مقال الثلاثاء.....الخطاب الذي لم يقله الخاتم عدلان

مقال الثلاثاء
الخطاب الذي لم يقله الخاتم عدلان
أصدقائي في كل مكان
ها أنذا أزين ما استطعت جدران قلبي لكم ديواناً قروياً مبذولاً دون استئذان.
اتضح خلال الأزمة التي تعرضت لها أنكم أكثر مما كنت أتصور .جئتم إلى في وحشتي وأنا أصارع المرض من المدن النائية من قرى السودان المنسية من الجزيرة من دكة الجعليين من أم درمان و استراليا وكندا من أوروبا والخليج .من الشبكة الالكترونية ومن مقاهي النشاط وقاعات الجامعات . و من لندن جئتم زرافات ووحداناً تسبقكم أمنياتكم . من الغابات من الدعوات والقصائد ومن صوت طفلة وسط اللمة منسية
بعد قليل سأدخل في غيبوبة فإن قمت من الكرى وعوفيت فمن أين لي بأيادٍ للمصافحة بعدد أياديكم ومن أين لي بقلب يسع رد الجميل عن المحبة التي طوقتموني بها. أدخل في النفق الآن وإن قضيت فلتكن بيننا الذكرى .
لقد أثبتت حشودكم أنني كنت على حق. كان الإنسان الذي كنته طوال عمري يقول لي كن غيريا يفسح الناس لك في قلوبهم مساحات بقدر ما أغفلتها في خيالك من عدم الانشغال بقضايا الذات .ً
خلال زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة كنت أشعر بآلام باطنية شديدة لم اشهد مثلها من قبل تحاملت على نفسي لكن كانت للجسد أوامره . بعد الندوة الأولى قطعت البرنامج الذي أعددناه في أمريكا .بقية القصة فليروها لكم أصدقائي هناك.
قال لي الطبيب الأمريكي الحاذق
- سوري يا مستر عدلان . أنت مصاب بسرطان الكبد.
وقع على الخبر كالصاعقة .سرطان؟
وماذا سأقول لتيسير وولدي حسام وأحمد ؟وماذا اقول للباقر العفيف وعصام مصطفى وفيصل وقاسم وعدلان ووليد؟ بل ماذا سأقول للصديق النائي محجوب عباس ؟ ماذا سأقول لأم سلمة في البعيد البعيد بنت أمي وابي وأختينا صفية وعلوية اللائي بكين حين شاهدنني في يناير من العام الماضي بعد انقطاع عنهما دام لعشر سنوات؟ ماذا أقول لأبى الشيخ الهادي ملتقى الحكمة وأخوي صديق وناصر؟
استغرب الطبيب حين رآني أتحاور معه حول انتشار المرض وتوقعات الحياة إذ ظن أن الجلد ورباطة الجأش لا صلة لهما بمواطن إفريقي من شاكلتي . وهو لا يدري أننا تدربنا على مثل هذه الشدائد وتوقع الموت في أي لحظة منذ أكثر من ربع قرن.
أول مرة رأيت الموت محدقاً كانت في مظاهرات أكتوبر ونحن في الفصول الأولى بمدرسة مدني الثانوية . وآخر مرة حين دهست سيارة أخي خالد الكد. قبل خروجي من السودان عام 94 كان ثمن القبض على خمسة عشر مليوناً لكن التضخم جعل هذا المبلغ يبدو الآن ضئيلاً ربما كنت ألاقي حتفي حينها لو تم القبض علي في إحدى الزنازين بمصير مشابه لمصير على فضل المسمار في اليافوخ أو أبو بكر راسخ الطلقة في الصدر.
وأنا عائد من المستشفى أحمل القرار الطلقة بموتي جرت في خاطري صور متتالية لمذابح الشجرة وسيرة استشهاد عبدالخالق محجوب مداعبته لحارس السجن عن متانة الحبل وهو ذاهب للمشتقة:
- شوف حبلك دا متين ؟ أنا وزني تقيل
كانت المراجل بدواخله تغلي لكنه كان ثابتاً كالطود . وليت السجانين كانوا يدركون فداحة ما يخسرون . صور لا حصر لها لمواطنين من بلدي وقفوا بشجاعة في مواجهة الموت لعل أبرزها صورة شهيد الفكر محمود الذي تدلى ببسالة منقطعة النظير وصعدت روحه وهو يبتسم .فهل تراني أخذل أيا منهم؟ ل.ا نحن لا نهاب الموت وسنثبت أننا كنا على حق حتى النهاية. كان الطبيب يواسيني بكلامه الذي يحاول أن يكون واضحاً ومع ذلك سألتني عيناه ألا تخاف الموت ؟وأجبتها بما قال المجذوب:
أنا قلب الكون خفاقاً فما
أرهب الموت إذا الموت ابتدر
نقلة من علل مضنية
لأمان الروح لي فيه وطر
من أمريكا وضعت الخطة . سأتصل بأسرتي في لندن وأصدقائي وسأخفف عنهم وقع الخبر جرعة جرعة . سأكاشف زوجتي حين أعود وإذا قلت لعضوية حق هنا فسأطلب منهم عدم إفشاء الخبر حتى أصل إلى لندن. هذا ما فعلته. كانت أقسى اللحظات في حياتي حين قلت الحقيقة لزوجتي ولبعض أصدقائي وخففنا وقع الخبر على الطفلين. في لندن اتضح أن المرض انتشر بأكثر مما يمكن أن يحتويه العلاج وخلال شهر واحد وجلستين بالعلاج الكيماوي تغير لون بشرتي وخف وزني وأصبح صوتي واهناً كان على القتال في عدة جبهات فمن ناحية على مقاومة المرض بكل ما املك من تصميم وإرادة فأنا محب للحياة ومن ناحية أخرى علي تحمل آلام سرطان البنكرياس المبرحة بالمورفين وبالشكيمة ومن ناحية ثالثة على تخفيف الفاجعة على صغاري وزوجني كما على اتخاذ أساليب القديمة في لجم مشاعر أخي عدلان بالحزم فعدلان أصبح جزعاً تماماً حين بدأت افقد وزناً وأفقد الشهية للأكل. على تسرية هموم الآسرة والأصدقاء بونسات لا تنقطع حتى تنقضي هذه الأسابيع . صحيح إنني وجدت نفسيtrapped فمن كلام الطبيب البريطاني علمت أنني سأموت خلال أسابيع ولذا اصبح موتي بالنسبة لي ولزوجتي وللمقربين من أصحابي معلن عنه. الشهيد الذي يتقدم نحو المشنقة أمامه ساعات وعلى الرغم من فداحة الأمر بالنسبة له فإنها ساعات وتنقضي أما من يواجه موتاً كموتي فهو يموت كل يوم ولمدة أسابيع في محاولة للتماسك وحث الآخرين على عدم إبداء مشاعر الشفقة . كان على تهدئة خواطر الأصحاب ممن يتصلون عبر الهاتف وممن يفدون جماعات جماعات من سائر أنحاء بريطانيا وأوروبا. فكلهم كلهم أصدقائي.
جاء بعض أصحابي ففوجئوا بأنني أصبحت ضئيل الحجم وأن صوتي أصبح واهناً فرحت أحكي لهم عن أنني بدأت أستعيد شهيتي للطعام .أنا متأكد من أن ذلك الشاعر السوداني اللندني الذي ينضج قصائده القصيرة دائماً على نار هادئة وقد جاء بصحبة صديقي الآخر الذي كم تبادلت معه الأفكار قد خنقتهما العبرة بعد ان غادرا من هنا كنت موقناً بان الشاعر احس بان هذا آخر لقاء بيننا. كان ذلك بائناً في عينيه. هل ترى يظن أنني لا أجيد التمثيل فأطمئنه حتى في مثل هذا الموقف؟ كان يمثل هذا الشاعر الهين حين ابتسم مودعاً ومشجعاً لكنه بكى بعد أن غادر خلف الباب مباشرة. أمنح زوجتي لقب فارسة. إنها فارسة في تقبل الفاجعة وفي ابتداع صيغة عزاء ما رأيت مثلها لطفلي الذين هما قطعة من روحينا معاً بحيث يتقبلان دون صدمة مسالة مرضي المداهم ورحيلي الوشيك.
تذكرت مالك ابن الريب الشاعر اللديغ الذي رثى نفسه بعد أن أيقن أنه سيموت
- فيا صاحبي رحلي ارفعاني لأنه
- يقر لعيني أن سهيل بدا ليا
وتذكر أهله إذ يبكون تذكر بكاء الجندريات
- ومنهن أم وابنتاها وخالتي
- وباكية أخرى تهيج البواكيا
ها هي الغيبوبة تزحف أصحو فأتذكر الجميع ثم أغوص مرة أخرى الموت شئ آخر ينتقل المرء فجأة إلى حالة شعورية أخرى
ها أنا أسمع صوت الباكية التي تهيج البواكيا يرتفع ويرتفع ليتي أستطيع أن أضمها وطفلينا في الحنايا. عدم القدرة على فعل شيء هو الجزء المأساوي للفراق.
تماسكي تماسكي.
تماسكوا جميعاً أيها الأهل والأحباب والاصدقاء يقول خاطري . تماسكوا جميعاً فالفقد مشترك.
وداعاً.

دخل الجسد في غيبوبته الأخيرة ثم همد.
اصوات متداخلة وبكاء وصديق يقول من خلال دموعه وداعاً ايها الفقد الكبير وداعاً يا معمل الفكر التطبيقي المتحرك.أيها الجسد الذي تعذب كثيرا في طلاب روحه الوثابة ولترقد في سلام.

الأخ العزيز الأستاذ بشرى الفاضل..

لم أكمل القراءة بعد، ولكني أردت أن أنال شرف أول معلق..

لقد قرأت في بوست آخر ما ساءني جدا، ولكني لست غاضبا بقدر ما أنا حزين على بعض السودانيين الشباب الذين لا يعرفون قيمة الحرية والدفاع عن الإنسان.. آآآآن ليهتم يعرفون..
Re: وصفة سحرية للظلاميين , كيف تصبح مستنير في 10 أيام فقط

ولك مني الشكر والسلام
ياسر

الأستاذ القدير /بشرى الفاضل
لو كان الراحل العزيز مازال على قيد الحياة ، كان لن يتردد لحظة ويوقع على طول موافقآ على كل ماكتبته بإعتباره معبرآ عنه تمامآ

وسوف يظل فقدنا الكبير حيآ بيننا من خلال تحليلاته الصائبة ومواقفه الشجاعة

خذاني فَجُرّاني ببردي إليكما
فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
وقد كنت عطّافا إذا الخيل أدبرت
سريعا إلى الهيجا إلى من دعانيا


عزيزي بشرى الفاضل،
لقد أعدت إلى ذاكرتي أبيات مالك بن الريب التميمي.. وهي أبيات تذكرني بالأستاذ محمود، والآن هي تذكرني بالراحل الأستاذ خاتم.. سأعود مع كل وارد، لهذا البوست..

\

عزيزي الدكتور ياسر
نعم استصحبت معي قصيدة مالك ابن الريب وهو يرثي نفسه طوال العشرة ايام الاخيرة التي سبقت موت الخاتم . احسست بثقل وقع خاتمته على نفسه.شخص مثله عاش حياته كلها وهو يقوم بالتحليل واستشراف المستقبل لابد أن يكون قد استجوب الاطباء كي يقولوا له الحقيقة ولابد انه وضع خطة لتقبل فداحتها. في القصص العالمي سيرة شخصيات روائية تم إخطارها بأن ما تبقى لها في الحياة أيام قليلة هذامن أسوأ ما قدمته الحضارة الغربية لخاتمفي الشهرين الأخيرين من حياته فالابانة عندهم تصل لحد الفاجعة.إنني أقدر الأخ الخاتم وأحبه بما لم يكن يتصور هو ولهذا فرحيله من الامور التي هزتني بعنف. الاشخاص الذين احبهم يعصف بي موتهم فحين رحل الشاعر أبوذكرى بصورة مأساوية فاجعة فقد سقط من الطابق الثالث عشر من بناية بموسكو ظللت في بيتنا ببحرى وقتها أنظر للسقف لمدة أحد عشر يوماً حتى خافت على زوجتي الاجنبية من الذهول.
ما ذكرته في ردك الأول يجب التغاضي عنه بتجاهله . غذا تم التغاضي عن الكثير من الإسفاف في المنبر تتم تنقيته بالتدريج .

نعم يا عزيزي بشرى، فقد صدقت في مسألة تجاهل الإساءة، ولكن لا بد من تنشيط الرأي العام بالمنبر، مع أنني في قرارة نفسي، شديد القناعة بأن كثيرا من هؤلاء الشباب إنما هم ضحايا لنظام تعليم سيء، ولظروف سيئة، وأتعاطف معهم، في حقيقة الأمر..


مع أني أحفظ الشعر الذي تناءى به العهد منذ زمن الطلب فقد حاولت أن أكتب إسم مالك بن الريب في آلة غوغل فجاءتني القصيدة واستمتعت بقراءتها..



تذكرت من يبكي علي فلم أجد
سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر محبوك يجر لجامه إلى
الماء لم يترك له الموت ساقيا

"وفي النسخة التي درسناها "الدهر" بدل "الموت"

لقد تابعت قصة الكاتب والمناضل الفلسطيني إدوارد سعيد مع سرطان الدم، وبالرغم من ذلك لم يفت المرض، ولا شبح الموت، في عزيمته على الاستمرار.. وأنا أحتفظ له بمواد كثيرة مسجلة على الفيديو، تماما كما أحتفظ للراحل المقيم الخاتم عدلان؛ برامج في قناة الجزيرة..

في عام 1993 توفي أخي بشرى الشريف في مدينة بتسبيرغ الأمريكية بسرطان الكبد الذي ألم به نتيجة لمرض Hepatitis B.. لقد سافر بشرى إلى الولايات المتحدة في نهاية شهر مايو 1993، واصطحب معه زوجته سمية مكي الشيخ وأبناءه عمرو ومرام والشريف ومكي الذي لم يتعد عمره وقتها الأربعة شهور، بهدف الاستقرار هناك، خاصة وأنه كان قبل ذلك مقيما بها في الثمانينات.. لقد اكتشف أن الأمر سرطان هناك في أمريكا.. ولم يمض شهران حتى توفي بشرى إلى رحمة الله.. تم نقل جثمانه إلى الخرطوم، مرورا بفرانكفورت حيث التقيت وزوجتي بسمية والأسرة المصاحبين للجثمان الذي ووري الثرى في أمدرمان.. وقد تمكنت بعد مجهود، من السفر إلى السودان للعزاء في أواسط يوليو 1993، وتلك كانت آخر زيارة لي للسودان.. رحم الله بشرى رحمة واسعة.. طوال المدة التي كنت أتابع المرض يوميا تقريبا بالتلفون، مع زوجته وأخيها، لم يعرف بشرى أن المرض سرطان، ولكنه كان يعرف أن المسألة خطيرة.. في عام 1997، رزقنا الله بإبن أسميناه "بشرى أمير" على أخي بشرى وعلى جده لأمه "أمير فضل الله" الذي كان قد توفي في صيف عام 1994 بمرض الملاريا في السودان.. نسبة الوفاة بالملاريا تصل إلى 36 ألف حالة حسب الإحصائيات التي قرأتها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

في عام 1994 اكتشف الأطباء أنني أحمل أيضا فيروز مرض Hepatitis B .. وما زلت أحمل الفيروز، ولذا ضاقت أمامي فرص العمل بالطب الباطني الذي كنت قد حضرت مبعوثا للتخصص به منذ عام 1989.. وقد اخترت الاستمرار في الدراسة والكتابة في مسائل أخرى بعيدة عن العمل بالعيادات والمستشفيات، لأنه لا يُسمح لي بذلك.. وقد سردت كل هذه القصص مع الأخ الصديق الخاتم عندما جاء هو وتيسير وحسام وأحمد لزيارتنا في صيف عام 2003 وشرفونا بقضاء يومين وليلة معنا.. لقد كانت تلك فرصة لكي أتعرف عليه عن قرب، بجانب المعرفة بالهاتف التي تمت بواسطة الأخ الباقر العفيف..

كم أفتقد الخاتم ذلك الإنسان المناضل سمح الروح.. فسلام عليه في الخالدين..

العزيز د. بشري الفاضل

المحزن في غياب الخاتم و امثاله من العظماء يتمثل في الصمت و توقف المقدرة علي مواصلة الخلق و زيادة التراكم المعرفي الذي كوموا منه طودا يغري علي الاستزادة و المداومة. هذه المقدرة الخارقة علي استنطاق الخاتم الغائيب تخفف شدة الحزن و الاحساس بفقد مكنوز نصون ما استطعنا استنكاهه و كن نطمئن الي الرجوع له لغرف حتي الرواء و استيضاح ما اغلق علينا لكنه تعجل الذهاب الي الخلد و ترك بيننا امثالكم ممن يمكنهم شق السواقي لورد البحر. فلك تقدير سامق و وود عميق و مني صادقة بان يتيسر امر مقترحك انشاء مركز دراسات و بحوث باسم الفقيد الكبير و اني اراه متحقق بصدق النوايا و تواثب العزيمة و حب الخير للاهل و الارض.

الأخ الدكتور بشرى الفاضل

رائع تماماً ما سطرته بلسان حال الفقيد الاستاذ الخاتم عدلان, لكني ورغم عدم قربي منه فإنني ومن قراءاتي للخاتم, أتوقع أنه لكان سيوالي نصح زملائه في النضال بخواطر عن مستقبل القضايا السودانية وكيفية مجابهتها وسيحاول نقل خلاصة مختصرة عن خبراته لهم ليطمئن أكثر على بلوغ الأهداف التي كان يترسمها وتحقق منها الشئ الكثير حتى قبل رحيله.

ربما تكون هذه المادة متوفرة ولكنها متناثرة من محادثات الفقيد في اللحظات الأخيرة.

أثق برباطة جأشـه وغيريتـه وأعتقد أنه يولي القضـية العامة قدرا أكبر من الاهتمام أكثر من اهتمامـه بما واجــه.

جعلها الله كفارة وقبولا وأحسن العزاء

الاستاذ بشري الفاضل

حقا لقد سطر قلمك ماعبر عن فقيدنا الراحل ..

من أقوي مقالات الثلاثاء , و تكمن قوته في الاستمرار في ذات النهج : نهج الاشعاع الفكري والرصانة الادبية ووضوح الرؤية حتي في حالات الضعف الجسدي و مواجهة الموت .. بأكثر من زاوية يمكننا النظر الي هذا المقال الذي ينضح فكرا و حيوية ومثل شبيهاته مقالات الثلاثاء السابقة لم يكتفي بالتأمل الفكري المجرد فحسب و بل حدد و اجبات و صاغ برنامج عمل للتعامل ازاء موته المحتوم !!

" معمل الفكر التطبيقي المتحرك"

تحدث صديقه الاستاذ محجوب عباس في يوم العزاء الذي اقيم يوم الجمعة الماضية بالرياض وأبان سر الشبكة الفكرية التي يتحرك فيها الراحل الخاتم عدلان وكيف انه يتلقي معينه من الناس وحلقات الاصدقاء و المعارف ..وكما قال لي الاستاذ مروان عثمان ونحن معافي الطريق من الدمام الي الرياض لحضور العزاء أن الخاتم كان يلتقط الفكرة من أي حديث عادي ثم يعيد انتاجها وكيف أن كلمات مثل : " نفاذ البصيرة" و " الفكر الثاقب" تجد جل اهتمامه ولذلك فان عبارتك " معمل الفكر التطبيقي المتحرك" قد أعادت لي حديث الاستاذين محجوب عباس و مروان عثمان وعبرت عن نفس حديثهما عن ماأسمياه بالاشعاع Radiationٌ في فكر الخاتم عدلان ..
أناشد الاخوة في بورداب الرياض الذين حضروا ذلك اليوم و بالاخص ودقاسم و تمبس انزال تلخيص كلمات المتحدثين ان أمكن ..

خالد

الأعزاء ابو ساندرا ونصار وأحمد الشايقي وخالد الطيب
الخاتم كثير. وقد حاولت ان اتغمص حاله وهو يقاوم ويطمئن ويرثي نفسه بحديث داخلي .أما ما تركه من فكر ومشاريع لم تكتمل فمن الأولى أن يقدم لنا إضاءات عنها أعضاء تنظيمه السياسي . لكن تلك ستبقى أطروحات سياسية قابلة للأخذ والرد. كان الحمل ثقيلاً لشهرين كاملين لكن جاء الموت سريعاً في فترة شهرين قصيرين .هنا تكمن الماساة وفجيعتنا فيه فمن ناحية كابد الخاتم دهراً كل اسبوع يوم ساعة دقيقة ثانية برهة خلال شهرين طويلين كأنهما أبد ومن ناحية أخرى هوى شهابه كالبرق .إذا نظرنا لحمل هم الموت في الشق الأول والثبات من ناحية لتقبله ومحبة الآخرين في الشق الثاني وامنياتهم بطول البقاءتجد اانا إزاء زمنين.

بشرى الشفيف ،

لفرط رقتك يا بشرى تمكنت من قراءة الخاطر ، وحوار الذات

المكنون الذى لم يمهل ليعلن عنها صاحبنا نفسه !

ومن فرط معايشتك للحظات ألم الراحل وحبك له ، وتألمك لألمه ! فقد جاء

تصورك حقيقيا لكل هواجس النفس الصلدة المتفردة حين يواجهها

المستحيل ! وما هو فوق طاقة البشر مجتمعين !

فعلة النفس تمكن من صرعها الراحل ، فجاءت مواقفه قوية مشرفة

طوال حياته !

ولكن علة الجسد الخارقة العصية ، يقف أمامها ضعفنا الأنسانى ،

محدد القدرات فى هذه المناحى ، حين تتداخل المسألة بخيوط الأزلية

والأزل ، والقضاء والقدر ، فتكون اجابة غير شافية ! ولكنها لا

بديل لها !

ست البنات .

الاخ العزيز ،، بشرى الفاضل

خطاب موفّق ، جميل الإستهلال، قويُّ السّبك، متماسك المبنى والمعنى ..

فهذا استهلال نبيه :
أصدقائي في كل مكان
ها أنذا أزين ما استطعت جدران قلبي لكم ديواناً قروياً مبذولاً دون استئذان

وهذا :
أدخل في النفق الآن وإن قضيت فلتكن بيننا الذكرى

يكاد ان يكون المعوّل عليه عند كل مَن أحسَّ او أحسّـت الفقد برحيل " الخاتم عدلان"


وهذا من عين الحكمة :

تماسكوا جميعاً أيها الأهل والأحباب والاصدقاء يقول خاطري . تماسكوا جميعاً فالفقد مشترك.

و..

اصوات متداخلة وبكاء وصديق يقول من خلال دموعه وداعاً ايها الفقد الكبير وداعاً يا معمل الفكر التطبيقي المتحرك.أيها الجسد الذي تعذب كثيرا في طلاب روحه الوثابة ولترقد في سلام.

ولترقد في سلام ... أيها الجسد الذي تعذّب كثيراً في طِلاب روحه الوثّابة ..

الأستاز بشري
تحياتي

كتبت فعبرت ..

أتصلت عليك لواجب العزاء ولاشياء أخري ولم أجدك سأحاولمرة أخري
شكرا لهذه الكتابه المعبرة ( فلنقل هنا نقلاً عن الخاتم وهو في
عليائه)
لك الود والاحترام

قرأت وكانها خطاب مشافهه بينى وخاتم كانت تصرعنى وتعصف بى كل عباره يخرجها كان قويا فى ضعفه وكنت ضعيفا فى قوة لم يقف مدرار الدمع الساخن من عينى الى أن أدركت خاتمه السرد...أدركت أن بشرى غاص وساخ بسحر فريد فى ذاتيه الخاتم وقاله كما هو....أحد الأصدقاء تناول معى وجبه ومن ضمن الأشياء كانت زهرة الكرنبيط ببيض فنال منه الصديق كثيرا وبعد أن خلصنا واتيت بما بعده قال لزوجتى لكن السمك مارهيب فقالت زوجتى ذلك ليس بسمك وانما كرنبيط ببيض فقال لها ليتك ما أخبرتينى ذلك لأننى تذوقته وعشقته سمكا فيا بشرى ليتك لم تفصح بانك كاتب ذلك المقال فلقد قرأته وكأن كاتبه الخاتم لأن التفاصيل تفاصيله ولأنها أعيت مفاصل الحزن فى اللهم أرحمه وأرسله الفردوس مع الأنبياء والصديقين والهم أبنائه وزوجته وآله وأصدقائه


منصور

الأخ محمد جودة
لو قرات في بوستات الترحيب بالخاتم كلمات الترحيب التي تبادلناها سوياً تجدني ذكرت له عبارة ( ديواناً قروياً مبذولاً دون استئذان ). رد على خاتم مكرراً العبارة نفسها ومضيفاً اليها عبارة صيغة منتهى الدموغ. كان ذلك اول دخول الخاتم للبورد ديسمبر عام 2003
صيغة منتهى الدموع هواسم قصيدة كتبتها في رثاء زوجتي الأولى التي رحلت عام 1982 فجاةونحن عائدان من شهر العسل كتب لي الخاتم عزاء في شكل قصيدة فصيرة يقول فيها هذا قلبي افتحه ديواناً قروياً مبذولا دون استئذان وارسلها لي في موسكو . خرجت الرسالة من سجن سواكن الذي كان الخاتم معتقلاً فيه.وحين ذكرته في لمحة بعبارته تلك ذكرني بعنوان قصيدتي حيث أحرز وأحرزت . وحين كتبت اليوم هنا تذكرت عبارة خاتم فافتتحت بها مجرى الكلام.
السبك لم يكنمل إذ قصدت ايراد الحالة الشعورية دون الالتفات للشعرية في اللغة لانني مهما فعلت لن أبلغ لغة الخاتم التي يتجه فيها دائماً لأن تستوفي الكلمة المعنى المراد مع احتفاظها بغنائيتها في آن. ومن ناحية اخرى يحتاج السبك الجيد لأن اعيد كتابة النص أكثر من عشر مرات وهذا ما أفعله عادة في قصصي.لكنني اعاني من ضغوط في الوقت الشىء الذي تلاحظه من زلاتي الكثيرة في الكي بورد.
لك الود. وشكراً لما أوردت هنا

الدكتور بشرى
كان اليوم الاربعاء 2مارس 2005 , وفي صباح شديد البروده , كنا في اتجاهنا الى واشنطن للقاء , في واشنطن من الصعوبة ان تجد parking في وسط المدينة , اوقفت العربة على مبعده قريبة , كان البرد شديدا , وكان الاستاذ الخاتم يعاني الما ممض ولكنه كان يسير بخطوات ثابته سريعة , وبعد ان انجز ما هو بصدده غفلنا راجعين , وجدنا رسالة من الطبيب على مسجلة الرسائل , اتصل الاستاذ الخاتم بالطبيب وتحدث معه بانجليزية سليمه على طريقة اهل بريطانيا , بعدها طلب منا الاستاذ الخاتم ان نذهب الى المستشفى لاخذ التقارير , كنا معه انا والدكتور حسين قرشي وفي العربة القى علينا الاستاذ الخاتم الخبر الصاقعه , ,, قالها بالانجليزية , كان الرجل في غاية الثبات , بل بدت عليه علائم المرح ,, وفي المستشفى ونحن في انتظار الطبيب الشاب ذا الاصول الهنديه اذكر انه اطلق دعابة ذكيه ,

عزيزي بشرى،

صدقت في ترجمتك عن عزيزنا الراحل، المقيم، الخاتم. شكراً لك.
فور قراءتي لها اعترتني رغبة شديدة في أن أطلعك على آخر رسالة تلقيتها منه قبيل سفره
لتلبية دعوتي إقامة ندوتين هنا في هذه البلاد الخصيبة "المقفرة." وسترى فيها بأنه يبوح
لي بآلامه بنفس الصورة التي رسمتها أنت. ولأنني لم أعهد منه مثل هذا البوح بالألم، وهو الذي
قد أمضى جل عمره يتألم في الحس والمعنى، عرفت بأن الأمر جلل، وفي ذهني بأنني كنت كلما أساله
عن صحته قبل ذلك اليوم -وقد كان يعاني من مرضي السكري وارتفاع ضغط الدم- كان يؤكد لي بأنه
يسيطر عليهما تماماً بالأدوية. هذا عندما أساله!!
أما أن يبوح بالألم قبل أن يسأل، فهذا لم أعهده فيه. ظللت الآحقه بالتلفون، إلى أن تأكد لي قبل أن يغادر
إلى لندن بأن الأمر أكبر من قدرتنا على مقاومته، وبأن الأمر الله ، الذي لم يتخلف على عهد وطئ هذه
البسيطة، قد أدركنا. ظللت أؤكد له كم نحبه ونحترمه، وظل يطمئنني بأن هذا "هو المأمول" منا. و ليتنا
نسأل الله أن يهبنا من العزم والطاقة لكي نفعل ما هو أكثر من المأمول !!

خصصتك وقراءك بهذه الرسالة كاملة، لأنها تنطق بنبض الخاتم، الذي أسمعتنا نغماته في ترجمتك عنه بعاليه.
أشكرك مجددا، عزيزي الفاضل!

Dear Hayder,
When you called last night I was with the Doctor. I am coming to the US in a very poor health indeed. I have not been well since January, and my schedule didn't help. I was not able even to take some time out to visit my GP, which aggravated the situation and made me desirous of specialist care. That was what I sought yesterday.Having said that I would not be able to respond in depth to your sincere and soul searching message. But rest assured my friend that it didn't occur to me at any moment, while I was reading it or afterwards, that you want to score points or get at me in anyway. To say the truth you have been too generous in your evaluation of my abilities.Thank you so much.
You have raised very important points and placed the discussion on the very solid basis of self-criticism, which at some pointe verges on self flagelation. I will come to all that when I have the time after my return. I have no problem, of course, with you publishing the message on any board for discussion, it is, after all, of a public nature.And, please Hayder, don't take the trouble to come to Philadelphia and let us talk over the phone. It is too much of a hassle, and you are no more that young man you think!!
Thank you so much
khatim

بشري الاديب الاريب

اقرا مقال الثلاثاء ويمتلكني حزن عصي وهل تاني منو البكتب

للثلاثاء حديثها الخاتم والحاج وراق احببتهما ومعهما نقد وحميد

وصورة والدي استاذ محمود وصوت مصطفي هل انطفي وفكر خاتم بلسم

لمشاكلنا وجراته وصدقه يا سلام كان في ندوة فلادلفيا متوهجا ومداعب

الحضور وكان الالم يعتصره لكن خاتم كانت عصرته اقوي تحدث عن الوضع

الراهن ويا ريت لو بثت او كتبت لتعم الفائدة بعد الندوة كان يطلع علي

مذكرات كلنتون ويا له من ذهن وقاد وهاج جمرته لن تموت . لكم ولاهله
ولاعضاء حركته حق ولسودانا العزاء والبكاء المستمر خاتم جوانا وخاتم

منانا خاتم رحل وهل يا تري سيصيبنا المحل .

سلام تاني يابشري مقال صادق صادق

Quote: خلال زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة كنت أشعر بآلام باطنية شديدة لم اشهد مثلها من قبل تحاملت على نفسي لكن كانت للجسد أوامره . بعد الندوة الأولى قطعت البرنامج الذي أعددناه في أمريكا

الدكتور بشرى
لم يقطع الاستاذ الخاتم برنامجه رغم الالم , فبعد الندوة الاولى اقام اخرى بواشنطن وفي اليوم التالي اقام جلسة حوار مفتوح ب alexandria , رغم الالم ,ورغم اصرارنا عليه فانه لم يدخل المستشفى الا بعد ان اصبح الالم لا يحتمل وقبل ذهابه للمستشفى بساعات تقريبا كان يؤدي عملا وكنا معه انا والاستاذ عبد الله محمد عبد الله ( فلوت ) ,, وبعد دخوله للمستشفى كان يستعجل الطبيب بالخروج لان له بعض الالتزامات ,, وحتى بعد خروجه من المستشفى فقد انجز بعض المهام ولم يتوقف عن العمل حتى يوم الجمعة 4/3 وهو اليوم السابق لسفره لبريطانيا , فقد كان الرجل شعلة من النشاط وكانه في سباق وهذا للتاريخ ,

عزيزى بشرى الفاضل

بدايه اود ان اعزيك فى فقدك وفقدنا ومصابنا الجلل الاستاذ خاتم عدلان

ليت هذا المرض يدرك فداحه ما فعله بخاتم وبنا .....

وليت الذين ظلموا خاتم يدركون الان انه مضى وفى نفسه اشياء من حتى .. وحتى ..

أ... لانه السياسى والاديب والنجم الساطع الوحيد القادم من رحم هذا السواد الاعظم

من شعبنا ...

أ... لهذا اختطفه القدر ... وبهذه السرعه


انا لله وانا اليه راجعون



قاسم المهداوى

شكرا أخى بشرى الفاضل على هذه اللمحة الجميله، فحديث الخاتم يوم الثلاثاء يجب أن يتواصل...
وهذه بادرة جيدة.

يا سكينة كم أحس بوجعك ووجع رقية وراق وتماضر والجندرية وشيرى وميسون وكافة الشابات ممن عبرن عن حزنهن الممض بفقد ركن من اركان الحياة الفكرية والسياسية في السودان. عزائبي الحار لك وقد اصبح فقدك فقدين بفقد أحد ابناء اسرتكم.
لك تحياتي .
الأخ معروف سند أولا اعزيك عزاء حاراً في الخاتم وبالطبع الوقائع هنا وهناك لن تكون دقيقة فلم أكن موجوداً هناك معكم لكن تخيلت وعندما تنتهي المداخلات ان سمحتم لي سأعدل الوقائع التي حاولت قدر الإمكان أن تكون عامة كنت مشغولاً بفكرة مقاتلته في عدة جبهات أن يقاوم المرض ويخفي الامه ولا يستدر الشفقة ويواسي صحابه ويتماسك ويقبل بمصيره ويحب الحياة في الوقت نفسه. كان مثل الشخصيات التراجيدية في الدراما الإغريقية في الشهرين الذين شهدا تدهور صحته.بيني وبينه ذكريات ممتدة لسنوات طويلة وفي السنوات العشر الاخيرة تقطعت بنا السبل لانشغاله بالعمل الحزبي وانشغالي بامور اخرى من بينها بالاضافة للكتابة الإبداعية أكل العيش.ولانني لم اقترب من حق .وفي الحقيقة هناك أصدقاء عديدون في الدياسبورا لا يلتقون ولا يهاتفون بعضهم البعض إلا لماماً أعتقد ان هذا من اكبر الأضرار التي سببتها الإنقاذ لبني سودان.
عبدالله فلوت صديق عزيز ارجو أن تمده ببريدي الإليكتروني
دمت.
[email protected]

[B]يا منصور
قصتك التي كتبتها بعنوان خاتم الداية رائعة رائعة وتشبه في اخيلتها قصص تنشح بالفكاهة من التراث . وددت لو انني تداخلت معك . لكن ما باليد أكثر من كي بورد واحد أخطىء به كثيراً ولا يسعفني الوقت.هذا الضرب من الكتابة يمكن أن يتحول الى كوميديا مصورة . هل فكرت في ذلك ؟ لانها تعتمد في فكاهتها على الحركة.
نعم فقد الخاتم عدلان فادح على الجميع . حاولت أن اتقمص مقالاته هو التي كانت ينشرهها بالأضواء كل ثلاثاء وهي :الخطاب الذي لم تقله حكومة الإنقاذ ,الخطاب الذي لم تقله الحركة الشعبية فأوردت هنا الخطاب الذي لم يقله هو.

عزيزي بشرى
وهذا هو تعريفي للحب الحقيقي.
شكرا لك

الاخ خضر حسين
رددت على بوستك الاستفساري في موضعة أمس وشكراً لمداخلتك هنا.

الأخ حيدر بدوي
أشكرك جزيل الشكر لما خصصتني به في نشر هذه الرسالة المعبرة عن حالة الخاتم وتزاحم الافكار في راسه مع المشغوليات بحيث صدته عن مقابلة طبيبه العام .كان هذا مؤثرا:
I am coming to the US in a very poor health indeed. I have not been well since January
دمت يا حيدر ونحو المزيد من التواصل.

الأعزاء صبري الشريف وقاسم المهداوي وأحمد أمين
التفمص صعب صعب ويحتاج لتدريب شهور وقراءة في قاموس الراحل لكن حسبي أن هذه صورة تقريبية للمكابدة التي عاشها خاتم وهو أسير مرض عضال يعرف بداهة خاتمته.قتال على شتى الجبهات تماماً كما كان الأمر في حياته وهو يخوض المعارك وبدخل السجون.
الأخ صدقي كبلو
الصورة الحزينة التي رسمتها لخاتم في زيارتك لهأنت وأسرتك قبيل وفاته كانت مؤلمة. هي ما أشارت لي بأن الخاتم كان في خطر شديد

استاذنا العزيز
الأخ الدكتور : بشرى الفاضل ،،
حيّاك الغمام ،، وسَقَتْ الغوادي ، "قبر خاتمٍ" مربعاً فمربعا ..

لقد عدتُّ لتلك التبادلات الترحابية بين " إخوان الصّـفا " الخاتم عدلان وبشرى الفاضل ، نهايات 2003م ، وقد سعدتُّ جدا بقراءتها ، حيث جاء فيها على لسان " بشرى الفاضل " : يوقظ الخاتم عدلان في كل من يقابله أو يحاوره نشاطاً ذهنياً ملموسًالكنه مهما تقوى لن يضارع المجرى قوي التيارلطاقة الخاتم الذهنية نفسها التي قل نظيرها في العطاء الفكري السوداني . وهو يضىء - في تعبير للاستاذ عبدالله على إبراهيم مماثل- السياسي فيه بالشاعر حين يحلل وحين يتكلم وحين يكتب . مرحباً بالاستاذ الخاتم في هذا البورد عسى ان يجد فيه ديواناً قروياً مبذولاً دون استئذان إن كان يذكر هذه العبارة الاخيرة . ولقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر وهي من الكثرة بحيث توشك أن تغمر الجسر نفسه . لكنها تنحسر الآن ويذهب زبدها جفاء ويبقى منها ماؤها العذب الذي ينفع الناس ويبقى الجسر صلباً فوق ذلك .مرحباً يا خاتم ولااتمنى أن تكون خاتم القادمين لهذا المنبر بل إحد تيجانه المرصعةبالدر .. وجاء فيها على لسان عزيزنا الرّاحل " الخاتم " : ويا بُـشرى ، لك الود أيها الحميم. صوتك في أذني، ومطاردتك المحمومة للأفكار والعبارات والمعاني، ترسم صورا أخاذة في خيالي. ينظر إليك الكثيرون ويعتقدون أنك تهذي، تكلم نفسك، تتوغل في الفوضى، وأنت سعي دائب نحو الغرابة التي أكتشفت أنها اقصر الطرق إلى الحقائق العميقة المذهلة، تتحدث اللغة الكونية وتنظم القصائد الكونية، وتبكي بصيغة منتهى الدموع. دعني أطلب منك شيئا: لماذا لا تذهب إلى السودان في يناير القادم، علنا ندخل ديوانا قرويا مبذولا في ود البر او في ام دكة الجعليين. دعوة أمنية؟ ولكن الأماني تتحقق في بعض اللحظات النادرة. التحية لك ولأهلك، وللقصائد التي حطت على الغصن والتي توارت خلف الأفق ..

عزيزي بُــشرى ،
لقد كنتَ موفّقاً ، وانت تكتب " الخطاب " الذي لم يَلقِه " الخاتم عدلان " باستصحابك
سيرة الفارس " مالك بن الرّيب " ورثائه نفسَـه بعد ان لدغته " حيّة " وهو في طريقه الى خراسان مع عمرو بن عثمان بن عفّان ، وكان ذلك بعد ان أحرق ابن الرّيب مراكب علاقاته كمواطن مُذعِن في دولة الحجّاج بن يوسف ! في زمان بني مروان ؛ حيث كتب هذه الأبيات :

إن تنصفونا يا آل مروان نقترب ،،، إليكم وإلآ فآذنوا ببُــــعادِ !
فإنّ لنا عنكم مزاحاً ومِزحلاً ،،، بعيسٍ الى ريح الفلاةِ صوادِ
ففي الأرض عن دار المذلّة مذهبٌ ،،، وكلّ بلادٍ أوطنت ، كبلادي
فماذا تُرى الحجّاج يبلغ جهده ،،، إذا نحن جاوَزنا حفير زيـاد ؟؟

ولِتسمح لي ، أخي ، بشرى ، ان انتقي الأبيات التالية للرّاثي نفسَه في حياته ، مالك بن الرّيب :

ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبَيْتَنَّ لَيْلَةًبوادِي الغَضى أُزْجِي القِلاصَ النَّواجِيا..

تَذَكَّرْتُ مَنْ يَبْكِي عَلَيَّ فلَمْ أجِــدْ سِوَى ،، السّـَيفِ والرُّمحِ الرُّدَيْنِيِّ باكِيا
وأشْقَرَ مَحْبُوكٍ يَجُرُّ عَنانَهُ إلى الماءِ ،، لمْ يَتْرُكْ له الموتُ ســـاقيا
يُقادُ ذَليلاً بعْدَ مـا مــاتَ رَبُّـــهُ ،، يُباعُ ببَخْـسٍ بَعْـدَ ما كان غاليا
أُقولُ لأَصْحابِـي:ارْفعُوني فإِنّـنِـــي ،، يَقِـرُّ بعَيْنِي أَنْ سُـهَيْلٌ بدا لـيا
فيا صاحِبَيْ رَحْلي دَنـا المَوْتُ فانـزِلا،، بِرابيَةٍ،إِني مُقِيمٌ لـيالِــــيا
وخُطَّـا بأَطْـرافِ الأَسِـنَّةِ مَضْجَـعِي ورُدّا،، على عَــيْنَيَّ فَـــضْـــلَ رِدائِيا
يقولونَ:لا تُبْعَـد وهُمْ يَدْفنونني!وأَيْنَ،، مكانُ البعْـدِ إلاّ مكــانِـــيا؟
غَداةَ غَـدٍيالَهْـفَ نفْسِـي على غـدٍ!إذا،، راحَ أَصْحـابي وخلـفْتُ ثــاوِياً
أُقلبُ طَرْفي في الرِّفاقِ فلا أَرَى بِه من،، عُـيُونِ المؤْنِسـاتِ مـراعِـــيا
وبالرَّملِ منا نسْـوَةٌ لو شَـهِدْنَنِي ،، بكَيْنَ وفدَّيْنَ الطَّبيبَ المداوِيا


واختتم ، بهذه الأبيات التالية ، والتى تتماثل فيها مزايا الممدوح المرثيِّ بمزايا وفضائل ممدوحنا وعزيزنا الرّاحل "الخاتم عدلان " ،حدّ التطابق :

أمّا القبور فإنّهمنّ أوانسٌ ،،، بجوار قبرك والديار قبورُ
عمّت فواضله فعمّ هلاكه ،،، فالناس فيه ، كلّهم مأجــورُ
يثني عليك لسانُ مَن لم توله ،،، خيراً لأنّك بالثناء جديرُ
ردّتْ صنائعه إليه حياته ،،، فكأنّه من نشرها منشورُ
فالنّاس مأتمهم عليه واحدٌ ،،، في كلِّ دارٍ أنّةٌ وزفيـرُ


مع خالص الود ،،/

الاخ محمد أبجودة
شكراً لهذا الغوص العميق في التراث والخروج منه بهذه الدرر .لعلها كما قلت لحظة موفقة وأنا أدخل في التقمص ان اتذكر قصيدة مالك ابن الريب وهو يرثي نفسه وهو ليغ وهي من قصائد رثاء الذات النادرة في الشعر العربي ولدى التجاني يوسف بشير قصيدة وجت بجانب سريره في رقدته الأخيرة يرثي فيها نفسه ايضاً لكن لم يكن بجانبي لحظة كاتبة النص ديوان إشراقة فتذكرت قصيدة مالك بن الريب وهي من الشعر الذي صادفنا في سنوات الدراسة ولهذا السبب ربماا رسخت وشكراص لكما انت وياسر في تثبيت ابيات القصيدة هنا ورجوعك لماتبادلناه أنا والخاتم في ديسمبر 93 اثار اشجاني خصوصاص وانه كان ينوي السفر في يناير ولم اكن افكر في السفر لكن توفي شقيقي حسن فجأة فسافرت في مطلع يناير 2004 وتركت اسرتي بجدة ومكثت في السودان عشرة ايام وحين عدت وصل الخاتم للسودان وقيل لي أن قريته أقامت مهرجاناً لاستقباله.
أورد معروف سند هنا ان الخاتم ظل في حالة نشاط بأمريكا حتى 4مارس وهو قدرحل في 23 ابريل وبذا يكون قد رحل خلال شهر و20 يوما من معرفته بالمرض أي انه قضى خلال اسابيع قليلة.