هل الأحوال في السودان هي السبب .... أم نحن أدمنــّا الغربة ؟ ..... أم ماذا ؟

إنتو ناويين تقعدوا في الغربة دي لمتين ؟ والله صحي البلد حالها ما بـِسُر لكن شوقنا ليكم هو البخلينا عاوزين رجعتكم ...

الكلام الفوق دة عبارة إعتدنا سماعها من أهلنا وأصحابنا في السودان ، في معظم الأحيان تكون إجاباتنا على شاكلة ( غايتو ربنا يهوّن ،،، والله الواحد مفكر جادّي يشوف ليه حاجة هنا لأنها الغربة زاتها بقت ما بتغتـّي ،،، نحن زاتنا ما عرفين حدها وين لكن قريب إن شاء الله ) وغالبا الواحد ما بتكون عندو إجابة وربما تفاجأ بالسؤال رغم أنو بيتكرر ليه دايماً .
أما في أحايين أخرى نكون أكثر موضوعية (فقط للإستهلاك الجدلي في النقاش) وتكون الردود مستصحبة الواقع المعاش في بلاد الغربة مع نظرة واقعية للأحوال في السودان وتلقى الواحد يقول ليك ياخ بالله إنتو زاتكم لو لقيتو طريقة مخارجة يوم واحد ما بتقعدو مع الكهرباء والموية القاطعة دي سيبك من (الرفاهية من تعليم وعلاج وأساسيات الحياة التانية !!!) لاحظ أن التعليم والعلاج بقى رفاهية... وبعبارات أخرى : بالله دي بلد الواحد يرجع ليها، من دغش الرحمن الواحد ما يعرف يستحمّ ،،، ومما تمرق من البيت بتاع الحركة يعكِّـر ليك يومك بإيصال بتاع أخوان كدة ،،، ولو عندك كم حاجة عاوز تعملها ترجع آخر اليوم تسب وتلعن وما عملتا نصها .... يا زول أنسى قصة رجعتنا دي ... عليم الله نحن لو ما إنتو وباقي الناس ال هنا ما نفكر نجي حتى في الإجازة .

هناك جماعة من الناس بيتستروا وراء الهدف من الغربة ، نظام يقول ليك بس الواحد يعمل ليه واطة ، وبعدين الواطة بس نرمي ساسها ،، وبعدين نبقى في الزول لو قدر عمل ليه أوطتين خلف خلاف ،،، وشويتين كدة طالما ربنا هوّن لينا موضوع البناء دة الواحد يتعصر ليه سنتين تلاتة ويشطّـب بيتو يا زول العمر ما معروف !!!

أهداف الغربة نفسها تنوعت وتعددت حسب طول فترة الإغتراب لأنها تدريجيا تتحول لمصاريف قراية الأولاد (البند الجديد لمغتربين الخليج هو مأمون حميدة) والعمر يمضي و ...أهو ديل الأولاد كبروا وعيـيـيــيـيـيـيـيـك فجأة تسأل ناس الهدف من الغربة تلقى أول الأهداف كان قبل 25 سنة لا يتعدى قطعة الواطة والزمن جااااااااري لغاية ما بقى الهدف عرس الولد أو البنت !!! يا سبحان الله .
القصة بعد داك بتدخل في إدمان الغربة والإحساس بعدم القدرة على التكيّف مع الحياة في السودان وكأن الواحد عمرو ما عاش في السودان قبل ما يطلع منو ، الله يقدّرك حاول أقنع ليك واحد من الجماعة الفوق ديل يرجع السودان يزوغ ليك بي مية حجة عشان يقنعك بان الحكاية ما إدمان .
كتير من الناس في الإغتراب بيجدوا فعلاً حياة رغيدة مع رواتب وإمتيازات يصعب – إن لم يكن مستحيلاً – توفرها في السودان ولديهم من مبررات البقاء في الغربة الكثير من الأسباب ولكن يبقى السؤال : إنتو ناويين تقعدوا في الغربة دي لمتين ؟

هناك أسباب أخرى للتغرب والهجرة من السودان مرتبطة بالأوضاع السياسية ولكنها مع مرور الوقت غير معفية من الإتهام بإدمان الغربة .
ما في شك أن هناك أسباب أخرى ذات خصوصية تفرض على كثير من الناس إطالة أمد الغربة ولسان حال أحدهم يقول (مجبرٌ أخاك لا بطل ) وهي في كثير من الأحيان متعلقة بإرتباطات وإلتزامات معظمها في السودان .
لكن هل بالفعل يمكن أن ندمن الغربة ؟؟؟

في قصيدة للشاعر أحمد مطر عن الغربة يقول :

أحرقـي في غُربتي سفـني
ألإنّـني
أقصيتُ عنْ أهلي وعن وطني
وجَرعتُ كأسَ الذُّلِّ والمِحَـنِ
وتناهبَـتْ قلـبي الشجـونُ
فذُبتُ من شجَـني
ألإنّـني
أبحَـرتُ رغـمَ الرّيـحِ
أبحثُ في ديارِ السّحـرِ عن زَمَـني
وأردُّ نارَ القهْـرِ عَـنْ زهـري
وعَـنْ فَـنَني
عطّلتِ أحلامـي
وأحرقتِ اللقـاءَ بموقِـدِ المِنَنِ ؟!
ما ساءني أن أقطَـعَ الفلَوَا ت
مَحمولاً على كَفَني
مستوحِشـاً في حومَـةِ الإمـلاقِ والشّجَنِ
ما ساءنـي لثْمُ الرّدى
ويسوؤني
أنْ أشتري شَهْـدَ الحيـاةِ
بعلْقـمِ التّسليمِ للوثنِ
**
ومِنَ البليّـةِ أنْ أجـودَ بما أُحِـسُّ
فلا يُحَسُّ بما أجـودْ
وتظلُّ تـنثالُ الحُـدودُ على مُنايَ
بِلا حـدودْ
وكأنّني إذْ جئتُ أقطَـعُ عن يَـديَّ
على يديكِ يَـدَ القيـودْ
أوسعْـتُ صلصَلةَ القيـودْ !
ولقَـدْ خَطِبتُ يـدَ الفراقِ
بِمَهْـرِ صَـبْري، كي أعـودْ
ثَمِـلاً بنشوةِ صُبحـيَ الآتـي
فأرخيتِ الأعِنّـةَ : لنْ تعـودْ
فَطَفـا على صـدري النّشيجُ
وذابَ في شَفَتي النّشيـدْ !
**
أطلقتُ أشرِعَـةَ الدّمـوعِ
على بحـارِ السّـرّ والعَلَـنِ :
أنـا لن أعـودَ
فأحرقـي في غُربتي سُفُـني
وارمـي القلـوعَ
وسمِّـري فـوقَ اللّقـاءِ عقاربَ الزّمَـنِ
وخُـذي فـؤادي
إنْ رضيتِ بِقلّـةِ الثّمَـنِ !
لكـنّ لي وَطَناً
تعفّـرَ وجهُـهُ بدمِ الرفاقِ
فضـاعَ في الدُّنيـا
وضيّعني
وفـؤادَ أُمٍّ مُثقلاً بالهـمِّ والحُـزُنِ
كانتْ توَدِّعُـني
وكانَ الدَّمـعُ يخذلُهـا
فيخذلُني .
ويشدُّني
ويشدُّني
ويشدُّني
لكنَّ موتي في البقـاءِ
وما رضيتُ لِقلبِها أن يرتَـدي كَفَني
**
أَنَا يا حبيبـةُ
ريشـةٌ في عاصِفِ المِحَـنِ
أهفـو إلى وَطَـني
وتردُّني عيناكِ .. يا وَطني
فأحـارُ بينكُما
أَأرحَـلُ مِـنْ حِمى عَـدَنٍ إلى عَـدَنِ ؟
كمْ أشتهي ، حينَ الرحيلِ
غـداةَ تحملُني
ريحُ البكـورِ إلى هُناكَ
فأرتَـدي بَـدَني
أنْ تُصبِحـي وطَنـاً لقلبي
داخِـلَ الوَطَـنِ !

ويقول أحمد مطر أيضاً في ( مقيم في الهجرة )

قلَمـي يجـري
ودَمـي يجــري
وأنَـا ما بينهُمـا أجْـري.
الجَـريُ تعثّـرَ في إثْـري !
وأنَـا أجـري.
والصّـبرُ تصـبّرَ لي حتى
لـمْ يُطِـقِ الصّبرَ على صـبري !
وأنـا أجـري .
أجـري، أ جـري، أجـري ..
أوطانـي شُغلـي .. والغُربـةُ أجـري!
**
يا شِعـري
يا قاصِـمَ ظهـري
هـلْ يُشبِهُـني أحـدٌ غـيري ؟
في الهِجـرةِ أصبحـتُ مُقيمـاً
والهِجـرةُ تُمعِـنُ في الهَجْــرِ !
أجـري ..
أجــري ..
أيـنَ غـداً أُصبِـحُ ؟
لا أدري .
هـلْ حقّـاً أُصبِـحُ ؟
لا أدري .
هـلْ أعـرِفُ وجهـي ؟
لا أدري .
كـمْ أصبَـحَ عُمـري ؟
لا أدري .
عُـمُـري لا يـدري كَـمْ عمـري !
كيفَ سـيدري ؟!
مِن أوَّلِ ساعـةِ ميـلادي
وأنَـا هِجـري !

لو أقرينا بهذا الإدمان... أنا ما عارف الناس ممكن تدمن الغربة بعد كم سنة !!!؟

وهل كل الذين تغربوا ولفترات طويلة عُرضة لهذا الإدمان ؟؟؟





___________________________

13 سنة غربة ... غير الفكة بتاعت القراية .