الحركة الشعبية أحداث وحقائق

الحركة الشعبية أحداث وحقائق


02-07-2007, 03:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=198&msg=1201469444&rn=0


Post: #1
Title: الحركة الشعبية أحداث وحقائق
Author: SARA ISSA
Date: 02-07-2007, 03:34 PM

الحركة الشعبية أحداث وحقائق



في شارع الموردة بأمدرمان هتف السيد/عبد الباسط سبدرات في الجموع المحتشدة :
جناح توريت أصبح بلا توريت
وصدح المغنى في المذياع :
الليلة يا قرنق ... أيامك أنتهن
كذب المنجمون ولو صدقوا ، ففي عام 2005 أطل قرنق الثائر على نافذة الشعب السوداني ، وأستقبلته الجماهير التي حلمت بالعدل والحرية في الساحة الخضراء ، من النفس البقعة التي كانت مجمعاً للمتحركات العسكرية لجيش الجبهة الإسلامية ، وقد خاطب الجموع :
عندي كلام كتير عاوز أقولو ليكم .. لكنني الآن أقول سلام عليكم .
غصة أعترضت حلق الذين توعدوا حركته بالويل والثبور والفناء ، ناموا في منازلهم وقد حرقهم الغيظ ، وصحوا مفزوعين وقد قتلهم الفزع وهم يشاهدون شاشات التلفزة العالمية تنقل حفاوة الإستقبال ، من قالوا : اليوم مبيت في توريت وهم يرفعون رأيات العنصرية والمذهبية ، عليهم أن يتحسسوا فراشهم الوثير الذي تشاركهم فيه الحركة الشعبية في العاصمة الخرطوم ، والقصر الجمهوري الأبيض الذي كان دولة بين غردون ونخب الشمال الحاكمة أصبح ضيقاً ، فلا يتسع الآن لكل المناضلين من الجنوب ودارفور والأنقسنا وجبال النوبة .
لا عودة للسودان القديم ، لن يكون هناك مهراجات وخدم ، فنحن سواسية منذ أن خلقنا الله ، لكن الفضل في الإعتراف بحقوق الآخرين ، وهامش الحريات علي الرغم من محدوديته ، الفضل يعود لبندقية قرنق في وقت الحرب ، ولحكمته في التفاوض عندما قرر خوض تجربة السلام ، فقد أنهزم المشروع الحضاري وأندثر ، كتجربة فاشية مقيتة لا يذكرها أحد بخير ، حتى الشيخ ( العرّاب ) سأل الله أن يغفر له من كل ذنب أقترفته الإنقاذ .
ليس موت قرنق وحده هو الذي جعلني أشعر بالحزن والأسى ، كما حزنت لسقوط مدينة توريت في يد مليشيات الجبهة الإسلامية ، وقد كذب من قال أنها سقطت في يد الجيش السوداني الذي ذُبح من أبنائه 28 ضابطاً في ليلة العيد ، وحتى كتابة هذه السطور لا نعلم أين دُفنوا ؟؟ وهل أُقيمت عليهم صلاة الجنازة كما تتطلب الشعائر الإسلامية ؟؟ أم أن محكمة التفتيش قد قضت بكفرهم فحرمتهم من حظ المعاملة الحسنة حتى بعد الموت ؟؟ الفريق خالد الزين رتبته الرفيعه تحجبه من المثول أمام المحاكم العسكرية ، أما اللواء الكدرو فقد أعطوه الأمان ثم فتكوا به بعد ذلك ، والطيار البارع الشهيد محمد أحمد كرار مات صبراً ، وميتة ( الصبر ) عند العرب هي أن يُترك الرجل ينزف حتى الموت .
هؤلاء الشهداء لم تقتلهم الحركة الشعبية في أدغال الجنوب ، ومن المحتمل أن يكونوا قد ناصبوها العداء في يوم ما ، لكن الحركة الشعبية ، في طوال عشرين عاماً من الحرب ، لم يحدث أن قتلت ضباطاً في الجيش السوداني بهذه الرتب الرفيعة ، لكن حكومة الإنقاذ فعلت ذلك وبدمٍ بارد ، بعد إستيلائهم على مدينة توريت في عام 92 لم يقيموا فيها ناطحة سحاب ، أو اصلحوا فيها جدار مدرسة يريد أن ينقض ، بل تركوا الأمر علي حاله ، ومدن الجنوب الآن ،كأنها خارجة للتو من العصر الحجري ، كنا نرى في الخرطوم نسوة النظام يتبرعن بمصاغهن لأجل الحرب ، لكنني لم أراهن وهن يجمهعن الثياب المستعملة لأطفال الجنوب المشردين ، كانوا يخافون أن يغزوهم قرنق في المتمة ، قرنق ليس بغازي أو قائد مليشيا ، وعندما أطلقت حركته سراح 176 من جنود الجيش السوداني والذين كانوا أسرى لديها ، لم نجد في سجون الإنقاذ أسير واحد من الحركة الشعبية ، ليس لأن جنود الحركة الشعبية يتهيبون الوقوع في الأسر ، بل لأن مليشيات النظام قد أوصت بإحسان القتلة .
لذلك ، فرحت بعض رموز الإنقاذ عندما لقي قرنق حتفه وهو في متن طائرة الموت ، يعتقدون واهمين – أن الموت الذي هو من سنن الحياة – قد خلصهم من عدو الأمس ، فالحركة الشعبية قامت علي مبادئ ومثل وليس على زعامات إن لم تمت اليوم ماتت غداً، فلذلك كان تحول المراكز سريعاً بين قائد راحل وقائد نصبوه لإكمال المسيرة ، وقد تم ذلك في سلاسة حسدتهم عليها حكومة الإنقاذ ، فرجال المؤتمر الوطني كانوا يعتقدون أن قتالاً قد ينشب بين الفرقاء ، خاب الرهان ومات الأمل المكذوب في مهده ، وما عجزت عنه الإرادة لن يحييه القضاء والقدر .
شخصية قرنق شديدة الشبه بالإمام محمد أحمد المهدي ، ذلك من مقياس الإجماع والبعد الشعبي العميق ، غير أن كلاهما لم يهنأ بالحكم لفترة طويلة ، فالإمام المهدي مات بعد ستة أشهر من دخول الخرطوم ، أما قرنق فقد مات بعد ثلاثة أسابيع من تولى المنصب ، وكلا الرجلين حمل للشعب السوداني رسالة الحرية والإنعتاق من إرادة الآخر ، والتساؤل الملح هو لماذا أعلن الإمام المهدي ثورته من كردفان ولم يعلنها في شمال السودان مكان الأهل والعشيرة ؟؟ هذا التساؤل أجاب عليه سلاطين باشا عندما سمع بأمر ثورة المهدي فقال لمحدثيه من أين القبائل هو ؟؟ قيل له من قبيلة الدناقلة ..فسخر قائلاً : من المستحيل أن يكون هناك دنقلاوي نبي !!
فسلاطين باشا نظر إلي الثورة المهدية كما تنظر الإنقاذ الآن إلي بقية أهل السودان ، معيار الجنس والقبيلة ليس آفة اليوم بل هو أمر موروث ، فأهلنا في كردفان لم يبايعوا الإمام المهدي بسبب لونه العرقي أو الجهوي ، بل لأنه طرح قضية ملحة في ذلك الوقت ، فالناس في ذلك الوقت قد أرهقتهم ضرائب التركية ، كما أن شخصية الإمام المهدي جمّعت الهم القومي في بوتقة واحدة ، والنتيجة كانت الثورة المهدية .
أما قرنق ، فهو ليس على النقيض ، هو أيضاً من أهل الهامش وقد بدأ حركته من الصفر ، ثم طوّر برنامج الحركة السياسي ليكون معبراً عن كل المناطق المهمشة ، وللحركة الشعبية جمهور واسع في شرق السودان وغربه ، وحتى في مناطق كانت مملوكة تقليدياً لبعض الأحزاب الوطنية مثل النيل الأبيض والجزيرة .فهذا هو الذي أفزع جموع حزب المؤتمر الوطني ، فحزبهم قائم على مبدأ تغييب الآخر ونزع حقوقه ، فهم يخافون على مراكزهم من الضياع وعلى نفوذهم من الإضمحلال .
سارة عيسي