التعرف لمذهب أهل التصوف ص 121 ) قال سهل : التجلي على ثلاثة أحوال : تجلى ذات وهي المكاشفة ، وتجلي صفات ألذات وهي موضع النور ، وتجلي حكم ألذات وهي الآخرة وما فيها . ومعنى قوله : تجلي ذات ، هي المكاشفة ، كشوف القلب في الدنيا ، كقول عبد الله بن عمر : كنا نتراءى الله في ذلك المكان .



ونواصل

Post: #562
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-20-2007, 03:49 AM
Parent: #561

الأحباء هنا
لدينا الآن مادة من رؤى الأستاذ
ومادة من أبو حامد الغزالي
ومادة من سيجموند فرويد

ونواصل

Post: #563
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-20-2007, 10:58 PM
Parent: #1



العقل والنقل عند أبي حامد الغزالي والتقليد و الأصالة عند الأستاذ (1)



(أ)
من سفر رسائل أبو حامد الغزالي عن التأويل :
تحدث عن الفرقة الأولى : وهم الذين جردوا النظر إلى المنقول .
وتحدث عن الفرقة الثانية : وهم من جردوا النظر إلى المعقول .
والفرقة الثالثة : جعلوا المعقول أصلاً فضعف عنايتهم بالمنقول .
والفرقة الرابعة : جعلوا المنقول أصلاً ولم يغوصوا في المعقول .

وتحث عن الفرقة الخامسة :
هي الفرقة المتوسطة الجامعة بين البحث عن المعقول والمنقول . الجاعلة كل واحد منهما أصلاً مهماً ، المنكرة لتعارض العقل والشرع و كونه حقاً ، ومن كذب العقل فقد كذب الشرع ، إذ بالعقل عرف صدق الشرع ؛ ولولا صدق دليل العقل لما عرفنا الفرق بين النبي والمتنبي ، والصادق والكاذب ؛ وكيف يكذب العقل بالشرع ، وما ثبت الشرع إلا بالعقل .
وهؤلاء هم الفرقة المُحقة ، وقد نهجوا نهجاً قويماً ؛ إلا أنهم ارتقوا مرتقى صعباً ، وطلبوا مطلباً عظيماً ، وسلكوا سبيلاً شاقاً ؛ فلقد تشوفوا إلى مطمع ما أعصاه ، وانتهجوا مسلكاً ما أوعره . ولعمري أن ذلك سهل يسير في بعض الأمور ، ولكن شاق عسير في الأكثر .

(ب) تحدث الأستاذ عن التقليد والأصالة في سفره رسالة الصلاة :
التقـليد:

((صلوا كما رأيتموني أصلي))!! هكذا أمر النبي في تبليغه رسالة ربه. فالصلاة معراج النبي بالأصالة، ومعراج الأمة من بعده بالتبعية، والتقليد.. وكلمة ((رأيتموني أصلي)) لها معنى بعيد، ومعنى قريب.. فأما معناها البعيد، فهو أن نرى بعين البصيرة حالة قلب النبي من صدق التوجه، حين يقوم لصلاته. فهو حين يقول الله أكبر، في إحرامه، لا يكون في قلبه أكبر من الله، لأنه حرر نفسه من علائق الدنيا بتقليل حاجته منها، وبزهده فيها، وهذا ما أشرنا إليه آنفا في مقام العبودية وأما معناها القريب، فهو أن نرى بعين البصر حركات النبي الظاهرة في صلاته فنتقنها أيضا.. فنحن بدون أن نراه بعين البصيرة وبعين البصر.. وبعبارة أخرى بدون أن نعرف حالة قلبه، وحركات جسده، لا نكون قد رأيناه.. وإذا صلينا بمحاكاة حركات الجسد، بدون محاكاة صدق توجه القلب، لا نكون أطعنا عبارته ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وآفة صلاتنا الحاضرة أننا ذهلنا عن هذه الرؤية المزدوجة، فأصبحنا نتقن حركات الصلاة، ولكن قلوبنا شاردة. فنحن، حين نقوم بأجسادنا في مساجدنا، نكون بقلوبنا في السوق، أو في الشارع أو في الأماكن العامة.. ونحن، حين نقول الله أكبر في إحرامنا يقول مناد من قبل الحق كذبتم.. لستم بها صادقين.. وإنما المال أكبر، أو الجاه أكبر، أو السلطة أكبر من الله في قلوبكم. وبذلك لا تكون صلاتنا صلاة، ويحق فينا قوله تعالى: (( الذين هم يراؤون ويمنعونفويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون الماعون)) سماهم المصلين، لأن حركاتهم حركات مصل. ثم قال فيهم أنهم عن صلاتهم ((ساهون)) يعني غافلون عن حقيقة صلاتهم، وهي التي تقوم فيها الصلة بين الله وبينهم وذلك بحضور قلوبهم فيها.. ولذلك قال ((الذين هم يراؤون)) أي يهتمون بالظاهر ويهملون الباطن ((ويمنعون الماعون)). والماعون يعني القلب.. يمنعونه من الله أن يكون فيه، ويملأونه بأصنام حب الجاه والمال والسلطة.
وقد قال المعصوم: ((رب مصل لم يقم الصلاة))!! هو مصل، حسب ظاهر حركاته، ولم يوف الصلاة حقها بحضور القلب فيها، فكأن صلاتك في صلاتك هي حضورك مع ربك فيها، طال هذا الحضور، أثناء صلاة الحركات أم قصر، وليس ما عدا ذلك صلاة، وإن كان قيام الليل كله.
ويحدثنا القرآن فيقول ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)) فهل يظن أحد، أنه يمكن أن نحوز حب الله، إذا اتبعنا النبي في ظاهر أمره من الحركات والسكنات، ثم أهملنا الإتباع الباطني؟؟ وقول القرآن ((ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) وكذلك الفهم هنا.. فإن الرسول آتانا بالمعنى القريب، وبالمعنى البعيد.. أما بالمعنى البعيد، فقد آتانا أشياء بلسان حاله، وأما بالمعنى القريب، فقد آتانا أشياء بلسان مقاله.. فما آتانا إياه بلسان حاله، فهو سنته، وما آتانا إياه بلسان مقاله، فهو شريعته.. ولسان مقال النبي صادق، ولسان حاله صادق، ولكن لسان حاله أصدق من لسان مقاله، لأن الحقيقة فوق العبارة. قال المعصوم: ((قولي شريعة، وعملي طريقة وحالي حقيقة)) وحاله هو سنته.
الأصـــالة

إذا فهمنا هذا، يتضح لنا أن المعصوم، حين قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) كأنما قال بلسان العبارة ((قلدوني في صلاتي بإتقان، وبتجويد، حتى يفضي بكم تقليدي إلى أن تكونوا أصلاء مثلي))، أو كأنه قال: ((قلدوني بإتقان، وبتجويد وبوعي تام، حتى تبلغوا أن تقلدوني في أصالتي)).. غير أنه ليس في الأصالة تقليد.. ولكن فيها تأس ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) ((أسوة)) قدوة في كمال حاله.
فالنبي آتانا بلسان الشريعة - لسان المقال- أمرا بالتقليد، وآتانا بلسان الحقيقة - لسان الحال- أمرا بالأصالة.. ولا تكون الأصالة إلا بعد تجويد التقليد.. فالأصالة غاية من تقليدنا النبي، وليس التقليد غاية في ذاته.
والمعراج الأكبر، الذي ارتفع في مراقيه المعصوم، بتوفيق الله، ثم بإعانة جبريل له، قد ظل تحقيقه هدف المعصوم في جميع حياته، بوسيلة معراجه الأصغر - الصلاة- وقد جعل الله له قرة عينه في الصلاة، لأن فيها تتحقق الجمعية بربه كل حين، وبها تقطع، عند كل ركعة، مرحلة جديدة، من مراحل القرب إلى المقام المحمود.. مقام ((ما زاغ البصر وما طغى)). وهذا المقام يجب أن يظل هدف كل مصل من هذه الأمة، لأن به تمام المعرفة، وكمال الشهود، وهو الشهود الذاتي، الذي يرقى فوق الشهود الأسمائي، كما أسلفنا القول، ولأنه مقام تحقيق الفردية، ولأنه مقام الاستمتاع بالحرية الفردية المطلقة، التي ورد ذكرها كثيرا في هذه الرسالة.
لقد تحدثنا في آيات سورة ((والنجم)) التي أوردناها آنفا عن سدرة المنتهى، حيث تخلف جبريل عن المعصوم، وسار النبي بلا واسطة لحضرة الشهود الذاتي، لأن الشهود الذاتي لا يتم بواسطة، وقد كان تخلف جبريل عن النبي لأنه لا مقام له هناك، والنبي، الذي هو جبريلنا نحن، يرقى بنا إلى سدرة منتهى كل منا، ويقف هناك، كما وقف جبريل، بيد أنه إنما يقف لكمال تبليغه رسالته، ولكمال توسيله إلى ربه، حتى يتم اللقاء، بين العابد المجود وبين الله بلا واسطة. فيأخذ كل عابد مجود، من الأمة الإسلامية المقبلة، شريعته الفردية من الله بلا واسطة، فتكون له شهادته، وتكون له صلاته وصيامه وزكاته وحجه، ويكون، في كل أولئك، أصيلا، ويكون، في كل أولئك، متأسيا بالمعصوم في الأصالة.. وإنما يتم كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل كمال توسيل المعصوم إلى ربه.. ذلك لمن جود التقليد. وإلى هذه الأصالة الإشارة بقوله تعالى ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)).
كون السياق إخبارا عن الأمم فهو أمر واضح، ولكنه إخبار عن الأفراد أيضا، وهو في باب الفردية أدخل منه في باب الأممية ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)): لكل فرد منكم جعلنا ((شرعة)).. يعني شريعة، ((ومنهاجا)) يعني سنة. ((فشرعة ومنهاجا)).. يعني شريعة وحقيقة.. فشريعة العارف طرف من حقيقته، وهو فردي الحقيقة، فردي الشريعة، وشريعته الفردية فوق الشريعة العامة بما لا يقاس ((ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)) يعني لجعلكم على شاكلة واحدة - والأمة هنا تعني الفرد.. قال تعالى ((إن إبراهيم كان أمة، قانتا لله، حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه، اجتباه وهداه إلي سراط مستقيم)) فأمة هنا تعني إماما يقتدى به ((ولكن ليبلوكم فيما آتاكم)) ولكن ليختبر كل فرد فيما آتاه من النعم المودعة في قلبه وعقله، ماذا فعل فيها؟؟ هل زكاها؟ يعني نماها وحررها أم دساها؟ يعني أهملها وأخملها ((فاستبقوا الخيرات)) المعارف ((إلى الله مرجعكم جميعا)) وهنا دليل الفردية في الآية لأن الناس لا يرجعون إلى الله إلا فرادى ((ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)). وكما قلنا ذلك عند الحديث عن الفردية ونزيد هنا قوله تعالى ((وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)) (( ألزمناه طائره في عنقه)) طائره يعني قلبه ((ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا)) يعني قلبه أيضا و ((اقرأ كتابك)) يقرأ ما كتبه عقله على صفحات قلبه من جهالات أو معارف و ((كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)) الفردية فيها ظاهرة.
((فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)) معناها يجعلكم تحققون فردياتكم التي بها يقع الاختلاف أو قل التمايز بينكم.
الأمر فيما يخص التقليد والأصالة بإيجاز هو هكذا: -
الله تبارك وتعالى هو الساير أمامنا جميعا، ولكن مواضع أقدامه خفية لا ترى إلا بنور قوي، لم يكن يملك هذا النور غير جبريل فسار يضع أقدامه على مواضع أقدام الله تماما وبدقة.. ومواضع أقدام جبريل خفية أيضا، لا ترى إلا بنور قوي، لم يكن يملكه غير محمد، فسار محمد يضع أقدامه على مواضع أقدام جبريل تماما، وبدقة، ويحاول جاهدا أن يوضح مواقع أقدام جبريل بضغط أقدامه هو عليها، فأصبحت واضحة لكل منا على صور متفاوتة.. وأدنى هذه الصور وضوحا، واضح بشكل كاف، ليتبعه من هذه الأمة أقلهم نورا، ولكن بعض الناس اكتفى بالسير خلف النبي، من غير أن يهتم بمواقع الأقدام، فذلك هو المقلد العادي، وبعضهم اهتم بأن يسير خلف النبي، وبأن يضع أقدامه في مواضع أقدام النبي، بضبط وإتقان، حتى لا يزيد أثر قدمه على أثر قدم النبي، ولا ينقص عنه، حيث أمكنه ذلك، فذلك المقلد المجود للتقليد.
ثم إنه، بفضل هذا الاتباع، انعكست الأنوار المحمدية على المقلدين، كل على حسب بلائه، فأصبح نظره يقوى حتى استطاع أن يرى مواقع أقدام جبريل، التي كانت خفية عنه في أول أمره، ثم سار في إتقان تقليده، حتى رأى مواقع أقدام الله التي كانت خافية على محمد، فأخذ يوضحها له جبريل بسيره عليها، وسار محمد بسير جبريل، حتى قوي، فاستقل بالرؤية والاتباع.
فإذا رأى المقلد، المجود لتقليد النبي، مواضع الأقدام الإلهية فإنه يستقل بالرؤية وبالاتباع. فيكون في آخر أمره، وبفضل إتقان تقليد النبي، مقلدا لله بلا واسطة النبي.
وتعالى الله عن الأقدام الحسية، بالصورة التي نعرفها نحن وإنما مواضع أقدامه مرامي الحكمة الخفية، الباطنة، في إرادته تلك الحكمة، التي خفيت ودقت، ولطفت، حتى أصبحنا نسير أمامه تبارك وتعالى، وننتظر منه أن يتبعنا هو، لفرط جهالتنا وغفلتنا، وذلك حين نختار إرادتنا على إرادته، ونسخط، في سبيل ذلك الاختيار، على إرادته هو ((سبحانه وتعالى عما يشركون)) إن تقليدنا لله تعالى، معناه سيرنا على مواضع إرادته بتبعية، واستسلام، وتلك هي العبودية، التي تحدثنا عنها كثيراً هنا، وقلنا أنها هي التكليف الأصلي، ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)). يذكرني هذا الحديث بأبيات المربي الحكيم، شيخ الطائفة الصوفية، أبو القاسم الجنيد إذ يقول:
تطهر بماء الغيب إن كنت ذا ســر وإلا تيمم، بالصـعيد، وبالصخـــر
وقدم إمامــا، كنت أنت أمامــه، وصل صلاة الفجـر، في أول العصر
فتلك صـــلاة العارفين بربـهم فإن كنت منهم، فانضـح البر بالبحـر
ولسنا، في هذه الرسالة، بصدد شرح هذه الأبيات، وإنما يهمنا منها في هذا المقام: -
وقدم إماما،كنت أنت أمامه، وصل صلاة الفجر، في أول العصر، ((قدم إماما)) يعني الله ((كنت أنت أمامه)) كنت في حالة جهلك تقدم نفسك عليه، وتجعله وراء ظهرك، كناية عن اختيارك إرادتك على إرادته، وسخطك على إرادته. ((وصل صلاة الفجر)) يعني فجر الروح، قبل خلق الأجساد، ((في أول العصر)) يعني أول عصر الخليقة، في عالم الأجساد، وذلك عالم الذر الذي قال تعالى عنه ((وإذ أخذ ربك من بني آدم، من ظهورهم، ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا بلى!! شهدنا! أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين - أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا، من قبل، وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟- وكذلك نفصل الآيات، ولعلهم يرجعون)).
وقوله هنا ((ألست بربكم؟ قالوا بلى!)) يعني إقرار الخلائق قبل الأجساد بالعبودية. وقوله ((وكذلك نفصل الآيات، ولعلهم يرجعون)) إشارة إلى الغفلة التي استولت على الناس فأذهلتهم عن عبوديتهم لربهم، وجعلتهم يقدمون أنفسهم عليه كما وردت الإشارة في أبيات الإمام الجنيد وقوله ((وكذلك نفصل الآيات، ولعلهم يرجعون)) كقوله ((ولقد يسرنا القرآن للذكر، فهل من مدكر؟)) والمقصود أننا جعلنا آيات القرآن ممهدة، لتذكير الغافلين عن الميثاق، الذي التزموه بالإقرار بعبوديتهم لربهم في عالم الذر، في أول عصر خليقتهم، حين قالوا بلى شهدنا في الإجابة على سؤال الرب ((ألست بربكم؟)).
((وصل)) هنا معناها ((اتبع)). والمصلي هو الذي يجيء في صلي المجلي.. فالمجلي الأول، والمصلي الثاني، وفي ذلك يقول شاعرهم:
إنا بني نهشــل، لا ندعـي لأب عنه، ولا هـــو بالأبنــاء يشرينا
إن تستبق غــاية يومـا لمكرمة تلق الســـوابق منــا والمصلينا
يتضح من هذا كله، أن تقليدنا للنبي يقوي عقولنا، لنصبح قادرين على أن نقلد الله، ولذلك فقد قال المعصوم ((تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم)) وتقليدنا الله معناه أن نسير خلفه، ولا نتقدم عليه فنجعله خلفنا، تعالى عن ظن الجاهلين.. وسيرنا خلفه هو العبودية، التي هي أعلى مبلغ يبلغه الانسان، وقد تحدثنا عن العبودية بما يكفي في هذا المقام.
الصلاة بين المؤمن والمسلم

ماذا يكون من أمر آية ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا))؟؟ فاسمع إذن.. المقصود هنا الصلاة الشرعية و ((كتابا موقوتا)) يعني فرضا له أوقات يؤدى فيها، و ((على المؤمنين)) مرحلة أمة البعث الأول، وهي الأمة التي نعيش الآن في أخريات أيامها، وقد ندبت لتواصل سير ترقيها وتطورها إلى ((أمة المسلمين)) وذلك حين قال تعالى ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) فعجزوا عن ذلك، فنزل إلى مستوى طاقتهم، فخوطبوا بقوله تعالى ((فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)) وظل الأمر، بالتطور، والترقي، والارتفاع من ((أمة المؤمنين)) إلى ((أمة المسلمين)) قائما، حيث المطلوب اليوم بروز الأمة المسلمة من الأمم الحاضرة، التي قد أنفقت قرابة أربعة عشر قرنا، في التجارب البشرية الخصبة، في معترك الحياة المادية، والفكرية، وإن بعدت الشقة، بين هذه الأمم وبين الدين في جميع صوره، وأصبحت بذلك في جاهلية جديدة، هي أرقى من جاهلية أمة البعث الأول بآماد بعيدة، وهذه الجاهلية الجديدة، هي ما أسميناها، في صدر هذه الرسالة، بالمدنية الغربية الآلية الحاضرة التي نعيش جميعا على هداها، والتي قلنا أنه عملة ذات وجهين، وجه حسن، ووجه دميم، وقلنا أنها تطلب السلام اليوم طلبا حثيثا، وأنها لا بد لها من اعتناق الإسلام لتحقيق حاجتها إلى السلام.. وسيكون دخول أمم المدنية الغربية الحاضرة ضربة لازب، وسيبدأ إسلامها من الإسلام الذي هو بداية ثم تمر على مرتبة الإيمان، وهو مقام أمة البعث الأول ثم يطرد ترقيها بوسائل العبادات، ووسائل المعاملات، وعلى قمتها الصلاة، حتى ترقى برقي أفرادها إلى مرتبة الإسلام، التي لم يحققها إلا أفراد، من لدن آدم، وقد قصر عنها حتى بعض الأنبياء.. فكل مسلم لا بد له أن يمر بمرحلة المؤمن، قبل أن تخطاها بالمزيد من الإيمان، والمزيد من العلم، حتى يبلغ مرحلة الإيقان، والإيقان على مراتب ثلاث.. مرتبة علم اليقين، ومرتبة عين اليقين، ومرتبة حق اليقين، والقرآن يقول في ذلك: (( ثم لترون الجحيم كلا لو تعلمون علم اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيملترونها عين اليقين )) ويقول في حق اليقين من سورة الواقعة: (( فسبح باسمإن هذا لهو حق اليقين ربك العظيم)) والإشارة بهذا إلى ((إنه لقرآن كريم)) التي سبقت السياق في هاتين الآيتين.. فحق اليقين هو القرآن.
ولا تكون مرتبة الإسلام قبل بلوغ مرتبة حق اليقين، هذه، كما سلف القول، وكلما زاد العلم كلما زاد اليقين فاطمأنت النفس، وسكن القلب، فكان الرضا وكان الإسلام. والإيمان لا ينفك سايرا نوره أمام السالك في مراقي الإسلام ذلك بأن كل درجة يبلغها ويستيقنها اليوم إنما كانت في منطقة الإيمان بالأمس، وهي لا تصبح منطقة يقين حتى يرتفع إيمانه إلى منطقة جديدة، كانت قبلا خارجة عن الاعتبار.. فالإيمان هو مقدمة الإيقان.. أو قل هو عكاز الأعمى، يتحسس به مواقع قدميه ريثما ينقلهما لأمام على بصيرة ما، والصلاة الشرعية هي العمل الذي يرفع الإيمان، ومن ورائه الإيقان، في المراتب المختلفة، وقد أوردنا في ذلك قوله تعالى ((إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)).
ويصبح شأن الآية ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)) مع المسلم الذي يمر بمرحلة الإيمان، الذي هو مرتبة الأمة الأولى، أن الصلاة الشرعية، في حقه، فرض له أوقات يؤدى فيها، فإذا ارتقى: بحسن أدائها بتجويده تقليد المعصوم، حتى ارتقى في مراقي الإيقان، التي ذكرناها، حتى بلغ حق اليقين، وسكن قلبه، واطمأنت نفسه، فأسلمت، طالعه المعنى البعيد لكلمة ((موقوتا)) في الآية ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)) وذلك المعنى، في حقه هو، أن الصلاة الشرعية فرض، له وقت ينتهي فيه، وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالاستقلال عن التقليد ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية، من ربه بلا واسطة، تأسيا بالمعصوم.. فهو، حينئذ، لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد، ويرفع من بينه وبين ربه، بفضل الله، ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي، الحجاب الأعظم.. الحجاب النبوي.
والذين يدخلون في مراتب الشرائع الفردية، هم المسلمون حقا - هم الأحرار، الذي سبقت الإشارة إليهم، في هذا الحديث، حين قلنا أن الحر حرية فردية مطلقة، هو الذي استطاع أن يعيد وحدة الفكر، والقول، والعمل إلى بنيته. فأصبح يفكر كما يريد ويقول كما يفكرن ويعمل كما يقول، ثم لا تكون عاقبة عمله إلا خيراً للناس، وبراً بهم، وبذلك يستطيع أن يعيش فوق قوانين الجماعة، لأنه ملزم نفسه بشريعته الفردية، وهي فوق مستوى الشريعة الجماعية، في التجويد، والإحسان، والبر، والتسامي.
((الإسلام دين الفطرة)) معناها دين ((علم النفس))، وهو سيهدي البشرية، من حيث هي بشرية، بصرف النظر عن ألوانها، وألسنتها، إلى ضالتها المنشودة.. هو سيهدي كل إنسان إلى نفسه، لأنه كما قلنا ((علم نفس)) وهو بهذا المستوى العلمي، سينتصر في عصر العلم على الأديان التقليدية، فيتحقق موعود الله تعالى: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون)) ((بالهدى)) إلى النفوس كما قال ((من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه)) ((ودين الحق)) يعني دين العلم، ولسنا نريد الإطالة ههنا، فإن له سفرا خاصا سيكون عنوانه ((العهد الذهبي للإسلام أمامنا)).

(ج )

الرأي :

أما الأستاذ فقد تحدث عن التقليد و الأصالة حيث الأصالة تصعد المراقي ، في حين تحدث أبو حامد الغزالي عن الفرقة الخامسة التي تجعل النقل أصلاً والعقل أصلاً و وصفه بالنهج القويم .

ونواصل

Post: #564
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-21-2007, 07:29 AM
Parent: #1



بين سيجموند فرويد و محمود (2)

من سِفر . دكتور فيصل عباس :
( التحليل النفسي والاتجاهات الفرويدية )
المقارنة العيادية : ص 5 ـ المقدمة :
عند فرويد تطورت نظرية الشخصية وأصبح الالتماس ( الالتماس العيادي ) هو نوع من السعي للوصول لداخلية الفرد وفهمها . تطورت نظرية فرويد في تقنية التحليل للوصول إلى لاوعي الآخر وتمكين الفرد من وعيه للسيطرة عليه وتعقيله ، بل أصبح الالتماس يغوص في الشخصية عن طريق معاني التحليل الثلاثة :
1) التداعي الحُر وتحليل التحويل والمقاومة

2) مجموعة نظريات في الوظائف السيكولوجية للفرد تؤكد أهمية اللاوعي والقوى الدينامية في الوظائف النفسية

3) طريق البحث في وظائف وعمل النفس السوية واللاسوية .

ومن ص 42 :
استخدم فرويد التحليل لصياغة فلسفة الحضارة والتاريخ وأن سير العلميات في اللاشعور تُحدد خاصية نشوء المعايير الأخلاقية للسلوك والإنجازات الحضارية .
يصف فرويد الدِين بأنه وهم واقٍ ومؤاسٍ ، والكُلي القُدرة ليس سوى إسقاط خيالي للأدب ، يرد على حاجات الطفل بسيطرته على المخاطر وبتهدئة قلقه .
لكن الإنسان يطمح للسعادة وهي ظاهرة عرضية مرتبطة بإشباع حاجات بلغت درجة كبيرة من التوتر . أما التعاسة فهي تُحيط بنا من كل صوب . إنها مأساة العيش في المجتمع بكل أعرافه وقيوده .

ويتابع دكتور فيصل :

فالإنسان يصاب بالعصاب لأنه لا يستطيع تحمل التخلي المفروض عليه من المجتمع باسم الثقافة ، فالإنسان يشعر بخيبة أمل في عالم معقد ، سيطرت عليه التقنية والقيود والتحريات الاجتماعية ، لذلك فإن الحضارة بالضرورة قمعية وتُضيِّق على حياته الجنسية ، وتأمر كل فرد بأن يحب قريبه وأن يكبُت كراهيته وعدائيته والحد بكل الممكن من عدائية الإنسان ، لكن النزعة العدائية تتحول إلى( الأنا ) الخاص ويتسلم جزءاً منها الأنا العليا بصفته الضمير الأخلاقي فيظهر ( الأنا النفس ) العدوانية التي كانت الأنا على استعداد لإظهارها تجاه شخص آخر . هذا التوتر بين الأنا العليا والأنا ليس إلا شعور بالذنب الذي سينمو أكثر فأكثر ، ويعتبر فرويد أن لهذا الشعور أسبابه : ـ
القلق أمام التسلط ، والقلق أمام الأنا العليا . هذا الشعور بالذنب هو أساس التعاسة والبؤس النفسي الذي نشعره تجاه الحضارة .

التناقض بين الجنسية والحضارة :

إن التناقض بين الجنسية والحضارة جذري بشكل مطلق ويعبر عن نفسه مباشرة بالقمع الذي يطال النـزوات الجنسية ويبدو العداء بين الحُب والحضارة أمراً لا مفر منه . إن النـزاع بين الأسرة وبين الجماعة الأوسع نطاقاً هو أمر مُحتم فالأسرة لا تريد التخلي عن الفرد ، ويزداد أعضاؤها ميلاً للانعزال بأنفسهم عن المجتمع ، وتزداد صعوبة دخولهم إلى دائرة الحياة الكبيرة كلما توثقت عُرى العلاقات التي تربطهم ببعض . هكذا فإن الافتراق عن الأسرة مهمة شاقة للغاية بالنسبة لكل مراهق ، يساعده المجتمع في كثير من الأحايين على أداء مهمته عن طريق طقوس البلوغ أو إطلاعه على أسرار الحياة الجنسية البالغة .

رأي غريب لفرويد عن المرأة :

يرى فرويد إن النساء أكثر الناس عداء للحضارة لأنهن لا يرغبن في التخلي عن قسم من علاقات المحبة لصالح العلاقات الاجتماعية . هذا مع أولئكَ النسوة أنفسهن اللواتي أرسينّ في البداية أساس الحضارة بفضل مطالب الحب : كانت المرأة الجاذبة للرجل والمفجرة للحب داخله ، أما الرجل فكانت لديه دائماً قوة ذهنية غير محدودة وقدرة على التسامي بنـزواته ، بينما لا تملك المرأة أهلية كبيرة لذلك التسامي ، وكان على الرجل أن يقوم بتوزيع مناسب لطاقاته الليبيدية . يقتطعه بوجه خاص من النساء ومن الحياة الجنسية :
( و حين ترى المرأة نفسها وقد أقصتها متطلبات الحضارة إلى المرتبة الثانية تقف من هذه الحضارة موقفاً عدائياً )

يرى دكتور عباس عن فرويد الآتي :

منذ تطور الطوطمية الأولى تنطوي الحضارة على قواعد صارمة بشأن حظر اختيار الموضوع من بين المحرمات ، وهو حظر يساوي أعظم بتر وتشويه فُرض على حياة الحب لدى الكائن الإنساني ، وتزيد القيود أكثر فأكثر بفعل المحرمات والقوانين والعادات التي تفرض على النساء والرجال معاً .
ويشير فرويد إلى أن ظاهرة قمع الحياة الجنسية تبالغ فيها الحضارة الحديثة بتطبيق قوانينها القمعية على الجنسين مُبالغاً في شدته فلئن بدأت الحضارة اليوم بوضع قيود صارمة وقمع الجنسية عند الطفولة فإن لهذا الفعل ما يبرره ، لأن حجز رغبات البالغ الجنسية المتأججة لا يمكن أن توفيقه ما لم يُمهَد له منذ الطفولة بعمل تحضيري . لكن ما هو غير مقبول هو مغالاة المجتمع المتحضر بالنسبة للجنس بإلزام الفرد على التعبير عن الجنس فقط في إطار الزواج ( الآحادي في الحياة المسيحية ) وسيقتصر اختيار الفرد البالغ جنسياً لموضوعه على الجنس الآخر ، وستحظر أغلب طرائق الإشباع الخارجية على النطاق التناسلي بوصفها انحرافات ، وهو بتعاليه على التفاوت الذي يشمل تكوين الناس الجنسي الفطري والحرمان من اللذة الشهوانية ظلم فادح .
انتهت النصوص المنقولة عن آراء فرويد .



الرأي :
عندما نقارن الأرضية التي ينطلق منها عالم النفس فرويد ، وجُل عمله منذ بداية القرن العشرين وإلى عام 1939 م فإن المفاهيم التي توصل إليها من خلال تجارب الأمراض النفسية والتنقيب في أسبابها من الغوص في العقول الباطنة لمعرفة أسرار تلك الأمراض النفسية ، وقد كانت وسيلتها في الزمان السابق هو التنويم الإيحائي ، والذي لم يزل يُمارس حتى يومنا هذا للوصول لأعماق اللاشعور واستدعاء كافة الضغوط التي تعرض لها المرء من قمع المجتمع لغرائزه المنطلقة ، وللغلظة في ذلك القمع الذي يولد أثراً عميقاً في النفس . ومن ثم تطورت تقنية الوصول لمكامن العقل الباطن أو اللاشعور بوساطة منهاج التحليل النفسي وهو استدعاء ردود الأفعال الحُرة من بعض الاختبارات المتنوعة والتي من خلال ردود أفعال المريض يمكنه الوصول لعلل العقل الباطن . لقد أفاد سيجموند فرويد أيما فائدة من خلال عمله في العلاج النفسي للوصول لمنهاج لكيف يتعامل العقل الباطن أو اللاشعور صاحب الغرائز الحُرة وكيف منذ الطفولة يقوم المجتمع بالحد من انطلاقة تلك العفوية ، فلإنسان مأزوم منذ طفولته سواء أن كان مريضاً أو صحيحاً نفسياً ، وبذلك تمكن فرويد من بناء نظرية التحليل النفسي من وقائع تحكي واقع أوروبا في بداية القرن الماضي وما بين الحربين الأولى والثانية . وتلك تُفسر لنا كيف كان المجتمع آنذاك ، وكيف كانت قيوده تُقارب ما يعيشه المجتمع الذي يتحدث عنه الأستاذ محمود .
مقارنة بين رأي فرويد ومحمود في الدين :
(أ) رأي فرويد :
فرويد قال رأيه بصراحة في العقائد الدينية من واقع مباحثه في علم النفس :
( يصف فرويد الدِين بأنه وهم واقٍ ومؤاسٍ ، والكُلي القُدرة ليس سوى إسقاط خيالي للأدب ، يرد على حاجات الطفل بسيطرته على المخاطر وبتهدئة قلقه .) وذلك يظهر جلياً عندما نواجه ضعف النفوس عند المُلمات وفي الأحزان ، تجد الاحتماء بالعقيدة الدينية هو الدرع الواقي .
(ب) رأي الأستاذ محمود :
يرى الأستاذ أنه نظر الدين بالتأويل وليس بالتطوير ، كما بين ذلك في خلافه مع الدكتور مصطفى محمود ، وهو متفق على أسس الدين وإيمانه العميق بالله والوحي والنبوة ، وتقيده بنهج طريق النبي في التقليد حتى الرُقي إلى الأصالة الفردية التي يأخذها العابد من ربه مُباشرة من تأويل الآية الكريمة :

{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6
وتلك من مقولات الأستاذ في سِفره عن الصلاة .

أما رأى كل من فرويد والأستاذ محمود في تحليل المرأة في عوالمهما فيحتاج لوقفة أخرى حين يتيسر .

ونواصل

Post: #567
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-23-2007, 07:18 AM
Parent: #564



بين سيجموند فرويد و محمود (3)


حول الرؤى الفلسفية للأستاذ محمود ونتائج أبحاث عالم النفس فرويد :

لقد أوضحنا سابقاً من أن هنالك فرق بين الرأي الفلسفي للأستاذ محمود وبين نتائج ومباحث عالم النفس فرويد ، رغم أن هنالك لقاء بين مسلك التعبُد عند الصفاء لدى الأستاذ محمود وهو مسلك له علاقة وثيقة بممارسة الإيحاءات والعبور من العقل الواعي إلى اللاشعور أو العقل الباطن كما يسميه جل علماء النفس ، في حين نجد مسميات أخرى لدى التُراث الصوفي ، ولكنهم يلتقون جميعاً بأن الذهن البشري ومخزون العقل الباطن أو اللاشعور هو كنز قيد المباحث من ثقل وعِظم محتوياته من ذاكرة منذ الميلاد ( ونزعم نحن أن المخزون هو سابق للميلاد ومهاجر من عصور قديمة ، ويوجد ما يدعمه عند دراسة تقمص الأرواح في الأديان أو تقمص الذواكر إن صح التعبير عندما نُفرد لها باباً لوحده ) .
معظم المتصوفة كانوا يحاولون كتابة طرائق التعبُد وذلك تراث له تاريخ موغل في القدم ، وقد ذكرنا نحن ديانات الشرق التي سبقت في الدخول لعوالم اللاشعور والذاكرة اللامتناهية من المعارف والمعلومات المخزنة فيه ، وقد اختلطت منذ القدم بالطقوس الدينية والتبحر في الصلوات والتأمل التي تتطلب الكثير من الجهد والتفرغ مما لا يتوفر إلا لحياة الرهبان والكهنة منذ زمان قديم ، وهي تتعارض مع شكل ونظم الحياة واللهث وراء صعاب الدُنيا ولا تتوفر لعابد اليوم تلك الصفوة التي يمارسها الرهبان في خلواتهم . وقد كانت اليوغا مثلاً ومسلك الحياة العرفانية في الشرق مرتبطان بطقوس الأديان ، وتُمارس تقنية الوصول للصفاء وينابيعه من خلال مسلك ومنهاج ولُغة يتفوه بها الجالس للصفاء ، يعتبرها العابد صلة بينه وبين الإله ، في حين يعتبرها عالم النفس عبور من العقل الواعي للعقل الباطن أو اللاشعور و من خلال بوابة يتمكن الإنسان بإتباع تقنية مُحددة من الولوج للعقل الباطن . وقد أمكن منذ زمان نزع التقنية في اليوغا عن العبادة وتم تحريرها من تلك التبعية وأضحت مسلكاً . قام الحلاج منذ أكثر من ألف عام بنـزع اليوغا من جسم العبادة القديمة وألبسها لبوس الإسلام .

ونواصل


Post: #565
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-21-2007, 09:31 PM
Parent: #1


ببطء نخطو ..

ونواصل


Post: #566
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-22-2007, 07:50 AM
Parent: #565

لم نزل نقارن بين رؤى أبو حامد الغزالي وسيجموند فرويد مع رؤى الأستاذ محمود

ونواصل

Post: #568
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-24-2007, 08:41 AM
Parent: #566



بين سيجموند فرويد و محمود (4)


(1)
نص مقتطف من الرسالة الثانية من الإسلام للأساذ / محمود محمد طه :
عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلا في الإسلام

والأصل في الإسلام المساواة التامة بين الرجال والنساء ، ويلتمس ذلك في المسئولية الفردية أمام الله، يوم الدين ، حين تنصب موازين الأعمال . قال تعالى في ذلك (( ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ، ولو كان ذا قربى ، إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ، وأقاموا الصلاة ، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ، وإلى الله المصير )) وقال تعالى (( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ، لا ظلم اليوم ، إن الله سريع الحساب )) وقال تعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة )) ولكن الإسلام نزل ، حين نزل ، على قوم يدفنون البنت حية خوف العار الذي تجره عليهم إذا عجزوا عن حمايتها فسبيت ، أو فرارا من مؤونتها إذا أجدبت الأرض ، وضاق الرزق : قال تعالى عنهم (( وإذا بشر يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ،أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم أيمسكه على هون ، أم يدسه في التراب ؟ ألا ساء ما يحكمون )) ومن ههنا لم يكن المجتمع مستعدا ، ولا كانت المرأة مستعدة ليشرع الإسلام لحقوقها في مستوى ما يريد بها من الخير ، وكان لا بد من فترة انتقال أيضا يتطور في أثنائها الرجال والنساء ، أفرادا ، ويتطور المجتمع أيضا . وهكذا جاء التشريع ليجعل المرأة على النصف من الرجل في الميراث ، وعلى النصف منه في الشهادة . وعلى المـرأة الخضوع للرجل ، أبا وأخا وزوجا .. (( الرجال قوامون على النساء بما فضـل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقـوا من أموالهم )) والحـق ، أن في هـذا التشريع قفـزة بالمرأة كبيرة بالمقارنة إلى حظـها سابقا ، ولكنـه ، مع ذلك دون مراد الدين بها .

(2)
نص مقتطف من من سِفر . دكتور فيصل عباس :

( التحليل النفسي والاتجاهات الفرويدية )
المقارنة العيادية : ص 5 ـ المقدمة :

يرى فرويد إن النساء أكثر الناس عداء للحضارة لأنهن لا يرغبن في التخلي عن قسم من علاقات المحبة لصالح العلاقات الاجتماعية . هذا مع أولئكَ النسوة أنفسهن اللواتي أرسينّ في البداية أساس الحضارة بفضل مطالب الحب : كانت المرأة الجاذبة للرجل والمفجرة للحب داخله ، أما الرجل فكانت لديه دائماً قوة ذهنية غير محدودة وقدرة على التسامي بنـزواته ، بينما لا تملك المرأة أهلية كبيرة لذلك التسامي ، وكان على الرجل أن يقوم بتوزيع مناسب لطاقاته الليبيدية . يقتطعه بوجه خاص من النساء ومن الحياة الجنسية :
( و حين ترى المرأة نفسها وقد أقصتها متطلبات الحضارة إلى المرتبة الثانية تقف من هذه الحضارة موقفاً عدائياً)

الرأي :

1/ يختلف سيجموند فرويد لطبيب معالج وعالم نفس عن الأستاذ / محمود محمد طه كفيلسوف مؤسس لتأويل للدين الإسلامي وفق منظوره في التجديد ، وذاك اختلاف نوعي من أن الأول طبيب بنى نظرياته على تجارب سريرية ومرضى جلسوا لعلاجه وبنى نظرياته على أسس من علوم النفس البشرية وأسس التحليل النفسي ومناهج التداعي الحُر ، وبين فيلسوف يورد مقاطع عامة من علوم النفس البشرية .
2/ يرى الأستاذ محمود المرأة من خلال مساواتها للرجل كتأويل في الرسالة الثانية من الإسلام ، بما يتجاوز الرسالة الأولى .
3/ لم يتحدث سيجموند فرويد عن حقوق المرأة أو مساواتها بالرجل ، بل تحدث عن قدرتها على الخيال والتسامي الإبداعي وأن الرجل يتفوق عليها من واقع الدراسة للمرأة في عهده ( أوروربا قبل الحرب العالمية الثانية ) وتكوينها الاجتماعي الذي يعتبر مُحافظاً بلغة العصر اليوم .


Post: #569
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-25-2007, 09:19 AM
Parent: #568



ونواصل

Post: #570
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-26-2007, 06:51 PM
Parent: #1



العقل والنقل عند أبي حامد الغزالي والتقليد و الأصالة عند الأستاذ (2)

ورد في سفر أبو حامد الغزالي : ( كتاب الأربعين في أصول الدين ) عن الصلاة الآتي ورد في صفحة 18 ـ إلى 21 :
من القسم الثاني نقطف الآتي :
الأصل الأول في الصلاة :
قال الله تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) وقال النبي عليه السلام ( الصلاة عماد الدين ) واعلم أنك في صلاتك مناجٍ ربك ، فانظر كيف تصلي ، وحافظ فيها على ثلاثة أمور لتكون من المحافظين على الصلاة والمقيمين لها :
المحافظة الأولى :

ويقول الغزالي بالأمر بالإقامة . الأول المحافظة على الطهارة بأن يسبغ الوضوء قبل الصلاة وذلك بالأتيان بسننها وأذكارها المروية والمصقود من طهارة الثوب وهو القشر الخارج ، ثم طهارة البدن وهو القشر القريب ثم طهارة وهو اللب الباطن فإنك إذا أسبغت الوضوء ، واستشعرت نظافة ظاهرك ، صادفت في قلبك انشراحاً وصفاء كنت لا تصادفه من قبل وذلك لسر العلاقة التي بين عالم الشهادة وعالم الملكوت ، فإن ظاهر البدن من عالم الشهادة ، والقلب من عالم الملكوت بأصل فطرته ، وإنما هبوطه إلى عالم الشهادة كالغريب عن جبلته ( أي خلقته .. كما تنحدر من معارف القلب آثار من الجوارح ، فكذلك يرتفع من أحوال الجوارح إلى أنوار القلب ، لذلك أمروا بالصلاة مع أنها حركات الجوارح التي هي من عالم الشهادة ، ولذلك جعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام في الدنيا ومن الدنيا ، وقال :
عن أنس بن مالك عن رسول الله صلعم قال : ( حبب إلأيّ من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة ) رواه الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 128 ، 199 ، 285 ، والنسائي في كتاب عشرة النساء باب 1 .
والحديث لا يستبعد أن يفيض من طهارة الظاهر أثر على الباطن .

المحافظة الثانية :

أن تحافظ على سنن الصلاة وأعمالها الظاهرة وأذكارها وتسبيحاتها ، فإن لكل واحدة سراً يؤثر على القلب بل أشد من الطهارة وأبلغ .واعلم أن أصل الصلاة التعظيم والاحترام ، وإهمال آداب الصلاة يناقض التعظيم والاحترام .

المحافظة الثالثة :

أن تحافظ على روح الصلاة وهي الإخلاص وحضور القلب في جملة الصلاة ، واتصاف القلب في الحال بمعانيها ، فلا تسجد أو تركع إلا وقلبك خاشع متواضع على موافقة ظاهرك ، فإن المراد خضوع القلب لا خضوع البدن ، لا تقل ( الله أكبر ) وفي قلبك شيء أكبر من الله تعالى ، ولا تقل ( وجهت وجهي ) إلا وقلبك متوجه بكل وجهه إلى الله ومعرض عن غيره ، ولا تقل( الحمد الله ) إلا وقلبك طافح بشكر نعمه عليك فرح به مُستبشر ، ولا تقل ( وإياك نستعين ) إلا وأنت مستشعر ضعفك وعجزك ، وكذلك جميع الأذكار وهو أمر مشروح في كتاب إحياء علوم الدين .
فجاهد نفسك أن ترد قلبك إلى الصلاة فإنه لا يُكتب للرجل من صلاته إلا ما عقل منها . وافهم أن النوافل جوابر الفرائض فمن رحمة ربك علك أن قبل منك جُبران الفرائض بالنوافل فهذه أصول المحافظة على الصلاة .


رؤية الأستاذ عن الصلاة التي وردت في سفره :

( رسالة الصلاة )


ما هي الصلاة؟؟

إن الحديث هنا يقتضي فهم القرآن فهما جيدا، وللإعانة على هذا الفهم لا بد من تقرير أمور أربعة: -
أولها أن الإسلام بداية ونهاية، وهو في البداية أقل من مرتبة الإيمان، ومقتضاه قولك: لا إله إلا الله محمد رسول الله: وعملك بالجوارح فيما أمرت بالعمل فيه من عبادات، ومن معاملات، وآية الإسلام الذي هو بداية من كتاب الله: ((قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا!! ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)).
والإسلام الذي هو نهاية، أعلى من مرتبة الإيمان، ومعناه الاستسلام والانقياد الواعي الراضي بالإرادة الإلهية، وآيته من كتاب الله: ((ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن، واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا؟)) وروح هذه الآية في عبارة ((وهو محسن)) لأن العناصر كلها مسلمة وجهها لله، ولكنها غير واعية، والمسلم هو الذي يكون في تمام استسلامه لله كالعناصر الصماء في عدم اعتراضه على الله، ثم هو واع وراض ومختار لهذا الاستسلام، ومن ههنا قيل أن العبودية أن تكون بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف شاء، من غير اعتراض منه، ولقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك.
وثانيها أن مجتمع البعث الأول اسمه الخاص به ((المؤمنون))، عندما يوضع بازاء المجتمع اليهودي أو المجتمع النصراني، والقرآن مليء بذلك. ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) وأنه لم يأخذ اسم المسلمين إلا من المعنى العام.. من الإسلام الذي هو بداية.. ولقد ندب مجتمع المؤمنين ليكونوا مسلمين فلم يطيقوا، وذلك حيث قال تعالى ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون))، فنزل إلى مستوى ما يطيقون، وجاء الخطاب ((فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)).
وثالثها أن المجتمع المسلم حقا لم يدخل في الوجود بعد، وسيجيء في مستقبل الأيام القريبة إن شاء الله، حيث تقوم المدنية الجديدة التي تحدثنا عنها هنا، وفيها يبلغ ساير الأفراد الإسلام، وهي مرتبة لم تتحقق في المجتمعات الماضيات إلا للأنبياء، وحتى هؤلاء قصر عنها بعضهم كما يحدثنا القرآن: ((إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذي أسلموا، للذين هادوا، والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله، وكانوا عليه شهداء)) ولسنا نريد الإطالة هنا لأننا سنصدر سفرا مستقلا في هذا المعنى، وسيكون عنوانه ((العهد الذهبي للإسلام أمامنا)) ولكننا نحب أن نقول أننا سنفهم القرآن فهما أحسن من ذي قبل إذا عرفنا أنه عندما يخاطب المؤمنين إنما يخاطب مرحلة معينة من مراحل سير الأمة الحاضرة نحو الأمة الإسلامية المستقبلة، وهو حين يقول: ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) إنما يطلب أن يرتقي أفراد المجتمع المؤمن، من مرحلة الإيمان، إلى مرحلة الإسلام، وهو بذلك يدعو إلى التطور المستمر في مراقي الكمال والتجدد، ولا يقر الناس على الثبات في مرتبة واحدة.
ورابع الأمور التي لا بد من تقريرها لتعين على فهم القرآن هو أن القرآن كله مثاني.. كل آية فيه وكل كلمة بل وكل حرف.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها، مثاني، تقشعر منه جلود الذي يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم، وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد)) ومعنى مثاني أنه في معنيين اثنين معنى بعيد عند الرب، ومعنى قريب، تنزل من الرب إلى العبد، وعلى مستوى هذا الفهم للقرآن تحدثنا عن آية ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) فقلنا إلا ليكونوا لي عبيدا بوسيلة العبادة.. فكان لكلمة ((ليعبدون)) معنى بعيدا هو العبودية، ومعنى قريبا هو العبادة.
ومن مستوى هذه الأمور الأربعة، التي قررناها سنتحدث عن الصلاة، وما يتبعها، فيما يلي من بقية هذه الرسالة.

للصلاة معنيان

فالصلاة لها معنى بعيد، ولها معنى قريب.. ولقد خرجت الصلاة على مستويين من مستويات شهود النبي ربه، والقرآن يقص علينا هذين المشهدين فيقول: (( وهو بالأفق الأعلى ذو مرة فاستوى علمه شديد القوى ما كذب الفؤاد فأوحى إلى عبده ما أوحى  فكان قاب قوسين أو أدنى  ثم دنا فتدلى  عندها عند سدرة المنتهى  ولقد رآه نزلة أخرى  أفتمارونه على ما يرى ما رأى لقد رأى من آيات ربه ما زاغ البصر وما طغى  إذ يغشى السدرة ما يغشى جنة المأوى الكبرى)).
فأما المشهد الأول فهو مشهد أسمائي، وأما المشهد الثاني فهو مشهد ذاتي.. يقول تعالى عن نفسه ((كل يوم هو في شأن)) وشأنه إبداء ذاته لعباده، وهذا الإبداء إنما هو تنزل من بهموت الذات إلى مراتب العباد ليرقوا في معارج هذه التنزلات إلى حضرة الذات.. فالله تعالى يقول عن تنزلاته إلى عباده: ((وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)) فالقرآن هو الذكر في مقام الجمع، والفرقان هو الذكر في مقام الفرق.. ومقام الفرق هو التنزلات إلى مرتبة الصفة ومرتبة الفعل، وإلى هذه المراتب الإشارة بقوله ((ونزلناه تنزيلا)) يعني تنزيلا من بعد تنزيل في المراتب لتكون للعارفين معارج يطوون فيها المراتب، مرتبة بعد مرتبة، حتى يقفوا على عتبة الذات.
((وبالحق أنزلناه، وبالحق نزل، وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيرا)) ((وبالحق أنزلناه)) يعني الذكر. وأنزلناه إلى مقام الجمع وهو القرآن. ((وبالحق نزل)) إلى مقام الفرق، وهو الفرقان.. والذكر في مقام جمع الجمع، وهو مقام الاسم مما يلي الذات، والقرآن مقام الجمع، وهو مقام الاسم مما يلي الصفات، والفرقان مقام الفرق، وهو التعدد، وأدناه الثنائية، وهو مقام الصفة ومقام الفعل.. ومقام الفعل أعلاه مقام توحيد، وأدناه مقام شرك - مقام تعدد- وذلك عند بروز الأكوان من المكون بأثر الفعل.. فمن شغلته المخلوقات عن الخالق فهو مشرك، ومن رأى من وراء فعل المخلوقات فعل الله فهو موحد، وفي الحق، أن التوحيد كله في مقام ((وحدة الفاعل))، وهو ما عنيناه بعبارة ((رآى من وراء فعل المخلوقات فعل الله))
والرسالة تنزل إلى أدنى درجات التعدد، وخاصة في وجهها الجلالي.. وجه الإنذار.. وغرضها جمع الناس على الله من التفرق في التعدد، وإلى ذلك تشير عبارة ((وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا)).
والتوحيد كله في مرتبة وحدة الفاعل، لأنها مرتبة الشرك الخفي.. ولن يخلص العبد من الشرك الخفي إطلاقا، لأنه يدق حتى يصبح أدق من الشعرة وأحد من السيف، ثم لا ينتهي، وهو الحجاب القايم بين الوحدة المطلقة، التي هي حظ الرب، والوحدة النسبية التي هي حظ العبد.
ومرتبة الفعل هي مرتبة ((الواحدية))، والواحدية صفة الإله: ((وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم)) وفي الحق، أن الناس لم يجحدوا الله وإنما جحدوا الإله، وهو تنزل الله إلى مرتبة الفعل في المستويات الصغيرة التي يقع الشبه فيها ويسود اللبس.. وهذه مستويات الشرك الخفي عندما تتداعى إلى الخفاء.. اسمع القرآن يحدثنا في هذا المعنى: ((ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض، وسخر الشمس والقمر، الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، إن اللهليقولن الله، فأنى يؤفكون بكل شئ عليم)) كأنه يقول: أن الأعمال الكبيرة الظاهرة التي يستحيل عليهم أن يشاركوا فيها، كخلق السموات والأرض، ينسبونها لله، ولكن الأعمال الصغيرة التي لهم فيها في ظاهر الأمر مشاركة ينسبونها لأنفسهم.. أو كأنه يقول: إذا سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون خلقهن الله، وإذا سألتهم من يرزقكم يقولون سعينا واجتهادنا - إن لم يكن قولهم هذا بلسان مقالهم، فإنه على التحقيق، قولهم بلسان حالهم.
وكل الشرك في مسألة الرزق، ولقد قال العارفون أن الانسان يفر من أجله، ويجري وراء رزقه، وفي الحق، أن الأجل والرزق يطلبان العبد طلبا حثيثا وهو لن يعجز أجله هربا، وهو لن يعجز رزقه هربا بنفس القدر.. فإذا تم يقين العبد بالرب، يعلم أن ما قدر لماضغيه أن يمضغاه لا بد أن يمضغاه، وإن هرب منه.
فالآية الثانية تخبرنا أن الذي خلق السموات والأرض هو نفسه الذي يبسط الرزق للعباد.. فالخالق واحد لكبير الأعمال وصغيرها.. اسمعه يقول ((أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم؟ قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار)).
ومرتبة وحدة الفاعل أول مراتب تجليات الذات مما يلي العبد.. أو قل هي أول مراتب العروج إلى الله ذي المعارج. والمرتبة التي تلي وحدة الفاعل هي وحدة الصفة وهي مرتبة ((الأحدية)) والأحدية صفة الله ((قل هو الله أحد)) والمرتبة الثالثة وهي التي تلي مرتبة وحدة الصفة هي مرتبة الاسم، وهو ((الله)) وليس وراء هذه المرتبة إلا الذات الصرفة.
ومعنى الواحد الفرد الذي لا ينقسم، وهو أول مراتب التفريد.
ومعنى ((الأحد)).. الذي لم يجيء من مثله، ولا يجيء منه مثله، أو هو الذي ((ليس كمثله شئ)) وهو أوسط مراتب التفريد.
ومعنى ((الله)).. الذي يجل، ويتعالى أن يكون له معنى، ولكنه، مما يلي الخلق، هو متعلق الصفات ومما يلي الذات إن هو إلا إشارة إلى الذات الساذج، الصرف، التي تجل عن أن تسمى، أو أن توصف.
ومعنى أنه متعلق الصفات، أنه علم على أول تنزل من صرافة الذات، وهو أعلى مراتب التفريد. وهذه المراتب الثلاث، وعديد المراتب التي دونها، هي من جهة الذات تنزل، ومن جهة العبد معراج، فالمعراج تنزل درجات سلم الذات ليرقى عليها العبد درجة، درجة. والمعراج قطع هذه الدرجات أيضا، وقد قلنا أن النبي في المعراج شاهد ربه على مستويين، فأما الشهود الأول، فهو شهود أسمائي، وأما الشهود الثاني، فهو شهود ذاتي.. والشهود الأسمائي هو هذا الذي فصلناه في المراتب الثلاث.. فالشهود الأسمائي هو شهود تجليات الذات في الخلق فقد شاهد النبي التجليات الإلهية في جبريل. والقرآن يقص علينا في هذه الآيات من سورة ((والنجم)) وقد أوردناها آنفا: ((علمه شديد القوى)) جبريل ((ذو مرة فاستوى)) وصف جبريل بالشدة، ومعنى ((فاستوى)) في صورته التي خلقه الله عليها، وهي أعلى ما يكون جبريل مظهرا للتجلي الأسمائي، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ((وهو بالأفق الأعلى)) مما يلي الذات ((ثم دنا فتدلى)) تنزل في التجلي الأسمائي إلى مرتبة الصفة ثم إلى مرتبة الفعل، حيث استقر ((فكان قاب قوسين أو أدنى)). وفي هذا الثالوث إشارة لطيفة إلى العقل، لا يتسع المقام لاستقرائها، ((فأوحى إلى عبده ما أوحى)): فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى.
هذا التفصيل فيما يخص المشهد الأسمائي. وأما المشهد الذاتي فقد أخفي في سياق عبارات القرآن، لأنه فوق العبارة، ولا تسعه إلا الإشارة. وقد جاءت عبارة، هي نهاية في الدقة، وفي الإيجاز، وفي القيمة السلوكية للسالكين لتشير إلى هذا الشهود الذاتي إشارة سلوكية، وتلك هي آية ((ما زاغ البصر وما طغى)) ولما كانت سدرة المنتهى هي نهاية الشهود الشفعي، أو ((الثنائي)) وبداية الشهود الوتري أو ((الفردي)) فقد أخبرنا القرآن عن ذلك فقال: ((إذ يغشى السدرة ما يغشى)) من طرف التجلي الذاتي، بلغ النبي مقام ((ما زاغ البصر وما طغى))، والبصر هنا والبصيرة شئ واحد، لأن هذا مقام التوحيد، وهو يعني الفكر و ((ما زاغ)) يعني ما رجع فانشغل بالماضي، و ((ما طغى)) يعني ما انشغل بالمستقبل، فكأن النبي، من فرط ما غشيه من الشهود الذاتي، قد استغرق، وأخذ من جميع أقطاره، حتى أصبح وحدة مكانية، في وحدة زمانية، وبهذا التوحيد، الكامل الشامل، خرج عن الزمان، والمكان وتحرر منهما، فشاهد من ليس يحويه المكان، ولا الزمان.. شاهد الله، شهوداً ذاتياً، ليس للعبارة فيه مجال. وهنا فرضت الصلاة بمعناها البعيد.. فرضت بلسان الحال، لأن لسان المقال هنا أخرس. ولم يكن جبريل حاضرا هذه، وإنما كان جبريل حاضرا فرض الصلاة بالمعنى القريب.
والصلاة، بالمعنى القريب، هي الصلاة الشرعية، ذات الحركات المعروفة. ولقد فرضت في مقام ((قاب قوسين أو أدنى)) وهو مقام الشهود الأسمائي، والشهود الأسمائي وسيلة إلى الشهود الذاتي. فإن العبد المترقي يشاهد وحدة الفعل، ثم يترقى منها إلى شهود وحدة الصفة، ثم يترقى منها إلى شهود وحدة الاسم، وليس وراء ذلك إلا شهود الذات، وليس في شهود الذات مقام، وإنما هي إلمامة خاطفة، وجمعية مستغرقة، ينادي عندها منادي الطبيعة البشرية ((يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا)). ثم يكون تنزل العبد راجعا في درجات معراجه، فيكون مما يليه، في حالة التنزل، شهود وحدة الاسم، ثم وحدة الصفة، ثم وحدة الفعل، فكأنه شاهد، في العروج ثم في التنزل بعد العروج، كل مشهد مرتين، ولكن بصورتين مختلفتين، لأن التكرار ممتنع في تلك المقامات، فإنه ((كل يوم هو في شأن)). وكل المشاهد، في حالة التنزل، أعظم منها في حالة العروج، ولذلك فقد فرضت الصلاة خمسين في مقام ((قاب قوسين أو أدنى)) في حالة المعراج، وخففت إلى خمس في مقام ((قاب قوسين أو أدنى)) في حالة التنزل من المعراج، والسر في التخفيف، أن النبي بعد شهود الذات أصبح أعرف بالله منه قبلها، والعارف مخفف عليه دائما، على قاعدة، ((ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم، وكان الله شاكرا عليما؟)).
في مقام الشهود الذاتي فرضت الصلاة بالمعنى البعيد، وهي الصلة مع الله بلا واسطة، في مقام ((ما زاغ البصر وما طغى))، حيث تطمس من العبد ذاته المحدثة، وتبقى ذاته القديمة في صلة مع القديم، لا يفصلها وسيط، ولا تقوم بينهما وسيلة، وهناك تسقط الوسايل والغايات، ولا يبقى إلا الواحد، ((وليس لسفن العبارة ههنا نصيب)). ولم يكن جبريل حاضرا، لأنه لا مقام له في شهود الذات، وذلك لأنه لا ذات له - لا نفس له- بها يطيق أنوار التجلي الذاتي، وهذا ما جعل ساير البشر، في مآلهم، أكمل من خاصة الملائكة.. فكمال الملائكة على البشر كمال درجة، وكمال البشر كمال نشأة، وهذا معنى قول المعصوم ((إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأت الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم)).
وجاء تخلف جبريل لسبب آخر، هو أن وجود جبريل يجعل النبي شفعا، ولا يصلح الشفع في مشاهدة الوتر. وفي مقام الشهود الأسمائي فرضت الصلاة بالمعني القريب.. الصلاة الشرعية، وقد كان جبريل وسيطا فيها، وقد جاء بكيفيتها ومواقيتها ووضوئها إلى النبي في مكة، وعلمه كيف يصلي.. وليس معنى هذا أن النبي لم يكن على صلاة قبل المعراج، بل إنه، على التحقيق، قد كان على صلاة قبل البعث، منذ أن كان يتحنث في غار حراء، ولكن صورة صلاته القديمة صححت بعد المعراج، فجاءت الصلاة التي نعرفها اليوم، وجعلت معراجا، له بالأصالة، ولأمته بالتبعية. وهي معراج إلى المقام المحمود، الذي قامه بين يدي ربه في مشهد، ((ما زاغ البصر وما طغى)). وقد قال تعالى في حق نبيه ((ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)).

الانسان ،وقد تحدثنا عن العبودية بما يكفي في هذا المقام

الصلاة بين المؤمن والمسلم

ماذا يكون من أمر آية ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا))؟؟ فاسمع إذن.. المقصود هنا الصلاة الشرعية و ((كتابا موقوتا)) يعني فرضا له أوقات يؤدى فيها، و ((على المؤمنين)) مرحلة أمة البعث الأول، وهي الأمة التي نعيش الآن في أخريات أيامها، وقد ندبت لتواصل سير ترقيها وتطورها إلى ((أمة المسلمين)) وذلك حين قال تعالى ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) فعجزوا عن ذلك، فنزل إلى مستوى طاقتهم، فخوطبوا بقوله تعالى ((فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)) وظل الأمر، بالتطور، والترقي، والارتفاع من ((أمة المؤمنين)) إلى ((أمة المسلمين)) قائما، حيث المطلوب اليوم بروز الأمة المسلمة من الأمم الحاضرة، التي قد أنفقت قرابة أربعة عشر قرنا، في التجارب البشرية الخصبة، في معترك الحياة المادية، والفكرية، وإن بعدت الشقة، بين هذه الأمم وبين الدين في جميع صوره، وأصبحت بذلك في جاهلية جديدة، هي أرقى من جاهلية أمة البعث الأول بآماد بعيدة، وهذه الجاهلية الجديدة، هي ما أسميناها، في صدر هذه الرسالة، بالمدنية الغربية الآلية الحاضرة التي نعيش جميعا على هداها، والتي قلنا أنه عملة ذات وجهين، وجه حسن، ووجه دميم، وقلنا أنها تطلب السلام اليوم طلبا حثيثا، وأنها لا بد لها من اعتناق الإسلام لتحقيق حاجتها إلى السلام.. وسيكون دخول أمم المدنية الغربية الحاضرة ضربة لازب، وسيبدأ إسلامها من الإسلام الذي هو بداية ثم تمر على مرتبة الإيمان، وهو مقام أمة البعث الأول ثم يطرد ترقيها بوسائل العبادات، ووسائل المعاملات، وعلى قمتها الصلاة، حتى ترقى برقي أفرادها إلى مرتبة الإسلام، التي لم يحققها إلا أفراد، من لدن آدم، وقد قصر عنها حتى بعض الأنبياء.. فكل مسلم لا بد له أن يمر بمرحلة المؤمن، قبل أن تخطاها بالمزيد من الإيمان، والمزيد من العلم، حتى يبلغ مرحلة الإيقان، والإيقان على مراتب ثلاث.. مرتبة علم اليقين، ومرتبة عين اليقين، ومرتبة حق اليقين، والقرآن يقول في ذلك: (( ثم لترون الجحيم كلا لو تعلمون علم اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيملترونها عين اليقين )) ويقول في حق اليقين من سورة الواقعة: (( فسبح باسمإن هذا لهو حق اليقين ربك العظيم)) والإشارة بهذا إلى ((إنه لقرآن كريم)) التي سبقت السياق في هاتين الآيتين.. فحق اليقين هو القرآن.
ولا تكون مرتبة الإسلام قبل بلوغ مرتبة حق اليقين، هذه، كما سلف القول، وكلما زاد العلم كلما زاد اليقين فاطمأنت النفس، وسكن القلب، فكان الرضا وكان الإسلام. والإيمان لا ينفك سايرا نوره أمام السالك في مراقي الإسلام ذلك بأن كل درجة يبلغها ويستيقنها اليوم إنما كانت في منطقة الإيمان بالأمس، وهي لا تصبح منطقة يقين حتى يرتفع إيمانه إلى منطقة جديدة، كانت قبلا خارجة عن الاعتبار.. فالإيمان هو مقدمة الإيقان.. أو قل هو عكاز الأعمى، يتحسس به مواقع قدميه ريثما ينقلهما لأمام على بصيرة ما، والصلاة الشرعية هي العمل الذي يرفع الإيمان، ومن ورائه الإيقان، في المراتب المختلفة، وقد أوردنا في ذلك قوله تعالى ((إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)).
ويصبح شأن الآية ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)) مع المسلم الذي يمر بمرحلة الإيمان، الذي هو مرتبة الأمة الأولى، أن الصلاة الشرعية، في حقه، فرض له أوقات يؤدى فيها، فإذا ارتقى: بحسن أدائها بتجويده تقليد المعصوم، حتى ارتقى في مراقي الإيقان، التي ذكرناها، حتى بلغ حق اليقين، وسكن قلبه، واطمأنت نفسه، فأسلمت، طالعه المعنى البعيد لكلمة ((موقوتا)) في الآية ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)) وذلك المعنى، في حقه هو، أن الصلاة الشرعية فرض، له وقت ينتهي فيه، وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالاستقلال عن التقليد ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية، من ربه بلا واسطة، تأسيا بالمعصوم.. فهو، حينئذ، لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد، ويرفع من بينه وبين ربه، بفضل الله، ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي، الحجاب الأعظم.. الحجاب النبوي.
والذين يدخلون في مراتب الشرائع الفردية، هم المسلمون حقا - هم الأحرار، الذي سبقت الإشارة إليهم، في هذا الحديث، حين قلنا أن الحر حرية فردية مطلقة، هو الذي استطاع أن يعيد وحدة الفكر، والقول، والعمل إلى بنيته. فأصبح يفكر كما يريد ويقول كما يفكرن ويعمل كما يقول، ثم لا تكون عاقبة عمله إلا خيراً للناس، وبراً بهم، وبذلك يستطيع أن يعيش فوق قوانين الجماعة، لأنه ملزم نفسه بشريعته الفردية، وهي فوق مستوى الشريعة الجماعية، في التجويد، والإحسان، والبر، والتسامي.
((الإسلام دين الفطرة)) معناها دين ((علم النفس))، وهو سيهدي البشرية، من حيث هي بشرية، بصرف النظر عن ألوانها، وألسنتها، إلى ضالتها المنشودة.. هو سيهدي كل إنسان إلى نفسه، لأنه كما قلنا ((علم نفس)) وهو بهذا المستوى العلمي، سينتصر في عصر العلم على الأديان التقليدية، فيتحقق موعود الله تعالى: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون)) ((بالهدى)) إلى النفوس كما قال ((من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه)) ((ودين الحق)) يعني دين العلم، ولسنا نريد الإطالة ههنا، فإن له سفرا خاصا سيكون عنوانه ((العهد الذهبي للإسلام أمامنا)).
كيف نعرج بصلاة التقليد إلى صلاة الأصالة

أول ما يقال أن الصلاة هي أشرف عمل العبد، وأنه يجب أن يؤخذ كل ما يتعلق بها مأخذ الجد التام.. فالحضور فيها يجب أن يكون تاما جهد الطاقة، وأن تكون الطاقة مبذولة باستمرار ليطول الحضور فيها، وإنما يكون الحضور فيها قبل الدخول فيها، ومن أجل ذلك شرعت الطهارة الكبرى، أو الصغرى قبلها، مائية كانت، أو ترابية، وقصد منها إعداد القلب ليدخل فيها بحضور.. والنجاسة، في الأصل، ليست نجاسة الأعضاء الحسية بالحدث، وإنما هي نجاسة القلب بالغفلة عن الله. وإنما جعلت النجاسة الحسية دليلا عليها.
قال السيد المسيح ((ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان. بل ما يخرج من الفم.. هذا ينجس الانسان)) يشير بما يدخل الفم إلى النجاسة الحسية، التي تكون من فضلات الطعام والشراب. ويشير بما يخرج من الفم إلى كلام المتكلم فيما لا يعنيه، أو فيما لا يعلم ((إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)) ويقول المعصوم ((إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائره، ألا وهي القلب)).
وقد فرض الشارع الطهارة الصغرى بالماء، أو بالصعيد نائبا عن الماء، عند تعذره، أو عند تعذر استعماله، في حالة النجاسة بخروج الغائط، أو البول، أو الريح، أو النوم أو حالة النسيان. وفرض الطهارة الكبرى بالماء، أو بالصعيد نائبا عنه، عند تعذر وجوده، أو تعذر استعماله، عند الجماع، أو الاحتلام، أو الإغماء، أو الدخول في الإسلام.
ويمكن رد كل أولئك إلى الغفلة.. فالأمر فيهما يرجع، إما إلى ممارسة لذة البطن، ونتائج تلك اللذة خروج الفضلات، وإما إلى ممارسة لذة الفرج، بالمواقعة، أو الاحتلام، أو ما دون ذلك، والغفلة دائما تصحب ممارسة اللذة.
وقد أوجب الغسل على المشرك إذا دخل الإسلام، لأنه كان غافلا عن الله، الغفلة الكبرى، حين كان مشركا، وأما الغفلة في حالة الإغماء، أو حالة النوم، أو حالة النسيان، فأمرها واضح.
فالنجاسة، إذن، إنما هي نجاسة القلب بالغفلة عن الله، وإنما جعلت النجاسة الحسية عليها دليلا، وعندما شرعت الطهارة الحسية للأعضاء الحسية، بالماء الحسي، إنما أريد أن تكون هذه الطهارة بمثابة القشرة، ولبتها الطهارة المعنوية للأعضاء الباطنية - القلب والعقل- بالماء المعنوي، وهو العلم.. يقول تعالى: ((أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها.)) الماء الحسي معروف، والأودية الحسية معروفة، ولكن من الناحية الباطنية الماء القرآن والأودية القلوب. ((فسالت أودية بقدرها.)) يأخذ كل قلب من القرآن طاقته من النور.
فإذا أردت أن تحضر في الصلاة فيجب أن تحضر في الوضوء، ويجب أن تعرف له من الحرمة ما تعرف للصلاة تماما، لأنه طرف منها، فهو يبطل بما تبطل به الصلاة.
والنية في الوضوء متنقلة مع غسل الأعضاء.. فلا يكفي فيها أن تقول عند الشروع في الوضوء، سواء بحضور أو بلا حضور، ((نويت أن أتوضأ)) مثلا، ثم تذهب في ثرثرة أو غفلة، تجول أثناءها في آفاق بعيدة، بينما تتحرك أعضاؤك في الوضوء، بشكل تمليه العادة فقط.
إذا كنت تريد الوضوء حقا فيجب أن تسير الطهارة المعنوية مع الطهارة الحسية، متنقلة مع كل عضو.. فعندما تغسل أي عضو من الأعضاء تذكر، ماذا أدخل هذا العضو على القلب من ظلام؟ لأن أبواب القلب على الخارج، التي منها يدخل على القلب النور، أو يدخل عليه الظلام، إنما هي هذه الجوارح، التي ينصب عليها ماء الوضوء.
عندما تغسل يديك تذكر، ما اقترفت بهما قبل مجلسك ذلك للوضوء؟ هل بطشت بهما ببريء؟ هل أخذت بهما حقا ليس بحقك من حقوق الناس أو من أعراضهم؟ هل قبضتهما عن نصرة مظلوم، أو هل قبضتهما عن بسط الخير لمحتاج؟ فإذا تذكرت شيئا من هذا، فاستشعر الندم، واعتزم التوبة، واستغفر الله. وإذا تذكرت حسنة فأخرج نفسك من رؤيتها وانسبها لله، ولحسن توفيقه إياك واشكره عليها. وليكن فرحك بالله لا بعملك. فإذا انتقلت إلى الفم ففكر في الأسنان وما مضغت، هل كان حراما أم حلالا؟ وفكر في اللسان، ترجمان القلب.. هل تحدث فيما لا يعنيه؟ هل اغتاب الناس، هل صمت عن قولة الحق، وعن نصرة المظلوم، وعن تلاوة القرآن؟ فإذا تذكرت شيئا مما تكره، فاستشعر الندم، واعتزم التوبة، واستغفر الله. وافعل مثل ذلك عند الأذن.. استرسالها في سماع الغيبة وفي سماع اللهو، وانقباضها عن سماع القرآن، وقولة الحق، وكذلك العين.. هل نظرت إلى محرم، أو غمزت عرض أحد، أو لم تنظر في المصحف؟ وكذلك الأنف، مظهر الأنفة، والعزة، هل ترفعه على خلق الله تكبرا، أم تضعه لله في الرغام، ذلا وتعبدا؟ والرأس ماذا يحوي؟ هل علما ينفعك وتعمل به، أم قشورا تضرك ولا تنفعك؟ وإذا انتقلت إلى الرجلين تذكر، هل مشيت بهما إلى المساجد، وإلى مواطن العلم، والذكر، وهل تمشي بهما في حاجة الناس، وفي مواصلة الجيران؟ هل حملتاك نحو فاحشة، أو حرام، أو عمل لا يرضى عنه الله؟؟ وكلما ذكرت عملا، من هذه الأعمال التي لا ترضي الله، فأكثر من الاستغفار، وصحح عزم التوبة، وإذا تذكرت عملا يسرك فلا تعظم من عملك، ولا تقف عنده طويلا، ولا تنسبه لنفسك، بل اشكر الله عليه، أن وفقك إليه بمحض فضله، بدون استحقاق منك لذلك التوفيق.
ولا يظنن أحد، أن هذا العمل الذي ذكرناه، يستغرق وقتا طويلا، فإنه يحدث في وقت الوضوء العادي، والذي يجب أن يكون متصلا، وفوريا، ولا يجب، بالطبع، أن تذكر كل كبيرة وصغيرة، وخصوصا في بادئ أمرك.. وإذا انشغلت بجرم كبير اقترفته إحدى الجوارح استغرق كل وقتك، أثناء الوضوء - تقلبه، وتستهوله، وتستدركه بالندم والتوبة والاستغفار، فإنه يكفي.. فالأمر المهم هو إقبالك على قلبك بالتطرية والتليين.. وإذا نوعت بقراءة القرآن، أثناء الضوء وأنت حاضر يواطئ قلبك لسانك، فأنت بسبيل مما تريد ههنا.. ثم إنه، مع طول المران في هذه المحاسبة، فإن المخالفات تقل، والانحصار يزداد، وشريط الأعمال يمر بسرعة، يلين القلب، ويستجيب، لأنه لازم الحضور كثيراً.
فإذا فرغت من وضوئك، بهذه الصورة، يكون قلبك قد تطهر بنور العلم، ولان بنار الندم، وتكون أعضاؤك قد تطهرت بالماء، فإذا ما قمت للصلاة، فإنك وشيك أن تحضر فيها، بجمعية مناسبة.
ثم إنك إذا شرعت في الصلاة، فاعلم أن للصلاة حضرتين.. حضرة الإحرام، وحضرة السلام، وأن لكل من هاتين الحضرتين أدبها الذي لا تصلح إلا به.
فأما حضرة الإحرام، فتبدأ عند شروعك في الصلاة بتكبيرة الإحرام، وتنتهي عند خروجك منها بعبارة السلام.. وأدبها حسن الحضور فيها مع الله، وستحصل الغفلة بالطبع، وخصوصاً في بداية السلوك، ويصحح أدب الحضور باستشعارك الندم، بعد الصلاة واستغفارك الله بعدها، وعدم رضاك عن نفسك بها، وذلك بنظرك دائما إلى جوانب النقص منها، مهما كانت حالة حضورك فيها، وبنظرك إلى جلال من أنت قائم بين يديه.. فإن العارفين لقدره، عندما ينصرفون من الصلاة، ينصرفون وهم يستشعرون ندم من ارتكب جرما عظيما في العلانية، وقد اطلع عليه الناس. وعند ذكرك الثلاث تسبيحات، ثلاثا وثلاثين مرة.. سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فعند ((سبحان الله)) نزهه أن تكون صلاتك تلك في مستوى استحقاقه منك، وعند ((الحمد لله)) استشعر فضله، إذ أنه لم يطردك من حضرته مع سوء أدبك معه، حين جرت بقلبك الغفلة وأنت بين يديه، مع أنك، لو كنت واقفا أمام ضابط المجلس البلدي، في بعض حاجات دنياك، تكون في حالة حضور تام لما يقول لك في شأن حاجتك تلك.. ثم أنت، أمام ملك الملوك، غافل عن كلامه، إذ يكلمك.. تقرأ باللسان، والقلب غايب. وعند ((الله أكبر)) تأكد تماما أن الله أكبر من أن تكبره أنت، في جميع تكبيرات صلاتك، وفي جملة صلاتك، فبمثل هذا الشعور بالذل والقصور، يتم أدبك في حضرة الإحرام.. ويكون طريق العبودية أمامك ممهدا وميسرا..
ثم ما ينبغي أن يدفعك استشعار القصور إلى اليأس، بل إلى إصلاح النقص دائما، وإلى انتظار الخير من فضل الله لا من عملك، فيكون نظرك إلى الفضل لا إلى العمل فقد قال المعصوم ((لا يدخل أحدكم بعمله الجنة)) قالوا: ولا أنت:؟؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)).
وأما حضرة السلام، فتبدأ بعبارة السلام للخروج من حضرة الإحرام، وتنتهي عند تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة المقبلة.. فهي الصلاة بين الصلاتين.. هي الصلاة الوسطى، التي قال تعالى عنها ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وقوموا لله قانتين)) يعني حافظوا على الصلوات الخمس المكتوبة بتمام أدائها لمواقيتها، وكمال أركانها ((والصلاة الوسطى)) هي معاملة الناس بين الصلاتين المكتوبتين بمعاملة الله فيهم ((وقوموا لله قانتين)) يعني كونوا لله ذاكرين، غير ناسين، في كل مقام تقومونه، في المنشط والمكره، وفي متقلبكم ومثواكم، وأثناء أخذكم وعطائكم، في معاملاتكم بعضكم بعضا، في أمور معاشكم، وفي أمور معادكم.
ولهذه الحضرة أدب جماعه السلام، وقد أجمله المعصوم في عبارة ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)). ولشمول معنى الحديث قلنا أن ((المسلمون)) تعني كل خلق الله، من الأشياء والأحياء، فإن كل شئ قد خلق بحكمة، ويجب أن نتوخى حكمة الحكيم في مباشرتنا إياه. ((قل أمر ربي بالقسط، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)) والقسط يعني توخي العدل والحكمة في كل معاملة، ((وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)) يعني أقبلوا بوجوهكم، لا بظهوركم، ومعنى هذا، الإقبال عليه، بالحضرة لا بالغفلة. ((وعند كل مسجد)) يعني في كل حين، لأن المسجد هنا لا يعني البناية المعدة للعبادة المكتوبة فقط، وإنما يعني كل بقعة من بقاع الأرض.. في السوق، وفي الشارع، وفي المكتب، وحيثما تكونوا، لأن الأرض كلها قد جعلت للمسلم مسجدا.. وفي الحق أن المساجد هي الذوات كلها، وخصوصا الذوات البشرية، وبشكل أخص من كان منها مقبلا على الله.. وذلك بأن الله تعالى يقول ((ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن)) والمساجد هي بيوت الله.. هي قلوب العباد، بالمعنى العام وبالمعنى الخاص، ومن يفهم شمول القرآن يعرف أن ((وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)) تعني، عاملوا الأشياء والأحياء، بعناية وتوقير من يقوم في محراب الصلاة المكتوبة. وأدنى مراتب أدب حضرة السلام إفشاء السلام بين الناس، بالإكثار من التسليم عليهم بعبارة ((السلام عليكم)). ولا يكن قوله عن طريق العادة، ولكن بنية المسالمة والمواددة حاضرة في القلب.. ثم يلي إفشاء السلام، كف الأذى عن الناس.. ثم يليه احتمال أذاهم، ثم يليه توصيل الخير إليهم، بالنية الطيبة في الضمير والقول الطيب باللسان، فالله تعالى يقول ((وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)) ويقول ((وقولوا للناس حسنا)).
ثم بالعمل الصالح، والسعي الصالح، في حاجات الناس، والقاعدة ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) أو ((عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به)) أو بما تحب أن يعاملك الله به، يوم فقرك وحاجتك، فإنك كما تدين تدان.
وهذه الحضرة - حضرة السلام- تتطلب نفس الحضور الذي تتطلبه حضرة الإحرام، وذلك أثناء معاملتك الناس. فإنك تتوخى وجه الله دائما، وتراقب حالك دائما، وقد سميت تلك الهيئة بالمراقبة، وبالمراقبة تكون حال التقوى.. فإن التقوى هي عمل، أو ترك للعمل، ابتغاء وجه الله.. ((ومن يتق الله يجعل له فرقانا)) و ((الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه. هدى للمتقين)) ((واتقوا الله ويعلمكم الله)).
وستحصل الغفلة في حال المراقبة بالطبع، ويفلت الزمام من بعض الجوارح، وخاصة اللسان، ويقع الخطأ، ويتورط السالك في مخالفة أدب هذه الحضرة - حضرة السلام. ويكون جبر المراقبة بالمحاسبة، التي ذكرناها عند الوضوء، الذي يكون في أخريات حضرة السلام، للتهيؤ للدخول في حضرة الإحرام الجديدة، وفي المحاسبة استدراك لما أفلت من المراقبة، كما يقول أصحابنا. ثم، لجبر سوء الأدب في حالتي حضرة الإحرام وحضرة السلام، لا بد من الصيام، ولا بد من تقليل المنام، وتقليل الكلام.. فإن قلة الطعام، وقلة المنام، يقللان فضول الفكر، وفضول الخواطر، وفضول القول، ومن ثم فضول العمل، ويجعلان القلب متفرغا، للإقبال على الله بجمعيته.
وهناك أمر يسير، وهين، وخفيف في الأداء، ولكنه عظيم النفع، وقد كان سنة المعصوم، وهو مراقبة تفضيل الميامن على المياسر.. فقد كان إذا دخل المسجد قدم رجله اليمين، وإذا خرج منه قدم رجله الشمال، وكان إذا دخل المرحاض قدم رجله الشمال، وإذا خرج قدم اليمين، وكان إذا نام توسد يده اليمين، واستقبل القبلة، وكان إذا أراد أن ينتعل بعد نهوضه من مجلسه، قدم رجله اليمين، إذا كان النعل ألين من الفراش الذي كان واقفا عليه، أو قدم رجله اليسرى، إذا كان الفراش ألين، وأنعم من النعل. فمثل هذه الأعمال اليسيرة لها عظيم الفائدة في محاربة العادة، التي تسيطر على تصرفاتنا دائما، إذ نتحرك في كثير من أعمالنا بغير وعي، ولا فكر منا، وإنما بما تمليه العادة، وفي محاربة العادة تنشيط للفكر ليحل محلها.. إن آفة كل عبادة أن تكون عادة.. هذه قاعدة ذهبية يحسن تذكرها كثيرا.
وإيقاظ الفكر هو غرض العبادة، ولذلك فقد قال تعالى ((وأنزلنا إليك الذكر، لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون)).
((وأنزلنا إليك الذكر)) يعني القرآن و ((لتبين للناس ما نزل إليهم)) يعني لتفصل للناس شريعتهم، ((لعلهم يتفكرون)) يعني لعل العبادة تشحذ فيهم ملكة التفكير ليتولى الذكر توجيهها في مراقيها العليا.
ثم إن تفضيل الميامن على المياسر هو إعطاء كل ذي حق حقه، وهو وضع الأشياء في مواضعها.. وهو الحكمة، التي هي أخلاق الله.. وقد قال المعصوم: ((تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم)) فكأننا بهذا العمل اليسير، البسيط في تقليد المعصوم، قد بدأنا التخلق بأخلاق الله.. وبفضل الله وبتوفيقه ننتقل في معارج الحكمة، حتى نبلغ من هذه البداية الساذجة، البسيطة، مبلغ المعرفة بالله، إذا ما سرنا بعقول مفتوحة، وجعلنا العدل والقسط والاستقامة هي أسلوب معاملتنا للأشياء والأحياء.

أما بعد فهذه رسالة الصلاة.. تتحدث بإيجاز عن الصلاة في أدنى مستوياتها، حيث تكون عبادة لله، وفي أعلى مستوياتها، حيث تكون حياة عند الله.. وكل عبادة لله، إنما المراد منها أن تصير حياة لله، فإن قصرت عن ذلك فهي باطلة.
وسيظن أقوام أن في هذا القول شططا، وأننا غير مكلفين به، كما تعودنا أن نسمع منهم دائما، فليقرأ هؤلاء قوله تعالى ((واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون)) وأحسن ما أنزل إلينا من ربنا الإسلام، الذي هو نهاية، إذ به يتم سلامنا مع نفوسنا، وسلامنا مع إخواننا في الحياة.


الرأي :

(1)

عندما نقارن بين رأي أبو حامد الغزالي ، فنحن في حاجة لنورد لكم ما جاء في الصلاة من سفره ( إحياء علوم الدين ) ففيه فصل الكثير الذي لم يورده هنا في السفر الذي نقلنا عنه موجز عن الصلاة بمحافظاتها الثلاثة ، ونعني هنا بأن أسفار أبو حامد الغزالي على جانب كبير من السعة والتفصيل ، ولكننا هُنا بصدد مقارنة ما أورده أبو حامد الغزالي عن الصلاة الذي ورد في سفره :
( كتاب الأربعين في أصول الدين ) لنقارن ما ورد فيه من أمر الصلاة ، وهو بين من أنه لم يتحدث في المحافظة الثالثة إلا عن حضور القلب دون الدخول في أمر الحركات ولم يتحدث عن تجاوزها بالحديث عن صلاة تتجاوز الحركات مثلما أوضح الأستاذ في قمة قمم الصعود في مراتب الصلاة .

(2)

أن الصلاة الفردية والصعود في قمم الصلاة التي تبدأ من الحركات تقليداً للمصطفى ثم صعوداً إلى انتفاء الوساطة بين الفرد وربه ويأخذ صلاته كفاحاً لا تقليداً .
هذا هو بعض ما رأينا مقارنة بين الصلاة وذكرها في المرجعين

Post: #571
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-28-2007, 04:00 AM
Parent: #1

و نواصل

Post: #572
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 08-28-2007, 04:13 AM
Parent: #571

عزيزي عبد الله،
وضيوفه الكرام،
أمر للتحية، وللتأكيد أننا مشاركون بالقراءة، وهي أضعف الإيمان.

Post: #573
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-28-2007, 12:06 PM
Parent: #572

لك الشكر أيها العزيز دكتور حيدر .
لم نزل نرى أنفسنا في شواطئ بحور الأستاذ ،
تبقى الكثير كما تفضل الأستاذ اسامة الخواض
بالتوضيح .

وربما انشغل الكاتب : اسامة والدكتور ياسر
عن ورودهما بُحيرة صافية النبع مُثيرة للشجون .

ونواصل

Post: #574
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-28-2007, 06:56 PM
Parent: #573




الأستاذ / محمود محمد طه ونظرية التطور من صفات الكامل (1)



بالرجوع لملاحظة الأستاذ التي هي من أساسياته في الارتقاء بمناهج الصعود في درب الكمال . كان يقول بأن الثابت ليس كاملاً ، بل المُتغير هو الكامل . يقول الذكر الحكيم : ( كل يوم هو في شأن ) وقد أول الأستاذ هذه التغير في مدى اللحظة بأقل المقاييس . وفي نهج الناقص للحاق بالكامل كان على الإنسان أن يكون مُتغيراً ومتطورا . وذاك التطور هو أس الصعود في مراقي الصلاة عبوراً من صلاة التقليد وإلى صلاة الأصالة ويستدل الأستاذ دوماً بالآية :
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }الرحمن29

ونحن نذكر أيضاً بالآية الواردة أدناه وفيها الشأن أيضاً :

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }يونس61

ومن تفسير الجلالين للآية :

61 - (وما تكون) يا محمد (في شأن) أمر (وما تتلو منه) أي من الشأن أو الله (من قرآن) أنزله عليك (ولا تعملون) خاطبه وأمته (من عمل إلا كنا عليكم شهوداً) رقباء (إذ تفيضون) تأخذون (فيه) أي العمل (وما يعزب) يغيب (عن ربك من مثقال) وزن (ذرة) أصغر نملة (في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) بيِّن هو اللوح المحفوظ .

ونواصل
28/08/2007 م

Post: #575
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-29-2007, 05:37 AM
Parent: #574

عزيزي الشقليني
متابع لما تنشر من مقارنات
و اعتقد ان محك النقاش هو التوافقات بين فرويد وما بعد فرويد ،وليس الاختلافات،
فالاستاذ ليس فرويديا ،
وليس في ذلك شك،
لكنه تبنى بعضا من المصطلح الفرويدي وما بعده ،
بدون الاشارة الى الاختلاف ،فهو في وئام تام معه ،لكنه لم يوضح أكثر في هذا المسعى.
والمسالة اكثر بلبلة عندما نرى حديث الاستاذ بدون مرجعية عن التطور البشري،
ولا ندري من اين بدأ التطور البشري في رايه ،وهل كل المجتمعات تنطبق عليها ما يقول به ،بدون ادلة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
راجع ما يقول به بخصوص التطور البشري .فالاستاذ ينطلق في تعميم مطلق لكل التاريخ البشري ،بدون الاشارة الى أية ادلة .
الاستاذ يحاول ان يحاكي نظرية الحداثة الغربية في حديثها عن التطور من خلال ماركس،
دارون،فرويد ،
ولكل منهم ما يستند عليه .
لكن الاستاذ لا يقول باية مرجعية في حديثه الاطلاقي عن تطور المجتمع البشري.

وهنا ينفتح الباب على "العلم اللدني" ،
وهو باب تأتي منه اقاويل كثيرة .
المهم علينا أن ننظر الى مسالة التطور عند الاستاذ بمنظور نقدي .
وساحاول ان اعود ،
كان الله هون لمسالة الدين و العلم في خطاب الاستاذ.
محبتي
المشاء

Post: #576
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-29-2007, 05:52 AM
Parent: #575

نشر الفنان خلف الله عبود البوست التالي في سودانفور اول،
ونشره ايضا هنا ،في بوست الاستاذ عمر عبد الله عن ديباجة الدستور،

و الحمد لله ان يد الرقيبة ،ومقصلتها الرهيبة
-حتى الآن-
لم تمتد لكي تحذفه
؟؟؟؟؟؟؟؟
http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=1907&sid=...1f2ed76c8a5f6185e1fb

Post: #586
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مهيرة
Date: 09-03-2007, 08:01 PM
Parent: #574

الاِ خوة الأفاضل:

* رأيت عنوان هذا البوست –البحر- منذ وقت طويل ولم أقترب منه وذلك لما أوحاه لى عنوانه بأنه فقط رؤى أحلام تجيش فى خواطر الأتباع كلما مرت ذكرى اِمامهم دون الغوص فى دراسة فكره وتمحيصه وتدقيقه . ولما أغرانى مده المتواصل بالولوج ، وجدته يصطخب بأمواج عالية أثارتها الدراسة المتعمقة للباحث المنقب الأخ أسامة الخواض حول: علاقة خطاب الاستاذ بالمشروع الغربي للحداثة وطريقة تناصه مع انتجته تلك الحضارة من مصطلحات، ومخططه النظرى البديل للحداثة الغربية.
* اتفق مع كاتب البوست الأستاذ الأديب عبد الله الشقلينى والباحث المنقب أسامة الخواض فى ضرورة تناول فكر الأستاذ محمود من عدة وجوه والتنقيب فى زواياه وأركانه ، وذلك لأنه طرق الكثير من ابواب المعرفة ومجالاتها، و هو بالنهاية فكر انسانى يخطىء ويصيب.
* اتفق مع الأستاذ أسامة فى قوله أن الخطاب الجمهوري هو أكبر محاولة للتجسير بين الحداثة و الاسلام) وقولهكان الاستاذ قارئا من الدرجة الاولى ، و قد وظف ما انتجته الحداثة الغربية من مصطلحات قانونية و اقتصادية و اجتماعية ونفسية وغيرها من المصطلحات العلمية ،
وظف كل ذلك لكي يقول ان كل هذا كان موجودا في القرآن. لكن الاستاذ قام بتبني المصطلح كدالة فقط،ثم افرغه من محتواه الايديولوجي وبعد ذلك قام بملء الدالة بما يريد ان يقول به ) .
* وكما أشار الأستاذ أسامة، فاِن الاستاذ محمود قد استخدم هذا التكنيك- ( افراغ المصطلح من محتواه )- فى غالب المصطلحات والمفاهيم التى بنى عليه فكرته.
وسأتطرق هنا الى مسألتين:
1-
1- تناول الاستاذ للغة القرآن الكريم وفق هذا التكنيك :

معروف أن الأستاذ يقول بأن للقرآن الكريم معنى ظاهر ومعنى باطن، وأنه يتناول فقط المعنى الباطن، وهذه حيلة مكشوفة يستخدمها كل من يريد توظيف القرآن لصالح فهمه ورأيه ولخدمة أغراضه الخاصة. فالقرآن الكريم أنزل باللغة العربية والكلمات العربية لها معانيها المعروفة المسجلة فى القواميس المختلفة، والادعاء بوجود معنى باطن لها ادعاء باطل ،لأنه -ببساطة- سيؤدى الى خلخلة بنيان اللغة بتفكيك قواعدها وضوابطها، وتحويلها من لغة كريمة عريقة الى لغة هشة منفلتة ، يتلاعب بها المغرضون، وحاشا للغة القرآن الكريم أن تكون كذلك. ومثال لذلك فلنأخذ تعبير: (سم الخياط) وتعنى فى اللغة ثقب ابرة الخياط
وقد وردت فى القرآن بذلك المعنى: ( ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين ( ويفسرها الاستاذ محمود بأن سم الخياط هو الجرم البشرى وسم الخياط هو الجرم البشري ، وهو الجسد البشري ، وهو ما سيلجه الجمل يوماً ، فلو رجعنا إلى قوله تعالى : ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) نجده يقرر أن كل المخلوقات مصيرها إلى الفناء والبقاء ، فناء عن ما هي عليه ، وبقاء في صورة جديدة ، ثم فناء عن الصورة الجديدة ، وبقاء في صورة جديدة أخرى ، أو قل هو تطور من صورة إلى أخرى ، حتى لا يبقى من المخلوقات إلا وجه الله ، وهو الإنسان كما أسلفنا ، فكل الكائنات مصيرها إلى الإنسان ، وذلك هو سم الخياط .)
فهو هنا يفرغ المصطلح – سم الخياط- من معناه اللغوى المتفق عليه ويملأه بمعنى من اختياره هو ليفسر القرآن تفسيرآ باطنيا متوافقا مع بنيان فكرته الجديدة. وفى نفس الاقتباس أعلاه نجد الاستاذ محمود يفرغ الفعل ( فنى، يفنى ) من معناه اللغوى المعروف ويملأه بمعنى ): يتطور، متطور)، لتغيير المفهوم القرآنى بفناء كل الأحياء قبل البعث الجديد، وابداله بمفهوم الأستاذ بتطور المخلوقات من صورة الى صورة أخرى. والمدقق يلاحظ أن هذا التغيير فى المعنى يتجاهل الأسلوب البلاغى للغة العربية الواضح فى هذه الآية وهو أسلوب المجاز، فتعبير ( سم الخياط) فى الآية استخدم مجازا للتعبير عن الاستحالة ، فتفسير الأستاذ الباطنى للقرآن لا يقلب المعانى فحسب بل يسىء الى اللغة العربية وبلاغتها .
مثال ثالث: هو كلمات: (الأبد – الخلود ) الابد :معناها فى القاموس : دوام لا نهاية له
خالد: دائم ، وهى نفسها المعانى المشار اليها فى الآيات القرآنية:
(ان المجرمين فى عذاب جهنم خالدون* لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون* وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين* ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون* لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم للحق كارهون)الزخرف74-77
(يريدون ان يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) المائدة- 37
( خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) البقرة-162
(ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين) الاعراف-40
( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) التوبة 68
(واما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون) السجدة-20.
، ولكن الأستاذ يفرغها من معانيها اللغوية المتفق عليه ويملؤها بمعانى يختارها هو لتوافق تأويله الباطن للقرآن والذى بنى عليه فكرته وهى أن لا خلود فى النار وأن النار مرحلة يمر بها الكافر بالله ريثما يعود الى (إلى التسليم لله تعالى حيث يستيقنون بفضل الله ، ثم بفضل هذا العذاب المقيم ، ألا حول ولا قوة إلا بالله ، وهنا يتركون إرادتهم ويسلمون أمرهم لله تعالى ، فيخرجهم من النار) فالأبد عند الأستاذ هو زمن له نهاية، وخالد تعنى: محدود.
الأستاذ يبرر ذلك بأن الاعجاز اللغوى كان مقصودا به أعراب القرن السابع، فهل يوافق على ذلك الأدباء ومحبو اللغة العربية وأساتذتها الذين مازالوا مفتونين بأساليبها البلاغية!!
لاحظ استهانته بشأن الأدب وفى رده على الأديب ميخائيل نعيمة:

(إسترعى إنتباهي حديث طريف معزو إلى الأديب ميخائيل نعيمة عالج فيه ماهية الأدب ومهمته .. أما ماهية الأدب عنده فهو المحيط الذي تنصب فيه، وتلتقي عنده، جميع المعارف البشرية: العلم، الدين، الفلسفة، الفنون إلخ.. أما مهمة الأدب فهي ((التعبير عن الإنسان، وكل حاجاته، وحالاته، تعبيرا جيدا، صادقا من شأنه أن يساعد الإنسان على تفهم نفسه وتفهم الغاية من وجوده، وأن يمهد له الطريق إلى نهايته)) أهـ. والحقيقة أن في هذا خلطا سببه أمران: التعصب للأدب، ((شأن كل ذي مهنة لمهنته)) وسطحية التفكير..)!!
* يعتقد الأستاذ بأن اللغة نفسها تحجب المعانى، ولكنه الوحيد المؤهل فى عصره- عصر الرسالة الثانية- لفض تلك الحجب، وقد بين أشار لذلك فى قوله:- (ومنها أن تفتتح السور بحروف التهجي، وهذا باب عظيم، وفيه سر القرآن كله، والحديث عنه لا يتسع له هذا المقام، وإنما نكتفي منه بما نحن بصدده من بيان الفرق بين رسالتي الإسلام. وعدد الحروف التي جرى بها الافتتاح أربعة عشر حرفا، وهي بذلك نصف الحروف الأبجدية. وقد افتتحت بها تسع وعشرون سورة، على أربع عشرة تشكيلة، هي:-
ألم، المص، الر، المر،كهيعص، طه، طسم، طس، يس، ص، حم،حم - عسق، ق، ن. وكل هذه التشكيلات ورد بعدها ما يفيد أنها القرآن، وأوضح شئ في ذلك قوله تعالى من سورة البقرة: (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين)) ذلك إذا وقفت على (( فيه))، أو شئت وقفت على (( لا ريب)) فجاءت الآيتان هكذا: (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب، فيه هدى للمتقين)) وفي كلتيهما فإن الإشارة بذلك إلى (( ألم)).
ومعنى الحرف أنه من كل شئ طرفه، وشفيره، وحده، ومنه (( حرف الجبل)) وهو أعلاه المحدد الرفيع. }

{ يقول (( من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)). والقرآن كله ذو شكل هرمي.. له قاعدة، وله قمة، وهو يتفاوت بين القاعدة والقمة في معان تدق كلما ارتقت نحو القمة. فهو تفاوت بين حسن وأحسن. وفي قمة القرآن الحروف الهجائية التي افتتحت بها السور، وهذه الحروف، في ذاتها، ذات شكل هرمي أيضا، يتفاوت بين قاعدة وقمة. فالحروف على ثلاث درجات:
الحروف الرقمية، والحروف الصوتية، والحروف الفكرية. فالحروف الرقمية هي الثمانية والعشرون المعروفة، ومنها يتألف الكلام الظاهر: والحروف الصوتية لا حصر لها، وهي، المسموع منها، وغير المسموع بالحاسة، تؤلف الخواطر التي تجيش في العقل الواعي. وأما الحروف الفكرية فهي ملكوت كل شئ، وهي كلمات الله التي قال عنها، جل من قائل (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مددا)). ومن هذه الحروف الفكرية تتكون الخواطر المستكنة في العقل الباطن، وفي سويدائه الحقيقة الأزلية، وعلى حواشيه الدين. وإلى الحروف الرقمية، والحروف الصوتية، والحروف الفكرية، الإشارة بقوله تعالى (( وإن تجهر بالقول، فإنه يعلم السر، وأخفى)) فالقول المجهور به يقابل الحروف الرقمية، والسر يقابل الحروف الصوتية، وأما الحروف الفكرية فيقابلها (( سر السر)) وهو المعبر عنه بكلمة (( وأخفى)) ومن هذه الحروف الفكرية ما لا يسمع الا بالحاسة السابعة. ويقول:- (وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي ((علمية)) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شئ في صدور الناس الآن، وسيجيء الحـق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه، وتتفوق عليه.. وسيذعنون لها، وستستيقنها نفوسهم، وسينقادون لها.. لا يشذ عنها شاذ، ولا يعصي أمرها عاص.. يقول تعالى في ذلك: ((طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم، من السماء، آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)).. وهذه الآية إنما هي بيان الكتاب المبين المطوي في آية ((طسم)) هـذه.. وهـذه هي مهمة الرسالة الثانية من الإسلام.. هذا مجال التفاوت في فردياتها.. تلك الفرديات التي تنشأ على أديـم مجتمـع تحكم علائـق أفراده الشريعة التي تقـوم على أصول القرآن..
* اسئلة موجهه للاِخوة الجمهوريين:
أ- ماهو الكتاب المبين المطوى فى آية ( طسم) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ب- ولماذا اختار الأستاذ آية(طسم) من كل الآيات المبتدأة بأحرف، لتكون الآية الدالة على مهمة الرسالة الثانية؟؟؟؟؟
ج- ولماذا اختار (طسم) الواردة فى بداية سورة الشعراء ولم يختر ( طسم) الواردة فى بداية سورة القصص للتدليل على مهمة الرسالة الثانية؟
2- استخدام الاستاذ لنتائج العلوم التطبيقية ليبنى عليها فكرة المراحل المختلفة لنشأة الانسان فى جانبها النفسى:
يقول الأستاذ:
(وهذه المرحلة الثانية، من مراحل النشأة البشرية، التي بدأت بحيوان الخلية الواحدة في القاعدة، تنتهي عند أعلى الحيوانات الثديية، في القمة.. وحين تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل النشأة، إنما تبدأ بقفزة جديدة، مذهلة، بها يدخل الانسان، كما نعرفه اليوم، في مسرح الحياة) . ولاكمال مراحل ترقى النفس البشرية يستخدم الأستاذ التوصيف القرآنى لخلق السموات والأرض فى ستة أيام فيقول: (ولما كان كل شئ موجود في الآفاق موجوداً في النفس البشرية ، ـ في البنية البشرية ـ فإن هذه الأطوار السبعة موجودة أيضاً .. والله تعالى يقول: "سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أو لم يكف بربك أنه على كل شئٍ شهيد ؟؟" .. وهذه الأطوار السبعة في النفس البشرية وردت العبارة الصريحة عن ستة منها ، وتركت السابعة للإشارة ، كما جرى في آية خلق السموات ، والأرض ، التي أوردتها هنا ، وكما جرى ، وبصورة أقل خفاءً ، في الآيتين الأخريين اللتين أوردتهما آنفاً .. فالطور الأول من أطوار النفس هو طور النفس الأمارة ، وهو طور مشترك بين الإنسان والحيوان .. وقد ورد ذكره في قوله تعالى ، على لسان يوسف الصديق: "وما أبرئ نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء" .. والطور الثاني هو طورالنفس اللوامة ، وقد ورد في قوله تعالى: "لا !! أقسم بيوم القيامة * ولا !! أقسم بالنفس اللوامة" وهو أول أطوار الترقي في سلم البشرية .. والطور الثالث هو طور النفس الملهمة ، وقد ورد في قوله تعالى: "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" .. والطور الرابع هو طورالنفس المطمئنة ، والطور الخامس طور النفس الراضية ، والطور السادس طور النفس المرضية .. وقد ورد ذكر هذه الثلاث في قوله تعالى: "يأيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية" .. وأما الطور السابع فقد أشار إليه إشارة لطيفة ، خفيفة ، في الآية التي تليهما حين قال: "فادخلي في عبادي" وهو طور النفس السابعة ..)
والسؤال المطروح هو:

هل فشل اثبات نظرية التطور( دارون) سيؤثر على فكرة الأستاذ فى تطور النفس البشرية والموثقة فى كتبه؟؟؟؟؟وهى أصلا مخالفة للمفهوم الاسلامى المعروف.

تحياتى





Post: #587
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-04-2007, 01:14 AM
Parent: #586

نشرت الاستاذة مهيرة المداخلة التالية ،ولم يكن النشر وفقا لتسلسل البوست،
لذا رأيت نقله،وساعود للتعقيب على مداخلته الهامة:
الاِ خوة الأفاضل:

* رأيت عنوان هذا البوست –البحر- منذ وقت طويل ولم أقترب منه وذلك لما أوحاه لى عنوانه بأنه فقط رؤى أحلام تجيش فى خواطر الأتباع كلما مرت ذكرى اِمامهم دون الغوص فى دراسة فكره وتمحيصه وتدقيقه . ولما أغرانى مده المتواصل بالولوج ، وجدته يصطخب بأمواج عالية أثارتها الدراسة المتعمقة للباحث المنقب الأخ أسامة الخواض حول: علاقة خطاب الاستاذ بالمشروع الغربي للحداثة وطريقة تناصه مع انتجته تلك الحضارة من مصطلحات، ومخططه النظرى البديل للحداثة الغربية.
* اتفق مع كاتب البوست الأستاذ الأديب عبد الله الشقلينى والباحث المنقب أسامة الخواض فى ضرورة تناول فكر الأستاذ محمود من عدة وجوه والتنقيب فى زواياه وأركانه ، وذلك لأنه طرق الكثير من ابواب المعرفة ومجالاتها، و هو بالنهاية فكر انسانى يخطىء ويصيب.
* اتفق مع الأستاذ أسامة فى قوله أن الخطاب الجمهوري هو أكبر محاولة للتجسير بين الحداثة و الاسلام) وقولهكان الاستاذ قارئا من الدرجة الاولى ، و قد وظف ما انتجته الحداثة الغربية من مصطلحات قانونية و اقتصادية و اجتماعية ونفسية وغيرها من المصطلحات العلمية ،
وظف كل ذلك لكي يقول ان كل هذا كان موجودا في القرآن. لكن الاستاذ قام بتبني المصطلح كدالة فقط،ثم افرغه من محتواه الايديولوجي وبعد ذلك قام بملء الدالة بما يريد ان يقول به ) .
* وكما أشار الأستاذ أسامة، فاِن الاستاذ محمود قد استخدم هذا التكنيك- ( افراغ المصطلح من محتواه )- فى غالب المصطلحات والمفاهيم التى بنى عليه فكرته.
وسأتطرق هنا الى مسألتين:1-
1- تناول الاستاذ للغة القرآن الكريم وفق هذا التكنيك :

معروف أن الأستاذ يقول بأن للقرآن الكريم معنى ظاهر ومعنى باطن، وأنه يتناول فقط المعنى الباطن، وهذه حيلة مكشوفة يستخدمها كل من يريد توظيف القرآن لصالح فهمه ورأيه ولخدمة أغراضه الخاصة. فالقرآن الكريم أنزل باللغة العربية والكلمات العربية لها معانيها المعروفة المسجلة فى القواميس المختلفة، والادعاء بوجود معنى باطن لها ادعاء باطل ،لأنه -ببساطة- سيؤدى الى خلخلة بنيان اللغة بتفكيك قواعدها وضوابطها، وتحويلها من لغة كريمة عريقة الى لغة هشة منفلتة ، يتلاعب بها المغرضون، وحاشا للغة القرآن الكريم أن تكون كذلك. ومثال لذلك فلنأخذ تعبير: (سم الخياط) وتعنى فى اللغة ثقب ابرة الخياط
وقد وردت فى القرآن بذلك المعنى: ( ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين ( ويفسرها الاستاذ محمود بأن سم الخياط هو الجرم البشرى وسم الخياط هو الجرم البشري ، وهو الجسد البشري ، وهو ما سيلجه الجمل يوماً ، فلو رجعنا إلى قوله تعالى : ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) نجده يقرر أن كل المخلوقات مصيرها إلى الفناء والبقاء ، فناء عن ما هي عليه ، وبقاء في صورة جديدة ، ثم فناء عن الصورة الجديدة ، وبقاء في صورة جديدة أخرى ، أو قل هو تطور من صورة إلى أخرى ، حتى لا يبقى من المخلوقات إلا وجه الله ، وهو الإنسان كما أسلفنا ، فكل الكائنات مصيرها إلى الإنسان ، وذلك هو سم الخياط .)
فهو هنا يفرغ المصطلح – سم الخياط- من معناه اللغوى المتفق عليه ويملأه بمعنى من اختياره هو ليفسر القرآن تفسيرآ باطنيا متوافقا مع بنيان فكرته الجديدة. وفى نفس الاقتباس أعلاه نجد الاستاذ محمود يفرغ الفعل ( فنى، يفنى ) من معناه اللغوى المعروف ويملأه بمعنى ): يتطور، متطور)، لتغيير المفهوم القرآنى بفناء كل الأحياء قبل البعث الجديد، وابداله بمفهوم الأستاذ بتطور المخلوقات من صورة الى صورة أخرى. والمدقق يلاحظ أن هذا التغيير فى المعنى يتجاهل الأسلوب البلاغى للغة العربية الواضح فى هذه الآية وهو أسلوب المجاز، فتعبير ( سم الخياط) فى الآية استخدم مجازا للتعبير عن الاستحالة ، فتفسير الأستاذ الباطنى للقرآن لا يقلب المعانى فحسب بل يسىء الى اللغة العربية وبلاغتها .
مثال ثالث: هو كلمات: (الأبد – الخلود ) الابد :معناها فى القاموس : دوام لا نهاية له
خالد: دائم ، وهى نفسها المعانى المشار اليها فى الآيات القرآنية:
(ان المجرمين فى عذاب جهنم خالدون* لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون* وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين* ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون* لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم للحق كارهون)الزخرف74-77
(يريدون ان يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) المائدة- 37
( خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) البقرة-162
(ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين) الاعراف-40
( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) التوبة 68
(واما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون) السجدة-20.
، ولكن الأستاذ يفرغها من معانيها اللغوية المتفق عليه ويملؤها بمعانى يختارها هو لتوافق تأويله الباطن للقرآن والذى بنى عليه فكرته وهى أن لا خلود فى النار وأن النار مرحلة يمر بها الكافر بالله ريثما يعود الى (إلى التسليم لله تعالى حيث يستيقنون بفضل الله ، ثم بفضل هذا العذاب المقيم ، ألا حول ولا قوة إلا بالله ، وهنا يتركون إرادتهم ويسلمون أمرهم لله تعالى ، فيخرجهم من النار) فالأبد عند الأستاذ هو زمن له نهاية، وخالد تعنى: محدود.
الأستاذ يبرر ذلك بأن الاعجاز اللغوى كان مقصودا به أعراب القرن السابع، فهل يوافق على ذلك الأدباء ومحبو اللغة العربية وأساتذتها الذين مازالوا مفتونين بأساليبها البلاغية!!
لاحظ استهانته بشأن الأدب وفى رده على الأديب ميخائيل نعيمة:

(إسترعى إنتباهي حديث طريف معزو إلى الأديب ميخائيل نعيمة عالج فيه ماهية الأدب ومهمته .. أما ماهية الأدب عنده فهو المحيط الذي تنصب فيه، وتلتقي عنده، جميع المعارف البشرية: العلم، الدين، الفلسفة، الفنون إلخ.. أما مهمة الأدب فهي ((التعبير عن الإنسان، وكل حاجاته، وحالاته، تعبيرا جيدا، صادقا من شأنه أن يساعد الإنسان على تفهم نفسه وتفهم الغاية من وجوده، وأن يمهد له الطريق إلى نهايته)) أهـ. والحقيقة أن في هذا خلطا سببه أمران: التعصب للأدب، ((شأن كل ذي مهنة لمهنته)) وسطحية التفكير..)!!
* يعتقد الأستاذ بأن اللغة نفسها تحجب المعانى، ولكنه الوحيد المؤهل فى عصره- عصر الرسالة الثانية- لفض تلك الحجب، وقد بين أشار لذلك فى قوله:- (ومنها أن تفتتح السور بحروف التهجي، وهذا باب عظيم، وفيه سر القرآن كله، والحديث عنه لا يتسع له هذا المقام، وإنما نكتفي منه بما نحن بصدده من بيان الفرق بين رسالتي الإسلام. وعدد الحروف التي جرى بها الافتتاح أربعة عشر حرفا، وهي بذلك نصف الحروف الأبجدية. وقد افتتحت بها تسع وعشرون سورة، على أربع عشرة تشكيلة، هي:-
ألم، المص، الر، المر،كهيعص، طه، طسم، طس، يس، ص، حم،حم - عسق، ق، ن. وكل هذه التشكيلات ورد بعدها ما يفيد أنها القرآن، وأوضح شئ في ذلك قوله تعالى من سورة البقرة: (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين)) ذلك إذا وقفت على (( فيه))، أو شئت وقفت على (( لا ريب)) فجاءت الآيتان هكذا: (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب، فيه هدى للمتقين)) وفي كلتيهما فإن الإشارة بذلك إلى (( ألم)).
ومعنى الحرف أنه من كل شئ طرفه، وشفيره، وحده، ومنه (( حرف الجبل)) وهو أعلاه المحدد الرفيع. }

{ يقول (( من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)). والقرآن كله ذو شكل هرمي.. له قاعدة، وله قمة، وهو يتفاوت بين القاعدة والقمة في معان تدق كلما ارتقت نحو القمة. فهو تفاوت بين حسن وأحسن. وفي قمة القرآن الحروف الهجائية التي افتتحت بها السور، وهذه الحروف، في ذاتها، ذات شكل هرمي أيضا، يتفاوت بين قاعدة وقمة. فالحروف على ثلاث درجات:
الحروف الرقمية، والحروف الصوتية، والحروف الفكرية. فالحروف الرقمية هي الثمانية والعشرون المعروفة، ومنها يتألف الكلام الظاهر: والحروف الصوتية لا حصر لها، وهي، المسموع منها، وغير المسموع بالحاسة، تؤلف الخواطر التي تجيش في العقل الواعي. وأما الحروف الفكرية فهي ملكوت كل شئ، وهي كلمات الله التي قال عنها، جل من قائل (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مددا)). ومن هذه الحروف الفكرية تتكون الخواطر المستكنة في العقل الباطن، وفي سويدائه الحقيقة الأزلية، وعلى حواشيه الدين. وإلى الحروف الرقمية، والحروف الصوتية، والحروف الفكرية، الإشارة بقوله تعالى (( وإن تجهر بالقول، فإنه يعلم السر، وأخفى)) فالقول المجهور به يقابل الحروف الرقمية، والسر يقابل الحروف الصوتية، وأما الحروف الفكرية فيقابلها (( سر السر)) وهو المعبر عنه بكلمة (( وأخفى)) ومن هذه الحروف الفكرية ما لا يسمع الا بالحاسة السابعة. ويقول:- (وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي ((علمية)) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شئ في صدور الناس الآن، وسيجيء الحـق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه، وتتفوق عليه.. وسيذعنون لها، وستستيقنها نفوسهم، وسينقادون لها.. لا يشذ عنها شاذ، ولا يعصي أمرها عاص.. يقول تعالى في ذلك: ((طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم، من السماء، آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)).. وهذه الآية إنما هي بيان الكتاب المبين المطوي في آية ((طسم)) هـذه.. وهـذه هي مهمة الرسالة الثانية من الإسلام.. هذا مجال التفاوت في فردياتها.. تلك الفرديات التي تنشأ على أديـم مجتمـع تحكم علائـق أفراده الشريعة التي تقـوم على أصول القرآن..
* اسئلة موجهه للاِخوة الجمهوريين:
أ- ماهو الكتاب المبين المطوى فى آية ( طسم) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ب- ولماذا اختار الأستاذ آية(طسم) من كل الآيات المبتدأة بأحرف، لتكون الآية الدالة على مهمة الرسالة الثانية؟؟؟؟؟
ج- ولماذا اختار (طسم) الواردة فى بداية سورة الشعراء ولم يختر ( طسم) الواردة فى بداية سورة القصص للتدليل على مهمة الرسالة الثانية؟
2- استخدام الاستاذ لنتائج العلوم التطبيقية ليبنى عليها فكرة المراحل المختلفة لنشأة الانسان فى جانبها النفسى:
يقول الأستاذ:
(وهذه المرحلة الثانية، من مراحل النشأة البشرية، التي بدأت بحيوان الخلية الواحدة في القاعدة، تنتهي عند أعلى الحيوانات الثديية، في القمة.. وحين تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل النشأة، إنما تبدأ بقفزة جديدة، مذهلة، بها يدخل الانسان، كما نعرفه اليوم، في مسرح الحياة) . ولاكمال مراحل ترقى النفس البشرية يستخدم الأستاذ التوصيف القرآنى لخلق السموات والأرض فى ستة أيام فيقول: (ولما كان كل شئ موجود في الآفاق موجوداً في النفس البشرية ، ـ في البنية البشرية ـ فإن هذه الأطوار السبعة موجودة أيضاً .. والله تعالى يقول: "سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أو لم يكف بربك أنه على كل شئٍ شهيد ؟؟" .. وهذه الأطوار السبعة في النفس البشرية وردت العبارة الصريحة عن ستة منها ، وتركت السابعة للإشارة ، كما جرى في آية خلق السموات ، والأرض ، التي أوردتها هنا ، وكما جرى ، وبصورة أقل خفاءً ، في الآيتين الأخريين اللتين أوردتهما آنفاً .. فالطور الأول من أطوار النفس هو طور النفس الأمارة ، وهو طور مشترك بين الإنسان والحيوان .. وقد ورد ذكره في قوله تعالى ، على لسان يوسف الصديق: "وما أبرئ نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء" .. والطور الثاني هو طورالنفس اللوامة ، وقد ورد في قوله تعالى: "لا !! أقسم بيوم القيامة * ولا !! أقسم بالنفس اللوامة" وهو أول أطوار الترقي في سلم البشرية .. والطور الثالث هو طور النفس الملهمة ، وقد ورد في قوله تعالى: "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" .. والطور الرابع هو طورالنفس المطمئنة ، والطور الخامس طور النفس الراضية ، والطور السادس طور النفس المرضية .. وقد ورد ذكر هذه الثلاث في قوله تعالى: "يأيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية" .. وأما الطور السابع فقد أشار إليه إشارة لطيفة ، خفيفة ، في الآية التي تليهما حين قال: "فادخلي في عبادي" وهو طور النفس السابعة ..)
والسؤال المطروح هو:•

هل فشل اثبات نظرية التطور( دارون) سيؤثر على فكرة الأستاذ فى تطور النفس البشرية والموثقة فى كتبه؟؟؟؟؟وهى أصلا مخالفة للمفهوم الاسلامى المعروف.

تحياتى



Post: #588
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-04-2007, 07:50 AM
Parent: #587

في انتظار الجمهوريين للرد على الاستاذة نفيسة الجعلي
وسنعود للتعقيب على مداخلتها
المشاء

Post: #577
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-29-2007, 02:06 PM
Parent: #1



كتب الأستاذ وأسفاره التي تحتاج لتحقيق .


شكراً لك أيها الكاتب : أسامة الخواض
وقد ذكَّرتنا بنقطة هامة لست أدري لماذا لم نتحدث عنها من قبل وإن تحدثنا عن محتواها دون مُصطلحها ، ألا وهي فن ( التحقيق ) في الأسفار . وهو يتعلق مباشرة بما أثرته أنت من وجود نصوص بدون ذكر المراجع ، ومنها وجود مادة منقولة بدون ذكر أصحابها أو فكرة منقولة دون الإشارة للمصدر .
لقد تحدثنا من قبل عن كسل الأكاديميين عن أخذ مادة الأستاذ محمود المكتوبة وإجراء تحقيقاً عليها ، وذلك عمل في مبحث المادة المكتوبة ، ونحن نبحث بعقل منفتح ونتنقل تنقل المُحِب بين مادة وأخرى دون الرصف والتبويب والأرشفة ، رغم أنني أحاول وضع بعض العناوين الفرعية التي تُعين الرجوع إليها :

في التحقيق ما فيه من ضبط النصوص ، ومنه ما يتعلق بتوضيح الغوامض ، ومنه ما هو تخريج للنصوص من مصادرها وصناعة الفهارس ومتابعة المادة المكتوبة تصحيحاً وتنقيحاً حتى يخرج من الطباعة كاملاً ، وأنا أعتقد أن الإخوة الجمهوريين قد قدموا النصوص في مدونة ( الفكرة ) وهو عمل دقيق قاموا فيه بإعادة تصحيح الطباعة لكل أسفار الأستاذ ، وقد ذكر الدكتور : ياسر الشريف الكثير ، لكن ما ذكره ياسر هو جانب من جوانب التحقيق ألا وهو التصحيح الإملائي ، رغم أني قد لاحظت وجود بعض أخطاء الإملاء ولكنها نادرة الحدوث .
لكن ما عنيناه بالتحقيق الأكاديمي هو أكبر من تصحيح النص الأصل كما ذكرنا ، وهو يحتاج سليقة لغوية ومراجع موسوعية و دوريات من الحاضر ومن التُراث وتحتاج دقة ملاحظة وجلد وصبر وذكاء ، وهو أمر أقل صعوبة مما كان قبل صُحبة الكمبيوتر في الحِل وفي الترحال .
لذا فإني لم أزل أعتب ليس كما تفضلت أنت من عتاب مُبطن للأستاذ من أنه لم يُشر للمراجع أو للأسفار التي انتقى منها النصوص أو أرفد بها مقولاته الفلسفية ، فتلك أراها ذات شقين :
1/ هو عمل مرجأ ويحتاج التحقيق الأكاديمي كما أسلفنا ، وهو أمر درج عليه العلماء منذ عهود قديمة ، ونذكر عندنا طبقات ود ضيف الله وتحقيقها بواسطة البروفيسور يوسف فضل ، وقد كان طلابه هم ساعده الأيمن ، وكذلك نذكر العمل الباهر الذي قام به الدكتور إبراهيم أبوسليم حين جمع منشورات المهدية وحققها عام 1968 م ، وفي وقت مُبكر قياساً في حين كان الآخرون مشغولون بأشياء أُخر .
من تلك النماذج التي ذكرنا وما أفسحته التقنية المُحاسبية من تسهيل الرصد فإن الباب مفتوح للتحقيق ورصد المصادر المذكورة من الكتاب والسنة والتحقيق في نصوصها واختلافات المراجع ، وكذلك المراجع التي تراوحت من النهل من رواد الحداثة من القرن التاسع عشر والعشرين ، ومن قبل من الألف عام السابقة بدأ من الحلاج وصعوداً إلى أئمة أهل الفقه ورواة التاريخ الإسلامي والتصوف .
2/ العلم اللدُني وهو مساحة تختلط فيها علوم النفس البشرية بالتصوف …تحتاج باباً منفصل .


29-08-07

Post: #578
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-30-2007, 05:40 AM
Parent: #577

شكرا للكاتب الصديق الشقليني
الاستاذ كما تفضلت يحتاج الى من يقرأه.
يحتاج الى من يعيد انتاجه .
هو ليس بحاجة الى حفظة كما يحدث في الغالب.
خطابه يحتاج الى محررين ،و شرّاح ،كخطوة أولى تهدف الى تمليك خطابه للقراء والباحثين.
نحن أمام كنز يحتاج إلى جيوش من الباحثين المبدعين.
محبتي يا شقليني
المشاء

Post: #579
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-31-2007, 06:31 AM
Parent: #1




الصديق : الشاعر والكاتب :
أسامة الخواض

لك الشكر الجزيل ،
وكما تفضلت ، فقد تلاحظ عند مشاركة الأفاضل من الجمهوريين أن نقل النصوص كان هو الأساس
وليس تحليل الخطاب أو تحقيقه . ربما نجد عُذراً من أن خطاب الأستاذ كان بمنظور من كتبوا من أجيال
الأستاذ ، إلا أن تاريخ الكتابة في فكر المتصوفة والمُجددين في فهم الدين والذين يكتبون بوساطة التأويل
وسيلة لفهم الدين قد كتبوا الأسفار ومنذ قرون ولها درجة من العمق بمستوى فكر الأستاذ محمود ، لذا فنحن لم نزل نرى أن الدراسة المقارنة تُفسِح كثيراً لمعرفة مراجع الأستاذ ، أسانيده ، من يلتقون معه ، ومن يختلفون معه ، طبيعة حياة الأستاذ ونهجه في السياسة ثم نهضته منها بالفكر الديني ....
هنالك بالفعل الكثير من الأعمال التي تنتظر ، وكما تفضلت أنت فالأمر يحتاج جيشاً جراراً من الباحثين .

المحبة والشكر لك ونواصل .

31/08-07

Post: #580
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 08-31-2007, 06:42 AM
Parent: #579

عزيزي الشقليني
قلت صادقا :
Quote: وكما تفضلت ، فقد تلاحظ عند مشاركة الأفاضل من الجمهوريين أن نقل النصوص كان هو الأساس
وليس تحليل الخطاب أو تحقيقه


المهم خلينا نشيل الموضوع بقدر قدرتنا ،
فخطاب الاستاذ يستحق فعلا جيشا ،
وجرارا ايضا من الباحثين.
مع محبتي الكاملة جدا
المشاء

Post: #581
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-01-2007, 05:14 AM
Parent: #580

***********************

Post: #582
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-01-2007, 06:44 AM
Parent: #1




الأستاذ / محمود محمد طه ونظرية التطور من صفات الكامل (2)


العزيز الكاتب : أسامة الخواض

لقد اطلعت عل الوصال الذي يقودنا إلى المقال في سودان فور أول . وهو يقودنا لأمرٍ ثانٍ : أمر السياسة في رؤى الأستاذ ، هو ضد الطائفية والسير مع القطيع وتمجيد السلالة بلا مبدأ فكري أو ذهني ، وضد أهل الشريعة النَقلة غير المُجددين ، و وقف موقفاً ناقداً لليسار والحزب الشيوعي ولم يقف ضد الفكر الماركسي بل رأى قصوره في بعض الجوانب . لم يقف ضد نظريات التطور أو فتوحات فرويد في التحليل النفسي . أرى أن الأستاذ أخذ من الجميع بما يناسب منهاجه في التطوير ، إذ أن التطوير يراه أصلاً ، وذلك التي يلمحه القارئ من أن الرجل قد نهل من الجميع ، واستند على المنهاج الهيغلي من أن الوعي سابق للمادة وأن الإنسان في ترقيه يهدف الكامل ، وتلك سنقف عندها بالتفصيل حين يحين ذلك .
إن مفتاح التغير قد تحدث عنه الأستاذ وذكر أن أمر الإسلام الذي يبدأ فيه السلم السباعي ومن درجته الأولى ثم صعوداً عبر الإحسان والإيمان في مستوى الشريعة ، ثم يرتقى لسلم الحقيقة حتى ولوج الإسلام في الدرجة السابعة ، فهو لا يتوقف هُنا بل ذكر أن السلم يبدأ من جديد( دواليك ) ، وذاك نراه تأكيداً لمبدأ الارتقاء والتطور في فكره.

تلك قفزة في تطور منهاج الأستاذ وتفرُده عن غيره من المفكرين حين حدد التطور سمة أصيلة من سمات الرُقي في العبادة والتي بيَّنها الأستاذ في سِفره عن الصلاة في خطوها من التقليد في صلاة الحركات في مرحلة الشريعة ثم صعودها للقمم في مستوى تقليد النبي في الفردية ثم الرُقي إلى صلاة الأصالة .

28/08/07

Post: #583
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-01-2007, 07:06 AM
Parent: #582

عزيزي الشقليني
سلامات
اشارتي الى ما قلت به-عزيزي- عن قراءة الاخوان الجمهوريين لخطاب الاستاذ،
كان المقصد منها التنبيه الى ان خطاب الاستاذ لن يقرأ بشكل يطوره،
طبعا يطوره هي مشكلة لمن يعتقد في كمال الفكر،
المهم خطاب الاستاذ ينفتح على افق لا يمكن تعدادها ،
لكن هذا الافق المتعدد يفتح ويتيح المجال الى قراءات اكثر ابداعية.
مع محبتي
المشاء

Post: #584
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-02-2007, 06:18 PM
Parent: #1


عزيزنا الكاتب : أسامة الخواض
لك من الشكر أجزله ،
فقد اتفقنا في رحابة بساط الدرس
وبحره المُتسع .

لديَّ مقارنة شائكة بين الأستاذ وابن عربي ،
آمل أن أقدم ما أقدر عليه.
فأسفار ابن عربي ( الفتوحات المكية )
عمل ذهني من نتاج تأمُل النصوص .

سأحاول ان أنـزع نفسي عن المشاغل
لعمل ما يتيسر .

وتقبل شكري والتقدير

ر

Post: #585
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-03-2007, 01:36 PM
Parent: #1

وسنواصل الدرب

Post: #589
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-04-2007, 09:02 AM
Parent: #1

الأخ عبد الله الشقليني والجميع،

تحية المودة

كانت لي هذه المداخلة في بوست الأخ عمر علي:

واخيـــرآ انكشـــــف الملعـــــــــوب !!!!!!

أرجو الإطلاع عليها.. ومنه أنتقل إلى التعليق على ما كتبه الأخ أسامة الخواض في مداخلته بعاليه:


Quote: في انتظار الجمهوريين للرد على الاستاذة نفيسة الجعلي
وسنعود للتعقيب على مداخلتها
المشاء


لقد كانت لي عديد المداخلات مع الدكتورة نفيسة عثمان الجعلي حول الفكرة الجمهورية وأعتذر عن عدم تمكني من الرد على ما أثارته هنا خاصة وأن كثيرا مما كتبته معك في هذا البوست هو بمثابة رد عليها ولا أرى داعيا للتكرار.. ولك أن تعقب على مداخلتها..

وشكرا
ياسر

Post: #590
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-04-2007, 12:02 PM
Parent: #589

فاتني أن أذكر أن الدكتورة نفيسة لها دراسة في الفكرة الجمهورية لا أعرف إذا تم نشرها أم لا ولكنها كتبت عنها في عام 2003 وقد كانت فيها هذه المداخلة :

Re: من حوش--------- الفكرة(دراسة نقدية )تحت الطبع-1

التي أود أن أتركها بدون تعليق هنا فقد كتبت في نفس البوست 4 مداخلات..

وشكرا

ياسر

Post: #591
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-04-2007, 07:28 PM
Parent: #1



الدكتورة مهيرة :
تحية واحتراماً .

إنه لمن بسطة الفرح أن يكون برفقتنا ونحن ثلاثة ، واليوم نحن أربعة وذاك هو الخير الذي يسرته لنا تقنية أن نتحاور و بيننا غيوم الكون إذ نجلس على أركانه :
الكاتب والشاعر : أسامة من بعد ( بحر الظُلمات )
الكاتب الدكتور : ياسر الشريف من الأرض التي تحدث أديبنا عن موت حيتانها ...
ومُفترِع البوست : أضعف الشخوص التي تُطل من هُنا ونأمل أن نرتقي .

شاركنا نفرٌ طيب من أهل العلم ونفحُوننا الكثير من القول الثقيل بما يحمل من رؤى خضبتها تجربة وحُسن إطلاع . لهم الشكر جميعاً ونأمل أن نسوق هذه الحديقة الوارفة إلى أزهارها وهي فواحة الروائح .

نبدأ :

ربما اختمرت قصة هذا الكتاب الذي رفعناه السماء من بعد الميقات الذي استشهد فيه الأستاذ ، ونحن لم نستطع أن نُصدق أن يصل ببعض أهل السودان ذلك المبلغ من الغلو و أن يتم الاغتيال لاختلاف في الفكر ، فصاحبه لم يرفع إلا الخطاب : نصاً ومُشافهة ، وكذلك من اشتركوا معه رؤاه أو تتلمذوا عليه .

لربما كان النص الذي كتبناه من بريق الخواطر إذ تأتلف على الغرائب ، والنص وأنا شديد الاعتداد بأنه من بروق الخواطر تجمعت في تآلف ذات زمان و تم إسقاط سيرة السيد المسيح وفق رواية العهد الجديد من الرُسل أو الحواريين :

الجمعة الكُبرى هي جُمعة الرحيل في الاثنين .
الموت هذا قبل الصلاة وذاك عصراً
المكر هو المكر .
صياح الديك ثلاثاً واستتابة عبد اللطيف .
بيلاطس ورأس الدولة
................

كل كلمة تم حفرها بتناص يحتاج الجلوس إليه لنعرف مكنونه . وأصدقكِ أنني لم أكن أصدق أنني قد كتبت هذا النص . لربما يراه البعض نفحات محبة عند التذكُر أو خطرفة مُريد على أعتاب المَشيخة وهي في رحيلها الأبدي ، لكني ولربما تُدهشين أني لم أكن ( جمهورياً ) !

إنه لمن موجب موجبات هذا الملف هو الذهن المُنفتِح . أن نُرحب بقلمٍ وضع هنا جُملة من الرؤى الكثيفة ، على خطوٍ أكثر عُمقاً مما تم في رؤاك في العام قبل بضع سنين . تلك ميِّزة من ينهجون إلى التطور ، وقد توفر قبل زمان مُدونة ( الفكرة ) وهي مبثوثة لكل من يرغب أن يقرأ فكر الأستاذ منذ أوائل الخمسينات وإلى رحيله المَهيب . وخير لكل طالب علم وناهِل معرفة أن يقرأ الرؤية كاملة ، فالأستاذ محمود بخلاف كثير من أبناء جيله جلس لهذا المجلس جلوس العابد ، إن اتفقنا حول رؤاه أم اختلفنا .
هنالك عدة محاور يتعين علينا أن نتعرف عليها من مُداخلتكِ الثرية :

1/ الكتابة الصوفية كجنس : أغراضها ، معجمها التقني وكيفية استعماله والمقاصد وهي جميعاً كما يقول الدكتور محمد مفتاح في سفره دينامية النص :

( تكون وحدة غير قابلة للتجزئة ، فمثلاً إذا تناول مؤلف بعض أغراض الصوفية ، ولم يستعمل المعجم الصوفي في صياغ يلائمه فكتابته ليست بصوفية كالكتابة الفلسفية ، فهي مع تناولها المواضيع المشتركة بينها وبين التصوف مثل البحث في الحواس الخمس وما لحق بها ، وفي النفس والقلب والروح ... )

أنا أرى أن من يُرِد النظر في رؤى الأستاذ وهو يتقلب بين صفحة الفلسفة والتصوف فيتعين عليه أن يرجع للتُراث الصوفي وفيه أكثر من ألف وأربعمائة عام من العمل الفكري ، وقد تم ذبحه في كل حين يُطل منه . في كل نبع يُطل يغلقه حذاء سُلطوي غليظ .

2/ القرآن واللغة والتأويل .... باب مُتسع وله تاريخ

3/ مفاتيح السور القرآنية ....باب مُتسع وله تاريخ وفيه خلاف .

4/ رؤية الأستاذ في الرسالة الثانية ...( سفره الرسالة الثانية )

5/ رؤية الأستاذ في رسالة الصلاة وفيه عن الرقي وصلاة الأصالة ... ( سفره الخاص بذلك )

6/ التطور كنهج والاستعانة بالفتوحات العلمية لدعم الخطاب
........................

كل تلك المفاتيح وغيرها تبعث على الوقوف عندها بكثير من دفء الصبر ، وقد نهلنا ما تيسر ، ونرغب أن نُشرِك الجميع فيما كتبنا عنه من قبل ضمن الملف من أوله وإلى آخره ، ونأمل هنا أن نُجدد ونفتح أبواباً لم نفتحها من قبل ، لذا نرجو تفضلاً الإطلاع على ما أسلفنا من رؤى حتى لا يمل السادة القُراء والقارئات حديثنا .
هذا أول الخطو ، ونأمل في المزيد إن تيسر لنا من وقت لكثافة ما أبديتيه من رؤى واسئلة .
قبل أن نواصل نورد بعض آيات من الذكر الحكيم وفيها شيء عن ( التأويل ) حتى نعود:

(1)
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7
(2)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59

(3)
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53
(4)
{بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ }يونس39
(5)
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6
(6)
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21
(7)
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف36
(8)
{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }يوسف37
(9)
{قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ }يوسف44
(10)
{قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ }يوسف44
(11)
{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }يوسف45
(12)
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100
(13)
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100
(14)
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }يوسف101
(15)

{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }الإسراء35
(16)
{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }الكهف78
(17)
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }الكهف82




Post: #592
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-04-2007, 11:12 PM
Parent: #1

الدكتورة مهيرة :
تحية واحتراماً .

المُداخلة : (2)

التأويل في المعجم الوسيط :

أَوَّل الشيء إليه : أرجعه
أَوَّل الكلام : فسَّره وفسَّره رده إلى الغاية المرجوة منه .
أوَّل الرؤيا : فسرها
تأوَّل الكلام : أوله
تأوَّل في فلان الأمر : توسمه وتحرَّاه .

إن اللغة القرآنية مساحة واسعة وأفق قابل للنهل :
(1) نتحدث بُرهة عن باب من أبواب اللغة القُرآنية وهي تفاضل الآيات واختلاف درجاتها :
نورد آية من الذكر الحكيم أولاً :
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106
التفسير وفق الجلالين :
106 - ولما طمع الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غدا نزل: (ما) شرطية (نَنَسخ من آية) نزل حكمها: إما مع لفظها أو لا. وفي قراءة بضم النون من أنسخ: أي نأمرك أو جبريل بنسخها (أو نَنْسأها) نؤخرها فلا ننزل حكمها ونرفع تلاوتها أو نؤخرها في اللوح المحفوظ وفي قراءة بلا همز في النسيان {نُنْسِها}: أي ننسكها ، أي نمحها من قلبك وجواب الشرط (نأت بخير منها) أنفع للعباد في السهولة أو كثرة الأجر (أو مثلها) في التكليف والثواب (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) ومنه النسخ والتبديل ، والاستفهام للتقرير .

نورد مقتطف من مُداخلة الدكتورة مهيرة ثانياً :

( تناول الاستاذ للغة القرآن الكريم وفق هذا التكنيك :

معروف أن الأستاذ يقول بأن للقرآن الكريم معنى ظاهر ومعنى باطن، وأنه يتناول فقط المعنى الباطن، وهذه حيلة مكشوفة يستخدمها كل من يريد توظيف القرآن لصالح فهمه ورأيه ولخدمة أغراضه الخاصة. فالقرآن الكريم أنزل باللغة العربية والكلمات العربية لها معانيها المعروفة المسجلة فى القواميس المختلفة، والادعاء بوجود معنى باطن لها ادعاء باطل ،لأنه -ببساطة- سيؤدى الى خلخلة بنيان اللغة بتفكيك قواعدها وضوابطها، وتحويلها من لغة كريمة عريقة الى لغة هشة منفلتة ، يتلاعب بها المغرضون، وحاشا للغة القرآن الكريم أن تكون كذلك. ومثال لذلك فلنأخذ تعبير: (سم الخياط) وتعنى فى اللغة ثقب ابرة الخياط )

نبدأ توضيح رؤانا :

1/ لاحظت أول ما لاحظته مورد الوثوق والثقة المُفرطة في سِجل القواميس وتلك نراها وجهاً من أوجه النظر للمعاني وخاصة اللغة التقريرية التي تُعنى بالحديث دون حليات البلاغة ومُحسنات الألفاظ من بديعها أو فخامتها والجزالة ، وذلك وارد في كثير من النصوص القرآنية تتراوح وتختلف وتتفاضل في الحُسن {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ....} البقرة106 . ونجزم نحن بتفاضلها في بطن اللغة أولاً ومن تحليل الخطاب ثانياً ونذكر مثلين :

الأول في تقريرية اللغة الذي تبدو فيه التقارب مع مرجعية القواميس في الفهم :
(أ)
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33
(ب)
والثاني في اللغةو الموسيقى القرآنية كما في القَسَم الإلهي :

َوالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً{1}
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً{2}
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً{3}
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً{4}
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً{5}

(ج)
والثالث في مأزق تفسير القاموس :

{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6
في تفسير الجلالين نجد أنه يخرُج عن معنى القواميس في أنك ملاقٍ ربك ، لتفسير آخر وهو أنكَ ملاقٍ عملك من خير وشر واللقاء بالموت ، أي خروج عن مألوف تفسير القاموس إلى التأويل : اللقاء غير الموت.

هذا هو تفسير الجلالين :

6 - (يا أيها الإنسان إنك كادح) جاهد في عملك (إلى) لقاء (ربك) وهو الموت (كدحا فملاقيه) أي ملاق عملك المذكور من خير أو شر يوم القيامة .
ونُدلل :
{وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً }الفجر22

من تفسير الجلالين :

22 - (وجاء ربك) أي أمره (والملك) أي الملائكة (صفاً صفاً) حال أي مصطفين أو ذوي صفوف كثيرة .

ومن تفسير ابن كثير :

( وجاء ربُكَ ) يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله وسلامه عليه ....)

عندما نُقارن تفسير الآية 22 الفجر نجد أن تفسير الجلالين تجاوز معنى القواميس ( وتلك مسألة سنأتي بها في وقتها ) . لم يقُل جاء الرب بل أن الرب قد جاء أمره . في حين لم يتجاوز ابن كثير المعنى بل تحدث عن وجود الرب لفصل القضاء ولم يقُل كيف يكون هذا اللقاء ، ولم يشرَح مُعضلة فلسفية من صُلب الإيمان ألا وهي الذات وهي خارج المكان والزمان :

كيف يتسنى للرب وفق تفسير القواميس أن يصطف مثله ومثل الملائكة ( أي له حيز ومكان ) !!!،
وإن قلنا بذلك فقد زلزلنا معنى الربوبية وخفضنا رتبة المولى جلت قُدرته وهو الذي لا تحوطه الحواس ولا يحوطه المكان وهو في وهج الأزل بلا عُمر بدأ ، سرمديٌ بلا نهاية .




ونواصل

Post: #593
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-05-2007, 04:02 AM
Parent: #1

ونواصل بالقدر الذي نوفق فيه للتوضيح ،
ونرجو ألا نكون قد أخللنا ببرنامج الدراسة و
الشوط الذي قطعناه ، وقد بدأنا دراسة مقارنة حول
التأويل لدى ابو حامد الغزالي دون أن يكتمل .
ونُكرر شكرنا للجميع ، ونبين أن الكاتب :
أسامة الخواض كان له قصب السبق أن جعل الملف
ثرياً وحول مساره من مقال برؤية جديدة عن الأستاذ
إلى منهل للدراسة

ونشكر من هنا مدونة
( الفكرة ) ومؤسسوه من مدنا بالبيان
الناصع

ونواصل

Post: #594
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-05-2007, 05:01 PM
Parent: #593




وسنواصل مع محبة لكل من يكتب


Post: #596
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مهيرة
Date: 09-06-2007, 04:00 AM
Parent: #594

الأستاذ الكريم الأديب عبد الله:
أشكرك على الترحيب وعلى عباراتك العذاب:
من معانى التأويل كما ذكرت أعلاه: تأوَّل الكلام : أوله
فالتأويل يتلون بمرامى ومعارف المأول، أما التفسير فمحدود بضوابط اللغة وضوابط الشرع المتعارف عليه. ولذلك اذا رجعنا لكل الآيات القرآنية التى ذكرتها ، نجد أنها تشير الى أن التأويل الحقيقى لآيات القرآن لن يتاح لبشر فى هذه الدنيا، واِنما سيتضح فقط فى الحياة الأخرى بما فى ذلك البعث والحشر والحساب والجزاء.
Quote: الأول في تقريرية اللغة الذي تبدو فيه التقارب مع مرجعية القواميس في الفهم :

وأعتقد أن المثلين الذين أوردتهما سم الخياط)، (الأبد، الخلود ) هما من التعابير واضحة الدلالة اللغوية بحيث لا يختلف المعنى فى السياق القرآنى عن المعنى المقرر لغويأ. ولذلك أوردتهما كمثال لافراغ المصطلح اللغوى من معناه وتعبئته بمعنى من تأويل الأستاذ.
Quote: كيف يتسنى للرب وفق تفسير القواميس أن يصطف مثله ومثل الملائكة ( أي له حيز ومكان ) !!!،


اتفق معك فى أن حدود القواميس تنتهى عند تفسير المصطلح فى حدود العقل البشرى ، فالعقل البشرى يعرف الرب بأنه الله- جل وعلا- أما كيفيته وتوصيفه وتوصيف الكيفية التى سيجىء بها يوم القيامة فكل ذلك خارج نطاق العقل البشرى،وبالتالى هو خارج نطاق اللغة المعروفة، وتلك التفاصيل مما سيأتى تأويله فى الحياة الآخرة.وأظننا نتفق بأن اللغة وتعبيراتها لا تولد الا بعد اتضاح الرؤيا، ولذلك يقال عن الجنة : ( فيها مالا لا عين رأت ولا أذن سمعت) وذلك لانعدام مواعين اللغة المعروفة عن توصيف كل مافيها،
سأعود ان شاء الله ولكم فائق شكرى وتقديرى
الأخ الكريم د. ياسر:
أولا بالنسبة للدراسة فهى فى نهاياتها
بالنسبة لاسئلتى الموجهة اليكم أرجو الاجابة على ما لم تشمله ردودك للأستاذ أسامة مثل:
اسئلة موجهه للاِخوة الجمهوريين:
أ- ماهو الكتاب المبين المطوى فى آية ( طسم) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ب- ولماذا اختار الأستاذ آية(طسم) من كل الآيات المبتدأة بأحرف، لتكون الآية الدالة على مهمة الرسالة الثانية؟؟؟؟؟
ج- ولماذا اختار (طسم) الواردة فى بداية سورة الشعراء ولم يختر ( طسم) الواردة فى بداية سورة القصص للتدليل على مهمة الرسالة الثانية؟
* وكيف سيملأ الفراغ فى أدبيات الفكرة الذى سببه عدم اثبات نظرية دارون؟ وأعنى الأطوار الأولى فى نشوء الانسان حتى طور الثديات المشابهة لنظرية دارون، والتى بعدها تكون النقلة الهائلة كما ذكر الأستاذ؟؟
تحياتى

Post: #595
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-05-2007, 11:15 PM
Parent: #1

الدكتورة مهيرة
تحية واحتراماً

المُداخلة (3)

معاني القواميس بين التقريري وبين المعاني الخفية :
ففي سورة الفيل ، يخاطب المولى حسب الرواية التي يوردها أهل السنة في تفاسيرهم عن مُخاطبة المولى للنبي الكريم في السورة بلفظ ( ألمْ تَرَ ... ) وهي وفق المعاني المُباشرة :
ألم تُشاهد ... !!! ، فكيف يتسنى للنبي أن يرى وهو الذي تقول الروايات أنه قد وُلد في عام الفيل ، أي عام دخول أبرهة ورغبته هدم الكعبة وفق ذات الروايات .
إن قلنا تَرَ تعني المُشاهدة ، فكيف يتأتى للنبي أن يَرَ حدثاً من الماضي الذي حدث منذ مولده ،
ويقول المُفسرون ومنهم الشيخ محمد متولى الشعراوي في شروحه المبثوثة في التلفزة والمذياع :

إن الرؤية هُنا تعني العِلم

ولا تعني رؤية العين التي تقول بها القواميس ذات المعاني التقريرية المُباشرة .
ومن هُنا مأزق تناول اللغة بمناظير المعاني المُباشرة في القواميس أن تكون هي وحدها المقياس .
وذاك باب فيه الكثير الذي تحدث فيه الأقدمون .
المثال :


{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ }الفيل1

من تفسير الجلالين :

سورة الفيل 1 - (ألم تر) استفهام تعجب أي أعجب (كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) هو محمود وأصحابه أبرهة ملك اليمن وجيشه بنى بصنعاء كنيسة ليصرف إليها الحاج عن مكة فأحدث رجل من كنانة فيها ولطخ قبلتها بالعذرة احتقارا بها فحلف أبرهة ليهدمن الكعبة فجاء مكة بجيشه على أفيال اليمن مقدمها محمود فحين توجهوا لهدم الكعبة أرسل الله عليهم ما قصه في قوله .

ونواصل

Post: #597
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-06-2007, 05:00 AM
Parent: #595

ما طرحته مهيرة هنا عن نظرية التطور،
له صلة بعلاقة الخطاب الديني بالعلم
فبينما يؤكد الاستاذ ان الدين والعلم توأمان ،
نرى ان للعلم منطلقا مختلفا عن الدين كمطلق
لكن أصحاب التأويل يتخذون من العلم منطلقا ،
ثم يعودون الى الخطاب الديني ليؤكدوا ان كل ذلك كان موجودا في الخطاب الديني
بل ان زعم الاستاذ أكبرمن ذلك ،فهو يرى ان هنالك اضافات مهمة لم يتوصل اليها العلم ،
و يمكن اثباتها فقط بالتأويل
هذا شغل على اللغة وليس شغلا علميا
فالعلم متطور ،و خاصة في امور مثل التطور البشري
وما قام به الاستاذ يشابه كما قلت سابقا ما يقول به أصحاب الاعجاز العلمي في القرآن
فهم ينطلقون من نتائج العلم ،
ثم يعودون الى الخطاب الديني ،لكي يثبتوا حسب زعمهم ان الخطاب الديني قد قال بذلك قبل العلم
و لي قدام ،
و أرجو ان افرغ من علاقة الاستاذ بمصطلح اشكالي هو "البدائية".
مع محبتي
ومرحبا مرة اخرى بالاستاذ نفيسة الجعلي
المشاء

Post: #598
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-06-2007, 03:02 PM
Parent: #1




الأحباء :
الكاتب والشاعر : أسامة الخواض
الدكتور ياسر الشريف
الدكتورة : مهيرة

تحية واحتراماً

آن لنا جميعاً أن نفرح بأننا استأنسنا
الحوار ، فعلى اختلاف نظراتنا إلى رؤى محمود
وأفكاره ، فإننا جميعاً نرغب الدراسة
ونُعيد قراءة رؤى الأستاذ واستبطان
خطابه ، ففيه الكثير من رؤى التصوف
ورؤى الفلسفة وقد اقترب من كثير من رؤى من سبقوه
إلا أنه تميز بخُطاه متفرداً و مُثيراً للكثير من الجدل حوله .

شكراً لكم ، وسنُعيد قراءة رؤاكم
ثم نأتي من بعد.

Post: #599
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-06-2007, 03:35 PM
Parent: #1

سلام للجميع..
الدكتورة مهيرة كتبت:


Quote: ( ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين ( ويفسرها الاستاذ محمود بأن سم الخياط هو الجرم البشرى وسم الخياط هو الجرم البشري ، وهو الجسد البشري ، وهو ما سيلجه الجمل يوماً ، فلو رجعنا إلى قوله تعالى : ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) نجده يقرر أن كل المخلوقات مصيرها إلى الفناء والبقاء ، فناء عن ما هي عليه ، وبقاء في صورة جديدة ، ثم فناء عن الصورة الجديدة ، وبقاء في صورة جديدة أخرى ، أو قل هو تطور من صورة إلى أخرى ، حتى لا يبقى من المخلوقات إلا وجه الله ، وهو الإنسان كما أسلفنا ، فكل الكائنات مصيرها إلى الإنسان ، وذلك هو سم الخياط .)
فهو هنا يفرغ المصطلح – سم الخياط- من معناه اللغوى المتفق عليه ويملأه بمعنى من اختياره هو ليفسر القرآن تفسيرآ باطنيا متوافقا مع بنيان فكرته الجديدة. وفى نفس الاقتباس أعلاه نجد الاستاذ محمود يفرغ الفعل ( فنى، يفنى ) من معناه اللغوى المعروف ويملأه بمعنى ): يتطور، متطور)، لتغيير المفهوم القرآنى بفناء كل الأحياء قبل البعث الجديد، وابداله بمفهوم الأستاذ بتطور المخلوقات من صورة الى صورة أخرى. والمدقق يلاحظ أن هذا التغيير فى المعنى يتجاهل الأسلوب البلاغى للغة العربية الواضح فى هذه الآية وهو أسلوب المجاز، فتعبير ( سم الخياط) فى الآية استخدم مجازا للتعبير عن الاستحالة ، فتفسير الأستاذ الباطنى للقرآن لا يقلب المعانى فحسب بل يسىء الى اللغة العربية وبلاغتها .


أكون شاكرا لو أوضحت لنا الدكتورة مهيرة أين كتب الأستاذ هذه الكتابة عن "سم الخياط"؟؟ مسائل البحث تقتضي الدقة وإعطاء المصادر..
ـــ

وسأكون متابعا لكتابتك يا عزيزي عبد الله عن التأويل، وهو موضوع قد جاء قبل الآن في هذا البوست.. وهو أمر للصوفية فيه الكثير..

مع تحياتي
ياسر

Post: #600
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-07-2007, 00:15 AM
Parent: #1



الدكتورة مهيرة
والكاتب : أسامة الخواض
والدكتور ياسر الشريف

تحية طيبة لكم ،

المداخلة (3)

وقد تفضلتم بقول الكثير ، وكنت سأتحدث عن باب استخدام الفتوحات العلمية أياً كانت في خطاب الأستاذ ، وأورد هنا اختلاف رؤاه عن رؤى أصحاب العلم والإيمان ، كما أنني أختلف مع الدكتورة مهيرة من أن الأستاذ يُفرغ النص الديني من معناه ويُعيد إلباس تفسيره وهي تعتبر ذلك تفسيراً باطنياً يُجافي اللغة وعلومها ، وأنا أرى اللغة كما يقول الأستاذ دوماً عنده التأويل وليس التفسير الباطني و أن التطور عند الأستاذ أراه ديمومة لازمة ولا تتوقف بالفتوحات العلمية في عصره و إن صدقت نسبياً أثناء حياته أم تطورت هي عن ذلك ، وهو نهج ثابت وهو الذي أفضى للتطور من مرحلة الشريعة في الطريق إلى الحقيقة . والذي نقول به في فهمنا عما ورد في أسفار الأستاذ أن التطور نهج ، وأن هنالك أكثر من رسالة في حُجب الغيب ، والذي في ذلك ذكرنا كيف يتعين على الجمهوريين الأفاضل أن يتبعوا المنهاج وهو يقودهم إلى هجر الغلظة التي بقيت في قوانين العقوبات وليتحرروا من رابية الأستاذ وقد وقفوا عندها كثيراً دون إبداع .

و كما أوردنا سابقاً فإن الأستاذ يقول في الرسالة الثانية من الإسلام نص يخالف أهل الشريعة حين يكتُب :




(.... المسلمون يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة.. وهذا صحيح.. ولكن كمالها إنما هو في مقدرتها على التطور، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية، والاجتماعية، وعلى توجيه تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر، بالغة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية، والفردية من النشاط، والحيوية، والتجديد.. هم يقولون، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة، يقولون: الشريعة الإسلامية كاملة، فهي ليست في حاجة إلى التطوير، فإنما يتطور الناقص.. وهذا قول بعكس الحق تماما، فإنه إنما يتطور الكامل.. فالكمل من العارفين مثلهم الأعلى أن يتخلقوا بما وصف الله تعالى به نفسه حين قال عز من قائل: (( كل يوم هو في شأن)).. فهم يجددون حياة فكرهم ، وحياة شعورهم، كل يوم..)

ويكتب في موضع آخر :

( ... وبالمثل، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسما حيا، ناميا، متطورا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله، منزلة، منزلة.. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد.. (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)).. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من نص إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ.. قال تعالى: (( ما ننسخ من آية، أو ننسئها نأت بخير منها، أو مثلها.. ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير؟)).. قوله: (( ما ننسخ من آية)) يعني: ما نلغي، ونرفع من حكم آية.. قوله: (( أو ننسئها)) يعني نؤجل من فعل حكمها.. (( نأت بخير منها)) يعني أقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة.. (( أو مثلها)) يعني نعيدها، هي نفسها، إلى الحكم حين يحين وقتها.. فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها.. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة، في القرن السابع، منسوخة الآن .(


الرأي :

بتلك المقولة فإني أرى أن الأستاذ قد أسس لمقولة أسلفنا الحديث عنها ، وهي أن التطور هو ديدن الكامل في رُقيه ، وهو بالاستناد إلى الآية ( إنك كادحاً ) والآية ( كل يوم هو في شأن ) فإنه ليس للتطور سقفاً وذاك أراه المنهاج الذي اتبعه الأستاذ .
وهو أمر متطور بالتأويل كما تفضل الأستاذ كثيراً في التوضيح ، وقد تطور من مرحلة الشريعة بالتأويل ، ومن خلال تطوره يأخذ بما توفر من فتوحاتٍ علمية وأيضاً هي ليست نهاية المطاف بل متطورة في طريق الكدح .

هذا ما نعتقد أن الأستاذ قد قصده ، وهو هنا يختلف مع أصحاب دعاة العلم الذي يُفسر القرآن ، و هم الذين يقولون إن تناقضت تفسير الآيات مع ما علمناه من علوم فإن العلوم لم ترتقي للكمال ، وكمال التفسير يراه أصحاب الشريعة أنه المُنتهى وهو ثابت ثبات المعاني التي كان مرجعهم فيها تفسير القواميس ، وهم لن يحيدوا عن تفسيره لأنهم يؤمنون بكماله .
ومنهم من ابتعد عن مُعضلة أن تبحث الاكتشافات العلمية ومن ثم تنتقي منها ما يدعم التفسير الصمدي للآيات ، وصاروا يرون الكشف العلمي قضية لا يرغبون تفسير النصوص بها ، بل يكتفون بالقول إن التفسير الأقرب لمعاجم اللغة هو التفسير وأن العلوم المُتغيرة لا يُعتد بها فهي من أمور الدنيا فحسب ، والمفاضلة بينها وبين التفاسير يُزعزع الثقة في تفسيرهم للقُرآن .

اختلاف تفاسير أهل الشريعة :
هنالك أيضاً اختلاف بين التفاسير التي ترد من المصادر . فهنا نص قرآني له تفسير من الجلالين لا يقارب تفسير ابن كثير ، وهذا هو المثال :
الآية :



{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }الرحمن33
(1)
تفسير الجلالين :

33 - (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا) تخرجوا (من أقطار) نواحي (السماوات والأرض فانفذوا) أمر تعجيز (لا تنفذون إلا بسلطان) بقوة ولا قوة لكم على ذلك .
(2)
تفسير ابن كثير : ص 274 :

أي لا تستطيعون هرباً من أمر الله وقدره بل هو محيط بكم ، لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم ، أينما ذهبتُم أحيط بكم ، وهذا في مقام الحشر ، الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب { إلا بسلطان } أي إلا بأمر الله .

الرأي :

الجلالين يقولا عن السلطان : هو قوة ولا قوة لكم على ذلك ، وابن كثير يقول بأمر الله .
ومثال آخر في الآية :

{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ }الملك5
(1)
تفسير الجلالين :
5 - (ولقد زينا السماء الدنيا) القربى إلى الأرض (بمصابيح) بنجوم (وجعلناها رجوما) مراجم (للشياطين) إذا استرقوا السمع بأن بنفصل شهاب عن الكواكب كالقبس يؤخذ من النار فيقتل الجني أو يخبله لا أن الكواكب يزول عن مكانه (وأعتدنا لهم عذاب السعير) النار الموقدة .
تفسير ابن كثير
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت .وقوله { وجعلناها رجوماً للشياطين } عاد الضمير في قوله { وجعلناها }على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء بل يشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها ، والله أعلم .

الرأي :
تحدث الجلالين عن أن المصابيح هي النجوم ، في حين تحدث ابن كثير عن أن المصابيح هي الكواكب ، وشتان ما بين الاثنين !!!

ونواصل



Post: #601
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-07-2007, 05:26 AM
Parent: #600

حاول الاستاذ التجسير بين الاسلام و الحداثة الغربية،
لكن هذا الامر اذا نظرنا اليه بمنظور اليوم ،
سنجده لهثا وراء حداثة الخطاب الغربي للحداثة ،
و ليس مساهمة اصلية في صدد المشروع الانساني .
يقول الاستاذ:
Quote: الفهم الذري للدين يجعله يناسب عصر الذرة

.. نعم فالعلم التجريبي الروحي - الدين - ليس جديدا ولكنه سيعود جديدا ، لأن عصر الذرة يتطلب فهما ذريا للدين - أعني فهماً دقيقاً ، يصل إلى نواة الدين ، ويفجر تلك النواة تفجيراً يسمع له دوي أعتى من دوي تفجيـر النواة المادية ، ولقـد سايـر الديـن طفـولة البشرية في سحيـق الآماد ، وأحسن مسايرتها ، وكان بها رفيقا ، شفيقا ، يمد لها في الأوهام ، والأباطيل ، التي كانت تكتنف تفكيرها ، ريثما ينقلها ، على مكث ، وفي أناة ، من وهم غليظ ، إلى وهم أدق ، ومن باطل غليظ إلى باطل أدق ، وهكـذا ، دواليك ، حتى قطعت الإنسانية عهد الطفولة ، ووقفت اليوم ، في طور المراهقة ، تستشرف إلى عهد الرجولة ، والاكتمال وأصبح على الدين دور جديد ، هو أن يقفز بالإنسانية عبر هذا الطور القلق الحائـر المضطرب - طور المراهقة – ليـدخل بها عهـد الرجـولة ، والاكتمال . ولما كان الفرق بين الطفل والرجل كبيرا شاسعا ، فالرجل يتحمل مسئولية عمله ، بينما الطفـل يطلب الحماية من تلك المسئولية ، فقد أصبح على الدين ، منذ اليوم ، ألا ينبني على الغموض ، وألا يفرض الإذعان ، على نحو ما كان يفعل في عهود طفولة العقل البشري .. وإنما يجب عليه أن يقدم منهاجا متكاملا للحياة ، يخاطب العقل ، ويحترمه ، ويحاول إقناعه بجدوى ممارسة ذلك المنهاج في الحياة اليومية ، في كل مضطربها .

قيل هذا الكلام في عصر الذرة،
فماذا يمكن ان يقال في عصر الثورات العلمية الجديدة؟
وماذا يمكن ان يقال في عصر العولمة ؟
هل ان الدين عولمي ؟؟؟مثلما قيل ان الدين ذري؟؟؟
هذه محاكاة لن تثمر شيئا ،سوى الاعتراف بان العلم له منطلق مختلف عن الدين .
مع محبتي
المشاء

Post: #602
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-07-2007, 09:39 AM
Parent: #601


الأحباء :
الكاتب والشاعر : أسامة الخواض
الكاتب الدكتور : ياسر الشريف
الدكتورة : مهيرة

تحية طيبة

المُداخلة (4)
حول دراسة فكر الأستاذ محمود وضرورة التروي قبل الوصول لنتائج.

كنتُ آمل أن نقوم بدراسة مفصلة لمناهج ورؤى الأستاذ محمود قبل أن نقوم بإعمال تقييمنا لإنجازه و وضع حواف له وأسوار واستعجال الخاتمة قبل رؤية الجوانب التي تحتاج التحقيق . إن تقييم العمل قبل استكمال الدراسة اللازمة لجوانبه هو استباق للنتائج قبل التمحيص .

لقد بينا نحن من قبل جميعاً أن الأستاذ يحتاج لجيوش من التخصصات لمعرفة رؤاه ومقارنتها بمن سبقوه ومن ثم تتكشف لنا المناهج الأكثر دقة في مدارس النقد والتشريح ، ومن ثم نقول رأينا بعد تجميع تلك الأشتات ، ونحن حين نفعل لا نُحمل رؤى الأستاذ أكثر مما تحتمل ، بل تكشف لنا أن له أكثر من منهاج ، وهو ما نراه أو يراه البعض غريبا ، بل أن منهاج الوثوق عند ذكر الأحاديث النبوية والآيات القرآنية هو من صميم طرائق المتصوفة في الكتابة والاستدلال ، وكنا نراها عيباً من وجهة الدراسة الأكاديمية التي اعتدنا . والوصول لمثل تلك النتيجة أو حتى القول بها أعتقده استباق نتائج دون التثبًت ، فتحقيق النصوص لم يزل يُراوح مكانه ، وقد تحدثنا عن المصطلحات في مداخلة سابقة وفي تحقيق السلم السباعي كنا نعتقد بأن المصدر الوحيد هو الحديث الذي رواه الصحابي عمر ابن الخطاب عن النبي :
( بينما نحن جلوس عند رسول الله ... ) وهو الحديث عن أشعث أغبر جاء يُعلم الصحابة دينهم ، وكان يسأل النبي ويُصدقه وقال عمر أننا عجبنا يسأله ويُصدقه . وذاك الحديث لوحده في حاجة لتحقيق ، فقد تمت روايته من مصدر عمر بن الخطاب دون غيره رغم أن الجلوس كانوا ( جماعة ) . أي أن الحديث ومصادره من ( أهل السنة ) لم تتم روايته إلا من عمر ابن الخطاب !! ،

لكن من خلال استعمال الآلة التقنية في رصد السور القرآنية والآيات ، تبين أن مصطلحات السلم السباعي الذي تحدث عنه الأستاذ قد وردت كلها من آي الذكر الحكيم ، وتلك ما كُنا لنعرفها لولا التحقيق .

لست ضد استباق النتائج فهي فرضيات تتطلب الدليل ، فلِمَ لا ننهج السلم بالصعود على عتباته خطواً إثر خطو . ورود الأحكام الآن أراها مُتعجلة ، ونحن لم نزل نفتح صفحات لها تاريخ ، ألا وهي ( التصوف ) مدارسه ومفكروه ، تاريخه وتآخيه بحضارات الشرق وخروجه وليداً ثم أساليبه و قاموسه اللغوي ، ثم آدابه في الكتابة وفي الشعر وفي المحبة الإلهية ......

هذا الباب لم نطلع عليه بالسعة اللازمة ، إذأن أمامنا أسفار ابن عربي على سبيل المثال : في فصوص الحكمة و في موسوعته ( الفتوحات المكية ) وهي بعدد (9) أسفار ،كل سفر يحتوي ما يصل إلى ( 450 ) صفحة فيما عدا الأخير فهو يعادل النصف ، أي أن أسفاره جميعاً تصل إلى ما يقارب (3500 ) صفحة من القطع المتوسط .

هذا عن ابن عربي ، فماذا عن بقية المتصوفة وإرثهم ؟!!





Post: #603
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-08-2007, 07:33 AM
Parent: #602

عزيزي الشقليني
تحيات عطرة
موضوع التصوف له أهله ،
وهو موضوع رئيس في النظر الى تناص الاستاذ مع خطاب المتصوفة.
خلينا نعمل قدر قدرتنا ،
وستأتي اجيال اخرى تتم الباقي.
ساواصل في حديثي حول تناص الاستاذ مع خطاب الحداثة الغربي.
محبتي
المشاء

Post: #604
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-08-2007, 05:09 PM
Parent: #603

Quote: عزيزي الشقليني
تحيات عطرة
موضوع التصوف له أهله ،
وهو موضوع رئيس في النظر الى تناص الاستاذ مع خطاب المتصوفة.
خلينا نعمل قدر قدرتنا ،
وستأتي اجيال اخرى تتم الباقي.
ساواصل في حديثي حول تناص الاستاذ مع خطاب الحداثة الغربي.
محبتي
المشاء


عزيزنا الكاتب والشاعر : أسامة الخواض
تحية طيبة لك ،

وسنحاول وسعنا للإحاطة
ولملمة أشتات خطاب الأستاذ في كل
الذي بين أيدينا

ونواصل


Post: #605
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Abu Eltayeb
Date: 09-09-2007, 04:22 AM
Parent: #604

الأخ الشقلينى
جمال ظاهر هذا به كل الورى اسرى
اسع دحين لو طبقنا ما قالو الأستاذ عام 1954 بتكون فى مشاكل فى العالم, أرجو ان يكون لك نصيب منها وللمتداخلين وشخصى الكريم وضيفيك الأساسيين دكتور ياسر والأخ الخواض

ودمت يا رجل يا منصف يا جميل
كن جميلا ترى الوجود جميلا
والما عندو محبة ما عندو الحبة*** والعندو حبة محبة ما خلى الحبة



خلق الجمال

نَحْنُ نُبَشِّرُ بِعَالَمٍ جَدِيدٍ، ونَدْعُو الى سَبِيلِ تَحْقيقِهِ، ونَزْعَمُ أنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ السَّبِيلَ مَعْرِفَةً عَمَلِيَّةً.. امَّا ذَلِكَ العَالَمُ الجَّدِيدُ، فَهوَ عَالَمٌ يَسْكُنُهُ رِجَالٌ ونِسَاءٌ، أحْرَارٌ، قَدْ بَرِئَتْ صُدُورُهُم مِن الغِلِّ والحِقْدِ، وسَلِمَتْ عُقُولُهُم مِن السَّخَفِ والخُرَافَاتِ.. فَهُمْ فى جَمِيعِ أقْطَارِ هَذَا الكَوْكَبِ مُتَآخُوْنَ، مُتَسَالِمُوْنَ، مُتَحَابُّونَ.. قَدْ وَظَّفُوا أنْفُسَهُم لِخَلْقِ الجَّمَالِ فى أنْفُسِهِم، وفى مَا حَوْلَهُم مِن الأشْيَاء.. فَأصْبَحُوا بِذَلِكَ سَادَةَ هَذَا الكَوْكَبِ.. تَسْمُو بِهِم الَحيَاةُ فِيهِ سَمْتاً فَوْقَ سَمْتٍ، حَتَّى تُصْبِحَ وكَأنَّهَا الرَّوْضَةُ المُونِقَةُ.. تَتَفَتَّحُ كُلَّ يَوْمٍ عَنْ جَدِيدٍ مِن الزَّهرِ، وجَدِيدٍ مِن الثَّمَرِ.
محمود محمد طه

Post: #606
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Abu Eltayeb
Date: 09-09-2007, 04:36 AM
Parent: #605

والله شىء عجيب
مافى صدفة فى الوجود
كل مقدر لما خلق له
اصلو ما كان فى نية ان اشارك بهذه الجمالية فى هذا البوست, حيث قادتنى يداى لا شعوريا الى Re: في ذكـرى محمـود محمـد طه : ألف بُسـتان يُـزهر .
بالحيل مافى صدفه فهما لوحتين جميليين اى وجهان لعملة واحدة وهذه امهما

لك شكرى للمرة الثانية اخى الشقلينى فلك ولنا فضلها.... آمين

لطفى

Post: #607
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبد الحي علي موسى
Date: 09-09-2007, 10:25 AM
Parent: #606

تحياتي أخي عبد الله الشقليني وجميع المتداخلين
تجدني متابع لهذا البوست المحيط ، لكني متخلف نوعا ما.
ممتعة تلك الرؤى (العرفانية) للأستاذ محمود والإمام الغزالي، ولا استغراب في تشابه المقصد وذلك لأن المنبع واحد ،وحتى القرآن، ألم يقل أصدق القائلين:
(إنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى). فليس ذلك تلاص كما يقول (أعداء الأستاذ محمود) ولمح الأخ أسامة بموافقته على ذلك.
ويا حبذا لو جرت مقارنة بين معارف الأستاذ محمود- خاصة الإنسان الكامل وصلاة الأصالة- والشيخ الأكبر ابن عربي والشيخ عبد الكريم الجيلي يا أخ أسامة وتجدني ممتن.
وبمناسبة صلاة الأصالة هذه، وجدت في شرح حكم ابن عطاء الله لابن عجيبة الحسني
(الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)
قال:
دائمون، يعني إذا سجد القلب، لا يرفع.
ولا شك في ذلك لأن الدوام هو عدم الانقطاع. وهذا طبعا حظ الكبار.
أما قول الأخ أسامة بخصوص تجديد فكر الأستاذ محمود:
فأنني أعتقد أن لكل (فرد) صاحب شريعة فردية فكره الخاص به وبالمفهوم الصوفي فإن هذا الفكر هو العلم اللدني الذي يعطيه الله للعبد المجود للعبادة على قدر تجويده وإخلاصه.
وهذا الفرد هو صاحب مقام لا يشاركه آخر فيه، وعليه فإن هذا العلم اللدني – من لدن الله – لا يستطيع أن يطوره أحد، ولا حتى صاحبه بل الله هو الذي يعطيه ( وقل ربي زدني علما) و (إنما أنا قاسم والله يعطي) هذا على مستوى علم الحقائق.
أما العلوم الشرعية، فأظن أن فهم الأستاذ محمود قد فاق كل السلف بما فيهم الصوفية الكبار الذين اهتموا بعلم الحقيقة أكثر من اهتمامهم بعلم الشريعة ولا مجال للحديث عن تناص هنا،
هذا الفهم للدين، في اعتقادي، على مستوى الشريعة والحقيقة، هو السبيل للبشرية جمعاء لأن تتعايش فيما بينها بعلم الشريعة الذي طوره الأستاذ وأن تصل بعلم الحقيقة الذي يعطيه الله، وإلا فإن البديل هو الفهم السلفي والذي نموذجه بن لادن والزرقاوي والخليفي.
ثم يأتي دور الأخوة الجمهوريين بالمشاركة في الحياة السياسية السودانية شريطة أن تكون هنالك منابر حرة حقيقية تكفل للجميع حرية التعبير وإن أردت الدقة، حرية الحياة، لأن حد الردة سيف مسلط على رقبة كل معارض سياسي.


الأخت مهيرة سلامي:
أنا غير ملم باللغة العربية فلا ينبغي لي أن أحكم على الأستاذ هل يجيد العربية أم لا، ولكن أحد جهابذة اللغة العربية – البروفسور عبد الله الطيب- قيل أنه قال:
خير من يجيد اللغة العربية تعبيرا وترقيما، هو الأستاذ محمود محمد طه.
ورجل بهذه الصفة-إجادته للعربية- وكمال أخلاقه، لا يمكن أن يفرغ اللغة من محتواها لهوى في نفسه، فهوى العارفين الكبار هو الإله.
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً).
هم وكلاء أنفسهم لشدة تعلقهم بإلاله. فأي غرض يريدونه من دنيانا هذه، كما تقولين؟؟؟
نعم اللغة تحجب المعنى ولا تحجبه.
بل أكثر من ذلك فإن الحرف يحجب المعنى عند وقوفنا على رسمه(شكله).
وأما أن اللغة لا تحجب المعنى، فهو قولك ولا أخالفك في ذلك إلى حد ما.
أما أنها تحجب المعنى فهي كذلك.
ومثال ذلك:
في الصلاة وعند قولنا الله أكبر، ثم تفكيرنا في كلمة (أكبر) ومقارنة كبر الله بكبر الأشياء المحسوسة، سنجد أنفسنا أننا لسنا مع الله في تلك اللحظة من الصلاة وخرجنا عن الحضرة اللائقة بالله بسبب فهمنا القاصر للكلمة ، حينها فقدت الصلاة معناها، وبالتالي فإن الكلمة قد حجبت عنا المعنى وحجبتنا عن مقصودنا.
كذلك يمكن للكلمات أن تأخذ معاني مختلفة تبدأ من المعنى المألوف لدينا –الظاهر- ثم تلطف معاني هذه الكلمات بلا نهاية فتصير باطن يعرفه أهله (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وباطن لا يعرفه إلا الله.
قال تعالى:
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
فجعله بهذه الحروف العربية، فقط لنعقله. لكنه في أم الكتاب، لعلي حكيم. وعلي وحكيم-في هذا المقام- تفوقان تصورنا لأنهما لدي الله في الإطلاق.
ويقول الإمام السيوطي: أن الحرف في أم الكتاب كجبل أحد (في الرسم والمعنى).
وفي هذا المقام، أيضا، فإن الحروف الرقمية – عربية وغير عربية – ليست ماعون لكلمات الله، (قل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً).فلو أن كلمات الله تحويها هذه الحروف العربية لما احتاجت لبحار من المداد، فقط عدد قليل من اللترات.
أما قولك أن وجود المعنى الباطن هو إدعاء، فلا ينبغي لك ذلك وأنا أسألك سؤالا بسيطا هو:
أين ولماذا اختفى (حرف الألف) في: (بسم) الله الرحمن الرحيم؟ وأعني اختفاء الألف في كلمة (بسم) لأن أصل الكلمة هو (اسم) والباء حرف جر. لكنه (أي الألف) قد ظهر في :
اقرأ (باسم) ربك الذي خلق.
هؤلاء القوم يتكلمون في بحر لا شاطئ له، أنا وأنت لا نستطيع حتى أن نقف بساحله، ناهيك عن أن نقيمهم بمعرفتهم باللغة العربية، أو أن اللغة لها معنى واحد هو هذا المعنى الظاهر.

Post: #608
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-09-2007, 09:49 PM
Parent: #606


قال أبو الطيب المتنبي :

يا أحسنَ الصبرِ زُرْ أولى القُلوبِ بها ... وَ قُل لصاحبهِ يا أنفَعَ السُّحُبِ
العزيز :
أبو الطيب .

تحية واحتراماً

كان الراحل نعيمٌ ورَحل .
من يده تعطرت الأسفار من خِضاب معانيه وهي تخرُج راقصة من سِفر اللغة وملمس الفِكَر .
قدِمتَ إلينا بعُنابكَ والشهدَ وأصفاد المحبة شغلت القلبَ والوجد .

شكراً لحضوركَ مؤانستنا هذا الملف .

ألف سلام عليه من سحاب المروءة وهي تُغطي رحيله المهيب :
زُمرُدةٌ طواها الدهر وأفردها كتاباً جمَّل التاريخ ، ونحن جراهُ
نغرف ولا نختصمُ .

Post: #609
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-10-2007, 04:40 AM
Parent: #608

عزيزي أبا الطيب
محبة كاملة
شكرا للمرور ، والشكر اكثر على ايرادك لحديث الاستاذ ،وهو ما يصب في مجرى ان هنالك متسعا في الدين لتغيير العالم والحلم بعالم جميل.
و هو ما صنفناه -كاجرائي بحثي-ضمن اليوتوبيا في خطاب الاستاذ .
وشكرا ايضا للاستاذ عبدالحي على موسى الذي قال:
Quote: ويا حبذا لو جرت مقارنة بين معارف الأستاذ محمود- خاصة الإنسان الكامل وصلاة الأصالة- والشيخ الأكبر ابن عربي والشيخ عبد الكريم الجيلي يا أخ أسامة وتجدني ممتن.

لم تكن مقاربة الخطاب الصوفي من ضمن مقاربتي لخطاب الاستاذ ،لكنني ساورد مقاربة موجزة عن العلاقة بين الشيخ عبد الكريم الجيلي و الاستاذ في ما يتعلق بمراتب الرسالة والنبوة والولاية.

********
يقول عبد الكريم الجيلي في "الانسان الكامل " ص:259 ،في الباب الثالث والستين :في سائر الاديان والعبادات: عن النبوة والولاية والرسالة:
Quote: فعلم من هذا أن ولاية النبي أفضل من نبوته مطلقا،و نبوة ولايته أفضل من نبوة تشريعه، ونبوة تشريعه أفضل من رسالته،لان نبوة التشريع مختصة به، والرسالة عامة بغيره، و ما اختص به من التعبدات كان افضل مما تعلق بغيره،فان كثيرا من الانبياء كانت كانت نبوته نبوة ولاية .


ثم يذكر بعض الامثلة كالخضر في بعض الاقوال ،وكعيسى إذا نزل الى الدنيا فانه لا يكون له نبوة تشريع وكغيره من بني اسرائيل، وكثير منهم لم يكن رسولا بكل كان مشرعا لنفسه،ومنهم من كان رسولا الى واحد،ومنهم من كان رسولا الى طائفة مخصوصة، و منهم من كان رسولا الى الانس دون الجن،
ثم يحدد فرادة رسالة محمد ص:
Quote: ولم يخلق الله رسولا إلى الاسود والاحمر والاقرب والابعد إلا محمد صلى الله عليه وسلم ،فإنه ارسل الى سائر المخلوقات ،فلهذا كان رحمة للعالمين.

ويقول الاستاذ في طريق محمد عن النبوة والرسالة والولاية والمحمدية والاحمدية:
في فقرة بعنوان:
الرسالة النبوة الولاية


Quote: ومن أجل التعريف بمحمد ينبغي تدقيق النظر في كلمته آنفة الذكر ، وهي قوله ( قولي شريعة ، وعملي طريقة ، وحالي حقيقة )) فإنها تشير إلى مراتب مقامه الثلاث : مرتبة الرسالة ، ومرتبة النبوة ، ومرتبة الولاية .. فأما مرتبة النبوة فإنها الأصل ، وهي وسط بين طرفين : من أعلاها الولاية ، ومن أسفلها الرسالة .. ذلك بأن النبوة عندما استوت انبثقت منها الرسالة كوظيفة .. ثم هي كلما زادت استواء تسامت إلى مراتب الولاية ، في الفينة بعد الفينة .. هذا ما من أجله قررنا أن النبوة أصل ..
وإنما بالنبـوة بـدأ الوحي ، فإن أول ما نـزل من القرآن على إطلاقه ، آيات النبوة من قوله تعالى : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم )) .. ثم لما استعد المكان نزلت آيات الرسالة ، من قوله تعالى : (( يأيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر )) .. وفي بيان هذا الأمر قال المعصوم : ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ، ثم قال : (( خذ العفو ، وأمر بالعرف ، وأعرض عن الجاهلين )) ) فإن صدر هذا الحديث نبوة ، وعجزه رسالة .. ومع أن هذا الحديث يقرأ في نفس واحد ، إلا أن ما يَحْكِي عنه لم يحدث في جلسة واحدة .. فإن عبارة ( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) تحكي أمرا استغرق تمامه أربعين سنة ، وهي مدة استواء النبوة ، بين المولد والبعث الرسولي .. هذا باعتبار النبوة منذ المولد ، وفي الحق ، أن نبوة نبينا أزلية ، وقد بدأ بروزها ، في عالم المحسوس ، وهو في خلوة الرحم ، ثم أخذ بروزها الحسي يظهر ، ويزداد ظهورا ، في أطوار شبيبه المختلفة ، حتى إذا ما اعتزل المجتمع ، وآوى إلى غار حراء ، كان أول أطوار نضجها قد بـدأ ، ثم هي لم تلبث أن انبلج فجرها ، بعد خمس عشرة سنة من التحنث ، والتخضع ، وذلك ببدء نزول القرآن ..
وعن أزلية نبوته قال المعصوم : (( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين . )) ومعنى هذه العبارة أنه كان نبيا ، عالما بنبوته ، في الأزل . وقد ظهر مصداق ذلك عندما برز إلى عالم الأجساد ، فإنه وهو جنين في رحم أمه كان يختلف عن الأجنة في الأرحام ، فقد برئ وحام أمه به مما تتعرض له وحامى النساء من الغثيان ، وخبث النفس ، واستيفاز الشعور . وكان حمله على أمه خفيفا ، تجد بركته في يقظتها بالصحة ، وبهجة النفس ، وبالمسرة المتصلة .. وتجد بركته في نومها بالرؤى المفرحة .. وبمثل ذلك اختلفت طفولته ، واختلفت يفاعته ، واختلف شبابه ، حتى لقد أيقن أنه خلق لغير ما خلق له أترابه من الشباب ، ثم لم يلبث أن ألح عليه هذا الإيقان حتى اعتزل المجتمع ، وآوى إلى الغار ..
وعن مراتب مقامه الثلاث هذه قال ، ليلة عرج به : (( سألني ربي يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت أنت ربي أعلم ، فوضع يده على كتفي ، فوجدت بردها بين ثديي ، فأورثني علم الأولين والآخرين .. وعلمني علوما شتى : فعلم أخذ علي كتمانه ، إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري ، وعلم خيرني فيه ، وعلم أمرني بتبليغه إلى العام ، والخاص ، من أمتي ، وهي الإنس والجن .. )) فالعلم الذي أمره بتبليغه للخاص والعام من الأمة ، هو علم الرسالة ، وهي تشمل القرآن المقروء بين دفتي المصحف ، وتشمل تبيين هذا القرآن ، في التشريع ، في مستوى حاجة الأمة .. وفي التفسير في مستوى طاقة الأمة .. وهو قد قال : (( نحن ، معاشر الأنبياء ، أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )) فالرسالة ، إذن ، لا تشمل تبيين القرآن كله ، كما يظن بعض الناس ، لا في التشريع ، ولا في التفسير ، فإن ذلك أمر ممتنع من جملة وجوه .. والعلم الذي خير في تبليغه يقع بعضه في حيز الولاية ، ويقع سائره في حيز النبوة . ويظن بعض الناس أن النبي مأمور بتبليغ كل ما وعى عن ربه ، وذلك ظن شديد الدلالة على قلة بصر هؤلاء بحقائق الدين ..
والنبي ، في ولايته ، أكبر منه في نبوته ، ذلك بأنه في النبوة يتلقى عن الله بواسطة جبريل ، ولكنه في ولايته يتلقى عن الله كفاحا ، وقد رفعت الواسطة من بين الرب والعبد .. وإنما عن ذلك أخبر ليلة المعراج ، حين أخبر أن جبريل ، عندما انتهى إلى مقامه عند سـدرة المنتهى ، قال له : ها أنت وربك ، وتخلف ، فقال : أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله ؟ قال : هذا مقامي ، ولو تقدمت خطوة لاحترقت !! (( فزج بي في النور )) ، وهو يعني هنا نور الذات ، وليس لجبريل بنور الذات طاقة ، لأنه لا ذات له ، ( لا نفس له ) ، ومن ههنا بدأت ولاية النبي .. فالرسالة وحي بالقرآن المقروء ، ووحي بشرع منه ، أمر النبي بتبليغه لسائر الناس .. والنبوة وحي بالقرآن المقروء ، ووحي بشرع منه ، أمر النبي أن يعمل به في خاصة نفسه .. فهو بالرسالة صاحب شريعة ، وهو بالنبوة صاحب طريقة .. أو قل صاحب (( سنة )) .. وبين (( شريعته )) و (( سنته )) تداخل ، ومنهما أرض مشتركة .. ولكننا نعني هنا بالتكليف الذي بـه زاد النبي عن سائر أمتـه ، في العبادة ، وفي السلـوك .. ومـن ذاك أن كل شريعته ملـزمة لأمته ولكن بعض سنته غيـر ملزمـة إلا له هـو في خاصة نفسـه ، لأنها شريعتـه الخاصة بـه .. وهي لا تلـزم من أمتـه إلا من التـزم بها تطـوعا ، وسلوكا ، واتباعا ، وإتقان تقليـد ، على قاعدة : (( قل إن كنتم تحبـون الله فاتبعـوني يحببكـم الله .. ))
وفيصل القول في أمر المراتب الثلاث هو أن النبوة مرتبة شريعة خاصة ، تهيأ النبي لها بفضل الله ، ثم بطول الممارسة لحياة الخلوة ، مما أورثه تيقظ الشعور ، وصفاء الفكر .. ثم أن النبي ، بمواصلة المجاهدة في شريعته هذه الخاصة ، في العلم ، والعمل بمُقتضى العلم ، في العبادة والمعاملة ، يزيد في تيقظ شعوره ، وصفاء فكره ، كل حين ، مما يؤهله للنهوض بوظيفة الرسالة ، وتحمل أعباء الإرشاد ، والتسليك ، والهداية ، بصورة تزيد كل يوم جديد .. وفي هذا الطرف من النبوة ـ طرف الزيادة ـ تقع الولاية .. لأنها هي الطرف الرفيع ، اللطيف ، من النبوة في حين أن الرسالة هي الطرف الغليظ ، الكثيف منها .. وعن استمرار تيقظ حياة فكره ، وحياة شعوره ، قال : (( إنه ليغان على قلبي ، حتى أستغفر الله ، في اليوم والليلة ، سبعين مرة . )) وهو في كل مرة يستغفر فيها الله تعالى يرقى درجة من درجات القرب من سدة القدس .. والغان ههنا حجاب النور .. وهو يعني حجاب الفكر .. فهو كلما تغشى فكـره في الله كـدر من دواعي الجبلـة ، استغفـر الله ، فعاود الصفاء فكـره ، واتسعـت لهـذا الصفاء حياة الشعور ، وذلك لمـا يتلـقى القلب من فيوضات التراويـح .. تراويـح القرب .. وعـن قمـة ترقيـه في مشاهد هـذا القـرب ـ وهي مشاهـد ولاية ـ قال : (( لي ساعة مع الله لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل .. )) ..
فكأن المراتب الثلاث ، نبوة أهلت ، من أسفلها ، لرسالة ، وأثمرت ، من أعلاها ، ولاية .. ثم ان هذه النبوة لا تستقر ، وإنما هي منطلقة في مراقي الزيادة ـ علم ، وعمل بمقتضى العلم ـ وفي ذلك قال تعالى لنبيه : (( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ، وقل رب زدني علما )) . وكلما زادت أنوار النبوة ، زاد التأهيل للنهوض بأعباء الرسالة من جانب ، وتندحت الولاية بأطايب الثمرات من الجانب الآخر .. وما ثمرات الولاية إلا دقائق المعرفة بالذات العلية .. وإنما بهذه المعرفة لدقائق ، ولطائف ، أسرار الذات القديمة ، تتوحد الذات المحدثة .. وذلك باتساق القوى المودعة في البنية البشرية ، اتساقا به يتم السلام الداخلى ، وبه يحقق كل فرد فرديته التي بها ينماز عن أفراد القطيع البشري .. فإن تحقيق فردية كل فرد منا بفضل توحيد ذاته البشرية هو غاية المراد من تعبدنا الله بعقيدة التوحيد ، ذلك بأن ذات الله في غنى عن التوحيد ، وإنما المحتاج للتوحيد هي الذات البشرية التي فرقها الخوف أباديد
..


Post: #610
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-11-2007, 05:03 AM
Parent: #609

كيف يمكن ان نفهم علاقة التناص بين الجيلي والاستاذ؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

Post: #611
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-11-2007, 07:36 PM
Parent: #1



قوة التأمل (1)

التحية للكاتب : أسامة
الكاتب : الدكتور ياسر
الكاتبة : الدكتورة مهيرة
ولجميع المشاركين والمشاركات كتابة وقراءة الشكر الجزيل على الصبر .

*****

العزيز الأستاذ / عبد الحي موسى
تحية واحتراماً

لك الشكر موصول من جميع الذين اثروا هذا الملف . لقد قدموا نصوصاً عالية المقام ، ناضجة الثمار لمن يصبُر . لقد كُنا بصدد ذكرى لامست جوف الذاكرة فأنبتت حلو الحديث في مقاربة بين سيرة السيد المسيح وفق رواية العهد الجديد كما أسلفنا ، وكانت المادة قطفاً من قطوف وقع الأستاذ ورؤاه في النفوس ، وكانت بين أيدينا ساعة بلوغنا ذلك المورد مشاعر كثيفة وقولاً ثقيلاً يرغب أن يرى النور .
من بعد رأى الشاعر والكاتب : أسامة الخواض أن نغوص في تجربة هذا الهرم الفكري ، ونقارب بينه وبين غيره ، ومقارنة ذلك بالحداثة و أثرها عليه وعلى فكره : أهي سقف لرؤاه أم هي مثال لتقريب المفاهيم وأن البُعد أعمق ... ثم انطلقنا برفقة الدكتور ياسر الشريف وثلة من الأولين ومن الآخرين تبعاً لصيدنا الذي أراه قد بدأ يُثمر : الدكتورة ( مهيرة )من قبل وأنت من بعد ، وهو خير بكل المقاييس ، فكم كُنا في زمنٍ غابر نشتاق مُجالسة من تعبق روائح الكلم عندهم فِكَراً ، نرشف نحن وننسى أنفسنا ودنيانا ونحن في قمة المتعة الذهنية التي أضحت اليوم جلداً لا يقدر أحد على صبرها من المشاغل حيناً ومن المُلهيات التي تُقرِب لنا المُتعة التي تحرمنا من الحوار الثقافي والصراع الفكري النيِّر .
شكراً لك أن أقمت الآن بيننا ، وكلما وجدت فُسحة أن تطلع على ما نهلنا .

نضيف اليوم رافداً جديداً بمقدمك ولك الشكر الجزيل .
لدينا الكثير الذي ينتظر ، فالأستاذ أسامة بصدد دراسة علاقة الأستاذ محمود بالحداثة ، وأنا بصدد الإبحار في رؤاه مع التصوف : لغة ومناهج سرد وطرائق عبادة وتقنيات علوم النفس البشرية التي مهدت للإفادة من قدرات الذهن البشري للتماس مع العقول الأخرى .
قد يسأل سائل :

ما العلم اللدُني ؟

وهنا مربط فرس من ينهلون من بحر المتصوفة ، ولا مناص من الولوج لتاريخ الديانات القديمة التي أخذ منها المتصوفة ( المنهج ) لدخول ما تم تقريبه للناس بمُسمى ( العلم اللدُني )
وقد أخذ كثير من المتصوفة المنهج وأجروا عليه عقيدتهم ونهلوا من النبع .
وذلك باب أنا في السعي لمعرفته ووتقريبه للذهن ، وسنواصل فيه ولديَّ الكثير من المفاتيح آمل أن تكتمل الصورة والمراجع لنفتح باب صعب ، لا يتحدث فيه الصوفية غير : ( علم لدُني )
ويصمتون .....

**
يقول جوزيف هاريمان في سفره ( التنويم المغناطيسي ) ترجمة ليديا البريدي
في الفصل الخامس :
قوة التأمل :
نقطف النص :

( يعد التأمل حالة من حالات التنويم المغناطيسي الآلي ولكنها نوع نادر من الحالات ومن المفترض أن يؤكد مجموعة من المؤثرات المفيدة غير المحددة وفي حالة التأمل لسنا في حاجة إلى الخطوة الثالثة وهي ( الإيحاء ) الذاتي أو الخطوة الثانية وهي " النجاح في الدخول إلى مرحلة اللاوعي " وسنقدم لك في هذا الفصل التأمل من المهم أن تتذكر أن التأمل وبشكل أساسي يعدُ الفن العظيم للدخول إلى عالم اللاوعي .
كيف تتأمل :
1_ اجلس بهدوء وفي وضع مريح أغلق عينيك براحة . الغرفة قليلة الإنارة . استعمل وضع زهرة اللوتس في الجلوس ( وضع الجلوس التربُع من أوضاع اليوغا)
2ـ أرخ جميع عضلات جسمك ابتداء من القدمين مبتدئاً بكافة أنحاء الجسم وانتهاء بالوجه . حافظ على هذا الاسترخاء العميق .
3ـ بعد ذلك أختر إحدى الطرق التالية :
الطريقة ـ1ـ
ـ تنفس من خلال الأنف وراقب أنفاسك أثناء عملية الشهيق .
ـ قل كلمة ( إن ) أثناء عملية الزفير .
ـ قل كلمة ( كالم ) همساً ولنفسك ...)

نجد هذه الطريقة وبصور متنوعة في الفلسفات الإغريقية وفي تعليمات بيزانتين الروحانية .
( تعلم يا أخي كيف تتنفس ، نحن نستنشق الهواء ونطرده وفي هذا تكمن الحياة . حياة أجسادنا ودفئها . لذلك أجلس وأجمع فكرك وراقب عملية التنفس ، حاول إدخال أكبر كمية من الهواء واحتفظ به في صدرك . وتوجه إلى الله داعياً و طالباً منه أن يحفظ لك هذه النعمة وأن يمنحك صفاء العقل والقلب وينـزهك عن كل رجس ويبعث في قلبك الحب . )

ونواصل
11/09/07

*

Post: #612
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-12-2007, 05:27 AM
Parent: #611


عزيزي الشقليني
عزيزي ياسر
في الذكرى السادسة لاحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامي،
دعونا نستحضر قيم التسامح واللاعنف وقبول الآخر في خطاب الاستاذ ،
وكذلك تنبيهه المبكر لمخاطر الهوس الديني
و حديثنا عن التناص ،
ما هو إلا تذكير بشبكة من النصوص المختلفة ،
و التي تنتمي لثقافات كثيرة و متباينة،
اندغمت في خطاب الاستاذ وشكلت ملامح ذلك الخطاب بمستويات متعددة.
تحية خالصة لغاندي افريقيا.
المشاء

Post: #613
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-12-2007, 08:43 PM
Parent: #612




Quote: 1) تطوير أول قنبلة ذرية (مشروع مانهاتن)

في الثاني من اغسطس سنة 1939 وقبل بداية الحرب العالمية الثانية مباشرة، كتب ألبرت أينشتاين للرئيس فرانكلين روزفلت. وكان أينشتاين وعدة علماء آخرين قد أخبروا روزفلت عن المجهودات التي قام بها النازيون في ألمانيا من أجل تنقية اليورانيوم 235 أو U-235 والذي يمكن أن يؤدي إلى بناء القنبلة الذرية. وكان بعدها وبوقت قليل بدات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بإجراءات جدية عرفت بمشروع منهاتان. وكان هذا المشروع ببساطة يهدف لعملية تطوير أبحاث من أجل إنتاج قنبلة ذرية حقيقية.
إن أعقد شيء كان يجب انجازه هو انتاج كميات معقولة من اليورانيوم المشبع من نوع 235 كي يحافظ على استمرارية التفاعل أو الإنشطار الذري.
في ذلك الوقت كان من الصعب جدا استخراج اليورانيوم نوع 235. وفي الواقع، فإن نسبة التحويل من خام اليورانيوم المستخرج من الطبيعة إلى معدن اليورانيوم هو 500 إلى 1 ناهيك أمرا سلبيا آخر هو أن جزءا واحدا من من اليورانيوم الذي تمت تنقيته من خام اليورانيوم يحتوي على أكثر من 99% يورانيوم من نوع 238(U-238)، والذي يعتبر من ناحية عملية غير ذي فائدة للقنبلة الذرية.
ولكي تتعقد الأمور أكثر فإن كل من اليورانيوم U-238و U-235متشابهين في تكوينهما الكيماوي. وهذا يعني تصعيب عملية الفصل أكثر. يمكن تمثيل الأمر بصعوبة فصل محلول السكروز من محلول الجلوكوز. لا توجد طريقة فصل كيماوية يمكن أن تفصل هذين النظيرين. وحدها الطريقة الميكانيكية هي ذات الفعالية القادرة على فصل U-235من U-238. وقد أمكن علماء عديدون من جامعة كولومبيا من حل هذه المعضلة.
تم انشاء وحدة تخصيب اليورانيوم في منطقة أوك ريدج في ولاية تينيسي. وابتدع devised إتش سي أوري مع مجموعة من زملاءة ومساعدين له نظام يعمل على أسس gaseous diffusion. تبع هذه العملية أن إرنست لورنس وهو مخترع السيكلوترون Cyclotron من جامعة كاليفورنيا في بيركلي استخدم عملية تتضمن الفصل المغناطيسي للنظيرين isotopes. تبع هاتين العمليتين استعمال طريقة الطرد المركزي الغازي gas centrifuge وذلك من أجل فصل المزيد من اليورانيوم U-235 الأخف من اليورانيوم U-238 الأكثر وزنا وغير القابل للإنشطار وذلك بواسطة الفرق في كتلة كل منها.
بمجرد أن اكتملت الإجراءات، كل ما كان مطلوبا عمله هو أن تضع الأفكار والطرق المذكورة كلها تحت الإختبار من أجل القيام بالإنشطار الذري، مزيد من التفصيلات حول تلك الطرق سنأتي إليها لاحقا.
وخلال فترة عمل استغرقت ست سنوات بدأت منذ سنة 1939 وحتى سنة 1945، فإن أكثر من 2 مليون دولار صرفت على مشروع مانهاتان. إن المعادلات والقواعد الخاصة بتنقية اليورانيوم ووضع مكونات القنبلة الذرية معا لجعلها في حيز الوجود قد تم تطويرها وإيجادها كما رأيناها وذلك بواسطة عقول عظيمة في هذا الزمن. من ضمن هؤلاء الذين أطلقوا العنان لعقولهم لإيجاد هذه القنبلة هو جي روبيرت أوبنهايمر. أوبينهايمر كان القوة الأساسية خلف مشروع ماناتان. وقد أدار هذا المشروع بكل حرفيته، مستفيدا من العقول الأخرى معه والتي جعلها تعمل بأقصى طاقة لها. لقد تابع المشروع كاملا من بدايته وحتى اكتماله. وأخيرا جاء اليوم الذي وجد فيه الجميع في لاس ألاموس ما إذا كانت تلك "الأداة" التي يقومون بتصنيعها عملاق القرن العشرين الفارغ والعديم القيمة أم لربما تقوم بإنهاء الحرب العالمية. حتى جاء ذلك الصباح القاتل في منتصف صيف 1945.
في الساعة 5:29:45 حسب التوقيت المحلي لمنطقة الجبال أيام الحرب، في يوم السادس عشر من يوليو 1945، امتدت كتلة نار بيضاء من حوض جبال "جيميز" في شمال "نيو ماكسيكو" إلى عنان السماء التي كانت لا تزال مظلمة لتعلن تلك "الأداة" الدخول إلى عصر الذرة.
إن ضوء التفجير تحول بعدها إلى برتقالي حيث بدأت كرة النار الذرية تندفع بشدة للأعلى وبسرعة 360 قدما في الثانية، ثم بدأ لونها في الإحمرار ثم بدأ اللون يتقطع حيث بدأت النار تبرد. وظهرت غيمة على شكل مشروم مكونة من بخار مشع بارتفاع ثلاثون ألف قدم. وتحت الغيمة فإن كل ما تبقى من تراب مكان التفجير هو قطع زجاجية ذات نشاط إشعاعي ولها لون أخضر. وكل هذا نتج بفعل الحرارة الشديدة الناجمة عن هذا الفعل
لقد اخترق ذلك الضوء الناجم عن التفجير سماء ذلك الصباح الباكر بلمان غاية في الشدة لدرجة أن ساكني المناطق المجاورة والواقعة بعيدا عن مكان التفجير يمكن أن يحلفوا لك بأن الشمس قد اتت مرتين في ذلك اليوم. وقد كان من أشد الأمور غرابة أن فتاة عمياء رأت الوميض من على بعد 120 ميلا.
ومن مراقبة ذلك التفجير فإن رد الفعل لدى العلماء الذي أوجدوه كان مختلطا. إزيدور رابي شعر بأن توازن الطبيعة قد اختل، وكأن الجنس البشري قد أصبح شيئا مهددا لكل قاطني العالم. جي روبرت أوبينهيدر ومن خلال بهجته بنجاح المشروع، ذكر ما قاله بهاجفاد جيتا: "أنا أصبحت الموت" "محطم العالم" أما كين بينبريدج وهو مدير التجارب فقد قال لأبينهايمر " الآن فنحن جميعا أولاد كلبة"
كثير من العلماء والمشاركين في هذا المشروع وبعد أن شاهدوا النتائج، وقعوا على التماسا لإزالة ذلك الموحش الذي أوجدوه، ولكن اعتراضاتهم لم تلق إلا أذنا طرشاء. بعدها لم يكن موقع التجارب المميت في نيو ماكسيكو هو آخر المواقع على الكرة الأرضية التي تجرى فيها التجارب الذرية.
أحد ضحايا القنبلة الأمريكية في هيروشيما


التفجير الذري

1- هيروشيما

وكما يعلم معظم الناس، فإن القنبلة الذرية قد استعملت مرتين. التفجير الأول والأكثر شهرة كان في مدينة هيروشيما. فقد أسقطت قنبلة يورانيوم تزن أكثر من 4.5 طن وأخذت اسما هو "ليتيل بوي" على هيروشيما في السادس من أغسطس سنة 1945. وقد أختير جسر أيووي وهو واحد من 81 جسرا تربط السبعة أفرع في دلتا نهر أوتا ليكون نقطة الهدف. وحدد مكان الصفر لأن يكون على ارتفاع 1980 قدما. وفي الساعة الثامنة وخمس عشر دقيقة تم إسقاط القنبلة من إينولا جيي. وقد أخطأت الهدف قليلا وسقطت على بعد 800 قدم منه. في الساعة الثامنة وست عشر دقيقة وفي مجرد ومضة سريعة كان 66000 قد قتلوا و69000 قد جرحوا بواسطة التفجير المتكون من 10 كيلو طن.
كانت الأبخرة الناجمة عن التفجير ذات قطر يقدر بميل ونصف. وسبب التفجير تدميرا بالكامل لمساحة قطرها ميل. كما سبب تدميرا شديدا لمساحة قطرها ميلين. وفي مساحة قطرها ميلين ونصف احترق تماما كل شيء قابل لأن يحترق. ما تبقي من منطقة التفجير كان متوهجا أو محمرا من الحرارة الشديدة. اللهب كان ممتدا لأكثر من ثلاثة أميال قطرا.

2- ناجازاكي

في التاسع من اغسطس سنة 1945، تمت معاملة مدينة ناجازاكي مثل مدينة هيروشيما، مع الفرق هذه المرة بأن قنبلة بلوتونيوم هي التي أسقطت عليها. أطلق على القنبلة إسم "فات مان". وحتى هذه المرة فقد أخطأت هدفها بمقدار ميل ونصف. ومع ذلك فقد كان في وسط المدينة تقريبا. وفي جزء من الثانية فقد انخفض عدد سكانها من 422 ألفا إلى 383 ألفا. إن 39 ألفا قتلوا، و 25ألفا جرحوا. كان هذا التفجير اقل قليلا من 10 كيلو طن. التقديرات من الفيزيائيين الذين درسوا كل من التفجيرين قدروا بأن القنابل التي سقطت قد استخدمت فقط 1من عشرة من واحد في المائة من قدرتها التفجيرية.
3- المنتجات الثانوية للتفجيرات الذرية

وبينما مجرد التفجير الذري هو قاتل بما فيه الكفاية، إلا أن قدرته التدميرية لا تتوقف عند ذلك. فالغبار الذري المتساقط يخلق مخاطر أخرى أيضا. إن المطر الذي يعقب أي تفجير ذري يكون محملا بجزيئات ذات نشاط إشعاعي. إن كثير ممن بقوا على قيد الحياة من انفجار هيروشيما وناجازاكي استسلموا للتسمم بالإشعاع الناجم عنه.
الإنفجار الذري أيضا له مفاجئات خفية قاتلة وذلك بتأثيره على الأجيال المستقبلية التابعة للذين عايشوه. سرطان الدم أو اللوكيميا يعتبر ضمن أعظم بلاء ينتقل لأبناء هؤلاء الذين بقوا على قيد الحياة بعد الإنفجار.
وبينما السبب الرئيسي خلف القنبلة الذرية واضح، فإن هناك مخلفات جانبية اصبح لها إعتبارها عند استعمال الأسلحة الذرية. فبمجرد قنبلة ذرية صغيرة فإن منطقة ضخمة بما فيها من مواصلات واتصالات ومعدات وغيرها قد أصبحت فجأة ميتة تماما، وهذا راجع بسبب إحداث نبضات كهروماغناطيسية تم إشعاعها من التفجير الذري من إرتفاع عال. وهذا النوع من التفجيرات من مستوى عال تقوم بإحداث نبضات كهروماغناطيسية بما يكفي لإتلاف أي شيء إلكتروني إبتداء من أسلاك الكهرباء أو أي جهاز الكتروني وأي نوع من معالجات
العودة

في الأيام الأولى من بداية عصر الذرة كان يظن بأنه سيأتي يوم تستخدم فيه الذرة لأغراض تساعد الإنسان في حياته كأن تستعمل قوة الذرة في شق القنوات الكبيرة مثل قناة بنما أو خلافه، ولكن الآن لا حاجة للقول بأن هذا اليوم لم يأتي أبدا. وبدلا من ذلك فإن الإستخدامات الذرية من أجل التدمير قد زادت. وهناك التجارب الذرية في مناطق مختلفة من العالم ستستمر ما لم يوضع قانون يحرمها.


http://www.hazemsakeek.com/vb/showthread.php?t=3277

الأحباء هنا

(1)

عن الحادي عشر من سبتمبر 2001 م
( حوالى 3000 قتيل )

تحية طيبة في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر .
نذكر كل من صعد بريئاً إلى مكتبه كما يحدث كل يوم ، قبل أن تأتي الساعة الصباحية وميقات الموت الجماعي للأبرياء . أكثر من (3000 ) من الأبرياء وإطفائيين وشرطة مرور وقد صعدت درجة حرارة التفجير أكثر من (2000 ) درجة مئوية صهرت أعمدة الفولاذ المُقوى .
(2)

عن قنبلة هيروشيما ونجزاكي التي فجرتها الولايات المتحدة في اليابان انتقاماً من قتلاها في بير هاربر الذي سقط فيه أقل من (3000 ) قتيل عام ـ 1945 م

( 66ألف قتيل في هيروشيما و 39 ألف قتيل في نجزاكي .

(3)
لربما يعجب المرء من توارد خواطر ( مشروع مانهاتن ) عام 1945 م ،الذي مرَّ أصحابه دون عقاب ، وبين
وما أسماها بن لادن ( غزوة مانهاتن ) !!!!

إن الدُنيا زاخرة بالعجائب ، ولغة التسامُح هي التي ننادي بها
ونحن نبسط خيمة المباحث في رؤى من اغتالوه من الذين شربوا من نفس أنهر الانتقام الآسنة .



.

Post: #614
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-12-2007, 11:28 PM
Parent: #1

Quote: الناجون من قنبلة هيروشيما يطالبون بتذكرهم

مواقع خارجية متصلة بالموضوع
طائرة انولا جاي
متحف واشنطن
ارشيف هيروشيما
بي بي سي ليست مسؤولة عن محتويات المواقع الخارجية


أخبار أخرى
تسعة قتلى وعشرات الجرحى في زلزال إندونيسيا

بوتين يرشح زوبكوف رئيسا للوزراء

اعتقال 3 اسلاميين في النمسا

| ما هي خدمة RSS؟


فنيو متحف واشنطن امضوا شهورا في تجميع اجزاء الطائرة
عبر الناجون من الهجوم النووي الذي تعرضت له مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945 عن رفضهم لقرار متحف واشنطن عرض الطائرة التي اسقطت القنبلة.

ويخطط متحف واشنطن لعرض الطائرة التي تحمل اسم "انولا جاي"، وهي من طراز بي-29، وذلك بعد ان امضى فنيو المتحف شهورا طويلة في تجميع اجزائها في مركز "ستيفن-ادفارهاز" بالقرب من مطار واشنطن الدولي.

ويطالب الناجون من قنبلة هيروشيما المتحف بعرض قائمة باسماء ضحايا الهجوم، ويرون ان امتناعه عن ذلك يعني عدم احترام مشاعر ذويهم.


قنبلة هيروشيما قتلت ثلثي سكان المدينة الذين كان عددهم 350 ألف نسمة
يشار الى 140 ألف ياباني لقوا حتفهم نتيجة القنبلة النووية التي القيت على هيروشيما، بعضهم مات فور القاء القنبلة، وآخرون توفوا في اوقات لاحقة نتيجة الاصابة بالاشعاع.

وبعد اسقاط قنبلة هيروشيما بثلاثة ايام، قامت واشنطن باسقاط قنبلة نووية اخرى على مدينة نجازاكي، الامر الذي دعا اليابان الى ان تعلن رسميا استسلامها بلا قيد او شرط.

وفد خاص يتوجه الى واشنطن
وتوجه وفد من منظمة يابانية تحمل اسم "حركة انولا-جاي السلمية" الى واشنطن لتقديم احتجاج الى ادارة المتحف بسبب رفضها عرض قائمة باسماء الضحايا.

كما تطالب المنظمة اليابانية بعرض مجموعة من الصور التي تظهر معاناة وآلام سكان هيروشيما بسبب الاشعاعات النووية.


انولا جاي: اشهر طائرة في تاريخ سلاح الطيران الامريكي
احد هؤلاء الناجين سناو تسبوي الذي كان على بعد ميل واحد من المنطقة التي اسقطت عليها القنبلة النووية في 6 أغسطس/آب 1945، ولا زال وجهه يحمل آثار ندبات وجروح اصيب بها من جراء القصف.

ويقول تسبوي "اذا قام المتحف بعرض طائرة "انولا-جاي" فعليه ايضا ان يعرض ما حدث في هيروشيما بعد اسقاط القنبلة".

وجهة النظر الامريكية
غير ان الجنرال المتقاعد جون ديلي مدير المتحف يرفض فكرة عرض قائمة باسماء ضحايا قصف هيروشيما او صورهم، معللا بانه لم يتم اتباع نفس السياسة عند عرض اي طائرة اخرى، وانه يتم التركيز على الجوانب الفنية.

ويثير ضرب اليابان بقنبلتين نوويتين جدلا لا ينتهي حول ما اذا كان هذا العمل مناسبا في وقتها كما يرى امريكيون، وذلك لانه انهى الحرب بسرعة وانقذ حياة آلاف البشر من الجانبين، او انه افظع جرائم الحرب كما يرى يابانيون.




http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_3316000/3316571.stm

Post: #615
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-13-2007, 04:51 AM
Parent: #614

شكرا الشقليني لتذكيرنا بالصورة الاخرى من العنف الجماعي ،
والمذابح النووية كما اثبت.
و هذا يعيدنا الى مسالة النظر الى خطاب الحداثة الغربي ،
الذي بدأ عقلانيا وانتهى بحربين عالميتين حصدت ملايين الارواح،
وهو ما دعا البعض الى الكفر بنموذج الحداثة.
لكننا نؤيد ما قال به هابرماس في ان مشروع الحداثة لم يكتمل بسبب النازية والفاشية.
نحن مع مشروع الحداثة ،
لان النقيض هو اللاعقلانية التي نعرفها جيدا و تدمر كل حياتنا.
مع محبتي
المشاء

Post: #616
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-14-2007, 07:52 AM
Parent: #1

شكراً لك عزيزنا الشاعر والناقد : أسامة الخواض
على ذلك التذكير بمن يُقدمون فكراً مُسالِماً ومن يهدمون السلم
وهم ينسفون الأبرياء من الوجود ولا يرِف لهم جفن .

Post: #617
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-14-2007, 08:45 AM
Parent: #1

الدكتور ياسر الشريف

لا أعرف شكراً يُناسبُك بقدر إسهامَك في البوست الذي نُشير بوصله أسفل مقالنا كي يسمع من لا يعرفون الأستاذ لُغته ومنطقه ، وكيف يُفصِّل ما ورد في أسفاره ، وكيف تخرُج اللغة بفخامة تعبيرها لتُلامِس لغة العامة في الشرح . كانت الدعوة للصبر على أنوار الحق التي تسكن الصُدور لتفعل من بعد ذلك فعلها الخلاق . وكيف نبه للفكر وقربه من بساطة العامة الذين لا حُجب بينهم وبين الفهم السلس إن وصل .
شكراً لمدرسة الدين الذي يحترم العقل . فقد أوضح أن فكرته مُجلجلة وغير مسبوقة إذ يبدأ المرء من صلاة الحركات ويصعد كل فرد إلى صلاة أصالته التي يتلقاها بتقليد المصطفى درجة ثم بوساطة القرآن .
شكراً جزيلاً لك ولكُل من يسر أن نسمع صوت الأستاذ من جديد .
وشكراً للأستاذ /عمر الذي جعل التسجيل متصلاً.

محاضرة للأستاذ محمود في كوستي عام 1972.. نقاش جميل.. وأسئلة عن الأصالة.. ]

Post: #618
Title: [QUOTE]عزيزي الأستاذ الأديب عبد الله الشقلينيRe: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-15-2007, 12:55 PM
Parent: #1

الأحباء ننقل لكم حوار دار في بوست استفرعه الأخ الأستاذ / عمر عبد الله ،
وعنوانه خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين محاولة للتعريف بأساسيات دعوته)


وأنقل الحوار المكتوب لأن له علاقة بالدراسة التي نحن نصددها :

(1)

ما كتبه عبدالله الشقليني :


Quote: الأستاذ / عمر عبدالله
تحية طيبة لك
وأشيد بثراء ( البوست ) وتوضيحه الكثير الموجز
أجدني أقطُف مما كتبت أعلاه :


Quote: الحركة:
من أهم ما يعطيه إطار التوجيه في التوحيد، هو أن الثابت الوجودي، واحد!! هو الذات الإلهية.. أما كل ما عداها، ومن عداها، فهو متغير متحرك.. فالكون الحادث في جميع صوره، هو في حركة لا تهدأ.. ولذلك الحركة تمثل بعدا أساسيا من أبعاد هذا الكون، ولا يمكن فهمه من دونها، فهي تؤثر عليه في كل جوانبه.. فالله تعالى، هو وحده الكائن.. أما الوجود الحادث، في جملته، وفي تفاصيله، فهو ليس كائنا، وإنما هو مستمر التكوين.. ولذلك، الحركة من أهم خصائصه.. وقد بدأت الحركة ببروز المحدود من المطلق، وبدأ الزمن، وإن يك زمنا يكاد يلحق بالمطلق..


في حين يذكر الأستاذ في الرسالة الثانية المنهاج أن الكامل هو الذي يتطور كما ورد في تأويله :
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }الرحمن29 كما ورد فيما اقتطفنا أدناه :


Quote: (.... المسلمون يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة.. وهذا صحيح.. ولكن كمالها إنما هو في مقدرتها على التطور، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية، والاجتماعية، وعلى توجيه تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر، بالغة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية، والفردية من النشاط، والحيوية، والتجديد.. هم يقولون، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة، يقولون: الشريعة الإسلامية كاملة، فهي ليست في حاجة إلى التطوير، فإنما يتطور الناقص.. وهذا قول بعكس الحق تماما، فإنه إنما يتطور الكامل.. فالكمل من العارفين مثلهم الأعلى أن يتخلقوا بما وصف الله تعالى به نفسه حين قال عز من قائل: (( كل يوم هو في شأن)).. فهم يجددون حياة فكرهم ، وحياة شعورهم، كل يوم..)

ويكتب في موضع آخر :

( ... وبالمثل، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسما حيا، ناميا، متطورا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله، منزلة، منزلة.. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد.. (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)).. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من نص إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ.. قال تعالى: (( ما ننسخ من آية، أو ننسئها نأت بخير منها، أو مثلها.. ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير؟)).. قوله: (( ما ننسخ من آية)) يعني: ما نلغي، ونرفع من حكم آية.. قوله: (( أو ننسئها)) يعني نؤجل من فعل حكمها.. (( نأت بخير منها)) يعني أقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة.. (( أو مثلها)) يعني نعيدها، هي نفسها، إلى الحكم حين يحين وقتها.. فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها.. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة، في القرن السابع، منسوخة الآن .)


العزيز الكاتب / عمر عبدالله

إني أرى فهم الأستاذ في التطور لا الثبات ، والتطور سمة سرمدية الإله ،
رجاء تصحيحي إن اختلط الأمر .
تقبل شكري الجزيل من تلك السجادة الناصعة وهي تُلخص موجز رؤى الأستاذ


(2)

الرد الذي كتبه الدكتور ياسر الشريف :

Quote: عزيزي عبد الله الشقليني

تحية لك وللأخ عمر والشكر له على المثابرة على نشر كتابة الأخ الأستاذ خالد الحاج..

أرجو أن تسمح لي أن أعلق على ما تفضلت به..

في الحقيقة الذات الإلهية لا توصف بالتطور ولا حتى بما نفهمه نحن عادة عن الثبات، وإنما هي مطلقة، والمطلق منزه عن الثبات ومنزه عن التطور.. أما ما يقصده الأستاذ محمود في معنى قوله تعالى "كل يوم هو في شأن" الذي يتخلق به العارفون فلا يعني أن الذات الإلهية متطورة.. وإنما يعني أن ما يظهر للعارفين من الذات الإلهية هو جديد دائما..

ولكن الأمر أكثر دقة من هذا، إذ أن الخلق أنفسهم هم مظهر الخالق منه صدروا وإليه يعودون، وفي هذا الإطار هم مستمرو التكوين إلى نهاية مطلقة.. وأعلا الخلق هو الإنسان الكامل وهو بهذا مستمر التكوين بهذا المعنى في قمة..

ولك شكري..

ياسر

(3)

الرد الذي كتبه الأستاذ/ عمر عبدالله
Quote: عزيزي الأستاذ الأديب عبد الله الشقليني
تحية رمضانية كريمة
شكرا على المتابعة والتعليق والشكر لدكتور ياسر أيضا على المتابعة وعلى الإجابة على تساؤلك وأجدني متفق معه .. فالله سبحانه وتعالى عندما قال (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) انما عنى التمييز بين المتطور والمطلق .. فالوجود كله فان (متطور) وهو في تطوره يقصد ذات الله المطلقة والتي لا توصف بالفناء أو الثبات وأنما جاء الوصف هنا لتقريب الصورة .. ففي قمة هرم الوجود الإنسان الكامل .. ووجهه مما يلي ذات منتفتح على الإطلاق أما وجهه مما يلي الخلق فهو كالباقي بل ان من أسمائه الحسنى "الباقي" .. والأية (كل يوم هو في شأن) هي فعلا آية التطور وهي إنما تعني فيما تعني أن الله سبحانه وتعالي يتنزل في كل لحظة ويقيد من علمه المطلق ومن حياته المطلقة قدرا لعباده فشأنه هو ابداء ذاته لعباده (وفي قمتهم الإنسان الكامل) ليعرفوه .. والسير نحو الله هو سير نحو العبودية ونحو الإطلاق وغاية الإنسان فيه أن يحقق حريته الفردية المطلقة بالإنعتاق من كل ما سوى الله وهذه غاية لا بلوغ لها (إن الى ربك المنتهى) .. ولا منتهى !!
عمر

خالد الحاج: الأستاذ محمود في الذكرى الحادية والعشرين مح...تعريف بأساسيات دعوته

Post: #619
Title: Re: [QUOTE]عزيزي الأستاذ الأديب عبد الله الشقلينيRe: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-15-2007, 09:40 PM
Parent: #618




ونواصل



Post: #620
Title: Re: [QUOTE]عزيزي الأستاذ الأديب عبد الله الشقلينيRe: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-16-2007, 04:06 AM
Parent: #619

نشتكي من قلة المداخلات ،
و خاصة من المساهم الكبير هنا الصديق ياسر الشريف،
فهل نأمل في عودة معرفية له؟
خالص التحيات مملوءة بالمحبة.
ارقدا عافية
المشاء

Post: #621
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Masoud
Date: 09-16-2007, 04:31 AM
Parent: #1

يا أسامة:
غرابة الفكرة الجمهورية قد تدعوا "الغرباء" لنشرها.
هل أتاك نداء الغرباء لتحريك المتحرك المكنون؟
الله يعينك!!

Post: #622
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-16-2007, 05:22 AM
Parent: #621

الأحباء :
أسامة
مسعود

يجب ألا نستيئس ،
فقد أورد الدكتور ياسر محاضرة للأستاذ محمود ( صوتية ) ومتصلة بعمل تقني باهر قدمه هو والأخ عمر عبدالله
فأنت تسمع المحاضرة كاملة مع المُداخلات ، وفيها تفصيل لما تم إجماله في مسألة الصلاة
وشريعة الأحوال الشخصية ، وهي إضافة ثرية لتعميق رؤى الأستاذ :



محاضرة للأستاذ محمود في كوستي عام 1972.. نقاش جميل.. وأسئلة عن الأصالة..

Post: #623
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-16-2007, 05:22 AM
Parent: #621

الأحباء :
أسامة
مسعود

يجب ألا نستيئس ،
فقد أورد الدكتور ياسر محاضرة للأستاذ محمود ( صوتية ) ومتصلة بعمل تقني باهر قدمه هو والأخ عمر عبدالله
فأنت تسمع المحاضرة كاملة مع المُداخلات ، وفيها تفصيل لما تم إجماله في مسألة الصلاة
وشريعة الأحوال الشخصية ، وهي إضافة ثرية لتعميق رؤى الأستاذ :



محاضرة للأستاذ محمود في كوستي عام 1972.. نقاش جميل.. وأسئلة عن الأصالة..

Post: #624
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Masoud
Date: 09-16-2007, 06:02 AM
Parent: #1

ربما يكون كلامي مفارقاً لمجادلة النص المحمودي .
أرى أن فكرة الاستاذ هي حياة نصوصه متجسدةً في انسان "يأكل الطعام و يمشي في الاسواق".
وبغياب التجسيد اليومي للفكرة،فأهلاً بكم في متحف النصوص الادمية الدوارة!!

Post: #625
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-16-2007, 06:17 AM
Parent: #624

عزيزي الصديق مسعود
غيرت كلامك ،لكن كلامك الاخير اكثر غموضا مما اعتذرت عنه وهو :
Quote: أرى أن فكرة الاستاذ هي حياة نصوصه متجسدةً في انسان "يأكل الطعام و يمشي في الاسواق".
وبغياب التجسيد اليومي للفكرة،فأهلاً بكم في متحف النصوص الادمية الدوارة!!

في انتظار توضيح منك ،حتى لا يساء فهم كلامك.
محبتي
المشاء

Post: #626
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Masoud
Date: 09-16-2007, 06:53 AM
Parent: #1

يا سيد أسامة:
أقصد بأن فلفلة نصوص الرسالة الثانية لا تغني عن من يجسدها لحماً و عظماً ودما. هذا باعتبار أنها مدرسة سلوكية"طريق" للتواصل مع و ربما الوصول الى الله بمشيئة الله .
هذا ولا غرابة في محاولاتك التمدرسية لفك اشتباك النصوص وهذا مطلوب في السعي لمستوي أعلى من التذوق اللغوي الأدبي . الخوف أن نتوقف في شَرَك النص و ننسى "الطريق" في غياب "المرشد" المجسد لحلاوة "الكتابة".

Post: #627
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-16-2007, 08:51 AM
Parent: #1

..
Re: سبتمبـر 1983- 2007: فـي ذكري قوانيـن ابوقرون وبدريـ...ي ومـحكمة المكاشـفي!
...

Quote: *عبدالجبار عبد الله.
---------------

ناقد صحفي ومترجم
(محاضر سابقا بجامعة الخرطوم
وجامعة أمدرمان الأهلية 1994-2000 في علوم الترجمة).

الأسـتاذ عبدالجـبار عـبداللـه المحاضـر السابق بجامعـة الخـرطوم يـحكي عـن مشاهـداته كمـعتقل فـي اجـهـزة أمـن نمـيـري بعـد تطبيـق "قوانيـن سـبتمبـر 1983" ويـصـف الأجـواء القانونية والسياسية والنفسية والأخلاقية التي أحاطت بمحاكمة الأستاذ وتجريم فكره وتعليقه على حبل المشنقة قبل تصفيته جسدياًَ والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد، ويـصـف حـياة الجـحـيـم فـي معـتقلات امـن النظام.


رحلتي إلى الجحيم!.
-----------------
في لفحة نهار يوم صيفي قائظ الحر من عام من عام 1984، اختطفتني إحدى عصابات الأمن إلى مكاتب "القسم العقائدي" بمقر جهاز الأمن العام. وبعد تحقيق متوتر لئيم مقتضب، أحلت إلى زنازين السجن الداخلي –التي عرفت لاحقاً وعلى المستوى العالمي ببيوت الأشباح، سيئة الذكر في بدايات هجمة الإنقاذيين الغاشمة على الحياة والإنسان وحقوق الإنسان- وهناك طال أمد إقامتي، وعرفت كيف للإنسان أن ينام نوم الديك حرفياً، مع هبوط كل طائرة محملة بالسودانيين القادمين من ليبيا يومي الاثنين والخميس إن لم تخني الذاكرة في مطار الخرطوم. كنت حينها أشفق على الزنزانة الصغيرة الضيقة التي لا تزيد مساحتها على بضعة أمتار تكفي لتمديد القدمين، حين تغص بعدد كبير يستحيل جلوسهم على الأرض ناهيك عن التفكير في الإغفاء أو النوم. عندها تمضي الساعات الطوال ونحن نرفع رجلاً وننزل أخرى مثل طيور الرهو والبجع، ولا يكون ثمة مهرب في نهاية الأمر من نوم الديك، حين تتهادى الساعات السلحفائية الثقيلة، وحين يسري التعب والإنهاك في خلايا ومسام الجسد الجوعان المكدود، بطيئاً وقاتلاً كسريان السم.

أما معتقلو الطائرات الليبية المجني عليهم، الذين ذاقوا الأمرين كما يقول محمود، وعانوا أشد ألوان التحقير والعذاب على يد جلادي الأمن، فكان معظمهم من أبسط بسطاء السودانيين الذين ضاقت بهم الحياة في بلادهم، فذهبوا إلى ليبيا حيث امتهنوا مهنة الرعي أو عملوا في أشغال البناء وخطوط أنابيب النفط وخفر المباني وغيرها من المهن التي لا تتطلب كثير خبرة ولا تأهيل. وكان معظمهم أمياً حتى لحظة انتقاله إلى سجن كوبر حيث فك منهم من فك الحرف ومحا أميته هناك. وصادقت الكثير منهم من داخل الزنازين وأنشدنا وغنينا ومثلنا معاً في الليالي التي أقمناها داخل السجن لمختلف المناسبات الوطنية لاحقاً، ونشأت بيننا أجمل العلاقات التي يستطيع السودانيون خلقها في عز صحراء العبث والعدم. كان اعتقالهم بالعشرات والمئات جريمة كبيرة بحق مدنيين أبرياء ما عرفوا للسياسة سبيلاً ولا وعياً ولا حماساً.

وحين رأيت الفوج وراء الفوج يأتي ويمر عبر زنزانتي إلى سجن كوبر، وأنا وحدي الذي كتب عليه أن يحمل "صخرة سيزيف"، يجوع عمداً وينام نوم الديك مرتين في كل أسبوع على الأقل، قررت أن أبدأ إضراباً منفرداً عن الطعام. وبررت رفضي تناول الطعام بطلبين تقدمت بهما إلى مسؤولي الأمن. أولهما استعادة كتبي التي صودرت مني لحظة اعتقالي –كان بينها الأعمال الكاملة لشكسبير ونسخة مترجمة إلى الإنجليزية من القرآن الكريم- وثانيهما تقديمي إلى محاكمة عادلة وإدانتي أو إطلاق سراحي فوراً. فيما يتعلق بمطلب استرداد الكتب، كنت جاداً وعازماً على الموت من أجلها إن دعا الأمر. وبالفعل نجحت في استعادة 8 من جملة 13 كتاباً منها، مرفقة باعتذار مكتوب من ضابط في جهاز الأمن عن بقية الكتب التي لم يعثروا عليها. كان اسم ذلك الضابط "جلال" فيما أذكر. أما المطالبة بالمحاكمة أو إطلاق السراح، فلم تكن سوى مناورة تكتيكية مني، كان هدفها تحقيق حلم "الترقية" السريعة إلى سجن كوبر والتخلص من جحيم زنزانتي اللعينة، وأنا الزاهد في حلم الحرية بعدما رجموني به من شتائم واتهامات عويصة يندى لها الجبين، تؤكد جميعها طول إقامتي في السجن.

عودة إلى زنزانة الأمن اللعينة تلك، كنت قبل دخولي إليها قد قرأت تعريفاً للكاتب الفرنسي الكبير هونريه دو بلزاك، ورد في معجم أدبي أنيق رصين متخصص في سير الشخصيات الأدبية العالمية جاء فيه كناية عن معاناة بلزاك في حياته الفقيرة المعذبة "كان بلزاك يسكن في بيت لا يوجد فيه إلا بلزاك نفسه"! لا أورد هذا التعريف تنطعاً أو تلميحاً إلى رغبة سرية منى في مضاهاة نفسي ببلزاك، ولكنها لعنة الأمكنة البائسة الشقية، التي صورت لي بيت بلزاك الخاوي من كل متاع الدنيا ومباهجها، إلا من ساكنه، قصراً دافئاً مرفهاًِ ومخملياً حسدته عليه، وأنا حبيس زنزانتي البائسة الخاوية إلا من بلاطها الخشن الذي كنا ننام عليه مباشرة دون فرش أو لحاف حين لا تهبط الطائرات الليبية، أو "تطب"علينا مجموعة جديدة من المعتقلين الداخليين. في مثل تلك الحالات الهادئة كنت برفقة اثنين آخرين مستديمين، أحدهما سوداني مختل العقل يدعى إبراهيم، وآخر مجزوم يدعى محمدو من جمهورية مالي. وحتى لحظة خروجي منهما، كنت قد استأنست من وحشة المكان بحضورهما، ولكني كنت في الوقت ذاته، حزيناً لوجودهما في ذاك المكان الغريب، ومنشغل التفكير دائماً بطبيعة تلك المؤسسة الشريرة التي تطال مخالبها الشرسة حتى أمثال إبراهيم ومحمدو. بالمناسبة كانت المرة الأولى والوحيدة في حياتي التي ألعب فيها أوراق "الكوتشينة" مع ابراهيم، وكان يفوز علي دائما، ويعقبها في كل مرة بضحكة مدوية ومترعة بنشوة الانتصار والفرح وهو يصيح في وجهي وأذني بعبارة "كيشا ... كيشا ... كيشا".

ولعنة الأمكنة البائسة الشقية نفسها، هي التي أحبطت لاحقاً حلم "ترقيتي" إلى سجن كوبر. وكان تشبثي بذلك الحلم، تشبث الموعود بالانتقال من كوخ تعيس كئيب إلى فندق مهيب فخم من فنادق الخمس نجوم! ولكن هيهات وليس أمام الظمآن سوى سراب الصحراء. فقد طار قلبي من الفرح، حين استعدت كتبي المسروقة، مصحوبة بقرار الانتقال أخيراً إلى "كوبر". وبعد دهليز وراء الآخر، وانحناء وركوع وقيام، عبر الأبواب والمنافذ الضيقة التي شقت عبر الجدران الحجرية السميكة العتيقة، دلفت أخيراً إلى حيث يريدون إنزالي. وكان حظي كالحاً حين ذهبوا بي إلى قسم "الورشة". وهي ورشة بحق كانت تستخدم لهذا الغرض، إلى أن اتسع عدد السجناء والمعتقلين وفاض بهم السجن، فما كان من بد من التوسعة على "عباد الرحمن" فكانت نعم الورشة، وكنا نعم العباد!! هندسياً كانت مثل كل ورش النقل الميكانيكي والسكة الحديد وغيرها، مصممة من عنبرين طويلين ماهلين، شيدا من السيخ والحديد والأسلاك، وسقفا بصفائح الزنك الحارق نهاراً والبارد برودة الثلج في زمهرير الشتاء ليلاً.

ونظراً لنقص المراتب والأسرة التي تسد حاجة كل "عباد الرحمن" المعتقلين، فقد لفت نظري لحظة دخولي مباشرة، أن عدداً كبيراً من الأسرة كان يسع الواحد منها لسجينين بدل الواحد! كيف؟ أرجو ألا يشتط بكم الخيال إلى أسرة الـ double bed)) في داخليات البركس وغيرها من داخليات جامعة الخرطوم ومعهد الكليات التكنولوجية سابقاً. فالمقصود هنا أن "عباد الرحمن" ينقسمون كيفما اتفق إلى "طبقتين"، بعضهم يتمدد كما البشر العاديين فوق سرير مفروش بملاءة نظيفة على الأقل، وإن كانت مهلهلة ومهترئة وعفا عليها طول "السهك" والانبطاح. أولئك هم المحظوظون من أبناء "الطبقة العليا" الذين أنعمت عليهم الورشة بفيض رزقها وكرمها المعطاء. أما أبناء "الطبقة السفلى" فهؤلاء هم أهل الدرك الأسفل من الجحيم، ولم يكن أمامهم من بد سوى الانبطاح كيفما اتفق تحت السرير، على ملاءة أو بطانية أو بدون. قلت وأنا أدخل القسم واستسلم لقدري الذي لا مفر منه: "إن كان حظك بين أبناء "الطبقة السفلى" فمن الأحرى بك أن تتمرن من الآن على مد اللسان طويلاً من بوابة القسم، حتى تتقن فن لهاث الكلاب التي ترقد تحت الأسرة والعناقريب عادة في البيوت، عندما يشتد بها هجير حر الشمس! تأملوا بالله عليكم لحظة، ما كانت تفعله "شريعة الكيزان" بعباد الرحمن، الذين ورد ذكر إكرام كل واحد منهم وإعزازه ورفع منزلته في كافة نصوص القرآن الكريم! ولكن عفواً .. يا سادتي للخطأ الفادح، إذ كنا في واقع الأمر فئراناً وصراصير وجرذاناً في عيون الكيزان المستبدة الصلفة بحكم التربية والتكوين السياسيين. فأين مزمارك العذب، أين أنت من كل هذا يا محمود؟ لقد كنت رجلاً من غير ذاك الزمان.. كنت فيهم غريب الوجه واليد واللسان... فكيف لا يكفروك ويصلبوك ويقتلوك؟! طوبى لروحك .. طوبى للغرباء كما قال المسيح.

مشاهدات حية من جوار ساحة العدالة الناجزة:
__________________________________________

ولما شرعنا في الولوج الوئيد التدريجي إلى صلب موضوعنا الرئيسي، فقد كانت "الورشة" مجاورة لما كان يعرف باسم "ساحة العدالة الناجزة" سيئة الذكر، التي تعيد للأذهان رعب وذكريات مقصلة سجن الباستيل الرهيب. ففي تلك الساحة كانت تنفذ أحكام الإعدام وتجز الرؤوس وتكسر الأسنان وتفقأ العيون، تقطع الأيادي ويصلب المحكومون بأحكام الحرابة. لم تنفذ أحكام فقأ العيون ولا كسر الأسنان بالطبع، لكنها المكان الذي خصص لهذه الأغراض، وحتى لحظة خروجنا من السجن في السادس من أبريل 1985، كان أحد المحكومين في انتظار تنفيذ حد السن بالسن عليه. من هناك ومن أمام عيوننا مباشرة كانت تمر طوابير الرعب والوحشية والبربرية المريعة كل أسبوع تقريباً. والمثير للسخرية في تلك الطوابير، أن أبسط المحكومين وأدناهم وعياً وتعليماً كان يتقدم الطابور وهو على علم بمدى عبثية ولا معقولية تلك المؤسسات والقوانين التي تحيل المجرم الحقيقي بحق بلد بكامله، إلى قاض ومفت وجلاد، وإلى خصم وحكم في آن، يدعي لنفسه حقاً وتكليفاً إلهياً بتقويم السلوك الاجتماعي. ولا أشك لحظة في أن الشاعر محجوب شريف هو من استعار من أولئك المحكومين في إحدى "حضراته الشعرية" المسكونة بحب الناس ومعرفة خلجات ومكنون نفوسهم، ما كان يردده كل واحد لنفسه سراً وهو أمام الطابور من عزاء شخصي للذات:

"حليلك بتسرق سفنجة وملاية

وغيرك بيسرق خروف السماية....

تصدق في واحد بيسرق ولاية؟!!"

وفي عيون ووجوه وضحكات وابتسامات أولئك الذين كانوا يقادون إلى ساحة "عدالة الإخوان الناجزة" رأيت سخرية وهزءًَ بتلك المسرحية الهزلية السخيفة، الباعثة على الغثيان والضحك رغم مأساويتها ووحشيتها. وفي وجه كل واحد من المحكومين، رأيت شيئاًَ من سخرية وفلسفة بطل رواية "الغريب" للكاتب والفيلسوف الفرنسي البير كامو. فقد كانوا مثله في زهدهم عن الدفاع عن أنفسهم، أمام طائلة عبثية وكوميديا لامعقولية القوانين والمؤسسات الاجتماعية التي جرمتهم وأدانتهم. وعلى رغم الحواجز الشاهقة وتجهم ملامح الطابور الدموي، تبادلنا الضحكات والابتسامات وكلمات الوداع الأخيرة، مع عدد من المحكومين بالقصاص –بمن فيهم المحكومون بعقوبة الإعدام- وهم يقطعون خطواتهم الختامية المفضية بهم إلى الموت. ولم يكن غريباً أن يفلت أحدهم من أمام الطابور ليخطف سيجارته أو "تخميسته" الأخيرة من أحد أصدقائه الواقفين منا وراء سياج الورشة، علماَ بأننا كنا نشكل دائماً جمهور المودعين الأخيرين إلى مسرح العرض الدموى.

وما هي إلا لحظات تتلى فيها الإدانة والمصادقة القضائية عليها، فيعقبها ذلك الصوت المدوى الذي يصم الآذان، فتسقط على إثره الجثة هامدة في جب بئر المشنقة المظلمة. عندها تتحول السخرية والنكات على عبثية الوجود كله، إلى غصة حنظلية المذاق، يصعب على الحلق ابتلاعها أو احتمال مرارتها. وفي خلايا الجسد المستباح المصعوق، تسرى رعشة وحمى غريبة، لا يعرف مصدرها حين يخلد الواحد منا إلى فراشه. وأنى لك النوم والكوابيس المفزعة، وأنت ترى إنساناً مر من أمامك سليماًَ معافى يهز الجبال قبل لحظات، ولم يخرج من "مسلخ العدالة" إلا وقد تحول إلى رميم أو حطام إنسان مبتور الأوصال، أو خرج منها محمولاً على آلة حدباء بعد أن حولوه إلى جثة هامدة لا حراك فيها! من هناك مر الواثق صباح الخير، وبعده عشرات ... عشرات آخرون، قبل أن يمر منها أخيراً المفكر الشهيد محمود.

عندما استيقظت على مقام محمود :
_________________________

من القراء التمس المعذرة إن أطلت في الوصف والتقديم، ولكن كان من المهم جداًَ أن أرسم صورة الأجواء القانونية والسياسية والنفسية والأخلاقية التي أحاطت بمحاكمة الأستاذ وتجريم فكره وتعليقه على حبل المشنقة قبل تصفيته جسدياًَ والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد... ولكن هيهات. وقبل أن تكون هذه الكتابة شهادة من داخل السجن على ما جرى قبيل الإعدام وفي عشيته وصبيحته، أستشعر من خلالها أولاً وقبل كل شيء، واجباً فكرياً وأخلاقياً معاً، إزاء الكشف عن تلك المؤسسة الظلامية الغاشمة، التي استلهمت عقلية "محاكم التفتيش" من أضابير وتجاويف القرون الوسطى، واستنهضت تقاليد القمع الفكري والسياسي كلها –برصيدها الإسلامي والمسيحي معاً- لتستخدمها أداة وسيفاً مسلطاً على رقاب خصومها السياسيين والفكريين، بل لتشطب بها الإسلام كله بضربة لازب واحدة، فلا تبقى منه سوى حد العقوبة والسيف.

كان ذاك هو فحوى المحاكمة المهزلة التي شاهدناها وتابعنا تفاصيلها من داخل السجن. وكان ذاك هو مضمون "الاستتابة" التي سخر منها محمود قبل غيره، أيما سخرية ومضى سامقاً فارع القامة والطول إلى أعواد المشنقة، مستعيداً بذلك في لحظة تاريخية غريبة مفارقة، صورة تلك المحاكمة المهزلة التي تعرض لها الحسين بن منصور الحلاج، وما أعقبها من صلب وجلد وحز للرأس وتقطيع للأوصال، بعد أن أدانه قضاة بوزن وفقه "مهلاوي ومكاشفي" ذلك الزمان بتهمتي الزندقة والإلحاد اللتين وجهتا إليه. وللمفارقة فقد كانت تلك أيضاً دولة بوليسية يحكمها العسس وسواري ليل بغداد عام 301 ه. ولم يكن جرم الحلاج إلا أن له عقلاً مفكراً وأنه أبصر ما لا يبصره الآخرون من خلال فلسفته ورؤيته الصوفية الشفيفة القائمة على فكرة الإيمان بوحدة الوجود التي يرقى فيها الإنسان في علاقته بربه إلى مرحلة نورانية روحانية من "الحلول". وما جرم الحلاج إن عجز قصور عقول أعضاء محكمة التفتيش تلك عن تأويل قوله شعراً:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته

وإذا أبصرته أبصرتنا

وإلى أعواد المشنقة تقدم محمود واثقاً، ثابت الخطى وباسماً، لا لجرم ارتكبه سوى عقله المفكر وقدرته على رؤية ما لم يره الآخرون –سيما خصومه المتشددون من ذوي البصيرة المسدودة- كما سنرى من خلال دراستنا لجانب واحد فحسب من تراث فكره المتصل برؤيته للثقافة والفنون في سياق ريادته لحركة التجديد الفكري الديني وانتمائه إلى الاستنارة والحداثة من مواقع الفقه الديني نفسها.

ذاك محمود، ذاك ثوبه البسيط الناصع البياض، ذاك إبريق مائه وتلك فروته.. ذاك زهده وطهره وطهارته ... كيف تقتلوه؟ رأيت كل ذلك حيث كان في لحظاته الأخيرة، من زنزانة مقابلة لزنزانته، كانت قد حشرتنا فيها حشراً سلطات السجن التي أفرغت قسم الورشة بكامله حتى لا نشهده مباشرة وهو يتقدم طابور الإعدام. عندها كنت أهتف مع المحتجين وأشاركهم هز جدران السجن وأركانه بأصواتنا التي عانقت أصوات آلاف المتظاهرين والمحتجين في شوارع وبيوت كوبر المحيطة بالسجن. ولكنني بين نفسي كنت قد أدركت مقام الرجل، صحوت من غفوتي وغفلتي في إمعان النظر إليه مبكراً. لحظتها اجتاحني نهم عارم لكل ما كتب وقال، وندمت ندماً ما بعده على عدم زيارتي لحلقات إنشاده وحواره التي كان يقيمها بانتظام في منزله في بداية مدينة الثورة بأم درمان وأنا الغادي والرائح عبرها كل يوم! تلك هي اللحظة التي يشعر الواحد منا أن ثروة عظيمة قد تبددت وتسربت من بين أصابعه، دون أن يدري قيمتها أو يفيق من غفلة الحياة وتفاصيلها اليومية العابرة ليفتح عينيه على كنوز الذهب.

عادة قبر الرموز!

وإن كانت قد نازعتني منذ ذلك الوقت رغبة في قراءة فكر محمود كله والكتابة عنه، فقد تآكلت روحي سنيناً وسنين، حسرة على استهانة بلادنا كلها، دولة وشعباً ومؤسسات، وتفريطها المستفز في تراث ومكانة أعظم مفكريها وعلمائها ومثقفيها ومبدعيها في كافة المجالات. أين بالله تكون مكانة العشرات والعشرات من أذكى وأنبغ بنات وأبناء السودان من الشعراء والأدباء والفنانين والعلماء والباحثين النوابغ في مختلف المجالات، لو أنهم كانوا ينتمون إلى جنسيات أخرى، وأنجزوا ربع ما أنجزوه في بلد آخر وواقع آخر.. غير واقعنا نحن وغيربلادنا نحن؟ إلى متى هذه الخيبة المبينة وإلا متى نظل نقبر الرموز وهم أحياء وأموات؟! وبعض التجاهل يصدر عن "طيب خاطر وحسن نية" سودانيين. وبعضه ناشئ وقائم في ضعف أو غياب المؤسسات الثقافية نفسها، وكامن في ظاهرة الانقطاع في ممارستنا الثقافية واعتمادها على الظرفية وعادات المشافهة السيئة. وفي ظل واقع كهذا، كثيراً ما يعتمد الإبداع الفكري والثقافي على المبادرة الذاتية، بكل ما يحيط بها من ظروف حياتية ضاغطة ومكابدات عنيدة مع معركة توفير الحد الأدنى الضروري لحياة المفكر والمبدع، الذي يسعى مثل غيره إلى تحقيق شرط وجوده البيولوجي أولاً قبل أن يشطح إلى سماوات الإنسانية والإبداع!

كل هذا مفهوم ومن الممكن بل من الواجب معالجته. ولكن بعض الإهمال لئيم ومقصود ومتعمد، ويستمد لؤمه وقبحه من قبح وبدائية تقاليدنا السياسية السيئة، التي تربي الأفراد على بناء حاجز نفسي آيديولوجي سميك، يحجب البصيرة ويسد البصر، ويدفع الفرد في كثير من الأحيان، إلى تقديم الانتماء الحزبي السياسي الضيق، على المصلحة الوطنية العامة. ومن هذا الباب فما أضخم تراث الكيد السياسي البائر في حقل تقييم الفكر والإبداع. ولئن كانت الممارسة السياسية للجبهة الإسلامية "مشاترة" ومفارقة في كل شيء، لدى إصدارها قاموساً للشخصيات السودانية، حذفت منه بجرة قلم واحدة أسماء وقامات لا يستقيم للقاموس نفسه أن يحمل صفته تلك بدونها إلا إن كان قاموساً خاصاً بشخصيات من جزر القمر أو الكناري –شملت القائمة المحذوفة محمود محمد طه، فاطمة أحمد إبراهيم، عبد الخالق محجوب، الأمير عبد الرحمن نقد الله، الشفيع أحمد الشيخ- وغيرهم من الأسماء التي يطعن غيابها في قيمة القاموس، وفي نواياه ومحصلته، إن كانت تلك هي المشاترة العمياء بعينها، فما الذي يفسر سلوك برنامج توثيقي تلفزيوني قومي مخصص هو الآخر للتوثيق لحياة الشخصيات السودانية؟ أشير هنا إلى برنامج عمر الجزلي "أسماء في حياتنا" الذي لفت نظري فيه تلك العين الآيديولوجية الفاحصة في اختيار الشخصيات التي يوثق لها ويقدم. صحيح أن جعفر نميرى مثلاً كان اسما في حياتنا، ولكن أي اسم؟ مقابل ذلك تلاحظ غياب شخصيات كثيرة، هي التي تحمل وتعبر عن اسم البرنامج بمعناه الإيجابي بحق. دون أن أخوض في التفاصيل أسأل عمر الجزلي: ألم يكن مصطفى سيد احمد مثلاً اسماً كبيراً في حياة ملايين السودانيين ووجدانهم حتى بعد رحيله؟ وما هو المعيار الذي يحدد أن فلاناً أو علاناً كان اسماً في حياتنا نحن المفترى علينا؟ قبل ذلك، استضاف عمر الجزلي جعفر نميري فهل تذكر أن يستضيف محمود، أم أن هذا الأخير يندرج تحت قائمة "نكرات في حياتنا" المخبوءة في مكان ما بين أضابير الجزلي؟

عودة إلى أهمية دراسة تراث محمود وإسهامه الحداثي التنويري، فلا يزال من واجبنا حتى الآن، أن ننهض بهذه الدراسة كمفكرين ومثقفين، وأن نبين حجم الخسارة الفادحة التي ألحقها خصومه وجلادوه بثقافتنا وفكرنا وبحركة التجديد في الفكر الإسلامي كله. وما لم ننهض نحن بهذا الواجب فمن ننتظر أن يقوم به بالوكالة عنا؟ من جانبي كنت ولا أزال أطمح للقيام بهذا الواجب على مستوى أكاديمي مؤسسي، أضطلع فيه بتناول فكر وفلسفة محمود التنويرية، تناولاً مقارناً بفكر التيار الأصولي المتشدد، الذي ترضع اليوم من أثدائه كافة الحركات الإرهابية الناشطة على نطاق العالم، من السودان وحتى أفغانستان. ولتكن هذه الحلقة والحلقات التي تليها، المخصصة لدراسة جانب محدد من فكر وتراث محمود، ترجمة عملية لبعض هذه النوايا.


جميع حقوق النشر محفوظة "للجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية ".

Post: #628
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-16-2007, 11:01 AM
Parent: #1

سلام الأخوان عبد الله الشقليني وأسامة ومسعود..

لدي إضافة يا عزيزي أسامة وقد أوحت لي بها مداخلات الأخ مسعود القيمة..

Quote: يا أسامة:
غرابة الفكرة الجمهورية قد تدعوا "الغرباء" لنشرها.
هل أتاك نداء الغرباء لتحريك المتحرك المكنون؟
الله يعينك!!


Quote: ربما يكون كلامي مفارقاً لمجادلة النص المحمودي .
أرى أن فكرة الاستاذ هي حياة نصوصه متجسدةً في انسان "يأكل الطعام و يمشي في الاسواق".
وبغياب التجسيد اليومي للفكرة،فأهلاً بكم في متحف النصوص الادمية الدوارة!!


Quote: يا سيد أسامة:
أقصد بأن فلفلة نصوص الرسالة الثانية لا تغني عن من يجسدها لحماً و عظماً ودما. هذا باعتبار أنها مدرسة سلوكية"طريق" للتواصل مع و ربما الوصول الى الله بمشيئة الله .
هذا ولا غرابة في محاولاتك التمدرسية لفك اشتباك النصوص وهذا مطلوب في السعي لمستوي أعلى من التذوق اللغوي الأدبي . الخوف أن نتوقف في شَرَك النص و ننسى "الطريق" في غياب "المرشد" المجسد لحلاوة "الكتابة".


في يوم 19 ديسمبر 1984 تم إطلاق سراح الأستاذ محمود وعدد كبير من الجمهوريين من الإعتقال الذي دام حوالي 19 شهرا.. في نفس ذلك اليوم كانت هناك جلسة جامعة خارج منزل الأستاذ محمود، وبعد يومين، يعني 21 ديسمبر تمت جلسة مسائية أخرى وذلك قبل خروج منشور "هذا .. أو الطوفان".. في تلك الجلسة تحدث الأستاذ عن "الغربة" وعن الجمهوريين بوصفهم غرباء.. أرجو أن تسمحوا لي بوضع وصلة الحديث والإستماع إليه.. [حوالي 10 دقائق تقريبا].. بالنقر هنا:

http://mugrun.com/share/alghorba.mp3

وشكرا
ياسر

Post: #629
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-16-2007, 11:16 PM
Parent: #628

عزيزي ياسر
سلامات
لم تعلق على كلام مسعود:
Quote: الخوف أن نتوقف في شَرَك النص و ننسى "الطريق" في غياب "المرشد" المجسد لحلاوة "الكتابة".

وفي فهمي انه يتحدث عن مرشد للطريقة على غرار السلوك التصوفي التقليدي.
وفي فهمي الا مرشد سوى تقليد النبي.
المشاء

Post: #630
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-17-2007, 04:36 AM
Parent: #1

الأحباء الكُتاب :
أسامة
ياسر
مسعود

سُررت كثيراً بمداخلات الأستاذ/ مسعود ،
على قصرها فهي مُثقلة المعاني وغنية بالكثير
الذي يتعين تناوله ...
ويكون الحوار أكثر عُمقاً إن تفضل مسعود بالتفصيل ،

وأذكر هنا ما كتبه الأستاذ محمود وقاله من أن القدوة الأولى
النبي وفي الصعود إلى مراقي الفردية والعبادة تكون الصلة
إلى الله بالقُرآن .

شكراً للجميع ونواصل

Post: #633
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مهيرة
Date: 09-18-2007, 02:40 AM
Parent: #630


أهنىء الجميع بالشهر الكريم أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات.

الأستاذ الأديب عبدالله:

بالنسبة لمسالة اللغة القرآنية وماذكرته حول معاني القواميس بين التقريري وبين المعاني الخفية أود أن أوضح الآتى:
* لقد نزل القرآن الكريم فى عصر تميز أهله باِتقان اللغة العربية ملكة وليس صناعة كما فى عصرنا الحالى، ولقد كان كان التحدى القرآنى فى ذلك العصر هو الاِعجاز البلاغى ، ولكنهم
لم يعثروا على ثغرة يعيبون بها فصاحة القرآن وبلاغته، والا لسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم مثل أسئلتك حول الآيات التى استشهدت أنت بها مثل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } ومثل {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6 . ولذلك فلا تعارض لغوى أو بلاغى بين المعانى المرادف لكلمة ( تر: بمعنى تعلم) أو المعنى التقريرى لكلمة: ( كادح: بمعنى ذاهب) .
• القرآن الكريم معجزة ومنهج فى نفس الوقت، وهو منهج- للمؤمنين به- ومعجزة فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وفى كل العصور حتى تقوم الساعة.
• الآيات التى توضح المنهج والتى تتعلق بالتكاليف من أوامر ونواهى هى آيات محكمة ومفهومة المعانى لكل من يعرف قدرا معقولا من اللغة العربية وقد بينتها السنة النبوية، أما الآيات التى لا تتعلق بالتكاليف فقد تركت للعقول البشرية لتستخرج ما فيها من كنوز، وتشمل الآيات التى تشير الى الآيات والظواهر الكونية فى الأنفس والأفاق مما يكتشفه ويثبته العلم البشرى المتطور، وبذلك يستمر الاعجاز القرآنى . هنالك طبعا الآيات التى تتحدث عن الأخبار الماضية فى مسيرة البشر والأنبياء والرسل وعلينا تصديقها تصديقا لكلام الله تعالى، والأحداث الغيبية من جنة ونار وحساب مما لن يتأتى لبشر تأويلها الا بما يعرفه العقل البشرى من ظاهر اللغة ، لأنه لا يعقل الا مايدركه، ولذلك أمرنا كمسلمين الاِيمان بالغيبيات والتسليم بما ذكره القرآن الكريم ووضحته السنة المطهره حولها. ولذلك فلا مجال لتفسير باطنى لكلام الله تعالى . أما العلم اللدنى بمعنى الفهم الذى يعطيه الله تعالى لأحد من عباده فيجب أن يكون فى حدود العقيدة الاسلامية الصحيحة والا صار افتراءا على الله تعالى. سؤل على بن أبى طالب رضى الله عنه هل عندكم شىء من الوحىالا ما فى كتاب الله؟) فقال:-( لا..والذى فلق الحبة وبرأ النسمة، ماأعلمه الا فهما يعطيه الله رجلا فى القرآن) . ولم يخالف فهم سيدنا على العقيدة الاسلامية الصحيحة.
الاخ الكريم د.ياسر يسأل:

Quote: أكون شاكرا لو أوضحت لنا الدكتورة مهيرة أين كتب الأستاذ هذه الكتابة عن "سم الخياط"؟؟ مسائل البحث تقتضي الدقة وإعطاء المصادر..

هذه الكتابة عن ( سم الخياط) وردت فى أدبيات الفكرة الجمهورية التى ينقل منها أتباعها، وقد ذكر الاخ الكريم ابو ايقان ذلك فى أحد حواراته:
Quote: ذكرتِ أنت أن (سم الخياط) يعني (ثقب الأبرة) وذلك ، في تفسير ظاهر النص ، أمر لا خلاف عليه .. فهل تظنين أني لا أعلمه ؟؟ ، وحتى في هذا المستوى من المعاني الظاهرة فإن مرور الجمل من ثقب الإبرة ليس أمراً مستحيلاً كما تتصورين ، فإن مثل هذه الإستحالة هي من وهم العقول ، ولكني مع ذلك لم أتكلم عن ظاهر النص ، وإنما تكلمتُ عن طرف من المعاني الباطنة ، في بعض الآيات ، في حدود ما أفهمه من الفكرة الجمهورية ، حيث تأخذ كلمة (سم الخياط) معنى الجرم البشري ، وتسأليني : كيف يلج الجمل في الجرم البشري ؟؟ ، والإجابة هي أن الجمل لا يتحول مباشرة إلى بشر ، وإنما يموت عندما يحين أجله ، فيولد في صورة أخرى ، أي أنه يولد كحيوان آخر من رحم أنثى ذلك النوع ، ويظل هكذا يتقلب في الصور ، عن طريق الموت والحياة ، إلى أن يأتي اليوم الذي يولد فيه بشراً سويا .. وفي تقلب الكائن في الصور المختلفة ، يعيش حيوات كثيرة ، ويكتسب في كل حياة من هذه الحيوات تجربة جديدة ، من المعاناة ، تؤهله للحياة التي بعدها ، وتزيد رصيده من التجربة المو######## التي تكيف نفسه تكييفاً معيناً ، فتقربه بذلك من مقام عزه وسعادته ، وهو المقام الذي يصير فيه إنساناً كاملاً في الملك والملكوت ، فلقد خلق الله تعالى الإنسان كاملاً في عالم الملكوت ، وعالم الملكوت هو عالم الأرواح ، ثم رده إلى أسفل سافلين ، حيث أبرزه في عالم المُلك مادة في أسفل سافلين ، وتلك المادة هي غاز الهايدوروجين ، وعالم المُلك هو عالم الأجساد ، والإختلاف بين الأرواح والأجساد ليس اختلاف نوع ، وإنما هو اختلاف مقدار .. ولقد رُد الإنسان ، من مقام كماله في الملكوت ، المعبر عنه بـ (أحسن تقويم) ، إلى (أسفل سافلين) ليعود كاملاً في المُلك والملكوت .. ومن مقام (أسفل سافلين) بدأ تطور الإنسان في رحلة العودة إلى مقام (كمال الملك والملكوت) ، وهذا المقام الأخير منفتح على الإطلاق ، ولذلك لا نهاية لرحلة العودة ، وذلك كله محكي في قوله تعالى : ( والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) .. ومن الخطأ الفادح أن نفهم ، من الآية الأخيرة ، أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يردوا أصلاً إلى أسفل سافلين ، كما قد تعطي اللغة لبعض المفسرين ، والحق أن الآية الأخيرة تقرر ، فيما تقرر ، أمرين : الأول أن سبيل العودة ، منذ البداية ، هو الإيمان والعمل الصالح ، والثاني أن العودة أو الرجعى لا نهاية لها ، لأنها رجعى إلى الله .. ( إن إلى ربك الرجعى ) .. أو ( إن إلى ربك المنتهى ) ولا منتهى .. فعبارة ( فلهم أجر غير ممنون ) تعني حبل غير مقطوع ، أو طريق غير مسدود ، مما يفيد السير بغير نهاية .. ولقد قال الأستاذ محمود : ( ليس في الوجود الحادث غير الإنسان ) .. وذلك بالمعنى العام لكلمة (إنسان) ، والوجود الحادث هو وجود المخلوقات ، والوجود القديم هو وجود الله تعالى ، فالوجود القديم هو الله ، والوجود الحادث هو مخلوقات الله ، وليس في هذا الأخير غير الإنسان ، بالمعنى العام لكلمة (إنسان) ، وهذا يعني أن كل كائن ، من كائنات الوجود الحادث ، هو إنسان في مرحلة من مراحل تطوره ، فذرة غاز الهايدوروجين هي إنسان في مرحلة غاز آيدوروجين ، وذرة الرمل هي إنسان في مرحلة ذرة رمل ، والأميبا هي إنسان في مرحلة أميبا ، والنملة هي إنسان في مرحلة نملة ، والجمل هو إنسان في مرحلة جمل ، وهكذا .. والإنسان في مراحله البدائية ، كمرحلة الغازات والسوائل والعناصر ، أمامه رحلة طويلة جداً ، ربما تستغرق ملايين السنين ، وربما أكثر ، حتى يبلغ مرحلة بشر ، ثم يبلغ مرحلة إنسان ، بالمعنى الخاص ، فيما بعد .. ومرحلة الإنسان بالمعنى الخاص هي مرحلة الإنسان الكامل في الملك والملكوت ، وهي أكمل من مرحلة البشر الحاليين .. وأحياناً ترتد بعض الكائنات في سلم التطور ، فعندما أراد الله تعالى أن يرد بعض الناس ، من بني إسرائيل ، في سلم التطور ، إلى مرحلة قرود ، بسبب فسادهم ووضاعتهم ، قال لهم : ( كونوا قردة خاسئين ) فكانوا قردة ، وليس معنى ذلك أنهم قد تحولوا مباشرةً إلى قرود ، بل ماتوا موتاً عادياً ، ثم ولدوا كقرود من أرحام إناث القرود .. ومن أقوال الأستاذ محمود أيضاً أن ( كل ذرة من ذرات جسد الإنسان هي مشروع إنسان كامل ، له قلب وله عقل ) .. ويلاحظ أنه قال ذلك قبل إكتشاف ما يسمى بالإستنساخ .. وخلاصة القول هنا أن الجمل سيلج في (سم الخياط) يوماً ، بمعنى أن كل الكائنات التي هي في مرحلة الجمل ستبلغ يوماً مرحلة البشر ، وذلك عن طريق الموت والحياة ، أو قل عن طريق الموت والميلاد .

قال الأستاذ أبو ايقان نقلا عن كتب الاستاذ محمود، فى اللنك أدناه:

* اعدم الاستاذ محمود لاسباب سياسية*** ولكن


فاِن كان ما ذكره الأستاذ ابو ايقان يخالف ما شرحه ووضحه الاستاذ محمود عن معنى سم الخياط) فلكم اعتذارى، وأرجو من د. ياسر أن يوضح لى المعنى المقصود من كتب الأستاذ محمود ومصادره الموثوقة.
كماأرجو عدم اهمال الاجابة عل تساؤلاتى السابقة وهى:

أ‌- ماهو الكتاب المبين المطوى فى آية ( طسم) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ب- ولماذا اختار الأستاذ آية(طسم) من كل الآيات المبتدأة بأحرف، لتكون الآية الدالة على مهمة الرسالة الثانية؟؟؟؟؟
ج- ولماذا اختار (طسم) الواردة فى بداية سورة الشعراء ولم يختر ( طسم) الواردة فى بداية سورة القصص للتدليل على مهمة الرسالة الثانية؟
• وكيف سيملأ الفراغ فى أدبيات الفكرة الذى سببه عدم اثبات نظرية دارون؟ وأعنى الأطوار الأولى فى نشوء الانسان حتى طور الثديات المشابهة لنظرية دارون، والتى بعدها تكون النقلة الهائلة كما ذكر الأستاذ؟؟ وهل ستقومون بشطب الجزء من الفكرة المبنى على نظرية دارون بعد أن دحض دارون نفسه نظريته ووصفها بالسخف ومنافاة العقل!
• يقول الأستاذ فى هذا الجزء:
Quote: المرحلة الثانية من نشأة الانسان ..

وببروز المادة العضوية من المادة غير العضوية ظهرت الحياة، كما نعرفها نحن.. وإلا ، فإن جميع المادة، عضوية، أو غير عضوية، حية.. وكل ما هناك، أن الحياة بدأت تبرز في المادة العضوية، بعد أن كانت كامنة في المادة غير العضوية.. فهي لم تجئ من خارج المادة..

وأدنى درجات الحياة، التي نسميها اصطلاحاً حياة أن يكون الحي شاعرا بحياته، وآية ذلك أن يتحرك الحي، حركة تلقائية، وأن يتغذى، وأن يتناسل.. وقد بدأت هذه الحياة بحيوان الخلية الواحدة.. وبهذه الخطوة الجليلة، والخطيرة، افتتح عهد جديد.. عهد عظيم.. عهد الحياة والموت.. ومن يومئذ بدأ رأس سهم الحياة، وطليعتها في السير.. يالها من بداية!! وفي ذلك قال تعالى: ((ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون)) .. الحمأ الطين الأسود.. والحمأ المسنون الطين المتغير، المنتن.. والصلصال الطين اليابس، الذي يصل أي يصوت إذا لمسته.. وإنما احمومى الحما لأنه قد طبخ بحمو الشمس.. وذلك لأن الأرض قد كانت قطعة من الشمس انفصلت عنها، وأخذت تبرد، وتجمد، وتتهيأ لظهور الحياة عليها.. ثم ظهرت الحياة بين الماء والطين.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.؟ * إنا خلقنا الانسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا)).. فإن النطفة، في هذه المرحلة من مراحل النشأة البشرية تعني الماء الصافي.. وأمشاج ، جمع مشيج.. من مشج، يمشج، مشجاً، إذا خلط بين شيئين.. وهما هنا الماء والطين.. فالنطفة الأمشاج، هي الماء المخلوط بالطين ..

وهذه المرحلة الثانية، من مراحل النشأة البشرية، التي بدأت بحيوان الخلية الواحدة في القاعدة، تنتهي عند أعلى الحيوانات الثديية، في القمة.. وحين تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل النشأة، إنما تبدأ بقفزة جديدة، مذهلة، بها يدخل الانسان، كما نعرفه اليوم، في مسرح الحياة .




تحياتى










Post: #631
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-17-2007, 09:14 PM
Parent: #1

الأعزاء أسامة وعبد الله ومسعود،

تحياتي

بخصوص مداخلتك يا أسامة:


Quote: عزيزي ياسر
سلامات
لم تعلق على كلام مسعود:

Quote: Quote: الخوف أن نتوقف في شَرَك النص و ننسى "الطريق" في غياب "المرشد" المجسد لحلاوة "الكتابة".



وفي فهمي انه يتحدث عن مرشد للطريقة على غرار السلوك التصوفي التقليدي.
وفي فهمي الا مرشد سوى تقليد النبي.
المشاء


ما هو السبب الذي يجعلك تفهم أن مسعود يقصد المرشد على غرار السلوك التصوفي التقليدي؟؟ في تقديري أن الأخ مسعود يعرف أن الأستاذ محمود مرشد إلى طريق النبي عليه السلام، ولكنه ليس كالشيوخ التقليديين الذين نعرفهم!!! بل إنه قد دعا الشيوخ التقليديين أن يكونوا مرشدين إلى طريق النبي، بدون تلك الأوراد والوظائف التي اشتهرت بها الطرق الصوفية، وذلك في منشور شهير خرج أيضا في كتاب "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" هنا..
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=9&chapter_id=5



Quote: إن محمدا ليس غايبا اليوم ، وإنما نحن غافلون عنه لجهلنا به ، ولذلك ، فقد دعونا مشايخ الطرق المعاصرين أن يكونوا مرشدين لأتباعهم إلى سيرة النبي ، في عبادته ، وفي عادته ، بأفعالهم ، وبأقوالهم فقلنا (( إن على مشايخ الطرق ، منذ اليوم أن يخرجوا أنفسهم من بين الناس ومحمد )) وأردنا بذلك إلى دعوتهم أن يحيلوا أتباعهم على النبي ، ليكون شيخ الجميع ، ومرشد الجميع ، وأن تنشأ بينهم ، من علائق المحبة المتبادلة ، والاحترام المتبادل ، ما يكون بين زملاء الطريق ، ورفقاء السفر إلى الحج الأكبر .


ومن هنا فإن قولك بأنه "لا مرشد سوى تقليد النبي" فهو قول غير دقيق؛ نعم تقليد النبي بصدق قد يغني عن المرشدين ولكن هذا لا يعني أن المرشدين من "زملاء الطريق" ليس لهم مكان أو دور.. في الحقيقة كل من يسبقنا في الطريق النبوي بصدق، علينا أن نعتبره مرشدا لنا ونحاول أن نستفيد من تجربته وعلمه.. والعارفون يقولون: "إنما أفلح من أفلح بصحبة من أفلح"..

كتب الأخ مسعود يقول:


Quote: أرى أن فكرة الاستاذ هي حياة نصوصه متجسدةً في انسان "يأكل الطعام و يمشي في الاسواق".
وبغياب التجسيد اليومي للفكرة،فأهلاً بكم في متحف النصوص الادمية الدوارة!!


هذه العبارة هي التي جعلتني أنقل حديث الأستاذ عن "الغربة" لأنه يدعو فيه الجمهوريين إلى أن يجسدوا معارفهم في أخلاقهم وتعاملهم وكانت عبارته "بالحب الشديد والتعلق الشديد بالقرآن وبالنبي"؛ وهذا هو الطريق المفضي إلى الفردية والأصالة التي أشار إليها الأخ الشقليني في مداخلته عندما قال:

Quote: وأذكر هنا ما كتبه الأستاذ محمود وقاله من أن القدوة الأولى
النبي وفي الصعود إلى مراقي الفردية والعبادة تكون الصلة
إلى الله بالقُرآن .


وهذا أيضا ما أشار إليه الأخ مسعود عندما قال:
Quote: أقصد بأن فلفلة نصوص الرسالة الثانية لا تغني عن من يجسدها لحماً و عظماً ودما. هذا باعتبار أنها مدرسة سلوكية"طريق" للتواصل مع و ربما الوصول الى الله بمشيئة الله .


ولو كانت الأخت الدكتورة مهيرة تقرأ فأحب أن أذكِّرها بما طلبته منها في مداخلتي بعاليه أن تذكر لنا أين قرأت تأويل الأستاذ محمود لعبارة "حتى يلج الجمل في سم الخياط" بالطريقة التي أوردتها..

وشكرا

ياسر

Post: #632
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-18-2007, 00:12 AM
Parent: #631

عزيزي ياسر
ما نفتقده هنا سواء من الاخوة الجمهوريين او غيرهم،
اغناء البوست باشارات لم يشر اليها المساهمون الاساسيون
مسعود هو الذي سيرد على كلامك بخصوص الشيخ التقليدي الذي يقودك في الطريق
عموما خطاب الاستاذ يمزج بين الطريقة الصوفية والخطاب الحداثي.
و كما قلت قبل ذلك فانني مهمتم بالخطاب الحداثي،
وهذا لا يعني انفصالا ،
اذ من الممكن نظريا ان تتحول الحركة الى جماعة صوفية منعزلة في انتظار عودة الاستاذ،
صاحب الراي ليتم ما لم ينجح في ا تمامه في حياته ،
وهذه قد تكون نسخة سودانية اخرى في انتظار الغائب،
كما كان الكثيرون من الانصار في انتظار حضور الامام الهادي .
مع محبتي
المشاء

Post: #634
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Masoud
Date: 09-18-2007, 03:11 AM
Parent: #1

يا أحباب:
أكمل دليل على ثانوية النص وأولوية القدوة الحية هو أمية سيدنا محمدعليه و اله وصحبه السلام. اتبعه الناس المساكين ( المهمشين) لأنه أحبهم بصدق وجسد لهم معنى الحب في الله و لله. طبعاً النص القراءني هو الدليل في الطريق . واحسن تعريف للسنة النبوية هو تعريف الاستاذ محمود بأنها عمل النبي في خاصة نفسه ولم يقل قول النبي فقط . من هنا تأتي أهمية المرشد الحي جسداً. وبيعة السشيخ المرشد تتم بالمصافحة ولفظ السلسلة من الشيخ معنعنة حتي سيد الوجود. لاحظ أن المصافحة ليد حيَة صافحت حياً الي أن تنتهي سلسلة المصافحات بالمصافح الأول سيد الوجود...هنا تنتقل حياة القدوة و محبته عبر الأجيال و بدون توقف ولا انقطاع .فكر الاستاذ محمودهو حياته التي بها أحبه من عرفه و استمتع بنقاء حبه الصادق لعيال الله.
هذا و على العموم النصوص موجودة و ميسرة للدارسين أما السالكون فعليهم بانتظار حظهم من المصافحة الرحمانية!

Post: #635
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-18-2007, 04:26 AM
Parent: #634

عندي مقاربة جاهزة عن العلاقة بين الانسان الكامل في الخطاب الجمهوري ،
وبين ما ورد في كتاب ابن عربي عن الانسان الكامل.
سانتظر حتى تتم الردود على مداخلات مسعود ومهيرة ،
حتى ننظم النقاش هنا ،
لو قبلتو فكرتي
محبتي للجميع
و كل عام وانتم بخير
المشاء

Post: #636
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 08:12 AM
Parent: #1

سلام للجميع

أشكر الدكتورة مهيرة على اعتذارها عن الخطأ في نسبة تفسير عبارة "سم الخياط" إلى الأستاذ محمود.. فقد قالت:

Quote: ويفسرها الاستاذ محمود بأن سم الخياط هو الجرم البشرى وسم الخياط هو الجرم البشري ، وهو الجسد البشري ، وهو ما سيلجه الجمل يوماً

وعندما رجوتها أن تأتي بالمصدر الذي فسر فيه الأستاذ العبارة بتلك الطريقة قالت:

Quote: هذه الكتابة عن ( سم الخياط) وردت فى أدبيات الفكرة الجمهورية التى ينقل منها أتباعها، وقد ذكر الاخ الكريم ابو ايقان ذلك فى أحد حواراته


وفي الحقيقة أبو إيقان في حواره مع مهيرة لم يقل أنه ينقل عما جاء في كتب الأستاذ عن تلك العبارة، وإنما قال:

Quote: ولكني مع ذلك لم أتكلم عن ظاهر النص ، وإنما تكلمتُ عن طرف من المعاني الباطنة ، في بعض الآيات ، في حدود ما أفهمه من الفكرة الجمهورية ، حيث تأخذ كلمة (سم الخياط) معنى الجرم البشري


وهناك فرق بين "الفهم" و"التنصيص" فالتأويل لهذه العبارة ليس موجودا في كتب الأستاذ محمود.. هذا بغض النظر عن رأيي في التأويل نفسه وربط ذلك بنهاية الأبد.. وكان بإمكان مهيرة أن تقول منذ البداية أن ذلك قد ورد من "أبو إيقان" وتعطي الرابط!!!

مهيرة تقول:

Quote: فاِن كان ما ذكره الأستاذ ابو ايقان يخالف ما شرحه ووضحه الاستاذ محمود عن معنى سم الخياط) فلكم اعتذارى، وأرجو من د. ياسر أن يوضح لى المعنى المقصود من كتب الأستاذ محمود ومصادره الموثوقة.


فيما أعلم، الأستاذ محمود لم يكتب عن معنى "سم الخياط"..
وبخصوص بقية الأسئلة والمواضيع التي طرحتها الأخت مهيرة وأعادتها أكثر من مرتين أود أن أقول التالي:
هذا الموضوع الذي يدور حول مسألة الأبد واختلافه عن السرمد، وأن التوحيد يرفض فكرة أن يظل العذاب في النار إلى ما لا نهاية، ومسألة الظاهر والباطن، ومسألة الحروف التي بدئت بها سور القرآن الكريم يحتاج مني إلى وقت كبير وتركيز شديد لا أجد لهما سبيلا هذه الأيام..
وشكرا
ياسر



Post: #637
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 08:21 AM
Parent: #1

الأخ أسامة

بخصوص مداخلتك التالية:

Quote: عزيزي ياسر
ما نفتقده هنا سواء من الاخوة الجمهوريين او غيرهم،
اغناء البوست باشارات لم يشر اليها المساهمون الاساسيون
مسعود هو الذي سيرد على كلامك بخصوص الشيخ التقليدي الذي يقودك في الطريق
عموما خطاب الاستاذ يمزج بين الطريقة الصوفية والخطاب الحداثي.
و كما قلت قبل ذلك فانني مهمتم بالخطاب الحداثي،
وهذا لا يعني انفصالا ،
اذ من الممكن نظريا ان تتحول الحركة الى جماعة صوفية منعزلة في انتظار عودة الاستاذ،
صاحب الراي ليتم ما لم ينجح في ا تمامه في حياته ،
وهذه قد تكون نسخة سودانية اخرى في انتظار الغائب،
كما كان الكثيرون من الانصار في انتظار حضور الامام الهادي .
مع محبتي
المشاء


ليس فيها جديد، فأنت تكرر نفسك، وقد علقت بما فيه الكفاية في السابق.. سأعلق على ما كتبه الأخ مسعود..

ياسر

Post: #638
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 10:33 AM
Parent: #1

الأحباب الكرام

تحية المودة.. هذا تعليق على مداخلة الأخ مسعود الأخيرة..

يقول الأخ مسعود:
Quote: يا أحباب:
أكمل دليل على ثانوية النص وأولوية القدوة الحية هو أمية سيدنا محمدعليه و اله وصحبه السلام. اتبعه الناس المساكين ( المهمشين) لأنه أحبهم بصدق وجسد لهم معنى الحب في الله و لله. طبعاً النص القراءني هو الدليل في الطريق .

هذا كلام صحيح تماما.. وهو مخلص لما قال به الأستاذ محمود في أنه السر وراء قرن الشهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ويحسن هنا إثبات هذا النص الذي نشره الأستاذ في الصحف في عام 1954 وأعيد نشره في كتاب "أسئلة وأجوبة" الثاني:

Quote: دقائق التمييز

أمران مقترنان ، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن ، وحياة محمد..
أما القرآن فهو مفتاح الخلود .. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن .. فمن قلد محمداً ، تقليداً واعياً ، فهم مغاليق القرآن .. ومن فهم مغاليق القرآن حررعقله ، وقلبه ، من أسر الأوهام .. ومن كان حر العقل ، والقلب ، دخل الخلود من أبوابه السبعة.
ويجب التمييز بين حياة محمد ، وحديث محمد .. فأما حياته فهي السمت الذي لزمه في عاداته ، وفي عباداته ، من لدن بعثه ، وإلى أن لحق بربه .. وأما حديثه فضربان ، فما كان منه متعلقاً بسمت حياته في عاداته ، وفي عباداته ، فهو منها ، ولاحق بها .. وما كان منه مراداً به إلى تنظيم حياة الجماعة التي بعث فيها ، فهو لم يصدر عنه إلا بإعتباره إمام المسلمين ، يشرع لهم من الدين ما يلائم حاجتهم الحاضرة ، وما يستقيم مع مستواهم العقلي ، والمادي والإجتماعي .. ولو قد فعل غير ذلك لشق عليهم ، ولأعنتهم ، ولأرهقهم إرهاقاً .. وما قام من تشريع حول حياة محمد فهو ليس بالشريعة الإسلامية ، وإنما هو سنة النبي ، وهو لا يزال صالحاً ، في جملته وفي تفصيله ، لأن النفس البشرية لا تزال ، في وقتنا الحاضر بحاجة إليه ، ولم تشب عن طوقه.
وما قام من تشريع حول حديث محمد (الذي أراد به إلى تنظيم حياة الجماعة) فهو الشريعة الإسلامية ، وهو خاضع لسنة التطور ـ سنة الدثور ، والتجديد ـ لأن المجموعة البشرية قد ترقت أكثر مما ترقت النفس البشرية ، وقد إستجدت لها أمور تحتاج إلى تشريع جديد ، يستوعبها ، ويحيط بها جميعاً .. هذا التشريع موجود في القرآن ، ولكنه مكنون ، مصون ، مضنون به على غير أهله .. فمن سره أن يكون من أهله فليقلد محمداً في منهاج حياته ، تقليداً واعياً، مع الثقة التامة بأنه قد أسلم نفسه إلى إرادة هادية ، تجعل حياته مطابقة لروح القرآن ، وشخصيته متأثرة بشخصية أعظم رجل ، وتعيد وحدة الفكر ، والعمل ، في وجوده ووعيه كليهما ، وتخلق من ذاته المادية ، وذاته الروحية كلاً واحداً ، متسقاً ، قادراً عل التوحيد بين المظاهر المختلفة في الحياة ..
أمران مقترنان: القرآن ، وحياة محمد ، هما السر في أمرين مقترنين: "لا إله إلا الله ، محمد رسول الله" لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين ..


محمود محمد طه


يقول الأخ مسعود:
Quote: من هنا تأتي أهمية المرشد الحي جسداً. وبيعة الشيخ المرشد تتم بالمصافحة ولفظ السلسلة من الشيخ معنعنة حتي سيد الوجود. لاحظ أن المصافحة ليد حيَة صافحت حياً الي أن تنتهي سلسلة المصافحات بالمصافح الأول سيد الوجود...هنا تنتقل حياة القدوة و محبته عبر الأجيال و بدون توقف ولا انقطاع .

الطرق الصوفية اشترطت المكاففة للشيخ الذي له اتصال روحي بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذه السلسلة من المكاففة لا تنتهي بالضرورة إلى إنسان يكون قد كافف النبي عليه الصلاة والسلام حساً.. وفي ذلك يقول شاعرهم العارف بالله عبد الغني النابلسي:
نحن إخوان النبي المصطفى * ودَّ لو كان رآنا وكفى
وهم الأصحاب كانوا قبلنا * جاء هذا في حديث يُقتفى
إلى أن يقول:

شرطوا الرؤية بالعين فمن * نالها منه فبالجسم اكتفى
وشرطنا الذات للذات ترى * رؤية التحقيق من غير خفا

وهذا من فضل الله على الناس، فإن الرؤية الحسية أو حتى المكاففة للنبي أو لمن كافف النبي، على علو قيمتها، ليست شرطا لسلوك الطريق النبوي وهذا ما يعطيه أيضا حديث للنبي يورده الأستاذ محمود كثيرا وهو أن النبي قال يوما لأصحابه: "أي المؤمنين أعجب؟ قالوا الملائكة.. قال: وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟؟ قالوا: الرسل.. قال: وما لهم لا يؤمنون والوحي يغدو عليهم ويروح؟؟ قالوا: نحن. قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين ظهرانيكم.. قالوا: مَنْ؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان يؤمنون بي ولم يروني"!! [أو كما قال].. وهذا هو معنى أن النبي أرسل لكافة الناس بشيرا ونذيرا وخاتما للنبوة..
هناك ملاحظة لا بد لي من إيرادها وهي أن الأستاذ محمود نفسه لم يأخذ الطريق عن شيخ بالمكاففة، ولم يكن تابعا لأي طريقة صوفية معينة في حياته قبل أن يفتح الله عليه بهذا الفهم الجديد في الدين والدعوة إلى تطوير التشريع ونسخ ما كان محكما وإحكام ما كان منسوخا منذ إلتحاق النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى.. وهذا ما لم يقل به أحد من قبل؛ لا، ولا الشيخ محي الدين إبن عربي على جلالة قدره!! [يا عزيزنا أسامة الخواض، فأرح نفسك!!]


الأخ مسعود يقول:

Quote: فكر الاستاذ محمودهو حياته التي بها أحبه من عرفه و استمتع بنقاء حبه الصادق لعيال الله.

النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "قولي شريعة وعملي طريقة وحالي حقيقة".. والعارفون يقولون "العارف فوق ما يقول".. والحديث الأعجب هو قول النبي: "لي ساعة مع الله لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل".. وفكر الأستاذ محمود ليس فقط ما تركه مكتوبا ومسموعا، ولكن الأهم من ذلك، كما يقول الأخ مسعود، هو حياته التي جسَّد من خلالها فكره، ثم أنه كان مستعدا للتدليل على شدة قناعته بصحة ما يقول عندما دفع حياته ثمنا لذلك.. في تقديري أن حياة الأستاذ محمود، ومقدار محبته للإنسانية، وتفديته لفكرته بحياته، هو الذي سيلفت الناس إلى فكره، وليس مجرد ما تركه من أفكار و "نصوص" مقروءة أو مسموعة.. لقد كان جُل همِّي في هذا البوست أن أسلط الضوء على فكر الأستاذ وعلى حياته، وأن أعرِّف القراء بذلك..

مسعود يقول:
Quote: هذا و على العموم النصوص موجودة و ميسرة للدارسين أما السالكون فعليهم بانتظار حظهم من المصافحة الرحمانية!

السالكون أنفسهم لا يستغنون عن النصوص التي تعينهم على فهم حقائق الوجود والألوهية ولكنها لن تكون بديلا عن "المصافحة الرحمانية" كما تقول في عبارتك الجامعة.. وقد قال تعالى: "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم" والنبي يقول: "من عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم"
وشكرا

ياسر

Post: #639
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-18-2007, 10:29 PM
Parent: #1



إن البِشر هو رؤية الندى على الثمر .
إنه لمن المُفرِح أن يقرأ المرء كل هذا
السرد المُثقل بالفكر والكتابة الثرية بالغنى .

شكراً جزيلاً
:
للدكتورة مهيرة
وللأستاذ الناقد : أسامة الخواض
وللدكتور ياسر الشريف
الكاتب : مسعود

نحن بالفعل في نعيم ثقافي .


Post: #640
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 11:40 PM
Parent: #1

كنت من المواظبين على سماع إذاعة "هنا لندن" وكذلك من المتابعين لمجلة "هنا لندن" الشهرية.. في عدد يناير عام 1985 الذي قرأته بعد جريمة العصر التي حدثت في 18 يناير 1985 قرأت موضوعا عن الفيلسوف الحكيم سقراط بقلم بطرس روفائيل.. الغريب أن الموضوع لم يكن جديدا في النشر وإنما كان مقتبسا من "المستمع العربي" المجلد 10 من ذلك الإرشيف لعام 1949!!!!
المهم في تلك الأيام رأيت كما لو أن المقال يتحدث عن محاكمة الأستاذ محمود وإغتياله من شدة أوجه الشبه بين الحدثين في كثير من التفاصيل.. في زيارتي الأخيرة للسودان بحثت في أمتعتي القديمة ووجدت نسخة المجلة فأحضرتها معي وها أنا الآن أنقل ذلك المقال مصورا..



Post: #641
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 11:43 PM
Parent: #1


Post: #642
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 11:48 PM
Parent: #1


Post: #643
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 11:51 PM
Parent: #1

العمود الرابع:


Post: #644
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-18-2007, 11:57 PM
Parent: #1

العمود الخامس..



وسوف أواصل بعد ساعات قليلة إن شاء الله..

Post: #645
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-19-2007, 01:04 PM
Parent: #1



لك الشكر الجزيل أيها العزيز الدكتور ياسر .

وما سيرة سقراط إلا سير من لديهم باع في الفكر ،
وسطوة ذهن وصراع الحياة والقيم والمبادئ .
كم هي مُقابلة بين سيرة في زمان غابر وسيرة زمان آخر


Post: #646
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-19-2007, 02:59 PM
Parent: #1

يا هلا يا عزيزي الشقليني..

أواصل وأرجو أن تكون الكتابة مقروءة بوضوح..



Post: #647
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-19-2007, 03:13 PM
Parent: #1




Post: #648
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-19-2007, 06:33 PM
Parent: #1




الدكتور ياسر الشريف
الدكتورة مهيرة
الأستاذ أسامة الخواض
الأحباء المُشاركون

تحية طيبة ،
أولا أعتذر عن كسر مسيرة نهر مُداخلة الدكتور ياسر

وأود تعقيباً على الفاضلة الدكتورة مهيرة .

المداخلة (5)
اقتطفنا هذا النص من مداخلة الدكتورة مهيرة من كتابها الوارد أعلاه :

Quote: الأستاذ الأديب عبدالله:

بالنسبة لمسالة اللغة القرآنية وماذكرته حول معاني القواميس بين التقريري وبين المعاني الخفية أود أن أوضح الآتى:
* لقد نزل القرآن الكريم فى عصر تميز أهله باِتقان اللغة العربية ملكة وليس صناعة كما فى عصرنا الحالى، ولقد كان كان التحدى القرآنى فى ذلك العصر هو الاِعجاز البلاغى ، ولكنهم
لم يعثروا على ثغرة يعيبون بها فصاحة القرآن وبلاغته، والا لسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم مثل أسئلتك حول الآيات التى استشهدت أنت بها مثل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } ومثل {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6 . ولذلك فلا تعارض لغوى أو بلاغى بين المعانى المرادف لكلمة ( تر: بمعنى تعلم) أو المعنى التقريرى لكلمة: ( كادح: بمعنى ذاهب) .
• القرآن الكريم معجزة ومنهج فى نفس الوقت، وهو منهج- للمؤمنين به- ومعجزة فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وفى كل العصور حتى تقوم الساعة.
• الآيات التى توضح المنهج والتى تتعلق بالتكاليف من أوامر ونواهى هى آيات محكمة ومفهومة المعانى لكل من يعرف قدرا معقولا من اللغة العربية وقد بينتها السنة النبوية، أما الآيات التى لا تتعلق بالتكاليف فقد تركت للعقول البشرية لتستخرج ما فيها من كنوز، وتشمل الآيات التى تشير الى الآيات والظواهر الكونية فى الأنفس والأفاق مما يكتشفه ويثبته العلم البشرى المتطور، وبذلك يستمر الاعجاز القرآنى . هنالك طبعا الآيات التى تتحدث عن الأخبار الماضية فى مسيرة البشر والأنبياء والرسل وعلينا تصديقها تصديقا لكلام الله تعالى، والأحداث الغيبية من جنة ونار وحساب مما لن يتأتى لبشر تأويلها الا بما يعرفه العقل البشرى من ظاهر اللغة ، لأنه لا يعقل الا مايدركه، ولذلك أمرنا كمسلمين الاِيمان بالغيبيات والتسليم بما ذكره القرآن الكريم ووضحته السنة المطهره حولها. ولذلك فلا مجال لتفسير باطنى لكلام الله تعالى . أما العلم اللدنى بمعنى الفهم الذى يعطيه الله تعالى لأحد من عباده فيجب أن يكون فى حدود العقيدة الاسلامية الصحيحة والا صار افتراءا على الله تعالى. سؤل على بن أبى طالب رضى الله عنه هل عندكم شىء من الوحىالا ما فى كتاب الله؟) فقال:-( لا..والذى فلق الحبة وبرأ النسمة، ماأعلمه الا فهما يعطيه الله رجلا فى القرآن) . ولم يخالف فهم سيدنا على العقيدة الاسلامية الصحيحة.


الدكتورة مهيرة
تحية طيبة و ود كثير ،
والشكر أجزله للثناء علينا ، ونتمنى أن نكون بمثل الوصف وهو مآل لن نقدر عليه ، وهو من كرم المُخاطبة ودماثة الخُلق .
شكراً لكِ مُجدداً أن أثريتِ لنا الحوار ، فكانت فاكهة نستطعمها من مذاق خاص من شريك في الحوار .
كان الحوار ولم يزل لُغة لترقية المعارف وتنقيحها من غلظة الجفوة وغُبار الرتابة.

عن كتابة الذكر الحكيم :

{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ }القلم51

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9

ورد في سِفر القرآن الكريم ( مصحف التجويد ) ـ مطبعة ركابي ونضر ـ دمشق ـ المنطقة الحرة ،وهو من المصاحف المأذونة أصولاً من الدار الشامية والتي كُتبت بما يوافق أصح الأقوال التي أجمع عليها العلماء لرسم المصحف كما أُثر عن سيدنا عثمان بن عفان وبما تعارف عليه الحُفاظ وبرواية حَفص عن عاصم ، الآتي : ـ
(أ)
دونت كلمات المصحف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
( الرسم فقط ) .
(ب)
و ضُبطت بالشكل أحرف كلماته في عهد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
( الرسم + التشكيل )
(ج)
و وضعت النقاط على الأحرُف المتشابهة في الرسم في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان :
( الرسم + التشكيل + التنقيط )
(د)
والآن .. يمن المولى بأن أتم في هذا العهد ترميز بعض الأحرف الخاضعة لأحكام التجويد في كتاب الله تعالى باستخدام اللون للدلالة على الحُكم التجويدي وزمنه ـ على أصل الرسم العثماني ذاته ـ وذلك تسهيلاً لتلاوة القرءان الكريم مُرتلاً ، وامتثالاً لقوله تعالى ( ورتل القرءان ترتيلا) .

الرأي :
مما ورد أعلاه وإشارة لما تفضلتِ به من توضيح عن الذكر الحكيم وما يحكمه ،
نرصد نحن تطور تدوين الذكر الحكيم من الرسم وفي مرحلة لاحقة الرسم إضافة للتشكيل ، ثم في مرحلة لاحقة الرسم إضافة للتشكيل والتنقيط ، ثم في عصرنا الرسم إضافة للتشكيل والتنقيط والتلوين لبيان التجويد ثم مراحل لاحقة تختص بالمقامات في التلاوة القرآنية أو ما تسمى بالموسيقى القرآنية ..
تلك من الصور التي رحل من خلالها النص القرآني إلينا ، ولا يخفى على فطنة القُراء كيف يمكن التمييز بين رسم للنص القرآني حسب ما كان مُدوناً في حياة الرسول والفُسحة الكبيرة بين إعمال الذهن لتقدير الكلمات التي وردت نصاً من الوحي ، وبين ما ورد إلينا من آليات الضبط الذي يتحكم في التدوين وبالتالي يتحكم في المعاني ( التقريرية منها ) كما أوردنا من آيات الحدود ، ومن الآيات التي ترفُل في حُلل البلاغة وزينتها وفخامة المعاني المُختبئة في النص القرآني . وهو باب في فُسحة المعاني وتقلبها كبير ولا مجال هنا للإفاضة فيه .
وقد استشهدنا :

{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7

ونحن نتحدث عن التأويل الذي يقول به الأستاذ كمنهاج لفهمه ، ولأبي حامد الغزالي باب في التأويل ، وقد أوردنا منهجه لضبط التأويل ولم نستكمل المقارنة بين الإثنين .
لو رجعنا للآية المذكورة أعلاه نجد عند بعض القراء هنالك وقف وعند بعضهم هنالك وصل وذلك كله يؤثر على المعنى :

( .. وما يعلم تأويله إلا الله ( هُنا يفيد الوقف أولى مع جواز الوصل ) والراسخون في العلم .... )

أي أن هنالك جواز شراكة في علم التأويل بين المولى جلت عزته وبين الراسخون في العلم .
ومن هنا أرى أن الأستاذ عند دخوله منهج التأويل وليس التطوير ، كان من الذين يؤمنون بالوصل ، وتلك تمُد كل الراسخين في العلم وتفتح لهم باب التأويل على مصراعيه .

من النص الذي ذكرنا فيه تفاصيل كتابة الذكر الحكيم تفتح الأبواب على تلون المعاني في النصوص غير التقريرية التي وردت في الذكر الحكيم ، وهنالك مُفاضلة بين آي الذكر الحكيم كما ورد ذكره من :

{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106

وهو مدخل آخر وهو تفاضل الآيات في الخير وهو فروق في آي الذكر الحكيم وتفاوت درجات بعضها ، وهو باب تحدث فيه الأولون كثيراً وقد أوردنا رأي واحد من أعمدتهم في مداخلة سابقة لنا . هذا بخلاف قول الأستاذ بأنه قد حان زمان عودة آيات الأصول التي تم نسخهاوللأستاذ منهجه في ذلك .

أما عن تفسير العلم بالمقارنة بالآيات القرآنية ففيه الكثير من الخلاف ، منهم من جوزه ومنهم من غض النظر عنه إذ يرى أن العلم قابل للتغيير وإن أنت اعتمدت تفسيراً قد يأتي زمان تطور البشرية وهجران المعنى لآخر أكثر تطوراً ، وتلك سوف تهز مصداقية النص ، ونأى البعض عن تفسير آي الذكر بمكتشفات العلم ، وذلك هو باب في الحداثة التي يركُض صديقنا الناقد الأستاذ أسامة الخواض لمقاربته مع رؤى الأستاذ .

أما عن العلم اللدُني :

فنحن لم نستكمل دراستنا فيه لنحكُم عليه ، و لكنه سابق في تاريخ الأمم والديانات القديمة وعلم النفس التجريبي وكم هائل من قدرات الذهن البشري ، وهو باب الخوض فيه صعب ويحتاج منا الزمن لمعرفة كُنهه .
أما عن التفسير الباطني ،
فقد تحدث الأستاذ عن ( التأويل ) ، وأهل الباطن وأهل الظاهر هو باب من أبواب المتصوفة والذين يختلفون معهم وهو باب كبير يقتضي ملفاً خاصاً ، وفي سورة الكهف الكثير الذي يدعم رأي أهل التصوف . وأذكر في بداية الثمانيات كان هنالك برنامجاً تلفازياً في السودان فيه حوار اسبوعي ومناظرة بين أحد أهل التصوف وبين أحد أنصار السنة المُحمدية وكان البرنامج قد احضر النصوص والتفاسير وكتب الفقه التي اتفق عليها الطرفان ، وكان بحق بفتح الباب بين من يُسمون ( أهل الظاهر ) وبين من يسمون ( أهل الباطن ) ، وذلك يختلف عن المصطلح القديم الذي أُطلق على ( الفُرق الباطنية ) وذاك باب الحديث أيضاً فيه يطول .

شكراً جزيلاً لكِ ونأمل مواصلة الحوار .

Post: #649
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-20-2007, 05:56 AM
Parent: #648

نرفع البوست لمزيد من القراءة ،
ونؤجل مساهماتنا الى حين الفراغ من الارشفة.
المشاء

Post: #650
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-20-2007, 07:13 AM
Parent: #649

معك عزيزنا الكاتب : أسامة
على أمل أن نأخذ فُسحة للقراءة
وننتظر انتقال البوست لبقية العام مُتجدداً
بثراء الأحباب

Post: #651
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-21-2007, 01:37 AM
Parent: #650

عزيزي الشقليني
ارجو ان أتمكن مساء اليوم بتوقيتنا من ارسال مساهمتي حول الانسان الكامل ،
وعلاقة ذلك بخطاب الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي
محبتي
المشاء

Post: #652
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-22-2007, 05:58 AM
Parent: #651



لابن عربي تاثير هائل على الخطاب الصوفي في مجمله،و في هذا فان خطاب الاستاذ محمود ليس استثناء،بل نجد مواضع كثيرة تدل على تبجيل الاستاذ لابن عربي ،وحرصه على اقتناء كتبه.وفي هذا سنستشهد بمثالين.
المثال الاول:
في رسالة له،وردت في الكتاب الثاني من "أسئلة و أجوبة"، يقول الاستاذ:
Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
أم درمان في 23 فبراير 1974 . يوافق 30 محرم 1394
ص.ب 1151
إلى حضرة الأخ العزيز الشيخ أبو زيد محمد الأمين الجعلي ، زاده الله من نوامي البركة، وسوابغ الإحسان ..
تحية طيبة
أما بعد ، فإني أحمد لك الله الذي لا إله غيره ، وأشكره ، ولا أكفره ، وأسأله لي ولك ، عافية الدين والدنيا .. ثم إن جوابك (بدون تاريخ) قد وردني ويجري نصه كالآتي:
(بسم الله الرحمن الرحيم
الصديق القديم محمود أفندي محمد طه
المحترم
السلام عليكم ورحمة الله ، وقع في يدي كتاب العبادلة للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي رضي الله عنه ورأيت في رسائلك أنك ترتضي قوله وتستدل به علما سديدا وإليك أهدي كتابه هذا (العبادلة) لتطلع عليه إن لم يكن قد وصلك قبلا فإن وصل إليك فلله الحمد وإن كان مكرراً عندك فآسف أن ترده إلي ولك الشكر ..
ولقد لقيت شخصية أتأكد أنها توصله إليك والله يجمعنا على الحق ويبصرنا به إنه سميع مجيب ولك الشوق والسلام عليكم ورحمة الله .
أبو زيد محمد الأمين)..
لقد وصلني الكتاب المذكور أعلاه، وهو كتاب قيم، ولم يتفق لي أن رأيته قبل الآن، ولم أسمع به، فأنا، على ذلك، مأذون منك في الاحتفاظ به .. فجزاك الله عن صديقك القديم كل خير.. ولا زلت وفيا للأصدقاء كثير البر بهم ، وإن تقادم عهدهم ، كعهدي بك قديما ..
..

و نجد اكبار الاستاذ لأئمة الصوفية في ما الآتي نصه من الرسالة التي اوردناها.يقول الاستاذ:
Quote: حقاً إنني لكثير الإعزاز للشيخ الأكبر (ابن عربي) وكثيره لجميع السلف الصالح ، كبار الصوفية منهم ، بشكل خاص

المثال الثاني:
وفي اسئلة و أجوبة-الكتاب الثاني، نجد ذكر كتاب لابن عربي هو فصوص الحكم:
Quote: أرجو أن تقرأ سلامي على الأخ الكريم الأستاذ عبد الله حامد الأمين وأرجو أن تخبره أني أرسلت له كتاب إبن عربي عقب عيد الفطر مع أحد الأخوان، وكلفته أن يزوره بنفسه، ثم إني، عندما حضرت لعيد الأضحى، زرت الأستاذ لأراه، ثم لأعلم علم الكتاب الذي أرسلته، ولكني لم أجده، وعندما رجعت لكوستي، زارني الأخ الذي كلفته بتوصيل الكتاب، ومنه علمت أنه زار الأستاذ ومعه الكتاب، ولما لم يجده، رجع بكتابه معه، وأعطاه ذا النون ليوصله إليه، ولما وصل كتابك، ومنه علمت أن الكتاب لم يصل، وكان معي هنا الأخ محمد فضل فقد كلفته، عند رجعته، أن يعمل على توصيل الكتاب من ذا النون، والآن فإني لا أدري هل وصلكم الكتاب أم لا يزال عند ذا النون ـ إذا كانت الأخرى فإن تلفون ذا النون 77089 الخرطوم فأرجو الإتصال به لاستعجال الكتاب ـ فإن وصوله إليكم يهمني كثيراً، وإسم الكتاب "فصوص الحكم" للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.


ويستشهد الاستاذ بشعر ابن عربي،كما في هذين المثالين.
المثال الاول:
في كتابه أسئلة وأجوبة الكتاب الاول يورد الآتي مستشهدا ببيت شعري لابن عربي:
Quote: ولا يتم الإستسلام وفي النفس بقية إدعاء قدرة... فالمسكنة شعور بقصور الإرادة البشرية بإزاء الإرادة الإلهية.. وهذا أيضاً هو معنى الفقر عندهم.. ولقد قال محيي الدين بن عربي :
دخلوا فقراء على الدنيا * وكما دخلوا منها خرجوا


المثال الثاني:
وفي القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري يقول:
Quote: وعن عدم توهم الإرادة، ونحن في الأرحام، جاء قول ابن عربي:
دخلوا فقراء على الدنيا * * * وكما دخلوا، منها خرجوا

و نجد جذور النظرة التوحيدية عند الاستاذ في خطاب ابن عربي.
يقول أحد الباحثين الغربيين :
Quote: وبينما عني الحلاج بالافصاح عن هذا اليقين مستخدما كل الوسائل بطريقة مباشرة دون تهاويل وتزاويق نظرية ،نحد ابن العربي قد جعل من هذا اليقين موضوعا لعملية منطقية شكلية رخيصة :"فالطبيعة الالهية" و "الطبيعة الانسانية " ليستا بعد هنا الا المظهرين المتماثلين لمذهب في الواحدية قبلي واحد والوجهين السرمديين لحقيقة واقعية مطلقة واحدة بعينها،فالفكرتان المتقابلتان قد صُيرتا شيئا واحدا،وفقا للمنهج المالوف لدى الصوفية المتاخرين من أجل حل المتقابلات".

ص 70 من كتاب "الانسان الكامل في الاسلام" ترجمة عبد الرحمن بدوي

وسنكمل باقي المساهمة بالحديث عن الانسان الكامل.
المشاء

Post: #653
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-22-2007, 09:50 AM
Parent: #1



في سيرة الشيخ محي الدين ابن عربي (1)


الأستاذ / أسامة الخواض
تحية طيبة لك ،
وبهذه المناسبة ننقل بعض ما ورد في مقدمة مجموعة ( الفتوحات المكية )

بقلم محمود محمود الغراب ، وقد ذكر هو ملاحظة عن أن ( نصوص الحكم ) هو من الأسفار المدسوسة على الشيخ ابن عربي ،
عموماً نترك أمر التحقيق وننقل ما تيسر لنا نقله من المقدمة :

الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي ، هو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي الحاتمي ، سماه أكثر أهل العلم " ابن عربي " وهو خطأ شائع أو ليميزوا بينه وبين القاضي أبي بكر بن عربي ، الفقيه المالكي المتوفى عام 534 هـ ، واسمه محمد ابن عبد الله بن محمد العربي المعافري الإشبيلي ، وكلاهما ابن عربي ، فليس واحد منهما بأولى من لآخر بهذه التسمية ، فمن حقق التسمية أطلق على الشيخ الأكبر " ابن عربي " لا ( ابن عربي ) .
ما اختلف الناس في أحد بعد النبوات بمثل ما اختلفوا فيه ، فنظره الفلاسفة من أهل الشرق والغرب على أنه فيلسوف من فلاسفة الإسلام والديانات ، وذلك لما رأوا في مؤلفاته من العمق ودقيق الفكر ، والعبارة المُحكمة ، وانقسم فيه المسلمون إلى فريقين : فريق يعتبره رأس الضلالة والإلحاد قائلاً بوحدة الوجود بما تتضمنه من حلول واتحاد ، وذلك لأنهم لم يفهموا ما جاء به الشيخ رضي الله عنه في التوحيد ، وبما قرءوا أو دسوا عليه من كلام لا صحة بالتحقيق العلمي ، وفريق يعتبره شيخ المُحققين ومربي العارفين إمام أهل الكشف والوجود المتأخرين ، خاتم الولاية المحمدية الخاصة ، وذلك لما أتى من علوم العرفان والإلهيات التي لم يسبق إليها أحد من الصوفية والعارفين ، والتي لم يأت أحد من بهده بمثلها إلى يومنا هذا .
وذكر محمود محمود الغراب :
أنه ولد في 17 من رمضان 560 هـ الموافق 27 تموز 1165 م في مرسية من شرق الأندلس في دولة السلطان محمد بن سعيد بن مرديس ـ وفي رواية مرذنيش ـ سلطان شرق الأندلس ، وكان أبوه علي بن محمد من خواص السلطان باشبيلية ، وقيل كان أبوه وزير صاحب اشبيلية سلطان الغرب ، حيث انتقل من مرسية لاشبيلية سنة 568 هـ ويرتفع نسبه من أبيه إلى عبد الله بن حاتم أخي عدي بن حاتم الصحابي الجليل رضي الله عنه ، ومن جهة أمه واسمها نور ، إلى التابعي التقي أبي مسلم الخولاني . وكان أبوه محباً لأولياء الله تعالى ، وكان عمه عبد الله بن محمد بن عربي من أهل طريق الله ، يقول الشيخ عنه : دخل هذا الطريق في آخر عمره على يد صبي صغير ، لم يدر ما هذا الطريق ، دخله وهو في عمر الثمانين .
قرأ الشيخ بن عربي القرآن بالسبع في اشبيلية على شيخه أبي بكر بن يخلف بن صافي اللخمي ، وروى الحديث النبوي مسنداً دراية ورواية ، حفظاً سماعاً وكتابة وإجازة من شيوخه ، ولما كان رضي الله عنه من المتأخرين حيث توفى عام 638 هـ فقد حصَّل الكثير من علوم الكسب واطلع على كل المسائل فقهية بجميع ما قيل فيها حتى زمانه ، وتيسر له علم الصحيح منها وزاده المولى ما منحه الله تعالى عن طريق العمل بالتقوى ، إضافة لما مَنَّ الله عليه بالعلم اللدُني ، فهو رضي الله عنه يعتبر مرجحاً في الأقوال الفقهية ـ بالنسبة لمذهبه ـ فيما وافق سلفه من الفقهاء ، ولا يعرف أكثر أهل العلم أنه إمام صاحب مذهب فقهي مستقل ، من مذاهب أهل السنة والجماعة ، ونسبه أهل العلم إلى المذهب الظاهري خطأ ، ويذهب البعض إلى أنه مقلد لمذهب ابن حزم الظاهري فيرد عليهم :
نسبوني لابن حزم وإني .. لست ممن يقول قال لبن حزم
لا ولا غيره فإن مقالي ... قال نص الكتاب ذلك علمي
أو يقول الرسول أو أجمع الخلق على ما أقول ذلك حُكمي
لابن عربي شرح في قوله تعالى ( فاتبعوني يحببكم الله ) فلهذا سماه دين الحب .
رحل الشيخ ابن عربي من الأندلس ماراً بمصر عام 598 هـ قاصداً الحج فوصل مكة وجاور بها عامين واستمرت رحلته للشرق متردداً بين بغداد والموصل والقاهرة وحلب وقونية ودمشق وغيرها حيث استقر بدمشق من عام 629 ـ 638 هـ حيث توفاه الله .
ألف الشيخ ابن عربي العديد من كتبه بالأندلس ، وألف من بعد هجرته والكتب الثابت نسبها إليه (74) كتاباً منها (56 ) كتاباً ورد ذكرها في الفتوحات المكية ، والباقي ورد اسمه في بعض هذه الكتب .
ويذكر محمود محمود الغراب :
لذلك يجب التنبيه على أن هنالك كتباً مزورة و مدسوسة على الشيخ منها :
كتاب فصوص الحكم
كتاب التجليات
كتاب المحجة البيضاء
كتاب العبادلة
رسالة الأخلاق ( المطبوعة )
كتاب بلغة الغواص
رسالة الإتحاد الكوني
كتاب الخلوة
وإلى غير ذلك .
من هذا التحقيق يتبين لنا أنه لا يصح اعتماد نسبة كتاب إلى الشيخ سواء من الكتب الثابت نسبتها إليه أو غير الثابت نسبتها إليه ، حتى يحقق نص الكتاب مع ما هو ثابت عن الشيخ من أصل يعتبر ميزاناً ، مثل كتاب الفتوحات المكية ، ولا يلتفت إلى تاريخ النسخة ولا إلى وجود سماع عليها أو نسبة الخطأ إلى الشيخ ابن عربي ، فإن كل ذلك قابل للدس والتزوير .
توفى الشيخ رضي الله عنه بدمشق ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 638 هـ الموافق 16 تشرين الثاني عام 1240 م ودفن بسفح قاسيون ، وقبره مزار يؤمه كثير من الخلق إلى يومنا هذا .

انتهى ما نقلناه عن مقدم الفتوحات المكية بقلم :

محمود محمود الغراب
6 كانون أول 1997 م

Post: #654
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-23-2007, 02:04 AM
Parent: #653

شكرا شقليني
وهاك مقطعا من نص أمجد ناصر:
مساءلة ابن عربي

Quote: صار ثغر الحبيبة ثغر الله ونحن نعلم أنه ثغر الفتاة الفارسية التي هزّك جمالها الصبيُّ فرحت تبوحُ بما لا يَحْسُنُ بسيّد السرّ أن يفعل./ الكتمانُ أصغرُ مريديك/ لكن سيّد السرّ يحبُّ مثل الذي كلما فاه/ فضحته الفراشات التي تطير من فمه".

Post: #655
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-23-2007, 10:40 PM
Parent: #654

Quote: شكرا شقليني

وهاك مقطعا من نص أمجد ناصر:
مساءلة ابن عربي :


صار ثغر الحبيبة ثغر الله ونحن نعلم أنه ثغر الفتاة الفارسية التي هزّك جمالها الصبيُّ فرحت تبوحُ بما لا يَحْسُنُ بسيّد السرّ أن يفعل./ الكتمانُ أصغرُ مريديك/ لكن سيّد السرّ يحبُّ مثل الذي كلما فاه/ فضحته الفراشات التي تطير من فمه".


هكذا أيها الناقد / أسامة الخواض ، تتخير ثقل القول الذي يصفعُ الفكرة ألا ترعوي .
إن دروب الإبداع ذهنٌ منفتح على الكون وحُرية لا حدود لها .

شكراً مجدداً لك




Post: #656
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-24-2007, 05:16 AM
Parent: #655

**في مقدمة ترجمته وتحقيقه لكتاب بعنوان "الانسان الكامل في الاسلام" يقول دكتور عبدالرحمن بدوي :
Quote: بين تأليه الإنسانية و تأنيس الألوهية،سعت فكرة الانسان الكامل في الحضارة الاسلامية حتى تعبر هوة اللانهاية بين المخلوق والخالق".

ثم يقول في تعبير عن التناص القائم بين مختلف مستويات الحياة ،في اشارة الى فكرة الانسان الكامل:
Quote: الفكرة بدأت دنيوية وانتهت أخروية".


وذلك المفتتح يقودنا الى ان فكرة الانسان الكامل هي اصلا فكرة غير اسلامية ،لكن بانتقالها الى الاندلس ،قام الشيخ الاكبر ابن العربي بتوطينها في الخطاب الاسلامي الصوفي.. يقول باحث الماني عن تناص ابن عربي من النصوص السابقة عليه:
Quote: ولقد خطا ابن العربي-كما بين ذلك هينرش صمويل نيبرج-في تحليله مستقصي الأطراف-خطوة حاسمة حينما فك فكرة الانسان الكامل من القيد العيني بالنبي، و عن هذا الطريق أمكنه أن يضعها في نظرة عامة جدا على قمة مذهبه حتى يعطيها إنطباقا وتفسيرا يمتدان إلى كل إتجاهات بنائه المذهبي،مستثمرا في هذا كل ما وصله من روايات وأقوال تتعلق بالاناسن الأول ،وبالكلمة (اللوغوس) بوصفها حاملة الوحي الإلهي،وبالعالم الأصغر ،وبالنبي والولي مفهومين بالمعنى الغنوصي

ص 66
ثم يقول بعد ذلك :
Quote: أن ملامح الانسان الاول،بوصفه جوهرا نورانيا،وملامح القسمة الثنائية بين النموذج الاصلي السماوي والارضي،هذه القسمة التي تشير الى التصوف المرتبط بآدم،بل وأيضا ملامح نظرية هبوط الانسان الاول-تعود كلها إلى الظهور هنا (في مهب ابن عربي).

ص 66

يتضح لنا قبل الكلام عن تناص الاستاذ محمود محمد طه مع ابن العربي ،ان ابن عربي نفسه هو متناص مع نصوص بشرية سبقته ،ثم قام بتوطينها في الثقافة الاسلامية الصوفية.
يحاول ابن العربي ان يجد حلا للعلاقة الاشكالية بين الناسوت واللاهوت ،وقد وجدها في مفهوم الانسان الكامل الذي يزاوج بينهما.
يرى ابن العربي ان الانسان هو اكمل موجود رباني .
و عن الانسان الكامل يقول أنه "زاد على الإنسان الحيواني في الدنيا بتصريفه الأسماء الإلهية ،التي أخذ قواها لم حذاه الحق عليها ،حين حذاه على العالم ،فجعل الأنسان الكامل خليفة على الإنسان الكل الكبير
ثم يقول:
Quote: فإن للكامل رزق إلهي لايناله الانسان الحيوان ،وهو ما يتغذى عليه من علوم الفكر،الذي لا يكون للانسان الحيوان،والكشف والذوق والفكر الصحيح

ثم يقول مستغربا:
Quote: فأين الانسان الحيوان من الانسان المخلوق على صورة الرحمن ؟! فهو النسخة الكاملة والمدينة الفاضلة.


وعن الفرق بين الانسان الكامل و الانسان الحيوان في علاقتهما بالعالم ،يقول:
Quote: فالعالم مختصر الحق،و الإنسان مختصر العالم والحق،فهو نقاؤه المختصر،أعني الإنسان الكامل،و أما الإنسان الحيوان فإنه مختصر ا لعالم".


ويقول عن قيمة الانسان الكامل:
Quote: فإن الحق اعتنى بالإنسان غاية العناية لم يعتن بمخلوق،بكونه جعله خليفة،و أعطاه الكمال بعلم الأسماء، وخلقه على الصورة الإلهية.

ثم يقول عن الانسان الكامل بوصفه زوج الله:
Quote: و ما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان،فمن كل شيئ في الوجود زوجان.
ثم يقول :
Quote: فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله ،فما من حقيقة في العالم إلا وهي في الأنسان

في كتابه المختصر الانسان الكامل،يتحدث ابن عربي عن مرتبتين للكمال الانساني وهما الانسان الكامل الأكمل والانسان الكامل،يقول في ذلك:
Quote: فمن وقف على الحقائق كشفا وتعريفا الهيا فهو الكامل الأكمل ،ومن نزل عن هذه الرتبة فهو الكامل ،وما عدا هذين فإما مؤمن أو صاحب نظر عقلي،لا دخل لهما في الكمال ،فكيف في الأكملية؟!

ص 4

في الزمن الراهن لا يتحدث الخطاب الجمهوري ولا الاستاذ عن انسان مكمل،
لكنهم في تراتبية الفردية يتحدثون عن مراتب أخرى .
ففي الاصدارة التي اصدرها، الاخوان الجمهوريون ،بعنوان:
"التقليد!!والاصيل!! والاصلاء!!
بتاريخ ديسمبر 1982 في طبعتها الثانية،
نجد فقرة بعنوان الواحد الأصيل تتحدث عن مراتب الفردية و الانسان الكامل الذي نقول انه آخر انسان كامل في العالم عليه تنطوي الحياة الأولى :
Quote: إن الأفراد يتفاوتون في تحقيق الأصالة حسب توفيق الله لهم، ثم جدهم و إجتهادهم في العمل على تحقيق فردياتهم بإتباع نهج السنة، والتأدب بأدب القرآن.. فالإختلاف بين الأفراد في تحقيق الفردية، والأصالة، هو اختلاف في زمن التحقيق، وفي مقدار التحقيق.. ففي هذه الدورة من دورات الحياة، دورة الحياة الدنيا تتحقق الفردية في قمتها، في مستوى ترك التقليد، لرجل واحد، هو صاحب المقام المحمود الذي يتم له انزال هذا المقام من الملكوت، وتجسيده على الأرض..


و هنا ينطرح سؤال مهم وما هو مصير البقية من السائرين في درب الله الاسلامي،
ونجد الإجابة هكذا:
Quote: أما جميع من عداه فهم يحققون الأصالة والفردية، داخل إطار التقليد النبوي، وهم يتفاوتون في هذا التحقيق حسب تفاوتهم في العلم بالله، وتحقيق العبودية له.. ففي قمة هؤلاء يأتي من يوشك أن يتحقق بالأصالة في مستوى ترك التقليد ولكن لا يتم له ذلك الا عند لحظة الإنتقال للبرزخ.. وأسباب التفاوت في التحقيق في الفردية أسباب واضحة وبينة، وهي تشير اليها الآية الكريمة: (وفوق كل ذي علم عليم).. فهي تعني أن فوق كل صاحب علم من هو أعلم منه، إلى أن ينتهي العلم إلى علام الغيوب.. فالوضع بالنسبة للعلم بالله وضع رأسي، لا يوجد فيه إثنان على نفس المستوى من العلم..


ثم يتم الحديث عن إنسان كامل في مقام محمودي في آخر الزمان:
Quote: فأعلم الناس بالله، وأكثرهم تحقيقا للأصالة والفردية، يكون بين جميع الناس، وبين ذات الله في إطلاقها.. وهذا هو الإنسان الكامل الذي يتحقق بمقام الإسم الأعظم (الله).. ومقام هذا الإنسان الكامل هو مقام الوسيلة، وهو الذي يتم به ختم الولاية، وختم الرسالة بعد ان تم ختم النبوة بالنبي الكريم..
وبتحقيق هذا المقام تتحقق خلافة الأرض، وهو مقام المسيح المحمدي الموعود، وهو المقام الذي ظل النبي طوال حياته، وفي برزخه يعمل على إنزاله من الملكوت إلى الملك.. وهذا المقام هو مقام ولاية النبي، مجسدة في الدم واللحم


من الواضح أن الاشارة الى إنسان آخر الزمان الكامل هي للاستاذ من خلال تحليلنا للخطاب،
ومن خطاب ما قاله الاستاذ أزهري بلول في احتفالية الاستاذ بمونتري ،نجده يقول اننا نرى ان الاستاذ هو الاصيل.
وهذا ما ينسجم مع ما تقول به اصدارة الاخوان الجمهوريين عن الانسان الكامل.

ثم يقول ابن عربي عن الانسان الكامل كنائب لله:
Quote: و أعلاهم هو ظل الله،وهو الانسان الكامل نائب الحق،الذي يكون الحق لسانه وجميع قواه،و ما بين هذين المقامين مراتب،ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولا،وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارثا،ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول"

ص 4
وفي فقرة بعنوان "الانسان الكامل عمد السماء" ،يقول ابن عربي :
Quote: أعلم ان الانسان الكامل عند السماء،الذي يمسك الله به وجود السماء أن تقع على الأرض،فإذا زال الانسان الكامل و انتقل الى البرزخ هوت السماء".


ويقول عن الانسان الكامل كظل لله :
Quote: فإن الله حجب الجميع عنه، وما ظهر إلا للإنسان الكامل ،الذي هو ظله الممدود ،وعرشه المحدود ،وبيته المقصود،والموصوف بكمال الوجود،فلا أكمل منه.

الكلام عن ان الانسان هو نائب الحق نجده في قول الاستاذ عن ان الانسان الكامل هو الذي يحاسب الناس يوم القيامة،
يقول الاستاذ في:
" متى قال الله:
يا عيسى ابن مريم!! أأنت قلت للناس؟؟
Quote: وقد ختم تلك الآيات بما لا يدع مجالا للشك في هذا المعنى المراد.. إسمع قوله، تبارك، وتعالى: (لله ملك السموات، والأرض، وما فيهن.. وهو على كل شيء قدير..).. هذا الذي شرحنا هو القول قولا مستأنفا يوم القيامة؟؟ والجواب: نعم!! سيقال، في عرض الحساب ولكنه يقوله (الله)، (بالمعنى القريب).. يقوله [الله] الذي هو الإنسان الكامل.. الإنسان الذي ليس بينه وبين ذات الله المطلقة أحد وهو بين الذات وبين سائر الخلق.. وهو الذي يتولى حسابهم، نيابة عن الله، وهو الإنسان الكامل المسمى: (الله) هو المعنى، في المكان الأول، بقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن ياتيهم (الله)، في ظلل من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر، وإلى الله ترجع الأمور؟؟) وهذا القول المستأنف يوم القيامة هو أيضا قديم، ولكنه متطور في كل لحظة..


وفي حال فقدان الرسل يقول ابن عربي،عن الرسل كاناس كاملين،يقول:
Quote: حينئذ أوجد الاستعداد في غير الرسل،فقبلوا ذلك التنزيل الالهي في قلوبهم ،فسموا ورثة ولم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم مخبرون عن الله بالتنزيل الالهي "


وهنا اشارة الى التلقي كفاحا من الله.

وفي فقرة بعنوان "معنى الكمال" يقول :
Quote: اعلم ان العالم كله لولا الإنسان الكامل ما وجد.

ويستثنى ابن عربي امرأتين من كل نساء العالم في علاقتهما بالانسان الكامل وهنا نقول الانسانة الكاملة:
Quote: قال صلى الله عليه وسلم "كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم و آسية".


ساوى ابن عربي بين الانسان الكامل والانسانة الكاملة بينما ان الاستاذ يرى الانسانة الكاملة اقل درجة من الانسان الكامل:
ويقول في " متى قال الله:
يا عيسى ابن مريم!! أأنت قلت للناس؟؟
Quote: والله، من صرافة ذاته، تنزل لخلقه ليعرفوه في ثلاثة منازل، أو قل ثلاث مراتب: مرتبة الإسم، ومرتبة الصفات، ومرتبة الأفعال.. وبالأفعال برزت السموات والأرض، ومن فيهن، إلى حيز المحسوس – فمرتبة الإسم مرتبة الإنسان الكامل.. ومرتبة الصفة مرتبة الإنسانة الكاملة، ومرتبة الفعل مرتبة الوجود الخارجي المحسوس.. فالوجود المحسوس صورة خارجية، لصورة داخلية، في النفس البشرية..

وهذه الصورة الداخلية هي، في المرأة، كما هي، في الرجل.. ولكنها، في المرأة، موجودة على صورة أكثر سذاجة منها، في الرجل، وبذلك فهي أقرب إلى (الصرافة) التي تنزلت منها (الذات) إلى مرتبة (الإسم) – مرتبة الإنسان الكامل – ومن ههنا جاء تغني الصوفية بسلمى، وليلى، ولبنى، وهم بذلك إنما يريدون إلى الكناية عن الذات الإلهية..[
/B]

Post: #657
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-24-2007, 11:00 PM
Parent: #1

شكراً لك عزيزنا الأستاذ / أسامة

لم يزل الخطاب ملتبساً وفق ما بدأ لي ،
لكني أذكر أن الأستاذ قد ذكر الآية المذكورة أدناه ، وأرى أن للرجال عليهن درجة قد وردت منذ زمان على أنها تأكيد
لتفاضل الرجال ولو بدرجة وهي هنا :

تطوير شريعة الأحوال الشخصية
محمود محمد طه
أول طبعة - ديسمبر 1971
ومنها نقطف الآتي :

Quote: الزواج في شريعة الفروع:

شريعة الفروع هي موضوع الرسالة المحمدية.. ومتعلقها آيات الفروع.. فهـي تنبعث منها، وتعتمد عليها.. وشريعة الفروع شريعة مرحلية.. الحكمة منها نقلة المجتمع المتخلف، الذي نزلت عليه، ليتقدم، حتى يستحق شريعة الأصول.. والحركة منها نحو شريعة الأصول، حين يحين حينها، هو الذي نسميه تطوير التشريع الإسلامي.. ومستوى شريعة الفروع هو مستوى الرسالة الأولى.. ومستوى شريعة الأصول هو مستوى الرسالة الثانية من الإسلام، وهي الرسالة التي وظفـنا حياتـنا على التبشيـر بـها، والتمهـيد لها، والدعـوة إليـها..
الزواج، في هذه الشريعة، في تعريف بعض الفقهاء،: ((عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر، على الوجه المشروع)).. أو أنه: ((عقـد يرد على ملك المتعة قصدا)).. وهذا تعريف، في الفقه، وهو قاصر عن التعريف، في الشريعة.. ومعروف قصـور الفقه عن سماحة الشـريـعة..
الـزواج، في هذه الشريعة، هو عقد بين طرفين، غير متكافئين، يملك فيه الطرف الراجح منهما حقوقاً أكثر مما يملك الطرف المرجوح.. والسبب في رجحان حقوق الطرف الراجـح، إنما هو رجحان عقله، ودينه، ومن ثم، كثرة واجباته.. ولقد اشتملت على بعض هذه الحقوق هـذه الآيـة الكريمة: ((الرجال قوامون على النساء.. بما فضل الله بعضهم، على بعض.. وبما أنفقوا من أموالهم.. فالصالحات قانتات، حافظات للغيب، بما حفظ الله.. واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن.. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.. إن الله كان علياً كبيراً)).. فالعلاقة فيه بين الرجل والمرأة ليست علاقة تكافؤ، ولا هي علاقة تسلط، وإنما هي علاقة رشيد جعل وصياً على قاصر، وطلب منه أن يعينه على الرشد.. ولقد جاءت الفاصلة، في الآية الماضية، بقوله، تبارك، وتعالى: ((إن الله كان علياً كبيراً))، لتتضمن هذا المعنى.. فلكأنه قال: جعلنا لكم عليهن علو درجة، فتذكروا أن علو الدرجات لله.. فإن حدثتكم نفوسكم بالاستعلاء عليهن، والتسلط، ومعاملتهن بغير دوافع العطف، والحكمة، وتوخي الترشيد، فاعلموا: أن الله هو صاحب العلو، والاقتـدار، والسلطة.. اعلموا ذلك واخشوه فيهن إن كنتم مؤمنين.. والغرض، من هذا العقد، هو تنظيم الغريزة ((الجنسية)) لمصلحة الأفراد، ولمصلحة الجماعة.. فأما لمصلحة الأفراد – الرجل، والمرأة- فبإعفاف النفـس، وبصون الأخلاق.. ثم إن به الحب ينمو، والطمأنينة تتوثق، والراحة النفسية تتوفر، قال تعالى فيه: ((ومن آياته أن خلق لكم، من أنفسكم، أزواجاً، لتسكنوا إليها.. وجعل بينكم مودة ورحمة.. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)).. كل أولئك يكون، بفضل الله، ثم بفضل الإمتاع الحسي، والمعنوي.. وأما لمصلحة الجماعة - وحظ الأفراد هنا غير غائب – فبحـفظ النوع، وبقيام الأسرة، التي هي الدعامة الأولى للمجتمع، وبالاهتمام بالذرية، الذي يسوق إلى تعليمها، وإلى تهذيبها، وإلى استشعار المسئولية نحوها التي توجب السعي، والكـدح، اللذين، بهما قوام التعمير، والتمديـن، لجميع الأمة..
هذه الشريعة، إذا ما وضعت في موضعها من حكم وقتها هي غاية في الانضباط، والحكمة، والعدل، والسماحة.. وهي قد حررت المرأة، يومئذ، تحريرا كبيرا.. وقفزت بها قفزة حكيمة، وجريئة، في آن معا.. وهي لا يظهر فيها النقص إلا إذا ما نقلت من وقتها، وطلب إليها أن تستوعب طاقات المرأة المعاصرة، فتنظم حقوقها، وتحل مشاكلها.. ولكن لن يكون النقص، حينئذ، هو نقص هذه الشريعة، وإنما هو نقص هذه العقول التي تنقلها من بيئتها إلى بيئة لم تشرع لها، بدعوى أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.. ولقد تحدثنا في مواضع كثيرة في كتبنا، عن هذه الجهالة، مما يغنينا عن التعرض لها الآن.. والذي يهمنا أن نقـرره، في هذا المقام، هو أن هـذه الشريعة مرحلية.. وكل حقـوق، أعطيت بها للرجل على المرأة، إنما هي أمانة عنـده، كأمانة الوصي على حقوق اليتيم، يطلب منه أن يرشده، وأن يرد إليه حقوقه حين يبلغ الرشـد..
جميع آيات الوصاية على النساء منسوخة، منذ اليوم، بآية: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.. وللرجال عليهن درجة..)).. ولقد سبق شرح هذه الآية.. فلا موجب للإعادة..
وجميع آيات الوصاية، على الرجال، وعلى النساء، منسـوخة، منـذ اليـوم، بآيتي: ((فذكـر إنما أنت مذكـر * لست عليهم بمسيطر))..
وجميع آيات الرأسمالية، في القرآن، منسوخة بآية: ((ويسألونك ماذا ينفقون؟؟ قل: العفو)) وللعفو قمـة، وله قاعـدة.. وستظل قمته متروكة لمنطقة الأخلاق.. وإنما تهمنا قاعدته لأنها أدنى منازل الاشتراكية، وهي تحريم ملكية وسائل الإنتاج، على الفـرد الواحد، أو على الأفراد القلائل.. وبهذا ينفتح الطريق لتطوير التشريع، الذي عليه تقوم الرسالة الثانية من الإسلام.. وهي الرسالة التي تقـوم على تحقيق الفردية، لكل رجل، ولكل امرأة.. وتتوسل إلى منازل الفردية هذه بوسيلتين: إحداهما وسيلة المجتمع الصالح، وهو المجتمع الذي يقوم على التشريع الدستوري، المستمد من الدستور الإنساني، الذي، تحت ظله، يتحقق الجمع بين الاشتراكية، والديمقراطية، في جهاز واحـد، حتى لكأنهما، للمجتمع، الجناحان للطائر، لا نهضة له بدونهما معا.. وثانيتهما وسيلة المنهاج التربوي الذي جاء به الإسلام، في عبادتـه، والذي يسوقنا، بإتقان تقليدنا للمعصوم، من التقليد إلى الأصالة - من السير في القطيع إلى البروز إلى مقام الفردية - من العـبادة إلى العبـودية.. من القيـد إلي الحريـة.. والحرية المطلقة، في ذلك.. ومقام الفردية هذا هو آصل أصول الدين.. وهـو، من ثـم، مطلوب الدين الأخير، لأنه مقام العبودية.. وهو المقام الذي تتأدى إليه جميع المناشط في العلم - العلم بالشريعة المشرفة - وفي العمل، وفي الذكر، وفي الفكر، وفي العلم - العلم بالله العظيم - وفي الفناء عن هذا العـلم.. ومقام العبودية هذا هو مقام شريعة وحقيقة.. ولكن الشريعة فيه شريعة فردية، يخرج بها المحقق من شريعة القطيع.. ويؤتى شريعته الفردية من الله كفاحاً..
مقام العبودية هذا مقام حياة.. حياة بالله، عند الله.. وهو نهاية المطاف، وما للمطاف نهاية.. ((إن المتقين في جنات، ونهر، في مقعد صدق، عند مليك مقتدر)).. عند الله، حيث لا عند.. نهاية المطاف.. وما للمطاف نهاية.. لأنه سير إلى الإطلاق.. فهو تجدد، مستمر وسرمدي، لحياة الفكر، وحياة الشعور..

ويقول الذكر الحكيم
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ }البقرة 228

من تفسير الجلالين :

- (والمطلقات يتربصن) أي لينتظرن (بأنفسهن) عن النكاح (ثلاثة قروء) تمضي من حين الطلاق ، جمع قَرْء بفتح القاف وهو الطهر أو الحيض قولان وهذا في المدخول بهن أما غيرهن فلا عدة عليهن لقوله {فما لكم عليهن من عدة} وفي غير الآيسة والصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر والحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن كما في سورة الطلاق والإماء فعدتهن قَرءان بالسنة (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) من الولد والحيض (إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن) أزواجهن (أحق بردهن) بمراجعتهن ولو أَبَين (في ذلك) أي في زمن التربص (إن أرادوا إصلاحا) بينهما لا إضرار المرأة ، وهو تحريض على قصده لا شرط لجواز الرجعة وهذا في الطلاق وأحق لا تفضيل فيه إذ لا حق لغيرهم من نكاحهن في العدة (ولهن) على الأزواج (مثل الذي) لهم (عليهن) من الحقوق (بالمعروف) شرعا من حسن العشرة وترك الإضرار ونحو ذلك (وللرجال عليهن درجة) فضيلة في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما ساقوه من المهر والإنفاق (والله عزيز) في ملكه (حكيم) فيما دبره لخلقه


ونواصل

Post: #658
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-25-2007, 04:49 AM
Parent: #657

عزيزي الشقليني
سبق لي ان نوهت في مقاربة لي عن الجندر في خطاب الاستاذ ،الى دونية المراة ،مقارنة بالرجل في تنزلات الله .
واليك بالرابط:
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

Post: #660
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-25-2007, 05:20 AM
Parent: #658



شكراً لك عزيزنا الأستاذ / أسامة الخواض

أعدت الإطلاع على النص ، وتبدو لي خاطرة :
ألا ترى أنه ربما ( من الطفولة إلى الرجولة )
هي وصف صادف ( من طفولة الشيء إلى اكتماله )
أي أنها تعبير ملتبس بظلال المجتمع الذي يعيش فيه الأستاذ؟ ،
وإن صحت تلك فإنها تكون على حساب دقة الوصف وضمور المفردات ،
وهو وفق ما نقرأ شديد التدقيق في الغة ولا يُعقل أن يخيب سهمه اللغوي
فيصف الإكتمال بالرجولة .

أريد رأيك عزيزنا أسامة حتى لا نتهم الأستاذ نضعف التشبيه الذي
تنفيه الكثير من القرائن من حذقه اللغة ومفردات التشبيه


Post: #659
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-25-2007, 05:16 AM
Parent: #1

من مقاربتي عن الجندر التي نشرتهافي هذا البوست ،
نورد الآتي:
وفي كتاب تطوير شريعة الاحوال الشخصية يتحدث عن ان المرأة متنزلة من الانسان الكامل الي الرجل،
وفي هذا اشارة الى انها ادنى من الرجل باعتبارها منفعلة و ليست فاعلة ،
هل في مسالة الفعل و الانفعال لنا الحق في تذكر ابن عربي،
يقول عن المراة باعتبارها زوج الانسان الكامل:

Quote: والإنسان الكامل هو أول قابل لتجليات أنوار الذات القديمة - الذات الإلهية- وهو، من ثم، زوجها.. وإنما كان الإنسان الكامل زوج الله لأنه إنما هو في مقام العبودية.. ومقام العبودية مقام انفعال، في حين أن مقام الربوبية مقام فعل.. فالرب فاعل، والعبد منفعل.. ثم تنزلت من الإنسان الكامل زوجته.. فكان مقامها منه، مقامه، هو، من الذات.. فهي منفعلة، وهو فاعل.. وهذا هو، في الحقيقة، مستوى العلاقة ((الجنسية)) بين الرجل والمرأة..

Post: #661
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 09-25-2007, 05:29 AM
Parent: #659

عزيزي الشقليني
كلامي كان منصبا عن "التطور الروحي "للمرأة،
فهو في رؤية الاستاذ لا يمكن ان يصل الى مرحلة الانسان الكامل.
اما كلام الاستاذ عن التطور بشكل عام،فسأشير اليه في مقاربة قادمة عن هجرة مصطلح البدائية من الانثربولوجيا الى خطاب الاستاذ.
محبتي
المشاء

Post: #662
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-25-2007, 04:36 PM
Parent: #661



شكراً لك
عزيزنا الكاتب : أسامة الخواض

ونواصل


Post: #663
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-26-2007, 04:21 PM
Parent: #662

سنحاول إكمال الحديث عن أبوحامد الغزالي
والمقارنة مع الأستاذ في اختلاف التأويل بينهما أو اتفاقهما

Post: #664
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-27-2007, 04:31 PM
Parent: #663



مع المهندس الوسيلة أحد جلساء الأستاذ .(1)


قلت :
أقول لك نحن لم نكد نبدأ لحديث عن مُصطلح ( العلم اللدُني ) فهو أمر لم نجلِ كُنهه ولم نُحيط بشكله ولا محتواه ، وكل ما نعرف أن له علاقة بالحياة الفردية التي يرقاها المرء في سلم العبودية ( وإنك .
قال الوسيلة :
أذكر مرة كنا نجلس مع الأستاذ في إضاءة عن الخطو إلى صلاة الأصالة ، فقال أن الأستاذ قد تحدث عن الشريعة والطريقة . وأن الفرد يبدأ من ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . هذه للعامة صلاة تقليد للحركات والقراءات ، ومُحاولة أن يصلك التقليد وأنت تتبع خُطى النبي تترقى في تقليدك . ولمزيد من الشرح نُقرِب للإفهام : سيدنا جبريل على خطو الله مُقلداً ، والنبي في مرحلة التقليد لجبريل يمشي على وقع خطاه حتى مرحلة :
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }النجم 17 .
فسبق النبي الملاك من خلال عبادته الفردية . ونحن نمشي على خُطو النبي خطوة الشريعة الأولى كما كانت وكان زمانها وهو ما يمشيه العامة منا . ونحن اليوم بمفاتيح الصعود لتقليد الصلاة عن النبي في الشكل والقلب في خضوعه ثم الرُقي في مراقي التقليد إلى ملاحقة صلاة النبي .
باكتمال القرآن نصاً وتنزيلاً حمل في ثناياه كل أحمال المستقبل وقد انقطعت النبوة بموت النبي ، وبقي علينا أن نصعد من مرحلة الشريعة في تقليد المصطفى حقيقة وأمامنا وبين أيدينا كل المفاتيح للصعود وتلك نترقى بها في مراحل التعبد خطوة إثر أخرى حتى نصل مراتب الحياة الفردية التي في صعودها يصعد الفرد إلى ربه طالباً قربه والوصول ، وبالقرآن و ما حوى تُبَث الخطابة من منـزلة الألوهية لمنـزلة الحياة الفردية . والعلم الميسر يؤخذ بالعبادة وهي مرحلة أخذ المعارف الدنيوية من وسائلها وعن طريق الحياة الفردية وعبادتها المُنقطعة وبالقرآن تنفتح الينابيع وتهبط المعارف الربانية من وهج ضوء الألوهية في برزخها وهو طور العلم اللدُني الذي لا يُدرك إلا بممارسة التعبد في طوره المُتقدم .

Post: #665
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-27-2007, 09:20 PM
Parent: #664

بمناسبة مداخلتك هذه يا عزيزي الشقليني أرجو أن تسمح لي بوضع هذا التسجيل النادر الذي أضيف مؤخرا إلى موقع الفكرة.. التسجيل النادر هو لندوة قدمها الأستاذ محمود في يوم 16 أبريل عام 1972 في نادي كردفان وهو نادٍ يؤمه المتعلمون من كبار الموظفين والأطباء في مدينة الأبيض.. مجموعة من الأسئلة الشيقة..

الشريحة الأولى: تقديم حوالي دقيقتين..

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob01_794.wma

الشريحة الثانية 12 دقيقة:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob02_172.wma

الشريحة الثالثة 12 دقيقة:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob03_205.wma

الشريحة الرابعة 13 دقيقة:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob04_134.wma

الشريحة الخامسة 12 دقيقة:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob05_681.wma

الشريحة السادسة 9 دقائق:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob06_471.wma

الشريحة السابعة 11 دقيقة:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob07_148.wma

الشريحة الثامنة 10 دقائق:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob08_455.wma

الشريحة التاسعة 3 دقائق:

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob09_172.wma

الشريحة العاشرة والأخيرة 11 دقيقة [ يبدو أن التسجيل غير مكتمل]

http://www.alsaloon.org/forum/files/musaqafinob10_102.wma

كما يمكن الإستماع إلى الندوة بكل الشرائح هنا:
http://alfikra.org/talk_view_a.php?talk_id=35

مع تحياتي وأطيب الأمنيات.. والشكر للأخ خالد عبد الله والأخ عمر هواري..

ياسر

Post: #666
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-28-2007, 12:20 PM
Parent: #665

Quote: كما يمكن الإستماع إلى الندوة بكل الشرائح هنا:
http://alfikra.org/talk_view_a.php?talk_id=35

مع تحياتي وأطيب الأمنيات.. والشكر للأخ خالد عبد الله والأخ عمر هواري..

ياسر



شكراً لك أيها الحبيب

ونأمل المزيد


Post: #667
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-29-2007, 07:20 AM
Parent: #666

الأستاذ / شوقي بدري يتحدث عن أحد جُلساء الأستاذ محمود :
من مدونة سودانيات :

http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=1132[/B]

Post: #668
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-29-2007, 08:40 AM
Parent: #1

الشكر للأخ عمر هواري الذي وضع الندوة هنا في سودانيز أونلاين..

ندوة الاطباء وكبار الموظفين بالابيض حول الصلاة - التسيي...لجن - فناء النار ...

وشكرا لك يا عزيزي الشقليني لوضع وصلة بوست الأستاذ شوقي بدري "أحد جلساء الأستاذ محمود" وهو الراحل الأستاذ كمال إبراهيم بدري..

Post: #669
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-29-2007, 02:15 PM
Parent: #1

بروفيسور علي المك في الذكرى الأولى لرحيل الأستاذ :

http://www.youtube.com/watch?v=YbZnMB-dTO0

Post: #670
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 09-29-2007, 02:33 PM
Parent: #669

شكرا لك يا عزيزي شقليني لوضع الجزء الأول من كلمة البروفيسور الراحل المقيم علي المك.. وهذا هو الجزء الثاني من الكلمة:

http://www.youtube.com/watch?v=tza14SEqaB8

وهذه هي لوحة لجون براون الذي جاء ذكره في كلمة الدكتور علي المك، وهو يُساق إلى الإعدام:



وهذه لوحة أخرى:



وهنا بعض الإضاءة على جون براون وكفاحه من أجل قضية العبيد السود في أمريكا:

http://en.wikipedia.org/wiki/John_Brown_%28abolitionist%29

http://www.pbs.org/wgbh/aia/part4/4p1550.html

..

Post: #671
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-30-2007, 05:08 PM
Parent: #1



الأستاذ محمود ومناهج المتصوفة (5)



التأويل عند الأستاذ محمود وأبو حامد الغزالي :
التفسير والتأويل مقتطفات من كتابة الأستاذ محمود محمد طه :

Quote: للقرآن تفسير، وله تأويل ..
وبين التفسير والتأويل إختلاف مقدار، لا اختلاف نوع .. فالتفسير قاعدة هرم المعاني، والتأويل قمته .. وتتفاوت المعاني، بين القاعدة والقمة، من صور الكثافة إلى صور اللطافة .. فلكأن التأويل هو الطرف اللطيف من التفسير ..
وقمة هرم المعاني عند الله، حيث لا عند، وفي ذلك قال تعالى: (عن القرآن بين القمة والقاعدة) (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا، لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب، لدينا، لعليّ حكيم) فإن كلمة (لدينا) هنا، ليست ظرف مكان، وإنما هي للتناهي، حيث ينتهي الزمان، والمكان، وذلك لدى عتبة الذات، التي لا يحويها الزمان، ولا المكان .. وبهذا المستوى فإن تأويل القرآن لا يعرفه، عند التناهي، إلا الله، وهذا معنى قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، ابتغاء الفتنه، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله .. والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا .. وما يذكر إلا أولو الألباب)
ولقد أخطأ قوم فظنوا أن التأويل، من حيث هو، لا يعرفه إلا الله .. وذلك لا يستقيم، لأن تنزلات القرآن، من لدن الذات، عديدة، وللعارفين فيها مواضع، ولا ينقطع حظهم من المعرفة إلا عند حضرة الذات .. فإنه، في حضرة الذات، مبلغ العلم الحيرة .. وفي الحيرة خير كثير .. لأن بها يعرف العقل قدر نفسه .. و (من عرف نفسه فقد عرف ربه) كما قال المعصوم ..


Quote: والذات إنما تنزلت لنفهم عنها، وهذه العلة في التنزل هي نفسها العلة في كلام الله باللغة العربية .. وفي جعل القرآن عربيا .. قال تعالى في ذلك: (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) .. فعلة جعله قرآنا عربيا إذن هي: (لعلكم تعقلون) .. وأما حقيقته، فإنما هي فوق اللغة العربية: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) .. و(لدينا) هنا، كما أسلفنا، ليست ظرف زمان، ولا ظرف مكان، وإنما هي للتناهي، حيث ينعدم الزمان، والمكان، وذلك حيث الذات بلا كيفية نعلمها – حيث لا حيث – وللقرآن، في كل منزلة، من منازل الذات السبع، معنى يختلف اختلاف مقدار عن سابقه .. ونحن لا نعرف إلا طرفا حتى مما يعطيه ظاهر اللفظ .. وهذا هو ظاهر القرآن، وهو منطقة الشريعة الظاهرة .. ثم تدق معاني القرآن صعدا، من مستوى ما يحوي اللفظ من معان، إلى مستوى ما يعطي اللفظ من إشارة .. (الإشارة التي هي في صور الكلمات)، إلى مستوى ما تعطي الإشارة، (الإشارة التي هي في صور الحروف)، إلى مستوى ما تنقطع العبارة، والإشارة .. وهذا هو السر في أن القرآن افتتح تسعا وعشرين سورة من سوره بأحرف الهجاء .. وما من مفسر للقرآن يحق له، كمفسر، أن يتحدث عن تفسير الحروف، لسبب واحد بسيط هو أن معانيها، خارجة عن مستوى التفسير، وداخلة في منطقة التأويل .. هي قمة هرم المعاني، في حين تكون الكلمات قاعدة هذا الهرم .. ولذلك فإن المفسرين لم يسعهم، عند الكلام عن الحروف، إلا أن يقولوا: (الله أعلم بمراده) .. يعني (ولا يعلم تأويله إلا الله) .. ومن خاض في تفسيره، في معنى الحروف، من المفسرين، لم يأت بشئ يحسن السكوت عليه .. ولولا أن المقام هنا لا يتسع لتحدثنا عن الحروف حديثا مفصلا، ولكننا إنما قصدنا بالحديث في هذا الكتاب عن التأويل أن نفي بوعدنا الذي قطعناه لقرائنا، حين قلنا في مجلة الأضواء: إن الإنسانية اليوم لا تحتاج إلى تفسير القرآن، وإنما تحتاج إلى تأويله .. وفي النية إخراج كتيب عن القرآن بين التفسير والتأويل، وستكون الفرصة يومئذ مواتية للحديث المفصل في ذلك، إن شاء الله ..


Quote: وعندما يتناهى القرآن إلى الذات، لا يعرفه عارف، ولن يعرفه .. وما يعرفه ههنا غير الله، لأنه (لا يعرف الله إلا الله) أو ، على غرار الآية السالفة،: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب، إلا الله) وهذا هو مستوى التأويل، الذي لا يعلمه إلا الله، ويؤمن به الراسخون في العلم .. ولقد أشرنا إلى خطأ أصحاب التفسير، حين ظنوا أن التأويل، من حيث هو، لا يعلمه إلا الله، وما ينبغي أن يخوض فيه العارفون .. ومثل هذا الخطأ، قد أنى له أن يصحح، لينفتح باب التأويل أمام العباد المجودين، فإن فيه حقائق القرآن .. والتأويل ليس هواجس نفس كثيرة الخطرات، وإنما هو واردات عقل تأدب بأدب الشريعة، ثم بأدب الحقيقة، حتى باشر حق اليقين .. والتفسير مشمول في التأويل، بمعنى أن كل تأويل يجب ألا يتجافى مع ظاهر النص، وكل ما هناك أن الكلمات تنتقل إلى دقيق المعاني، ولطيفها، بدل غليظها، وكثيفها ..
وإنما في مضمار التأويل، وفي أدنى منازله من التفسير، تجيء معرفة الحكمة، وراء النصوص، لأن النصوص، إنما هي وسيلة إلى غاية، وليست هي غاية في ذاتها .. وعلى النصوص تقوم قوانين التعامل، وتقوم قواعد الأخلاق .. والدين كله أخلاق، حتى لقد قال المعصوم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .. وقال: (حسن الخلق خلق الله الأعظم) .. وما القرآن إلا كتاب أخلاق .. والكلمة: (لا إله إلا الله) التي هي خير ما جاء به القرآن، إنما هي مطالبة بالتخلق بتوحيد القوى المودعة في البنية البشرية – العقل، والقلب، والجسد – ولقد قلنا مرارا أن التوحيد صفة الموحد (بكسر الحاء)، وليس هو صفة الموحد، وسيجيء ذكر ذلك عند الحديث في هذا الكتاب عن (لا إله إلا الله).


Quote: والقانون والأخلاق شيء واحد فليس الاختلاف بين القانون والأخلاق اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار .. فالقانون قاعدة الأخلاق .. والقانون يتطور من قاعدة كثيفة نحو قمة لطيفة، هذه القمة هي الأخلاق .. وكل قانون لا يتطور فهو ميت .. وكل قانون ، حين يتطور، إنما يتطور باستلهام قضايا كانت قبلا في منطقة الأخلاق ليجعلها ضمن قواعده هو، وهذا العمل لا يتم إلا حين نعرف نحن دقائق معاني النصوص، ونعرف تأويل الظاهر .. وأصل التأويل هو تفسير ما يؤول إليه الشيء، أي ما يرجع إليه الشيء .. وقول الله تعالى: (وأوفوا الكيل، إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير، وأحسن تأويلا) يعني أحسن عاقبة، ومآلا، ومرجعا .. ولما كانت عاقبة الأمور جميعها إلى الله، أصبح التأويل هو معرفة الله في تنزلاته في مراتب القرب من العباد ليعرفوه، حتى إذا انتهى الأمر في عروجه إلى الذات انبهمت السبل، وظهر العجز، ووقعت الحيرة، وجاء معنى قوله تعالى: (ولا يعلم تأويله إلا الله) ..
وبمعرفتنا للتأويل نطور القاعدة، وهي الشريعة، ونطور القمة، وهي الأخلاق، ويرتقي بذلك مستوى الجماعة، ويرتقي مستوى الأفراد .. والسير إنما هو سير من المحدود إلى الإطلاق .. وليس في مثل هذا السير مجال للتوقف عن الترقي في الأطوار .. والقاعدة المثلى هي قوله، تبارك، وتعالى، عن نفسه (كل يوم هو في شأن) .. وهذه في حق العبد أن يكون في كل لحظة جديدة، جديدا في فكره، جديدا في شعوره ..


Quote: الأصول والفروع

ومن معرفة التأويل تجيء معرفة أصول القرآن، وفروعه، من الآيات المكية، والآيات المدنية، وكيف أن آيات الأصول هي المقصودة بالأصالة، وآيات الفروع هي المقصودة بالحوالة .. ومعنى هذا أن الناس، لما لم يستطيعوا التكليف في مستوى الأصول نزل بهم إلى مستوى ما يستطيعون، فكانت آيات الفروع .. وآيات الأصول هي الآيات المكية، وآيات الفروع هي الآيات المدنية .. ولقد اعتبرت آيات الأصول يومئذ منسوخة .. واعتبرت آيات الفروع صاحبة الوقت .. وما نسخ آيات الأصول، يومئذ، إلا إرجاء لها ليوم يجيء فيه وقتها، وذلك حين تستعد البشرية لتطبيقها .. ولقد تحدثنا عن كل أولئك بتفصيل واف في كتابنا (الرسالة الثانية من الإسلام) .. فليراجع في موضعه .. فإن فيه يظهر ما أردنا، حين قلنا في مجلة الأضواء في الرد على سؤالها عن مؤهلات الدكتور مصطفى محمود، إن البشرية اليوم لا تحتاج إلى تفسير جديد للقرآن، وإنما تحتاج إلى التأويل .. هذا ولنا إلى (القرآن بين التفسير والتأويل) عودة إن شاء الله، كما وعدنا آنفا ..


هنا للمقارنة مع فهم الأستاذ:
الأستاذ محمود ومناهج المتصوفة (4)

Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

Post: #672
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مهيرة
Date: 10-01-2007, 11:04 PM
Parent: #671

التأويل والعلم اللدنى:



الأخ الأستاذ الأديب عبداللة وضيوفه الكرام:
يقول الله تعالى فى محكم تنزيله:- ({هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7*
يقول الأستاذ:
Quote: (ولقد أشرنا إلى خطأ أصحاب التفسير، حين ظنوا أن التأويل، من حيث هو، لا يعلمه إلا الله، وما ينبغي أن يخوض فيه العارفون .. ومثل هذا الخطأ، قد أنى له أن يصحح، لينفتح باب التأويل أمام العباد المجودين، فإن فيه حقائق القرآن ..)

ولكن:
الصحيح هو :أن أصحاب التفسير لم يخطئوا كما قال الأستاذ بل فصلوا الأمر تفصيلا وافيا، وكان حريا بالأستاذ ألا يغمط علماء التفسير حقهم ويقول الحقيقة:



قال شيخ الإسلام (ت: 728): ((والمقصودُ هنا بيانُ بطلانِ احتجاجِ النَّصارى، وأنَّه ليس لهم في ظاهرِ القرآنِ ولا باطِنِه حجَّةٌ، كما ليس لهم حجَّةٌ في سائرِ كتبِ الله، وإنَّما تمسَّكوا بآياتٍ متشابهاتٍ، وتركوا المُحْكَمَ كما أخبر الله عنهم بقوله: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ) [آل عمران: 7].
والآية نزلت في النَّصَارى، فهم مُرَادُونَ من الآية قطعًا)) ( ).
1- أنَّ لفظَ التَّأويل في الآيةِ يحتملُ وجهينِ صحيحين، كلاهما حقٌّ، وهما واردانِ عن السَّلفِ.
الأوَّل: أنَّ التَّأويلَ بمعنى التَّفسيرِ، وبهذا يكونُ الراسخونَ يعلمونَ تأويلَ القرآنِ، أي: تفسيره، ويكونُ الوقفُ على هذا القولِ على قوله تعالى: ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )( )، وتكون الواو عاطفةً.
الثَّاني: أنَّ التَّأويلَ بمعنى ما تؤول إليه حقيقةُ الأشياءِ مما استأثرَ اللهُ بعلمِه، من كيفيَّاتٍ ووقت وقوعٍ، مما أخبر عنه اللهُ في كتابِه من أخبار القيامة وأشراطِها، أو غيرِها من المغيَّبات.
ويكونُ الوقفُ على هذا القولِ على لفظ الجلالةِ من قوله: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ )، وتكونُ الواو مستأنفةً، أي أنَّ جملةَ: ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) جملةٌ مستأنفةٌ( ).
قال شيخ الإسلامِ (ت: 728): ((وأما لفظ التَّأويل في التنْزيل فمعناه الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها فتأويل ما أخبر به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر وتأويل ما أخبر به عن نفسه هو نفسه المقدسة الموصوفة بصفاته العلية وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله ولهذا كان السلف يقولون: الاستواء معلوم والكيف مجهول فيثبتون العلم بالاستواء وهو التأويل الذي بمعنى التفسير وهو معرفة المراد بالكلام حتى يتدبر ويعقل ويفقهه ويقولون: الكيف مجهول وهو التأويل الذي انفرد الله بعلمه وهو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو)) ( ).
2- أنه قد وقع من بعض المتأخِّرينَ حملُ التَّأويل على الاصطلاحِ الحادثِ، وهو صرف اللَّفظِ عن الاحتمالِ الرَّاجحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ لدليلٍ يقترنُ بذلك، وتسميةُ هذا وحده تأويلاً هو من اصطلاحِ طائفةٍ من المتأخِّرين من الفقهاء والمتكلِّمين وغيرِهم.
وقد نشأ عن ذلك أن يعتقدوا أنَّ لهذه الآيات والأحاديث معاني تخالفُ مدلولَها المفهوم منها، وانقسموا إلى فريقين:
الأول: من أجازَ تأويلها، بل أوجبه في بعضِ الأحيانِ، لاعتقادِه أنَّ ظاهرَها يفيدُ معنى لا يصحُّ.
الثاني: من قال إنَّ ذلك المعنى المراد لا يعلمه إلا الله، لا يعملمُه الْمَلَكُ الَّذِي نزلَ بالقرآنِ، ولا يعلمُه محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، ولا غيرُه من الأنبياء، ولا يعلمُه الصَّحابةُ الَّذِين نزلَ القرآنُ بلسانِهم.
قال شيخ الإسلام (ت: 728): ((... وتجد هؤلاء حائرين في مثل قوله تعالى: ( تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) [آل عمران: 7]، حيث ظنُّوا أنَّ المرادَ بالتَّأويلِ صَرْفُ النُّصوصِ عن مقتضاها.
وطائفةٌ تقولُ: إنَّ الرَّاسخين في العلمِ يعلمون هذا التأويل، وهؤلاء يجوِّزُون مثل هذه التَّأويلات التي هي تأويلاتُ الجهميَّةِ النُّفاةِ. ومنهم من يوجُبها تارةً، ويجوِّزُها تارةً. وقد يحرِّمُونها على بعض النَّاسِ، أو في بعض الأحوالِ لعارضٍ، حتَّى أنَّ الملاحدةَ من المتفلسفةِ والمتصوِّفةِ وأمثالِهم قد يحرِّمون التَّأويلاتِ، لا لأجل الإيمانِ والتَّصديقِ بمضمونِها، بل لعلمِهم بأنَّه ليس لها قانونٌ مستقيمٌ، وفي إظهارها إفساد الخلقِ، فيرون الإمساكَ عن ذلك مصلحةً، وإن كان حقًّا في نفسِه، وهؤلاء قد يقولون: الرُّسلُ خاطبوا الخلقَ بما لا يدلُّ على الحقِّ لأن مصلحةَ الخلقِ لا تَتِمُّ إلا بذلك، بل لا تَتِمُّ إلا بأنْ تَخَيَّلوا لهم في أنفسهم ما ليس موجودًا في الخارجِ لنوعٍ من المصلحةِ، كما يُخَيَّلُ للنَّائمِ والصبِيِّ والقليلِ العقلِ ما لا وجودَ له، لنوعٍ من المناسبةِ لما له في ذلك من المصلحةِ.
وطائفةٌ يقولون: هذا التَّأويلُ لا يعلمه إلا اللهُ، ثمَّ من هؤلاء من يقول تُجْرَى على ظواهرِها، ويتكلَّمُ في إبطالِ التَّأويلاتِ بكل طريقٍ. ومن المعلوم أنه إذا كان لها تأويل يخالفُ ظاهرَها لم يُحْمَلْ على ظاهرِه، وما حُمِلَ على ظاهرِه لم يكن له تأويلٌ بخالف ذلك، فضلاً عن أنْ يُقَال: يعلمه الله أو غيره. بل مثل هذا التَّأويلِ يقال فيه كما قال تعالى: ( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ) [يونس: 18]، فإنَّ ما كان منتفيًا لا وجودَ له، لا يعلمُه اللهُ إلا منتفيًا لا وجود له، لا يعلمه ثابتًا موجودًا.
وسببُ هذا الاضطرابِ أنَّ لفظَ التَّأويلِ في عرفِ هؤلاءِ المتنازعين ليس معناه معنى التَّأويلِ في التَّنْزيلِ، بل ولا في عرفِ المتقدِّمين من مفسري القرآنِ، فإن أولئك كان لفظ التَّأويلِ عندهم بمعنىا التَّفسيرِ، ومثل هذا التَّأويلِ يعلمُه من يعلمُ تفسيرَ القرآنِ.
ولهذا لما كان مجاهدٌ إمامَ أهلِ التَّفسيرِ، وكان قد سألَ ابنَ عباسٍ رضي الله عنه عن تفسيرِ القرآنِ كلِّه وفسَّرَه له = كان يقولُ: إن الرَّاسخينَ في العلمِ يعلمون التَّأويلَ، أي التَّفسيرَ المذكورَ، وهذا هو الذي قصده ابن قتيبة وأمثاله ممن يقولُ إنَّ الرَّاسخين في العلم يعلمون التَّأويل، ومرادهم به التَّفسير. وهم يثبتون الصفات، لا يقولون بتأويل الجهميَّة النُّفاة، التي هي صرفُ النُّصوصِ عن مقتضاها ومدلولِها ومعناها...
وأمَّا التَّأويلُ، بمعنى: صرف اللَّفظِ عن الاحتمالِ الرَّاجحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ، كتأويلِ من تأوَّلَ استوى بمعنى: استولى ونحوه، فهذا عند السَّلفِ والأئمَّةِ باطلٌ لا حقيقة له، بل هو من باب تحريفِ الكَكِمِ عن مواضعِه والإلحادِ في أسماءِ اللهِ وآياتِه)) ( ).
علاقةُ المتشابِه بالتَّأويلِ من خلال آيةِ آل عمران:
وبعد هذا التَّلخيصِ، أذكرُ مسألةً متعلِّقةً بموضوع الآيةِ والتَّأويلِ، وهي مسألةُ ((المتشابه)) الذي نصَّت عليه الآيةُ، في قوله تعالى: ( مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) [آل عمران: 7]. وسأذكرُ الأمرَ ملخَّصًا حسب حاجةِ هذا البحثِ، فأقولُ:
• أوَّلاً- إذا كانَ التَّأويلُ بمعنى التَّفسيرِ:
إذا كانَ التَّأويلُ بمعنى التَّفسيرِ، فإنَّ المتشابِه يتعلَّقُ بأمرٍ يمكنُ أنْ يَعْلَمَهُ النَّاسُ، وهو المعنى، فإذا خفيَ على بعضِهم شيءٌ من معناه، فهو بالنِّسبةِ لهم متشابِهٌ، ويكونُ من بابِ المتشابِه النِّسبيِّ الذي يعلمُه قومٌ دون قومٍ.
وهذا ما وقع في سبب نزولِ الآيةِ مما حُكِيَ عن وفدِ نصارى نجران، من استدلالهم على كونِ عيسى ابنًا لله – تعالى الله عمَّا يقولون – بما ورد من وصفِه في القرآنِ بأنَّه كلمة الله، وروح منه، واحتجاجهم على التَّثليثِ بخطاب الله عباده بصيغة الجمع ((إنَّا))، و((نحن)) وغيرها.
ولهذا جاء غالبُ تفسيرِ السَّلفِ لمعنى المتشابه في هذه الآية أمثلةً لشيءٍ يقعُ فيه جهلُ بعض النَّاسِ، ولا يدركونَه، كالمنسوخ من الآي، أو ما احتمل أكثرَ من وجهٍ في التَّفسيرِ، أو ما كانت قصَّتُه.


(مفهوم التفسير : للشيخ مساعد الطيار)

تحياتى

Post: #673
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-02-2007, 04:56 AM
Parent: #672

نشكُر جزيل الشُكر :
الدكتورة مهيرة على هذا المبحث الضافي ،
والمُداخلة الثرية ، إذ رفعت من ثِقل الحوار
في موازين النقد بلغة مُنضددة بالأسانيد
ونهج العلماء وإن اختلفوا .

إن وجود الدكتورة بحق كسب لمعركة ترفيع الوعي
ونشر العلوم و رفع مقام الإختلاف ولغته

ننتظر المُداخلات ، ولنا رأي آخر سنورده مع الأسانيد
بما يتيسر

لكِ سيدتي الشكر الجزيل

Post: #674
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 10-02-2007, 10:26 AM
Parent: #1

تحية لك يا عزيزي عبد الله وللجميع هنا..

تابعت ما تكرمت بكتابته في هذه المداخلة عن الإمام الغزالي والتأويل :
Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
وفي المداخلة الأخيرة عن الاستاذ محمود ومسألة التأويل والتفسير..

كلمة "تفسير" جاءت في القرآن بمعنى بيان.. يقول الله تعالى: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الفرقان.. وقد جاء في تفسير الجلالين:
"وَلَا يَأْتُونَك بِمِثْلٍ" فِي إبْطَال أَمْرك "إلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ" الدَّافِع لَهُ "وَأَحْسَن تَفْسِيرًا" بَيَانًا

وأنا أعرف أن بعض الناس يقولون بأن التفسير مرادف التأويل، وهذا غير دقيق.. فمثلا في قول الله سبحانه وتعالى في قصة سيدنا يوسف:
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) [يوسف]
فإن الفتيين لم يطلبا بيانا لظاهر الرؤية وإنما أرادا تعبيرا لباطن الرؤية.. وقد جاء تأويل سيدنا يوسف هكذا:
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
فمن أين جاء سيدنا يوسف بأن معنى "عصر الخمر" هو أن "يسقي ربه خمرا" ومن أين جاء بأن معنى "الخبز الذي تأكل منه الطير في رأس الفتى الثاني" هو أنه سوف يصلب وتأكل الطير من رأسه؟؟!! بنفس الطريقة جاء تأويل سيدنا يوسف لرؤية الملك:
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
فالملك لم يطلب بيان ظاهر الرؤية لأنه واضح وإنما طلب ما ينطوي عليه الرمز في الرؤية من معنى باطن وغير ظاهر إلا لمن علَّمه الله.. ولذلك قال الملأ "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين".. وجاء تأويل سيدنا يوسف بالطريقة المعروفة والتي قصها القرآن:
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)

يتضح من هنا أن التأويل درجة متقدمة على التفسير كما قال العارفون من الصوفية.. قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه إلا أهل العلم بالله، وإذا تحدثوا به لا ينكره إلا أهل الغّرَّة بالله".. وقد قال الإمام الغزالي فيما نقلته أنت في تلك المداخلة الموضوعة وصلتها بعاليه:


Quote: ( ومن أول الطريقة تبتدئ المشاهدات والمكاشفات ( 4) حنى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ، ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد . ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه . وعلى الجملة ينتهي الأمر إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول وطائفة الإتحاد وطائفة الوصول وكل ذلك خطأ ، وقد بينا وجه الخطأ في كتاب المقصد الأسنى .
وبالجملة فمن لم يرزق منه شيئاً بالذوق ، فليس يدرك من حقيقة النبوة إلا الاسم ، وكرامات الأولياء على التحقيق هي بدايات الأنبياء ، وكان ذلك أول حال رسول الله ( صلعم ) حيث تبتل حين أقبل إلى جبل حراء حين كان يخلو فيه بربه ويتعبد ، حتى قالت العرب ( إن محمداً عشق ربه ) . وهذه حالة يتحققها بالذوق من سلك سبيلها ، فمن لم يرزق الذوق فيتيقنها بالتجربة والتسامح إن أكثر معهم الصحبة ، حتى يفهم ذلك بقرائن الأحوال يقيناً . ومن جالسهم استفاد منهم هذا الإيمان ، فهم القوم لا يشقى جليسهم . ومن لم يرزق صحبتهم فليعلم إمكان ذلك يقيناً بشواهد البرهان على ما ذكرناه في كتاب ( عجائب القلب ) من كتب ( إحياء علوم الدين )
والتحقيق بالبرهان علم ، وملابسة عين تلك الحالة ذوق ، والقبول من التسامح والتجربة بحسن الظن إيمان ، فهذه ثلاث درجات { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة 11 ، ووراء هؤلاء قوم جهال ، هم المنكرون لأصل ذلك ، المتعجبون من هذا الكلام ، يستمعون ويسخرون ويقولون العجب ! إنهم كيف يهذون ! وفيهم قال الله تعالى :
{ ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } محمد 16 فأصمهم وأعمى أبصارهم .
ومما بان لي بالضرورة من ممارسة طريقتهم ( حقيقة النبوة وخاصيتها ) ولا بد من التنبيه على أصلها لشدة مسيس الحاجة أيها .

Post: #676
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مهيرة
Date: 10-02-2007, 11:41 PM
Parent: #674

مواصلة لما انقطع من شرح معنى التأويل:

مفهوم التأويل

تدورُ كلمةُ ((أَوَلَ)) في اللُّغةِ على معنى الرُّجوعِ( ).
وهذا يعني تأويلَ الكلامِ هو الرُّجوعُ به إلى مرادِ المتكلِّمِ، وهو على قسمين:
الأولُ: بيانُ مرادِ المتكلِّمِ، وهذا هو التَّفسيرُ.
الثَّاني: الموجودُ الذي يؤول إليه الكلامُ، أي ظهورُ المُتكلِّمِ به إلى الواقعِ المحسوسِ.
فإن كانَ خبرًا، كان تأويلُه وقوعُ المُخبَرِ به، كمن يقولُ: جاء محمَّدٌ، فتأويلُ هذا الكلامِ مجيءُ محمَّدٍ بنفسِه.
وإذا كانَ طلبًا (أي: أمرًا أو نهيًا)، كان تأويلُه أن يفعلَ هذا الطلبُ.
وهذان المعنيان هما الواردان في القرآن والسنة وتفسير السلف واللغة.
ما الفرق بين معنيي التأويل؟
الفرقُ بين معنيي التَّأويل السَّابقين: أنَّ تفسيرَ الكلامِ ليس هو نفس ما يوجدُ في الخارجِ، بل هو بيانه وشرحُه وكشفُ معناه. فالتَّفسيرُ من جنسِ الكلامِ، يفسِّرُ الكلامَ بكلامٍ يوضِّحُهُ.
وأمَّا التَّأويلُ الذي هو فعلُ المأمورِ به، وتركُ المنهيِّ عنه، وكذا وقوعُ المخبرِ به، فليس هو من جنسِ الكلامِ( ).
ومثال ذلك:
1- قال الطبري (ت: 310) حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة ( جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ ) [ص: 11]، قال: ((وعده الله وهو بمكة يومئذٍ أنه سيهزم جندًا من المشركين، فجاء تأويلها يوم بدر)) ( ).
2- وقال حدثنا ابن عبدالأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أيوب، قال: لا أعلمه إلا عن عكرمة: أن عمر قال: ((لما نزلت ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ) [القمر: 45]، جعلت أقول: أيُّ جمعٍ يهزمُ. فلما كان يوم بدر، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، ويقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر)) ( ).
آثار في إطلاقِ التَّأويلِ على التَّفسيرِ:
كثُرَ في كلامِ العلماءِ إطلاقُ التَّأويلِ على التَّفسيرِ من لدن عهد الصَّحابةِ، ومن الآثارِ الواردةِ في ذلك:
• قول الرسول صلى الله عليه وسلم في ابن عباس (ت: 68): ((اللهمَّ فقِّهُ في الدِّينِ، وعلِّمْهُ التَّأويلَ))، أي: تفسيرَ القرآنِ الكريمِ.
قال الطَّبريُّ (ت: 310): ((وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: ((وعلِّمهُ التَّأويل))، فإنَّه عَنَى بالتَّأويل: ما يؤولُ إليه معنى ما أنزل الله تعالى ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم من التَّنْزيلِ، وآي الفرقان، وهو مصدر من قول القائل: أوَّلتُ هذا القول تأويلاً، وأصله من آل الأمر إلى كذا، إذا حملها على وجْهٍ جعل مَرجعها إليها تأويلاً.
ومن قولهم: أوَّل فلانٌ له كذا على كذا، قولُ أعشى بني قيس بن ثعلبة، لعلقمة بن عُلاثَة العامريِّ:
وأوِّلِ الحُكْمَ على وَجْهِهِ ليسَ قَضَائِي بِالهَوَى الجَائرِ
يعني بقوله: وأوِّلِ الحُكمَ على وجهِه: وجِّهْهُ إلى وَجْهِهِ الذي هو وجه الصَّوابِ)) ( ).
• وفي تفسير قوله تعالى: ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة: 195]، قال أبو عِمران التُّجِيبيِّ( ): ((كنا بمدينة الرُّومِ( )، فأخرجوا إلينا صفًا عظيمًا من الرُّومِ، فخرجَ إليهم من المسلمين مثلُهم أو أكثرُ، وعلى أهلِ مصرَ عقبةُ بن عامرٍ، وعلى الجماعةِ فضالةُ بن عبيدٍ، فحمل رجلٌ من المسلمينَ على صفِّ الرُّومٍ حتَّى دخلَ فيهم، فصاح النَّاس، وقالوا: سبحانَ اللهِ يُلقي بيدِه إلى التَّهلُكةِ.
فقامَ أبو أيوبَ، فقال: أيُّها النَّاس، إنَّكم تتأوَّلون هذه الآية هذا التَّأويلَ، وإنما أنزلت هذه الآيةُ فينا معشرَ الأنصارِ لما أعزَّ اللهُ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصروه، فقال بعضنا لبعضٍ سرًّا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أموالنا قد ضاعت، وإنَّ الله قد أعزَّ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها.
فأنزل اللهُ على نبيِّه صلى الله عليه وسلم يردُّ علينا ما قلنا ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة: 195]، فكانت التَّهلُكةُ الإقامةَ على الأموالِ وإصلاحِها، وترْكَنا الغَزْوَ)) ( ).
• ومنه قول الشَّافعيِّ (ت: 204) في أكثر من موطن من كتاب الأمِّ: ((وذلك _والله أعلمُ_ بيِّنٌ في التَّنْزيل، مُستغنًى به عن التَّأويل...)) ( ).
• وفي قوله: ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ) [البقرة: 130]، قال الأخفشُ (ت: 215): ((فزعم أهلُ التّأويلِ أنَّه في معنى: سفَّهَ نفسَه)) ( ).
• وقال ابن الأعرابيِّ (ت: 231): ((التَّفسيرُ والتَّأويلُ والمعنى واحدٌ)) ( ).
• وأسندَ النَّحَّاسُ (ت: 338) إلى أحمد بن حنبل (ت: 242)، قال: ((بمصر كتابُ التَّأويلِ عن معاويةَ بنِ صالحٍ، لو جاء رجلٌ إلى مصرَ، فكتبهُ، ثمَّ انصرفَ به، ما كانت رحلتُه عندي ذهبت باطلاً)) ( ).
• وعنْ شَمِرِ بن حَمْدُويَه (ت: 255) ( ) أنه قال: ((ورُوِيَ لنا عنِ ابنِ المُظَفَّرِ( )-ولم أسمعْه لغيرِهِ- ذَكَرَ أَنَّه يقال: أدركَ الشيءُ: إذا فَنِيَ( ). وإن صحَّ، فهو في التأويل( ): فَنِيَ عِلمُهم في معرفةِ الآخرةِ)) ( ).
• وأشهرُ من أطلقَه على التَّفسيرِ، محمدُ بن جريرٍ الطَّبريُّ (ت: 310) في كتابِه جامع البيانِ عن تأويلِ آي القرآنِ، وقد كان يطلق مصطلح ((أهل التَّأويل))، ويصدِّرُ تفسيرَه للآي بقوله: ((القول في تأويلِ قوله تعالى)).
• وجاء التَّأويلُ في تسمياتِ كثيرٍ من كتبِ التَّفسيرِ مرادًا به التَّفسيرَ، كتفسيرِ ابن جرير الطبريِّ (ت: 310),
ونصوص العلماء في إطلاقِ التَّأويلِ مرادًا به التَّفسيرُ كثيرةٌ جدًّا، لا تكادُ تنحصرُ، وما ذكرته، فإنه على سبيلِ المثالِ، واللهُ الموفِّقُ.
آثار في إطلاقِ التَّأويلِ على ما تؤول إليه حقيقة الشيء:
التَّأويلُ بمعنى: ما تؤولُ إليه حقيقةُ الكلامِ، هو الغالبُ على معنى لفظِ التَّأويل في موارِده في القرآنِ، وقد ورد في تأويلِ الرُّؤى ثمانُ مواضع من سورةِ يوسف( ).
ووردَ في سورةِ الكهفِ موضعانِ في قصَّةِ الخَضِرِ وموسى عليهما السَّلامُ، وهما قوله تعالى: ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) [الكهف: 78]، وقوله تعالى( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) [الكهف: 82]، والمعنى: سأنبئكُ بحقيقةِ ما رأيت من الأمورِ العجيبةِ التي لم تصبرْ عليها.
ووردَ قوله تعالى: ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) [الأعراف: 53]، وقوله تعالى: ( بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) [يونس: 39]، وهو بمعنى الحقائق التي أخبرَ بها من الثوابِ والعقابِ.
ووردَ التَّأويل في موضعينِ بمعنى العاقبةِ في قوله تعالى: ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [النساء: 59]، وقوله تعالى: ( وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [الإسراء: 35].
وأمَّا موضع سورة آل عمران، فسيأتي الحديث عنه لاحقًا.
هذا، ومما وردَ في الآثارِ من معنى التَّأويل: ما تؤول إليه حقيقةُ الكلامِ، ما يأتي:
• أوردَ البخاري (ت: 256) تحت تفسيرِ قوله تعالى: ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) [النصر: 3]، عن عائشة قالت: ((كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهمَّ ربَّنا وبحمدك، اللهمَّ اغفر لي، يتأوَّلُ القرآن)) ( ).
تعني بقولها: يتأوَّل القرآن: يعملُ ويطبِّقُ ما أُمِرَ به من التَّسبيحِ والتَّحميدِ.
• وعن سعيد بن جبير، عن ابن عمر: أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ويتأوَّل هذه الآية: ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) [البقرة: 115] ( ).
• وفي موطأ مالك (ت: 197) عن كعب الأحبار: ((أنَّ رجلاً نزعَ نعليه، فقال: لِمَ خلعتَ نعليك، لعلَّكَ تأوَّلت هذه الآية: ( إنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [طه: 12]، قال: ثمَّ قال كعبٌ للرجلِ: أتدري ما كانت نعلا موسى، قال مالك: لا أدري ما أجابه الرَّجل، قال كعبٌ: كانتا من جلدِ حمارٍ ميِّتٍ)) ( ).
• ورُوي عن الثَّوري: أنه بلغه أنَّ أمَّ ولدِ الرَّبيعِ بن خُثَيم قالت: كان إذ جاءه السَّائل، يقول لي: يا فلانة، أعطي السَّائل سُكَّرًا، فإن الرَّبيعَ يُحِبُّ السُّكَّرَ.
• قال سفيان: يتأوَّل قوله عزَّ وجل: ( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) [آل عمران: 92]( ).
• عن قتادةَ، عن أبي مارن الأردي، قال: ((انطلقتُ على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قومٌ من المسلمين جلوسٌ، فقرأ أحدهم هذه الآية: ( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ) [المائدة: 105]، فقال أكثرُهم: لم يجيء تأويلُ هذه الآيةِ اليوم)) ( ).
• وكذا فسَّر مكحولٌ (ت: 113) هذه الآية، قال: ((إنَّ تأويلَ هذه الآيةِ لم يجيء بعدُ)) ( ).
• وعن أبي العالية (ت: 93) في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [المائدة: 105]، قال: ((كانوا عند ابن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين ما يكونُ بين النَّاسِ، حتَّى قامَ كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحِبه، فقال رجلٌ من جُلساءِ عبداللهِ: ألا أقومُ فآمرُهما بالمعروفِ وأنهاهما عن المنكرِ؟.
• فقال رجلٌ آخرُ إلى جنبهِ: عليك بنفسك، فإنَّ الله يقولُ: ( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) [المائدة: 105].
قال: فَسَمِعَهُمَا ابنُ مسعودٍ، فقال: مَهْ، لمَّا يجيء تأويلُ هذه بعدُ. إنَّ القرآنَ أُنزِلَ حيثُ أنْزِلَ، ومنه آيٌ قد مضى تأويلهُنَّ قبل أن ينْزلن، ومنه آيٌ وقع تأويلُهَنَّ على عهدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومنه آيٌ وقع تأويلُهُنَّ بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بيسيرٍ، ومنه آيٌ يقع تأويلُهنَّ بعد اليوم، ومنه آيٌ يقع تأويلُهُنَّ عند السَّاعةِ على ما ذُكرَ من السَّاعةِ، ومنه آيٌ يقع تأويلُهُنَّ يوم الحسابِ على ما ذُكرَ من الحسابِ والجنَّةِ والنَّارِ.
فما دامت قلوبكم واحدةٌ، وأهواؤكم واحدةٌ، لمْ تُلبسُوا شِيَعًا، ولمْ يُذَقْ بعضُكم بأسَ بعضٍ، فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوبُ والأهواءُ، وأُلبِستم شِيَعًا، وذاقَ بعضُكم بأس بعضٍ، فامرؤٌ ونفسُه، فعند ذلك جاء تأويلُ هذه الآيةِ)) ( ).
المصطلحُ المتأخِّرُ في مفهومِ التَّأويل:
لقد كان المعنيانِ السَّابقانِ في مفهومِ التَّأويلِ هما اللَّذان سارَ عليهما متقدِّمو الأمُّةِ من الفقهاءِ والمفسِّرينَ واللُّغويِّين( )، ولم يرد عنهم غيرُ هذين المعنيين، حتى ظهر اصطلاحٌ ثالثٌ حادثٌ على اللُّغةِ ومصطلحِ القرآنِ، وقد صارَ المراد بالتَّأويلِ مشكلاً بسببِ بروز هذا المصطلحِ الحادثِ.
والتَّأويلُ بالاصطلاحِ الحادثِ: صرفُ اللَّفظِ عن ظاهرِه إلى معنى مرجوحٍ لقرينةٍ تدلُّ عليه.
وممن ورد عنه ذلك، ابن حزم (ت: 456)، قال: ((التأويل: نقل اللفظ عَمَّا اقتضاه ظاهره وعَمَّا وُضِعَ له في اللُّغة = إلى معنى آخر، فإن كان نقله قد صحَّ ببرهان، وكان ناقله واجب الطاعة = فهو حق. وإن كان نقله بخلاف ذلك، أطُّرِحَ ولم يلتفت إليه، وحُكِمَ لذلك النَّقل بأنه باطل)) ( ).
وأبو الوليد الباجي (ت: 474)، قال: ((التَّأويلُ: صرف الكلامِ عن ظاهره إلى وجه يحتملُه)) ( ).
• وقال ابن الزاغوني (ت: 527) ( ): ((نقل الكلام عن وضعه وأصله السابق إلى الفهم من ظاهره في تعاريف اللغة والشرع أو العادة = إلى ما يحتاج في فهمه والعلم بالمراد به إلى قرينة تدل عليه لعائق منع من استمراره على مقتضى لفظه، وهو مأخوذ من المآل، ومن ذلك ما وقع الخطاب فيه على سبيل المجاز، ولم يكن يراد به الأصل في الحقيقة، ومنه قوله تعالى: ( وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) [البقرة: 93]، أراد: حُبَّ العجل، لأنه لو أراد حمل الكلام على حقيقته لكان العجل يكون في بطونهم لا في قلوبهم، لأن الأعيان إنما تنتقل إلى البطن لا إلى القلب...)) ( ).
وقال ابن الجوزي (ت: 597): ((التأويل: العدولُ عن ظاهر اللفظِ إلى معنى لا يقتضيه، لدليل عليه)) ( ).
• مثال لأثر هذا المصطلح في حملِ كلام الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم عليه:
إنَّ من العجيبِ أن يُجعَلَ هذا المصطلحُ المتأخِّرُ أصلاً يُعتمدُ في تفسير القرآن وشرح السنة، ولقد حصلًَ بسببِه انحرافٌ كبيرٌ في ذلك.
ومن أمثلة ذلك ما وقع من شرح حديثِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عمِّه عبدِاللهِ بن العبَّاسِ: ((اللهمَّ فقِّهُ في الدِّينِ، وعلِّمْهُ التَّأويلَ)).
قال ابن الجوزي (ت: 597): ((قوله: وعَلِّمْهُ التَّأويلَ: فيه قولان:
أحدهما: أنه التفسير.
والثاني: أن التَّأويل: نقل الظَّاهر عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، فهو من آل الشيء إلى كذا أي صار إليه)) ( ).
وقال ابن الأثير (ت: 606): ((وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)): هو من آل الشيء يؤول إلى كذا، أي: رجع وصار إليه.
• والمراد بالتأويل: نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك يتأول القرآن)): تعني أنه مأخوذ من قوله تعالى: (( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ) [النصر: 3]( ).
ومنه حديث الزهري، قال: ((قلت لعروة: ما بال عائشة تُتِمُّ في السَّفر – يعني: الصلاة – قال: تأوَّلت كما تأوَّل عثمان، أراد بتأويل عثمان: ما روي عنه أنه أتَمَّ الصَّلاة بمكة في الحج، وذلك أنه نوى الإقامة بها)) ( ).
فكيف يُحمل كلامُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على مصطلحٍ حدث بعده بمدة طويلة؟!.
إنَّ مما تقع فيه الغفلةُ أنْ تُحكَّمَ مصطلحات متأخرةٌ في الظهورِ على ألفاظِ الشرعِ، أو كلام السابقين، فيقع بذلك التحريف أو التخطئةُ للعلماء، وهذا مبحث مهم من مباحث العلم تحتاج إلى تجليةٍ ليس هذا محلُّها، ولعل في هذا المثال غُنْيَةً وبيانًا عن هذه الفكرةِ، والله الموفق.
سبب ظهور هذا المصطلح الحادث:
كان سببُ ظهورِه –فيما يبدو- نشوءَ القولِ بالمجازِ الذي يقابلُه مصطلحُ الحقيقةِ عند من اعتمدَه.
فحقيقةُ اللَّفظِ: ما وُضِعَ له أصلاً، فالحمارُ: اسمٌ للدَّابَّةِ المعروفةِ، إذ لا ينصرفُ الذِّهنُ إلى غيرِه عند إطلاقِ هذا اللَّفظِ.
ومجازُ اللَّفظِ: ما أُريدَ به غير المعنى الموضوعِ له في أصلِ اللُّغةِ، كإطلاقِ الحمارِ على الرَّجلِ البليدِ.
والتَّأويلُ بالاصطلاحِ الحادثِ: صرفُ اللَّفظِ عن ظاهرِه إلى معنى مرجوحٍ لقرينةٍ تدلُّ عليه.
ومن ثَمَّ، فإنَّ كلَّ استعمالٍ للمجازِ تأويلٌ، لأنه يتركُ ما يدلُّ عليه ظاهرُ اللَّفظ إلى ما يسمِّيهِ مجازًا.
• قال ابن حزم (ت: 456): ((...فقد بان بما ذكرنا: أنَّ نقل الأمر عن الوجوب، والفَور إلى النَّدب والتراخي = هو باب واحد مع نقل اللفظ عما يقتضيه ظاهره إلى معنى آخر، وهذا الباب يسمى في الكلام وفي الشعر الاستعارة والمجاز، ومنه قوله تعالى: (( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) [الدخان: 49]، ومثل هذا كثير)) ( ).
والمجازُ هو آلةُ المُؤوِّلِ التي يستخدِمها لصرفِ اللَّفظِ عن ظاهرِه إلى باطنٍ لا يدلُّ عليه اللَّفظُ في سياقِه.
وهنا تعلمُ أنَّ مصطلحَ التَّأويلِ الحادِثِ ومصطلحَ المجازِ لا يكادانِ ينفكَّانِ.
هل هناك فرق بين التفسير والتأويل؟
كان من آثار هذا المصطلح الحادث أن طلب بعض العلماءِ فروقًا بين التفسير والتأويل، وليس المقصود هنا استقصاء هذه الفروق التي ذكروها، ولكن سأذكر بعضها ليتبين مدى تأثير المصطلح الحادث على الفرق بين هذين المصطلحين.
قال الشريف الجرجاني (ت: 816) ( ) في شرح مقدمة الكشاف: ((التفسير: علم يُبحث فيه عن أحوالِ كلامِ اللهِ المجيدِ من حيثُ دلالتُه على مراده، وينقسم:
إلى تفسير، وهو ما لا يدرك إلاَّ بالنقل، كأسباب النُّزول والقصص، فهو ما يتعلق بالرواية.
وإلى تأويل، وهو ما يمكن إدراكه بالقواعد العربية، وهو ما يتعلق بالدراية.
فالقول في الأول بلا نقل خطأٌ، وكذا القول في الثاني بمجرد التشهي، وإنْ أصابَ فيهما.
وأما استنباطُ المعاني على قوانين اللغةِ، فمِمَّا يُعَدُّ فَضْلاً وكمالاً)) ( ).
قال صديق حسن خان (ت: 1307): ((واختلف في التفسير والتأويل فقال أبو عبيد وطائفة: هما بمعنى وقد أنكر ذلك قوم( ).
وقال الراغب: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية.
وقال غيره: التفسير: بيان لفظ لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والتأويل: توجيهُ لفظ متوجهٍ إلى معانن مختلفة إلى واحد منهما بما ظهر من الأدلة.
وقال الماتريدي: التفسير: القطعُ على أن المرادَ من اللفظ هذا، والشهادةُ على الله سبحانه وتعالى أنه عنَى باللَّفظِ هذا، والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة.
وقال أبو طالب الثعلبي: التفسير: بيانُ وضعِ اللفظِ إمَّا حقيقةً أو مجازًا، والتأويلُ: تفسيرُ باطنِ اللَّفظِ، مأخوذ من الأَولِ، وهو الرجوعُ لعاقبةِ الأمرِ، فالتأويلُ: إخبارٌ عن حقيقةِ المرادِ، والتفسيرُ إخبارٌ عن دليلِ المرادِ، مثاله: قوله سبحانه وتعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) [الفجر: 14]، وتفسيره: أنه من الرَّصْدِ، مفعالٌ منه، وتأويله: التحذير من التهاون بأمر الله سبحانه وتعالى.
وقال الأصبهاني: التفسير: كشفُ معاني القرآنِ، وبيانُ المرادِ أعمُّ من أن يكونَ بحسبِ اللفظِ أو بحسبِ المعنى، والتأويل أكثره باعتبار المعنى، والتفسير: إما أن يُستعملَ في غريب الألفاظ أو في وجيزٍ يتبيَّنُ بشرحِه، وإمَّا في كلامٍ متضمِّنٍ لقصةٍ لا يمكنُ تصويرُه إلا بمعرفتها، وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عامًا، ومرة خاصًا، نحْو: الكفرِ المستعملِ تارةً في الجحودِ المطلق، وتارة في جحودِ الباري خاصةً، وإما في لفظ مشتركٍ بين معانٍ مختلفةٍ.
وقيل: يتعلق التفسير بالرواية، والتأويل بالدراية.
وقال أبو نصر القشيري: التفسير: مقصور على السماع والاتباع. والاستنباط فيما يتعلق بالتأويل.
وقال قوم: ما وقع مبيَّنًا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يسمى تفسيرًا، وليس لأحد أن يتعرض إليه باجتهاد، بل يُحمل على المعنى الذي ورد، فلا يَتعدَّاه. والتأويل: ما استنبطه العلماءُ العالمون بمعنى الخطابِ، الماهرون في آلات العلوم.
وقال قوم – منهم البغوي والكواشي -: هو صرف الآيةِ إلى معنى موافقٍ لما قبلها وبعدها، تحتملُه الآية، غيرِ مخالف للكتابِ والسنةِ، من طريقِ الاستنباطِ. انتهى.
ولعله هو الصواب. هذا خلاصة ما ذكره أبو الخير في مقدمة علم التفسير)) ( ).
وقال الآلوسي (ت: 1270): ((وعندي أنه إن كان المراد الفرق بينهما بحسب العرف، فكل الأقوال فيه ما سمعتها وما لم تسمعها مخالفة للعرف اليوم، إذ قد تعارف من غير نكير( ) أن التأويل: إشارةٌ قدسيةٌ، ومعارفُ سبحانيةٌ تنكشف من سُجُفِ العباراتِ للسالكين، وتنهلُّ من سُحُبِ الغيبِ على قلوب العارفين، والتفسيرُ غيرُ ذلك( ).
وإن كان المراد الفرق بينهما: يحسب ما يدل عليه اللفظ مطابقة، فلا أظنك في مرية من رد هذه الأقوال.
أو بوجه ما، فلا أراك ترضى إلا أن في كل كشف إرجاعًا، وفي كل إرجاع كشفًا فافهم)) ( ).
وهذه النقول تدلُّ على وجود إشكال عند هؤلاء العلماء في الفرق بين التفسير والتأويل، والذي يظهر عليها كلها أنه تخصيصاتٌ لا دليل عليها، وتفريقات لا يستقيم لها وجه، فكلُّ واحدٍ منهم يرى ما لا يراه الآخر، وتراهم لم يثبتوا على قولٍ سوى وجود الفرق، ثمَّ اختلفوا في بيانه.
وتحقيق الأمر في ذلك كما يأتي:
بعد أن تبيَّنَ أنَّ التفسيرَ يتعلَّقُ ببيانِ المعنى، وأنَّ التَّأويلَ له مفهومانِ صحيحانِ: أحدُهما يوافقُ معنى التَّفسيرِ، والآخر يرادُ به ما تؤول [أي: ترجع] إليه حقيقةُ الشيء، أي: كيف تكونُ، فإنَّ ملاك القولِ في ذلكَ أن يُقالَ:
إنَّ لهذه الفروق احتمالين:
الاحتمال الأول: أن ترجع الفروق إلى أحد هذه المعاني الصحيحة المذكورة في مصطلحِ التَّأويلِ.
فإن رجعتْ إلى أحدِ هذه المعاني المذكورةِ، فإنها تُقبَلُ، ولكن لا تكونُ هي حدُّ الفرقِ، بل هي جزءٌ من الفَرْقِ لا غير، وهذا يعني أنه قد يكونُ غيرُها صحيحًا، لأنها تذكرُ فرقًا آخرَ صحيحًا، وهو مندرجٌ في المعاني المذكورة في المرادِ بالتَّفسيرِ والتَّأويل.
ولأضرب لك مثالاً بأحد ما ذُكر من الفروقِ، قال أبو منصور الماتريدي (ت: 330): ((التفسير: القطعُ على أن المرادَ من اللفظ هذا، والشهادةُ على الله سبحانه وتعالى أنه عنَى باللَّفظِ هذا، والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة)).
إذا فسَّرتَ قوله تعالى: ( وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) [البروج: 2] بأنه يوم القيامة، لإجماع المفسرين على ذلك، وقطعت بهذا المعنى، أليس هذا تفسيرًا، أليس هذا تأويلاً بمعنى التفسيرِ.
فإذا قلتَ: معنى قوله: ( وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) [البروج: 2]، أي اليوم الذي وعد الله عباده بأن يبعثهم فيه، وهو يوم القيامة.
أو قلت: تفسير قوله تعالى...
أو قلت: تأويل قوله تعالى...
فالتعبير عن بيان كلام الله بهذه العبارات – كما ترى – مؤدَّاهُ واحدٌ – ويُفهم منه معنى واحدٌ.
وإذا جئت إلى قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ) [التكوير: 15]، ورأيت أنَّ للمفسرين أقوالاً:
الأول: أنَّ المراد بالخنس: النجوم والكواكب.
والثاني: أنَّ المراد بها بقر الوحش والظباء.
فهذه محتملاتٌ في التفسير، واخترت أنَّ المراد بالخنسِ النجومُ والكواكبُ، وعللَّت لذلك الاختيار بأمرين:
1- موافقة السياق، حيث ذُكرَ في لحاقِها آيات كونية، والنجوم والكواكب آيات كونية، فالنجوم والكواكب أنسبُ لهذا المعنى اللحاقي من أن تكون بقر الوحش والظباءِ.
2- وأنَّها أظهر وأشهر للخلق من بقر الوحش والظباء، فلا أحد يخفى عليه معرفة النجومِ، وإن خفي عليه معنى الخنوس والجريان والكنوس فيها، أمَّا بقر الوحش والظباء فإنَّ بعض الناس قد لا يعرفُها وكثير منهم لا يعرف أمر خنوسها وجريانها وكنوسها.
فإذا اخترت هذا المحتمل فأنت مؤوِّلٌ عند الماتريدي (ت: 330).
لكن هل تسمية هذا الأسلوب – وهو ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة – تأويلاً = صحيحٌ؟.
ألست قد فسَّرتَ وبيَّنتَ المعنى المراد، فأنت – إذًا – باختيارك هذا المعنى دون غيره لو قلت: تأويل هذه الآية كذا، أو تفسير هذه الآية كذا، لكان الأمر واحدًا ولا فرق.
وبهذا يظهر أنك سواءً قطعت أو لم تقطع، فأنت مؤوِّلٌ، أي: مفسرٌ، ولا معنى لتخصيص التأويل بأنه ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، والله أعلم.
الاحتمال الثاني: أن لا يرجع شيءٌ من هذه الفروق إلى هذه المعاني الصحيحةِ، ومن ثمَّ، فإنَّه قولٌ غيرُ مقبولٍ، لأنَّه مخالفٌ لمصطلح القرآنِ، ومصطلح السَّلفِ واللُّغةِ. ولأنه لا دليلَ عليه من نقل ولا عقل.
وبهذا يكونُ ما وردَ في بيانِ مصطلحِ التَّفسيرِ والتَّأويلِ الواردِ عن السَّلفِ وأهلِ اللُّغةِ أصلاً يقاسُ عليه ما يذكرُه المتأخِّرُون من فروقٍ.

مسألة: هل في مصطلح التأويل الحادث حظٌّ من الصِّحة في تطبيقه على بعض الأمثلة؟
إنَّه إذا عُلِمَ أنَّ المتكلِّمَ أراد المعنى الذي يقال: إنَّه خلافُ الظَّاهرِ، فإنَّه إمَّا أن يكونَ من بيانِ كلامِ المتكلِّمِ، فيكونُ من باب التَّفسيرِ، وإمَّا أن يكونَ هو الحقيقةُ التي يؤولُ إليها الكلامُ، فإذا كان ذلك كذلك كان تأويلاً صحيحًا مندرجًا تحت هذين النَّوعينِ، وإن سُمِّيَ بهذا الإسمِ، لأنَّ العبرةَ بصحَّةِ المعنى المذكورِ.
وإذا ظهرَ أنَّ المفسِّرَ أخرجَ الكلامَ عن مرادِ اللهِ ورسوله صلى الله عليه وسلم، كان ذلك تحريفًا، وإن سُمِّيَ تأويلاً، لأنَّ النَّظرَ هنا إلى خطأ المعنى المذكورِ، فيكونُ من التَّفسيرِ الباطلِ.
قال شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة (ت: 728) : ((وأمَّا التَّأويلُ، بمعنى: صرف اللَّفظِ عن مفهومِه إلى غير مفهومِه، فهذا لم يكن هو المرادُ بلفظِ التَّأويلِ في كلامِ السَّلفِ، اللَّهمَّ إلا أنه إذا عُلِمَ أنَّ المتكلِّمَ أرادَ المعنى الذي يقال أنَّه خلافُ الظَّاهرِ، جعلوه من التَّأويلِ الذي هو التَّفسيرُ، لكونه تفسيرًا للكلامِ وبيانًا لمرادِ المتكلِّمِ به، أو جعلوه من النَّوعِ الآخرِ الذي هو الحقيقةُ الثَّابتةُ في نفسِ الأمرِ التي استأثرَ اللهُ بِعِلْمِهَا، لكونِه مندرجًا في ذلك، لا لكونِه مخالفًا للظَّاهرِ.
وكان السَّلفُ ينكرونَ التَّأويلاتِ التي تُخْرِجُ الكلامَ عن مرادِ الله ورسولِه التي هي نوعِ تحريفِ الكلمِ عن مواضعِه، فكانوا ينكرونَ التَّأويلَ الباطل الذي هو التَّفسيرُ الباطلُ، كما نُنْكِرُ قولَ من فسَّرَ كلامَ المتكلِّمِ بخلافِ مرادِهِ( ).

ولأضرب لك مثالاً يتضح به هذا المقال:

في المراد بالشاهد في قوله تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الأحقاف: 10]، قولان عن السلف:
الأول: أنَّ الشاهد عبدالله بن سلام، وهو الوارد عن سعد بن أبي وقاص (ت: 55) وعبدالله بن سلام (ت: 43)، وابن عباس (ت: 68)، ويوسف بن عبدالله بن سلام، ومجاهد (ت: 104)، والضحاك (ت: 105)، وقتادة (ت: 117)، وابن زيد (ت: 182).
الثاني: أنَّ الشاهد موسى عليه السلام، وهذا قول مسروق بن الأجدع (نحو: 63) والشَّعبي (ت: 103)، واحتجَّا بأنَّ السورة مكيَّة، وشأن عبدالله بن سلام (ت: 43) كان بالمدينة، وإنما هي مُحَاجَّةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه.
وإذا تأمَّلت هذا الخلاف وجدتَ أنَّ قول مسروقٍ (ت: نحو: 63) والشعبي (ت: 103) أنسب للسياق، وهو الأولى لأنه يجعل الآية مكيةً في سورة مكيةٍ، ولا يُخرَجُ عن هذا إلا بدليل، وهذا يجعلك تميل إلى هذا القول. لكن يصرفك عنه أنَّ قول الجمهورِ على خلافِه، وفيهم ثلاثة من الصحابة، وهو أعلم بتأويل معاني القرآن، وفيمَ نزل، فتختار هذا القولَ لهذه العلَّةِ، وهذا ما فعله ابن جرير الطبري (ت: 310) عند هذا الاختلاف، فقال:
((والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنْزيل، لأن قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) في سياق توبيخ الله – تعالى ذكره – مشركي قريش، واحتجاجًا عليهم لنبيِّه، وهذه الآية نظيرةُ سائر الآيات قبلها، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر، فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلَّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى.
غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله بأن ذلك عنى به عبدالله بن سلام، وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أريد به.
فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: وشهد عبدالله بن سلام، وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله، يعني: على مثل القرآن وهو التوراة، وذلك شهادته أن محمدًا مكتوب في التوراة أنه نبي تجده اليهود مكتوبًا عندهم في التوراة كما هو مكتوب في القرآن أنه نبي)) ( ).
فإذا رجَّحت هذا وسمَّيته تأويلاً، لأنَّك صرفت المعنى عن ظاهر السياق لأجل قرينة أخرى، فإنَّك لم تخرج به عن المعنى الصحيح للآيةِ، وتسمية ذلك تأويلاً لا تُخرجُ هذا المثال عن أن يكون تفسيرًا.
مثال آخر:
في تفسير قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [القيامة: 22- 23]، ورد تفسير المعتزلة الذين ينكرون رؤية الباري على خلاف المعنى الظاهر المتبادر الذي فيه إثبات النظر إلى وجه الباري تعالى، ومن ذلك تفسير الأخفش المعتزلي (ت: 215) قال: ((يعني – والله أعلم – بالنظرِ إلى اللهِ: إلى ما يأتيهم منْ نِعَمِهِ ورزقِهِ، وقد تقولُ: واللهِ ما أنظرُ إلا إلى اللهِ وإليك، أي: أنتظرُ ما عندَ اللهِ، وما عندك)) ( ).
وقال: ((وقولُه: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [القيامة: 22- 23]، يقول: تَنْظُرُ في رزقِها وما يأتيها من اللهِ، كما يقولُ الرجلُ: ما أنظرُ إلا إليك.
ولو كان نَظَرَ البصرِ كما يقول بعضُ النَّاسِ، كانَ في الآية التي بعدها بيانُ ذلكَ، ألا ترى أنَّه قال: ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ )[القيامة: 24- 25]، ولم يقلْ: ووجوهٌ لا تنظرُ ولا تَرَى.
وقولُه ( تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) [القيامة: 25] يدلُّ الظَّنُّ ها هنا على أنَّ النظرَ ثَمَّ: الثقةُ باللهِ وحُسْنُ اليقينِ، ولا يدلُّ على ما قالوا. وكيفَ يكونُ ذلك، والله يقولُ: ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) [الأنعام: 103])) ( ).
وهذا المثال من التأويل المذموم الذي هو باسم الانحراف أولى، فتراه صرف اللفظ عن معناه الظاهر، إلى معنى آخر، لأجل أنه يعتقد أنَّ الله لا يُرى يوم القيامةِ، وهذا الاعتقاد باطلٌ، لذا فإنَّ التأويل الذي ذكره الأخفش (ت: 215) سيكون باطلاً، وهذا التأويل المنحرف مما لا يوافق عليه، لأنَّ فيه سلبًا لمعاني القرآن، وإخراجًا لها عن ظاهرها بلا حجَّةٍ.
وقد ردَّ الأزهريُّ (ت: 370) ما فسَّرَ به الأخفشُ (ت: 215)، فقال: ((ومنْ قالَ: إنَّ معنى قولِه: ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [القيامة: 23]، بمعنى: مُنْتَظِرَة، فقد أخطأ، لأنَّ العربَ لا تقولُ: نَظَرْتُ إلى الشيءِ، بمعنى: انْتَظَرْتُهُ، إنما تقولُ: نَظَرْتُ فلانًا، أي: انْتَظَرْتُهُ، ومنه قولُ الحطيئةِ( ):
وَقَدْ نَظَرْتُكُمْ أَبْنَاءَ صَادِرَةٍ لِلْوِرْدِ طَالَ بِهَا حَوزِي وَتَنْسَاسِي
فإذا قلتَ: نَظَرتُ إليه، لمْ يكنْ إلاَّ بالعينِ. وإذا قلتَ: نَظَرْتُ في الأمرِ، احتملَ أنْ يكونَ تَفَكُّرًا وَتَدَبُّرًا بالقلبِ)) ( ).
هل للتأويل بالمصطلح الحادث حدٌّ يقف عنده؟
التَّأويل بالمصطلح الحادث لا حدَّ له، لأنَّ معتمدَه العقلُ، والعقولُ تختلفُ في مذاهبِها، وطريقتِها في فهم نصوصِ الشَّرعِ، فما لم يكن سائغًا تأويلُه عند قومٍ، هو عند غيرِهم صالحُ لأن يؤوَّلَ، لأنه جارٍ على القواعدِ العقليةِ التي سارَ عليها ذلك المؤوِّلُ الذي رفضَ التَّأويلَ في هذا الموضعِ، ولا تكادُ تجدُ ضابطًا يبيِّنُ سببَ الرَّفضِ، سوى احتمالاتٍ لا تقومُ على علمٍ، ومن أمثلةِ ذلك:
تحدَّث ابن عطيَّةَ (ت: 542) عن الميزان في قوله تعالى: ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الأعراف: 8]، وذكر مذهبين في المرادِ بالميزانِ:
الأوَّلُ أنه مجازٌ استعيرَ به اللَّفظُ للعدلِ.
والثاني: أنه ميزانٌ حقيقيُّ له كفتانِ، كما هو معروفٌ من موازين الناسِ، وأنه توزنُ به الأعمالُ.
ثمَّ رجَّحَ القول الثاني، فقال: ((وهذا القولُ أصحُّ من الأوَّلِ من ثلاثِ جهاتٍ:
أوَّلُها: أنَّ ظواهرَ كتاب الله عز وجل تقتضيه، وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام ينطق به، ومن ذلك قوله لبعضِ الصَّحابةِ – وقد قال له: يا رسول الله، أين أجدك في يومِ القيامةِ؟ - فقال: اطلبني عند الحوضِ، فإن لم تجدني، فعند الميزانِ.
ولو لم يكن الميزانُ مرئيًّا محسوسًا لما أحاله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الطلبِ عنده.
وجهةٌ أخرى: أنَّ النَّظَرَ في الميزانِ والوزنِ والثِّقَلِ والخِفَّةِ المقترناتِ بالحسابِ لا يفسدُ شيءٌ منه، ولا تختلُّ صِحَّتُهُ. وإذا كانَ الأمرُ كذلك، فَلِمَ نخرجُ من حقيقةِ الأمرِ إلى مجازِه دون علَّةٍ؟.
وجهةٌ ثالثةٌ: وهي أنَّ القولَ في الميزانِ هو من عقائدِ الشَّرعِ الذي لم يُعرفْ إلاَّ سَمْعًا، وإن فتحنا فيه باب المجازِ غَمَرَتْنَا أقوالُ الملحدة والزَّنادقةِ في أنَّ الميزانَ والسِّراطَ والجنَّة والنَّار والحشر ونحو ذلك إنما هي ألفاظٌ يرادُ بها غيرُ الظَّاهرِ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فينبغي أن يُجرى في هذه الألفاظِ إلى حملها على حقائقها...)) ( ).
وهذا الذي حَذِرَ منه ابن عطيَّةَ (ت: 542) قد وقعَ، وقد اعتمدَ بعضُ الفلاسفةِ الذينَ عاشوا في ظلِّ الإسلامِ على مبدئه في التَّأويلِ، وليسَ له أن يقولَ: هذه الأمورُ إنما تُعلمُ من جهةِ السَّمعِ فقط، لأنَّ من يؤوِّلُ نصوص المعادِ يمكنُ أن يقولَ: للعقلِ فيها مدخلٌ. وبهذا تضطربُ الأمورُ ولا يسلمُ في الشَّريعةِ بابٌ، لأنَّه يمكنُ أن يُحملَ على المجازِ العقليِّ.

(مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر:د.مساعد بن سليمان الطيار)

تحياتى

Post: #675
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-02-2007, 11:27 PM
Parent: #1

الفاضلة الدكتورة مهيرة
تحية واحتراماً ،

بالرجوع لما تفضلت به من مُداخلة ثرية ،
نُرفد الحوار بشيء عن الصوفية والتصوف من الأثر ،
وهو يختلف عن التصور السالب الذي وجدناه من مُداخلتكِ الذي
قرأنا وسنذكر ذلك في موضعه .

هذه هي القطوف عن أبي حامد الغزالي :


Quote: أبو حامد محمد الغزالي : ( طريق الصوفية )

من مجموعة رسائله من : المنقذ من الضلال : الأحاديث القدسية : قانون التأويل .
نقطف النص :

طرق الصوفية
ثم أني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية وعلمت أن طريقهم إنما تتم بعلم وعمل ، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس ، التـنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة ، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله .
وكان العلم أيسر عليّ من العمل ، فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي رحمه الله ، وكتب الحارث المحاسبي ، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي وأبي يزيد البسطامي قدس الله أرواحهم ، وغير ذلك من كلام مشايخهم ، حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية ، وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقها بالتعلم والسماع فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق (1) والحال (2) وتبدل الصفات , وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما ، وبين أن يكون صحيحاً وشبعاناً ، وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر ، وبين أن يكون سكراناً . بل السكر لا يعرف حد السكر ، وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء ، والصاحي يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شيء . والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وأسبابها ، وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا .
فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال ،ة وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ، ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك . وكان قد حصل معي من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى وبالنبوة وباليوم الآخر . فهذه الأصول الثلاثة من الإيمان كانت رسخت في نفسي لا بدليل معين مُحرر بل بأسباب وقرائن وتجاريب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها .)

ونقطف الآتي :

( دخلت الشام وأقمت قريباً من سنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة والرياضة والمجاهدة ، اشتغالاً بتزكية النفس و تهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى ، كما كنت حصلته من علم الصوفية . وكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق أصعد منارة المسجد طول النهار وأغلق بابها على نفسي .
ثم رحلت إلى بيت المقدس ، أدخل كل يوم الصخرة وأغلق بابها على نفسي . ثم تحركت فيّ داعية فريضة الحج والاستمداد من بركاته مكة والمدينة ، وزيارة رسول الله تعالى عليه السلام بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله عليه ، فسرت إلى الحجاز .
ثم جذبتني الهمم ودعوات الأطفال إلى الوطن ، فعاوته بعد أن كنت أبعد الخلق عن الرجوع إليه ، فآثرت العزلة به أيضاً حرصاً على الخلوة وتصفية القلب للذكر .
كانت حوادث الزمان و مهمات العيال وضرورات المعاش تغير فيّ وجه المراد ، وتشوش صفوة الخلوة . وكان لا يصفو لي الحال إلا في أوقات متفرقة ، لكني مع ذلك لا أقطع طمعي منها ، فتدفعني عنها العوائق وأعود إليها . فدمت على ذلك مقدرا عشر سنين ، وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يكمن إحصاؤها واستقصاؤها . والقدر الذي أذكره لينتفع به : أني علمت يقيناً أن الصوفية هم السابقون لطريق الله تعالى خاصة ، وأن سيرتهم أحسن السير ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق ، بل لو جمع عقل العقلاء ، و حكمة الحكماء ، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه ، لم يجدوا إليه سبيلاً ، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم ، في ظاهرهم وباطنهم ، مقتبسة من نور مشكاة النبوة ، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به .
بالجملة فماذا يقول القائلون في طريق طهارتها ـ هي أول شروطها ـ تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى ، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله (3)
( ومن أول الطريقة تبتدئ المشاهدات والمكاشفات ( 4) حنى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ، ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد . ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه . وعلى الجملة ينتهي الأمر إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول وطائفة الإتحاد وطائفة الوصول وكل ذلك خطأ ، وقد بينا وجه الخطأ في كتاب المقصد الأسنى .
وبالجملة فمن لم يرزق منه شيئاً بالذوق ، فليس يدرك من حقيقة النبوة إلا الاسم ، وكرامات الأولياء على التحقيق هي بدايات الأنبياء ، وكان ذلك أول حال رسول الله ( صلعم ) حيث تبتل حين أقبل إلى جبل حراء حين كان يخلو فيه بربه ويتعبد ، حتى قالت العرب ( إن محمداً عشق ربه ) . وهذه حالة يتحققها بالذوق من سلك سبيلها ، فمن لم يرزق الذوق فيتيقنها بالتجربة والتسامح إن أكثر معهم الصحبة ، حتى يفهم ذلك بقرائن الأحوال يقيناً . ومن جالسهم استفاد منهم هذا الإيمان ، فهم القوم لا يشقى جليسهم . ومن لم يرزق صحبتهم فليعلم إمكان ذلك يقيناً بشواهد البرهان على ما ذكرناه في كتاب ( عجائب القلب ) من كتب ( إحياء علوم الدين )
والتحقيق بالبرهان علم ، وملابسة عين تلك الحالة ذوق ، والقبول من التسامح والتجربة بحسن الظن إيمان ، فهذه ثلاث درجات { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة 11 ، ووراء هؤلاء قوم جهال ، هم المنكرون لأصل ذلك ، المتعجبون من هذا الكلام ، يستمعون ويسخرون ويقولون العجب ! إنهم كيف يهذون ! وفيهم قال الله تعالى :
{ ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } محمد 16 فأصمهم وأعمى أبصارهم .
ومما بان لي بالضرورة من ممارسة طريقتهم ( حقيقة النبوة وخاصيتها ) ولا بد من التنبيه على أصلها لشدة مسيس الحاجة أيها .

انتهى النص المقتطف من مقالات أبو حامد الغزالي .

المرجع :
مجموعة رسائل الإمام الغزالي
للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي
ـ وضع الحواشي والتقديم ( أحمد شمس الدين )
• المنقذ من الضلال
• الأحاديث القدسية
• قانون التأويل
ص (56 ـ 65 )

الحواشي والشروح بقلم ( أحمد شمس الدين ) :
والأرقام لها المرجعية في صلب النص أعلاه :

1ـ عرف الجرجاني في كتاب التعريفات . الذوق في معرفة الله بأنه عبارة عن نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه يفرقون أوليائه يفرقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب أو غيره .
2ـ الحال عند أهل الحق معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو قبض أو بسط أو هيئة ، ويزول بظهور صفات النفس سواء يعقبه المثل أو لا ، وإذا دام وصار ملكاً يسمى مقاماً . فالأحوال مواهب ، والمقامات مكاسب ، والأحوال تأتي من عين الجود ، والمقامات تحصل ببذل المجهود .
3ـ كما أول شرط لصحة الصلاة هو طهارة الجسد وموضع السجود ، كذلك أول شرط لصحة سلوك طريق التصوف هو طهارة القلب بالكلية عما سوى الله تعالى . وكما أن مفتاح الصلاة هو تكبيرة الإحرام التي يستغرق بعدها المصلي بصلاته ، فيمتنع عن كل ما يلهبه عن ذكر الله ، فكذلك مفتاح الطريقة هو استغراق القلب بالكلية بذكر الله .
4ـ المشاهدة : تطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ، وتطلق بإزائه على رؤية الحق في الأشياء ، وذلك هو الوجه الذي له تعالى بحسب ظاهريته في كل شيء . والمكاشفة : هي حضور لا ينعت بالبيان . ( كتاب التعريفات للجرجاني ) وقد قال الكلاباذي ( التعرف لمذهب أهل التصوف ص 121 ) قال سهل : التجلي على ثلاثة أحوال : تجلى ذات وهي المكاشفة ، وتجلي صفات ألذات وهي موضع النور ، وتجلي حكم ألذات وهي الآخرة وما فيها . ومعنى قوله : تجلي ذات ، هي المكاشفة ، كشوف القلب في الدنيا ، كقول عبد الله بن عمر : كنا نتراءى الله في ذلك المكان .



ونواصل


ونقطف أيضاً :

Quote: العقل والنقل عند أبي حامد الغزالي والتقليد و الأصالة عند الأستاذ (2)


ورد في سفر أبو حامد الغزالي : ( كتاب الأربعين في أصول الدين ) عن الصلاة الآتي ورد في صفحة 18 ـ إلى 21 :
من القسم الثاني نقطف الآتي :
الأصل الأول في الصلاة :
قال الله تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) وقال النبي عليه السلام ( الصلاة عماد الدين ) واعلم أنك في صلاتك مناجٍ ربك ، فانظر كيف تصلي ، وحافظ فيها على ثلاثة أمور لتكون من المحافظين على الصلاة والمقيمين لها :
المحافظة الأولى :

ويقول الغزالي بالأمر بالإقامة . الأول المحافظة على الطهارة بأن يسبغ الوضوء قبل الصلاة وذلك بالأتيان بسننها وأذكارها المروية والمصقود من طهارة الثوب وهو القشر الخارج ، ثم طهارة البدن وهو القشر القريب ثم طهارة وهو اللب الباطن فإنك إذا أسبغت الوضوء ، واستشعرت نظافة ظاهرك ، صادفت في قلبك انشراحاً وصفاء كنت لا تصادفه من قبل وذلك لسر العلاقة التي بين عالم الشهادة وعالم الملكوت ، فإن ظاهر البدن من عالم الشهادة ، والقلب من عالم الملكوت بأصل فطرته ، وإنما هبوطه إلى عالم الشهادة كالغريب عن جبلته ( أي خلقته .. كما تنحدر من معارف القلب آثار من الجوارح ، فكذلك يرتفع من أحوال الجوارح إلى أنوار القلب ، لذلك أمروا بالصلاة مع أنها حركات الجوارح التي هي من عالم الشهادة ، ولذلك جعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام في الدنيا ومن الدنيا ، وقال :
عن أنس بن مالك عن رسول الله صلعم قال : ( حبب إلأيّ من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة ) رواه الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 128 ، 199 ، 285 ، والنسائي في كتاب عشرة النساء باب 1 .
والحديث لا يستبعد أن يفيض من طهارة الظاهر أثر على الباطن .

المحافظة الثانية :

أن تحافظ على سنن الصلاة وأعمالها الظاهرة وأذكارها وتسبيحاتها ، فإن لكل واحدة سراً يؤثر على القلب بل أشد من الطهارة وأبلغ .واعلم أن أصل الصلاة التعظيم والاحترام ، وإهمال آداب الصلاة يناقض التعظيم والاحترام .

المحافظة الثالثة :

أن تحافظ على روح الصلاة وهي الإخلاص وحضور القلب في جملة الصلاة ، واتصاف القلب في الحال بمعانيها ، فلا تسجد أو تركع إلا وقلبك خاشع متواضع على موافقة ظاهرك ، فإن المراد خضوع القلب لا خضوع البدن ، لا تقل ( الله أكبر ) وفي قلبك شيء أكبر من الله تعالى ، ولا تقل ( وجهت وجهي ) إلا وقلبك متوجه بكل وجهه إلى الله ومعرض عن غيره ، ولا تقل( الحمد الله ) إلا وقلبك طافح بشكر نعمه عليك فرح به مُستبشر ، ولا تقل ( وإياك نستعين ) إلا وأنت مستشعر ضعفك وعجزك ، وكذلك جميع الأذكار وهو أمر مشروح في كتاب إحياء علوم الدين .
فجاهد نفسك أن ترد قلبك إلى الصلاة فإنه لا يُكتب للرجل من صلاته إلا ما عقل منها . وافهم أن النوافل جوابر الفرائض فمن رحمة ربك علك أن قبل منك جُبران الفرائض بالنوافل فهذه أصول المحافظة على الصلاة .


ونواصل

Post: #677
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-02-2007, 11:43 PM
Parent: #675

الدكتورة الفاضلة
مهيرة ،
تحية طيبة لك ولكل القراء .

من هذا الذي قطفناه من كتابكِ عن التصوف :
( حتى أن الملاحدة من المتفلسفة والمتصوفة وأمثالهم )
هو الموقف السالب ، وليس ذلك فحسب بل تم جمع المتصوفة والمتفلسفة
والملاحدة في سلة واحدة وأراه جَمع مالا يُجمع للإختلاف البين بين كل منهم ،
بل وهنالك تراث من كل واشتقاقات ونظم و طوائف ومُفكرين وهياكل ورؤى
تختلف . ولا أرى من الصواب حزمهم بحزام واحد، وأرى أن أصحاب الغلو والتكفير
يأخذون ذات المنهاج وما أسهل اطلاق صفة الملاحدة على الجميع .
وأرى أبو حامد الغزالي لم يذكر المتصوفة إلا بالخير وفق ما قطفناه من كتاباته.

من الذي اقتطفنا من مُداخلتكِ هذا النص :

Quote:
وطائفةٌ تقولُ: إنَّ الرَّاسخين في العلمِ يعلمون هذا التأويل، وهؤلاء يجوِّزُون مثل هذه التَّأويلات التي هي تأويلاتُ الجهميَّةِ النُّفاةِ. ومنهم من يوجُبها تارةً، ويجوِّزُها تارةً. وقد يحرِّمُونها على بعض النَّاسِ، أو في بعض الأحوالِ لعارضٍ، حتَّى أنَّ الملاحدةَ من المتفلسفةِ والمتصوِّفةِ وأمثالِهم قد يحرِّمون التَّأويلاتِ، لا لأجل الإيمانِ والتَّصديقِ بمضمونِها، بل لعلمِهم بأنَّه ليس لها قانونٌ مستقيمٌ، وفي إظهارها إفساد الخلقِ، فيرون الإمساكَ عن ذلك مصلحةً، وإن كان حقًّا في نفسِه، وهؤلاء قد يقولون: الرُّسلُ خاطبوا الخلقَ بما لا يدلُّ على الحقِّ لأن مصلحةَ الخلقِ لا تَتِمُّ إلا بذلك، بل لا تَتِمُّ إلا بأنْ تَخَيَّلوا لهم في أنفسهم ما ليس موجودًا في الخارجِ لنوعٍ من المصلحةِ، كما يُخَيَّلُ للنَّائمِ والصبِيِّ والقليلِ العقلِ ما لا وجودَ له، لنوعٍ من المناسبةِ لما له في ذلك من المصلحةِ.

Post: #678
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مهيرة
Date: 10-03-2007, 08:33 PM
Parent: #677

الأخ الكريم الأديب عبد الله

لك العتبى حتى ترضى.

ولكن ألا ترى معى أن الجملة التى اقتطفتها من مداخلتى أعلاه حتَّى أنَّ الملاحدةَ من المتفلسفةِ والمتصوِّفةِ وأمثالِهم )
لا تفيد اطلاق صفة الملاحدة على جميع المتفلسفة والمتصوفة بل على بعضهم.

التكفير ليس بالأمر الهين وحسبنا قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم فى من قال لغيره

ياكافر وأن أحدهما سيبوء بها.

نسأل الله الكريم أن يجعلنا واياكم من عتقاء هذا الشهر

تحياتى

Post: #679
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-03-2007, 10:40 PM
Parent: #678


الدكتورة مهيرة .
تحية واحتراماً

أنا و ( الحُزن في موضع الفرح )

حزنت أن أخذتِ على خاطركِ من بعض غلظة مُبطنة مني وما كنت أقصدها .

إن الحوار معكِ سيدتي
كقطعة كرز بين شفتين عاشقتين ..
حفز للقراءة حيناً وللكتابة في كل حين ،

ولكِ العُذر أني قد شملت الكُل في موضع البعض ،
وما كان ليكون .. لولا سماح وترهُل اللغة التي تتفتح بالود
وتأبى الضُمور .

شُكري الجزيل على هذا المُنعطف الباهر في حوار المعرفة
الذي أفدنا منه كثيراً


نهديكِ والأصدقاء هُنا استراحة مُحارب سيفه القلم ،
فقد كتبت موضوعاً قبل زمان :




الحُزن في موضِع الفَرح


(1)

قال أبو الطيب المتنبي :

وَ إني لنَجمٌ تَهْتَـــدي صُحبَتي بِهِ .. إذا حالَ مِنْ دونِ النّجومِ سَحَابُ

غَنيٌّ عَـنِ الأوطان لا يَــستَخِفَّني .. إلى بلـدٍ سَافَرْتُ عنهُ إيَــابُ

وَ للسرّ مــني مَــوضعٌ لا ينالُهُ .. نَديمٌ وَ لا يُفضــي إليهِ شَرَابُ

(2)

لا طيب المكان ولا طعم الصحاب يُغني ، فَنَدى الدَّمع أضاء مُهجتي ، وتَقلَدتْ الفتنة ثوب وُجداني ، وهَامت تتقافز رياحينها هُنا وهُناك.

قالت الفتنة :

ـ كيف تكون الدُنيا حين تُجالسكَ الأفراح ، وكيف يندلق مبسَمي بلآلئه تُمسك أقمشة الوجدان ، وأنتَ تحزن ؟ .

قلت :

ـ ما تعودتُ الفرح . يأتيني يتيماً بلا صُحبة ، كثمرة سقطت من نخلٍ باسق، والجوع يضُمني إلى صدره فلن تُفرحني ثمرةٌ واحدة .

قيل لي :

ـ لا تشبهكَ الأفراح ، وجراح نفسك لا يشفيها إلاّ الزّمان . فمن تَعوَّد الأحزان تَوهَّم الفرح وجهاً آخر من وُجوهها المُتعددة . ومن يتذوق النعيم أول مرة تأخذه الدهشة فيقف في منطقة الرماد لا يدري أغرُبت الشمس أم لم تزلْ .

قلت لنفسي :

ـ سأنتظر اليوم ثم غداً ، لعل النفس مِن ريبتها تَطيب .

(3)

ذهبتُ للفراش فالنوم نزَّاع للراحة و للنسيان . من تحت الغطاء استرخيت وَحدي راغباً وأسلمت نفسي للباب الذي يُفضي للغياب.أعلم أن نصف العقل يسترح ، ونصفه الآخر يجمع شتات الأشياء التي لم تزل عالقة في دُنيتي . تبسمتُ لعلّ الفرح يرِق قلبه ويأخذني وديعة عندهُ وأختبئ .

تذكرت من ينصحني حين قال :

ـ عدّ إلى مئة ولا تحسب حساب الوقت ، لعلك تنام .

(4)

لا أدري كم مضى من الوقت قبل أن يبدأ الحُلم :

دلف الحُلم منطقة البساتين حيثُ الشجيرات وأحواض الورود الموسمية و عِطرها . أوقدتُ شمعةً في ظُلمة نفسي ، وجلستُ كزهرة لوتسٍ : اليدان على الفخذين ، والساقان مُنعقدان على الأُلفة والجزع عند الصدر مُنتَصِباً. استقر الجسد وتنفستُ عميقاً ، وفي ضوء اللهب الأصفر حدّقتُ و قلت :

ـ هذا الضوء يُنبئني بقُرب حلول روحها ، فيا مالِكَ الكونِ اسمع الرجاء و ترفق بي ، واخرُج لي ضوء وجهها لأفرَح ، فأنا عاشق منذ نهض الإنسان على قدمين وسار . هَوى العِشق من سماء تاريخي القديم نيزكاً فاقد الوعي ، أمسكت به وأطعمته الطعام وشرب هو من عاطفتي فعادت حياته سيرتها الأولى .

(5)

في لهب شمعتي أطلَّ باسماً وجهها واختنقتُ من عبرةٍ في الحلق . هطل الدمع زخاً و زيَّن الملح المآقي . حان الآن موعد أحزاني لترحل . و قبل أن يودعني عُقاب الحُزن ، نظر إليَّ نظرة مسافرٍ عزيز عليه الرَّحيل، و يرغب العودة إن تَيسرت . رفرف الحُزن جناحيه فتحركت الريح من حولي ، ثم طار إلى الكون الفسيح .



(6)

اقتربت الصورة من الصوت وتحسستْ ملامحه . هبطت الدُنيا ورقصت في سينمائية مُذهلة. نثرت حبيبتي ألوانها القُزحية تملأ المكان .رَقَقتْ الشفاه نفسها وهي مرسومة على وجهها الذي أرى ، وابتسمت أسارير الصباح في زينتها وانطلق بخور العطر من تاريخنا القديم وغطَّتنا غيمةٌ وَلود. بدأ نجم سيدتي في إيوانه زاهياً يتدلى كأرجوحةٍ من قُبة السماء. لفحتني ريحٌ من الفخامة لن تكون إلا كما لا عين رأت ، وتخطُر دوماً على قلبي .

تسلقت بعينيَّ قامتها ، من الأصابع التي رصَعت قدميها، ثم صعدتُ عبر صلصال الجسد وهو يلتف لولبياً ويقول لي :

ـ ألا ترى كيف تكون الأنثى ساحرة !.

(7)

نفخت الهواء عن رئتيَّ ونثرت الغُبار عن نفسي ، وخرجتُ من جسدي شهرياراً بعد أن غَسلتْ المحبة سواد قلبه التاريخي. التففتُ حول مدار من أُحب مُحلقاً، وتجولت في كونها : خيطٌ أنا يربط لآلئ ناصعٌة في الأثير.

كم جميل أن ترى ملامح الكون صادقة كملامح وجهها ، و عُذرياً في سنوات شبابه الأولى عند النُضج . رأيت الدُنيا بضجيجها الصاخب تتكور لفافةً كاذبة ، تدور حول من أُحب ، تحترق وتتفتتْ . جاء الصدق في موضع الحُلُم ، فأين حقيقتي من كذِب دُنيتي ، حين قال لي من يَسكُنها يوماً : إن الأفراح لا تشبهُكْ ؟

رقص القلب رقص الفرح ، وحلق نسر الحُزن من فوقنا دامِعاً .

عبد الله الشقليني

01/11/2006





ونواصل

Post: #680
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-04-2007, 04:43 AM
Parent: #1

بفضل الكريم
وفضل شعِيرته التي يُحب

نواصل

Post: #681
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 10-04-2007, 10:30 PM
Parent: #1

الأخ عبد الله الشقليني
تحية لك وللجميع

الشيخ مساعد الطيار أورد ما كتبه الشيخ إبن تيمية رحمه الله وقد نقلته الدكتورة مهيرة في مداخلتها بعاليه:

Quote: قال شيخ الإسلام (ت: 728): ((... وتجد هؤلاء حائرين في مثل قوله تعالى: ( تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) [آل عمران: 7]، حيث ظنُّوا أنَّ المرادَ بالتَّأويلِ صَرْفُ النُّصوصِ عن مقتضاها.
وطائفةٌ تقولُ: إنَّ الرَّاسخين في العلمِ يعلمون هذا التأويل، وهؤلاء يجوِّزُون مثل هذه التَّأويلات التي هي تأويلاتُ الجهميَّةِ النُّفاةِ. ومنهم من يوجُبها تارةً، ويجوِّزُها تارةً. وقد يحرِّمُونها على بعض النَّاسِ، أو في بعض الأحوالِ لعارضٍ، حتَّى أنَّ الملاحدةَ من المتفلسفةِ والمتصوِّفةِ وأمثالِهم قد يحرِّمون التَّأويلاتِ، لا لأجل الإيمانِ والتَّصديقِ بمضمونِها، بل لعلمِهم بأنَّه ليس لها قانونٌ مستقيمٌ، وفي إظهارها إفساد الخلقِ، فيرون الإمساكَ عن ذلك مصلحةً، وإن كان حقًّا في نفسِه، وهؤلاء قد يقولون: الرُّسلُ خاطبوا الخلقَ بما لا يدلُّ على الحقِّ لأن مصلحةَ الخلقِ لا تَتِمُّ إلا بذلك، بل لا تَتِمُّ إلا بأنْ تَخَيَّلوا لهم في أنفسهم ما ليس موجودًا في الخارجِ لنوعٍ من المصلحةِ، كما يُخَيَّلُ للنَّائمِ والصبِيِّ والقليلِ العقلِ ما لا وجودَ له، لنوعٍ من المناسبةِ لما له في ذلك من المصلحةِ.

ثم أن الدكتورة مهيرة ترى أن العبارة "حتى أن الملاحدة من المتفلسفة والمتصوفة وأمثالهم" التي قالها الشيخ إبن تيمية "لا تفيد اطلاق صفة الملاحدة على جميع المتفلسفة والمتصوفة بل على بعضهم."

في هذه المداخلة أريد أن أسلط الضوء على معنى كلمة "ملحد" و "إلحاد" لأنه يبدو لي أن الكلمة كما استعملها الشيخ ابن تيمية لا تعني المعنى المتعارف عليه اليوم.. فالشيخ ابن تيمية يستعمل الكلمة كما جاءت في القرآن مثل قوله تعالى:
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف 180]
جاء في تفسير الجلالين أن الإلحاد هو "الميل عن الحق":


Quote: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى" التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الْوَارِد بِهَا الْحَدِيث وَالْحُسْنَى مُؤَنَّث الْأَحْسَن "فَادْعُوهُ" سَمُّوهُ "بِهَا وَذَرُوا" اُتْرُكُوا "الَّذِينَ يُلْحِدُونَ" مِنْ أَلْحَدَ وَلَحَدَ يَمِيلُونَ عَنْ الْحَقّ . "فِي أَسْمَائِهِ" حَيْثُ اشْتَقُّوا مِنْهَا أَسْمَاء لِآلِهَتِهِمْ : كَاَللَّاتِي مِنْ اللَّه وَالْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز وَمَنَاة مِنْ الْمَنَّان "سَيُجْزَوْنَ" فِي الْآخِرَة جَزَاء "مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"

وفي آية أخرى ورد قوله تعالى:
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل 103] وقد جاء في تفسير الجلالين عن معنى "يحلدون إليه" بمعنى "يميلون إليه":


Quote: "وَلَقَدْ" لِلتَّحْقِيقِ "نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّمهُ" الْقُرْآن "بَشَر" وَهُوَ قَيْن نَصْرَانِيّ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُل عَلَيْهِ "لِسَان" لُغَة "الَّذِي يُلْحِدُونَ" يَمِيلُونَ "إلَيْهِ" أَنَّهُ يُعَلِّمهُ "أَعْجَمِيّ وَهَذَا" الْقُرْآن "لِسَان عَرَبِيّ مُبِين" ذُو بَيَان وَفَصَاحَة فَكَيْفَ يُعَلِّمهُ أَعْجَمِيّ


وهناك معنى آخر لكلمة يلحد وهو "يكذِّب" وقد جاء في قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت 54]
وقد جاء في تفسير الجلالين عنها:


Quote: "إن الذين يلحدون" من ألحد ولحد "في آياتنا" القرآن بالتكذيب..


نعم، هناك كثير من الفلاسفة الذين يلحدون في آيات الله بمعنى "يكذِّبون بها" ولكن ليس هناك من المتصوفة ملحدون بأي من هذين المعنيين..

أما كلمة "إلحاد" و "ملحد" بالمعنى المتعارف عليه حاليا فقد جاء عنها في موسوعة ويكيبيديا:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF
Quote: إلحاد (بالإنجليزية: Atheism) عبارة عن مصطلح عام يستعمل لوصف تيار فكري و فلسفي وجوهر هذا الفکر يتمرکز في عدم الإعتقاد بوجود أية آلهة للکون.


وقد جاء في كتاب "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" التعريف التالي للملحد:

Quote: الملحد !! من هو ؟؟

الملحد هو رجل يرفض أن يعتقد في الله ، وفي الغيب ، وفي الأرواح ، وفي الحياة الأخرى التي تكون بعد الموت .. ويرفض ما تقوم عليه الأديان من تفسير للكون - يرفض جملته وتفصيله- ويبني اقتناعه على ما يسميه نظرة علمية للكون ، مأخوذة من نظريات ، ومعطيات العلم التجريبي المادي .. وفلسفة الملحد هي (( الفلسفة المادية )) التي تنبني على نقض قيم الدين ، وعلى محاولة تقويضها .. وتسعى لصرف الناس عن الدينونة بتلك القيم ، وعن الاعتقاد فيها ..


وقد وردت كلمة "ملحد" في كتاب "أسئلة وأجوبة الأول نقتطف منها:
Quote: ألا يمكننا أن نكون إنسانيين ، وأخلاقيين ، وأصحاب ضمائر ، من غير أن نؤمن بالله ؟

الجواب: بهذه المناسبة أحب أن أنبه إلى أن الإيمان بالله يقع على مستويين: مستوى مشعور به في العقل الواعي ، وهذا هو الإيمان الذي نقصده دائماً بالعبارة ، عندما نتحدث. ومستوى غير مشعور به في العقل الواعي ، وإنما هو مترسب في العقل الباطن ، وهذا لا يخلو منه موجود في الأرض ، ولا في السماء .. لأنه القيومية التي قامت بها الأشياء .. فإذا علمت هذا ، علمت أنك لا يمكن أن تكون ـ مجرد كيان ـ دع عنك أن تكون إنسانياً ، أو أخلاقياً ، بغير الإيمان .. فإذا إعتبرت أن الملحد قد يكون على طرف من الإنسانية ، والأخلاقية ، والضمير ، كما هو مشاهد في بعض الأحيان ، فإنما ذلك لأن ما تراه عنده يرجع أيضاً إلى الإيمان بالله ، و لكن الملحد غير شاعر بهذا الإيمان ..


وبهذه المعاني فإن كلمة "ملحد" لا يمكن أن يوصف بها أي من الصوفية.. فالصوفية هم "أنصار السنة النبوية" الحقيقيون كما يقول عنهم الأستاذ محمود في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري":
http://alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=20&chapter_id=25[/B]

Quote: الصوفية هم أنصار السنه النبوية، وهم يمشون في الأرض، وترتبط أفكارهم، وآراؤهم بالأرض، وتتسامى إلى السماء .. هم، كل واحد منهم، الشجرة الطيبة، التي قال الله عنها: أن أصلها ثابت، وفرعها في السماء ..


وشكرا

ياسر

Post: #682
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-04-2007, 11:47 PM
Parent: #1

شكراً للسادة الأفاضل :
الكاتب : أسامة
الكاتب : الدكتور ياسر
الكاتب : الدكتورة مهيرة

إن للمعرفة عذوبة النعيم المفقود ،
والطلح المنضود ،
وبسطة الفاكهة عند مُنية المتمني :
لا مقطوعة ولا ممنوعة

Post: #683
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-06-2007, 08:31 AM
Parent: #682

في "اسس دستور السودان"،يتحدث الاستاذ عن "بدائية " الشعب السوداني ،وهو ما يحيلنا الى النظر في ما ينطوي عليه هذا المصطلح ،وهل لذلك علاقة قد تكون لاشعورية مع المصطلح سيئ السمعة والصيت والذي روجت له الانثربولوجيا الغربية في عز سطوتها الاستعمارية :
ان هذه الحقوق قد تبدو كثيرة علي شعب بدائي كالشعب السوداني ، وخاصة في اقاليمه ، ولكن ليس هناك علي الإطلاق سبيل صحيح لترقية أي شعب الا بوضعه أمام مشاكله واعطائه الفرصة ليتعلم من أخطائه ، علي أن تنظم جميع أجهزة الحكومة بشكل يعينه في هذا الاتجاه ، فالمشرع ، والقاضي ، والاداري والبوليس ، جميعهم يجب أن يعملوا في العلن ، وأن يكونوا واضحين ، وأن يستهدفوا تنوير الشعب وترقيته ، وأن يبتعدوا عن كبته واذلاله. والتشريع ، بشكل خاص ، يجب أن يكون واعيا وحكيما ، وأن يقوم علي التوفيق بين حاجة الفرد الي الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة الي العدالة الاجتماعية الشاملة ، والا يضحي بأيتهما في سبيل الأخري ، هذا ، وهناك حق ، كثيرا ما أريد به باطل ، وهو أن الشعب البدائي يحتاج الي تربية قبل أن يستحق ممارسة السيادة ، وهذا تسويغ للحكم المطلق ، ووجه الحق أن الشعوب تحتاج الي تربية ، بيد أن الحكم المطلق لا يربيها تربية الأحرار ، وانما يربيها تربية العبيد ، وهو بذلك لا يعدها للديمقراطية ، وانما يعدها للاذعان والانقياد ، ونحب أن ننبه الي الخطر الماحق المترتب علي هذا الاتجاه ، ونحب أيضا أن نؤكد أنه ليس هناك طريق لتربية أي شعب تربية حرة الا بوضعه أمام مشاكله ، ومحاولة أعانته علي تفهمها ، والتفطن الي طرائق حلها بنفسه ، حتي يطرد تقدمه الي تحقيق الديمقراطية المباشرة
ويقول في "تطوير شريعة الاحوال الشخصية"،في اشارة الى اغنية شعبية يرى انها تمثل نظرة الانسان البدائي والشعوب البدائية :

لقد نشأ المجتمع البشري في الغابة.. وورث مخلفاتها.. وهي مخلفات لا يزال يعيش أخرياتها.. والقاعدة العامة فيها أن القوة تصنع الحق.. فللقوي حق طبيعي على الضعيف.. يستحقه لمجرد قوته.. ويتقاضاه بقوته.. فالقوة تصنع الحق، وتتقاضى الحق.. تلك شريعة الحيوانات.. ولا نزال، نحن البشر، حتى في أخريات القرن العشرين، نعتقد هذا، ونعمل به.. أكثر من هذا، فإننا في المجتمعات البدائية نفخر به.. فإن هناك من أغانينا، نحن السودانيين، أغنية تمدح فيها فتاة أخاها فتقـول:-
((صار عينه بلا وقيعة * جار حقه بلا شريعة * أخوي روحه مسبلا)).
ويقول في "الدستور الاسلامي؟نعم ولا
وفي مجالات العلم فان الإسلام على مرحلتين: مرحلته الأولى مرحلة عقيدة، ومرحلته الثانية مرحلة علم: هو في مرحلة العقيدة إسلام بدائي، ثم إيمان ، ثم إحسان ، وهذه قصاراه .. وهو في مرحلة العلم علم يقين ، وعلم عين اليقين ، وعلم حق اليقين. وهذه حسبه .. ومرحلة العلم إنما تجيء بالترقي من مرحلة العقيدة..
ويقول في "من دقائق حقائق الدين":
ومن الأمور التي تنشأ عن تقرير وجود الشريعتين ، والنصين ، أن الإسلام إسلامان .. إسلام بدائي وإسلام نهائي .. فأما الإسلام البدائي فيعني الانقياد الظاهري ، ومنه أخذت أمة المؤمنين اسمها الشائع عليها اليوم ـ المسلمين
ويقول في "الاسلام" :
في المجتمعات البدائية ، لا فرق ، كبيرا ، بين ملكية الزوجة ، وملكية الآلة ، أو الكهف ، وإذا كان لا بد للمجتمعات الصغيرة أن تعيش في وئام ، تصيد معا ، وتحارب معا ، وتقابل صروف الأيام متحدة ، فإنه لا بد من هذين العرفين اللذين ينظمان السلوك في الجماعة ويصونان كيانها . وليـس معنى هذا أن المجتمعات نشأت بصورة واحدة في كل مكان ، ولكنه ، مما لا شك فيـه ، أن المجتمع البشري ، حيث نشأ ، فقد نشأ حول طائفة من العادات ، والعرف ، الذي ينظم علاقة الأفراد ببعضهم البعض ، وبهذا العرف دخلت إرادة الحرية في صراع مع إرادة الحياة ، ذلك بأن الفرد البشري قد رضي ، طوعا أو كرها ، أن يتنازل للمجتمع عن قسط من حريته ليستمتع بباقيها ، بفضل حياته في مجتمع يحميه ، ويعينـه . وتنازله ، عن هذا القسط من حريته ، ينظمه العرف ، وما تفرضه أوضاع مجتمعه ، وأصبح عليه أن يسيطر على نفسه ، وأن يمنعها مما يمنعها منه القانون ، الذي سنه مجتمعه . وكلما انتصر الفـرد ، في هذا الصراع ، على غرائزه البدائية ، كلما قويت إرادته
ويقول في "تطوير شريعة الاحوال الشخصية":
ولا تقوم شريعة الحلال والحرام إلا على عقيدة.. وقد كانت هذه التي نشأت عليها شريعة الحرام والحلال البدائية عقيدة تعدد
ويقول في "تطوير شريعة الأحوال الشخصية":
قال تعالى عن تقلب الإنسان في الصـور البدائية، في الآماد السحيقة: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً؟؟ * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل: إما شاكراً، وإما كفوراً))
ويقول في "تطوير شريعة الأحوال الشخصية":
فإن القوانين، منذ أن نشأت في صور العادات والأعراف البدائية، قد كانت شريعة إسلامية، تتسم بالعدل، وتوجهها الحكمة.. ولكنها إنما كانت شريعة إسلامية في نطاق الدين الإسلامي العام.. وقد قلنا أن هذا يعني الإرادة الإلهية.. والقاعدة التشريعية الأم فيه تقوم على قوله تعالى: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)).. وهذه القاعدة الأم في الدين العام تقابلها في الدين الخاص قاعدة، مأخوذة منها، وموازية لها، تقول(وكتبنا عليهـم فيها أن النفس بالنفس، والعيـن بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له.. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون))..
ولقد خدم العنف العنيف بالأفراد، هؤلاء الأفراد، لأن به قويت إرادتهم على السيطرة على شهواتهم، فساروا في طريق الإنسان، بعد أن كانوا مسترسلين في طريق الحيوان السائم.. ومع قوة الإرادة بدأت الأخلاق، وبرز العقل.. وما كان له أن يبرز لولا الخوف الذي سار في ركاب العنف.. ولقد خدم الدين غرضه في إيقاظ الضمير منذ هذا العهد السحيق.. فإنه قد تركز في نفوس الأفراد أن عمل الشر، الذي يخالف عادات وأعراف ومصالح المجتمع الذي يعيشون فيه، يغضب آلهة الخير، ويرضي آلهة الشر، فيستحوذ آلهة الشر على فاعلي الشر، ويدخلونهم باستحواذهم عليهم، بعد مماتهم، في ظلمات مطبقة من عذاب رهيب.. وبين الخـوف من القانون، والخوف من الآلهة، بدأ يتهذب الفرد، وتقوى سيطرته على نزواته، وبدأت بذلك أصول الأخلاق.. فكأن هذه الأعراف والعادات البدائية، منذ الوهلة الأولى، قد وفقت بين حاجة الفرد إلى الحرية، وحاجة المجتمع إلى العدل.. بيد أنها حرية في أول السلم، وعدل في أول السلم أيضا..
ويقول في "الرسالة الثانية من الاسلام":
في المجتمعات البدائية ، ليس هناك كبير فرق بين ملكية الزوجة ، وملكية الآلة أو الكهف
ويقول في "الرسالة الثانية من الاسلام":
فالنفس البشرية اليوم معرضة لآفات كثيرة .. خوف ترسب فيها قبل أن تصبح بشرية ، وذلك بين فجر الحياة البدائية الأولية ، وعهـد ظهـور البشر على المسرح ، وكبت موروث منذ ظهور المجتمع البشـري ، وإلى أن يولـد أحدنا ، ثم كبت مكتسب في حياة الفـرد، بين ميـلاده ووفاتـه ، حيث يتسلط القانون ، والعـرف ، والرأي العـام على تكبيل رغائبه التي لا تجد الموافقة على تحركاتها ، وتعبيراتها في حرية وطلاقة .
وكل الكبت بفعل الخوف ، فالخوف ، سواء كان الخوف البدائي ، الساذج ، الذي لا مبرر له ، أو كان الخوف العاقـل ، المـوزون ، المعـروف الأسباب ، المعقـولها ، قـد ترك طابعه على النفس البشرية بصورة مزمنة .
ويقول في "الرسالة الثانية من الاسلام":
وآدم ، في هذه المرحلة البدائية من تطوره ، قيل له كل من هذا ، ولا تأكل من هذا ..
وفي "الرسالة الثانية من الاسلام" يتحدث عن "البدائية " باعتبارها شكلا منحطا:
بدأ ظهور هذه الفكرة الواحدة في الوثنيات البدائية المتفرقة ، ثم أخذت تتقلب في مراقي التطور حتى ظهرت الوثنيات المتقدمة ، واطرد بها التقدم حتى ظهرت صور ديانات التوحيد الكتابية ، بظهور اليهودية وظهور النصرانية ، ثم توج ذلك ببعث محمد ، وبإنزال القرآن الكريم . وهذه الفكرة الواحدة ذات شكل هرمي ، قاعدته أحط الوثنيات التعدديات ، وأكثرها تعديدا ، وقمته عند الله ، حيث الوحدة المطلقة ، والاختلاف ، كما هو واضح ، بين القاعدة والقمة اختلاف مقدار ، وليس اختلاف نوع .
وفي الحط من "البدائية " يقول عن الحروف في "الرسالة الثانية من الاسلام":
وإذ دفعت الضرورة إلى اللغة ، دفعت أيضا إلى الحساب ، وقد نشأ الحساب نشأة ساذجة ، وبدائية أيضا ، وأعان عليه ، وبعثه في الذهن ، أصابع اليدين والقدمين ، فإنها ظاهرة تبعث على التأمل ، والتعجب ، ولقد كان العدد ، ولا يزال ، يمارس على أصابع اليدين ، وهذا من الأسباب التي جعلت العشرة تتخذ أساسا للعد . ولم تظهر الأرقام التي نعرفها الآن إلا بعد زمن طويل من التطور من الصور البدائية للأعداد
وفي "الرسالة الثانية من الاسلام" يقول:
ولقد ظهرت الاشتراكية في جرثومتها البدائية في صورة الحسد ، أو الغبطة التي تعتمل في صدر (( الماعندهم ضد العندهم )) . فقد كان محسودا الذي يوفق الى سلاح حجري يمتاز بالخفة ، والقوة ، والحدة . والذي يوفق الى كهف حصين ، وفسيح ، والذي يوفق إلى زوجة جميلة ، ومحبة ، ومطيعة ، وقوية ، وهكذا . ولقد دفع هذا الحسد إلى الصراع التاريخي بين (( الماعندهم والعندهم )) . ولا يزال هذا الصراع محتدما ، ولن ينفك ، حتى تتم المساواة المطلقة بين الناس في خيرات الأرض ..
وقبل أن تظهر الاشتراكية العلمية نتيجة لهذا الصراع الطويل المرير كانت الاشتراكية في مرحلتها البدائية
ويقول في "الرسالة الثانية من الاسلام":
هذا الحديث يعني الاشتراكية العلمية .. أما الاشتراكية الساذجة ، البدائية ، فإن نشأتها بعيدة في التاريخ ..
وفي "تعلموا كيف تصلون" يقول:
إن الإنسان لم يبرز في عالم الملك مكتملاً ، كما يفهم علماء الدين من ظاهر النص ، وإنما برز بصورة بدائية ، سحيقة في البدائية..
وفي "رسالة الصلاة" يقول:
فإذا بلغت الحاسة السادسة هذا المبلغ، انبسطت الحاسة السابعة - القلب - واطمأنت، وانطلقت من الانقباض الذي أورثها إياه الخوف، وأخذت تدفع دم الحياة قويا إلى كل ذرات الجسد، وكل خلايا الجلد، تلك التي كان الخوف قد حجرها، وجعل منها درقة، ودرعا لصيانة الحياة البدائية
ويقول في "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري":
إن الله قد سير الإنسان تسييرا تاما .. فأما في منطقة العناصر فقد سيره تسييرا مباشرا، وذلك بالقهر الإرادي الذي انصهرت تحت جبروته جميع الأشياء .. وأما في منطقة الحياة فهو قد سيره تسييرا شبه مباشر، وذلك عن طريق إرادة الحياة، فإن الحي قد فطر عل حب الحياة، ومن ثم، فهو يسعى للاحتفاظ بها، فيفر من كل ما يؤذيه، وإلى كل ما يلذه .. وقانونه، في هذه المرحلة البدائية من مراحل النشأة، السعي الدائب في تحصيل لذة البطن والفرج
ويقول في "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري":
ولم يبدأ الدين الخاص بالأديان الكتابية المعروفة عندنا – اليهودية، والنصرانية، والإسلام .. وإنما بدأ بالوثنيات البدائية التي صحبت النشأة البشرية الأولى، في الأزمان السحيقة
وفي "أسئلة وأجوبة-الكتاب الثاني- يقول:
.. والعقول الفطرية الأولية في الحياة البدائية تنسب الحياة لكل جسم تراه ـ فللحجر حياة ، وللأرض حياة ، وللحطب حياة ، وكذلك يفعل الأطفال .. ولأمر ما كان ذلك !!
وفي "أسئلة وأجوبة-الكتاب الثاني-يقول :
و أما الأمر الملابس للنفس البشرية في طورها الحاضر فهو أنها لا تزال بحاجة ماسة إلى الرياضة التي تضعف فيها نوازع الحيوانية البدائية ، وتقوى فيها نوازع الروح.. و على هذين الأمرين قام تحريم لحم الخنزير .. فأنت ترى إذن أن هذا التحريم قائم و سيظل قائماً إلى حين ..
وفي تعقيب له على الاستاذ العقاد يقول :
فالإسلام، الذي جاء كماله في الإسلام، جاءت بدايته قبل آدم.. وإنما دخل بآدم مرحلة التوحيد البدائية،
وفي كلام موجه الى عميد بخت الرضا يقول:
والإنسان، قبل أن يعيش في المجتمع، كان حيوانا فرديا فاضطرته قسوة الحياة، في بيئته الطبيعية، أن يخترع نظام الجماعة، وأن ينزل عن قسط كبير من حريته الفردية، فيضبط غرائزه البدائية، مراعاة لحريات الآخرين
وفي "الاسلام وانسانية القرن العشرين" يقول:
وتطور الإنسان في هذا المدى الوئيد بفاعل الخوف.. فالخوف كان العامل الأساسي في تطوير الإنسان، من بدايات الحياة البدائية - من الدودة البدائية - إلى أن ارتقى كل المراقي.. كان حافزه الخوف.. واليوم الخوف هو أكبر مسيطر على الأفراد، وعلى الجماعات.. ومع أن الخوف العنصري، الخوف على الحياة، هو من أكبر حوافز ترقي الحياة، مع أن الخوف صديق، يمكنك أن تقول، في مراحل الحياة البدائية، إلا أنه في أخريات الترقي، هو عقبة
وفي "الاسلام وانسانية القرن العشرين"يقول في تفريق بين الاولي والبدائي:
الإسلام نزل في مكة بصورة سامية، وكبيرة.. نزل بصورته الأساسية الفيها الإنسان القبيل بيبحث عن الحرية، وجد مجالها.. لكن على شرط أن يدفع ثمنها.. وثمنها أصبح، بالنسبة لما كان عليه في القرون الأولانية، البدائية، أصبح، في القرن السابع، في مكة، لدى نزول القرآن، ثمنها أصبح أقل بكثير مما كان عليهو في نشأة المجتمع..
وفي "الماركسية في الميزان" يقول عن القاعدة الثانية في المادية التاريخية،يستخدم البدائية بمعنى بداية الحياة الانسانية:
القاعدة الثاينة عنده هي أن التاريخ إنما هو صورة للصراع الطبقي ـ التاريخ سجل للصراع الطبقي .. بمعنى أن المجتمع ، ما فارق المرحلة البدائية خالص ، البدائية لما ما كان عنده الأدوات ، البدائية لما كان الإنسان بعيش على فضلات الخضار البلقاهو ـ قد يكون الأعشاب والحشائش ـ و على فضلات الثمار البرية البلقاها ، من يومئذ بدأ يعرف الطبقات ..
وفي "الماركسية في الميزان" يقول:
إن الفرد البشري بطبيعته أناني ، و هو ، بطبيعته الثانية ، أناني جاهل ، لأنه نشأ ، و إرتفع ، من الحيوانية البدائية المعروفة .. الحيوان ما عنده إعتبار لغيره ، وهذا أمر معروف
وفي "الاسلام والفنون " يقول:
فهل يعني هذا أن كل أساليب الحياة للتعبير عن نفسها فن ؟؟ .. نعم هذا على التعميم ، وفي جملة الأمر ، صحيح ... بيد أن صور التعبير التي تمارسها الحياة البدائية تعتبر فناً فجاً ، وتزيد فجاجته كلما انحصر في التعبير عن مجرد نوازع المعدة ، والجسد ... اننا لا نسمي أساليب الحياة ، في التعبير عن نفسها ، فناً ، بالمعنى المخصص لهذه الكلمة ، إلا إذا ما دخلت هذه الأساليب على مستوى التعبير عن القيمة – القيمة في الحياة – وأعلى قيم الحياة الحرية
و خلافا لتلك النظرة التي تحط من قدر "المجتمعات البدائية" بحسب تعبير الاستاذ ،يقول عالم الانثربولوجيا مونتاغيو في كتابه "البدائية":
"إن من نتائج الإعتقاد بأن الانسان البدائي كان أقل تطورا منا عدم القدرة على إدراك إن انسان ما قبل التاريخ قبل خمسة عشر ألف سنة كان في بعض نواحي حياته قادرا على إنجاز أمور عجز الانسان منذ ذلك الحين عن التفوق عليه فيه. ومن بين أبرز الامثلة البارزة على ذلك فن ما قبل التاريخ،خاصة من العصر الحجري القديم الأعلى.فعندما اكتشف هذا الفن في اوائل هذا القرن عزي أولا إلى فنانين من العصور الحديثة زعم أنهم لسبب يصعب فهمه،زحفوا داخل قبو طبيعي وزينوا سقفه على غرار ما فعل ما يكل انجلو في كنيسة السستين.
ولكن لم يعد بالامكان مقاومة الأدلة بعد أن تمت اكتشافات أخرى في أعماق الكهوف تحت ظروف تدل على بعد سحيق في الزمن.فاعترف لانسان ما قبل التاريخ بكونه خالق تحت الأعمال الفنية المدهشة من الرسم و النحت والحفر.
وكما قال السير هربرت ريد"إن أفضل رسومات كهوف التاميل ،ونيو ولاسكو تكشف عن مهارة لا تقل عن مهارة بيزانيلو وبيكاسو".
ثم يقول "وليس من شك فإن الأفراد القادرين على استخدام مثل هذه المهارات كانوا يتميزون بدرجة لا تقل روعة عن تلك التي يملكها الانسان المتمدن نفسه"ص ص 16-17

وفي "الدين و التنمية الاجتماعية" يقول :
.. الدين دا هو الذي طور الحياة لما كانت في صورها البدائية، وهي يومئذ تمور في الطين، أو هي يومئذ تزحف علي اليابس، وذلك قبل أن تصل الي مرتبة عبادة شتي صور القوي، تلك التي اعتبرتها هي القوي البتأثر عليها، اعتبرتها هي القوي البترهبها .. تطورت الي أن عرفت أن وراء القوة دي في القوة الخالقة .
"يشير المصطلح ،بوجه عام،إلى الفجاجة،وانعدام التطور،والخشونة،وتدني النوعية.ص20
ويستخدم المصطلح أحيانا ليؤدي معنى "البساطة" أو "عدم التمايز أو للتعبير عن النقيض العام "للتعقيد".ص 21
قد تعني الكلمة طبقا لاشتقاقها اللغوي،نقطة في الزمان "مبكرة" أو "أولى".ص 21
"ومن تفرعات هذه النظرة التي لم تختف حتى في أيامنا هذه ،وهي التي تقول أن تطور المجتمع الانساني عبر التاريخ،يوازيه تطور الأفراد من عهد الطفولة إلى عهد النمو الجسماني والاجتماعي،وقد أشير أحيانا إلى "طفولة الجنس البشري"،وإلى "يفاعة إنسان ما قبل التاريخ و أنداده الأحياء،و إلى تناولهم الساذج،غير الراشد ،لعالم "الواقع".ص 22
*مفهوم التاريخ والتطور البشري:
يقول في الطبعة الاولى من "الإسلام" في توضيح لفهمه عن التطور الذي يبدأ من المجتمعات البدائية الى المجتمعات المتطورة وفيه يستخدم الطفولة والرجولة للاشارة الى فهمه للتتطور البشري:
ولقـد سايـر الديـن طفـولة البشرية في سحيـق الآماد ، وأحسن مسايرتها ، وكان بها رفيقا ، شفيقا ، يمد لها في الأوهام ، والأباطيل ، التي كانت تكتنف تفكيرها ، ريثما ينقلها ، على مكث ، وفي أناة ، من وهم غليظ ، إلى وهم أدق ، ومن باطل غليظ إلى باطل أدق ، وهكـذا ، دواليك ، حتى قطعت الإنسانية عهد الطفولة ، ووقفت اليوم ، في طور المراهقة ، تستشرف إلى عهد الرجولة ، والاكتمال وأصبح على الدين دور جديد ، هو أن يقفز بالإنسانية عبر هذا الطور القلق الحائـر المضطرب - طور المراهقة – ليـدخل بها عهـد الرجـولة ، والاكتمال . ولما كان الفرق بين الطفل والرجل كبيرا شاسعا ، فالرجل يتحمل مسئولية عمله ، بينما الطفـل يطلب الحماية من تلك المسئولية ، فقد أصبح على الدين ، منذ اليوم ، ألا ينبني على الغموض ، وألا يفرض الإذعان ، على نحو ما كان يفعل في عهود طفولة العقل البشري .. وإنما يجب عليه أن يقدم منهاجا متكاملا للحياة ، يخاطب العقل ، ويحترمه ، ويحاول إقناعه بجدوى ممارسة ذلك المنهاج في الحياة اليومية ، في كل مضطربها .
و يمكن ان نقول ان الاستاذ يتحرك من مفهوم شاع بين الافندية حول "بدائية المجتمع السوداني كما نرى ذلك في حديث لوالد الشاعر الكبير محمد عبد الحي .

مفهوم الأفندية للبدائية:
في "السمندل ما عاد يغرد بيننا" يقول عبد الحي محمود عطية والد الشاعر الكبير محمد عبد الحي انه من مواليد 1918 دخل كلية غردون التذكارية في عام 1935 وتخرج 1938 .ثم يقول عن محمد عبد الحي "كل هذه المناطق شاهدها محمد معي عاش مع أهلها .شهد فيها الطبيعة الخلاقة..وبساطة الناس التي تصل حد البدائية في بعض المناطق في ذلك الأوان" مجلة حروف عدد مزدوج العدد الثاني والثالث، 1991 ص 126

Post: #684
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-06-2007, 05:02 PM
Parent: #683



شكراً لك عزيزنا الكاتب : أسامة الخواض
ويحتاج مُعالجة المُصطلح : البدء والبدائية
ونبدأ من مصطلح المعجم الوسيط :

بَدأ ـ بدءا و بَداءةً : حدث ونشأ
بدأ : من مكان إلى آخر
: انتقل
وبدأ يفعل كذا : أخذ وشرع ,
يقال : بدأ الأمر و عاد : تكلم فيه مرة بعد أخرى
بدأ البئر : احتفرها ، فهي بَدئٌ
و بدأ الشيء : أنشأه وأوجده
بُدِئ : أصابه الجُدَري أو الحصبة
أبدأ : جاء بالبدىء : العجب
أبدأ الصبي : نبتت أسنانه بعد سقوطها .
بَدَّأ الشيء : قدّمه وفضّله
ابتدأ الشيء ، وبه : بَدَأه
البادئ : بادئ الرأي ما يبدأ منه
البدء : أول كل شيء
عوداً على بدء : فعله مرة بعد أخرى
البدائية في علم الاجتماع : الطور الأول من أطوار النشوء
البداءة : البدء
البَدِىء : وصف للمذكر والمؤنث
البَديئة : مؤنث البَدِئ
البديئة : أول الحال والنشئة
بَده : أحسن القول على البديهة .

البداهة : أول كل شيء
بَدَأ و بداءً : ظهر
ابتدى : ذهب إلى البادية
تَبادى : تشبه بأهل البادية تَبَد : ظهر
البَدَائية : قوم جوزوا البداء على الله
البداوة : التنقل في البادية



Post: #685
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-07-2007, 03:52 AM
Parent: #684

عزيزي الشقليني
شكرا للتوضيح المعجمي
و في ما قلت به اعتقد ما ذكرته:
البدائية في علم الاجتماع : الطور الأول من أطوار النشوء
هو ما قال به الاستاذ في خطابه .
و هنالك امور أخرى سنعود اليها لتوضيح لماذا يصف الاستاذ الشعب السوداني بالبدائية.
مع محبتي
المشاء

Post: #686
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-07-2007, 06:20 PM
Parent: #685





الأحباء جميعاًتحية واحتراماً

والتحية للكاتب : أسامة الخواض

ونرصُد ( بدأ ) في الذكر الحكيم :


{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }يونس4

{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }يونس34

{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }يوسف76

{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء104

{أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }النمل64

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20

{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }الروم11

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الروم27

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7




Post: #687
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-08-2007, 06:47 PM
Parent: #1




العزيز والصديق الكاتب والشاعر : أسامة الخواض .

الشكر موصول لك وأنت ترصد وتُحقق في استخدام اللغة .
لديَّ ملاحظة أريد أن أشركك بها :

1.
كانت لي حول توصيف الأستاذ المرحلة من طفولتها إلى اكتمال نموها ، واستخدم ( من الطفولة إلى الرجولة ) وبدأ كما أشار الصديق الدكتور
عبد لله بشير بولا في ملاحظة جلبتها لنا عن ( ذكورية ) خطاب الأستاذ ، وأنا أرى أنها خيار لُغوي هيمن عليه ظواهر صارت تُسمى ( رصد علوم نفس اللغة المكتوبة ) وهي ضرب من القراءة النفسية للغة التي يستخدمها الذين يتقنونها ، ويتعين معرفتهم الدقيقة باستخدام المُفردات ، وما ينفلت في اختيارهم دون ما يُعززه من رؤى فلسفية فهي في عداد الأثر المجلوب من استخدامات العامة دون القصد المُسبق ولا تعني وفق كل المعطيات من خطاب الأستاذ ( ذكورية )

2.
إني أتوجس من الاستخدام في لغة العامة : ( مجتمع بدائي ) أو ( مجتمع متخلف )
فإن دقق المرء في اللفظ فسيرصُد غلظة مُبطنة رقيقة الحاشية تكاد نحاول أن تفلت ، ولن تفلت :
فإني أفضل ( مجتمع في طور النمو ) بديلاً عن ( مجتمع متخلف )
ولم استطع ايجاد بديلاً ولكن ( مجتمع بدائي ) تقف غليظة في وجه :
( أنسنة اللغة )
ونواصل

Post: #688
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-09-2007, 05:07 AM
Parent: #687

شكرا صديقنا شقلينا على مداخلتك الموحية والتي تعيدنا الى ما قال به بولا عن ذكورية خطاب الاستاذ.
اعتراضي الاساس على دراسة بولا كما ذكرتها في هذا المنبر عندما نشرت مقالته عن الاستاذ،
انها دراسة لم تشمل خطاب الاستاذ ،وانما بعضا من كتبه بحسب المتوفر لدى بولا لظروف نعرفها جميعنا ونقدرها،لكن ذلك لا يمنعنا من التعبير عن قصور درسات مجتزئة كهذه ،
ويتبقى لبولا فضل الريادة .
الذكورة في ما قال به بولا لم تكن موفقة لانها لا تعبر تعبيرا جندريا ،وانما تعبيريا من صميم المخطط النظري للفكرة الذي يقول ان كاتب الرسالة الثانية هو رسولها ،ولو قال بغير هذا سيعتبر غير متجانس مع فكرته الرئيسة،
ولذلك اشرنا الى مواضع كثيرة من خطاب الاستاذ تتبدى فيها "ذكورية الخطاب".
لا اتفق مع الفكرة التي تقول ان الكاتب يقع في مثل تلك التعبيرات الجندرية وغيرها نتيجة لانسياقه وراء الاستخدام العامي ،و انما نتيجة لسلطة الخطاب الفكري ،وليس الخطاب العامي.وهذا لا يمنع انزلاق الكتاب الى سلطة الخطاب العامي.ومن ضمن ذلك ما حاولنا الاستشهاد به من ان الاستاذ قد يكون وقع ضحية خطاب الافندية حول المجتمع السوداني.
مع تقديري
المشاء

Post: #689
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-09-2007, 11:34 PM
Parent: #1

عزيزنا الكاتب : أسامة ،
ودون وعي مُباشر مني تذكرت نصاً قرآنياً وتفسيرين له
الآية :
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }مريم25

التفسير المُيسر الأول :

وحَرِّكي جذع النخلة تُسَاقِطْ عليك رطبًا غَضًّا جُنِيَ مِن ساعته.
تفسير مختصر تفسير الجلالين الثاني :

25 - (وهزي إليك بجذع النخلة) كانت يابسة والباء زائدة (تساقط) أصله بتاءين قلبت الثانية سينا وادغمت في السين وفي قراءة تركها (عليك رطبا) تمييز (جنيا) صفته
الرؤى :
وأنا أقرأ لك عزيزي الكاتب أسامة ، مرّ بخاطري رؤيا غريبة وأنا أقرأ الآية التي تتحدث عن مريم العذراء ، وأنا بين تفسير القواميس الذي ذكرتنا به الدكتورة مهيرة ، والتفسير الذي يُرجع قوة هز جزع النخلة ومريم في موقع أسفلها لهبة من مولاها وهي في أضعف حالاتها الجسدية ، وكيف تجاوز التفسير تعقيد القواميس إلى تفسير القدرة المُبطنة للمولى حين يقول للضعيف : ( كُن قوياً ) ،
وتلك حبكة تفسيرية تحتاط لكل الغرائب التي تتبدى من بين النصوص ولا تُناسب المنطق المُعتاد .

مثل هذه النصوص على علاقة رقيقة وقوية بالخطاب الصوفي المُبطن
والمتوفر في كثير من النصوص الموحية والتي تتناقض ظاهرياً مع المعروف عن الطبيعة ,

ونواصل


Post: #690
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-11-2007, 09:06 PM
Parent: #689










محمود محمد طه
روح ٌ ٌ متسامحةٌ تُرفرِف من فوقنا

***

السيف لم يكُن أصدقُ إنباءً إلا عند الجبابرة الذين يُمثلون بالأجساد
ويحِزُّون الرؤوس علها تُشفي الغليل ،
أو يُعلقون أبطال الفكر كأقراط تتدلى لتُزين الإنسانية التي تقف للجبابرة وقفة الأسود .
تنقبض النفس من الفعل النكير ذات ضحى حين كان سيد الفكر حاضر البديهة ،
مُستعداً للقضاء الذي انتظره بجأش من يُهدي على خد الطفولة قُبلةً أو بسمة أو حضن أبٍ وفي .

لم يزل الذين توهجوا بأن لهم اليد في استشهاده يتوجسون فتح الملف الناصع لابن بار من أبناء موطني ،
أمسك قلمه وكتب وتحدث .لا أعلم أي بُعد نظر وصف به أعداءه حين يتمرغون في حرير السلطان ثم
أوحلوا الأديان وكيف تحِل بالوطن فتنة التقسيم ؟

كان الشهيد يعلم أي مدى تبلغه اليد الباطشة التي تآخي السلطة منذ تاريخ طويل ولم تزل .
على أعشاش شُجيرات الوطن التي احتجبت أوراقها النُضيرة
تأتلق السُحب لموعدٍ تُحدده بطون الأمهات بالمواليد التي تحمل الفأل
والوعي إلى سُلم العُلا ليُزهر الربيع في وطنٍ أضحى الكثير من أبنائه وضيعين بالسؤال .

لن نستيئس عندما يُغمض الفرحُ أجفانه بُرهـــة في التاريخ ، ويصهل الحُزن في القرى والبوادي ،
فهنا أمل يقف على حافة السقوط
وينتظر أبناء الوعي الجديد بالإنسان الذي ينهض من الرُكام
ليوقف القدم الهمجية التي لم تزل تعبث بتاريخ وطنٍ به من بسطة الماء
والأرض وباطنها ما يجعله ثمرة للطامعين من قادة بيزنطة الجديدة .
نعم إن ظُلم ذوي القربى سكين في قلب من يرغب حُضنكَ لتقتله .

من هنا تنهض ذكراه في يوم يقف العالم الحُر ضد تنفيذ الإعدام .
كم أزلَّ أرضنا إعدام من لا يستحقون ويبقى الأشقياء
كحشرة خُرافية تجثم على صدور الأحرار .
ألف سلام عليك يا سيد الفكر ، لتُظللك غمائم المحبة
والربيع الذي ينعمُ السالكين تحت ظله عندما يقرءون ما كتبت
أو يسمعون حديث العابد الذي يفتح أذرعته للخير من نَعمة لو علم بها الملوك كما قيل
لجالدوكُم عليها بالسيوف .

*

Post: #691
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-12-2007, 10:46 AM
Parent: #690



نقل لنا الأستاذ / عبد الله عثمان النص :

Quote: قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون
وأجنحة تطير بغير ريش إلى ملكوت رب العالمين


ترى القلوب دبيب النمل يبحث عن قوته ، فتعشق الكون وما حوى



Post: #692
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-13-2007, 05:13 AM
Parent: #691



يعبرنا عيد جديد في غيابه




Post: #693
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-13-2007, 01:18 PM
Parent: #1



ونواصل في الدراسة ، ولدينا كتاب
نأمل أن يوافق صديقنا أن نُساهم به
في ثراء المبحث حول الذكورة ...
ونحن ننتظر : الأستاذ / أبوبكر
بعد أن يوافق أن نقرأ رايه على جمهرة القراء هنا
والسادة / الأفاضل الكتاب .


Post: #694
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-14-2007, 09:13 PM
Parent: #693




للذين سهروا معنا
وللذين جلسوا للقراءة
وللذين اشتركوا معنا :

عيد سعيد وأمنياتنا لكم
بأيام أكثر فرحاً
وبسطة في الرزق


Post: #695
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-15-2007, 05:15 AM
Parent: #694

كل عام وانتم بخير ،وخاصة الذين يتابعون هذا البوست.
ذكر الكاتب الشقليني اسم الاستاذ أبوبكر.
من هو الاستاذ أبوبكر؟؟
نأمل ان نحظى ببحثه عن الذكورة.
مع محبتي
المشاء

Post: #696
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: adil amin
Date: 10-15-2007, 10:04 AM
Parent: #695

عندما ينقشع الفجر الكاذب من المحيط الي المحيط لانبياء كاذبون ملتحون يقرقعون ويركبون على الشعوب ولا رسالة...يبيعون الوهم
عندما ينقشع الزبد الذى لا يذهب جفاء من السودان

ستشرق شمس الحقيقة...وان انكرها اللذين قلوبهم غلف..لماذا؟

لان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا

فطوبي للغرباء

كل عام وانتم بخير

Post: #697
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-17-2007, 04:58 AM
Parent: #696


في رؤيته التطورية للاديان ،يصف الاستاذ محمود محمد طه،
الديانات قبل التوحيدية بالبدائية وهذه نظرة تتضمن السذاجة و الغلظة ،
و لا يرى تاريخ الاديان في تسلسلها وارتباطاتها،
و دور تلك الاديان "البدائية " في تاسيس رؤى و تصورات الاديان التوحيدية.
و بالرغم من قول القمني بالبدائية في وصفه لتلك الاديان ،لكنه لا ينفي تأثيرها القوي في الاديان التوحيدية والتي اسماها بالابتدائية كمقابل للبدائية.
يقول سيد القمني في مقدمة كتابه الهام "الدين والأسطورة":
Quote: و الواضح أن الباحثين في تراثنا ،لم يهملوا القديم من هذا التراث إلا لأنه أسطوري،و لم يهملوا الأسطورة إلا لأنها تعني بالخرافات و اللامعقول وأقاصيص الآلهة,وواضح أيضا أن هذا الفهم لم يتأت بعد درس صادق و عميق للأساطير والتراث القديم،قدر ما انبنى على حكم تأسس على فهم شائع عن الأسطورة كخرافة و تلفيقات بدائية لا أساس لها ،ولأن العرب احتسبوها أباطيل،ولأن الاديان الشرق أوسطية الكبرى قد اعتبرتها نوعا من العقائد الباطلة،هذا بالطبع مع ما درج من مفاهيم أنتجها معنى المصطلح القرآني عن الأسطورة ،و احتسابها من خرافات الأولين،وربما ساعد على ذلك الإهمال،البعد الزمني ما بين التراث القديم وبين اليوم،وتصور عدم إمكانية التأثير عن بعد،أو إمكان بقاء موروث ذي قيمة مؤثرة في حياة أناس اليوم ،هذا ناهيك عن الوهم المستبطن غير المعلن والناشئ عن مفاهيم تراثنا الإسلامي، والذي يصل إلى اقتناع بانقطاع تام لدى شعوب المنطقة مع ماضيها القديم،بحيث لم يبق لها غير العروبة والإسلام"

ص ص 23-24
ثم يتحدث عن الاديان الابتدائية وعلاقتها بالاسطورة:
Quote: وهنا يبدو واضحا ان ثمة علاقة من نوع ما بين الاسطورة والدين تطلب تحديدا و توضيحا ،ولأن حديثنا عن التراث القديم،فسيكون من الدقة الإشارة إلى أن ذلك التحديد و التوضيح سيتركز على الأديان الابتدائية ،و التي وصلت أوج القوة مع ظروف اجتماعية واقتصادية بعينها لم تعد الاسطورة تفي بمطلب مواكبتها،مما أدى لتجلي الدين كبديل معرفي أشمل وأقدر على المعالجة المعرفية،وحل إشكاليات مستجدة لم تعد الاسطورة كافية لحلها ومعالجتها،إضافة للعنصر الجديد الذي تلبسه الدين ليتميز عن الاسطورة "
ص 28
*سيد القمني ،الاسطورة والتراث،المركز المصري لبحوث الحضارة"تحت التأسيس"،الطبعة الثالثة ،1999

Post: #698
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-17-2007, 06:38 PM
Parent: #697

Quote: عندما ينقشع الفجر الكاذب من المحيط الي المحيط لانبياء
كاذبون ملتحون يقرقعون ويركبون على الشعوب ولا رسالة...يبيعون الوهم
عندما ينقشع الزبد الذى لا يذهب جفاء من السودان.


العزيز : عادل
تحية طيبة لك وكل عام وأنتم بخير




Post: #699
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-17-2007, 07:07 PM
Parent: #697

الكاتب : أسامة الخواض
تحية طيبة لك ،
قرأت المُداخلة الأخيرة
Quote: ثم يتحدث عن الاديان الابتدائية وعلاقتها بالاسطورة:

Quote: وهنا يبدو واضحا ان ثمة علاقة من نوع ما بين الاسطورة والدين تطلب تحديدا و توضيحا ،ولأن حديثنا عن التراث القديم،فسيكون من الدقة الإشارة إلى أن ذلك التحديد و التوضيح سيتركز على الأديان الابتدائية ،و التي وصلت أوج القوة مع ظروف اجتماعية واقتصادية بعينها لم تعد الاسطورة تفي بمطلب مواكبتها،مما أدى لتجلي الدين كبديل معرفي أشمل وأقدر على المعالجة المعرفية،وحل إشكاليات مستجدة لم تعد الاسطورة كافية لحلها ومعالجتها،إضافة للعنصر الجديد الذي تلبسه الدين ليتميز عن الاسطورة "
ص 28
*سيد القمني ،الاسطورة والتراث،المركز المصري لبحوث الحضارة"تحت التأسيس"،الطبعة الثالثة ،1999


الكاتب أسامة الخواض
تحية طيبة لك ،
إني أرى مفهوم ( المجتمع الابتدائي ) التي أوردها الكاتب " سيد القمني "
هي مفتاح لُغوي مُتسامِح ويخلو بالفعل من غلظة ( المجتمع البدائي )
وإني أرى أن للغة حمولات ثقافية يتعين التدقيق فيها ، ونخُص هنا أصحاب الرؤى ، والسعي الحثيث للإفهام والسعي وراء الفكرة قد يترك الكاتب يتعجل السرد اللغوي ، وتتسلل من بين خطابه أحمال غليظة يتم تجاوزها بالتدقيق .
ولا أحسب الأستاذ رغم ورود النص الدامغ إلا أن النص المكتوب هو الحكم .
ونعرف أننا نُحاسب كتابته بذهن اليوم ، وذاك من فرط السعي ورقة اللغة التي ولجنا ونحسب لكل لفظ حساب .
إني أتفق مع رؤى القمني حول المجتمع الابتدائي ، ولست مع المجتمع البدائي ، فالابتدائي منزلة من بدء الشيء ، أما البدائي ففيها وصمة لا تتعلق بالترتيب بل بدرجة لها حمولاتها من مسلك ومن نمط حياة وجفاف معاملة وقسر ولسنا في حاجة لتلك الأوصاف .
شكراً للتحري والتدقيق ،
ونواصل



Post: #700
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-18-2007, 06:11 AM
Parent: #699

عزيزي الشقليني
يبدو ان هنالك سوء فهم في ما يتعلق بمسالة البدائية والابتدائية في خطاب القمني.
وساعود للتعليق على هذا الامر.
مع محبتي
المشاء

Post: #701
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-19-2007, 06:16 AM
Parent: #700

عزيزي الشقليني
أعود كما وعدت للتعليق حول اشادتك باستخدام القمني للابتدائي في مقابل البدائي.
وفي الحقيقة أن القمني نفسه هو ضحية لتبنيه لمصطلح البدائية الكريه السمعة.
ولذلك قلت:
Quote: و بالرغم من قول القمني بالبدائية في وصفه لتلك الاديان ،لكنه لا ينفي تأثيرها القوي في الاديان التوحيدية والتي اسماها بالابتدائية كمقابل للبدائية.
وكلامي عن المقابل لم يكن يعني المكافئ ،وانما يعني النقيض أو الآخر ،
كما في حديثنا عن وفي المقابل يرى الاستاذ س .......
او كما في حديث اهل المغرب عن مقابلة اي ماتش بمعنى اللقاء بين فريقين.
مع محبتي
و لي ملاحظة حول انعدام المداخلات ،اذا استمر الامر هكذا فليس هنالك جدوى من رفعك للبوست باسم ذرائع كثيرة و عبارات تدخل في باب الذرائع.
يمكنك ان تغلق البوست ،وان يبدو البوست بوستا للقراءة ،وليس للنقاش والتفاعل المعرفي
مع محبتي الموشاة بكثير من الالم
المشاء

Post: #702
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-19-2007, 07:20 AM
Parent: #701


عزيزي
الكاتب : الخواض
بالفعل بدأت التفكير في وقف المقارنة بين ابن عربي والأستاذ محمود ،
لربما لبوست آخر وكذلك بوست عن الأستاذ و والسياسة
كنت بالفعل في انتظار توضيح من الأخ / أبوبكر بشير
حول ملخص له حول الذكورة أرسله لي في البريد الإلكتروني وطلبت موافقته ووصلني رد منه
ولم أقرأ رغم محاولتي عن طريق ( الإنكودينق )

تقبل تحيني
وسوف نقلق البوست بعد مداخلة أبوبكر وردك إن أردت ،
وسنقدم نصاً الوداع بما يليق
ومن ثم نحفظه في أرشيفين : واحد لنا والآخر لأرشيف الأستاذ
وطلب ذلك تفضلاً من الأخ بكري
تحية لك

Post: #703
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-20-2007, 08:46 AM
Parent: #702

عزيزي الشقليني
احترم موقفك الاخير الشجاع
ولنا ان نحني هاماتنا للقراء والقارئات
محبتي
المشاء

Post: #704
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-22-2007, 06:05 AM
Parent: #703

لمزيد من القراءة قبل اغلاقه.
محبتي
المشاء

Post: #708
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-23-2007, 10:30 PM
Parent: #704



شكر وعرفان لكل من أسهم معنا




بسم الله المبتدأ ،

يقول الذكر الحكيم :

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الحج54

يعُز علينا ونحن في منعطف هذه الدراسة وهي في كامل نضارها وألقها أن نختم هذا العمل الذي ما كان أن يتم إلا بفضل نعمة من نِعم المولى وبفضل نفرٌ عَمروا الفكر برؤاهم ، وقال أحدهم وهو الشاعر والناقد الأستاذ / أسامة الخواض :

إن خير تكريم للمُفكر الراحل : الأستاذ / محمود محمد طه هو أن نقوم بدراسة رؤاه التي قضى فيها من العُمر ما يقارب الأربعين عاماً نهجاً ومسلكاً وعلماً مُيسراً للناس ، و يحتاج فكره جيشاً جراراً من المفكرين بتنوع اختصاصاتهم وإنجاز دراسة مُقارنة بمن سبقوه من مفكرين على جميع الأصعدة .

لقد صدق الأستاذ / أسامة الخواض ، وهو والدكتور ياسر الشريف من الذين لهم القدح المُعلى في أن يُصبح هذا العمل الذي نزعُم أنه من أضخم الأعمال التي انتهجت حرية الفكر التي كان يدعو لها هذا المُفكر و البطل الباسق الأغصان و المُترف الثمار من أبطال هذا الوطن وقد تنوعت الدراسة في تأريخ فكره ورؤاه والزعم بأننا أنجزنا الكثير مُتبعين مناهج أكثر حُرية في التناول وأكثر شفافية وأكثر رصداً ، وأقمنا جميعاً ملفات عن المصطلحات التي يستخدمها الأستاذ ومناهجه في الفلسفة مقارنة مع من سبقوه من مفكرين كتبوا بالعربية وغيرها والكثير من علماء النفس وفلاسفة السياسة والدين الإسلامي ومن المتصوفة ما تيسر لنا من دراسة مقارنة .

إن الدراسة الحُرة التي انتهجنا هُنا أخذت من الطرائق الأكاديمية روحها ، ومن النقد أكثر المناهج يُسراً وتقدماً وفق الذين أسهموا معنا.

لم تكن الدراسة إلا طريق من طرائق تكريم مُفكري وطننا ، ونحن موعودون في كل مرة بغيبتهم الفاجعة ، وليست تلك بخفية على القراء الأفاضل والقارئات الفضليات . إن من مكر الأمم ذبح المُفكرين ، بيد بني وطننا وبيد من يديرون قطع الشطرنج من على البُعد كي لا تنهض أمة من غيبتها لتنهض بالعلم وبالمعرفة وتعبث ولم تزل القدم الهمجية أينما تيسر لها من العبث ليحصد من يقف من وراء ذلك حصاداً وضيعاً عن قصد أو عن جهل .

لقد نذر الأستاذ " محمود محمد طه " فكره في دعوة أن ينهل الإسلاميون من منابع فكرهم فبنهج التأويل يمكن وفق ما رأى هو أن يتقدم فكر العقيدة ليُنازع الفلسفات التي تؤسس لحياة إنسانية كريمة مكانتها ، ولم يكن نضاله إلا بالقلم والخطاب الشفهي والدعوة المُرسلة بصراع الفكر لا صراع السيف والقتل ، ولما اشتد أوار صراع الفكر وعجز الذين يُصارعونه على المنازلة استخدموا سلاح بتر الجسد لعلهم يهزمون الفكر ، فوقف وقوف الأبطال في ساحة الوغى وأزل الحكام وربائبهم وسدنتهم ومن نصوبهم من أصاغر كتبة القوانين ليذلوا أعداء السلطان فكانت مقولة الأستاذ برفض التعامل مع محكمة مشوِهة للعدالة شكلاً ومضموناً وارتكزت على أكثر المرجعيات غلظة وأسهمت ضمن ما أسهمت في تشويه العقيدة كفكر حر ، والارتداد إلى عصور الغلظة والبتر والتقطيع وتكميم الآداب والفكر والفنون والقيم النبيلة وأنزلوا ستائر الجهل لحجب المعرفة و وقف طريق التقدم وأحالوا الوطن ومواطنيه إلى سجون القهر وأسهموا بالقدح المعلى في تعميق أزمة الهوية و وصم العقيدة بكل مُنفر .

قبل أن نختم الملف يتعين علينا أن نمُد لغة المحبة ونهج عرفان الجميل على كل من أسهم في أن يرى هذا الأمر النور من كُتاب وقُراء وكاتبات وقارئات ونخص من أسهم من على البُعد برفدنا بالكثير من الآراء ومناهج التقويم التي جعلت من هذا الأمر الجليل الخطب ممكناً .

كما نود أن نعتز بأن هذا الملف قد يسر لغة حوار ثري بيننا جميعاً ، على اختلاف رؤانا ونحن نقف موقفاً نحسبه يوطن للغة الخلاف والحوار الثري الذي لم نعتد في منابر كتابة السودانيين أو ذوي الأصول السودانية من حفظ الود وتعميق الصلات بين المتحاورين والمختلفين في رؤاهم ومناهجهم ومنطلقات فكرهم .

ومن هذا المنبر نحيي مدونة ( سودانيزأونلاين ) التي يسرت الأرشفة ومدونة ( سودانايل ) ومدونة ( الفكرة ) لمدنا بالكثير من الوثائق التي جعلت من هذه الدراسة ممكنة ، وليعذرنا القراء والقارئات إن قصرنا في التناول أو الإيجاز في التبيين أو القطوف إن تجاوزت ، وكنا نأمل التبويب المتقن ولكن طبيعة الكتابة على الشبكة العنكبوتية والوقت المُيسر الذي ننتـزعه من هذه الحياة القاسية هو الذي ترك أثراً على طبيعة إخراج الدراسة .
الشكر موصول للمذكورة أسمائهم أو أسمائهن من الأساتذة أدناه :
الشكر الخاص لشركاء الدراسة :

الأستاذ أسامة الخواض
الدكتور ياسر الشريف

والشكر للأستاذ / بكري أبوبكر للدعم الفني
وتيسير مساحة ضمن ( البيت الكبير )

والشكر للمشاركين والمشاركات :
أبو الحسين
محمد عكاشة
عمر عبد الله
حيدر بدوي صادق
خالد كودي
منعم الحويرص
د.محمد حسن
محمد آدم
معتز قريش
نادر
مريم بت فاطنة
عثمان محمدين
عبد الغني كرم الله بشير
أبو الطيب
أبوبكر حسن خليفة حسن
دوما
مختار مختار محمد طه
علي عمر علي
عشة بت فاطنة
عبد المنعم عمر إبراهيم
دكتور النور حمد
عثمان موسى
عبد الحي علي موسى
مسعود
د. مهيرة

وتقبلوا التحية والاحترام
عبد الله الشقليني
23/10/2007 م

Post: #709
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 10-24-2007, 04:26 AM
Parent: #708

وداعا ،ونرجو ان نرى المساهمات تأخذ شكل كتاب ،
وهذا ما اخطط له.
مع محبتي
المشاء

Post: #710
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-28-2007, 05:28 PM
Parent: #709

نعم أيها العزيز
أسامة

Post: #705
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-23-2007, 06:19 PM
Parent: #1




التحية للأساتذة :
الناقد و الشاعر : أسامة الخواض
الدكتور : ياسر الشريف
الأفاضل والفضليات
والأحباء جميعاً

قبل ختام الملف ،

نهديكم :





محمود محمد طه و تميمة الشفاء

***

Post: #706
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-23-2007, 06:39 PM
Parent: #705







محمود محمد طه و تميمة الشفاء




(1)

كتب الشاعر درويش :

لملمت جُرحك يا أبي
برموش أشعاري
فبكت عيون الناس
من حُزني ... ومن ناري
وغمست خُبزي في التُراب
....................

(2)

وكتبنا :
هذا زمان الطيف يُحْيي مَوات الأرض .
هذا ربيع الصفاء ،
يحمله الريح إلينا.
يهُز جُذوع أشجارٍ
لكَ تقرأ أسفاراً .
تَمَهْلتَ الطريق إلى العُلا .
مولدك المُنى يا سيد الغائبين ،
يا عالياً في بُرجِك.
اهتديت لتُهدي
ومن ورائكَ الأحجارُ ،
في تسبيحها حين تذكر رَبك ،َ
تنظُرك َ بفرَح السُكون وتَبتهِج .

(3)

كُلنا لم نَعرفك حق عِرفانك إلا عند رحيلك الساطع ، حين توهج نجمك في ضُحى الجمعة العظيمة مرقتَ مروق السهم من بين أبناء جيلك. رميتَ القدح المُعلَّى وخير الطبقة التي أثرت من كدح الفقراء و من خير الزرع و الضرع .هُم تعلّموا وتيسرت لهم سُبل العيش الكريم وقليل منهم نذر حياته لرد الجميل .أنت مع القليل تبذُر للفلاح .
جئت أنتَ سيدي من بطن أمٍ ولدتكَ والمستعمر يدُق أوتاده سنوات من بعد كرري واستباحة أم درمان .

(4)

اعتاد العُباد على المحبس الفردي ففيه يتخفف المرء من أحمال الحياة ويبدأ التعميد من جديد.كنت سيدي من السباقين ومن بعد فك أسركَ الأول جلستَ جلوس المُخلصين للقراءة والتأمُل في رُفاعة وجَلَست معك المحبة تقرأ لك من الذكر الحكيم :

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء .....} فاطر28 .

سألت ربك وانفتحت نعمة الفِكَر عليك . كان إيمانكَ هو القوي فتدفقت نُذر الخير مطراً مِدراراً. من هناك تفتَّح الذهن المُتقد واستبطنتَ التاريخ القديم والحاضر و وَلجتَ المُستقبل ونهلت من أعذب الموارد التي ينهل منها صِحابكَ المتصوفة وهم في الطريق . جلستَ للصفاء وحفرتَ بأظافر تقواكَ حتى انفتحت لكَ الآفاق .جالس أنتَ على بُساط الأرض . لباسكَ من لباس العامّة ومجلسكَ للعلماء مكاناً للترويح . فروحكَ السَمحة بوابة للنفوس العطشى لتغرف من الروح عندما يكون الإنسان مُتصالحاً مع نفسه .

(5)

لم تغب أنتَ عن رؤى الذين من حولكَ وكنتَ وسطاً مُبدعاً يرى العقيدة روحاً تُرفرف تُعيد للإنسان حيويته ومحبته للآخر . أوجزتَ رؤاكَ عن البدائل التي تحترم الفرد وتحترم الحرية . تحدثت عن علوم النفس البشرية وعن فكرتك غير المسبوقة في تأويل النصوص تمهيداً للفهم العميق للرسالة المُتسامحة التي احتجبتْ من ثِقل عظمتها عن عقول الذين عاصروا حياة النبوة ونَسَختها الشريعة فهي تُناسب أهل الزمن الماضي إلى أن جئتَ بنظرتكَ الثاقبة واكتشفت العقيدة وروحها بالتأويل، فكانت الرسالة الثانية .

(6)

عندما يجلس الذين ينتظرون الفيض الرباني عند الشروق أو المغيب تتبدى فتنة الشمس في ألقِ بهائها . تخرُج موجات تحت الحمراء لتُقِّوي الأجساد والأرواح . جلستَ أنتَ جلوس الصبر في خلوتكَ ساكناً مُتأملاً , دواخلكَ يصطخِبُ موجها وإلى الشواطئ تستريح . نهلتَ من زاد المتصوفَة و حيواتهم الضاربة في عمق التاريخ وهي تقول لك :

ـ اركب رواحِلنا إن كنتَ ظمآن لترتوي .

نهلتَ سيدي من الينابيع الصافية فخير الزاد التقوى . صبرت على الدُنيا وهي تُغريك بلباسها المُترَف ولم تستجب . على بساط الأرض حيث تدُب الكائنات تطلب رزقها جلستَ أنتَ تتأمَلْ .
على وجهكَ كلما نظرنا يفتَّر بَسمك . عابدٌ أسعدته الدُنيا وغسلت نفسهُ من كل تاريخ الإنسانية الأسود وَعُدتَ طفلاً ملائكي الملمح والمشرب والمسكن والمسلك .ضرب ذهنك المُتقد الآفاق بأجنحة فراشٍ خُرافي يأمل أن ينظره ذو مِرِّّة حين يستوي على الأفق الأعلى . يلمحه بطرف ذاكرة النبوة حين تفيض على المُحبين . سِرتَ تطلُب الرُقي وكان النبي الكريم سائراً قبلكَ وعلى خطوه مَشيت .

(7)

على كفيكَ قمرٌ هُنا وشمسٌ هُناك ، تَحمَّل وجدانَك طريق المتصوفة بعقولهم النيِّرة . آن لمخاض الفتح المعرفي أن يكشِف الدروب التي تأمل أن ترتقي سُلم المجد الرباني . رحيلك البهي سيدي وأنتَ تتلألأ إشارة أن موعد التغيير قد حان أوانه . للذين يمشون على وقع الحافر من بَعدك ، عليهم خطوات لغسل ما تبقى من أثر غلظة ماضٍ ينتظر تثقيف السِنان برِقة الإنسانية .
على الزهر الذي أينع في ذكراك تكوَّر الندى وتجمع السحاب في السماء يُظللنا من شمس الضُحى وهي تعتدل إلى الظهيرة .أفواج المُحبين والمندهشين جاءوا لوداعَكَ فالجلاد لم يكن في حُلة الرُعب يرتجِف مثل ما كان ذاك اليوم .أغمضَت الشمسُ أجفانها نذير عافيةٍ كصراخ الأمهات عند الطلق وإلى موالد الأنوار أطفالاً إلى المُستقبل و نفض العُقاب جناحيه وانتفض .
أيها البهي الذي ينظرنا من العُلا : كنتَ تعُدّ العُدّة لتكملة النذر الذي نذرته على نفسِكَ و وهبتَ تلاميذك والقراء جميعاً مفاتيح كيف يرتقي المرء من أرضه وتُطل السماء بأنوارها علينا و تُزهر حقول الحياة .

عبد الله الشقليني
21 /10 / 2007 م

Post: #707
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 10-23-2007, 10:13 PM
Parent: #706

الأخ العزيز والصديق الغالي عبد الله الشقليني،

تحية المودة

أخجل أن أكتب أي كلمة بعد رسالتك هذه الخاتمة، فالصمت في حرم الجمال أبلغ في تقديري..

الله يبارك في عمرك..

ولا نقول وداعا ولكن إلى اللقاء..

ياسر

Post: #711
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: مهيرة
Date: 10-29-2007, 10:02 PM
Parent: #707

الأخ الفاضل الأديب عبدالله وضيوفه الأكارم:

أود أن اكمل مشاركتى فى هذا البوست قبل اغلاقه، وهى تتعلق بموضوع مداخلاتى الأساسى حول التفسير والتأويل القرآنى فى خطاب الأستاذ،
Quote: يقول الأستاذ: (وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي ((علمية)) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شئ في صدور الناس الآن، وسيجيء الحـق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه، وتتفوق عليه.. وسيذعنون لها، وستستيقنها نفوسهم، وسينقادون لها.. لا يشذ عنها شاذ، ولا يعصي أمرها عاص.. يقول تعالى في ذلك: ((طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم، من السماء، آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)).. وهذه الآية إنما هي بيان الكتاب المبين المطوي في آية ((طسم)) هـذه.. وهـذه هي مهمة الرسالة الثانية من الإسلام.. هذا مجال التفاوت في فردياتها.. تلك الفرديات التي تنشأ على أديـم مجتمـع تحكم علائـق أفراده الشريعة التي تقـوم على أصول القرآن..)

وقد تساءلت فى أحد مداخلاتى عن:
* ماهو الكتاب المبين المطوى فى آية ( طسم) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وبالعودة الى كل السور المبتدأة باحرف وهى 29
1- البقرة وهى مدنية: (الـ̃ــم̃* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيه ِ هُدى ً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَآئِكَ عَلَى هُدى ً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَآئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *)
2- آل عمران وهى مدنية: (الـ̃ــم̃ * اللَّهُ لَآ إِلَهَ إِلَاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقا ً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ*)
3- الأعراف وهى مكية: (الـ̃ــمـ̃ص̃ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَج ٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِه ِِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلَا ً مَا تَذَكَّرُونَ *)
4- يونس وهى مكية: (الـ̃ــر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُل ٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْق ٍ عِْنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِر ٌ مُبِين*) ٌ
5- هود وهى مكية: (الـ̃ــر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُه ُُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير ٍ * أَلَاَّ تَعْبُدُوا إِلَاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير ٌ وَبَشِير ٌ* وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَنا ً إِلَى أَجَل ٍ مُسَمّى ً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْل ٍ فَضْلَه ُُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْم ٍ كَبِير*) ٍ
6- يوسف وهى مكية: (الـ̃ــر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاه ُُ قُرْآناً عَرَبِيّا ً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِه ِِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ *)
7- الرعد وهى مدنية: (الـ̃مـ̃ـر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ * اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد ٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ ٌ يَجْرِي لِأجَل ٍ مُسَمّى ً يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءَِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ*)
8- ابراهيم وهى مكية: (الـ̃ــر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ~ُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَه ُُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْل ٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَاب ٍ شَدِيد ٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَآئِكَ فِي ضَلَال ٍ بَعِيد*) ٍ
9- الحجر وهى مكية: (الـ̃ــر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآن ٍ مُبِين ٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ* ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة ٍ إِلَاَّ وَلَهَا كِتَاب ٌ مَعْلُوم *)ٌ
10- مريم وهى مكية: (كـ̃ــهيـعـ̃ــص̃ * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَه ُُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّه ُُ نِدَآءًَ خَفِيّا*) ً
11- طه وهى مكية: (طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَاَّ تَذْكِرَة ً لِمَنْ يَخْشَى *)
12- الشعراء وهى مكية: (طـسـ̃ــم̃ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِع ٌ نَفْسَكَ أَلَاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَآءَِ آيَة ً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ *)
13- النمل وهى مكية: (طـس̃ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَاب ٍ مُبِين * هُدى ً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ *)
14- القصص وهى مكية: (طـسـ̃ــم̃ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْم ٍ يُؤْمِنُونَ*)
15- العنكبوت وهى مكية: (الـ̃ــم̃ * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ *)
16- الروم وهى مكية: (الـ̃ــم̃ * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*)
17- لقمان وهى مكية: (الـ̃ــم̃ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدى ً وَرَحْمَة ً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَآئِكَ عَلَى هُدى ً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَآئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم ٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب ٌ مُهِين*) ٌ
18- السجدة وهى مكية: (الـ̃ــم̃ * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيه ِِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاه ُُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْما ً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِير ٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ *)
19- يس وهى مكية: (يس̃ * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاط ٍ مُسْتَقِيم *)ٍ
20- ص وهى مكية: (ص̃ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة ٍ وَشِقَاق ٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْن ٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاص *)ٍ
21- غافر وهى مكية: (حم̃ * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ~َ إِلَاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ * مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ*)
22- فصلت وهى مكية: (حم̃ * تَنزِيل ٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَاب ٌ فُصِّلَتْ آيَاتُه ُُ قُرْآناً عَرَبِيّا ً لِقَوْم ٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرا ً وَنَذِيرا ً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *)
23- الشورى وهى مكية: (حم̃ * عـ̃سـ̃ـــق̃ * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَه ُُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ*)
24- الزخرف وهى مكية: (حم̃ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاه ُُ قُرْآناً عَرَبِيّا ً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّه ُُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم ٌ * أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنتُمْ قَوْما ً مُسْرِفِينَ *)
25- الدخان وهى مكية: (حم̃ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاه ُُ فِي لَيْلَة ٍ مُبَارَكَة ٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم ٍ * أَمْرا ً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَة ً مِنْ رَبِّكَ إِنَّه ُُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*)
26- الجاثية وهى مكية: (حم̃ * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَات ٍ لِلْمُؤْمِنِينَ *)
27- الاحقاف وهى مكية: (حم̃ * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَل ٍ مُسَمّى ً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ*)
28- ق وهى مكية: (ق̃ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَآءَهُمْ مُنْذِر ٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْء ٌ عَْجِيب ٌ* أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابا ً ذَلِكَ رَجْع ٌ بَعِيد*)
29- القلم وهى مكية: (ن̃ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون *ٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُون ٍ* وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق ٍ عَْظِيم*) ٍ
وبمراجعة افتتاحيات هذه السور القرآنية تجد أن اختيار الاستاذ محمود لافتتاحية سورة الشعراء (المكية) كان هو الأنسب لما ذكره لبيان الكتاب المبين المطوى فى هذه الآية والذى استدل به على مهمة وزمان ورسول الرسالة الثانية كما ذكر الأستاذ:
Quote: (يقول تعالى في ذلك: ((طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم، من السماء، آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)).. وهذه الآية إنما هي بيان الكتاب المبين المطوي في آية ((طسم)) هـذه.. وهـذه هي مهمة الرسالة الثانية من الإسلام.. هذا مجال التفاوت في فردياتها.. تلك الفرديات التي تنشأ على أديـم مجتمـع تحكم علائـق أفراده الشريعة التي تقـوم على أصول القرآن..
وذلك للأسباب الآتية:

1- فالآية كما ذكرنا مكية، وهو يدعو الى العودة لآيات الأصول المكية.
2- وجود كلمة ( مؤمنين) وتشير الى أن من آمن بالدعوة المحمدية فى ذلك الزمان هم مؤمنين وليسوا مسلمين مثل ( أمة الأخوان التى ستأتى فى القرن العشرين وهى الأمة المسلمة).
3- التطور العلمى فى القرن العشرين هو الآية التى ستشد البشر الى الرسالة الثانية والتى سيخضعون
لها.
4- الأحرف ط، س، م ، تشير الى اسم وجنسية الرسول الذى سيبلغ الرسالة لثانية،وهو:
محمود محمد طه السودانى
والذى يدل على ذلك هو قول الأستاذ نفسه:

حيث أكد الأستاذ محمود فى كتاباته أنه هو المأذون له بتبليغ الرسالة الثانية ، والتى ستنتشر من السودان لتعم العالم .
Quote: يقول الأستاذ محمود:-
(انطلاق الدعوة من السودان الى العالمية:
نحن دعاة تغيير.. نحن دعاة ثورة فكرية، وثورة اجتماعية، تحدث عن طريق الإسلام.. نحن دعاة بعث – بعث للأمة السودانية، وللأمم الإسلامية، وللأمم العالمية، إن شاء الله، على هدى الإسلام – الإسلام دين الفطرة).
ويقول في رد له على الاستاذ أحمد لطفي السيد:

( أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم.. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يهولن أحدا هذا القول، لكون السودان جاهلا، خاملا، صغيرا، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض، بأسباب السماء..).


تحياتى

Post: #712
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-31-2007, 03:43 AM
Parent: #711

لكِ سيدتي الدكتورة مهيرة
التحية والإحترام

وكُنا ننتظر منذ زمان مشتركة السادة والسيدات الأفاضل ،
بسبب تراجع ثراء المُداخلات ،
وها أنتِ اليوم تُثرين الملف قبل إغلاقه .

سنعود لإيراد ما تيسر من الأسفار واللقاءات التي تُنير
عن الرسالة الثانية ومخاضها ، وقد كتب الأستاذ / أسامة
الخواض ، وكتب شخصي ومن قبل ذكر الأستاذ في سفره
عن الرسالة الثانية ( من المأذون )
نرجو تفضلاً الرجوع للنصوص التي كتبنا وسنورد ملاحظاتنا
على ما أورده الأستاذ ، ونقارن بينها وبين ما تفصلتِ به
قبل إغلاق الملف .
لكِ منا الشكر الجزيل على الإفاضة الثرية والرؤية الواضحة
وأنتِ كما ذكرنا :
من يحمل ثقل القول ،
وتعتذر أننا لسنا في مقام التقييم ، بل في مقام من يتعرف
على ثقل المشاركة في موازين الحوار .
لك والشكر وسنعود قبل الوداع

Post: #713
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-17-2007, 07:00 AM
Parent: #712


الدكتورة مهيرة :

تحية طيبة لك والشكر أن أحييتِ الدراسة وهي على وشك إغلاق المرحلة الأولى منها. لن نكون إلا بالقدر والمآل الذي يُنبهنا به الأفاضل والفضليات من أمثالكم ، ينيرون الطرق لتوهج الذهن الذي يبحث ، لا الذي ينقل . وتلك مَيزة نأمل ألا نكون كأصحاب شؤون البيع والشراء والمواعيد التي لا تقبل الزحزحة ، وما مشاركتكم المبذولة إلا شاطئ يتوقف فيه المرء ليأخذ من نسيم البحر في أفضل أوقاته .
بهذا يمتد الحوار معك لحين اكتماله ، ومسببين التمديد بفتح الحوار ، وهو الأمر الذي نبهنا بأن الحوار لحم من جسد الفكر .
أذكر مُجدداً بأنا قدمنا الكثير عن من المأذون له ، ويرى الناقد الأستاذ / أسامة الخواض أن الأستاذ محمود قد عنى نفسه مُضمراً الحديث ، في حين أني لا أرى الأمر كذلك . لقد تحدث الأستاذ كثيراً عن أن الأمر قيد مخاض عسير وأن نذره تنبئ ، ولم يتحدث عن شخصه ، بل عن آلية المأذون له ، ويعرفونه من مفاتيح تلك المعرفة .
حول الآية ( طسم )
فالآيتين وردتا في سورتي القصص الآية ( 1، 2 ) والشعراء الآية ( 1، 2 ) ، ولم ترد في غيرهم. ويلحظ القارئ أن الآيتان وردتا في مقدمة السورتين ، وقد اكتملت بالنص الذي يلي : تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . وهو ما لا أرى أنه في حاجة لما بعده لتفسيره . ونذكر هنا من تفسير الجلالين :

من تفسير الجلالين لكلا الآيتين التي وردتا في مقدمة ( القصص ) و( الشعراء ) نورد ما يلي :
طسم{1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ{2}

طسم :
الله أعلم بمراده

تلك آيات الكتاب المبين :
(تلك) هذه الآيات (آيات الكتاب) القرآن الإضافة بمعنى من (المبين) المظهر الحق من الباطل.

قطوف حول المأذون :

من هنا نقطف من سفر الأستاذ الرسالة الثانية من الإسلام و من مقدمة الطبعة الرابعة دون البتر لتكن الصورة واضحة دون لبس :
Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
(( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي .. فمن يكفر بالطاغوت ، ويؤمن بالله ، فقد استمسك بالعروة الوثقى ، لا انفصام لها.. والله سميع عليم .. ))
(( ومن يسلم وجهه إلى الله ، وهو محسن ، فقد استمسك بالعروة الوثقى .. وإلى الله عاقبة الأمور .. )) ..
صدق الله العظيم ..

مقدمة الطبعة الرابعة

هذه مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب (( الرسالة الثانية من الإسلام )) .. وهو كتاب قد صدرت طبعته الأولى في يناير من عام 1967 ، الموافق لشهر الله المكرم رمضان من عام 1386.. ولقد لاقى رواجا عظيما ، ونجـد أن رواجه يزداد كلما تقادم عليه العهـد ، ذلك أن الناس قـد أخذوا يتفهمونه ، ويتقبلونـه ، ويقبلون عليه .. وهـذا الكتاب هـو ، بالنسبة للدعوة الجمهـورية ، الكتاب الأم .. ومع ذلك ، فانه موجز ، أشد الإيجاز ، ويتطلب شرحاً ، وتفصيلا ، وتبيينا ، ليس إليه اليوم من سبيل .. وسيطيب لذلك الوقت عما قريب إن شاء الله .. وما أريد في هذه المقدمة إلى شئ من تفصيل يتناول مواضيع الكتاب المختلفة ، وإنما أريد بها إلى تقرير أمر يهمني تقريره ، بادئ ذي بدء ، وذلك أن الإسلام رسالتان: رسالة أولى قامت على فروع القرآن ، ورسالة ثانية تقوم على أصوله .. ولقد وقع التفصيل على الرسالة الأولى .. ولا تزال الرسالة الثانية تنتظر التفصيل .. وسيتفق لها ذلك حين يجئ رجلها ، وحين تجئ أمتها ، وذلك مجئ ليس منه بـد .. (( كان على ربك حتماً مقضياً )) ..
العروة الوثقى

العروة هي المقبض .. أو هي اليد التي يحمل بها الإناء .. أو هي العقدة في طرف الحبل التي بها يستوثق القابض على الحبل من قبضة الحبل .. فالعروة الوثقى هي مقبض الحبل الوثيق .. والحبل هو الـدين .. قال تعالى : (( واعتصموا بحبل الله جميعا ، ولا تفـرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم ، إذ كنتم أعداء ، فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً .. وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها .. كذلك يبين الله لكم آياته ، لعلكم تهتدون )) .. فالحبل هنا هو الإسلام ، وهو القرآن ، وذلك معنى واحد .. وقد قال المعصوم ، في حديث يرويه علي بن أبي طالب : (( ألا إنها ستكون فتنة !! فقلت : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله !! فيه نبأ ما كان قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم .. هو الفصل ، ليس بالهزل .. من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله .. وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو السراط المستقيم .. هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه .. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد .. من قال به صدق ، ومـن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعى إليه هدى إلى سراط مستقيم )) .. هذا قول المعصوم .. وهذا الحبل إنما تنزل من الله في إطلاقه إلى أرض الناس.. فأوله عندنا ، وآخره عنده تعالى ، في إطلاقه.. وهذه الصورة محكية ، أجمل حكاية ، في قوله تعالى ، من مطلع سورة الزخرف : (( حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم )) وهذا الحبل هو أيضا المسمى بالهدى في قوله تعالى ، مخاطبا إبليس ، وحواء، وآدم: (( قلنا اهبطوا منها جميعا ، فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خـوف عليهم ولا هـم يحزنون )) .. فان هذا الهدى قد تنزل من الله في إطلاقه إلى المهبط الذي هبطه إبليس ، وحواء ، وآدم ، وهو الأرض .. ومن ههنا كانت صورة الهدى ، وصورة الحبل عبارة عن أمر واحد ، ذلك الأمر هو القرآن .. والعروة الوثقى التي قلنا عنها أنها مقبض الحبل الوثيق إنما هي طرف الحبل الذي لامس الأرض - أرض الناس -.. وهذا ما يحكيه ظاهر القرآن الذي تعطينا إياه اللغة العربية .. وقد عبر تعالى عنه بقوله : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) .. عبارة لعلكم تعقلون هي التنزل لأرض الناس ، وهذه هي الشريعة .. ولقد تنزل هذا الحبل الوثيق من الإطلاق ، وقد عبر تعالى عن نقطة متنزله من الإطلاق بقوله تعالى (( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم )) وقـد أشار إلى نقطة متنزله من الإطـلاق بقـوله تعالى : (( حـم )) أشار هنا إشارة فقط ، وهي إشارة في غاية الرفعة .. وعبر هناك عبارة ، وهي عبارة في غاية البلاغة .. وبين العبارة والإشارة اختلاف مقدار.. والمعبر عنه ، والمشار إليه ، أمر واحد ، هو الذات .. وإنما جاء اختلاف المقدار لضرورة التنزل إلى الافهام .
فالعروة الوثقى هي الشريعة .. والحبل الوثيق هو الدين .. وبين الشريعة والدين اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع .. فالشريعة هي القدر من الدين الذي يخاطب الناس - عامة الناس - على قدر عقولهم .. ولقد صدرنا هذه المقدمة بآيتين ، أولاهما: (( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي . فمن يكفر بالطاغوت ، ويؤمن بالله ، فقد استمسك بالعروة الوثقى ، لا انفصام لها .. والله سميع عليم..)).. العروة الوثقى هنا الشريعة ، وهي (( لا انفصام لها )) من الدين لمن (( يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله )).. فإنها له موسلة ، وموصلة .. هذا شرط عدم انفصامها عن الدين - الكفر بالطاغوت ، والإيمان بالله .. وهذا يعني أنها منفصمة عن الدين لمن يستمسكون بها بغير كفر بالطاغوت ، وبغير إيمان بالله ، وهو ما عليه حال المسلمين اليوم .. هذه أولى الآيتين ..
وأخراهما (( ومن يسلم وجهه إلى الله ، وهو محسن ، فقد استمسك بالعروة الوثقى .. وإلى الله عاقبة الأمور..)).. وهذه الآية في معنى تلك ، ولكنها تذهب أكثر منها في توضيح توسيل الشريعة .. جاء في هذه بقوله : (( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن )) في مقابلة (( فمـن يكفر بالطاغـوت ، ويؤمـن بالله )) في تلك.. وجاء بالفاصلة : (( وإلى الله عاقبة الأمور )) ، ليدل على الرجعى بالصعود على الحبل المتنزل من الإطلاق ، حيث كان الإنسان ، قبـل أن يزل ، ويطـرد بسبب الزلة ، ويبـعد ، (( قلنا: اهبطوا منها جميعا ، فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون )).. وورد في نفس هذا المعنى ، قوله تعالى : (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير ممنون )).. فالأجر (( غير الممنون )) يعني غير المقطوع .. وهو ، من ثم ، (( العروة الوثقى ، لا انفصام لها )) ..
السنة هي الرسالة الثانية

السنة شريعة وزيادة .. فإذا كانت العروة الوثقى هي الشريعة ، فإن السنة أرفع منها .. وإذا كان حبل الإسلام متنزلا من الإطلاق إلى أرض الناس ، حيث الشريعة - حيث مخاطبة الناس على قدر عقولهم - فإن السنة تقع فوق مستوى عامة الناس .. فالسنة هي شريعة النبي الخاصة به .. هي مخاطبته هو على قدر عقله .. وفرق كبير بين عقله ، وبين عقول عامة الناس .. وهذا نفسه هو الفرق بين السنة والشريعة .. وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة الناس ، وإنما كان ذلك ممكنا ، بفضل الله ، ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال ما يقرب من أربعة عشر قرنا من الزمان .. وحين بشر المعصوم ببعث الإسلام إنما بشـر به في معنى بعـث السنة ، وليـس في معنى بعث الشريعة .. قال : (( بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بـدأ .. فطـوبى للغرباء !! قالـوا : من الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يحيون سنتي بعد اندثارها )) .. ويجب أن يكون واضحاً أنه لا يعني إحياء الشريعة ، وإنما يعني إحياء السنة .. والسنة ، كما قلنا ، شريعة ، وزيادة .. السنة طـريقة.. والطـريقة شريعة موكدة ..
السنة ليست خاصة بالنبي

كثيرا ما نسمع الفقهاء يقولون : إن هذا العمل خاص بالنبي .. وهذا خطأ شنيع ، وقد كان له سود العواقب في تثبيط الناس .. والله تعالى يقول ، على لسان نبيه: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ، يحببكم الله )).. ومن ههنا انفتحت الشريعة على السنة ، وأصبح مطلوبا من السالك أن يترقى من الشريعة إلى الطريقة .. (( السنة )) .. بيد أن هذا الترقي لم يكن فرضا مفروضا على عامة الناس ، وإنما كان أمرا مندوبا إليه .. وما منعه ألا يكون فرضا إلا حكم الوقت .. فقد كانت الفترة الأولى من الدعوة خاصة بأمة المؤمنين .. وكان عمل النبي ، في خاصة نفسه ، عملا في مستوى المسلمين .. فلم يكن في الأمة المسلمة غيره .. والإسلام مرتبة مترقية على الإيمان ، وقد ورد تفصيل هذا في متن الكتاب ، فليراجع في موضعه .. والذي يهمنا هنا أن نقرر أن وقتنا الحاضر وقت تتهيأ فيه الأرض لظهور أمة المسلمين .. وهذه الأمة هي أمة الرسالة الثانية .. وشريعتها هي سنة النبي ، لا شريعة الأمة الماضيـة ، بكل تفاصيلها ، وذلك بفضل الله ، كما أسلفنا القول ، ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال هـذه المدة الطويلة ، مما جعله مستعدا لتفهم التشريع المتطور من الشريعة إلى السنة .. فكأن أرض الناس قد ارتفعت خلال هذه المدة .. وكأن طرفاً من الحبل قد انطوى من البعد إلى القرب .. وأصبحت بذلك العروة الوثقى الجـديـدة أقـرب إلى الإطـلاق من العـروة الوثـقى القـديمة .. وذلك لقرب أرض الناس – أعنـي مستوى فهمهم - من الإطلاق ، إذا ما قورن بمستوى الفهم القديم ..
والأمة المسلمة هي التي سماها النبي الكريم بالاخوان ، حين سمى الأمة المؤمنة بالأصحاب ، وفي ذلك ورد حديثه المشهور الذي قال فيه : (( واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد !! قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم أصحابي .. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد !! قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم أصحابي .. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد !! قالوا : من إخوانك ؟ قال : قوم يجيئون في آخر الزمان ، للعامل منهم أجر سبعين منكم !! قالوا : منا أم منهم ؟ قال: بل منكم !! قالوا : لماذا ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير أعوانا ، ولا يجدون على الخير أعوانا ..)) .. وعن الأخوان قال ، في موضع آخـر: (( الأنبياء أبناء أم واحدة )) يعني هم أخوان لأنهم جميعا يرضعون من ثدي واحد ، هو ثدي (( لا إله إلا الله )).. وفي ذلك إشارة إلى أن أمة المسلمين يكون الناس فيها ، لكمال معرفتهم بالله ، كأنهم أنبياء .. وليسوا بأنبياء ..
ومما يدحض القول بأن السنة خاصة بالنبي قول الله تعالى : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم ، بالمؤمنين رءوف رحيم )).. وروح هذه الآية في عبارة : (( من أنفسكم )).. يشير إلى أن ما اتصف به النبي من كمالات هو لكم ، إذا اتبعتم طريقه ، لأنه من عنصركم ، وليس من عنصر غريب عليكم .. والاختلاف بينكم وبينه اختلاف مقدار ، لا اختلاف نوع .. وقول من يقول بأن هذا العمل خاصية من خاصيات النبي يخطئ الحكمة في إرسال الرسل إلى البشر من البشر لا من الملائكة .. فإذا كانت الأرض اليوم ، بكل هذه الطاقة المادية الهائلة ، والتقدم البشري الرفيع في وسائل الدنيا ، ثم بكل هذه الحيرة المطبقة على عقول الناس ، وقلوبهم ، إنما تتهيأ لظهور أمة المسلمين عليها ، فقد أصبح واجباً على ورثة الإسلام - على ورثة القرآن - أن يدعوا إلى الرسالة الثانية ، تبشيرا بالعهد الجديد الذي أصبحت البشرية تشعر بالحاجة الملحة إليه ، ولكنها تخطئ طريقه ، وإنما طريقه في المصحف ، ولكن المصحف لا ينطق ، وإنما ينطق عنه الرجال .. قال تعالى في ذلك : (( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون )).. ومما تنطق به صدور الذين أوتوا العلم أن طريق العهد الجديد - طريق المسلمين على الأرض - ترسم خط سيره آيات الأصول - الآيات المكية - تلك التي كانت في العهد الأول منسوخة بآيات الفروع - الآيات المدنية - وإنما نسخت آيات الأصول يومئذ لحكم الوقت .. فقد كان الوقت وقت أمة المؤمنين .. وآيات الأصـول تخاطب أمة المسلمين ، وهي أمة لم تكن يومئذ .. وإنما نسخت آيات الأصول في معنى أنها أرجئت ، وعلق العمل بها فيما يخص التشريع ، إلى أن يحين حينها ، ويجئ وقتها ، وهو الوقت الذي نعيش نحن اليوم في تباليج فجره الصادق .. وإنما من ههنا وظفنا أنفسنا للتبشير بالرسالة الثانية ..
الرسالة الثانية من الإسلام

الإسلام دين واحد .. وهو دين الله الذي لا يرضى غيـره .. قال تعالى فيه: (( أفغير دين الله يبغون ، وله أسلم من في السموات ، والأرض ، طوعا وكرها ، وإليه يرجعون ؟؟ )) وهو ، بهذا المعنى إنما هو الاستسلام الراضي بالله رباً .. وبالإسلام جاء جميع الأنبياء من لدن آدم وإلى محمد .. قال تعالى في ذلك : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .. كبر على المشركين ما تدعوهم إليه .. الله يجتبي إليه من يشاء ، ويهدي إليه من ينيب ..)) .. (( شرع لكم من الدين )) هنا لا تعنـي الشرائع وإنما تعنـي (( لا إله إلا الله )) .. ذلك بأن شرائع الأمم ليست واحدة ، وإنما هي مختلفة اختلاف مقدار ، وذلك لاختلاف مستوياتها.. وإنما (( لا إله إلا الله )) هي الثابتة ، وإن كان ثباتها في مبناها فقط ، وليس في معناها .. وإنما يختلف معناها باختلاف مستويات الرسل .. وهو اختلاف مقدار أيضا .. قال المعصوم في ثبات مبنى (( لا إله إلا الله )) .. (( خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي (( لا إله إلا الله ..)) واختلاف شرائع الأنبياء الناتج عن اختلاف مستويات أممهم لا يحتاج إلى طويل نظر .. ويكفي أن نذكر باختلاف شريعة التزويج بين آدم ومحمد .. فقد كان تزويج الأخ من أخته شريعة إسلامية لدى آدم .. وعندما جاء محمد أصبح الحلال في هذه الشريعة حراماً .. أكثر من ذلك أصبح التحريم ينسحب على دوائر أبعد من دائرة الأخت .. قال تعالى في ذلك: (( حرمت عليكم أمهاتكم ، وبناتكم ، وأخواتكـم ، وعماتكم ، وخالاتكـم ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ، وأخواتكم من الرضاعة ، وأمهات نسائكم ، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم .. وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم .. وأن تجمعوا بين الأختين ، إلا ما قد سلف .. إن الله كان غفورا رحيما )) فإذا كان هذا الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الأمم ، وهو من غير أدنى ريب كذلك ، فإنه من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح ، بكل تفاصيلها ، للتطبيق في القرن العشرين ، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع ، عن مستوى مجتمع القرن العشرين ، أمر لا يقبل المقارنة ، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا ، وإنما هو يتحدث عن نفسه .. فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين : إما أن يكون الإسلام ، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف ، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع ، وفي مضمار الأخلاق ، وإما أن تكون قدرته قد نفدت ، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع ، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله ، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه ، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات ، وهذا ما لا يقول به مسلم .. ومع ذلك فان المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة .. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها ، وينهض بحلها ، نفس التشريع الذي استوعب ، ونهض بحل مشاكل القرن السابع ، وذلك جهل مفضوح ..
المسلمون يقولون إن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة .. وهذا صحيح .. ولكن كمالها إنما هو في مقدرتها على التطور ، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية ، والاجتماعية ، وعلى توجيه تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر ، بالغة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية ، والفردية من النشاط ، والحيوية ، والتجديـد .. هم يقولون ، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة ، يقولون : الشريعة الإسلامية كاملة ، فهي ليست في حاجة إلى التطوير ، فإنما يتطور الناقص .. وهذا قول بعكس الحق تماما ، فإنه إنما يتطور الكامل .. فالكمل من العارفين مثلهم الأعلى أن يتخلقوا بما وصف الله تعالى به نفسه حين قال عز من قائل: (( كل يوم هو في شأن )).. فهم يجددون حياة فكرهم ، وحياة شعورهم ، كل يوم .. واليوم عندهم هو يوم الله .. وليس هو هنا أربعاً وعشرين ساعة ، وإنما هـو وحـدة (( زمنية )) التجلي ، وتلك (( زمنية )) أصغر من الدقيقة ، بل أصغر من الثانية ، بل أصغر من الثالثة .. إنها (( زمنية )) قد تنقسم فيها الثانية إلى بليون جزء ، حتى أنها لتكاد أن تخرج عن الزمن ، في المفهوم الذي يتصوره العقل للزمن .. فهم قد ينطلقون ، أو قد يحاولون أن ينطلقوا ، مع الله في إبداء مظاهره لخلقه ، يجددون حياة فكرهم ، وحياة شعورهم بهذه الصورة المستمرة .. هذا هو الكمال .. وليس الكمال التزام صورة واحدة .. فالعشبة الضئيلة التي تنبت في سفح الجبل ، فتخضر ، وتورق ، وتزهر ، وتثمر ، ثم تلقي ببذرتها في تربتها ، ثم تصير غثاء تذروه الرياح ، أكمل من الجبل الذي يقف فوقها عاليا متشامخا ، يتحدى هوج العواصف .. ذلك بأن تلك العشبة الضئيلة قد دخلت في مرحلة متقدمة من مراحل التطور - مرحلة الحياة والموت - مما لم يتشرف الجبل بدخولها ، وإنما هو يطمع فيها ، ويطمح إليها ..
وبالمثل ، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسما حيا ، ناميا ، متطورا ، يواكب تطور الحياة الحية ، النامية ، المتطورة ، ويوجه خطاها ، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله ، منزلة ، منزلة .. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها ، فما من ذلك بد .. (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )).. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله ، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث : الشريعة ، والطريقة ، والحقيقة .. وتطور الشريعة ، كما أسلفنا القول ، إنما هو انتقال من نص إلى نص .. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ .. قال تعالى : (( ما ننسخ من آية ، أو ننسئها نأت بخير منها ، أو مثلها .. ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ؟ )) .. قوله : (( ما ننسخ من آية )) يعني : ما نلغي ، ونرفع من حكم آية .. قوله : (( أو ننسئها )) يعني نؤجل من فعل حكمها.. (( نأت بخير منها )) يعني أقرب لفهم الناس ، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة .. (( أو مثلها )) يعني نعيدها ، هي نفسها ، إلى الحكم حين يحين وقتها .. فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت ، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها .. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت ، ويكون لها الحكم ، وتصبح ، بذلك هي الآية المحكمة ، وتصير الآية التي كانت محكمة ، في القرن السابع ، منسوخة الآن .. هذا هو معنى حكم الوقت .. للقرن السابع آيات الفروع ، وللقرن العشرين آيات الأصول .. وهذه هي الحكمة وراء النسخ .. فليس النسخ ، إذن ، إلغاء تاما ، وإنما هو إرجاء يتحين الحين ، ويتوقت الوقت .. ونحن في تطويرنا هذا إنما ننظر إلى الحكمة من وراء النص .. فإذا خدمت آية الفرع التي كانت ناسخة في القرن السابع لآية الأصل غرضها حتى استنفدته ، وأصبحت غير كافية للوقت الجديد - القرن العشرين - فقد حان الحين لنسخها هي ، وبعث آية الأصل ، التي كانت منسوخة في القرن السابع لتكون هي صاحبة الحكم في القرن العشرين ، وعليها يقوم التشريع الجديد .. هذا هو معنى تطوير التشريع .. فإنما هو انتقال من نص خدم غرضه .. خدمه حتى استنفده إلى نص كان مدخرا يومئذ إلى أن يحين حينه .. فالتطوير ، إذن ، ليس قفزاً عبر الفضاء ، ولا هو قول بالرأي الفج ، وإنما هو انتقال من نص إلى نص ..
من المأذون؟

ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخا ، وما هو محكم محكما .. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي ، الجوهري ، فيبعث ما كان منسوخا ، وينسخ ما كان محكما ؟؟ هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول .. والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة ، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار .. وإنما هم يعترضون على الشكل .. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة ، تقتضي رسولا ، يقتضي نبـوة ، وقد ختمت النبـوة ، بصريح نص ، لا مرية فيه .. وإنه لحق أن النبـوة قد ختمت ، ولكنه ليس حـقا أن الرسالة قد ختمت : (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله ، وخاتم النبيين .. وكان الله بكل شئ عليما )).. ومعلوم أن كل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا .. ولكن النبوة ما هي ؟؟ النبـوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله ، ومنبئاً عن الله .. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي ، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس ، على وفق ما تلقى ، وبحسب ما يطيق الناس .. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً ، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا .. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس .. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله ، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف .. لماذا ختمت النبوة ؟؟
أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبـوة لم تختم حتى استقر ، في الأرض ، كل ما أرادت السماء أن توحيه ، إلى أهل الأرض ، من الأمر .. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط ، بحسب حكم الوقت ، من لدن آدم وإلى محمد .. ذلك الأمر هو القرآن .. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة .. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك ، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا ، للوهلة الأولى ، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول ، ذلك بأن القرآن هو كلام الله ، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا ، ولكنا لا نعقل عنه .. السبب ؟ أننا عنـه مشغـولون .. قال تعالى في ذلك: (( كلا‍‍!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته ، ومنهاج طريقته ، وبأدبه في كليهما ، ليرفع ذلك الريـن ، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن ، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القـرآن ، بالقدر الذي وعى عن الله ..
من رسول الرسالة الثانية ؟؟

هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن ، وأذن له في الكلام ..
كيف نعرفه ؟؟

حسنا !! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه : (( احذروا الأنبياء الكذبة !! )) قالوا: (( كيف نعرفهم ؟؟ )).. قال : (( بثمارهم تعرفونهم )) ..


لك سيدتي لشكر الجزيل مُجدداً

Post: #714
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-17-2007, 07:27 AM
Parent: #713







بين الأستاذ محمود وبين أدونيس



الأحباء جميعاً :
تحية طيبة ،

نعود من بعد فترة من الزمان ، ونحن لم نزل بصدد إغلاق الملف لولا مدخل الدكتورة مهيرة وما نبهتنا من أن للشاعر أدونيس محاضرة ثرية قدمها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في العام 2005 م ، وكانت التعقيبات أكثر ثراء وقد تطرقت لنظرته للعقيدة ، من وجهتي النقل والإبداع .
وذلك مدخل لو وجدنا الوقت لأجرينا مقارنة لرؤاه في ملخص تلك المحاضرة الذي بين أيدينا و رؤى الأستاذ ، في دعوته للرقي بالحرية إلى مرحلة الفردية .وتلك أحسبها في رصيد الدراسة التي لها علاقة بالحداثة إذ أن أدونيس طود في تلك الحداثة وفق ما أرى .
نعلم أن كثيرين من أصحاب الشريعة بمنظارها السلفي يرغبون عن المقارنة بين رؤى الشاعر أدونيس الفلسفية والشعرية وبين المقارنة برؤى تتحدث عن العقيدة وقد أغلظ البعض في وصفه ، ولا يعينا رأيهم من بعيد أو قريب بقدر ما تعنينا الرؤى التي تحمل والجرعة الفكرية التي لا تهزمها سوى جرعة فكر ورؤى .
هذا لا يدخل في باب دراستنا . فالمبحث يليق بأن تتم المقارنة بين رؤى الشاعر أدونيس كرائد من رواد الفكر ، وبين رؤى الأستاذ محمود .
نورد هنا نص ملخص المحاضرة ، ونترك المقارنة والتحليل لوقت آخر إن تيسر :





أدونيس يعلن في محاضرة بالجامعة الأمريكية
موت الخيال
أحترم الإسلام ولكني أرفض المؤسسة الإسلامية

حسن عبد الموجود

ألقي أدونيس محاضرة مساء الأثنين الماضي بالقاهرة حول الإسلام والحداثة، مركزا علي تجليات فكرة التوحيد علي الصعيد السياسي التي جعلت من الحاكم إلها آخر أرضيا واحدا.. وقد امتلأت قاعدة إيوارت بالجامعة الأمريكية التي تستضيف أدونيس عن آخرها رغم تنظيم قسم النشر بذات الجامعة لنشاط آخر مواز، حيث احتفلت بصدور ترجمة عدد من الكتب بينها رواية 'نفتالين' لعالية ممدوح الفائزة بجائزة نجيب محفوظ العام الماضي و'غائب' للكاتبة العراقية أيضا بتول الخضيري.
الدكتور حمدي السكوت قدم علي أحمد سعيد رواية حكاية اختياره لاسمه 'أدونيس'.

تحدث أدونيس عن ثقافة التكفير التي قادت عملية الامتناع عن التفكير: حيث لا مجال للتساؤل إلا في إطار ما حلل، وهذا الذي حلل لا يشكل سوي قشرة العالم وزبده، الثوب حلل أما الجسد كله فممنوع، هو مادة للنبذ والإقصاء لتحويله إلي تراب وهو في أوج الحياة.
ثقافة الكذب ولدت ثقافة النفاق وصنعت للرياء مؤسسة، ومن هذه الملحوظة ينتقل أدونيس إلي تأويل النص الديني الذي يفصل بينه وبين الحياة وبدلا من أن يكون النص فضاء تجعل منه خندقا وبدلا من أن يكون محيطا يصير غديرا. هذا التقييد للنص ينبع من التعامل معه بوصفه حقائق، لا بوصفه إبداعا يحمل الحقيقة داخله، وبهذا لا يكون أمام قارئه سوي التحول إلي صخرة جامدة، وليس مع هذا سوي موت الفكر، ولموت الفكر اسم آخر هو موت الإنسان.
وأضاف: نعم إن كانت هناك حقيقة فهي موت الإنسان وحريته لا النص لأن حامل الحقيقة هو الإنسان لا النص، أخطر ما في النص الحقيقة التي تحوله إلي نص حزب، نص نظام، نص جماعة، نص أمة، وفي هذا محو للذات والفرادة التي تتحول إلي ملك جماعي، وتلك هي الرؤية الوحدانية متجسدة في رؤية جمعانية باسم الواحد الأحد.
تساءل أدونيس: ما معني أن تحل هذه الرؤية محل التعددية؟ مضيفا: ذلك سؤال مفتاح أضاء في قراءة التراث العربي وجعلني أري القطيعة التي حققتها هذه الرؤية مع العالم التعددي قبلها، خصوصا أنها قدمت نفسها باعتبارها قلبت النظرة إلي الإنسان والعالم!


تجليات العنف


وقال أدونيس: العمل الأول الذي أنجزه موحدكم إخناتون هو قتل المخالف، التوراة قتلت باسم الرب، الكنيسة لم تسلم من عنف الرؤية الوحدانية، ونحن نري الآن تجليات عنف الوحدانية الإسلامية، المشكلة أن هذه الرؤية الوحدانية السماوية التي انتصرت انسحبت علي الأرض، وتطابق الواحد الأرضي مع الواحد المسماوي، وتم تمجيد سلطة الأرض باسم سلطة السماء، تمت ترجمة مبدأ الإله الواحد علي الحاكم الواحد بل ان الأول أخذ يزيح الثاني ويأخذ سلطته وطبقا لهذا صارت الغاية تضفي القداسة علي الوسائل. وها هم أبناء الوحدانية يتنابذون باسم الإله الواحد. وتقدم القدس نموذجا عاليا لهذا التنابذ: فالمدينة الأكثر قداسة للوحدانيات هي الأكثر وحشية والأقل إنسانية.
وأضاف: والناظر يبدو له أن الواحد علي ضفاف المتوسط لم يوجد إلاٌ أنظمة القمع والقتل.
يدافع أدونيس عن مبدأ الشك النيتشوي باعتباره طريقا للمعرفة فالشك كما الإيمان جزء من إنسانية الإنسان ومن حقوقه، وقال: وتبدو عبارة 'موت الله' التي استعارها نيتشه كأنها مجرد لعب لفظي، ذلك أن من مات في الواقع ليس الله وإنما الإنسان، فلم يمت الإنسان كما يموت اليوم..
وأشار إلي أن الموحدين نقلوا مبدأ 'الحاكم الواحد' وتفوٌقوا في ابتكار أساليب القهر باسمه، وربط أدونيس النقطة الأخيرة بمقولة لبورج شتاينر 'العلم لبٌي تطلع الإنسان إلي النظام والجمال والصدق الأخلاقي بشكل أفضل مما فعل الدين 'قبل أن يضيف: لقد تحول الإنسان إلي مجرد آلة لنقل ما هو ديني دون نظر وبحث، تحوٌل الإنسان إلي آلة في مسألة المعرفة.
وتساءل: هل هو كائن ينقل المعرفة أم كائن يشتغل عليها؟


إنكار المعرفة


وانتقل إلي القول بأن الموروث الديني خاصة الإسلامي يعلمنا أن القائل رأيه في الدين مخطيء، يقول الطبري 'لا معرفة في الدين إلا بالنقل'، إذن المعرفة لا تجيء من الذات وإنما من النص الإجماعي، وبهذا تكون اعتقادا لا انتقادا، وهي جماعية لا ذاتية، وإن كان الإنسان يعرف فلابد أن يشك، ولهذا فإنٌ الناقل آلة حاضرة بلا حضور في زمان تكراري، هيراقليدس يقول إنك لا تسبح في النهر الواحد مرتين، الآلة تسبح في ذات النهر إلي ما لا نهاية.
انعدام الذاتية عنوان آخر لثقافة بحاجة إلي تغيير، يقول أدونيس: نحن نولد عربا ومسلمين في واقع ينكر المعرفة نكرانا تاما، لأنها كاملة ونهائية بل وخاتمة المعرفة لأن نبينا خاتم الأنبياء، نبوته هي خاتمة النبوات، الأكثر كمالا، والمعرفة بالتالي هي الأكثر شمولا، ولهذا لا يضيف المؤمن إليها، فقط يفسٌر ويوضٌح ويطٌبق بانيا ما يحضر علي ما مضي، الحقيقة هكذا توجد في النص واللغة وليست في الشيء والمادة، ولهذا ليس للإنسان أن يضيف، فالنص ثابت والعالم متغير. ليس الإنسان من يمتلك النص، بل النص يمتلك الإنسان والعالم معا. وكل موجود في ذاته فذاته له، أما الموجود في آلة فذاته في غيره. ولذلك فإن مشكلاتنا لا تناقش في ذاتها: مشكلتنا الجنسية ليست جنسية بل أخلاقية دينية، كذلك كل شيء حتي الفن.
في هذا الإطار كما يقول أدونيس يمكن أن نعطي اسما آخر للاتباعية وهو 'اللاذاتية'، ذات المسلم موضوع تكوٌنه التعاليم الدينية بمعني أن الخارج الشرعي هو الذي يكون الداخل الذاتية للمسلم..
هكذا لا يكون دوره العقلي الكشف عن حقائق النص/ الوحي أو أن يستقصي العالم إنما يفسر وفقا لمعطيات النص.
هكذا أيضا لا تعرف الاتباعية عذاب الأسئلة، فليس أمامها إلا اليقين، والطمأنينة، النفس لا ترفض ما آمنت به وفق هذا، ثمة نوع من القتل العرفي للنص وصل إلي مرحلة أن يكون جزاء النفس المرتدة.. التقل، من هنا لا نجد في هذه الثقافة مجالا للذاتية الفردية تتحرك فيه، الذاتية تصب في الجماعة الأم، خروجها خروج من الأمة ذاتها، وربما أن اللا تدين نزعة في الإنسان مثلها مثل التدين تبدو كأنها تحارب الطبيعة ذاتها، آلة لطمس الحرية والذاتي.
وقال: الإنسان بحسب التأويل السلفي يولد كأنه نقطة أو كحرف في كتاب هو الأمة، نمط خارجي من الوجود وله عقل يخدم حصرا هذا النمط، يقول الفارابي كل موجود في آلة فذاته لغيره، وكل موجود في ذاته فذاته له، وفي هذا يبدو الدين كما يعلمه الأتباع ليس حقل معرفة، حقل بحث وتعقل واستبصار، وإنما مجرد حقل أوامر ونواه..


مجرد ظاهر


ويري أدونيس أن ثقافتنا تأذت بسبب نبذ عالم الحدوس والشطح ونفي الباطن، فلا حقيقة إلا للظاهر ولا حقيقة إلا في النص وحده، وهذا الطمس للداخل حوٌل النص الي أسطورة بثلاثة معان.
أولا: استحالة نقده كما فعل مفكروا الغرب بالمسيحية.
ثانيا: تكرار النص يوميا كحكاية يحكيها المسلم نفسه أو يتلقاها عن الآخرين وتمجيد الأمية اقتداء بأمية النبي.
ثالثا: الممارسة الدينية في تجليها للآخرين، معظم العبادات ظاهرة وجماعية، أليست هناك تجربة فردية حميمة بين الإنسان وربه؟ أين هي وما يكون معني الإنسان إذا كان مجرد ظاهر؟ ألا يكون الظاهر دليلا علي الشك بوجود الداخل؟ ما معني أن يكون الإنسان مجرد طقس صوتي؟ ألفاظ وحركات؟ ألهذا نلحٌ علي الظاهرة ونرفض الباطن؟
وأضاف: نفي الداخل انعكس علي 'الشعري' فشطر القصيدة إلي شكل ومضمون وبقدر ما يكون المضمون متطابقا مع الظاهر يكون عاليا، وبقدر ما يكون متطابقا مع الداخل معبرا عن تجربة الإنسان الخاصة يكون منحطا وفيه فحولية ورجعية كما يقول النثٌار العرب، أو كما يقول بعض النقاد الذين يخلطون بين الفردية والذاتية، وهكذا كان أفضل الفن ما يقلد الأوائل الكاملين، ولن يكون التقليد الكامل كاملا أبدا..
وقال: الثقافة السائدة امتداد لثقافة الفقه، وسنري هذا منعكسا علي نظريات النهضة، والأيدولوجيات والأحزاب، فهي تسير وراء الاتباعية وتلغي الذاتية، أي انها ترفض الرأي الذاتي وفي ذلك تتساوي أحزاب اليسار واليمين في الوطن العربي، جميعها تلغي ال'هو' في سبيل ال'هم' و'الأنا' في سبيل ال'نحن'، هذا هو تقليد الأوائل، والحال أن تقليد الشعر الكامل لا ينتج بالضرورة شعرا كاملا، الجماعة قد تخطيء كما يخطيء الفرد، والتاريخ الإنساني يشهد علي ذلك، ولا تقاس صحة المعرفة بمقياس عددي، الجماعة ليست عقلا واحدا لكي تصل لحقيقة واحدة والمسلمون أنفسهم وصفوا الجماعة قبل دخولها الإسلام بأنها 'كانت ضالة'!


ميراث الأوامر والنواهي



ويعتقد أدونيس أن الفرد العربي يعيش رهين محبسين: محبس التأويل الوحداني ومحبس التأويل السلفي الذي يؤدي الي محو الذاتية. ومن حاولوا الخروج علي هذا همشوا وسجنوا وقتلوا، والمسألة قائمة حتي اليوم ولن يكون المسلم حرا إلا إذا خرج من المحبسين. وعندما نقول انعدام حرية إنسان يعني انعدام وجوده.
وفصٌل كلامه قائلا: وهما محبسان قديمان تمت محاولات كثيرة لاختراقهما قام بها متصوفة وشعراء، وماذا تم فعله معهم؟ نبذوا، كفٌِروا، قتلوا بتهم الهرطقة والإلحاد والردٌة تبعا للظروف والحال..
وأضاف: ولاتزال الحاجة لاختراقها ملحة، يتعذر أن تنشأ ثقافة عظيمة دون هذا الاختراق، من المستحيل أن يكون المسلم هو اللغة والعقل إلا إذا خرج منهما، وأفصح عن نفسه دون قيد وتحدث في أي موضوع، سماوي أو أرضي، هنا يكون الإنسان موجودا، لا حرية للإنسان تعني ألا وجود له، كل فرد لا يملك لغته الخاصة وطريقته التعبيرية الفريدة لا ذاتية له، فكيف تقدر اللغة اللاشخصية أن تعكس ذاتيته؟
كيف يمكن أن نفهم الجنسي والديني والسياسي بدون لغة ذاتية؟
وقال: لايزال الفرد المسلم العربي في بنيته العميقة كائنا دينيا سلفيا يرث أكثر مما ينتج، يعيش دينه بوصفه أوامر ونواهي، وفي هذا ما قد يفسر انعدام التجارب الإنسانية الكبري في العالم العربي، والتساؤلات الإبداعية الكبري.. هناك مليار و300 مليون نسمة يمثلون 5/1 البشرية ليس فيهم مفكر واحد يقرأ نصه الديني قراءة متفردة، أشعرأنني أنهار فعلا كلما فكرت في هذا، ولكن ربما يفسر ذلك الأمر الأسباب التي تجعل المسلم السلفي ضد، ونقيض،الخيال، كأن علي الفرد أن يعيش كمثل تمثال علي صورة النص، لا يتحرك، لا يتغير حتي يأذن الله، هكذا يبدو كل شيء في عالم يتحرك بدون ذاتية، كل شيءنقض لحضارة البحر المتوسط الذي نشأت فيه الأسئلة الكبري، والفرضيات، والفتوحات، نقض للطبيعة والذكورة والأنوثة واللذة والحياة وللأرض ساحة وبيتا..


خلل في الرؤية


وتابع: وقد شهدنا لحظات أدي التأويل إلي تحويل الوحدانية إلي قوة وهيمنة، ففي زمن الحروب الصليبية نفي الإنسان وتم تحويل الله إلي قائد عسكري. كان خلل في الرؤية الوحدانية للإنسان والعالم، وهو خلل يكمن في الرؤية من داخلها، وليس بفعل عوامل خارجية كما يري بعض المفكرين، وفي محاكم التفتيش أصبح الإنسان الخارج علي النص خارجا علي الوحدانية..
لقد تم إخضاع الفكر أيضا لمعايير الحلال والحرام.. لقد بدأت الوحدانية سلطتها بالبطش، كأنها طاقة منذورة لتعطيل الحياة..
ولقد كان بورخيس يري في اللاهوت نوعا من الأدب العجائبي، ولو جاء اليوم لمرآة عملا غرائبيا، ولكن علي كل حال هناك الأمل، والأمل أساسا في قدرة الإنسان علي طرح الاسئلة ، ومناقشة الداخل لتحرير كرة الإنسان الواقعة بين مطرقة السياسة وسندان اللاهوت..


أسئلة


الدكتور حمدي السكوت بعد انتهاء المحاضرة فتح الباب للأسئلة والمناقشات وطلب أدونيس أن يستمع إلي كل الاسئلة دفعة واحدة قبل أن يبدأ في الإجابة عليها.. أحمد عبدالرحيم 'كلية أصول الدين جامعة الأزهر'قال له اسمح لي ان أقول أنك تعتمد علي مقدمة غير صحيحة وهي أساس كثير من كلامك، لقد قلت أن المفسرين نظروا إلي القرآن باعتبارات الواقع العام وفي سبيل ذلك أبعدوا جانب الخيال والذاتي وهذا غير صحيح لأن الفقهاء والمفسرين لم يغفلوا جانبا واحدا من جوانبه وأشبعوه بحثا ودراسة، في الفقه، اللغة، البلاغة، الإشارات، أما كلامك عما تناوله الفقهاء والأقدمون وهل هو يتناسب أو لا يتناسب مع زماننا فأتفق معك فيه..
الأمر الآخر والكلام لايزال لأحمد عبدالرحيم هل تتفضل بذكر ملامح ماتراه مناسبا لزماننا؟ ثم ألا تعتقد أن قراءة ابن عربي تؤدي بنا للقول إن محاولاته كانت خروجا علي النزعة الوحدانية؟
سؤال آخر من حمد السوري: هل ظهور الطوائف الدينية المختلفة كان محاولة للتفاعل مع مستجدات الزمن رغم أنها غرقت بدورها في الموروث والأطر الحديدية؟
وسأل أحد الحاضرين :هل يمكن أن يتحقق تحرير الإنسان؟
صاحب السؤال أضاف، كل ما حررك قيدك، محاضرتك علي عذريتها ملآنة بالقيود، قيدتنا بطرق ومناهج، لا يمكن أن يتحرر الإنسان، حتي الصوفية كانوا يسعون لتحرير الإنسان ليتحدوا بشيء أعلي..
وسأله سعيد الوكيل: هل ما تتحدث عنه يؤثر علي ثقافة بعينها؟ وكيف مثل عائقا أمام الشعرية العربية؟
وسأله صلاح عبداللطيف: ما المقصود بالوحدانية؟ ومارأيك فيها؟
وقال له عبدالسميع زين الدين: من المدهش أن نسمع صوتك في القاهرة الآن بعد أن حصد الإخوان عشرات الأصوات، ولكن لا جدوي أن نهدم المعبد ونجلس وسط الأنقاض، حتي لو حاولنا أن نبنيه سيكون قبيحا!
وسأله محمود الربيعي: ماذا لو وجد الشاعر نفسه في حالة تصالح حقيقي مع هموم الجماعة؟ أيعبر عما يجري فيكون صادقا أم يبحث عن ذات أخري كما تقول؟
وسأله محمود سعيد: ما المقصود بالتأويل عند أدونيس؟ ألا يعني إعمال العقل؟
وسأله شخص لم يعرف نفسه: أنت تنكر الله.. هل أنت أسير وحدانية الحداثة..
وسأله آخر: هناك مجتمعات غربية تتعايش فيها الأديان ووصلت إلي محصلة الحداثة، وأخري مثل الاتحاد السوفيتي تخلصت من الدين ولم تلحق بركب الحداثة.. هل هناك أسباب واضحة لذلك؟


تأويل الوحدانية


وبدأ أدونيس إجاباته قائلا: قسم من الاسئلة لو أصغي أصحابه إلي ما قلته في البداية ماكانوا سألوه، إنني هنا لا أنظر للنص الديني في ذاته، وإنما في تأويله السائد، لا أناقش الوحدانية كرؤية، إنما أنظر لتأويل الوحدانية وممارستها، أحترم جميع المؤمنين ومن لا أؤمن بإيمانهم، هذه مسألة بحتة ينبغي احترامها وإلا لن نكون أحرارا..
وأضاف: أناقش كيف يحول شخص إيمانه إلي مؤسسة يفرضها علي غيره، وعلي هذا المستوي قلت انني لا أناقش الإسلام وإنما الممارسة الإسلامية عبر التاريخ وحتي اليوم، ليس من حق إنسان أن يرفض دين أي إنسان، فكيف أرفض الإسلام، أنا أرفض التأويل الإسلامي، والمؤسسة الإسلامية، من حقي أن أرفضهما، وأنا أرفضهما..
وقال: هناك في الغرب لاتزال الوحدانية قائمة ومع ذلك نجحوا في إنجازاتهم الحضارية، فما الذي حدث، لقد كانت الكنيسة تسيطر علي المجتمع، ولكن بعد فصلها عن الدولة التي أصبح لها مؤسساتها حدثت النقلة، ونحن نطمح أن نقوم بمثل هذه الثورة فنفصل الدين عن الدولة، نحن لانزال نفكر ونكتب ونجسٌِيس ونتسيس والدين هو كل شيء بالنسبة لنا، في الغرب هناك مؤمنون وغير مؤمنين يتعايشون معا لأنهم منفصلون عن الدولة. وقال موجها كلامه إلي صاحب السؤال، صل معنا لكي نصل بمجتمعنا إلي هذا.. أما الاتحاد السوفيتي فلم يفشل في الحداثة وإنما فشل عسكريا وسياسيا..
وقال، إذا فكرنا بصوت عال سنجد أن التصوف كما يفترض هو أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام، لم يغير بعض الأفكار، وإنما غير محورا أساسيا وهو فكرة الله كمجرد. الإسلام يري الله نقطة مجردة لا علاقة لها بالعالم المادي كما نري ذلك في اليهودية، أما الكنيسة فهودت المسيحية وأسلمتها، دمجتها بالرؤي الوحدانية الأخري، قالت بأن الله يتجسد في الإنسان، وليس الإنسان يموت في سبيل الله، الله يموت في سبيل الإنسان، والمسيح مات كإله لكي يفتدي الإنسان، الإسلام استعار فكرة اليهودية، الله فكرة مجردة عالية في السماء لا علاقة لها بالإنسان، التصوف استعار التجربة المسيحية، الله يتجلي بكل شيء في العالم، ليس مجردا وإنما متجسد، أفهم هكذا كيف ترفض السلفية التصوف، لأنه نقض كامل لفكرة الالوهة.. وتساءل: للأسف أعرف مفكرين عربا لا يجرءون علي قول آرائهم ' لا أريد أن أموت في سبيل فكرة' 'لا أريد موتا مجانيا'، 'الحياة أغلي من الأفكار'.
وقال: إن ابن رشد صاغ التأويل الأوقع حيث قال 'إذا فهمنا الدين فهما صحيحا فإننا سنجد أنه لا يتناقض مع الواقع والحياة'..


تجاوز الخليل بن أحمد


وأشار إلي أن هناك عدة مفاهيم للجماعة في التأويل السلفي، مثل فكرة الجمهور، أنا أهدم هذه الفكرة، ليس هناك جمهور، نحن في هذه القاعة أفراد لكل منا عقله الخاص، وتجربته، كيف أجرد هذه القاعة إلي فكرة واحدة؟ الجمهور فكرة سياسية، أنا لي قراء، وأرفض احتراما للناس أن يكون لي جمهور..
وفيما يخص قضية القدم والحداثة قال: هذه قضية ينبغي أن نتخطاها، لقد تناولناها في مجلة شعر منذ نصف قرن، اللغة العربية أوسع وأغني من أن نحصرها موسيقيا في 16 بحرا، الخليل بن أحمد قام بعمل عبقري ولكن هذا لا يمنع عباقرة آخرين أن يقوموا بجمع بحور أخري، لقد كنا نهدف لإتاحة المجال أمام الشاعر المبدع أن يضيف إلي الكتابة الشعرية المعروفة إضافة أخري، فالإضافة لن تضر العربية إذا لم تخدمها، ستكون عامل إغناء ولو في حدود التجربة البحتة..
وأضاف، المجتمع العربي عرف الحداثة قبل مثيله الغربي، وهناك في العربية كتب عن القدم والحداثة، وقد قلت كثيرا إن مشكلة الحداثة عربية في الأساس..
وختم كلامه بقنبلة: ليس هناك شاعر أكثر حداثة من أبي نواس والنفري، أو أبي العلاء المعري، الأخير علي الأقل زلزل في شعره الأسس الفكرية التي يقوم عليها مجتمعه، أي شاعر حديث يزلزل مجتمعه اليوم؟!
نقلا عن اخبار الادب المصرية العدد647 4ديسمبر2005

وعلى سودانيز اونلاين

<a href="http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=80&msg=1133776075" target="_blank">http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=80&msg=1133776075

Post: #715
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 11-17-2007, 10:35 AM
Parent: #714


الأعزاء عبدالله الشقليني واسامة الخواض
أصحاب القدح المعلى في هذا البوست الفخيم
لكم الوقوف ثم الإنحناء لهذا العمل المتميز الذي اتسم بالصبر وبالمثابرة وبالتوقد العقلي والروحي. وأهم من كل ذلك بالمحبة الخصبة الخلاقة.
لقد احتفلتم بالأستاذ محمود أفضل احتفال. فقد كان احتفالكم به لحظيا لا موسميا. ومع ذلك، ليتكم تركتم هذا البوست يستمر قليلا
حتى تمر الذكرى الثالثة والعشرون لاغتيال الأستاذ التي ستكون بعد ما يقارب الشهرين من الآن.
أسعدتني فكرة إصدار هذا البوست في كتاب بعد إعادة تحريره.
مرة لكم الإنحناء وفيوض الإعجاب والمحبة.

Post: #716
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 12-14-2007, 12:51 PM
Parent: #715

B]


لك الشكر عزيزنا:
دكتور النور
ونُشير بما يرى رفيقنا الناقد الأستاذ :
أسامة الخواض

ولحين رده....



يقول الذكر الحكيم
{.......... وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }الكهف46

ما الباقيات الصالحات ؟
يقول تفسير الجلالين :

هي سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر زاد بعضهم
ولا حول ولا قوة إلا بالله

أما (خير عند ربك ثوابا وخير أملا) :

أي ما يأمل الإنسان ويرجوه عند الله تعالى

Post: #717
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 12-30-2007, 01:31 PM
Parent: #1

الأحباء هنا

عاد الملف ليكون حاضراً ذكرى رحيل الأستاذ ،
الشكر موصول للأخ بكري أبوبكر ، ولكل المشاركين والمشاركات والقراء
الأفاضل والقارئات الفضليات .

كان الاحل مصباحاً يكتُب ومصباحاً يتكلم ، فيُضيء للناس طريق رشادهم


وكل عام وأنتم بألف خير

Post: #718
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-03-2008, 09:52 PM
Parent: #1

يناير شهر الفداء النبيل

Post: #719
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-04-2008, 04:09 AM
Parent: #718

Quote: يناير شهر الفداء النبيل

Greetings in this holy month, dear Abdally

Post: #720
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Sabri Elshareef
Date: 01-04-2008, 01:09 PM
Parent: #1

فوق لمزيد من القراءة

Post: #721
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-04-2008, 05:47 PM
Parent: #720

شكراً لك عزيزنا صبري ،
بين بُرهة الرحيل والذكرى نيفوعشرون عاماً
بُرهة أخرى من زمان التاريخ ، حين ودعنا من كانت له رؤيا ثم رؤية ،
لم يحتبسهما في صدره وهي شيمة أهله ، ولكن نثر أزهارها لنقوم ونقعد
لها بالدراسة والمقارنة مع رؤى غيره .... ولم تزل الأرض بكراً

Post: #722
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-10-2008, 12:02 PM
Parent: #721

وميعاد ذكرى الرحيل في الطريق

Post: #723
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Yasir Elsharif
Date: 01-10-2008, 03:27 PM
Parent: #1

سلامات يا عزيزنا الشقليني،

ليك وحشة وشوق..

لقد كانت لي مداخلات بوست آخر أرجو أن تسمح لي أن أضع وصلاتها هنا:

ألا إن ختم الأولياء شهيد، وعين إمام العالمين فقيد

ههنا يسجد القلب!!!


وشكرا

ياسر

Post: #724
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-11-2008, 05:58 AM
Parent: #723




عزيزنا الدكتور ياسر :
نعُمت صباحاً أو مساءً ،
ففي حضرتُك المقام يعلو

Post: #725
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Abu Eltayeb
Date: 01-12-2008, 11:36 PM
Parent: #724

الاخ الشقليني

احي فيك صدقك و كرمك ونبلك و شجاعتك ووضوح رؤيتك

اسمح لي بوضع وصلة الاحتفال هنا حيث يسجد القلب

الذكرى الثالثة والعشرين لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه ...رنيا - بمشاركة دالي

لطفي

Post: #727
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-13-2008, 02:40 PM
Parent: #725

Quote: الاخ الشقليني

احي فيك صدقك و كرمك ونبلك و شجاعتك ووضوح رؤيتك

اسمح لي بوضع وصلة الاحتفال هنا حيث يسجد القلب

لطفي


موعد الرُسل : يوم منبتهم وتألق أرتالهم التي تُصاحب وموعد سفرهم في الغيبة الكُبرى
سيحين موعد وداع النبيل قريباً .
الشكر لك للثمر الذي قدمت به

Post: #726
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Elbagir Osman
Date: 01-13-2008, 00:39 AM
Parent: #1

مكانة الإنسان في الإسلام

Post: #728
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-14-2008, 05:38 PM
Parent: #726

Quote: الأعزاء عبدالله الشقليني واسامة الخواض
أصحاب القدح المعلى في هذا البوست الفخيم
لكم الوقوف ثم الإنحناء لهذا العمل المتميز الذي اتسم بالصبر وبالمثابرة وبالتوقد العقلي والروحي. وأهم من كل ذلك بالمحبة الخصبة الخلاقة.
لقد احتفلتم بالأستاذ محمود أفضل احتفال. فقد كان احتفالكم به لحظيا لا موسميا. ومع ذلك، ليتكم تركتم هذا البوست يستمر قليلا
حتى تمر الذكرى الثالثة والعشرون لاغتيال الأستاذ التي ستكون بعد ما يقارب الشهرين من الآن.
أسعدتني فكرة إصدار هذا البوست في كتاب بعد إعادة تحريره.
مرة لكم الإنحناء وفيوض الإعجاب والمحبة
.
خالص الشكر للدكتور النور حمد،
ونرجو ان تعود الينا ببعض من فيضك .
المشاء

Post: #729
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-14-2008, 10:30 PM
Parent: #726

العزيز الفاضل : الباقر عثمان
أهلاً بك في البيت الكبير ،
وشكراً للثراء وسنعودك مرة أخرى
تقبل التحية والاحترام

Post: #730
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-15-2008, 02:21 AM
Parent: #1

حذف لان المداخلة انزلت مرتين.
عفوا
المشاء

Post: #731
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-15-2008, 02:21 AM
Parent: #1

العلم الروحي التجريبي:
في مقابل ما تطرحه الحداثة الغربية عبر العلم المادي التجريبي يطرح الاستاذ مفهوم العلم الروحي التجريبي،
وهو يرى ان العلمين يكوِّنان ما يطلق عليه مصطلح "العلم".

ففي "الدين والتنمية الاجتماعية" يوضح العلاقة بين العلمين من خلال مصطلحي البنية التحتية والبنية الفوقية،ومن الارجح انه أي الاستاذ يوظف ما قال به الخطاب الماركسي عن العلاقة بين البنية التحتية والفوقية:
أن العلم يمثل البناء التحتي ، في حين أن الدين يمثل البناء الفوقي ، وبين البناء التحتي والبناء الفوقي إرتباط تكامل ، و وحدة ، إذ هما كلاهما ، يكونان "العلم" ، وهذا يسوقنا إلى أن نلاحظ ملاحظة عابرة هي: أن النظرة العلمية للأشياء لا تقوم على منهاج العلم المادي التجريبي وحده ، كما يدعي كثير من العلماء المعاصرين .. لا !! ولا هي تقوم على المنهاج الديني وحده ، وإنما هي تقوم على هذا الإقتران بين المادة ، و ما وراء المادة ..
ويوجز ذلك التقسيم الثنائي للعلم ،حين يتحدث في كتابه "الدين والتنمية الاجتماعية، " يتحدث معرفا "العلم":
ولقد تحدثنا ، في هذه المقدمة ، وبإيجاز شديد ، عن "العلم" وقلنا أنه إنما هو نتاج لقاح بين المادة ، وما وراء المادة ـ بين العلم المادي التجريبي الحديث ، وبين العلم الروحي التجريبي القديم ـ العبادة والمعاملة ـ


وفي كتابه "الاسلام " يتحدث الاستاذ ،على غرار العلم المادي التجريبي عن وسائل العلم الروحي التجريبي.
يقول في "الاسلام" عن وسيلتين للتجربة الدينية وهما القرآن و تحقيق لا إله إلا الله:
يقول عن الوسيلة الاولى اي القرآن:
ولا بد من كلمة قصيرة عن وسائل التجربة الدينية ، وأولها وأولاها ، القرآن ، ونحن نسمع الناس يقولون أن القرآن كلام الله ، فما معنى هذا ؟؟ إن الله ليس كأحدنا ، وليس كلامه ككلامنا ، بأصوات تنسل من الحناجر ، فتقرع الآذان .. إن كلام الله خلق .. فالشمس تطلع ، فترسل الضوء ، والحرارة ، فتبخر الحرارة الماء ، وتثير الرياح ، وتحرك الهواء ، وتحمل الرياح بخار الماء ، في سحب كثيفة ، إلى بلد بعيد ، فينزل المطر ، فيروي الأرض ، ويحييها بعد موتها ، فينبت الزرع ، وتدب الحياة ، بمختلف صورها ، وشكولها .. هذه صورة موجزة ، قاصرة ، مفككة الحلقات ، لكلام الله . فالقرآن صورة هذا الكلام ، أو قل هذا العلم ، مفرغ في قوالب التعبير العربية .. ويظن كثير من كبار العلماء أن القرآن هو اللغة العربية ، وذلك خطأ شنيع .. وهو خطأ جعلهم يلتمسون معاني القرآن في اللغة العربية ، فانحجبوا بالكلمات ، وهم يظنون أنهم على شئ .. واللغة أساسا ، نشأت بدوافـع الحاجة اليومية ، في الحياة الجسدية ، فهي ، مهما تطورت ، فإنها تعجز ، كل العجز ، عن تحمل معنى كلام الله وهي ، على خير حالاتها ، لا تقوم منه إلا مقام الرمز ، والإشارة .. والقرآن لا يدع لنا مجالا للشك طويلا ، فهـو يقـول (( الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه ، هدى للمتقين )) والإشارة هنا (( بـذلك )) إلى (( الم )) .
ثم يقول عن الوسيلة الثانية اي تحقيق الشهادة:
ثم تجئ الوسيلة الثانية ، وهي تحقيـق (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) وتحقيقـها يبـدأ بالثقـة بمحمد ، وبتصديقه التام ، وبتقليـده المتـقـن ، في أسلوب عبادتـه ، وفيما تيـسر من أسلـوب عادته ، ويشمل تقليده كل ما صح عنه ، بعد بعثه ، وقبله ، أثناء تحنثه في غار حراء ، ولست أريد أن أطيل هنا ، فإن الإيجاز في ذلك يكفي ، على الأقل في هـذه العجالة ، وقـد أعود في وقـت آخـر ، ومجال آخر ، للإفاضة في القول ..
ثم يتحدث في نفس الكتاب عن موضوع العلم الروحي التجريبي ،وهو ما يسميه بمادة العلم التجريبي الروحي:
قلت أن مادة العلم التجريبي الروحي الكون المادي ، والإرادة البشرية .. والحق أن عناية العلم الروحي بالكون المادي ، في جميع صوره ، هي في مرتبة الوسيلة ، في حين أن عنايته بالإرادة البشرية في مرتبة الغاية ، ولذلك يقول القرآن (( سنريهم آياتنا في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهـم أنـه الحق ، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ؟ )) وفي العلم الديني إن الإرادة البشرية هي صورة مصغرة للكون المادي ، المنظور منه ، وغيـر المنظـور . فنحن كلما كونا لأفكارنا صورة صحيحة عن الكون المادي ، كلما انبعثت ، بمقابل هذه الصورة الكونية ، صورة تضارعها ، في الصحة والدقة ، عن حقيقة إرادتنا ، أو قل شخصيتنا الفردية ، ولذلك فإن القرآن يقـول (( قـل انظـروا ماذا في السمـوات والأرض )) بنفس الصيغة التي يقـول لنا بها (( وأقم الصلاة )) ..
لكي يصل الى موضوع أو مادة العلم الروحي التجريبي حين يقول تحت عنوان جانبي "ما هي الارادة البشرية:

ويمكن القول إذن بأن موضوع العلم التجريبي الروحي هو الإرادة البشرية .
وفي ذلك التعميم المطلق عدم دقة واضحة اذ ان الاستاذ لم يذكر ما قال به قبل ذلك من أن مادة العلم التجريبي الروحي الكون المادي ، والإرادة البشرية
وفي "الاسلام" يقول ان العلم الروحي التجريبي يعنى:
بالظواهر ، وبما وراء الظواهر ـ بالمادة وبما رواء المادة ـ وإن كانت عنايته بما وراء المادة أساسية ..

وفي "الرسالة الثانية من الاسلام" يرى ان وظيفة العلم التجريبي الروحي تتمثل في استكناه ما بعد المادة ،يقول في ذلك:
وفي الحق ان العلم الحديث داع إلى الله بلسان بليغ ، فهو يرينا كل يوم ، كيف أن العالم المحسوس ، إذا أحسن استقصاؤه ، يسوقنا إلى عتبة عالم وراءه ، غير محسوس ، أو قل لا تدركه الحواس على النحو المألوف ، ثم يتركنا هناك وقوفا ، في خشوع وإجلال ، نلتمس وسائل غير وسائل العلم التجريبي المادي ، بها نهتدي في مجاهيل الوادي المقدس ، الذي يقع وراء عالم المادة التي نعرفها .
وفي "الرسالة الثانية من الاسلام" لا يتحدث عن علم روحي تجريبي،وانما عن عمل روحي اي الدين :
والإيمان، أو قل عدم إنكار ما لا يقع تحت إدراك عقولنا، من دلائل الفهم، ومن أوليات العلم .. سواء في ذلك: العلم التجريبي، أو العلم الروحي – الدين ..
ويقول في "الدين والتنمية الاجتماعية" متحدثا عن الشرط التاريخي الذي تمت فيه ولادة كل من الدين والعلم معا:
"وجد الإنسان الأول نفسه، في البيئة الطبيعية، أمام قوى رهيبة، يأتيه من قبل بعضها النفع، ويأتيه من قبل بعضها الآخر الضرر، فاهتدى إلى المناجزة والتمليق، في آنِ معاً.. أما المناجزة فقد هدته إلى إتخاذه الآلة البدائية، وإلى إفتنانه شتى الأفانين التي بها ييسر حياته، ويؤمنها، فكانت تلك نشأة العلم التجريبي الذي تطور الآن إلى إرتياد الإنسان الفضاء بمركبات الفضاء.. وأما تمليقه فقد تمثل في تقربه، وفي تزلفه، إلى تلك القوى التي فاقت قدرته، وأعجزت حيلته.. وكان دافع التمليق الخوف منها حيناً، والطمع فيها حيناً آخر، فكانت تلك نشأة الدين.. فالدين، والعلم التجريبي، نشآ معاً، وفي وقت واحد.. وهما إنما نشآ كوسيلتين متكاملتين.. ونشآ نتيجة لمحاولة الإنسان أن يتلاءم مع بيئته.. فكلاهما -العلم التجريبي، والدين- إنما نشآ بدافع الخوف والطمع الذين استوليا على الإنسان الأول، وبخاصة الخوف.. ذلك بأن الإنسان قد وجد نفسه في بيئته الطبيعية، محتوشاَ بالعداوات من جهاته الست، فكان، من ثم، كلتا الوسليتين -العلم التجريبي، والدين- وسيلة الإنسان إلى تيسير حياته، وتأمينها..
ولقد نشأ الدين مع نشأة أول فرد بشري، وكذلك نشأ العلم التجريبي
وفي مقدمة الطبعة الاولى من "الاسلام"يقول:
وحين ينتهي بنا العلم التجريبي المادي إلى رد جميـع ظواهـر الكـون المادي إلى وحـدة هي (( الطاقة )) ، يبرز لنا من جديد ، وبصورة خلابة ، العلم التجريبي الروحي ، ليتولى قيادنا في شعاب الوادي المقدس ، الذي يقع وراء المادة ، ونستطيع ، بمواصلة البحث والاستقصاء ، في العلم التجريبي الروحي ، أن نرى هل يمكن أن ترد ظواهر الأخلاق البشرية إلى أصل واحد ، كما ردت ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد ، ويتم بذلك الاتساق ، والتلاؤم ، بين سلوك البشر ، وبين البيئة المادية التي يعيشون فيها ، فينتهي بذلك القلق الحاضر ، ويعم الأرض السلام ؟؟
ويقول في "الاسلام":
والعلم التجريبي الروحي ليس جديدا ، وإنما هو قـديم قدم العلم المادي ، وبحق ، إنهما توأمان ، ولدا في وقت واحد ، ودرجا معا ، وظلا يتعاونان في مدارج النمو ، فإن الإنسان الأول عندما وقف على رجليه ، لأول مرة ، أمام قوى الكون المادي الهائلة امتلأ قلبه بالخوف ، والتقديس ، فأما القوى التي أخافته هونا ما ، واستطاع مناجزتها فقد هدته إلى العلم التجريبي المادي ، وأما القوى التي استرهبته ، واستغرقته خشيتها ، فقد تزلف إليها ، وتملقها ، وهدته بذلك إلى العلم التجريبي الروحي . ونحن نسمي هذين التوأمين اليوم ، العلم ، والدين ، وقد قفز العلم قفزة واسعة جدا في العصر الحديث ، وتخلف الدين ، وبذلك حدث الاختلال في التوازن ، وظهر الاضطراب ، والقلق الذي أشرنا إليه ، في صدر هذه الكلمة ، وليس إلى إعادة التوازن من سبيل ، إلا إذا قفز الدين هذه القفزة الجريئة نفسها ، فرد قواعد الأخلاق البشرية إلى أصلها الأصيل ، على نفس النحو ، وبنفس القدر ، الذي به ردت مظاهر الكون المادي إلى أصلها الأصيل ..
الفهم الذري للدين يجعله يناسب عصر الذرة

.. نعم فالعلم التجريبي الروحي - الدين - ليس جديدا ولكنه سيعود جديدا ، لأن عصر الذرة يتطلب فهما ذريا للدين - أعني فهماً دقيقاً ، يصل إلى نواة الدين ، ويفجر تلك النواة تفجيراً يسمع له دوي أعتى من دوي تفجيـر النواة المادية ، ولقـد سايـر الديـن طفـولة البشرية في سحيـق الآماد ، وأحسن مسايرتها ، وكان بها رفيقا ، شفيقا ، يمد لها في الأوهام ، والأباطيل ، التي كانت تكتنف تفكيرها ، ريثما ينقلها ، على مكث ، وفي أناة ، من وهم غليظ ، إلى وهم أدق ، ومن باطل غليظ إلى باطل أدق ، وهكـذا ، دواليك ، حتى قطعت الإنسانية عهد الطفولة ، ووقفت اليوم ، في طور المراهقة ، تستشرف إلى عهد الرجولة ، والاكتمال وأصبح على الدين دور جديد ، هو أن يقفز بالإنسانية عبر هذا الطور القلق الحائـر المضطرب - طور المراهقة – ليـدخل بها عهـد الرجـولة ، والاكتمال . ولما كان الفرق بين الطفل والرجل كبيرا شاسعا ، فالرجل يتحمل مسئولية عمله ، بينما الطفـل يطلب الحماية من تلك المسئولية ، فقد أصبح على الدين ، منذ اليوم ، ألا ينبني على الغموض ، وألا يفرض الإذعان ، على نحو ما كان يفعل في عهود طفولة العقل البشري .. وإنما يجب عليه أن يقدم منهاجا متكاملا للحياة ، يخاطب العقل ، ويحترمه ، ويحاول إقناعه بجدوى ممارسة ذلك المنهاج في الحياة اليومية ، في كل مضطربها .
الإرادة البشرية مادة الدين

والعلم التجريبي الروحي - الدين - مادته الطاقة ، أيضا ، ولكنها في هذه الحالة ( الإرادة ) البشريـة .. هل هي ( مخيـرة ) أم ( مسيرة ) كالطاقة المادية ؟؟ ونحـن ألفنا ، عند التحدث عن الدين ، أن نتحدث عن أديان التوحيد ، والوثنيات التعدديات ، والحقيقة أن البشـر ، في جميع عصورهم ، لم يعبـدوا غيـر هـذه الإرادة البشـرية ، وهذا يفسر لنا السر في أن جميع الأوثان كانت تـنـحت على شكـل الهيـكل البشـري .. وحـتى اليـوم ، وفـي أرقـى الأديـان التـوحيـدية ، وأعـني به الإسلام ، فإن أرقى معتنقيه يعبدون من دون الله إلها آخر ، هو ( إرادتهم البشرية ) ولكنهم لا يفطنون إلى ذلك ، ويظنون أنهم يحسنون صنعا .. ويسخرون من باقي عباد الله من أصحاب الملل الأخرى . فلو أنهم تفطنوا إلى حقيقة أمـرهم إذن لاشتغلوا ، عن الزراية على الآخرين ، بتحصيل ما فاتهم ، هم ..
إن العالم الطبيعي الكبير ، أينشتين ، يقف عاجزا ، حائرا ، على عتبة معضلة الجبـر ، والاختيار ، ويقول ، فيما يحدثنا الدكتور أحمد زكي: (( إن ديني هو إعجابي ، في تواضع ، بتلك الروح السامية التي لا حد لها ، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة ، القليلة ، التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة ، العاجزة ، وهو إيماني العاطفي ، العميق ، بوجود قدرة عاقلة ، مهيمنة ، تتراءى حيثما نظرنا ، في هذا الكون المعجز للأفهام ، إن هـذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله )) ونحـن ، بعلمنا التجتريبي الروحـي ، نبدأ من حيث انتهى هذا العالم الجليل بعلمه التجريبي المادي ، ومع أنه واضح أن أينشتين قد قرر الجبر ، وذلك بقوله : (( وهو إيماني العاطفي ، العميق ، بوجود قدرة عاقلة ، مهيمنة ، تتراءى حيثما نظرنا ، في هذا الكون المعجز للأفهام )) ، إلا أنـه واضـح أيضا أنـه يتـسـاءل تسـاؤلا صامتا : ما هي هـذه القدرة العاقلة المهيمنة ؟؟ وما مدى هيمنتها ؟؟ ونعتـقـد أن الإجابة على هذين السؤالين هي الإجابة على مسألة الجبر والاختيار ، وبها ترد مظاهر الأخلاق البشرية إلى أصل واحد ، كما ردت من قبل مظاهر الكون المادي إلى أصل واحد .
قلنا أن العلم التجريبي المادي ، والعلم التجريبي الروحي توأمان ، ولدا في يوم واحد ودرجا في مراقي الحياة معا ، على تواد حينا وعلى تدابر حينا ، ولكن على تعاون في جميع الأحيان . ومادة العلم التجريبي المادي الكون المادي ، وإن كانت الإرادة البشرية تتدخل فيه ، ووسيلته المعادلات الرياضية ، ومعدات التجارب في المعامل ، ومادة العلم التجريبي الروحي الكون المادي ، والإرادة البشرية معا ، ووسيلته القرآن ، ومعدات العبادة ، في الخلوات ، والجلوات ، وأنتم ترون ، من هنا ، أن الدين الذي أعنيه في صدر حديثي هو الإسلام . وأحب أن أعترف أني بدأت عن تصديق ، لأني ولدت من أبوين مسلمين ، ولكن التصديق لم يبلغ بي درجة التعصب والعمى ، فيلتوي بنتائج تجربتي وإنما استطعت ، بتوفيق الله ، أن أسير مفتوح العينين ، إلى النتائج التي رسخت تصديقي البدائي ، وانتقلت بي إلى اليقين .
ويقول في "الدين والتنمية الاجتماعية":
أول ما نبدأ به هو تقرير الحقيقة الكبرى وهي أن التنمية الإجتماعية في السوادان لن تتم إلا على هدى "العلم" .. ولقد أسلفنا الإشارة إلى أن "العلم" إنما هو العلم بحقيقة البيئة التي نعيش فيها ، وهي بيئة روحية ، ذات مظهر مادي .. والعلم بها إنما هو ثمرة اللقاء ، واللقاح ـ الزواج ـ بين العلم "المادي" التجريبي الذي يعنى بظواهر الأشياء والعلم ”الروحي" التجريبي الذي يعنى بالظواهر ، وبما وراء الظواهر ـ بالمادة وبما رواء المادة ـ وإن كانت عنايته بما وراء المادة أساسية ..
إن طريق السودان إلى "التنمية الإجتماعية" ليس طريق الحضارة الغربية ـ ليس طريق العلم التجريبي وحده .. فإن هذا طريق مقفول ، لأنه أهمل القيمة ـ أهمل الأخلاق ـ ونحن السودانين ، بفضل الله ، ثم بفضل كوننا مسلمين ، وورثة المصحف الكريم ، نستطيع أن نقدم النهج الجديد ، الذي ، بما يملك من القيمة ، يستطيع أن يجعل الإنسان سيد الآلة ، وموجهها ، بدلاً من خادمها ، وتابعها ، كما هي الحالة في الحضارة الغربية اليوم .. قال المعصوم: "الدنيا مطية الآخرة" .. يعني أن الحياة الدنيا وسيلة إلى الحياة العليا .. يعني أن حياة المعدة والجسد وسيلة إلى حياة الفكر والشعور .. وهذا يوجب أن ننظم حياة المعدة والجسد بكل الحذق ، والمهارة ، والعلم ، والمقدرة ، التي تجعلها وسيلة واسلة إلى الغاية المبتغاة منها ، ومن ههنا يدخل "التخطيط الإجتماعي" المرشد بالعلم الحديث ، بكل معطياته ، وبكل مقدراته .. إن هذا التنظيم الرشيد لحياة المعدة والجسد يكون البناء التحتي الذي هو وحده الدعامة للبناء الفوقي ـ حياة الفكر والشعور ـ وبقدر كفاية وكفاءة البناء التحتي ينتج لنا المنهاج التربوي الإسلامي ـ العلم الروحي التجريبي ـ البناء الفوقي ذا الكفاية والإقتدار والكمال ..
وفي "الرسالة الثانية من الاسلام" يتحدث عن "بز" العلم القرآني للعلم المادي التجريبي:
وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي ((علمية)) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شئ في صدور الناس الآن، وسيجيء الحـق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه، وتتفوق عليه..
وفي هذا الاستشهاد نجد ان الاستاذ رغم حديثه عن توأمة العلم والدين ،لكنه يعطي دورا أكبر اهمية وتاثيرا و فعالية للعلم الروحي التجريبي .

Post: #732
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-16-2008, 06:31 AM
Parent: #731

نشأ الخطاب الجمهوري كغيره من الخطابات النهضوية على مسالتين:
المسالة الاولى مواجهة تخلف المسلمين
والمسالة الثانية كيفية التعامل مع نمط عولمي مثل الحداثة الغربية.
وقد حاول ان يحل المسالة بطريقة اكثر حداثة من خلال احترام المنجزات التي قدمها نموذج الحداثة الغربي في صيغتيه في ذلك الوقت اي المعسكر الراسمالي و المعسكر الاشتراكي.
و من خلال التأويل تمت الاشارة الى رسالة ثانية خاتمة تحل التناقض بين الاشتراكية والديمقراطية.
ورغم نقده لمصطلح الاشتراكية العلمية إلا انه يقوم بتفريغ العلامة اللغوية نفسها وملأها بمضمون اسلامي ،وكذلك الامر بالنسبة الى الديمقراطية.
يقول في الرسالة الثانية من الاسلام:
ونحن عندما نتحدث عن الاشتراكية العلمية ، أو عن الشيوعية ، فيما ندعو إليه ، لا نريد مذهب ماركس هذا ، بل إنا لنعلم أن اشتراكية ماركس ليست علمية ، وإنما هي متورطة في خطأ أساسي ، ليس هذا المقام مقام الخوض فيه ، وإنما سنخوض في تبيانه عند الكتابة عن (( الإسلام ديمقراطي اشتراكي )) الذي سيصدر عما قريب إن شاء الله .
فالاشتراكية العلمية ، عندنا ، تقوم على دعامتين اثنتين ، وفي آن واحد : أولاهما زيادة الانتاج ، من مصادر الانتاج ، وهي المعدن ، والزراعة ، والصناعة ، والحيوان . وذلك باستخدام الآلة ، والعلم ، وبتجويد الخبرة الادارية ، والفنية . وثانيتهما عدالة التوزيع ، وهي تعني ، في مرحلة الاشتراكية ، أن يكون هناك حد أعلى لدخول الأفراد ، وحد أدنى . على أن يكون الحد الأدنى مكفولا لجميع المواطنين ، بما في ذلك الأطفال ، والعجائز ، والعاجزين عن الانتاج ، وعلى أن يكون كافيا ليعيش المواطن في مستواه معيشة تحفظ عليه كرامته البشرية .. وأما الحد الأعلى للدخول فيشترط فيه ألا يكون أكبر من الحد الأدنى بأضعاف كثيرة حتى لا يخلق طبقة عليا تستنكف أن تتزاوج مع الطبقة ذات الدخول الدنيا .. ومن أجل زيادة الانتاج وجب تحريم ملكية مصادر الانتاج ، ووسائل الانتاج ، على الفرد الواحد ، أو الأفراد القلائل في صورة شركة ، سواء كانت شركة إنتاج ، أو شركة توزيع .. ولا يحل للمواطن أن يملك ، ملكا فرديا ، إلا المنزل ، والحديقة حوله ، والأثاثات داخله ، والسيارة ، وما إلى ذلك مما لا يتعدى إلى استخدام مواطن استخداما يستغل فيه عرقه لزيادة دخل مواطن آخر . والملكية الفردية ، حتى في هذه الحدود الضيقة ، يجب ألا تكون ملكية عين للأشياء المملوكة ، وإنما هي ملكية ارتفاق بها ، وتظل عينها مملوكة لله ثم للجماعة بأسرها .
ويقول في "الدستور الاسلامي نعم ولا ":
ونحن الجمهوريين حين نتحدث عن الاشتراكية العلمية ، أو عن الشيوعية ، فيما ندعو إليه ، لا نريد مذهب كارل ماركس هذا المعروف باسم الماركسية اللينينية ، بل إننا لنعلم أن اشتراكية كارل ماركس ليست علمية ، وإنما هي متورطة في خطأ أساسي ، وجسيم ، وهو خطأ يشكل أكبر عقبة في سبيل انتصار الاشتراكية في الأرض وهي لن تنتصر إلا إذا صححت هذا الخطأ الأساسي ، وقد وردت الإشارة إلى هذا الخطأ بإيجاز في كتابنا "التحدي الذي يواجه العرب" الصفحة نمرة 14 ، وموعدنا بالتفصيل كتابنا المقبل "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" الذي سيصدر قريبا إن شاء الله .
وفي "التحدي الذي يواجه العرب" يقول:
ومع ان كارل ماركس ليس اول اشتراكي، وهو، على التحقيق، لن يكون آخر اشتراكي يفلسف الاشتراكية، وانما هو يمثل مدرسة في الاشتراكية لها حسناتها ولها سيئاتها، وما يوضع في كفة سيئاتها اكثر مما يوضع في كفة حسناتها، الا ان هذا التشويش الفكري قد مكن للشيوعيين الماركسيين ان يوهموا الناس ان الاشتراكية العلمية تبدأ بالماركسية اللينينية وتنتهي بها.. وانك، ان اردت ان تكون اشتراكيا علميا، فلا سبيل لك الا ان تكون ماركسيا. والحق ان الاشتراكية لن تنتصر في الارض، وهي لا بد منتصرة، الا اذا هزمت التفكير المادي الماركسي اللينيني. أو قل صححت الاخطاء الكبيرة، الحاضرة، التي هي السبب في هزيمة الاشتراكية، في روسيا وفي الصين، على السواء.
فلفك الارتباط بين نموذج الحدثة الغربي ونموذج الحداثة الجمهوري ،كان من الاوفق نحت مصطلح يحتفظ باستقلاليته ويبتعد عن ظلال النموذج الغربي.
لكن من الواضح ان الاستاذ يتناص مع مصطلحات الحداثة الغربية ،ثم يحاول ان يجد معادلا لها في الخطاب الاسلامي عبر التأويل.
النموذج الحل الذي يطرحه الاستاذ محمود محمد طه في جوهره لا يتعدى ان يكون نموذجا لا يمكن ا ثبات حيثياته.
حيث يعطى للنص مفهوم تجاوز المكان والزمان ،على اعتبار انه اصلا جاء مبشرا بالديمقراطية قبل حلولها عمليا في نموذج الحداثة الغربي.
كما انه يفرغ العلامة اللغوية كما في حالة الاشتراكية العلمية ،ويلبسها لبوس الدين.
وقبل ذلك هو نموذج أقرب ما يكون الى الاشتراكيات الديمقراطية في الغرب.ولم يشر الاستاذ ،ولو مرة واحدة الى أن هنالك محاولات ضمن نموذج الحداثة الغربي تحاول الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية.
فما يطرحه هو نموذج حداثي غربي ذو مسوح ديني ،وذلك من خلال تطبيق الحدود،وهي شرائع تجمع المواثيق الدولية انه غير انسانية.
وحتى في محاولة التاويل التي قام بها الاستاذ للجمع بين الاشتراكية والديمقراطية،فانه لم يكن متسقا مع ثنائياته الضدية اي القران المكي والمدني.
ومن ثم نجد ان ذلك البديل الحداثي هو كوكتيل من المدني والمكي ،وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتساؤل حول مصداقية المكي والمدني ضمن النظر الى طرح نموذج حداثي اسلامي.
وحتى في اطار طرحه المتقدم نسبيا مقارنة بالنماذج الاسلامية الاخرى ،فان الخطاب الجمهوري لا يزال يدور في محور الخطابات الاسلامية التي تتحدث عن الوسطية،فهو خطاب وسيط حاول ان يجمع بين الديمقراطية والاشتراكية.
المشاء

Post: #733
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 01-16-2008, 07:00 AM
Parent: #732


لقد أعدت إنزال هذا المقال مرة أخرى بعد أن اكتشفت أن النسخة التي أنزلتها منه لم تكن النسخة الأخيرة.
فمعذرة
النور حمد

هذا المقال كتبته بطلب من مجلة الدوحة التي زاولت الصدور بعد غيبة طويلة. غير أن شهورا طويلة مرت ولم يتم نشر المقال.
وقد رأيت أن أنشره في هذا الخيط الفخيم للأستاذين عبد الله الشقليني واسامة الخواض، وذلك احتفاء مني بالذكرى الثالثة والعشرين لإعدام الأستاذ محمود محمد طه.


التسـامح الديني:
هل هو ممكنٌ بغير اجتهادٍ جديد؟


يقول العفيف الأخضر أنه لا سبيل إلى الخروج من حرب الديانات الدائرة اليوم إلا باعتراف المسلمين بالديانات التي سبقت الإسلام. ويورد العفيف الأخضر الآية: ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، والنصارى، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) مشيرا إلى أن فقهاء العصور الوسطى هم الذين قالوا بأن هذه الآية منسوخة بآية ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخر من الخاسرين)). (1) غير أن النسخ ثابت، فآية السيف التي نصها، ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)) نسخت كل آيات الإسماح، مثال آية، ((فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)) أو آية ((وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))، وغيرهما من آيات الإسماح العديدة. وتأكيدا للنسخ جاء الحديث النبوي القائل: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله)).

المشكلة إذن ليست في ما إذا كانت آيات الإسماح قد تم نسخها بآيات الجهاد أم لا، فهي قد نسخت بالفعل. كما أن الجهاد قد قام بالفعل وبه تمددت دولة المدينة لتصل أعماق أسيا شرقا ولتصل إفريقية غربا. فآيات الإسماح لم يعد لها الحكم منذ أن قال النبي الكريم، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)). المشكلة ليست إذن في ما إذا كان النسخ قد جرى أم لا. فهو قد جرى بالفعل. المشكلة هي: هل النسخ مستمر أبد الدهر، أم هو إجراء مرحلي اقتضاه الظرف التاريخي في القرن السابع الميلادي، وأن آيات الإسماح التي تم نسخها يمكن أن تكون لها عودة؟ هذا السؤال المركزي جدا، هو ما عالجه الأستاذ محمود محمد طه في كتابه، "الرسالة الثانية من الإسلام". والأستاذ محمود محمد طه مفكر إسلامي سوداني مجدد، أعدمه الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري بتهمة الردة في 18 يناير 1985. وحادثة قتله تمثل، في حد ذاتها، أكبر الشواهد على انعدام أسس للتسامح الديني في العالم الإسلامي. فالذين أفتوا بردته وقادوه إلى حبل المشنقة إنما كانوا فقهاء دولة، استندوا على النصوص، وعلى سوابق عديدة في التاريخ الإسلامي.
جوهر فكرة الأستاذ محمود محمد طه يتلخص في أن النسخ ليس نهائيا، لأن آيات القرآن كما يراها تتبادل الحكم. فالذي نزل في البداية كان القرآن المكي، الذي يشير إليه الأستاذ محمود محمد طه بـ "قرآن الأصول". غير أن قرآن الأصول المكي قد جرى نسخه بـ "قرآن الفروع" المدني. فالأصل في الإسلام الإسماح والحرية والمسؤولية الفردية أمام الله تمشيا مع قوله تعالى: ((فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)) وغيرها من آيات الإسماح العديدة. فالنبي مكلف فقط بالتذكير، وليس له أن يسيطر على المدعويين أو أن يكرههم على قبول الدعوة. غير أن هذا المستوى من الخطاب القائم على الحرية والمسؤولية قد تم نسخه بآية السيف، التي بناء عليها قال النبي الكريم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)). فالثابت أن الجهاد قد شرع بعد أن جرى نسخ آيات الإسماح التي لم يستجب لها المجتمع المكي، الذي قاوم الدعوة وآذى النبي، وتآمر على حياته حتى اضطره للهجرة، هذا فضلا عن ما جرى من تعذيب أصحابه، الذين قضى بعضهم بسبب ذلك التعذيب الرهيب.

يقول الأستاذ محمود محمد طه لو كان النسخ سرمديا لأصبح خير ما في ديننا منسوخ بما هو أقل منه. وذلك يتعارض مع قوله تعالى: ((واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)). ويقول أيضا، إن النسخ ليس تغيير رأي. فتغيير الرأي لا يجوز في حق الذات العلية. ولذلك، لم يبق إلا أن النسخ قد كان إرجاء. ويستدل الأستاذ محمود محمد طه على النسخ بالآية: ((ما ننسخ من آية أو ننسها، نأت بخير منها أو مثلها)). ويستدل الأستاذ محمود محمد طه على مجيء وقت الأصول اليوم ببروز المجتمع الكوكبي الراهن، الذي أصبح فيه السلام فيه والتعايش السلمي أمران لا مناص منهما. كما أصبحت كفالة الحقوق المتساوية للناس، بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو اللون، أو الجندر، مطلبا بديهيا. ولذلك فإن الاجتهاد القادر على التصدي على تحديات عصرنا الراهن، فيما يتعلق بقضايا الحقوق الأساسية ـ وفق رؤية الأستاذ محمود محمد طه ـ إنما هو الاجتهاد الذي يتجه إلى بعث أصول القرآن المنسوخة، وليس الزعم بأن الشريعة الإسلامية المطبقة منذ القرن السابع الميلادي، صالحة لكل زمان ومكان. وفي هذا المعنى كتب الأستاذ محمود محمد طه:
((من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع، عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا، وإنما هو يتحدث عن نفسه. فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع، وفي مضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفدت، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم. ومع ذلك فإن المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي أستوعب، ونهض بحل مشاكل القرن السابع، وذلك جهل مفضوح)). إنتهى (2)

الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي أمرت بقتال الكفار حتى يسلموا، كما أمرت بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا، أو يقبلوا دفع الجزية عن يد وهم صاغرون. وقد فسر ابن كثير ((صاغرون)) بقوله: ((أي ذليلون حقيرون)) (3). أيضا تأمر الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي بقتل الذي يبدل دينه، ((من بدل دينه فاقتلوه)). أكثر من ذلك، فإن الشريعة الإسلامية تأمر بقتل المسلم نفسه، إن هو ترك الصلاة! ولا ننسى أيضا أن الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي قد أقرت الرق، وأقرت معه التمتع بالإماء، بغير عقد زواج. كما أنها لم تساو النساء بالرجال في الحقوق، وجعلت الرجال أوصياء على النساء. وكل ما تقدم لا يعيب الشريعة الإسلامية في شيء في ذلك الظرف التاريخي، ويرى الأستاذ محمود محمد طه أن كل ما جرى ذكره عاليه كان تشريعا إلهيا من لدن عليم خبير. وهو تشريع كان مناسبا جدا لذلك الوقت. ولذلك يقول الأستاذ محمود محمد طه، إن الإسلام ليس بحاجة لمن يعتذر عنه، لكونه قد استخدم السيف في القرن السابع الميلادي. وذكر في ذلك الصدد أن الإسلام قد استخدم السيف كما يستخدم الطبيب المبضع، وليس كما يستخدم الجزار المدية. كل ما في الأمر، أن القول باستخدام السيف اليوم، ومحاكمة الناس بالردة اليوم، وانتقاص حقوق الناس بسبب العقيدة، أو العرق، أو اللون، أو الجندر، أمر معيب ولا يجب أن يلصق بالإسلام في عالم اليوم.

التعايش السلمي وحوار الطرشان:

بعد هجمة الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك، كثرت المؤتمرات التي تنعقد تحت مسميات حوار الأديان والتسامح الديني. غير أن من يشارك في هذه المؤتمرات، ممن يحلو لهم بأن يسموا أنفسهم "علماء الإسلام" لا يملكون زادا يمكن أن يشاركوا به في موائد الحداثة، سوى اجتهادات فقهاء الحقب السوالف. وهي اجتهادات لم تعد تسمن أو تغني من جوع، في مواجهة تحديات الحاضر. فالعلماء الذين تندبهم الجهات الإسلامية الرسمية ليشاركوا في هذه المؤتمرات لا يؤمنون أصلا بما تواضعت عليه الحضارة المعاصرة فيما يتعلق بالتعايش. فهم رغم دعاوى الإعتدال والوسطية التي يدعونها، متطرفون تكفيريون، لا يختلفون في شيء عن جماعة القاعدة وجماعة طالبان. هذا إضافة إلى كونهم مدفوعين لهذه المؤتمرات بواسطة الأنظمة السياسية العربية التي توظفهم ضمن منظومتها القمعية الشاملة. فحين أحس الغرب أنه قد أصبح بحاجة ماسة إلى تأسيس ديني للسلام في الإسلام، أوعز ـ من فرط غفلته ـ لهذه الأنظمة التي يرعاها بأن تحرك علماءها تجاه ما يريد، فحركتهم! ولا غرابة إذن إن كان عطاء هؤلاء "العلماء" في كل تلك المؤتمرات عطاء بالغ الضآلة، ألأمر الذي جعل منها مجرد مناسبات روتينية لتبادل المجاملات، والابتسامات الصفراء.

ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم هو اجتهاد جديد مستند على أصول القرآن وجوهر رسلة الإسلام المتمثلة في السلام وفي المسؤولية الفردية. ومثل هذا الإجتهاد لا يكون بغير الخروج عن إطار أحكام الشريعة السلفية في ما يخص شؤون حرية الإعتقاد، وحرية الرأي، وسائر الحقوق الأساسية، ليستند على أصول القرآن التي تلتقي في الإطار العام بما تنص عليه الدساتير، والديمقراطيات، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وحين عجز علماؤنا عن الخروج عن عقلية التجبر والسيطرة والكبت والمصادرة ذهبوا ليطالبوا بأن يستثنينا العالم من مقاييسه للحقوق الأساسية زاعمين أن لنا ((حقوق إنسان خاصة بنا))! وهكذا أصبحنا نسمع بمصطلح ((حقوق الإنسان في الإسلام))! وهكذا تحول الحوار في كل هذه المؤتمرات إلى مجرد حوار طرشان. فحقوق الإنسان ليست طلاسما مبهمة، وإنما يمكن تلخيصها في: حق الإنسان البالغ الرشيد في الاعتقاد، وفي التعبير عن رأيه، وفي السفر، والسفر بمفرده إن شاء، رجلا كان أم إمرأة، وفي قيادة السيارة إن شاء، رجلا كان أم إمرأة، وفي انتخاب حاكمه وعزله إن شاء. باختصار هي حقه في ألا تتم مصادرة حقه في الحرية على أساس العرق، أو الدين، أو الجندر، أو اللون، أو الطبقة الاجتماعية.

كيف يفكرعلماؤنا؟

علماءنا لا يؤمنون، من حيث المبدأ، لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان! ويستوي في ذلك علماء السنة وعلماء الشيعة، وبلا فروق جوهرية تذكر. فقضية المواطنة وحق المواطنين قضية مركزية في بناء الدولة العصرية، ولكنها لم تلق اجتهادا يواجهها في مستوى التحدي الذي تطرحه. والذين جاءوا فيها باجتهاد نير، كالمجدد محمود محمد طه كان مصيرهم القتل. نحن لا نزال نقارب قضايا الحقوق الأساسية بأفق السلف، وبتشريعات الردة، وبفقه أهل الذمة. ويكفي أن نذكر هنا أن الدكتور حسن الترابي الذي يرى فيه البعض مجددا إسلاميا، لم يتردد أن يعلن إحتفاءه بإعدام الأستاذ محمود محمد طه، قائلا: ((لا أستشعر أي حسرة على مقتل محمود محمد طه .... إن ردته أكبر من كل أنواع الردة التي عرفناها في الملل السابقة)) (4)

أما الشيخ محمد الغزالي القيادي البارز في تنظيم الإخوان المسلمين، والذي يرفعه الكثيرون كنموذج للاعتدال، فقد وقف حين استدعته المحكمة بناء على طلب من فريق الدفاع لكي يقدم شهادته، التي أراد بها الدفاع أن تكون في مصلحة المتهمين، قائلا، إن فرج فوده مرتد، ويستحق القتل، ولكن الذين اغتالوه افتأتوا على السلطة (5). مضيفا أن الحاكم هو الجهة الوحيدة المنوط بها تطبيق حكم الردة على المرتدين، حتى لا يؤول الأمرإلى فوضى. وحين سأله فريق الدفاع عن حكم الإسلام في من يفتئت على السلطة، أجاب الشيخ الغزالي بأنه لا يعرف حكما في الإسلام على من يفتئت على السلطة. وهكذا يا عمرو لا رحنا ولا جئنا! فالشيخ الغزالي يرى أنه لا توجد في الإسلام عقوبة لمثل الفعل الذي قام به قتلة الكاتب فرج فودة، لأن فرج فودة كافر كما أفتى هو! وهذا يعني ضمنا أن الإسلام يقر مثل تلك الفوضى، وذلك بتطبيق منطق الشيخ الغزالي نفسه!

أما الشيخ يوسف القرضاوي فلم يخالف الشيخ الغزالي فيما ذهب إليه في تكفيره لفرج فوده وتجويزه قتله (6). والشيخ القرضاوي، أيضا يرفعه الكثيرون، رمزا للإعتدال، مع أنه قد أفتى هو الآخر بتكفير الكاتب حيدر حيدر، وتكفير راويته "وليمة لأعشاب البحر" (7) . أما في الكويت، فقد أورد الباحث خليل علي حيدر أن السيد، عبدالله العلي المطوع، أحد كبار الإخوان المسلمين الكويتيين، خين سئل إذا ما كان الإسلام يسمح للأحزاب القومية والعلمانية بممارسة نشاطها، أجاب بقوله: ((أما أن يكون في الدولة الإسلامية من يسمون أنفسهم بـ "مسلمين" ثم يقومون بأمور مخالفة للإسلام ومناوئة للدين والعقيدة فلن يقبل منهم ذلك أبدا)). (8) أما إسلاميو الجزائر فلا يختلفون عن إسلاميي المشرق العربي في شيء. فقد تبنت جبهة الإنقاذ على لسان أنور هدام أحد كبار قادتها إغتيال الجامعي الجيلاني اليابس، وذلك في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية. وقد أغتيل في الجزائر أكثر من ستين من المثقفين، بينهم الشاعر الطاهر جعوط. (9)

ولا يختلف حال الشيعة عن السنة في مسألة الحقوق الدستورية الأساسية. إذ يكفي أن نورد فتوى أية الله الخميني في حق الكاتب سلمان رشدي، وإهداره لدمه بسبب كتابه "آيات شيطانية"، ونضيف إليه ما رواه الكاتب أمير طاهري من أن الخميني قد ظل طوال حياته، ((يفخر بالفتوى التي أصدرها بقتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي سنة 1947. ولما سئل الخميني عام 1979 عن سبب إصداره أمراً بإعدام المعارضين دون محاكمة أجاب: ((لأنهم مذنبون ولا حاجة لإضاعة الوقت في محاكمتهم)) (10)!!. أما الشيخ حسن نصر الله، الرمز الشيعي السياسي الأبرز في لبنان، فيؤكد على ما أفتي به الإمام الخميني. فقد أوردت وكالة أنباء رويترز للأنباء، على أثر نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للنبي الكريم في الدنمارك، أن الشيخ حسن نصر الله قال: ((لو قام مسلم ونفذ فتوى الامام الخميني بالمرتد سلمان رشدي لما تجرأ هؤلاء السفلة على أن ينالوا من الرسول لا في الدنمارك ولا في النرويج ولا في فرنسا)). (11) أفلا يدل كل ما تقدم على أننا بحاجة ماسة إلى اجتهاد انقلابي يخرج أمر الدين ومستقبله تماما من قبضة هؤلاء؟. فأي غد ينتظرنا وهؤلاء هم علماؤنا وقادتنا؟ خاصة أن من بينهم من رفعته كبرى وسائل الإعلام عندنا بالأمس، ومن ترفعه اليوم، كرموز وأمل لخلاصنا من نير السيطرة الغربية؟

نزعة التكفير لا تعرف الحدود!:

يظن كثيرون أن التكفير والإخراج من الملة أمر يطال فقط أولئك الذين يأتون بآراء تشذ عن ما تواضعت عليه الأكثرية. كما يظنون أن هناك فهما للدين تتشاركه غالبية من الناس، يشذ عنهم بعضى الشواذ الذين يجب ردعهم. غير أن ذلك غير صحيح. فالتكفير والإخراج من الملة في تاريخ الثقافة الإسلامية، ظاهرة يمكن أن تلحق في غرابتها باللامعقول. ولربما لا يعرف أكثرية المسلمين، مثلا، أن الإمام أبا حنيفة النعمان قد تم تكفيره من قبل خصومه في الرأي! وأنه أستتيب في حياته بضع مرات! بل إن سفيان الثوري حين بلغه نبأ وفاة أبي حنيفة قال: ((الحمد لله الذي أراح المسلمين منه، لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة. ما ولد في الإسلام مولود أشأم على الإسلام منه)) (12)!! وهذه العبارة المروية عن سفيان الثوري رددها معه عدد من مخالفي أبي حنيفة، من كبار أهل الرأي. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، أيوب السختياني، ومالك، والأوزاعي، ووكيع، وجرير بن حازم، وإبن المبارك. كما جاء أيضا أن الإمام عبد الله قد روى بإسناده إلى حماد بن أبي سليمان أنه قال لسفيان: ((إذهب إلى الكافر إبي حنيفة، فقل له: إن كنت تقول: إن القرآن مخلوق فلا تقربنا)) (13). ورغم ذلك صار لأبي حنيفة أتباع عبر التاريخ الإسلامي، لا يقلون بحال عن أتباع مالك والشافعي وإبن حنبل وغيرهم من المجتهدين!

الشاهد، أنه ليست هناك قواعد ثابتة تحكم نزعة التكفير. فالتكفير سلاح جرى استخدامه بأشكال عشوائية مختلفة في أزمنة مختلفة، بغرض التخلص من الخصوم الفكريين. وهو بتلك الأوصاف سلاح يمكن أن يطال أي أحد، وبلا استثناء. ولذلك فالمخرج من ورطته لا يكون بغير إخراج مفرداته كلية من القاموس الحي، ووضعها، وإلى الأبد، في أرفف التاريخ. ولكن ذلك لن يتحقق بغير اجتهاد إنقلابي منفلت تماما من قبضة السلف، ومن سائر الأطر الظرفية التاريخية التي حكمت اجتهاداتهم وخياراتهم. وإلا فدون التسامح الديني خرط القتاد!

أما محاولة ترك الدين جانبا والإتجاه صوب "العلمانية" كما يرى بعض المثقفين المسلمين، فتمثل في نظري محاولة للسير في ذات الخط التاريخي الذي سارت عليه حركة فصل الدين عن الدولة، كما جرت في المجتمعات الغربية. فسيرنا في ذلك المضمار سوف يكون ضئيل المردود، كما أنه غير مطلوب أصلا، في ما أرى. فقضية الحرية كما عالجها الفكر السياسي والإقتصادي الغربي لم تثمر في نهاية مسارها سوى سيطرة مطلقة للمالكين، وقتلٍ ذريع للإنسان في الإنسان، وتبيان ذلك يطول. ما أراه هو ضرورة مواجهة قضية التحديث من داخل بنية ديننا نفسه، لا من خارجها. فارتداء الخوذة العقلية الغربية كما هي، غير ممكن في حالتنا، لأنه، وببساطة شديدة، لا يلمس الجماهير بأي تغيير. وأي تغيير لا يلمس الجماهير فسيكون تغيير فوقي لن يسفر في منتهاه إلا عن تكريسٍ للسلطة والثروة في أيدي النخب. هذا فضلا عن أن انعتاق الغرب نفسه، على علله الكثيرة، لم يكن ليحدث لولا أفكار مارتن لوثر، وجون كالفن، التي أعاد انتاجها وضخها في مجرى الرأسمالية المسيطرة اليوم ، الألماني ماكس فيبر.


المراجع:

1. العفيف الأخضر ـ الحوار المتمدن، العدد 1500 25-3-2006.
2. http://www.rezgar.com/search/Dsearch.asp?nr=1500
3. محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية من الإسلام. الكتاب متضمن في كتاب: نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه. (ص. ص. 76- 77) (2001) الكويت: دار قرطاس والمركز الثقافي العربي ـ بيروت
4. إبن كثير ـ الجزء الثاني ص 332
5. صحيفة الوطن السودانية 30-4-1988
6. د. رفعت السعيد (1998) الإرهاب: إسلام أم تاسلم؟ دار سيناء:القاهرة.
7. د. يوسف القرضاوي (2000)الشيخ الغزالي كما عرفته، ص: 271-275 . وانظر أيضا: "أحكام الردة والمرتدين من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة"، ص 298-300، للدكتور محمود مزروعة، طبعة خاصة بالمؤلف 1414
8. . العفيف الأخضر، http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=2&aid=8336 زيارة الموقع في 23-12-2006
9. خليل علي حيدر. (1998) إعتدال أم تطرف. الكويت:دار قرطاس
10. العفيف الأخضر، http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=2&aid=8336 زيارة الموقع في 23-12-2006
11. وكالة رويتر 2-2-2006
12. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، (ص ص 370-371- 13).
13. المصدر السابق نفسه

Post: #734
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-16-2008, 02:56 PM
Parent: #733

في حضرة :
الأستاذالشاعر والناقد : أسامةالخواض
والدكتور : النور حمـــد

نرصد الرفد الثري ، والكلمة التي تحترم خبز العقول ،
ثم نعودكم من بعد شكر أفضالكم على العيون القارئة .

Post: #735
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-18-2008, 05:11 PM
Parent: #1



الجمعة الكبرى : 18/ 01/ 1985 م
الجمعة الذكرى : 18/ 01/ 1985 م

أبت الذكرى إلا أن تأتلق اليوم : جمعة الرحيل وجمعة تاريخ الرحيل
عند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م صعد الأستاذ محمود محمد طه درجات السلم راحلاً إلى العُلا .شجرة غصن فكره خضراء مورقة . ثمارها تتلألأ من تقاطر الندى ولم تزل .
أيصنع المكر صنيع تاريخٍ قديم : تُحرَق الأسفار ، ويُحبَس من يؤمنون بالفكرة؟
تألق الجسد ضُحى ، شمسه تُضاهي الشمس من فوق السماء وقد انحسر بهاؤها عند الضُحى ، تأسى على كبوة التاريخ عند دهرٍ همجيٍ وراءه مكر السوء . لبس الماكرون حُلة السلطان ومن ورائه طبخوا الطعام المسموم ، ظنهم أن الطريق قد تمهد لهم . سيد فكرهم رأى أن يقتص من الجسد ويحلم أن تتشتت العشائر من بعدانهيار سد مأرب ! .
***

Post: #736
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: محمد عبدالغنى سابل
Date: 01-18-2008, 05:28 PM
Parent: #735

ولله فى خلقه شئون
المصاب بمرض بشرزمة الله



والمثقف الاول فى السودان
والشهيد
الى الله دون عناء



إحدى إفادات حول الالحاد
هو
أقصى درجات العصيان
هى اقصى درجات الايمان


ونعم لو كان يتعلمون من مجرى التاريخ هولاء السفاحون



مع انيق مودتى
سابل

Post: #740
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-19-2008, 05:11 PM
Parent: #736

Quote: ولله فى خلقه شئون
المصاب بمرض بشرزمة الله



والمثقف الاول فى السودان
والشهيد
الى الله دون عناء



إحدى إفادات حول الالحاد
هو
أقصى درجات العصيان
هى اقصى درجات الايمان


ونعم لو كان يتعلمون من مجرى التاريخ هولاء السفاحون



مع انيق مودتى
سابل


الشكر لك أيها الفاضل : محمد عبد الغني
فقد أوجزت بكثيف المعاني

جاء الزمان ليفتقد الذين تدثروا بغطاء السلطان أن ينكشف هزالة ما يحملون،
وسذاجة رؤاهم.هؤلاء نقلة أحمال غيرهم ولا يُعملون العقل !!!!
وإنها لنقمة حاقت بالبشرية أن طوال تاريخهم تمسحوا بعباءة السلطان وخربوا تاريخ أمة
كان يمكنها أن تتبوأ مكانتها لو بقي الذين يعملون الفكر في كل شيء

Post: #737
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-18-2008, 05:46 PM
Parent: #735

قال الدكتور النور في مقالته المهمة:
Quote: أما محاولة ترك الدين جانبا والإتجاه صوب "العلمانية" كما يرى بعض المثقفين المسلمين، فتمثل في نظري محاولة للسير في ذات الخط التاريخي الذي سارت عليه حركة فصل الدين عن الدولة، كما جرت في المجتمعات الغربية

نعم هذا جوهر ما قام به الاستاذ من محاولة ضخمة لتجسير الهوة بين الحداثة كمفهوم وواقع عولمي ،
وبين الخطاب الاسلامي.
تتبقى مسالة النظر الى كيفية تطور مثل ذلك التجسير،
فربما ياتي وقت يصبح فيه تدخل السلفيين في حياة الناس غير محتمل ولا بد كما حدث في المجتمع الغربي من فصل الدين عن الدولة.
المشاء

Post: #738
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Dr.Elnour Hamad
Date: 01-18-2008, 08:31 PM
Parent: #737

العزيز الأستاذ أسامة الخواض

التحايا وخالص المودة

شكرا لك على الملاحظة الثاقبة.

كل المحاولة وكل الجهد إنما ينحصران في تجريد السلفيين من أسحلتهم التي بها يرهبون العقول ويستبقونها في أسر قبضة الماضي والسائد مما يمثل ظلا للماضي.
لم يكن لأوروبا حينها بد من فصل الدين عن الدولة، وإيقاف إرباك الكهنوت الكنسي لعقول الناس وللحياة باسم السماء.

كان لابد لأوروبا من أن تسير الشوط الذي سارته، على الطريقة التي سارته بها.

غير أن علينا أن نبدأ من حيث وقفت أوروبا اليوم، لا من حيث وقفت أوروبا قبل أربعة قرون. نحن ورثة شرعيون لنجاح التجربة الأوربية وهي تجعل الحياة أكثر طراوة وطلاوة.

كما نحن ورثة لنقدها السديد لعقل الحـداثة الذي أهمل المكون الروحي في الحياة الإنسانية فشيأ الانسان وجعل منه مجرد ترس في آلة الرأسمالية الضخمة.

علينا أن نبدأ من حيث وقفوا، لا من حيث بدأوا عقب عصر التنوير.

مرة أخرى لك الشكر عزيزي أسامة على هذا الجهد المعتبر في هذا البوست العظيم.

Post: #739
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-18-2008, 09:28 PM
Parent: #738

عزيزي عبد الله والزوار الكرام،
أرجو أن تتقبلوا مني "مقالدة" حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاررررة في هذا اليوم العظيم!
وكل عام وأنتم بخير!!

Post: #741
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-20-2008, 03:43 AM
Parent: #739

فوق. وذلك أضعف الإيمان!

Post: #742
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-21-2008, 11:30 PM
Parent: #741

جاء في أخبار المنبر ان هنالك تنظيما جديدا اسمه الجمهوريون-التنظيم الجديد
هل من معلومات حول هذا التنظيم الجديد؟
محبتي
المشاء

Post: #743
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-23-2008, 05:33 PM
Parent: #1

الأحباء :
الأستاذ / أسامة
الدكتور النور

سعدت كثيراً بمشاركة الدكتور النور ، وقد ذهب الأخ أسامة بعيداً في تتبع الخروج الذي ابتدره الأستاذ محمود ، وهو يُعلن أنه ليس تطويراً بل هو بالتأويل . وهنالك رؤاه حول الإشتراكية والرأسمالية والحرية الفردية ومنهجه في العبادات ، و محاولة فصل الرسالة الأولى عن الثانية ، وبين كيف عاش النبي حياته في خاصة نفسه .. ،
تبقت وكما ذكرنا الكثير من بقاياً الرسالة الأولى وهي تُمسك بأطراف الرسالة الثانية وهي في طور التخلُق كما قال الأستاذ :

1. تنتظر بقية العقوبات مصير ما تم بشأن المرأة والجهاد ، فلم تزل هنالك الكثير الذي ينتظر العمل الفكري ، ولم يتيسر الزمان لإنجازه بواسطة الأستاذ محمود ، وتلك فرضية أكثر فألاً ، إذ أن منهجه ينظر في تطوير العقوبات وإن ظلت بلا تطوير . في حين يرى الأستاذ أسامة أن بقاءها لا يناسب العصر .

2. كنت أرى ولم أزل أتفاءل بأن يجد الكثيرون من رفاق الأستاذ وتلامذته الوقت لرفد الرؤى بمساحة متقدمة في تخليص الرسالة الثانية من غلظة الأولى ، رغم الحيطة التي صاحبت رؤى الأستاذ حول الرسالة الثانية ، من أنها لم تزل تتخلق ...

ما رأي الدكتور يا تُرى فيما أوردنا ؟

Post: #744
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: osama elkhawad
Date: 01-23-2008, 09:52 PM
Parent: #743

د. دالي يخرج من صمته بعد 23 سنة ويتكلم في ذكرى الأستاذ ...د طه بمدينة مونتري

Post: #745
Title: Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-24-2008, 04:58 PM
Parent: #744


استمعت لحديث الدكتور دالي الأول ، وأرى أن العمل حسب رأيه جزء من العمل الفكري ،
وأرى أيضاً أن منهج عمل الأستاذ من ذاك الحديث هو منهاج صعب ، وربما لا يُناسب العصر ،
فعيش حياة النبي في خاصة نفسه ربما تتناقض مع الحياة العصرية ...

فتنضيد المسلك في كل لحظة ونفس ، لايناسب إلا حياة المتصوفة المسلمين من الإنقطاع وبناء النفس من الداخل
وسلوك منهاج الرسول المُبرأ من الشوائب ....