محمد موسي يا أخر الشهداء

صباحي أسود صباحكم ككيف يا وليدي....*

دمعة مسجونة عند مبتدأ العين اليمني لصغير في هذه الأيام يشاطرني سكني و اشاركه قليلاً من حزنه علي صديقه الذي أقتيد و عندما عاد أطلق عليه لقب الشهيد....بدأت اليوم بسفة الصباح كما هو معتاد و لم أنهض من سريري بعد عندما طلب مني هذا الصغير موبايلي بغرض مكالمة أم الشهيد .... يا إلهي هل تندثر الأسماء بهذه السرعة حتي أقرب الناس اليك بعد 3 أيام فقط يتفادي أسمك..... علي العموم هذا ليس بالمهم.... أخذ التلفون و بعد جرس وحيد أوحد كأنما الطرف الأخر علي موعد غرامي ,,, افصح عن شخصيته و رد تحية الصباح لهذه الثكلي:
خالتي نورا أصبحتي كيف؟
بعد أن اطلق جملته اليتيمة تحررت الدمعة و التي تكثفت و أصبح نهر من الشقاء و من خلال صوته المخلوط بالدموع و الأسي أضحي يسرد في قائمة التعاذي المحفوظة قائلاً:
أصبري أمي...... الشهيد الله يبدل شبابه بالجنة ....و ربنا يصبرك يا أمي ... نحنا قوتنا بيك و الخ القائمة من العبارات التهكمية التي لا تغني عن حزن و لا تخفف من عذاب..... و عندما نضب معين هذا الصغير من عبارات المؤاساة و المجاملة السخيفة ناولني التلفون ولكن بحسم رفضت المكالمة (أي حاجة و لا الثكالي)... فانا أناني من الطراز الأول.
بعد أن أفرغ مخزونة من الدموع وعيناه لم تزل تأخذ لون اللحم المتخنثر نطق برد خالتي نورا (علي فكرة أم محمد موسي تسمي نورا أهي أيضاً سخرية قدر أم سخرية إسم)... كان ردها عندما حياها بتحية الصباح (صباحي أسود صباحكم ككيف يا وليداتي)


يتبع
-----------------
ككيف : النطق لكلمة كيف عند بعض القبائل الدارفورية

ولدي باقي ليهو سميستر
والد الشهيد لحد ما مؤمن بقضاء الله وقدره و كما انه متعايش مع تعاسته الشخصية كأي كائن لم يسفعه حظه ان يكون من ضمن مواليد المثلث الذهبي زمانياً و مكانياً.... وصلنا دار الموت بعد أن شاهدنا لعبة القط و الفأر بين الدولة وذوي الشهيد,,, فمصطلح الدولة هنا لا معني له سوي الأمن المختار بعناية فائقة ... بعد إنتهاء هذه المباراة في الدار قابلنا عمي موسي هيئته لا توصف و إنما فقط تري .... صديقي الذي يعمل مراسلاً لأحدي القنوات العالمية, تحت إصراره الصحفي وافقت أن اعرفه علي عم موسي... و بدأت دودة الصحافة اللعينة تبش في هذا الصديق .... تكلم عم موسي عن ماضي إبنه المشرق و مستقبله الذي وأد مع سبق الإصرار و الترصد ... كان تسكن هذا العم كل تعاسة و شقاء الدنيا و لم يذكرني إلا بسلمون فاندي في فيلم blood diamond عندما كان يحكي لنفسه عن إبنه (ديا) الذي أختطفه تجار الماس و الحروب في سير اليون... علي العموم عمي موسي لم يقل تعاسة عن سلمون فاندي حين قال لهذا المراسل:
ولدي كان شاطر في المدرسة و وقت إمتحن الاولية (و يعني الأساس) وقت إمتحن جاء الأول .... كان داير يبقي دكتور لكن ياهو خشي التربية و الحمد لله .... محمد كان شاطر و باقي ليه سمستر و يتخرج...
للأمانة انه لم ينطق سميستر بالمعني الصحيح و نطقها بالضبط كما يفعل أبي ....... محمد أنا ربيته أحسن تربية و إنشاء الله الحكومة تنصفني و توريني الكتل ولدي منو...............
هنا فقد زميلي الصحفي مهنيته و بدأ يبكي بكل ما يملك من دموع كما فقدت أنا أعصابي و لم أحتمل ما تبقي من حديث و علي ما أعتقد لم يتبقي شئ يقال........... الله يا مماتة التعساء.

يتبع

تشبث بالحياة أم تعنت السلطة؟

وسط الهتاف, الدموع, النواح و تقلب أمزجة العسكر و من شايعهم ... وسط هذا تقلبت أمزجة العسكر عدة مرات , فالتفاوض الأولي كان بين مقابر الصحافة من قبل ذوي الشهيد لانه سوف يكون في جيرة و أنس 9 شهداء من دارفور مدفنون في تلكم المقابر و علي ما أعتقد ان بني كلبون خافوا من أن تتحول تلكم المقابر الي مزارات ومن هنا تأتي رفضهم و إقترحوا أحمد شرفي بديلاً .... تحت مسوق (أكرم للميت الإسراع في دفنه) رضخ أهل الشهيد لمقترح العسعس ,,,,,وسط كل هذه التراجيديا تم تجهيز محمد بما يليق بمثواه الأخير... و لكن مرة أخري اكفهرت الأمزجة حين رفض العسكر مقترحهم و أصروا علي أن يدفن محمد في المقابر المحلية و هذا الرفض أتي بعد أن اخرج الجثمان و تم في العراء ما يزيد عن ساعة مرة اخري محمد تشبث بالحياة و ارغم ذويه و جلاديه المكوث ساعة أخري من عمر الزمان.....

بالأخضر كفناه

في هذه اللحظة أكثر من أي لحظة مضت تمنيت ان يكون لي وطن ... وطن يحتويني ... اليه يضمني وطن وطن و السلام .... تمنيت بعلم هذا الوطن نغطي شهيدنا و الذي أدعو الله من كل قلبي أن يكون أخر الشهداء .. نغطيه بعلم الوطن فقط نكشف عن وجهه حتي يري القاتل ابتسامة السخرية الطاله بين الدموم و العين و التي تزيين محياه الوضئ .... فبدلاً ان يكون أحد الهتافات (جيش واحد , شعب واحد عبدالواحد) ... لماذا لم ندفنه علي مارشات مارسيل خليفة الهادره ب:
بالأحمر كفناه
بالأبيض كفناه
بالأخضر كفناااااااااااااااااااااااااااااااااااااه ..... و الي نهاية الملحمة الدموية
كفنوك يا محمد بأحد أعلام الحركات التي تتولد كما الفطريات كل صباح جديد ,,, تشابهت علي الأعلام و الموت واحد يا محمد.... و لغياب الوطن كفناك بوطنك الحلم....
وطن يا أخوانا
دايرين وطن .... وططططططططططططططططططططن , وطن و السلام

يتبع

هتاف غير مدفوع الأجر

سرقت هذا المصطلح من تراجي و لا أجد ما أصف به تشييعك سوي أنه هتاف غير مدفوع الأجر.... محمول علي الأعناق كنت و ليتنا علي الأعناق حملناك عريساً.........كلهم كانوا هنا يا محمد إلا الوطن و الغرباء .... شيوخ تجاوزوا عمر الحياة الإفتراضي .... نساء غاضبات خائفات علي إبنائهن من نفس المصير إيضاً كن....
شباب و شيب بصوت واحد يرددون الهتاف غير مدفوع القيمة
مقتل طالب مقتل أمة
الدولة نازية ...... شلة حرامية
مليون شهيد لعهد جديد
الهتاف مخلوط بالدموع , الغضب, و الإنكسار

يتبع

مقتل طالب مقتل أمة

في المقابر هتفت نعمات مالك زوجة الشهيد بكل حرقة و دموع (مقتل طالب مقتل أمة) ردده خلفها الطلاب, النساء(علي فكرة التشييع كان مختلط فالنساء وصلن حتي حافة القبر) و بعض من هزتهم دموعها من الشيوخ .... ففي هذه اللحظة أدركت تفاهة الشهادة و تبعاتها من خلال أرملة السنين السيدة نعمات... نعمات مالك دخلت هذا الفيلم مبكراً فهو نوع من الأفلام التي لا تنتهي الا بنهاية الجمهور,,, لعنة هذا الفيلم تصاحب معايشها حتي الممات و دوماً ضحاياه نساء (أم الشهيد, أرملة الشهيد, إبنة الشهيد و أحياناً قد يورث هذا اللقب حتي لمن علون من نساء الأسرة)... عموماً هو لقب مقيد (سين سؤال) في لقب إسمه حبيبة الشهيد؟
و إذا وجد كما في حالة شهيدنا التي لم تنفقئ عينه بعد:
فما هي مواصفاتها؟
و كيف تعيش ما تبقي لها من حياة؟
ماذا تفعل بقصاصاته الورقية التي أرسلها اليها؟
هل ستمزقها و تسير كما شئ لم يكن؟
اخيراً ماذا تفعل بذاكرة النار المشتركة بينهما؟
يا إلهي أتمني أن لا تحمل أي إمراة لقب حبيبة الشهيد.........

فوق
الي أن نعود...




____
شكرا يا صديقي..
شكرا لهذا البوح,فما اكثر الحبيبات المجهولات..
وللشهيد الرحمة والمغفرة...

أخي العزيز حافظ ..

محبتي

توقفت عدة أشهر عن هذا المنبر فلم يعد يجذبني دور البطولة فيه ولا الكومبارس,حيث فضلت الجلوس على الكراسي الخلفية مع جمهور الدرجة الثالثة بعد أن أصبح حال المنبر لا يسر الصديق ولا العدو ولكن .. هأنت تعيدني إليه نائحة على رحابه حتى الثمالة .. فمنذ استشهاد محمد موسى لم يهدأ لنا بال ولم تنم لنا عين .."اعتقد أن هذا الحال هو حال كل الأمهات اللواتي حملن أبناءهن وهنا على وهن.". .. فكيف حال أم الشهيد..؟؟؟؟
واصل يا حافظ سردك الممهور بالدم والحزن ودعنا نلعق جراحناالتي لن تندمل..

هواري صديق المنافي البعيدة

شكراً!

Quote: شكرا يا صديقي.. شكرا لهذا البوح,فما اكثر الحبيبات المجهولات.. وللشهيد الرحمة والمغفرة...

شكراً يا هواري؟!!!

شكراً علي أيه و لا أيه؟

شكراً للنواح ... شكراً للعويل... شكراً لانتظار المعجزات

شكراً يا وطن

أستاذتي عواطف إدريس انت مكانك هنا هذا المنبر لا غيره ... سعيد بمرورك و حزين علي نواحك
فيا عواطف شاركيني رد أمي عندما اتصلت عليه


الراح في القيزان ما بروح في الميزان

حتي الأن لم أدري متي أنفطم عن أمي .... ففي كل الكوارث التي حدثت لي في هذه الحياة دوماً هي شماعتي و حيطتي القصيرة .... اتصلت علي أمي و ليس بغرض إخبارها عن الكارثة فقط أريد سماع صوتها حتي أتأكدت إنني ما لم أزل موجود ... و لكن دوما ما يفضحني صوتي أو فراستها ....
مالو صوتك متغير كدا يا حافظ؟
الليله في طالب من دارفور كتلوهوا......... و بدأ سيل الإعتراف الذي جرف كل المصدات الذكورية... و مع سيل إعترافاتي كان نحيب أمي من الضفة الأخري:
علي أمك يا وليدي .... لو أمك شقية تكون حية يا ولدي....
و كم هائل من المولات القاضية ....في النهاية ختمت مواويلها
يا كاتل الروح من الله وين تروح
و الراح في القيزان ما بروح في الميزان
شعرت بالخوف لهذه الجملة الأخيرة و أغلقت الخط دون وداع .... عاهدت نفسي أن لا أفكر كثيراً في هذه الجملة و لكن هذا لم يحدث بعد...........

Quote: لو أمك شقية تكون حية يا ولدي....

يا للفجيعة يا للكتابة يا حافظ.

ليته يكون اخر الشهداء يا حافظ ليته

اه من وجع الام ومن وجع الاب ومن وجع الفجيعة من وجع الموت يافعا مغدورا وحيدا تصارع الذئاب تتوسل اليهم ان يتركوك ان يعطوك جرعة ماء ان يلقنوك الشهادتين ان يخبروا اباك بمصيرك ان لا يرموك لتاكلك الكلاب كالجيفة المتعفنة

نعزيكم حين لا نملك عزاءاً


شكراً حزيناً

Quote: يا للفجيعة يا للكتابة يا حافظ.

الدم يشرقني يا معز حجاز و خوفي من دم محمد يضيع ...
خوفي ان تتحق نبؤة أمي (الراح في القيزان ما بروح في الميزان)
خوفي ان ننتظر قاتل محمد لنقابله في الميزان

خوفي من دمك يضيع

Quote: ليته يكون اخر الشهداء يا حافظ ليته

ليته يا محمد ابراهيم كان أخر الشهداء و لكن خوفي ان تكون هذه ضمن الأماني الغير قابلة للتحقق...
شكراً حزيناً يا محمد

حبيب نورة و حبيب الكل كلنا لا يملك سوي العزاء و لكن مين يعزي مين؟
شكرا يا حبيب علي المرور

في عيد الأمهات سلام لكل أمهات الشهداء

سلام يا نورا الثكلي

سلام يا نورا المتعبة

كأنك دلقت ماءآ حارقآ على جرح عميق لم يلتئم

أكتب يا حافظ .. ففي الكتابة بعض سلوى وشفاء لك ولنا