أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان

أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان


11-20-2006, 03:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=242&msg=1188376790&rn=8


Post: #1
Title: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-20-2006, 03:06 PM
Parent: #0


ٌٌٌُأزمة الاسلام السياسي في السودان
في ضوء فكر البعث وتجربته
( دراســـة مقارنــــــة )

مقدمــــــــــة :

تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على تداعيات أزمة الحركة الاسلامية السياسية في السودان وانقسامها بعد عشر سنوات من وصولها للسلطة اثر انقلاب 1989 باعتبار ان السلطة امتحان صعب لأي حركة عقائدية بصرف النظر عن منطلقاتها ، وهي كذلك محك يكشف مدى تمسكها باصل المبادئ والاهداف التي ارتكزت عليها في عملها الدعائي والتعبوي قبل وصولها للسلطة ..
وبما ان حزبنا كحركة عقائدية نهضوية قد مرّ بمثل هذه الامتحانات وواجه أزمات لكنه تجاوزها بالعودة لأصل مشروعه لذلك كانت المقارنة مع تجربة البعث ضرورية لتكشف الفرق الكبير بين الحركة العقائدية الاصيلة التي تنجح في تجاوز أزماتها بالعودة الى خط البداية وبين الحركات السياسية الدينية المغطاة بغطاء الدين وزيف شعاراتها ، وضعف أساسها العقائدي المتغلف بالدين .

* حاولت هذه الدراسة تتبع تداعيات أزمة الجبهة الاسلامية في السودان وما تمخض عنها من تداعي خطير وصل حدّ التناقض مع جوهر الدين وتهديد وحدة البلاد الوطنية في صورة ما سمي بالكتاب الاسود الذي اعترف الترابي وجناحه المنشق بانه صدر عنهم ، وما تناوله هذا الكتاب من قضايا خطيرة تتعلق بمسألة التوازن في التنمية ونظام الحكم وهي أحدى أهم القضايا التي عالجتها أدبيات حزبنا في السودان في سياق برنامجه لحل أزمة التطور الوطني في السودان .

* كما ان الدافع لصياغة هذه الدراسة ينبع من القلق المشروع على وحدة الوطن التي اصبحت مهددة بالتفكك والتمزق بفعل مخططات استعمارية صهيونية تستهدف وحدة البلاد وكيانها الوطني حيث ان نتائج ما يطرحه هذا السفر المشبوه تلتقي بالنتيجة ان لم تكن بالنوايا مع هذه المخططات .

لذلك يقول الرفيـق القائـد صـدام حسيـن في لقائه مع الفرق المتميزة في يوليو / تموز 2000 :
(( عليكم ان تحاربوا حالة الضعف لدى الحكام ، والتجزئة التي تحاول تحت عناوين شتى ان تضعف الشعب في كل مكان ، في السودان ، وفي مصر والعراق وسوريا والاردن والمغرب وفي الخليج ، وحيثما وجدتم حالة تجزئ الشعب . انظروا إليها كحالة تخدم الاستعمار وعليكم ان تحاربوها )) (1).

وكمدخل للمقارنة بين البعث والظاهرة السياسية الدينية حاولت الدراسة تأصيل مفهوم الأزمة في فكر البعث وكيف واجه الحزب أزمته مع القطرين الشباطيين عام 1966م وكيف نجح في تجاوزها بالتمسك الصارم بأصل مبادئه وقاوم إغراء السلطة ثم تناولت أزمة الظاهرة السياسية الدينية بوجه عام وكيف تصدى القائد صدام حسين لنقد هذه الظاهرة في سياق خطاب ومنهج القومية المؤمنة الذي تبلور من خلال المعاناة الجهادية في منازلة أم المعارك الخالدة .
تناولت الدراسة تجربة الجبهة الاسلامية في السودان كنموذج لسقوط هذه الحركات في الحكم ووضعت هذا النموذج في مقارنة مع حزبنا في السودان من حيث البرنامج لمعالجة أزمة التطور الوطني في السودان ، والموقف من قضية صراع السلطة والثروة في البلاد ..

نـواصـل باذنـه تعـالـى >>>

Post: #2
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-20-2006, 03:15 PM
Parent: #1


مفهوم الأزمة في فكر وتجربة البعث وأزمة
الظاهرة السياسية الدينية في السودان :

إن الأزمة الناجمة عن الوضع الدولي الراهن بعد انهيار الايديولوجية الشيوعية ومعسكرها والمخطط الاستعماري الصهيوني الهادف الى تفتيت العالم قد خلقت حالة الالتباس والغموض بل والاحباط التي اصابت النخب السياسية والفكرية في الوطن العربي ، وان هذه الازمة تواجه كل الحركات العقائدية والثورية في العالم ، ان مثل هذه الظروف تطرح أهمية الرجوع الى الحقائق البديهية السهلة ، والى تركيز الخط المبدئ والستراتيجي في مواجهة حالة التدهور والتراجع..

لذلك يقول القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق:
(( ولئن كان أكثر رجال السياسة والاحزاب يتخلون في وقت الازمات العصيبة عن مبادئهم وافكارهم ، ويستسلمون بحجة التصافي وتوحيد الصفوف ، للسياسة الحاكمة ، أي سياسة التخدير والتضليل والجمود والفوضى فيبرهنون بذلك على ان المبادئ والافكار بالنسبة إليهم لم تكن إلا مزاحاً يجيزه العرف السياسي ، والتنافس الحزبي في الأوقات العادية ، ويصبح غير جائز ولا معقول في ظروف الجد والخطر . ولسنا نرى نحن خيراً من ظروف الأزمات والأخطار لكي تزيدنا استمساكاً بمبادئنا العربية الشاملة ، وإقتناعاً بفكرتنا الانقلابية ، وعزماً أكيداً على تحقيقها ، والعمل بوحيها )) (1) .
ذلك لأن الأزمات هي مظهر طبيعي من مظاهر النمو ، والحركات التي لا تعرف الأزمات لا يمكن ان تكون حركات حية متجددة ، بيد أن بقاء الحركات التاريخية والثورات رهن بقدرتها على تجاوز أزماتها ، تجاوزاً صاعداً يحقق لها شروط التجدد الدائم المستمر (2) ، ولأن الأزمات والنكسات والمحن تأتي لتؤكد من جديد أنها امتحان لقدرة قوى الأمة على التجدد ، والارتفاع الى مستوى جديد ، وإنه في ظل التجارب القاسية يتهيأ المناخ الطبيعي للتصحيح وتبرز صورة الإنقاذ الحقيقية )) (3) .

إن الانتساب الصحيح الى أية فكرة ، الى أي موقف جدي في الحياة هو أزمة " كما يقول القائد المؤسس – ولا كالأزمات ، بل هو زلزال في النفس لا يأتي هيناً سهلاً ، لا يأتي تدرجاً ، لا يأتي وكأن المرء ما غير شيئاً في نفسه ، وبقى في مكانه ، انما يأتي نتيجة أزمة في النفس ، نتيجة انقلاب ، والانقلاب الذي يدعو إليه الحزب ، بذرته هي تلك التي تحدث في النفس عندما تكتشف دعوة هذا الحزب وفكرته وإن كل مستقبل الأمة العربية متوقف على هذا الانقلاب في النفوس ، على هذه الأزمة العصيبة ، على هذا الانتقال المفاجئ من حال الى حال ، وعلى هذا الصراع الشديد بين حالتين (4) :
1.الحال العادية المألوفة التي لا تنتج إلا الضعف والفساد .
2.وبين الحالة المرتقبة والتي ستكون نتيجة التمرد على كل ما هو عادي ومألوف ، ونتيجة توتر شديد وعصيب في الارادة وفي الشعور لاستخراج أعمق ما في نفوس العرب من امكانيات غير متحققة .

لهذا عندما وقع حزبنا في أزمته المعروفة في عقد الستينات وبعد الردة الشباطية عام 1966م واجه تلك الأزمة بشجاعة ورفض القائد المؤسس الحلول الوسط والمساومات والمعالجات السطحية معتبراً أن ردة 23 شباط شئ عارض في الحزب ، ولكن هذا العارض سيظل يعيد نفسه إذا لم نغتنم هذه الفرصة لنفتح معركتنا الأصلية ، معركة الغاية الأولى التي أنشئ الحزب من أجلها ، معركة تحريك الجماهير العربية من أجل تحرير نفسها (5) .
ومارس الحزب النقد الذاتي بشجاعة مؤكداً:
(( أن ردة 23 شباط هي عقاب للحزب لأنه كان منذ الوحدة في عام 1958م يهرب من معالجة أزمته ، ومن حل تناقضاته ، الى تجارب غير ناجحة كان لابد أن تزيد أزمته عمقاً ، وتناقضاته حدةً )) (1).
وأكــد:
(( أن أزمة الحزب هي أزمة وجود أصيل للحزب ، وجود صحيح تام غير نسبي )) وانه يستطيع أن يخرج من هذه الأزمة أقوى من أي وقت مضى إذا استطاع أن يحلل اسبابها بعمق ووضوح وجرأة ، وأن يجعل من الأزمة مناسبة لتجديد نفسه )) (2).

وفي عام 1969م حدد القائد المؤسس اسباب صمود البعث في وجهة المؤامرات والأزمات التي واجهته في عقد الستينات من القرن الماضي في الآتي (3) :
1.إن الحزب لا يعتبر الحكم غاية له ، بل غايته الأمة والثورة .
2.إن لم يكن الحكم ثورياً ، ومعبراً بصدق عن دوافع الثورة وأهدافها وأخلاقيتها تنشأ الأزمة ، وتتحرك الضمائر ، وتعترض العقول ، وتحنّ النفوس الثائرة الى النضال .
3.إن الأزمات والخلافات لا تنشأ بين متصارعين على السلطة ، وإنما بين الحزب من جهة وبين الدخلاء على الحزب أو الحزبيين الذيــن لم تنفــذ العقيدة الى أعماق نفوسهم وضمائرهم ، فكانوا يظهرون العقائدية ويبطنــون الإنتهازية أو كانوا يحسبون أنهم عقائديون ، فلما وصلوا الى الحكم انهارت مقاومتهم أو فسدت نفوسهم فتنكروا لماضيهم ، وافتتنوا بالحكم والسلطان .
4.الحزب ينتدب أشخاصاً ليحكموا بأسمه وحسب منهاجه ومبادئه ، فإذا أساءوا استعمال السلطة الموكلة إليهم ، يسحب منهم الثقة والوكالة ، ولكنهم قد يحطاطون لذلك ، ويستخدمون وسائل السلطة لمحاربة الحزب قبل أن يبادر الى نزع الثقة منهم .
5.إن انتصار الحزب وثورته التي فجرها في 17-30 تموز 1968م في العراق وضعت حداً تاريخياً فاصلاً جعل الردة محاولة فاشلة ويائسة لتشويه فكر الحزب ومنطلقاته ، وتزييف ماضيــــــــه .
6.علينا أن لا ننسى وجود مؤامرة تاريخية على حزب البعث ، بدأت منذ أن اتضحت حقيقة هذا الحزب وخطورته على الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية .

ويمكن تلخيص أسباب تلك الأزمة التي تجاوزها الحزب في الآتي :
1.وصول الحزب الى الحكم والسلطة قبل أن يعد نفسه لذلك بشكل كاف ( في سوريا والعراق عام 1963م ) .
2.عدم وضوح علاقة الحزب بالحكم وعلاقة الجيش بالحزب ، مما أدى الى دخوله في صراع مع العسكريين – اللجنة العسكرية الشباطية في سوريا - .
3.ضعف القيادة الجماعية وتسرب بعض العناصر التقليدية وضعف البنيان التنظيمي الثوري ، وظروف العمل الانتخابي والليبرالي جعلت هذه العناصر تعجل في ربط الحزب بعجلة الحكم . ( نتيجة الاندماج مع جماعة أكرم الحوراني ) .

هكذا حسم حزبنا أزمته بالعودة الى خط البداية والى أصل مشروعه النهضوي الحضاري والانبعاثي ، وحل التناقض الذي وقع فيه وبافترق الفكر عن الممارسة والغاية عن الوسيلة ، بفضل الرؤية التاريخية والمنهج الحضاري لقائده المؤسس الذي كان يرى:
(( أن الحكومات والعهود والأنظمة السياسية ، قد تصاب بأمراض وآفات وأزمات فتصمد لها ، وتتغلب عليها ، وتشفى منها ، إلا شيئاً واحداً إذا أصيبت به ماتت به ، ذلك هو مرض التناقض ، وهو في الواقع مجموعة أمراض تتراكم ، وتتفاقم ، حتى إذا بلغت ذروة الخطورة ، واستحال معها كل طب ، ظهرت بمظهر واحد ، شامل هو التناقض )) .

وإن النظرة الفاحصة المتعمقة ، توصل الى رؤية الروح في المظاهر المتنكرة لها ، كما توصل الى رؤية المادة والزيف والنضوب في المظاهر المقنعة بقناع الروح ، تلك هي حالة التناقض التي تؤذن بالثورة )) (1).


نـواصـل >>>

Post: #3
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-20-2006, 03:22 PM
Parent: #2


أزمة الظاهرة السياسية الدينية :

في ضوء ذلك كيف يجب أن نفهم أزمة الظاهرة السياسية الدينية ، وانتكاس المنطلق الاسلامي الاممي وفكرة الدولة الدينية بالعودة الى المنطلق الاقليمي والقبلي ، كما هو حاصل اليوم في تجربة السودان وافغانستان .. الخ ؟
والوقوع في تناقض صارخ مع أصل الشعارات والمبادئ الاسلامية التي كانت ترفعها أو تتغلف بها قبل الوصول الى السلطة ! .
كما إن تجربة الاسلام السياسي في السودان كحركة عقائدية ، ودخولها في أزمتها الشاملة الراهنة تستوجب على حزبنا دراستها واستخلاص دروسها ، من منطلق المبادئ وخط الشروع ومدى الانسجام بين الفكر والممارسة ، وذلك لأن الوفاء والاخلاص للمبادئ هو خط الشروع لأي حركة عقائدية وهو مبرر وجودها واستمرارها..
والسؤال الرئيسي الذي يجب طرحه إزاء الأزمة الشاملة التي يعيشها السودان والاسلام السياسي الحاكم ، هو :
هل الجبهة الاسلامية كانت أصلاً حركة نهضوية وبالتالي هل الحركات السياسية الدينية هي كذلك حركات نهضوية حقيقيــــــــــة ؟ .

لقد لاحظنا كيف واجه حزبنا في مراحل كثيرة أزمات وتجاوزها ، لأن الحركة الثورية تجدد نفسها وتتجاوز أزمتها بالعودة الى اصل مشروعها وبالمزيد من السير الى امام وليس التوقف ، فمهما كثــرت المؤامــرات الخارجية لم ولن تستطيع قوى الاستعمار والرجعية انهاء حركة البعث ، لذلك يحاولون لجمها ومحاصرتها ، لأن البعث بحكم ايمانه بالشعب والأمة يدرك أن القوى الامبريالية ليست قوة مطلقة ، ويمكن مواجهتها بقوة الشعب وقدراته الخلاقة وقد قدمت منازلة أم المعارك الخالدة الدليل الساطع على ذلك .
لقد أدرك حزبنا أن بروز الظاهرة السياسية الدينية هي تعبير عن ردات فعل دورية للأزمات المتتابعة التي تواجهها الأمة العربية والمجتمعات الاسلامية ، وهي في جوهرها مجرد رد فعل سطحي ، على النكسة المؤقتة لحركة الثورة العربية ، وسداً لفراغ عقائدي وسياسي نشأ بسبب هذا الانحسار المؤقت للقوى النهضوية الحقيقية منذ انفصال 1961م والردة الشباطية عام 1966م وهزيمة يونيو / حزيران 1967م .

هكذا بقيت هذه الظاهرة في حدود رد الفعل ، وكان الغرب الاستعماري يدرك انها لم تصبح ثورة ثقافية اجتماعية واقتصادية جذرية تهدد مصالحه ، ولن تكون ثورة في اتجاه العصر ، واقصى مداها هو السقوط في الطائفية او الإلتقاء في الإطار الرجعي ، لذلك سعى لتوظيفها ودعمها في اتجاه الهجوم على الفكر القومي النهضوي واتهامه بالإلحاد والعنصرية والعلمانية .. الخ
كما ان القاسم المشترك الذي يجمع الحركات السياسية الدينية هو مناهضتها لنظام الدولة الحديثة .. وإستغلالها لرغبة الجماهير العارمة لتغيير الأوضاع المتردية القائمة في المجتمع العربي للوصول الى سلطة دون امتلاك بديل حقيقي غير الشعارات العامة ، وهذا ما حدث في الســــــــــــــــــودان .
لقد كشفت أم المعارك الخالدة وصمود البعث وتجربته الثورية في العراق فيها حدود امكانيات هذه الظاهرة السياسية الدينية ، وكشفت انتهازيتها ومتاجرتها بالشعارات الدينية ، وعجزها عن اتخاذ الموقف الصحيح والعملي الذي ينسجم مع جوهر الاسلام وقيم الايمان والجهاد الحقيقي في مواجهة قوى الكفر والفساد والعدوان ممثلة في الولايات المتحدة والصهيونية العالمية وعملائها المحلييــــــــــــن .
ورغم ذلك مارس القائد المفكر والمجاهد صدام حسين حواراً عميقاً مع هذه الظاهرة ، تبلور بموجبه خطاباً نقدياً قدم من خلاله نموذج القومية المؤمنة وتجربتها المجسدة في العراق . بالمقارنة مع النماذج التي قامت باسم الاسلام السياسي خاصة في السودان وافغانستان وايران .
لم يكن حوار القائد صدام حسين وانتقاداته حول أسس العبادات .. لأنه لا يوجد خلاف جوهري بين المسلمين في هذه الناحية .. وانما كان الحوار ولازال يدور حول كيفية بناء النموذج النهضوي الحضاري المستقل والبرنامج الذي يرتكز عليه في بناء الدولة والمجتمع وكيفية تطبيق العدالة الاجتماعية والموازنة بين العلم والايمان والمادة والروح والاصالة والمعاصرة والعروبة والاسلام .. الخ
ويمكن تلخيص انتقادات القائد صدام حسين لهذه الظاهرة في هذه النواحي في الآتي :

1.إن عناصـر النهضـة الحقيقيـة للأمة لا تكمن في مجرد تغيير الانظمة الفاسدة القائمة الآن ، أو بعض شخوصها ، وانما في تغيير مرتكزات انطلاقتها ومعاني دورها في الحياة .
2.إن أي دعوة جديدة لابد أن يكون كادرها في الحكم أساسه كادر النضال والعمل والجهاد قبل تسلم السلطة ، ( وهذا انتقاد مباشر لنموذج الاسلام السياسي في السودان الذي اعتمد على كادر المايويين في الحكم بعد وصوله للسلطة ) .
3.لا يجوز أن نكسب الجمهور على أساس مسار وحجة هما محض حالة ظرفية فيما يصور للجمهور ان المسار والحاجة باقيان حتى نهاية المطاف أي نحشر الجمهور في لجة استخدام الدين في السياسة ونختار طرقاً أخرى بعد الوصول الى السلطة أي أن نجعل السلطة في حد ذاتها هدفاً ووسيلة .
4.إن الحشد الجماهيري على العام ، من غير تخصيص ، دلالة على ثغرات غالباً ما يتمكن أصحاب الغرض الفني المسبق ، أن يكمنوا فيه ليحرفوا الخطوات اللاحقة عن مسارها – أي اختراقها – لذلك لابد لمثل هذه الحركات من برنامج يحدد الافكار والمواقف ، ويكون معياراً موضوعياً من داخل الحركة ، يكون قيماً على مسارها ، وترتكز عليه كعقد اجتماي وسياسي بينها وبين الشعب ، ( وهذا ما وقعت في محازيره تجربة الاسلام السياسي في السودان كما سنرى لاحقاً ) .
5.إن الفكر الشعوبي والأممية الدينية يعّوم الحال وبالتالي يضيع مركز الارتكاز ( قاعدة الانطلاق ) ويجر الدين الى الأممية لكي ينهض آخرون أجانب لقيادة الأمة .

نـواصـل >>>

Post: #4
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-20-2006, 03:35 PM
Parent: #3


أزمة نظام الجبهة الاسلامية في
السودان في ضوء تجربة البعث

يمكن تلخيص أسباب أزمة الاسلام السياسي في السودان بعد وصوله للحكم أثر انقلاب 30/6/1989م في العوامل التالية :

1/ اعتبار السلطة وكأنها غاية الحركة النهائية والتراجع عن الشعارات والاهداف التي كانت تطرحها قبل الوصول الى السلطة .. بل التراجع حتى عن عبارة " الاسلام " في اسم الحركة وتحويلها الى اسم " المؤتمر الوطني " تحت وهم " التمكين " .
2/ عدم امتلاك الحركة لأي برنامج حقيقي وواضح لوضعه موضع التنفيذ بعد الوصول الى السلطة .
بل عدم امتلاك أي تصور واضح حول مسالة الدولة الدينية وشكلها - كما سنرى ذلك في اعترافات الترابي .
3/ الاستغناء عن التنظيم الأساس ( الجبهة الاسلامية ) بعد الوصول الى السلطة والاعتماد على تنظيم سلطوي فضفاض حشد له كل طامع في السلطة مما أدخل أعضاء التنظيم الأساس في أزمة حقيقية .
4/ ارتداد حركة الترابي أصلاً عن الحركة الأم – التنظيم الدولي للأخوان المسلمين في مصر بل الدخول في قطيعة معه .
5/ أزمة علاقة التنظيم السياسي للجبهة الاسلامية بالجيش وتجاهل دور الجيش في السياسة في العالم الثالث وعدم الوعي بخصوصية الجيش السوداني .
6/ غياب القيادة الجماعية للتنظيم وتمركز الحركة حول شخصية الترابي وازدواجيتها في السلطة .
7/ نقاط الضعف الكامنة أصلاً في تنظيم الجبهة الاسلامية كتجمع لبقايا مايو والانتهازيين وحتى المشبوهين المرتبطين بمراكز أجنبية إضافة الى التخلف الفكري للجبهة مع انتفاخها البالوني الغوغائي .
8/ النظام الفدرالي الذي طبقته الجبهة الاسلامية في الحكم وعدته من ثوابت الدستور دون توفير مستلزمات التنمية .

ولكي نؤكد على مدى صحة هذه العوامل نستشهد باعترافات الترابي نفسه بعد أزمة انقسام حزبه في ديسمبر 1999م واستمرارها حتى اليوم بعد أن سقطت فكرياً وسياسياً دون أي أمل في تجددها :

1/ في الندوة السياسية التي اقامها الترابي بجامعة القرآن الكريم بامدرمان في فبراير / شباط 2000م يشير الترابي الى جذور أزمات الاتجاه الاسلامي السياسي في السودان بالقول :
(( على مدى تاريخ الحركة الاسلامية في السودان كان الاجماع ملزماً ، ولكن كنّا ناخذ كثيراً من الأثر الثقافي المصري ، خاصة من حركة الأخوان المسلمين في مصر ، وكان الخلاف أن نؤطر هذا الأثر ونجذره حتى يكون سودانياً ، لا فرعاً مصرياً في السودان )) ويقول :
(( من أول الأيــام في الحركة الاسلامية كانت عالمية المدّ وليست فرعاً من اصل )) .

وفي الندوة التي نظمتها جمعية الفكر الاسلامي بجامعة الخرطوم تحت عنوان " مستقبل الدولة الاسلامية " يسلط الترابي المزيد من الضوء على جذور الأزمة إذ يقول :
(( أزمات الخلاف في السابق كانت بين عالمية منسوبة الى بلد في شمال الـــوادي ( مصر ) وبين محلية ، بين جبهة الميثاق الاسلامي في الخارج والداخل ، كانت على شكل توترات تجاوزناها فيما بعد بالجبهة الاسلامية ، أما الازمة الحالية فهي أعظم الأزمات التي مرت على الحركة ، خاصة أن شهوة السلطة قد دخلــت فيــها ، فالــذي خارج السلطة الآن يأكله الحسد والغيرة ويريد أن يقضي على أخيـــــه )) .
2/ في مقابلة أجرتها معه جريدة القدس العربي بتاريخ 1/5/2000م قال الترابي :

(( إذا نزلنا الى واقع الخلاف واقتربنا نحوه ، نجد أن شطراً من الذين في السلطة كانوا عسكريين ، ولم ينشأوا في حركة سياسية وشورى وأخذ ورد وتفاعل مع الآخرين ، بل هي حركة أوامر تنزل من علٍ ، وتنفذ من غير جدل أصلاً وبعضهم كان في نظم أخرى كذلك ، نظم حزبية أو مايوية ايضاً ، وكانت المعاني تتنزل من القيادة الى القواعد ولا تصل من القواعد الى القيادات ، وكان فيهم أيضاً بعض عناصر تربت في الحركة الاسلامية ، ولكن خلط هذا وذاك نتج عنه شئ آخر )) وهنا يشير للأزمة مع العسكريين .
3/ ويؤشر حالة اختراق تنظيم الاسلاميين بالقول :
(( أما البنية العضوية للمؤتمر فأنا لا أصرف النظر تماماً عن احتمالاتها لاختراق هذه التيارات ، ولكن مذاهب فقهية وطرقاً صوفية ، وقبليات ، فروح التمزق هذه من الامراض التي تصيب المجتمعات المتخلفة )).
وكان قد قال في ندوة جامعة الخرطوم :
(( إن الغرب هاجم السودان اعلامياً ، وحاول حصاره اقتصادياً ودبلوماسياً ، ولم يفلح ، إلا انه أفلح في الدخول بين صفوف الحركة الاسلامية ، ولكنني لا اريد أن يصيب اليأس الناس من هذا الحديث )) .
4/ يعترف بغياب برنامج للحركة بالقول (( إن الحركة لم تستعد ولم تتهيأ لفقه هو مذهب في كيف نتعامل مع السلطة ، إذا ثابت للدين واختلافات سلطة وشهوات السلطة ، لم تكن لنا تجربة المسلمون ليست لهم تجارب ، وكتبهم ضئيلة جداً في هذا الجانب ، وحتى في جانب الاحكام العامة )) لاحظ كيف سقط شعار " الاسلام دين ودولة " ! (1).
5/ يعترف بفساد جماعته وضعفهم أمام السلطة ، متسائلاً عن الأسباب التي أدت الى أن تتفاعل القوى الغربية مع السودان ، بعد ان كانت بعيدة وتتهمه بالارهاب ، أصبحت تقترب منه لما فيه من ثروات ، واقتربت أكثر بعد أن رات أن الصف الاسلامي بدأ يتصرف عن أصول الدين ويتساقط )) .
و (( إن أعضاء الحركة الاسلامية دخلوا السوق فوجدوا أن اخلاقهم في السوق انحطت وبدأوا التجارة ثم الشركات ، ثم جاءت البنوك الاسلامية ، وجاءت حرب الربا منذ أيام مايو ، ومحاربة الربا مازالت شعاراً الى يومنا هذا لأن الدافع لم يكن قوياً )) .
6/ ويبرر التراجع عن الشعارات التي وصل بها الى السلطة قائلاً :
(( في السابق كنا لا نستطيع أن نبعد كلمة الاسلام عن اسم الحركة ولذلك جاءت " جبهة الميثاق الاسلامي " و " الاتجاه الاسلامي " ، و" الجبهة الاسلامية القومية " ، ولكن الآن تطور الفهم ورأينا أن الرأي بان نسمي بالمؤتمر الوطني الاسلامي ، قد تنفّر غير المسلمين من هذه البلاد ونحن نريد أن نجمعهم خاصة وان الوجه الاسلامي سوف يظهر فيه وحتماً يكتشف الناس والعالم ان هذا الكيان اسلامي ، إذن ليس هناك مشكلة من ابعاد الاسم الاسلامي للمؤسسات لأن هذه المؤسسات كانت غريبة ، فالجامعة كانت غريبة لذلك سميت بالجامعة الاسلامية وكذلك المركز الاسلامي والبنك الاسلامي )) (1). ( لاحظ هذا الدجل وهذه الحربائية !؟ ) .
7/ ويعترف باهمال التنظيم بعد الوصول الى السلطة عندما يقول :
(( وظلت الشـورى حاكمة ، ولكن في التسعينات انقطعت الشورى ، لأننا انقطعنا تماماً عن كل الحركة الاسلامية ، واصبحنا هيئة قيادية ، ومجلس شورى يتكون من بعض مئات من الافراد ، لذلك انقطعت الشورى سنوات طويلة ، وتخرجنا بعد تلك السنـــوات الى المؤتمــر الوطني )) "
8/ الاعتراف بالكذب على الشعب لصالح الدعوة ( فقه الضرورة ) فقد صرح الترابي في اعقاب قرارات البشير باعلان حالة الطوارئ وحل المجلس الوطني بانه كان العقل المدبر لانقلاب 30/6/1989م وانه اتفق مع البشير على ان يذهب هو الى السجن ويذهب البشير الى القصر ، ويعني ذلك باختصار ان الترابي هو المسؤول عن الانقلاب.
ويبرر الترابي هذا السلوك بالقول :
(( كان الهدف من هذا المسار في السنوات الاولى للانقاذ ان نلهي أهل الغرب واولياءهم الاقربين في المنطقة حتى لا ينقضوا على الحركة والدولة الوليدة – والحرب مكيدة )) .
ويعترف حتى بالكذب على حلفائه الاسلاميين في جبهة الميثاق عندما قال:
(( وحتى في فترات الحرية منذ أيام اكتوبر 1964م حركة الاخوان المسلمين ظلت باقية سراً ودخلت في علاقات ، استغفر الله ، استغفر الله كأنها كانت علاقات نفاق مع جماهير تسمى جبهة الميثاق الاسلامي ، فلقد كنّا ندير الأمر بليل ، ونأتي للآخرين في الصباح ، ونجتمع بهم ونتداول معهم ، ونصّوت معهم ، ونختار القيادات ( استغفر الله ) أنتم الآن تجهرون بالقول ( نبتغي رفع اللواء ) ولكننا كنا نخفيه وكنا نخاف من العلانية حتى لا يراق ريقنا )) (2).
9/ ويعترف بالتناقضات داخل تنظيم السلطة إذ يقول :
(( كان المؤتمر يقبل بأي فرد ، فان كان في القوم الجاهلين قائداً ، فهو في المؤتمر قائداً ايضاً ، لذلك كان متوسط التدين ضعيفاً جداً ، وكذلك الولاء ، لذلك كان المؤتمر عرضة لأية فتنة ولا يحتمل الالتزام ، وكان لا يعرف مناصحة ، ولا محاسبة ، واصبح طلب السلطة مطلوباً ، ومعقولاً ومقبولاً ، وكذلك ضعفت الأمانة ، أمانة السر وأمانة المال .. الخ ، ويضيف :
الآن المؤتمر في مرحلة انتقالية ، ولابد ان تتنزل عليه قدر هائل من التربية حتى ينضبط كل واحد ، أما ان يكون غوغاء هكذا فانه غداً يمكن ان تنقلب الحال عليه )) .
10/ ويعترف الترابي صراحة بان :
(( خطة الدولة الاسلامية اخفقت وفشلت الدولة في المجال الثقافي .. الخ )) .. ويتساءل في حيرة من أمره في آخر ندوة جامعة القرآن الكريم :
(( والآن لا أدري ماذا حدث للسودان كله ، وليس للدولة وحدها ؟ ماذا حدث للحركة الاسلامية ؟ ويجيب – لا أدري ؟
ورغم ذلك وهو يرثي حركته ويشيعها .. ظلت عينه متجهة نحو السلطة عندما يقول :
(( أما الخطـر الأهـم فهو الانشقاق أو الزلزلة ، ولا أعني فقط الانشقاق ، وقد يكون انشقاقاً باطنياً ، ولا ننسى أن أمامنا انتخابات مقبلة ، وتعلمون انه لن يفوز رئيس منّا ولا والي ، إلا إذا بلغ 50% زائداً صوتاً ، أكثر الاصوات ، بل أن يغلب كل الآخرين ، فان لم يغلب في المرة الاولى كانت دورة ثانية ، وتعلمون ما يحدث عادة في الدورات الثانية من تشققات وتحالفات ، وتعلمون كل الدول التي من حولنا تعلمون من تؤيد ، وتعلمون من يريد ان يحافظ على مركزه ووضعه )) ؟ ! يقصد الصادق المهدي طبعاً .. !

ويلاحظ القارئ للاعترافات أعلاه كان قد سبق ان حذر منها الرفيق القائد صدام حسين في نقده للظاهرة السياسية الدينية وحواره معها خلال عقد التسعينات .

ونـواصـل >>>

Post: #5
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-20-2006, 03:46 PM
Parent: #4


خلفية برنامج الجبهة الإسلامية حول مسألة الثروة والسلطة ;

أولاً :
أشار ميثاق الجبهة الإسلامية القومية الصادر عام 1987م ( ميثاق السودان ) في البند ثانياً " الأصل والوطن " الى أن (( السودان وطن واحد ، يتحد شعبه بولاء وطني وقومي ، لكنه يتباين باصوله العرقية وكياناته العرقية والثقافية المحلية . ويختلط فيه عرق عربي وعرق افريقي تتمازج ثقافة عربية واخرى افريقيـة وفيـه داخـلات من عروق وثقافات اخرى ، وتحترم الاصول والوشائج العريقة والقبلية ، وترعى اعراف التعامل والتعاون الخاص في الاطار القبلي والمحلي )) (1).
[RED}وفي البند ثالثاً : الاقليم والوطن – الفقرة (أ) قسمة السلطة ينص الميثاق
(( يقوم نظام الحكم الذاتي الاقليمي الذي ساد في الجنوب بمقتضى اتفاقية الحكم الذاتي لأوائل السبعين " اتفاقية اديس أبابا " وبالنص الدستوري ، وفي الشمال منذ تطبيقه لأوائل الثمانين – الحكم الاقليمي – على تخويل السلطات الاقليمية حول المبادرة التشريعية والاستقلال التنفيذي في مجال شؤون معينة ، ولكن دون كف السلطات المركزية عن ذات المجال ، بل ان تشريعاتها ذات المدى المطلق تسود على تشريعات اقليمية ، أما النظام الاتحادي الفدرالي فانه يخول للاقاليم المتحدة شؤوناً أوسع من حيث المدى ويجعل لتدابيرها – وهذا هو الأهم – حصانة من تدخل السلطات المركزية بالمشاركة او النسخ الا في شأن ينص على انه مشتركاً )) (2).
ب: قسمة الثروة (3) : (( نظراً لواقع التفاوت البعيد في مستوى الاقاليم الاقتصادي ومن اجل تكامل النهضة الاقتصادية في البلاد بحيث لا ينبغي لاقليم ان يستأثر بالثروات الطبيعية فيه ، أو ان يحرم الحكم القومي من مستلزمات القيام بالشأن الوطني العام ، أو ان يترك اقليم متخلفاً جداً عن سائر القطر ، بحيث لا ينهض اقليم الا انبسطت اثار نهضته على الوطن عامة ، دعماً لايرادات الدولة القومية وجذباً للهجرة وتكثيفاً للتبادل عبر الساحة والسوق الوطني )) .
لتحقيق ذلك اشترط ميثاق الجبهة الآتي :

1. تتخذ الدولة خطة شاملة للتنمية " الاقتصادية تدفع التقدم عامة وتستدرك التوازن التنموي الاقليمي من خلال توجيه المشروعات الاقتصادية وتشجيعها وتوزيعها نحو القطاعات والمناطق المتخلفة .
2. تراعي الدولة تحويلات الموارد القومية لدعم الاقاليم ، حسب عدد السكان النسبي وقابلية التوظيف وتراعي أيضاً ايثار الاقاليم الأكثر تخلفاً حتى تلحق بركب النمو .
3. يراعى في تكوين الاجهزة الاقتصادية والتخطيطية تمثيل الاقاليم أو التوازن الاقليمي .
4. يشجع افراد القطاع الخاص ومؤسساته لتكثيف المبادرات الاقتصادية في المناطق الأكثر تخلفاً ، ويراعى ذلك في نظم التسهيلات الادارية والتمويلية والضرائبية .
5. تجتهد الدولة لوصل اقاليم البلاد جميعاً بالطرق ووسائل النقل والاتصال لتنشيط الحركة الاقتصادية في الساحة الوطنية بطلاقة واستواء .
6. يحفظ لكل منطقة تكون موقعاً لمشروع قومي حظ مناسب من الفرص والعائدات التي يتيحها المشروع دون اضرار بالحظ العادل للدولة عامة في الفرص والثروات القومية (4) .
ثانياً :
بعد وصول الجبهة الاسلامية للسلطة بعد انقلاب 30/6/1989م ضمنت تصورها للحكم الفدرالي في الدستور الصادر عام 1998م – حيث جاء في الباب الأول
" الدولة والمبادئ الموجهة " –
المادة (2) : (( السودان جمهورية اتحادية تحكم في سلطاتها الأعلى على اساس النظام الاتحادي – كما رسمه الدستور مركزاً قومياً واطراً ولائية وتدار قاعدتها بالحكم المحلي وفق القانون ، وذلك تأميناً للمشاركة الشعبية والشورى والتعبئة ، وتوفير العدالة في اقتسام السلطة والثروة )) .
وجاء في المادة ( " الاقتصاد القومي " : (( تدفع الدولة نمو الاقتصاد القومي ، وتهديه بالتخطيط على اساس العمل والانتاج والسوق الحر ، منعاً للاحتكار والربا والغش وسعياً للاكتفاء الوطني ، تحقيقاً للفيض والبركة ، وسعياً نحو العدل بين الولايات والاقاليم )) (1).
وفي الباب السادس " النظام الاتحادي " يقسم الدستور السودان الى (26) ولاية ويعين حدود كل ولاية – ويقسم الفصل الثاني السلطات بين الاجهزة الاتحادية والولايات ويحدد السلطات الاتحادية في :
أ‌- الدفاع والقوات المسلحة والشرطة والأمن والقوات الشعبية النظامية .
ب‌- الحدود الدولية والفصل في النزاعات الحدودية بين الولايات .. الخ .
وتنص الفقرة (م) : (( الاراضي والموارد الطبيعية الاتحادية والثروة المعدنية وثروات باطن الارض )) .. جعلها الدستور من صلاحيات السلطة الاتحادية .
وفي الفصل الثالث " اقتسام الموارد المالية " – يحدد الموارد الاتحادية – ويعددها حيث تنص الفقرة (ج) : (( أرباح المشروعات القومية ، على ان يخصص منها للولايات التي تقع فيها نسبة يحددها القانون )) (2).
وجاء في الباب الثالث من الدستور " القيادة والتنفيذ " – الفصل الثالث – حول السلطة التنفيذية الولائية (3) ، حول كيفية اختيار الوالي (( يقدم مجلس الولاية مجموعة مرشحين لا يقل عددهم عن (6) ، يختار رئيس الجمهورية ثلاثة منهم ويعرضهم على هيئة الانتخابات - التي يعينها هو – للقرار في اهليتهم للمنصب ، ويكونون هم المرشحين الذين يقدمون للانتخابات العامة في الولاية )) (4) .
وللوالي صلاحيات رئيس الجمهورية في ولايته – وهو مسؤول بمفرده امام رئيس الجمهوريــــــة .
ثالثاً :
بعد وصولها للسلطة غيرت الجبهة الاسلامية القومية اسمها الى " المؤتمر الوطني " واعادت صياغة ميثاقها الصادر عام 1987م " ميثاق السودان " وغيرت اسمه ليكون " ميثاق أهل السودان " كميثاق للتنظيم الجديد " المؤتمر الوطني " – يكرس هذا الميثاق النظام القبلي كأحد مقومات الحكم الفدرالي حيث ينص على (( ان القبيلة تشكل توطيداً للاسر والعشائر في كيان جامع يضمن قاعدة الحماية والتكافل لاعضائه ، وتشكل براوبط القربى والتماسك فيها ، قاعدة اساسية لتعزيز السلام الاجتماعي ، واداة لترسيخ روح الجماعية وتعزيز اعتمادها على ذاتها . ويسعى المجتمع لاعمال ميزات القبيلة وقدرتها في غرس قيم الدين والعلم وقدرات الابداع الاصيلة والتقانة المتطورة وسيلة لتجديد حياتها ، وصنع التقدم لذاتها ، وللناس من حولها في اطار التفتح والتعاون والالفة والتضامن مع بقية القبائل والبني الاجتماعية المحدثة " أي القطاع الحديث " )) (5) .

نـواصـل >>>

Post: #6
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-21-2006, 06:09 AM
Parent: #5


من يقف وراء الكتاب الأسود :

تحت عنوان :
إختلال ميزان السلطة والثروة في السودان " الكتاب الأسود "
وفي خضم أزمة نظام الجبهة الاسلامية وانشقاقه في ديسمبر 1999م صدر الجزء الاول من كتيب مزيل باسم " طلاب حق وعدل "
والكتاب يحمل نفس عنوان كتاب المستشرق البريطاني " تيم نبلوك " صراع والثروة في السودان السلطة الذي صدر بعد انتفاضة مارس – ابريل 1985م .
ولكن هذا الكتيب يحمل مضمون وخطاب مختلف رغم انه يستعين بالعديد من الجداول والاحصاءات حول الواقع الاجتماعي والسياسي في السودان التي وردت في كتاب نبلوك (1).
ولولا الخطاب الاسلامي والسياسي الواضح ( خطاب الجبهة الاسلامية ) في الكتاب لأعتقد القارئ انه صادر من احدى الجمعيات أو الاتحادات ذات الطابع الاقليمي أو الجهوي في الســـــــــــــــودان .
وقد تناولت الصحافة السودانية وكذلك بعض الصحف العربية مضمون الكتاب بالنقد والتحليل من وجهات نظر مختلفة .
ورغم عدم تبني الجناح المنشق عن الحزب الحاكم الذي يتزعمه الترابي بشكل صريح لهذا الكتاب الا انه لم ينف علاقته به ..
وتكاد تجمع آراء من تناول الكتاب انه صدر عن الجناح الموالي للترابي للأسباب التالية :
أولاً :
انه يتناول أزمة انقسام حزب السلطة " المؤتمر الوطني " بشكل مباشر وبلغة وخطاب سياسي ديني وتتجلى في بعض فصوله لغة الترابي بشكل واضح بل ان مضمون الكتاب يدافع بشكل صريح عن جناح الترابي في ما يسمى بالمؤتمر الوطني ، ويكشف عن صراع قبلي وجهوي واضح بين الطرفين حول السلطة والثروة ، كشفت عنه الوثائق والمنشورات التي صدرت في سياق الأزمة من قبل الطرفين .
ثانياً :
في الرسالة التي وجهها أمناء الولايات " 26 ولاية " في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الى الترابي والبشير كمحاولة للتوسط بينهما لحل الأزمة والتي نشرت في ابريل جاء فيها ما يلي :
(( ان ما شجر بينكما من خلاف ليس من أنواع الخلافات المحمودة التي تقوي الجماعة بطرح الخيارات والبدائل ولكن شجار مذموم لم يراع أدب الخلافات كما لم يقف عند الثوابت ، بل تجاوز ذلك ليصيب صميم المشروع الحضاري بالفناء وقد ترك ذلك أثار سالبة تجمل في الآتي (2) :
* في مجال البناء التنظيمي :
جاء في الفقرة (3) القول (( ان وصف الدولة من قبل الترابي بالفساد ووصف مؤسسات المؤتمر انها جاءت عن طريق التزوير اثار بلبلة في القواعد ، وجعلها في حيرة من امرها ، فقد كان خلال العشرة سنوات الماضية صورة القائمين على الامر طهارة في اليد وعفّة في اللسان فشوهت هذه الصورة ))..
وجاء في الفقرة (4) من المذكرة القول :
(( ان ظهور النعرة الجهوية والقبلية والحديث عنها من طرفي النزاع يوشك ان يفتح باب الفتنة يأكل الاخضر واليابس ويذهب معه السودان كله " دعوها فانها منتنة ")).
وجاء في المذكرة حول الحكم الاتحادي المطالب التالية (3):
1. التأكيد على الحكم الاتحادي باعتباره احد ثوابت الدستور .
2. ان لا يحول واقع البلاد وتعددها القبلي وتدني مستوى التعليم في بعض اطراف البلاد ، لا يحول ذلك دون المضي قدماً في بسط سلطات الولايات باعتبار الطريق الأمثل والأقرب لبلوغ التمام .
3. ايجاد دور جديد لديوان الحكم الاتحادي يرتكز على تطوير الحكم الاتحادي بالبحث والاستقصاء للتجربة دون انتقاص من سلطات الولايات .
4. النظر في قسمة الثروة بصورة مرضية وعادلة .
5. تقوية الولايات بالكوادر لتثبيت الحكم الاتحادي .
ثالثاً :
في الندوة التي اقامها الترابي في جامعة القرآن الكريم بامدرمان في فبراير 2000م اعترافات واضحة لما ورد في الكتاب الاسود ..
فبعد ان استعرض الازمات السابقة لتنظيمه تحدث عن الازمة الراهنة قائلاً : (( اما الازمة الحالية فهي اعظم الازمات التي مرت على الحركة الاسلامية خاصة ان شهوة السلطة قد دخلت فيها ، فالذي خارج السلطة الآن ، أما يأكله الحسد والغيرة ويريد ان يقضي الأخ على اخيه ، والذي في السلطة يأخذه الطاغوت الفرعوني ويريد ان يطمس أخاه ، والضرر الذي يصيب الحركة من هذه الازمة ان تكون كالفتنة الكبرى ، فإذا سقط بناء دولة اسلامية غلب المسلمون في العالم الذين اصبحوا يعلقون كل آمالهم في قيام دولة اسلامية خاصة ، عندما يقارنون مع ما يحدث في الجزائر سيكون الضرر عليهم بليغاً )) (1).
رابعاً :
أشارت صحيفة " الهدف " الناطقة بلسان حزبنا - حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان – تحت عنوان :
أين ذهبت منحة الامم المتحدة لتنمية جنوب كردفان .
اشارت الى انعقاد ندوة مغلقة بالقصر الجمهوري ، حضرها حوالي مائة شخص من المتعاطفين مع جماعة القصر ، وقد عقدت الندوة بتاريخ 24/4/2000م تحت شعار " نحو رؤية موحدة لتحقيق السلام بولاية جنوب كردفان " تبادل المجتمعون مع اللوم جملة من الاتهامات الضمنية بالفساد ، وتمت بالفعل تسمية مندور المهدي الذي لم يكن حاضراً الاجتماع ، كمسؤول عن التجاوزات المتعلقة بالمنحة المقدمة لتنمية الولاية من الامم المتحدة ، وجاء ذلك تحديداً في حديث ابراهيم نايل ايدام ، ويوسف عبدالمنان الصحفي بجريدة ألوان " الصحفي الوحيد بالاجتماع " ، وتم الكشف ايضاً عن طريقة أخرى للنهب من خلال اعتماد موازنات مبالغ فيها لبعض الولايات دون مسوغ مشروع فولاية " أوراب " التي تكاد تكون خالية من السكان رصد لها مبلغ (4000 مليون جنيه ) مساوٍ لما خصص لولاية نهر النيل التي يبلغ عدد سكانها (3) مليون نسمة - حسب قول احد محرري الكتاب الاسود الذي حضر الاجتماع – حيث خصص لولاية نهر النيــل (350مليون جنيه ) وتعلـق نشــرة الحـــزب بالقــــــول :
(( المجتمعون لم يطلبوا مراجعة كيفية صرف تلك المبالغ فعلياً ، بقدر اهتمامهم بتغليب منطقهم الجهوي من اجل مساواتهم مع نظرائهم في موازنات الفساد التي تتم باسم المواطن المغلوب على امره )) (2).
خامساً :
في مقابلة أجرتها معه جريدة الشرق الاوسط (العدد 7939) بتاريخ 23/8/2000م سئل الترابي عن الجهة التي أصدرت الكتاب الاسود ..
فجاءت اجابته اعترافاً صريحاً بان جماعة من الجناح الموالي له تقف وراء الكتاب – رغم نفي علاقته الشخصية به – حيث قال :
(( أولاً : لا أعلم من كتب هذا الكتاب " الكتاب الاسود " وأظن انها جهة ما في الساحة الاسلامية كتبته ، وتبين لي ذلك من لغة الكتاب نفسه ، ثانياً : سئلت عنه من قبل ، فقلت كان ينبغي لهم ان يظهروا في العلن ، هؤلاء الذين كتبوا هذا الكتاب ، ثالثاً : لربما أخطأوا في نسبة بعض الاسماء الى جهة في السودان ، ولكنهم كشفوا بالطبع ان هذا النظام ونظم ماضية منذ الاستقلال كانت دائماً إذا كان المجلس التشريعي يرتبط بالضرورة بالدوائر الانتخابية ، لكن مجلس الوزراء الذي ينبغي ان يكون ممثلاً لكل جهات البلد ، يصوبون دائماً في اختيار اعضائه على النيل ، لأنه هو الذي تلقى التعليم في الاول وهو الذي قاد حركة التحرر من الاستعمار ، فعلى كل هذا أول شوط ، لكن قلت بعد ذلك كان ينبغي لهم ان يصّوبوا هذا الشعور ، والا سيخلق في نفوسنا شعوراً بالغبن )) .
وكان الترابي في المؤتمر الصحفي الذي دعا له عدداً من رؤساء تحرير الصحف والمراسلين وقادة العمل الصحفي في الخرطوم بتاريخ 22/4/2000م (1) :
حيث سئل الترابي حول ما أثير بشأن ( الكتاب الأسود ) والاتهامات التي قيلت ضده أجاب مدافعاً عن هذا الكتاب وكاشفاً عن الهوية السياسية لمؤلفيه بقوله :
(( إن وراء هذا الكتاب اسلاميون وانه بما فيه من احصائيات وحقائق نبه الحكام الى مخاطر يجب تجنبها )) .
وأضاف قائلاً انه:
(( سيتعرف على هؤلاء الكتّاب الذين لم يفصحوا عن انفسهم وسينصحهم بان يكتبوا اسماءهم فهذا أفضل وان يتحملوا مسؤوليته )) .
ونفى أن يكون هو وراء هذا الكتاب ، ولكنه عبر عن رضاه عنه وقال : (( إن الاحصائيات والمعلومات التي جاءت فيه مفيدة )) .
وأكد الترابي بأنه (( اصلاً لا يجب ان يتحدث عن هذه القبلية التي يتحدث عنها الناس الآخرون ودائماً أتحدث عن أن الثروة والسلطات يجب ان توزع شمالاً وجنوباً ، شرقاً وغرباً وهكذا )) .
إذن الترابي لم يعترض على جوهـر ما ورد في هـذا الكتاب الذي أصدرته مجموعة موالية له – رغم اعترافه ببعض الاخطاء المعلوماتية فيه – بل طالب بأن يعلنــوا عن هويتهم السياسيـــــــــــة .
من هنا يتضح وبما لا يقبل الشك ان ما يسمى بالكتاب الاسود قد صدر عن احد اجنحة حزب الجبهة الاسلامية الحاكم وبالتحديد – جناح الترابي – لذلك تكتسب دراسة ونقد مضمون هذا الكتاب أهمية خاصة للأسباب الآتية :
1. إن أزمة الاسلام السياسي الحاكم في السودان تعبر عن انتكاس وردة للمنطلق الاسلامي الأممي المتجاوز للرابطة الوطنية والقومية الى المنطلق القبلي الضيق والمتعصب الذي تصفه أدبيات الاسلام بالجاهلية .
2. انه تعبير عن سقوط نموذج الاسلام السياسي والدولة الدينية التي أقامها الترابي بعد انقلاب 30/6/1989م على انقاض النظام الديمقراطي التعددي الذي ارتضاه الشعب السوداني بعد انمتفاضة مارس – ابريل 1985م .
3. انه يزور حقائق الصراع السياسي والاجتماعي في السودان .. ويتناول ازمة التطور الوطني بوعي مزور ويسقط ازمة الاسلام السياسي وفشله على كل تاريخ الصراع السياسي في السودان في محاولة بائسة لخلط الاوراق وتشويه الوعي .
4. يكشف عن قصور فاضح في فهم علاقة البعد الثقافي في الهوية الوطنية بالبعد السياسي ونظام الحكم ويعكس فشل تصور الجبهة الاسلامية لحل مسألة الهوية ونظام الحكم ، وعن تصورها للحكم الفدرالي الذي يلتقي بالنتيجة – ان لم يكن بالنوايا – مع تصور الحركة الشعبية – جون قرنق – لما يسمى بالسودان الجديد القائم على تفكيك الهوية السودانية الى مجموعات أثنية وقبلية تتقاسم السلطة والثروة بينها .
يؤكد خطورة الفراغ السياسي والعقائدي الذي يعيشه السودان في الظرف الراهن وأهمية دور حزبنا – حزب البعث العربي الاشتراكي – وبرنامجه الذي استوعب حقائق الصراع السياسي والاجتماعي في البـلاد .. وجـذور أزمـة التطور الوطني في السودان منذ الاستقلال ، وبما فيها أزمة الحكم واختلال التوازن في التنمية بين القطاع الحديث والقطاع التقليدي .. وأهمية طرح المنهج الثوري الاشتراكي والحل الجذري لهذه الازمة المستفحلة ، والتي بلغت مرحلة تهديد الهوية الوطنية ذاتها ناهيك عن وحدة البلاد .

نـواصـل >>>

Post: #7
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-21-2006, 06:26 AM
Parent: #6


مضمون الكتاب الأسود :
(اختلال ميزان السلطة والثروة في السودان )

يتكون الكتاب الأسود من ستة فصول ..
يتناول الفصل الأول التعريف بالسودان وموارده ..
والفصل الثاني يعرّف الدولة وسلطاتها ..
أما الفصل الثالث يقدم صورة عن اختلال ميزان تقسيم السلطة – من وجهة نظر كتابه طبعاً.. وفي الفصل الرابع يقدم صور من اختلال ميزان تقسيم الثروة..
أما الفصل الخامس فوضع تحت عنوان الرؤى المستقبلية ..
ويشمل الفصل السادس والأخير ما يسميه نتف من حصاد الهشيم .
ولأن الكتاب مكرس أصلاً للحديث عن أزمة حكم الجبهة الاسلامية الحالي فيبدأ
فصله الأول: بالحديث عن التقسيم الاداري وفقاً للمرسوم الدستوري رقم (12) لسنة 1994م الذي قسم البلاد الى (26) ولاية – حسب منظور الجبهة الاسلامية للحكم الفدرالي – ويعلق محرري الكتاب الأسود بالقــول :
(( السمة الغالبة على هذا التقسيم هو التفاوت الشديد في حظوظ التنمية ، فإذا استثنينا الجنوب فاننا نجد ان التنمية انحصرت في الشمال والخرطوم وجزء من الوسط وجزء من ساحل البحر الاحمر ( للضرورة ) ..
فالاقليم الغربي باجمعه ليس به مشروع واحد يمكن ان يسند محافظة لمدة اسبوع ، حتى مصفاة الابيض تبيع ناتجها في موقعها بسعر السودان كله )) ..
ويمضي في الحديث عن الاحتكارات النفطية الحكومية وعدم استفادة المواطن في عرب السودان من عائداتها ..
أما الفصل الثاني : فيتحدث عن المفهوم الاصطلاحي والفقهي للدولة مستشهد بتعريفات الكاتب الاسلامي الاصولي جمال البنا الذي حدد مفهوم الحكم الاسلامي في الشروط التالية :
1. ان يكون الهدف اعمار الارض ( وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة ) .
2. ان يكون المناخ هو الحرية ( لا اكراه في الدين ) .
3. ان يكون محور الحكم هو العدل ( ولا يجرمنكم شنآن قوم ان لا تعدلوا .. ) .
4. ان تكون وسيلة اتخاذ القرار هي الشورى ( وشاورهم في الأمر .. ) .
5. ان يكون الحكم رسالة ، وان يكون الحكم بما انزل الله وان يكون اداة للتعبد .. الخ .
وفي الفصل الثالث : يتحدث عن صور من اختلال ميزان تقسيم السلطة من خلال التعينات الدستورية .. وهنا يحاول محرري الكتاب ابراز خلفية هذا الاختلال في نظم الحكم التي تعاقبت على السودان منذ الاستقلال وحتى حكم الجبهة الاسلامية الحالي .. وان الارادة الشعبية وصوتها تمحورا في قطبين طائفتين تسلماها على اطباق من ذهب ..
ويقول الكتاب :
(( فبذرة الاستغلال تلك افرزت واقعاً ثابتاً لا يتزحزح هو هيمنة الاقليم الشمالي على الجهاز التنفيذي ، وتوظيف هذه الهيمنة لاستدامتها .. الخ )) .
ويورد محرري الكتاب مجموعة جداول احصائية تخلص الى نتيجة واحدة هي تحكم الاقليم الشمالي في مصادر السلطة والثروة ويقول :
(( لم يحكم السودان رئيس من خارج الاقليم الشمالي قط منذ فجر الاستقلال حتى اليوم وهناك عدة انقلابات فشلت لانها تقاوم إذا علم ان قائدها ليس من الاقليم الشمالي )) !! .
ويستعرض الفصل الرابع : صور من اختلال ميزان توزيع الثروة خاصة في عهد نظام الجبهة وحكمها الفدرالي المتضخم ومفارقات موازنات الولايات وكيفية صرفها .
أما الفصل الخامس : حول الرؤية المستقبلية – لا يجد القارئ فيه رؤية ثورية مستقبلية لحل الأزمة خارج تصورات الجبهة الاسلامية وقوى اليمين الرجعي بل يعيد طرح برنامج الجبهة الاسلامية ذاته كحل مستقبلي أي ما يسميه النظرة التأصيلية للحكم الاسلامي ..
ويضع الكتاب لهذا الحكم خمسة معايير :
1- اعمار الأرض .
2- الحرية .
3- اشاعة العدل .
- الشورى .
5- ان يكون الحكم رسالياً.

نـواصـل >>

Post: #8
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-21-2006, 06:58 AM
Parent: #7


رؤيــة نقديــة وإستنتاجات
حول أزمة الجبهة الاسلامية...

إن اخطر مظاهر الانهيار العقائدي لمحرري هذا الكتاب هو انهيار منظومة المطلقات القيمية التي كان يتغلف بها التيار الاسلامي السياسي في السودان زمناً طويلاً .
فالخطاب السياسي لهذا الكتاب ( الاسود ) يخضع الحقائق الى قيم نسبية لا تقف عند حدود الثوابت الوطنية ، وانما تنحدر الى مستوى جاهلي غارق في التخلف والبدائية ومفارق الى حد التناقض مع قيم الاسلام المطلقة برغم تمسح محرريه مسوح الوعاظ ولباسهم ثياب العرافين ليقدموا لنا شروط الفهم الصحيح لحل مشكلات البلاد بعد عشر سنوات من تجربة الاسلام السياسي الفاشلة في الحكم .
ورغم الجنوح الواضح نحو اللاموضوعية والتطرف والافتئات على الحقيقة وخط الاوراق ..
عن قصد أو غير قصد ، يقدم محرري هذا الكتاب الاسود انفسهم كطلاب " حق وعدل " متناسين ان قيم الحق والعدل هي قيم مطلقة وهي تقع خارج كل تصنيف فهي فوق الملل والنحل والاجناس والعشائر والقبائل ، وفوق الاعراف والمذاهب .
لذلك قال القائد المؤسس ميشيل عفلق :
(( الحق فوق العروبة الى أن يتحقق اتحاد العروبة بالحق )) مؤكداً الطابع الانساني الرفيع للعروبة الحديثة ورسالتها الانسانية الخالدة .
وهذا هو المعنى الذي عناه الرسول (ص) عندما عدّل مضمون الشعار الجاهلي " أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " حينما سئل (ص) : (( كيف ننصره ظالماً يا رسول الله ؟ قال ان ترده عن الظلم )) ، أي ان ترده الى طريق الحق .
لذلك فان الفرق بين دعاة الحق والباطل هائل .
لقد حاول محرري هذا الكتاب ان يعتقلوا قوة عقل القارئ الاصيلة لكي لا يدرك مهازل حكم الجبهة الاسلامية في السودان ، فيجب ان نلغي عقولنا لنصدق ان كل ما يروى لنا في هذا الكتاب ليس من مسؤولية الترابي وجبهته الاسلامية .
إن الذكاء كما يقال هو ان تعرف وجه الشبه في الاشياء التي تختلف ووجه الخلاف في الاشياء التي تتشابه ، لذلك فان أي قارئ سليم العقل لا يمكن ان تنطلي عليه المغالطات والاكاذيب التي وردت فيه حتى لو " وافق شن طبقة " ..
فالمنطق الدعائي القائم على تكتيك " خلط الاوراق " واثارة " عاطفة الكراهية " أي ما يسمى في ادبيات الدعاية الغربية " شيطنة الخصم " هو المنهج المعتمد في خطابهم الغوغائي .
فمحرري هذا السفر " الأسود " يحاولون اخراج اهلنا الكادحين الذين اكتوا بنيران حكمهم الاسود على مدى عقد كامل من الزمن ، اخراجهم بالغضب عن الحق وادخالهم بالرضى في الباطل .
ولكن عندما تغيب النزاهة لا تعوضها كل حزلقات اللسان ! .
إن هذه المجموعة التي اعترف الترابي بتبعيتها له ، بل دافع عن صنيعها ، تستخدم اسلوب " رمتني بدائها وانسلت " أو " داوني بالتي كانت هي الداء " عندما تنهى عن خلق وتأتي بمثله ، فيصبح الحق في عرفها نسبي جاهلي زميم لتقول لنا نعم فلان سارق لكنه يحب عشيرته او يؤيد شيخه الترابي .
فكيف يصدق عاقل مزاعم هذا الكتاب الذي يساوي بالمنطق الجهوي بين فساد علي الحاج وادريس السنوسي ، من قيادات الجبهة الاسلامية مع ضحيتهم ادريس يحيى بولاد ، ويساوي هؤلاء جميعهم مع دريج وحتى منصور خالد مع أمين بناني الذي انحاز مع البشير وعلي عثمان " لأن الصلاة مع علي أثوب واللقمة مع معاوية أدسم " ، يضع هؤلاء جميعهم في جبهة مقابل فساد عمر البشير وعلي عثمان وصلاح ادريس وجار النبي واللواء الحسيني ..
ومادام المنطق جهوي ومعيار الحق هو هذا المعيار يضاف اليهم الميرغني والصادق المهدي ونميري وحتى ربما احد ضحاياهم من الشمال !! .
فالكتاب الاسود يعترف صراحة بفساد علي الحاج والحسيني في فضيحة طريق الانقاذ الغربي لكنه لا يتورع عن الدفاع عن فساد جهوي ضد فساد جهوي آخر ..
هكذا انحدر الاسلام السياسي في منطق النسبية حتى في الفساد ؟!
والمواطن المسكين بدلاً من أن يدين المفسدين جميعهم يطالب بالانحياز لفساد ضد فساد آخر ؟! .
ودون الخوض في مجاراة المنطق الرقيع والانحطاطي لجناح الترابي المنشق بل والمطرود من سلطة الجبهة الاسلامية والذي يحاول ابتزاز جماهير شعبنا الكادحة في القطاع التقليدي والتلاعب بقضية الصراع السياسي والاجتماعي في السودان بمنهج مغلوط ومنهج تفتيتي مثير للفتن ومهدد للوحدة الوطنية ، والشئ الذي يلتقي بالنتيجة ان لم يكن بالنوايا مع المخطط الاستعماري الصهيوني الغربي الذي يستهدف وحدة البلاد الوطنية وهويتها الحضارية العربية الاسلامية الواحدة .
والشئ الذي يجري تنفيذه في القارة الافريقية كلها خاصة في منطقة البحيرات والقرن الافريقي وهو ذات المنهج الذي يستمر فيه الجناح الحاكم والذي يقوده الثقل الاساس لتنظيم الجبهة الاسلامية رغم طرده لشيخه من السلطة بضغوط امريكية واقليمية بهدف تجميل النظام وتأهيله للاندماج فيما يسمى بالنظام الدولي الجديد وتوسيع قاعدته عن طريق صفقة المصالحة المطروحـة ليضـم قـوى لا تختلف عنه من حيث البرنامج ، وهي القوى التقليدية ذاتها الممثلة في زعامتي الصادق والميرغني .
والشئ الذي يهمنا في هذا الصدد ليس تحليل ابعاد الازمة الشاملة التي يمثل النظام بجناحيه جزءاً لا يتجزأ منها وانما مغزى انهيار تجربة الاسلام السياسي العقائدي في السودان ..
والاجابة على السؤال هل تمثل ازمة انقسام هذا التنظيم وخروج مؤسسيه ومنظريه من السلطة عملية تجديد وتجاوز لهذه الازمة ام هي عملية سقوط نهائي لتجربة الدولة الدينية والظاهرة السياسية الدينية في السودان ؟ .
للاجابة على هذا السؤال نذكر الحقائق التالية :

* إن التكوين الاساسي لتنظيم الجبهة الاسلامية منذ تأسيسه قد تركز في القطاع الحديث ، واقتصر على قطاع الطلاب الى عهد قريب ، وعندما توسع خارج هذا القطاع ، تركز في نطاق النشاط البرجوازي الطفيلي مع ظهور الدعم السعودي الخليجي ممثلاً في البنوك الاسلامية .
إذن هو تنظيم راسمالي طفيلي أخذ الطابع الحديث بحكم تكوينه التاريخي .
لذلك فهو ضعيف تنظيمياً في مناطق القطاع التقليدي ، وحتى العناصر التي انحازت للترابي وادعت الانتماء للغرب او الشرق ليس لها علاقة حقيقية بهذه المناطق وانما هم من مواليد العاصمة او من سكان المدن الكبيرة في القطاع الحديث .( يس عمر الامام ، علي الحاج .. الخ ) ..
والتفسير الوحيد للطابع الجهوي والقبلي الهستيري الذي ظهر في الكتاب الاسود ، هو محاولة الترابي ومجموعته الاحتماء بقبائل الغرب بالتباكي عليها ، خوفاً من ضربة كانت محتملة من جناح علي عثمان والبشير وهو ايضاً جناح طفيلي ينتمي للقطاع الحديث ، لذلك فــان الجبهـــة الاسلامــــية بجناحيها هي آخر من يحق له الحديث عن التنمية وتوزيع الثــــــروة .
* إن الاقليم الشمالي يعد من المناطق التقليدية الفقيرة وهو منطقة طاردة وما فيه من اراضي تهيمن عليه طبقة الاقطاع الطائفي ، وهو تاريخياً طريق عبور الهجرات العربية من مصر بما فيها القبائل التي استقرت في مختلف اقاليم السودان الاخرى ..
حاول الكتاب تصويره وكأنه قطاع حديث يحفل بالمصانع والجامعات والمشاريع ، بل ويوهم القارئ وكأن هناك تنمية انجزها نظام الجبهة الاسلامية في هذا الاقليم ، ويظهر الطابع الجهوي بل والعنصري البغيض في الكتاب الاسود عندما يحاول ان يظهر بمظهر الدقة والعلمية حين يحسب جميع الساكنين في القطاع الحديث تقريباً وينسبهم الى هذا الاقليم بما فيهم الحكام والوزراء ..
بسبب انحدار جذور بعض رموز تنظيمهم المنشق من الطفيليين الى هذا الاقليم ( علي عثمان ، البشير .. الخ ) رغم ان بعضهم ولدوا وعاشو منذ مئات السنين في اقاليم اخرى في القطاع الحديث .
ولأن المنطق القبلي والعنصري هو الذي اعتمد عليه الكتاب فانه يخلط بين الجماهير الكادحة في هذا الاقليم وبعض الطفيليين والبرجوازيين منه او حتى المنتمين له .. والغريب في منطق الكتاب انه يحاول قسراً صب لعناته للجغرافيا ومن ورائها التاريخ الذي يعني حضارات كوشي ونبته ومروي والممالك المسيحية والعربية الاسلامية التي شهدتها هذه المناطق بحكم عوامل الجغرافيا الطبيعية ، ليجرد ابناء الاقاليم الاخرى من انتسابهم بل اعتزازهم بكل ما هو مضئ في تاريخهم الوطني الذي لم يكن تاريخ قبيلة بعينها وانما هو مزيج فريد من هجرات وجماعات متنوعة المشارب ومتمازجة الاعراف والثقافات .
بما فيها ممالك سنار والفور والبجا وتقلي والمسبعات واربجي وغيرها .
إن هذا المنطق القبلي والجهوي يحاول تجريد الوطن من نسيجه التاريخي والثقافي والديني المتفاعل لذلك فان التدقيق في هذه الجداول يكشف حجم التزوير والتلفيق والمنطق العنصري الاستئصالي المريب ..
ويبدو الجهل واضحاً في محرري الكتاب وكأنهم لم يسمعوا بكتاب طبقات ود ضيف الله ، أو كتاب تشحيذ الازهان بسيرة بلاد العرب والسودان ، أو تاريخ مدينة امدرمان أو الخرطوم ؟ أو كيف تكون ما يسمى بالقطاع الحديث ؟
هكذا سقط جناح الترابي في هذا الدرك السحيق ، وتناقض مع ابسط مبادئ الاسلام .
* إن النزوع نحو تركيز السلطة او الدور القيادي في جهة معينة او قبيلة معينة لم يكن بدعة حتى في تاريخ الاسلام ، رغم رفضه للنزعة القبلية او العنصرية او العصبية الجاهلية فالكثير من الفقهاء والمجتهدين اشترطوا في الامام أو الخليفة بان يكون من قريش او من آل البيت ولكن بشروط الاسلام ..
ولما جنحت الخلافة في عهد الراشد عثمان بن عفان عن هذه الشروط ادى ذلك الى ثورة المسلمين عليه مما اودى بخلافته ..
فبدلاً من ان يكون محرري الكتاب الاسود مثل ابي ذر الغفاري الذي لم يقابل الباطل بالباطل وانما تمسك بجوهر الدين وكان يذكر بالقرآن الكريم ولم يلجأ الى عشائرية
لهذا فان مسألة السلطة وقيادتها لا يمكن تصورها في أي نظام ديني أو مدني بمنطق قبلي أو منطق توزيع الحصص ، وانما بمنطق العدل اذا كانت تقوم على عقيدة صحيحة ..
لذلك فإن مشكلة السلطة في السودان لا يمكن تصور حلها بهذا المنطق المتخلف ، وانما بمنطق البرنامج والسياسة التي يعتمدها الحاكم بصرف النظر عن الاقليم الذي ينحدر منه او العائلة او القرية التي ينتمي اليها ، لانه لا يمكن تصور حاكم مقطوع الجذور عن أي عائلة او قرية او اقليم ..
وإنما السؤال هو على أي مبادئ يحكم واي برنامج وسياسة ينتهج وأي مصالح طبقية يمثل ، فمثلاً عندما استلم القائد المجاهد صدام حسين كامل القيادة في مؤسسات الثورة في العراق .. بدأ الاعلام الصهيوني والغربي يردد عبارة " صدام حسين التكريتي " فرد عليهم بكامل مبادئه الوطنية والقومية ( أنا ابن البصرة والسليمانية وابن الانبار وميسان وابن بردة والنيل .. الخ )
لكل ذلك فان السلطة في السودان ليست موضوع مساومة واقتسام عل حصص قبلية جهوية ، وانما هي اما سلطة وقيادة وطنية او عميلة ورجعية كسلطة الترابي .
إن فشل وسقوط نموذج الجبهة الاسلامية في الحكم الى هذا الدرك الجاهلي هو سقوط لنظرية الدولة الدينية التي حاول الترابي تأسيسها ، وهي سلطة بشرية دنيوية اجتهادية حاول ان يغلف طبيعتها الدنيوية بالغلاف الديني ليتهم كل من يختلف معه في سياستها بالكفر والخروج على الاسلام ..
وعندما طردته هذه الدولة من مؤسساتها اتهمها بالردة والكفر وهي لم تغير حرفاً واحداً من دستورها وما تسميه ثوابتها ..
هكذا انتهت الدولة المزعومة بنهاية فيلسوفها حسن الترابي ليرتد بتنظيراته وبدجله الى هذا المآل السحيق الذي تقيأه الكتاب الاسود رغم محاولة محرريه التمشدق بعبارات الشورى والاستخلاف ، وحكم الاسلام .. الخ .
إن مسألة اعادة توزيع الثروة وتحقيق التوازن في التنمية والعدالة الاجتماعية وانقاذ اهلنا الكادحين في القطاع التقليدي لا يمكن تحقيقه بطريق التطور الرأسمالي واقتصاد السوق الذي عده الترابي من الثوابت في دستور دولته ( الدينية ) المنهارة .
وإنما يتحقق ذلك عن طريق الاشتراكية وتحرير المجتمع من هيمنة الطبقة الرأسمالية والطفيلية وشبه الاقطاع الطائفي والقبلي .
بما في ذلك المفسدين وسارقي قوت الشعب من جماعة الترابي في جناح السلطة او المطرودين منها ..
لهذا فان الصراع السياسي والاجتماعي ليس بين قبائل واقاليم وانما هو بين الجماهير الشعبية الكادحة في الريف والمدينة وطلائعها الثورية ضد هذه الطبقة الرجعية الكسيحة الجاسمة على صدر الشعب ..
هذه هي وجهة الصراع الحقيقية ، لذلك لن تنطلي على جماهير شعبنا الكادحة والمسحوقة أكاذيب الكتاب الاسود ومحاولاته تزوير هذا الصراع وحرفه عن وجهته الحقيقية .
والقضية الاساسية ليست مجرد توزيع غنائم وثروة هي غير متحققة وانما خلق التنمية والثروة من خلال التغيير الجذري والشامل على طريق التطور اللا رأسمالي .
فالكتاب الاسود يتحدث عن تنمية موهومة في اقاليم على حساب اخرى ويتحدث عن عائدات النفط متجاهلاً انه مملوك لشركات واحتكارات محلية واجنبية ...
ولكي لا يكشف محرري الكتاب عن هذه الحقيقة ركزوا على شركة ( كونكورد ) وجار النبي دون الحديث عن شركة تاليسيمان وغيرها من الشركات الاجنبية التي تنهب موارد البلاد تحت شعار الخصخصة وتحرير السوق والعولمة .. الخ .
إن نموذج النظام الفدرالي الذي طرحته الجبهة الاسلامية في ميثاقها عام 1987 وطبقته بعد انقلابها عام 1989 ساهم في تعزيز النزعة الجهوية والقبلية التي عبر عنها هذا الكتاب .
حيث افضى تطبيق الفدرالية الى خلق جيش جرار من الموظفين والنواب والوزراء وما يشكله ذلك من ارهاق للميزانية العامة من صرف ورواتب وعربات مع غياب أي تنمية ذاتية للولايات وفشل الحكومات الولائية في توفير أبسط الخدمات للمواطنين في ولاياتهم رغم تضخم الجهاز الاداري ( 26 ولاية ، عشرات المحافظات ومئات المحليات والمجالس .. الخ ) .
وهذا ما عكسته التظاهرات العنيفة في القطاع التقليدي في أواخر سبتمبر / ايلول 2000 الماضي ..
وهذا ما دعى بعض رموز النظام الى الدعوة الى العودة الى النظام الاقليمي السابق ( 9 أقاليم ، 26 محافظة ، و80 محلية ) .
إلا ان محرري الكتاب الاسود يتمسكون بهذا النظام الفدرالي الشائه دون تقديم معالجات جدية لمشكلة نظام الحكم وعلاقة المركز بالاقاليم رغم خطورة هذه القضية .
والسؤال الاخير الذي يطرح نفسه هل تجاوز الاسلام السياسي الحاكم أزمته ؟؟
الاجابة البسيطة التي يمكن استنتاجها من مراقبة تداعيات هذه الازمة هي ان استجابة الجناح الحاكم من الجبهة الاسلامية الذي يقوده البشير وعلي عثمان واستسلامه لشروط النظامين الدولي والاقليمي بقيادة امريكا ، وذلك بابعاد الترابي عن واجهة الحكم .. يبدو انها تسعى الى تأهيل النظام للانسجام الشكلي مع مقتضيات هذا النظام مع تكريس بقاء النظام في السلطة أي التمسك بقاعدة النظام وثوابته مع العمل على توسيعه فقط ليشمل قوى أخرى لا تختلف عنه في البرنامج والمصالح والارتباطات ( الصادق والميرغني ) لهذا فان القرارات التي اصدرها البشير بابعاد الترابي لا تعني ان تحولاً جوهرياً قد حدث في السودان .
كما ان الضجة التي اثارها جناح الترابي ومزايداته على الجناح الحاكم لا تدور حول مبادئ وانما هي مجرد صراع حول السلطة ..
لهذا فان أزمة الاسلام السياسي بجناحيه لازالت قائمة رغم انهيار هذا النموذج في الحكم بالمعايير التاريخية والسياسية لان جناح الترابي قد أثبت انه غير مبدئ ، ولم يقدم جديداً يختلف عن جناحه الحاكم في السلطة هذا اضافة الى تداخل الخنادق بين الجناحين بشكل مريب ومسرحي أشبه بمسرحية الانقلاب نفسه وما صحبه من أكاذيب مفضوحة ..
وتتجلى هذه الازدواجية في المواقف التالية :
1- جناح التنظيم الاسلامي السياسي الذي كونه الترابي بعد الانقسام باسم المؤتمر الوطني الشعبي قدم طلباً لمسجل الاحزاب وحصل على الموافقة بالعمل السياسي رغم وصف الترابي للنظام بالعمالة لامريكا واتهامه بالردة..
وعندما سئل الدكتور علي الحاج نائب الترابي في هذا التنظيم الجديد عن الفرق بين تنظيمهم والجناح الحاكم ، قال :
(( في الحقيقة ان حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب المؤتمر الوطني الشعبي ( جناح الترابي ) هما حزب واحد جزء منه شعبي والاخر حكومي .
فحزب البشير يعتمد على الحكومة ، وحزبنا يعتمد على القواعد الشعبية من حيث التمويل والمواقع ، والحكومات دائماً الى زوال ، هكذا تقول حقائق الاشياء ، ويكون البقاء للارادة الشعبية لانها تمثل ضمير ووجدان الامم والشعوب في كل بقاع الدنيا ))..
واضاف :
(( لم يكن هناك اجماع بين الاسلاميين حول مسألة قيام الانقاذ نفسها حيث كان هناك ما بين 3 الى 4 أشخاص يرفضون قيام انقلاب الانقاذ – في عام 1989 – وهم الان داخل حكومة البشيـر ولا اريد ذكر اسمائهم )) (1).
2-في انتخابات اتحاد طلاب جامعـة النيليـن ( القاهرة الفرع سابقاً ) التي جرت في اغسطس / آب 2000 قرر المؤتمر الوطني الشعبي ( جناح الترابي ) التحالف مع المؤتمر الوطني الحاكم ( جناح البشير وعلي عثمان ) وهذا يعني فعلاً ان جناح الترابي لا يختلف عن الجناح الحاكم رغم اتهام الترابي له بالسعي الى فصل الدين عن الدولة ، والعمالة لامريكا ، والردة والفساد .. الخ .
وهذا يعني ايضاً ان جناح الترابي يفصل بين الدين والسياسة ، وعندما تكون المصلحة في الميل للسياسة يضحي بالدين ..
وقد علق الرفيق عبدالله رزق في عموده " جراب الرأي " على هذا الموقف بالقول :
(( ان المؤتمر الوطني الشعبي المشحون دائماً بمعاناة فطام السلطة لن يبقى في أكثر أحواله بعيداً عنها غير مجرد ( لوبي انقاذي ) مشدود بحبل سري الى حيث السلطة والجاه )) (2) .

إنتهـت الدراسـة ..

أكتـوبـر 2000

Post: #9
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: مجاهد عبدالله
Date: 11-21-2006, 07:30 AM
Parent: #1

الأخ المناضل حسين

سلاماً من الله عليك

تابعت وبانسجام كامل التحليل الموضوعي لأزمة الأسلام السياسي ولم تخرج مآلآته عن الواقع وكان الأحرى بتسميته بورطة الأسلام السياسي..

Quote: / اعتبار السلطة وكأنها غاية الحركة النهائية والتراجع عن الشعارات والاهداف التي كانت تطرحها قبل الوصول الى السلطة .. بل التراجع حتى عن عبارة " الاسلام " في اسم الحركة وتحويلها الى اسم " المؤتمر الوطني " تحت وهم " التمكين " .


أعتبروها بانها نهاية الحياة الدنيا (الجنة) وفعلوا الأفاعيل..

خالص الود

Post: #10
Title: Re: أزمـة الاسـلام السـياسـي فـي السـودان
Author: حسين يوسف احمد
Date: 11-21-2006, 08:16 AM
Parent: #9


صـديقـي المجـاهـد ، مجـاهـد ..
تحياتي وأشـواقـي ..

Quote: تابعت وبانسجام كامل التحليل الموضوعي لأزمة الأسلام السياسي ولم تخرج مآلآته عن الواقع وكان الأحرى بتسميته بورطة الأسلام السياسي..


هـي محـاولـة متـواضعـة لتحليل الجبهـة الاسـلامية وفق المعايير العلمية
أدعـو الله أن تسـهم فـي دعـم مسـيرة النضـال الوطني ..

أشـكرك على المتابعـة ..

مـع الحـب ..