ماذا يحدث في السودان؟ عبد المنعم سعيد ا

ماذا يحدث في السودان؟ عبد المنعم سعيد ا


01-27-2010, 06:57 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=260&msg=1264571827&rn=0


Post: #1
Title: ماذا يحدث في السودان؟ عبد المنعم سعيد ا
Author: jini
Date: 01-27-2010, 06:57 AM

Quote:
ماذا يحدث في السودان؟
عبد المنعم سعيد
الاربعـاء 11 صفـر 1431 هـ 27 يناير 2010 العدد 11383
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي

قد يكون العام الحالي 2010 هو عام السودان في العالم العربي، هو عام ممتد من وقت صدور هذا المقال وحتى التاسع من يناير (كانون الثاني) 2011 عندما يتم الاستفتاء على حق تقرير المصير في الجنوب السوداني. صحيح أن هناك من يرشح اليمن لكي تكون نجم العام بما سوف تولده من حوادث وأمور جلل، ولكن المرجح أن ما سوف يجري في السودان لن يقل خطورة وتأثيرا على الخريطة الإقليمية والأوضاع العربية. فبعد مرور خمس سنوات على توقيع اتفاق السلام في السودان في 9 يناير عام 2005، والذي أنهى أكثر من عقدين من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، أصبح جليا أن احتمال انفصال الجنوب وارد بقوة، وأن تنفيذ البند الذي جاء في اتفاق السلام والذي يدعو الشماليين والجنوبيين إلى بذل جهودهم لجعل خيار الوحدة جاذبا يواجه صعوبات كثيرة أمام إمكانية تطبيقه. وكشف تصريح الرئيس السوداني عمر البشير يوم 19 يناير الفائت، في خطاب أمام حشد من الجنوبيين في مدينة يامبيو بمناسبة الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاق السلام، عن بداية استعداد حكومة الخرطوم لتقبل فكرة خيار الانفصال، حيث قال إن حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه في الشمال ما زال يريد إبقاء السودان موحدا، لكن إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بالانفصال فإن حكومة الخرطوم ستكون أول من يعترف بهذا القرار. هذا التصريح لم يكن الأول من نوعه الذي يخرج عن مسؤولين رفيعي المستوى في الخرطوم، فقد سبقه بأكثر من أسبوع تصريح جاء على لسان القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الدرديري أحمد، والذي قال فيه إن «انفصال الجنوب عن الشمال أصبح واقعا حتميا، وإن الفرصة أمام الشريكين لا تسمح بالوحدة الطوعية».

ومن الجائز أن هذه المرونة التي بدت عليها ردود فعل المسؤولين السودانيين حول قضية مستقبل الجنوب تهدف إلى تهدئة الأجواء وتقليص حدة التوتر والاحتقان السائدين على الساحة السودانية قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في أبريل (نيسان) القادم. هذا الهدف ذاته سعت إليه الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، وقد بدا ذلك جليا في تطورين: الأول محاولة رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت تقليص حدة المخاوف من احتمال أن يقود الاستفتاء الذي سوف يجري في العام القادم إلى مواجهة عسكرية مع الشمال، حيث قال أمام المؤتمر ذاته الذي حضره البشير وأطلق خلاله تصريحه السابق، إنه حتى إذا قرر الجنوب الانفصال عن الشمال في عام 2011 فإنه لن ينفصل في المحيط الهندي أو المحيط الأطلسي، مضيفا أن نهر النيل سيستمر في التدفق من الجنوب إلى الشمال، وأن البدو العرب سيواصلون البحث عن المراعي وعن المياه في جنوب السودان، ولن يفكر أحد في حرمانهم من هذه الحقوق، وأنه قبل تطوير بنية أساسية مناسبة في جنوب السودان فإن النفط سيستمر في التدفق من جنوب إلى شمال السودان.

والثاني ترشيح ياسر عرمان، وهو مسلم علماني ينحدر من الشمال وقد قاتل في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، ضد الرئيس الحالي عمر البشير في الانتخابات الرئاسية. ويبدو أن الهدف من ذلك هو تكوين حشد جماهيري، خصوصا من العرب والمسلمين لدعم الجنوبيين في الشمال من جهة، وتدعيم احتمالات فوز سلفا كير بمنصب رئيس حكومة الجنوب من جهة أخرى، من خلال إضعاف فرص منافسيه على المنصب، خصوصا رئيس الحركة الشعبية - التغيير الديمقراطي - الدكتور لام أكول، ونائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار.

المهم في كل ذلك هو أن هذه التطورات تؤكد أن السودان وصل إلى مفترق طرق مشكلته تكمن في أنه يطرح خيارات ضيقة بالنسبة لمستقبل الدولة. الخيار الأول هو الانفصال في الاستفتاء الذي سوف يجري في يناير 2011، وقد ظهرت مؤشرات كثيرة تؤكد أن «محفزات» الوحدة باتت أقل جاذبية من «منشطات» الانفصال وتكوين دولة مستقلة في جنوب السودان. وأول هذه المؤشرات حرص حكومة الجنوب على إقامة علاقات قوية مع الكثير من دول العالم، لا سيما القوى الكبرى، وفي هذا الإطار كشف ازيكيل غاتكوث، ممثل جنوب السودان في واشنطن، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن تايمز»، عن أن الحكومة الأميركية تساعد حكومة جنوب السودان للاستعداد للاستقلال بعد استفتاء سنة 2011 في الجنوب. وقال إن جزءا كبيرا من المليار دولار التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا إلى السودان سيذهب إلى الجنوب لبناء طرق ومدارس ومستشفيات، وجيش منفصل. وأضاف: «صار واحدا من أهداف الولايات المتحدة أن يكون جنوب السودان دولة فعالة بعد استفتاء عام 2011». فضلا عن ذلك، ظهرت تصريحات كثيرة لمسؤولين بالجنوب حثوا فيها أهل الجنوب على التصويت لخيار الانفصال، منها تصريح سلفا كير في ختام قداس أقيم في كاتدرائية القديسة «تريزا»، إحدى كنائس مدينة جوبا، في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2009، الذي قال فيه: «لديكم (الجنوبيين) الفرصة للاختيار ما بين أن تكونوا أحرارا في وطنكم أو أن تكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في بلد موحد». ومنها أيضا تصريح رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس التشريعي (برلمان جنوب السودان) مارتن تاكو موي، الذي وصف فيه الحكومات السودانية المتعاقبة في الشمال بأنها «أسوأ من المستعمر».

أما الخيار الثاني، فهو الوحدة بين الشمال والجنوب، والذي يكتسب أهمية وزخما خاصا لاعتبارات كثيرة: أولها، أن ثمة تداخلا كبيرا بين جنوب السودان وبعض مناطق شمال ‏السودان، بشكل يصعب معه فرض خيار الانفصال، خصوصا أن هناك نحو 3 ملايين جنوبي يعيشون في الشمال، بعضهم رحل إلى الشمال بعد الحرب الأهلية التي دامت فترة طويلة، والبعض الآخر عاد إلى السودان من دول اللجوء واستقر بهم المقام في الخرطوم والمدن الرئيسية الأخرى. وتكشف بعض التقارير عن وجود أكثر من 30 مدرسة و30 كنيسة فضلا عن عدد ضخم من المحلات التجارية في أحياء شمالية يعتبر أغلب سكانها من الجنوبيين.

وثانيها، أن خيار انفصال الجنوب يمكن أن ينتج تداعيات خطيرة، إذ إنه يمكن أن يشكل حافزا لمناطق ومجموعات أخرى في السودان للمطالبة بحق تقرير المصير مثلما حدث بالنسبة للجنوب، وعلى رأسها دارفور. كما أنه يمكن أن يهيئ المجال لنشوء دولة جديدة أخرى في الإقليم الجنوبي نفسه نتيجة عدم التجانس بين القبائل والجماعات التي تعيش فيه، وعلى رأسها «الدنكا» من ناحية، و«النوير» و«الشيلوك» من ناحية أخرى، وقد أدى الصراع المسلح بين هذه القبائل إلى مقتل نحو 2500 شخص ونزوح 350 ألفا عام 2009.

هذا الوضع المأساوي في الجنوب دفع بعض المنظمات غير الحكومية، وهي: «أوكسفام»، و«كرستيان أيد»، و«كورديد»، و«هانديكاب الدولية»، و«لجنة الإنقاذ الدولية»، و«أنقذوا الأطفال»، و«كاريتاس»، و«تيرفوند»، و«ورلد فيشن» و«إيكو»، إلى نشر تقرير يحذر من تفاقم أعمال العنف في جنوب السودان، بما يمكن أن ينجم عنه حالة طارئة قد تكون الأخطر في القارة الأفريقية عام 2010، فضلا عن تجدد احتمال اندلاع حرب أهلية ما لم يتحرك المجتمع الدولي لإنقاذ اتفاق السلام الموقع بين الشمال والجنوب، وهو تحرك - على أية حال - لم يكن أبدا من الأمور المؤكدة أو يمكن للسودانيين الاعتماد عليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن انفصال جنوب السودان يهدد بسريان العدوى إلى دول الجوار للسودان، وهو ما يمكن أن يدفعها إلى وضع عراقيل أمام تحقيق خيار الانفصال. وقد كشف تصريح أوكيلو أوريم وزير الدولة الأوغندي للتعاون الإقليمي عن تصاعد حدة القلق والمخاوف لدى دول الجوار تجاه ما يحدث من تطورات في المشهد السوداني، حيث حذر من اندلاع حرب بين بلاده وجنوب السودان على خلفية مطالبة حكومة جنوب السودان بمساحة من الأرض تقول إن الحكومة الأوغندية توغلت فيها عليها. والأخطر من ذلك كله أن الانفصال يهدد بنشوب حرب بين الشمال والجنوب حول قضايا كثيرة لا تزال معلقة من أول الحدود وحتى النفط ومصير الجماعات المهاجرة، وكلها فيها ما يكفي لكي تأتي على الأخضر واليابس في السودان. انتظروا وراقبوا، فالرياح لا تحمل أنباء طيبة!