طقوس سحرية/كمال الجزولي

طقوس سحرية/كمال الجزولي


04-02-2003, 10:47 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1049276862&rn=0


Post: #1
Title: طقوس سحرية/كمال الجزولي
Author: أبو ساندرا
Date: 04-02-2003, 10:47 AM

طُقوس سِحرِيَّة!



!


إضاءة سودانية، بقلم: كمال الجزولي





في كتابه «الوهم والواقع» توقف كريستوفر كودويل عند ملاحظات ثلاث بشأن «رسومات الكهوف» التي يعتبرها الباحثون مصدراً مهماً لدراسة المراحل الأولى للمجتمعات البدائية: الأولى اقتصار غالب تلك الرسومات على موضوعات الصيد، والثانية تصويرها الفريسة مطعونة، دائماً، في مواضع قاتلة من جسمها، والثالثة وجودها، بشكل متكرر، في الأجزاء الأكثر بُعداً عن ضوء الشمس داخل الكهوف.


إستنتج كودويل من ذلك أنها لم تكن لمحض الزينة أو التعبير الجمالي، بقدر ما كانت ترميزاً ثقافياً باكراً عن احتياج الانسان المكبل بأشراط محدوديته البشرية للاستقواء بطاقات روحية أعلى في مواجهة المجهول الذي ينتظره أثناء كدحه اليومى لإنتاج وتأمين مقوِّمات بقائه. هكذا كان التصويرُ «الطقسى» لعملية الصيد المُتخيَّل في عتمة الكهف شرطاً روحياً لازماً لجعلها ناجزة مسبقاً، وفق تشهيات الصياد قبل خروجه للصيد الفعلى.


إستدعى هذه الأفكار إلى ذاكرتي مشهد الموكب الذي سيَّره في الخرطوم، نهار الثلاثاء الفائت 2532003م، المؤتمر الوطنى الحاكم وبعض الاحزاب المتحالفة والمتقاربة معه، للتعبير، في ما أعلِن، عن موقف رافض للحرب ضد العراق. غير أن مؤيِّدى الحكومة حملوا، للعجب، نعوشاً مُعَدَّة سلفاً، كتب على بعضها بالعربية والانجليزية «الديمقراطيةMOCRACY، وعلى البعض الآخر» الأمم المتحدة خص ثم ما لبثوا أن ألقوا بها أرضاً يدوسونها بأقدامهم ويركلونها بعنف! ولئن كانت مفهومة تماماً «هواجس» الحزب الحاكم المضمرة طيَّ تعبيرات هذا «الطقس السحرى»، فقد لزم أيضاً، وفي ذات الوقت، طرح بعض الأسئلة المنطقية:


ما علاقة هذا برفض الحرب والتضامن مع العراق؟! ما الذي يُضير أميركا وبريطانيا في «طقس نعوش» يتشهَّى موت الأمم المتحدة، تماماً كما كان «طقس الرسوم» يتشهَّى ظفر الصياد بفريسته، بينما هاتان الدولتان، بالذات، هما اللتان «تقتلان» المنظمة الدولية الآن، فعلياً وليس «طقسياً»، بتجاوزها، وخرق قراراتها، والقفز من فوق الشرعية التي تمثلها، علماً بأن دعمها والذود عنها بالظفر والناب يبقى، مع كل ذلك، بل ولكل ذلك، من أوجب واجبات الشعوب المستضعفة؟! وما الذي يزعج أميركا وبريطانيا في تظاهرة تزرى «بالديمقراطية»، وتتشهَّى موتها، بينما خطابهما السياسى الراهن نفسه يستبطن استكثارها على شعوبنا «المتخلفة»، بل ويستعيض عنها، عملياً، بالاستخدام الفضفاض المحتشد بالتدليس الساذج والغموض المريب للفظ «الحرية»، ضمن كرنفال الوعود المُرائية «بتحرير» شعب العراق، ولكن.. فقط بعد الحرب، على طريقة سئ الذكر ليندُن جونسون: «سوف نحررهم، حتى لو اضطررنا إلى قتلهم جميعاً»؟!


وفي الحقيقة فإن التظاهرات الشعبية، التي غلب العنصر الطلابى، كالعادة، على شهدائها وجرحاها، لم تنقطع، أصلاً، عن شوارع الخرطوم منذ اليوم الأول للحرب. ولأنها اتسمت بالعفوية، فإنها لم تلجأ إلى «طقوس سحرية» لتشهِّيات مخبوءة، وإنما انطلقت تعلن، صراحة، عن تضامنها مع العراق وشعبه، وتندِّدُ، صراحة، بالغزاة الأميركان والبريطانيين، وتجهر، صراحة، بمطالبتها للحكومة باتخاذ موقف وطنى من هاتين الحكومتين الاستعماريتين، أقله إغلاق سفارتيهما. ولكن الرصاص انطلق إلى صدور المتظاهرين يرديهم شهداء وجرحى، بزعم الحيلولة دون وصولهم إلى «مبنى» السفارة الأميركية! لقد حصبَ أكثر من خمسين ألف متظاهر إيرانى مبنى السفارة البريطانية في طهران ظهر الجمعة الماضى 2832003م، دون أن تعتبر حكومة خاتمى ذلك بمثابة «يوم القيامة الدبلوماسي»، بل دون حتى أن ترتفع هراوة واحدة فوق رأس متظاهر.


لقد تركز هتاف التظاهرات الشعبية، إذن، على معان واضحة ومطلوبات محدَّدة بشأن هذه الحرب القذرة. ولكن ما أن ارتفعت البنادق إلى الصدور، حتى انفجر السخط العارم يحرق المركبات، ويحطم الواجهات، ويحصب قوات الأمن بالحجارة، بينما الهتاف الغاضب يدوى: «يا خرطوم ثوري ثوري ضد الحكم الديكتاتوري»، من ذات الحناجر التي كانت تهتف، للتو، ضد الغزوة الاستعمارية التي تستهدف، ضمن ما تستهدف، إزالة النظام الحاكم في بغداد .


لقد بات الموقف السودانى «الرسمى» من الحرب، شأنه شأن النظام العربى بأسره، مطوَّقاً بالمطلوبات «الشعبية» إلى حدِّ الفضيحة. وليس أبلغ في التعبير عن ذلك من قول رئيس البرلمان مخاطباً هتافات المتظاهرين «سأعمل، باعتبارى رئيساً لاتحاد البرلمانات العربية، على حث الدول العربية لقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة» «!» دون أن يقول على ماذا حث حكومته هو أولاً، باعتباره رئيساً، في المبتدأ والمنتهي، لبرلمان بلاده «!» ثم هاهو موكب الحزب الحاكم يجيء، في اليوم السادس، «بطقوسه السحرية» المعادية «للديمقراطية» و«الأمم المتحدة»، ليجد الشوارع غاصَّة، منذ اليوم الأول، بالهتافات الشعبية الموجَّهة بصرامة ضد «الحرب» و«المخططات الاستعمارية»،


وأعلاها دوياً الهتاف الأثير، بل سيِّد الهتافات أجمعها: «تسقط أميركاDown Down USA، والذي ظل يشكل دائماً عنواناً جهيراً لوعى هذه الجماهير بمكمن المهددات الحقيقية للقضيتين »الوطنية» و«الاجتماعية» في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، منذ أن رفعته لأول مرة، مطالع انتزاعها للاستقلال السياسى عام 1956م، في وجه «المعونة الأميركية» المشبوهة، ومشروع أيزنهاور المسمى «ببرنامج النقطة الرابعة». ولم يحدث، طوال ذلك التاريخ، أن اعترى البصيرة الشعبية »حَوَل» سياسي يجعلها تدرج «الديمقراطية» أو «الأمم المتحدة» ضمن هذه المهددات.


اختلاط حابل «الطقوس السحرية» الحكومية بنابل التعبيرات الشعبية المعارضة للحرب، في ذلك اليوم، لم يجعل من العسير تمييز هذه من تلك!




Post: #2
Title: Re: طقوس سحرية/كمال الجزولي
Author: zumrawi
Date: 04-02-2003, 07:39 PM
Parent: #1

Up