تجربة طموحة لتحويل جنوب السودان إلى «أرجنتين أفريقيا»

تجربة طموحة لتحويل جنوب السودان إلى «أرجنتين أفريقيا»


10-06-2009, 11:52 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=1254826376&rn=0


Post: #1
Title: تجربة طموحة لتحويل جنوب السودان إلى «أرجنتين أفريقيا»
Author: mwahib idriss
Date: 10-06-2009, 11:52 AM

تجربة طموحة لتحويل جنوب السودان إلى «أرجنتين أفريقيا»
ستصبح مركزا لتصنيع منتجات الأبقار وتصدير لحومها
الاحـد 30 ذو القعـدة 1428 هـ 9 ديسمبر 2007 العدد 10603
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: أخبــــــار
تشوكودوم (جنوب السودان) من ستيفاني ماكرومين *
يقول روميو لومونياموي، انه خلال يومين سيتخذ قرارا حاسما ظل يفكر بشأنه على مدى أسابيع، وهو بيع واحدة من أبقاره، ذلك أن بيع بقرة من قطيعه ليست أمرا مألوفا بل قرار يتطلب الكثير من التفكير والتأمل. فخلال حياته كلها لم يبع لومونياموي سوى بقرتين ذكرهما باسميهما: «لوبولوكا» و«واناموت».
هذه المشاعر تجاه الماشية هنا في منطقة شرق الاستوائية جنوب السودان، حيث يهمس الرعاة لأبقارهم، ويغنون لها ويطلقون عليها أسماء. الأبقار هنا تعتبر رصيدا اجتماعا يربط المجموعات التي تقطن المنطقة ببعضها بعضا، ويعتبر بيع، حتى ولو بقرة واحدة، امرا غير عادي تفرضه على الشخص في الغالب ظروف حرجة. فومونياموي، على سبيل المثال، اضطر اضطرارا للتفكير في بيع بقرة من قطيعه بسبب بغرض توفير لقمة الغذاء لأسرته التي باتت تعاني من صعوبات في الظروف المعيشية. وتعتزم الحكومة الوليدة لجنوب السودان، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، الشروع في تجربة طموحة، وإن كانت مثيرة للجدل في هذه المنطقة، جرى تجريبها وحققت مستويات نجاح مختلفة في دول أخرى في منطقة افريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك كينيا المجاورة. إذ من المنتظر ان يبدأ عاملون في الحكومة المحلية محاولة لتغيير التفكير الاجتماعي المحلي التقليدي تجاه الأبقار، ليحل محله تدريجيا تفكير قائم على أساس الاستفادة من الأبقار كثروة حيوانية تدر أرباحا على أصحابها. وتهدف هذه الجهود والمساعي إلى المساعدة في تحويل جنوب السودان، الذي لا يزال يحاول التخلص من آثار 21 عاما من الحرب الأهلية، إلى «أرجنتين افريقيا» ليصبح مركزا لتصنيع منتجات الأبقار وتصدير لحومها. تقول آن فيليكس، وهي مسؤولة تعمل في وزارة الثروة الحيوانية والسمكية بالمنطقة، ان هذا التفكير التقليدي تجاه الماشية في جنوب السودان يعني ان الأبقار في نظر السكان المحللين للامتلاك والمحافظة عليها وليس للبيع. فالناس هنا، كما تقول آن فيليكس، يفتقرون إلى النظرة الاقتصادية لبيع الأبقار بأعداد كبيرة والاستفادة من العائدات، كما أوضحت ان هذا هو السبب في هذه العمل المكثف لتنوير السكان هنا بالاستفادة من الأبقار كثروة، وأكدت أيضا انه إذا جرت الاستفادة المثلى من الماشية في هذه المنطقة، فإنها ستصبح أكثر أهمية من النفط. ويقول بعض الخبراء ان المشكلة لا تكمن أصلا في النظرة التقليدية للأبقار، وإنما في نقص الطرق وعدم توفر الأسواق فضلا عن نواقص أخرى. في هذا السياق يقول جيف مارينر، الباحث في معهد نيروبي العالمي لأبحاث الماشية، ان الأسواق عندما تكون متوفرة لأصحاب الأبقار فإنهم يبيعون حيواناتهم ويفكرون أكثر في الإنتاج، وأضاف قائلا ان من الضروري النظر إلى العوامل الثقافية، ولكن في نفس الوقت يجب إدراك حقيقة ان الأبقار هنا تعتبر بمثابة النسيج الاجتماعي، وان العجلة في التعامل مع هذه القضية ربما تسفر عن مشاكل اجتماعية حقيقية. جدير بالذكر ان الدول الأفريقية بصورة عامة لا تصدر كميات كبيرة من لحوم الأبقار. فالعائدات السنوية لجنوب افريقيا، التي تعتبر اكبر مصدّر في القارة للحوم الأبقار، لا تتجاوز 12 مليون دولار، فيما تصل عائدات الأرجنتين من تصدير لحوم الأبقار 1.1 مليار دولار. يضاف الى ذلك ان العولمة أدى إلى إحداث تحولات في هذه السوق، فمنطقة الشرق الأوسط، التي كانت واحدة من أكبر الأسواق للحوم الأبقار، باتت الآن تستورد لحوم أبقار بتكلفة أقل من دول أبعد جغرافيا مثل منغوليا. وتوجه حكومة جنوب السودان مهمة شاقة تتمثل في ان الأبقار نادرا ما تباع هناك، الأمر الذي يدفع إلى استيرادها من أوغندا لتلبية الطلب المحلي. كما ان الحليب الزائد يوزع مجانا أو يسكب على الرمال، بدلا من ان تتم تعبئته وبيعه. يقول مسؤولون حكوميون ان جزءا من السبب يكمن في نظرة الناس هنا إلى الأبقار. فعندما سئل بيو بابا، وهو من سكان قرية كيموتونغ بمنطقة شرق الاستوائية، عن آخر مرة باع فيها بقرة بغرض الربح، فكّر مليا وتلفت محاولا فيما يبدو البحث في الذاكرة، ورد قائلا انه لم يحدث فقط ان باع بقرة، وأضاف معلقا: «إذا بعت بقرة، فماذا أفعل؟ ماذا آكل؟ هذه الأبقار بالنسبة لي تماما مثل الفلوس لديكم».
الماشية في مثل هذه المجتمعات الرعوية، لا تعتبر فقط مصدرا للحليب واللحوم، بل ينظر إليها كرصيد وثروة وتأمين ونظم ضمان اجتماعي. الأبقار تستخدم في هذه المجتمعات كمهور في الزواج وتلعب دورا رئيسيا في الربط بين الأسر الممتدة على مر الأجيال. يمكن أيضا استخدام الأبقار في حل النزاعات أو كحساب توفير، وفي بعض الأحيان تمنح أسرة عجلا لأسرة أخرى على أن ترده بعد سنوات كمجموعة من الأبقار. وبصورة عامة فالأسرة التي تبيع أعدادا كبيرة من أبقارها عادة ما تعتبر فقيرة أو غبية. ويقول ماركو لومانا، وهو واحد من أقرباء بابا، ان الرجل الذي لا يملك أبقارا يتجاهله الناس ولا يقيمون له وزنا، ولن يحصل على زوجة مطلقا. ويضيف لومانا ان هناك أسبابا مقبولة لبيع بقرة أو بقرتين: شراء جوالات من القمح لتفادي الجوع أو شراء أدوية لعلاج أبقار مريضة أو لدفع مصاريف الدراسة للتلاميذ، وعلى حد قوله «يجب ان يكون هناك غرض مشروع» لبيع بقرة أو بقرتين. حتى في حالة الحاجة الماسة يستغرق قرار البيع مناقشات مطولة مع أفراد الاسرة، الذين يجب ان تكون بينهم موافقة بالإجماع. المسؤولون العاملون في مبادرة تغيير المفاهيم المحلية وإقناع السكان بالفوائد الاقتصادية من الثروة الحيوانية يطلقون على الأبقار «رأس المال الميت». ويعتزم العاملون في المبادرة إجراء حوار مع كبار القرية بغرض إقناعهم بأن تربية وبيع الأبقار ستدر عليهم الأموال اللازمة لمقابلة مختلف أنواع الاحتياجات. ويرى جون كانيسيو، مسؤول التسويق في الوزارة المحلية للثروة الحيوانية والسمكية، ان هذه العملية ستستغرق وقتا طويلا، ويرى ان تغيير نظرة السكان بصورة عامة في هذا الجانب تتطلب بالضرورة ان تتغير احتياجاتهم إلى أكثر من مجرد الاحتياجات الأساسية، أي عندما تبدأ احتياجات الأجيال الشابة تتغير وتزداد، مثل الحاجة إلى مولدات الكهرباء والرغبة في مختلف أنواع الملابس، والسيارات وربما أجهزة تشغيل الأقراص المدمجة أو احتياجات التعليم الجامعي. ويلاحظ بصورة عامة انه مع حركة التوسع والنمو في الحواضر الكبرى بجنوب السودان، بدأت هذه الاحتياجات تبرز في المناطق الريفية.
* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)