صرخة الوطن الحبيب / مدثر حسن يسن

صرخة الوطن الحبيب / مدثر حسن يسن


08-23-2003, 02:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1061645404&rn=0


Post: #1
Title: صرخة الوطن الحبيب / مدثر حسن يسن
Author: الليندي
Date: 08-23-2003, 02:30 PM

صرخة الوطن الحبيب ..

مدثر حسن ياسين
_____________________________________________________

الخنجرُ مغروسٌ حتى آخر النَّصْلِ في لحمِ القلبِ ، والسلاسلُ الحديديةُ الحاميةُ على مقابِض الأيادي السمراء ترسمُ وشماً بلون الدم تتمدد رغوتُه الدافئةُ بأناةٍ على ظلال مذبح الحرية .. بينما تعزف السلاسلُ الفضِّيةُ برنينِها المزعجِ سمْفُونيةً كئيبةً هي في الأساس أغنيةٌ للموت اللَّعِينِ. وفي لُجَّةِ الأعماق لم تتبقْ سوى شمعةٌ واحدةٌ .. تصارع الظلمةَ ، والانواءَ ، على مهبِّ الريحِ وحيدة لم تستسلم بعد لجحَافل الخوف ، والقلق المسوَّر بأرتال الكوابيسِ المفزِعَة . وحدها تضيء ظلمةَ الأعماق ، وتفردُ للقلم الحزين صفحةً مُشرقَةً على هامش الأمل المتوقِّد .. حتى كأن المشهدَ المحفوفَ بدائرة الظلامِ الدامس لمحةٌ لبصيصِ أملٍ يلُوحُ من أقصى البعيد .
يا لها من روعةٍ أن نجعل كل ما في ذاتنا للوطن الحبيب .. فنحن في الغربة من أجلِه ، أيادينا مغموسة في جمر الصبابةِ وجحيمِ الأشْواق .. وشبابنا مبذول كالقُربان لأجل عيون الوطن . فقد أبحرت سُفنُنا منذ أمدٍ بعيدٍ في بحور العذاب لأجل الوطن.
لكن ما نهاية هذا الابحار الطويل في بحرِ الظلامِ والتيهِ والغَبَشِ ؟! ما جدواها هذه الرحلة الغامضة إن كانت زاحفةً كالحيَّةِ الرقْطَاءِ فوقَ صحراء مسربلةٍ بالرمال .. وشُطْآن السرابِ الكاذبة !! ما جدوى هذا الرحيل الى فضاءات لا متناهيةٍ .. والى جُذرٍ لم توجَد .. والى مُدُنٍ لم يُولد بعد أهلُها.
الساسةُ فقط .. بأحذيتهم المُنْتَنَةِ هم السبَب في غربتنا الطويلة المؤلمة .. في بعدِنا عن رمال (توتي) .. وحواري (امدرمان) القديمة ، وأسواق (الخرطوم) الراقية . وفي بعدِنا عن تلك الامسيات السندسيَّة التي يقفِزُ فيها القمرُ من حُجْرتِه الضوئيةِ ليقبِّلَ أمواجَ النيلِ العريقِ .. ويستحمَّ على ضفافِ المَقْرَن الجميل .. ويصطادَ أجملَ حُورِيَّةٍ في الكون.
سنعود للوطنِ الحبيبِ على ضوء القناديل التي تحترقُ دومًا من أجلِ السلام الاخضر ، سنعود لنتكوَّرَ كالعصافيرِ الصغيرةِ تحت أهداب العيون التي تُطِلُّ في شوقٍ مجنون الى أُفقِ الحرّية .. فمنذ أن حمل السلامُ عصاه وابريقَه وسِعْنَه وغادر ديارَنا غابت عصافيرُ الحب المزركشةِ خوفاً من رصاص الهمجيَّة ، واحتجب القمرُ الوسيمُ خلف ستائر الغيمِ خوفاً من غضبِ البُركان ، وأعلنت الموسيقى الحدادَ لأجلٍ غير مسمَّى منذ أن أسكتت حماقة (السونكي) حمامةَ السلام التي انطلقت من حنجرة الشاعر محجوب شريف :
أفديك يا سِلْمْ أفدِيْكْ
من عَصْراً بدري تعَالْ
أو قبلِ صِيَاحْ الدِّيك
الشمس بتسَتَّناك .. للمنزل بتودِّيك
تنجَمَّ وتشرب شاي
يا مطوِّل من شايِيْك