سيرة مدينة:كررررررر..كرب ..الموز نجض تحت الكنب

سيرة مدينة:كررررررر..كرب ..الموز نجض تحت الكنب


03-04-2003, 09:59 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1046768363&rn=0


Post: #1
Title: سيرة مدينة:كررررررر..كرب ..الموز نجض تحت الكنب
Author: adil amin
Date: 03-04-2003, 09:59 AM

صلاح محجوب*

كرب كرب وتحركت الظلال في شيء من عدم الاكتمال، ثم بدأت أصوات المودعين تبتعد شيئا فشيئا، وقلت لنفسي كيف يتفق وجود هذا العدد الكبير من المودعين..ومعظمهم من الشباب ..في هذا الوقت، حيث تشير عقارب الساعة إلي التاسعة والنصف،من يدري ربما كانوا تجارا!
ثم ألقيت نظرة على الشارع العام مع ـ خط السكة حديد ـ للوقوف، فذلك يحرك يده في شيء من الاستهتار، وأخر ينظر كأنه لأول مرة يرى قطار وثالث يحرك أصابعه في شيء من التساؤل بأستحقار من وراء زجاج عربته" النيوكار" وذلك الطفل يتظاهر بأنه سوف يقذف بالحجر تجاهنا فلا شك أننا هدف مضمون. ثم يلتوي ضاحكا في شيء من القفز، بعد أن يرى ما يرى فكل واحد منا لا يريد أن يكون ذلك الهدف الملعون. لقد اختبأنا داخل الصدور أو عبثا حاولنا ويا لها من لحظات !!
اقترب القطار من كبري النيل الأزرق، في شيء من الوقار، منظر الماء الالتقاء..أشياء نعم أشياء فقط. فقد تبلد كل حس لكي يصف الجمال. حيث كان كل حسي مركزا حيث أثبت يدي على الإطار، أما اليمني فقد حلت مكان الإزار وتعالت الأصوات وتضخمت معلنة دخولنا الكوبري ثم بدأت الأعمدة الحديدية الضخمة تتوارد في شيء من التحقر المخيف لم تبدو لي في تلك اللحظة كجماد وهي تمرغ على تعد أشبار وكأنها تستعطف في ملك الأقدار.
وأخيرا خرجنا بسلام ..يا لها من ثواني أطول من السنين، وتعد لحظات والمناظر تتكرر على جانبي الطريق .. يطلق القطار إنذاره معلنا دخوله محطة الخرطوم بحري ولم يكن في حاجة لبذل أي مجهود لكي يخفض السرعة التي كان يسير عليها. ثم ظهرت التجمعات البشرية .. هل يا ترى هؤلاء مودعين أم مسافرين! ظهرت المحطة بمقاعدها .. العشرة.. ذات القباب المستديرة واقتربنا شيئا فشيئا من الرصيف، ولأول مرة في حياتي أن جسم الإنسان يمكن أن يتقلص بهذه الدرجة في ساعات الخوف.
وفجاءة ألقيت نظرة بجانبي، فرأيت ذلك الذي ترك قميص بلا إزار واقفا ينظر إلى الخلف غير مكترث للصرخات التي تنبهه باقتراب الرصيف.. واضعا على جنبه الأيسر حقيبة صغيرة، لا تتسع لأكثر من قطعتين أو ثلاثة من الملابس. ثم نبهته بصوت مسموع .. الرصيف أنتبه يا أخ الرصيف. لكنه لم يعبأ يما قلت ولم يلتفت ناحيتي كذلك.
وفي لحظة أقل من ثانية أجد نفسي أجذب بقوة لا أدري من أين أتت وفي نفس اللحظة مرق الرصيف مرقا ..وضربه في كعب رجله اليمني ضربة أطارت منها الحذاء. وصرخ جميع من على الباب، واللذين على الأرض، ولكن مرة ساعة الصفر هذه بسلام، ومن الغريب حقا أن هذا الشاب لم ينفس ببنت شفة حيث تعالت صيحات التوبيخ !! من الجميع.. الذين على الأقل شاهدوا هذا المنظر نصف المميت .
وتعد أن توقف القطار تركته من تلك البقعة التي كنت أمسك بها ونظرت إليه في شيء من الاستغراب ..حيث كان يضع على عينيه نظارة سوداء ..لكن من يدرى ربما يكون هذا الشاب أصم أو أبكم وربما .. وقطع حديثي مع نفسي هذا.. ذلك المشهد الذي أتي حيث كنا يحمل فردة الحذاء فأخذها منه ونزل على الأرض وهو يظلع ثم ارتداها ولم يقل لذلك الرجل شيء سوى أن أوما برأسه كعلامة شكر.
ونزلت أنا بدوري، فقد تخدرت رجلي اليمني حتى أنني لم أعد أحس بوجودها، وأحسست بعظام صدري وكأنها تكاد تخرج من بين اللحم.ورفعت بصري إلى سطح القطار.. أما مكاننا فقد احتل في الحال ..ثم رفعت بصري مرة أخرى ..علني أبصر مكان خال وكان هنالك عند فرملة القطار مكانا شبه خال ..ثم نظرت إلي صاحبي هذا ووجدته كذلك يبدو عليه الإحتيار فأشرت إليه فتبعني في الحال لا ينقصنا شيء سوى المسامير والحبال . كان سطح العربة به نتوء في الخشب ومسامير بارزة لكن لا بأس به المهم أنه خال وأفضل من ذلك السلم بكثير.
لم أسمع إنذار القطار هذه المرة لكن يبدو لي أنه يتحرك فقد تعالت تلك الأصوات..كاح..كيح.. كوح... كاح.. كيح ..كوح ..وأخيرا تركنا بحري في بطء ثقيل.
مواكب تمر مدائن مطار *** رويدا مهلك قطار الشمال
ثم بسط زميلي هذا رجليه وتوسد حقيبته لكن حقيقة لا داعي لكي يظل المرء مستيقظا فهذه ليست أول سفرة لي ربما كانت ...
المحطات هي المحطات لا جديد ولا غريب نعم لا غريب! وبسطت أرجلي وأغمضت عيني، وقبل هذا.. ألقيت نظرة إلي الأمام، فرأيت البشر أكوام ... أكوام منهم من تعود على السطح .. وتخضرم فاستقام ونام، ومنهم من ظل جالس القرفصاء، يتظاهر بعدم الخوف والاهتمام.. والقطار يهتز بعنف ناحية اليمين وناحية اليسار. فتنجذب ناحية اليمين لا تدري أأنجذبت حقيقة ناحية اليمين، أم ناحية اليسار.
***********
صلاح محجوب كاتب وشاعر من مدينة عطبره