الرعشة الأولى

الرعشة الأولى


03-05-2010, 05:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=260&msg=1267805181&rn=0


Post: #1
Title: الرعشة الأولى
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 03-05-2010, 05:06 PM

الأرض كانت أنثي تقطر بالخصوبة والشهوة للذي لا يأتي إلا في أحلام مراهقة تحلم بالعبور , متبلة بالبهارات كطبق آسيوي أخلص طباخه في صنعه وكأنه الأخير ,ترتعش بحمي الحرمان ولذة الخيال ,يانعة ومخضرة كثمرة حان قطافها ,تتمني أن تؤكل بليل لتكون صباحيتها ميلاد الأغنيات الأسطورية .

علي حين غرة باغتها المطر ,عاتياً ودافقاً ,هطولاً وكأن السماء قدت من قبل , داعبها عند خاصرة استوائها فتأوهت وأدركت أن للذة صوت , تسرب إلي الهملايا فارتجفت وأدركت أن للذة رجفة ,قبلها عند أطلسها عانقها وغطاها من القطب إلي القطب (قطع رحطها) في الهند ونثر رياحينه وعطوره وأفرغ سحره هناك فارتعشت رعشتها الأولي وربت وأخرجت من كل زوج بهيج .

وعندما تأهب للذهاب أخذ من ذؤابة الأرض خصلة ومن ألحان رياحها ترانيم السماء الخالدة كما أخذ معه طينة الخلق الأولي ثم غادر مع وعد بأوبة قريبة


ما فتئت تسأله عن طينتها ,عن بعض منها أخذه وذهب ولا زال يتهرب منها ثم يقضي وطراً ويغادر في صمت الأموات فسالت دموعها أنهاراً وبحاراً أغرقت الأودية والسهول بماء الحياة وزفرت آهاتها حمماً غطت القيعان بزبر الحديد .

تتابعت السنون والأعوام وإذا الأرض امرأة عند تمام نضوجها , شهية كتفاحة آدم , غامضة وحزينة رغم أن المطر مازال يعاود الهطول ولكن غياب بعضها خلف مثل الندبة في القلب فما عادت تهلل لمجيئه ألا كما تهلل لمجئ جار ثرثار , وقد يئست من سؤاله عن طينتها التي ضلت طريق العودة إلي رحمها .

ذات أصيل أحست بدبيب بعضها علي جسدها ,يلتحفها كما الرضيع يلتقم ثدي أمه , اثنان كانا , ضلا طريقهما فصادفا صواب القدر وعادا إلي جادة الصواب .

في عينيهما تجسدت الحيرة بحراً والضياع سرمداً والوحدة أهلاً فترفقت بهما ترفق الأم الرؤوم وجمعتهما فازدلفا دنواً وتدانيا فتآلفا وكان فرح الأرض نديا .

في برهة قصيرة من الزمن أصبح بعضها رهطاً وغدا رهطها قوماً, فانتشروا في مناكبها يضعون بصماتهم في تفاصيل جسدها الغض , شهدت جريمتهم الأولي وبعضها يقتل أخاه فتسرب دمه إلي داخلها وثوي جسده في جسدها فاحتوته حنيناً وخوفاً من غد تذوق طعم اللحم طرياً.

شقوا بطنها فتدفق دمها أسوداً وأصفراً وأحمراً , ثقبوا نهديها فأهدتهم لبنها لذة للشاربين , ولم يمض من الزمن إلا قليلاً فتمدد جسدها إلي أعلي كأورام خبيثة.

لازال المطر يأتي ولكنه كان غريباً ,فلا يتجول في جسدها إلا بإذن سدنتها وقد أضحي بينه وبينها حجاب فلا يجد سوي الفيافي و الوهاد فيهطل حزيناً وحيداً ولا يختلط بأديمها إلا كقبلة متعجل قد أزف ميعاد رحيله وقد شقت له القنوات فيجري فيها مكرهاً حتى يختلط بمالحها فيغدو أجاجاً .

ولا زالت عجلة الزمان تدور فإذا الأرض خمسينية في عمرها ,إمرأة تودع شبابها في حسرة ,ترهل جسدها وامتلأ خصرها ,بعضها الذي أضحي كلها كان يدب علي ظهرها جنوناً مسعورا دمه يتدفق علي جسدها كالفيضان وهو يخوض فيه ولا يعبأ به فالمسيرة القاصدة للمجهول لاينبغي لها أن تتوقف لمن يتداعي منها .

في ستينيتها هتك حجابها فأضحت الشمس أكثر جراءة في حربها الأزلية معها وهي تسومها سوء الحريق فانحسر ثوبها الأخضر عن جسد متجعد مهترئ بغيض , يرمقها القمر في إشفاق العاجز ثم يغيب وسط غيوم سوداء كالحة كانت بيضاء في زمان مضي .

كانت تبكي في صمت ودموعها لا تنساب إلا بقدر مايرغب فيه سيدها فتبتلعها علقماً منتظرة صبحها الذي طال ليله فأضحي دهراً لا ينبئ بشروق جديد , فسكنت في صمت الأموات تنتظر رعشتها الأخيرة .


تمت

Post: #2
Title: Re: الرعشة الأولى
Author: محمد الطيب يوسف
Date: 03-05-2010, 11:59 PM
Parent: #1

..