وحم الرجـــــال

قبل مدة اصطحبت احد اصدقاء الغربة لاحدى المستشفيات لعمل تحاليل حيث كان يشكو من فتور عام وفقدان للشهية. أمره الطبيب بإجراء فحوصات معينة. بعد اخذ العينات المطلوبة قلت ليهو احسن انت تستريح وانا بتابع النتيجة. بعد ربع ساعة ناولتني فنية المعمل الفليبينية الجنسية مظروف مغلق. سألتها عن النتيجة قالت لي بالحرف الواحد Pregnant (حامل). انا اخوك. ده كلام شنو. قلت ليها امكن النتيجة تخص شخص آخر فأكدت انها للشخص المعني. همست لصديقي ان يلحقني للخارج.

- أها انشاء الله خير.
- خير.. انت عايز ولد ولا بنت؟. وقبل ان يسأل اكثر اخبرته بحقيقة التشخيص.

استشرنا طبيب من معارفه فأكد ان الوضع عادي فاحيانا تطغي هورمونات انثوية معينة في الدم ولا داعي للانزعاج. رفض صديقي معاودة الطبيب واخذ اجازة من عمله.

زرته في اليوم التالي وجدته احسن شوية لكن معنوياتو مش ولا بد.
- يازول مالك؟ والله انت أشد من الحصان، كدي خليني اعمل ليك اكلة معتبرة وبعدين ... قاطعني بيده فسكت
- طيب نفسك في شنو .. انت بس اطلب يا جميل وانا علي انفذ
-قال بعفوية "نفسي في حمام صباحي في البحر.... افلفص في الموية زي القرنتي وبعد داك فطرة بي شية عليها شطة حأأأأأأرة في محطة المسيد وببقى كويس".
- يازول ما ياهو ده الوحم زأأأأأأاتو .. عليك امان الله عندي خالتي طلبت حاجة قريبة من دي لمن كانت حامل بي ولدها البكر

الشاهد في الامر ان السودانيين على اختلاف عاداتهم وثقافاتهم يجمعون على شيء يخصهم هم فقط. يعانون من غربة الروح والمكان متى فارقوا اوطانهم الصغيرة ناهيك عن الوطن الأم ... يمور بدواخلهم حنين جارف للأمكنة وتفاصيل التفاصيل في الحياة اليومية.. ذاكرتهم في الغربة ذاكرة مؤقتة لا تلبث ان تتبخر حال انتقالهم للوطن ويحتفظون بذاكرتهم الجمعية في حلهم وترحالهم ... اغانيهم وموواويلهم مترعة بحب الماضي. حتى هذا المنتدى يعج بالكثير من الامثلة (متين اشوف الخرتوم) (طريت أم در) وغير ذلك الكثير.

ترى هل يرفض تركيبنا النفسي اللاشعوري الرحيل كفكرة،
المفرطة؟ (Nostalgia) أم ان في الأمر نوع من النستالجيا