الشاعر عقل العويط يكتب عن جان كوكتو

الشاعر عقل العويط يكتب عن جان كوكتو


09-12-2003, 06:50 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1063345799&rn=0


Post: #1
Title: الشاعر عقل العويط يكتب عن جان كوكتو
Author: osama elkhawad
Date: 09-12-2003, 06:50 AM





الاحد 7 أيلول 2003



--------------------------------------------------------------------------------






قدّاس لراحة نار جان كوكتو-عقل العويط

إطلال المشتاق على أطلال العراق- سنان أنطون

العراق مشهداً في فيلم كاوبوي- محمد سويد

حطّابو العيش الاسوجي- فاروق يوسف

احتفاءً بالرجل- منير عبدالله

الديموقراطية المريضة - بلال خبيز

البئر- بدرية البشر

الهوى بين الهواء والهاوية- شوقي بزيع

العادة السرّية للكاتب - نبيل سليمان حيدر

على الاقل





الدليل

الملحق الثقافي

سلامتك

الاغتراب اللبناني


--------------------------------------------------------------------------------

الصفحة الرئيسية

مساعدة




قــــدّاس

لـراحــة نــار جــان كــوكـــتـو

عـقـل الـعـويـط



كنتُ سأنتظر الحادي عشر من تشرين الأول لأقيم صلاة الجنّاز والقدّاس لراحة ناركَ أيها الأمير العابث، إيفاء للعهد الذي قطعتُهُ على نفسي منذ أربعين عاماً. لكم أذهلْتني يا جان حين رأيتُكَ تحتفل بالذبيحة الإلهية وتدمج وقائعها بعرضكَ الشعري المسرحي السينمائي التشكيلي في هواء بيروت الطلق، في ساحة الشهداء الجرداء، راثياً لحالنا نحن اللبنانيين الأحياء ــ الموتى.

لقد انعقد لساني إذ وجدْتَني بين الجمهور فطلبتَ مني الصعود الى خشبتكَ لإقامة المراسم بلغة أبناء قومي، على طريقتي مذ كنتُ أخدم، صغيراً، قداديس الكهنة وزيّاحاتهم وأنصت الى أذان المؤذّنين.

كلما حان الموعد تذكرتُ أيها الولد الرهيب ضحكتكَ المؤلمة عندما أشعلتَ فانوس علاء الدين لتضيء حفلة البحث عن النار. هممتُ بأن أقول لكَ إننا نحن أيضاً عدنا نشحذ أحجار الصوّان لنشعل النار في فوانيسنا، ثم تهيّبتُ الذكرى مؤثراً الصمت والتأمل في غيابكَ البعيد.

لا أخفيكَ أني ذهبتُ قبل أيام الى "دار غراسي" الفرنسية لأطلب نسخة من "يوميات شخص مجهول"، باحثاً فيه عن جملة شهيرة لكَ مفادها أنكَ ستحمل النار معكَ ــ النار فحسب ــ إذا سألكَ أحدهم ماذا ستخلّص من أغراض بيتكَ الذي تلتهمه ألسنة الحريق.

لقد آلمتني حقاً فكرة أن يكون بيتكَ طعماً للرماد، إذ تخيّلتُ حال المخطوطات والصور والمكتبة واللوحات وأشرطة السينما وهي تصرخ طالبة النجدة. لكني أدركتُ أن ذلك كان محض افتراض شعري، وقد شكرتُ ربي لأن جوابكَ كان مضيئاً وحافظاً للنار كـ"دم الشاعر".

تعرف يا جان أن منازل بيتنا المشرقي قد تهدمت على من فيها. فهاك ما يجري بين النهرين الذي عاد يكون بابلَ العهود السحيقة. وهاك ما يجري في فلسطين، وهي مسيحنا القتيل. أما منازل بيتنا اللبناني فتلتهمها أفواه الفساد الجائعة وتلوكها ألسنة العربدة السياسية وهي لم تعد صالحة للعيش ــ لولا كبرياء الأمل ــ إلاّ لأهل جهنم أنفسهم.

لكم تمنيتُ ليلةَ أمس بالذات أن تكون معنا لأريكَ منظر لبنان المتفحّم وهو يستنير في عزّ آب اللهاب بأحلام المريخ الزهرية. كنتَ ستدسّ يدكَ في جيبكَ لتعطيني قبساً من تلك النار النبوية التي أنقذها جوابكَ الرهيب من رماد بيتكَ المحترق.

لم يكن هذا مطلوبي يا جان. لقد أحببتُ فقط أن ترى معي بأمّ عينيكَ أرضَ لبنان المحروقة بنفايات الضمير وليل القيم الدامس، والتي حُكم عليها ألاّ تجد من يدمل سعيرها الهائل أو من يروي غليل جروحها الأبدية ببلاسم الحياة والضوء والأمل والأخلاق والسعادة والحرية.

ذكّرتْني ناركَ وفساد نيراننا بسياسة الأرض المحروقة التي يستخدمها الطغاة لدرء خطر أعدائهم. وقلتُ في نفسي: كم تختلف ناركَ الملعونة تلك عن النار التي يشعلها طغاتنا في لبنان ودول الجوار من أهل عروبتنا البائدة ليدرأوا عنهم "أخطار" شعوبهم.

لا أريد بالطبع أن أنغّص ذكرى رحيلكَ الأربعين بهمومنا. لكن قلبي منغَّص يا جان بحكاية الجلجلة الرهيبة التي يرتقيها العراق الى جبل صليبه، وبحكاية الوثيقة التي تحمل تواقيع مئات المثقفين السوريين التائقين الى تحرير شعبهم من سجنه الجماعي، واللتين تستكملان مآسي أرض المشرق برمتها، من حرائق فلسطين الى حرائق لبنان وصولاً الى جحيم ما بين النهرين. وهلمّ.

كنتُ سأسألكَ أيها الصديق ما إذا كنتَ فاضيَ البال لإخراج مسرحيتي عن تفليسة الجمهورية العربية اللبنانية وهي الجزء الأخير من ثلاثية دامية عن مسيح فلسطين وعن نار البعث بفروعه الثلاثة.

كنتُ أفضّل أن أرفع كأسكَ أمام شعوب الشعر والمسرح والسينما التي تؤمّ صفحات كتبكَ وشاشاتكَ وخشباتكَ. كنتُ أفضّل ذلك حقاً على أن تشترك معي في طقوس شَيل البخور لراحة نفس بلادي، وفي الوقائع اليومية لجنون الديكتاتوريات على مسارح أرض المشرق كلها.

صدِّقني يا جان. كنتُ أفضّل سبعين مرة سبع مرات أن أنضم الى نار بيتكَ على أن تحتسي معي كؤوسنا الطافحة بدماء الشعر والشاعر.

لا تزعل يا جان، وخصوصاً لا تيأس. فكثيرٌ من هذه الخمر لن يذهب إهداراً. وقليلٌ منها قد ينعش قلب الأمل ويحفظ ناركَ المتأججة في وجدان شجرة إيتل عدنان. شجرة النار والحب والشعر والحرية.




ايتل عدنان






--------------------------------------------------------------------------------



PDF Edition (Arabic) | HTML Edition (Arabic) | Listen to An-Nahar | Ad Rates | naharpost | Classified Ads | Archives | Contact us | Feedback | About us | Main | Help


--------------------------------------------------------------------------------




Copyright © 2003 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.