الدكتور منصور خالد كما قرأت له

الدكتور منصور خالد كما قرأت له


08-20-2007, 03:08 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=198&msg=1201468619&rn=0


Post: #1
Title: الدكتور منصور خالد كما قرأت له
Author: SARA ISSA
Date: 08-20-2007, 03:08 PM

الدكتور منصور خالد كما قرأت له


كثيراً ما كنت أقول أن عائلة الزعيم إسماعيل الأزهري تشبه عائلة الرئيس الأمريكي جون كيندي ، من حيث ما وجدته العائلتان من حظر عاثر ونقص في الأنفس ، وحزن سرمدي يمزج بين الحقيقة والخيال ، وظنون جعلت الكثيرين ، من غير قطع أكيد ، يتناولون حادثة رحيل الرئيسين في ظروف غامضة ، مما فتح مجالاً للجدل لم يُغلق حتى اللحظة ، نعم مات الزعيم الأزهري في السجن ، فهو شهيد الحرية والديمقراطية ، وقد فطنت ذاكرة المؤرخين الجدد ، وهم لهم سوابق ، كما أشربوا من معين الفكري اليساري ، عرفوا الآن ، وهم في قيد الصدفة ، أن الدكتور منصور خالد كان يشغل الخانة رقم (9) في قائمة عملاء المخابرات الأمريكية ، يزودها بالمعلومات ، يستقصى لها زوراً وبهتاناً عن ما يجري في بيوت الزعامات الكبيرة ، لن أحتاج إلي القول أن رواية الدكتور عبد الله علي إبراهيم ، عن علاقة الدكتور منصور خالد بالمخابرات الأمريكية ، لن أحتاج إلي القول أن هذه الرواية ضعيفة متناً وكيفاً ، حتى ولو كان الشاهد هو مكتبة الكونغرس ، ومنذ متى كان المثقف العربي يفرح بما تقوله المخابرات الأمريكية ؟؟ فيفرح لذلك ويعتبر ما قالته حقيقة لا يوهنها شك ولا يخالطها ريب ؟؟ ، ومن هذا المنطلق علينا أن نؤمن أيضاً ، بأن أمريكا دخلت العراق من أجل تنظيفه من أسلحة الدمار الشامل؟؟ أليس الشاهد هو المخابرات الأمريكية ؟؟ الرائد الذي لا يكذب أهله !! ، ولماذا لا يحدثنا هؤلاء المؤرخين الجدد ، الذين يضعون علامات البغضاء والكيد الشخصي نصب أعينهم ، قبل أن يضعوا للمطلعين كيفية وقوع الحوادث التاريخية ، ويا ليت لو أن الذاكرة أسعفت هولاء ، ليقولوا لنا من الذي قتل الزعيم الأزهري ؟؟ ومن الذي وضعه في السجن ؟؟ وحرمه من الرعاية الطبية حتى مات ؟؟
فالمُؤرخ الذي يتجاهل حقيقة مهمة مثل إغتيال الزعيم الأزهري ، يكون غير مؤهل للحكم على قضية تاريخية أخرى ، وهؤلاء المؤرخين ، وما أكثرهم اليوم ، وقد نبعوا بفضل تطور وسائل الإتصال وتقنية المعلومات ، حين ينكبون على دراسة كل ما كُتب في مكتبة الكونغرس ، فهم بهذا الحال ، أشبه بمطاعم الوجبات السريعة ، فهم يعتمدون على الوصفة الجاهزة ، من غير أن يُكلوا أنفسهم بعناء البحث والتدقيق .
الدكتور منصور خالد رقم صعب في الحياة السياسية في السودان ، وهو صانع سياسة قبل أن يكون مفكراً تشهد بجودة صنعته المكتبة السودانية ، وأدلّ على ذلك تحقيقه وإشرافه على ملف السلام مع الجنوبيين ، في عهدين ، وفي لحظات حرجة من تاريخ السودان ، في سيرة حياته الزاهرة بالعمل والعطاء حصد الدكتور منصور خالد العديد من الأعداء ، فهو غير مقتنع بحكم البيوتات الكبيرة ، وأنضم للنميري بعد خروج الشيوعيين ، قناعاته بفكرة السودان المُوحد جعلته يخرج عن طوع النميري ، عندما شعر بأن اتفاقية أديس أببا مهددة بالزوال بسبب ( النهج الإسلامي لماذا ؟؟ ، الشيوعيين كانوا يعتبرون الحركة الشعبية رافداً من روافد النضال ، ذلك قبل أن يتحصنوا في خندق الجهويات كما يفعلون الآن ، فيتقاسمون مع عدو الأمس اللدود ، الذي عمل فيهم تعذيباً وتشريداً ،لكنهم اليوم يتقاسمون معه اللقمة في المجلس الوطني ، نسي هؤلاء أن الدكتور منصور خالد هو أحد الأعمدة الفكرية في الحركة الشعبية ، أما خلاف الجبهة الإسلامية القومية مع الدكتور منصور خالد ، من الممكن أن نختصره في عبارة ( مهزوم بائد ) التي كان المقدم يونس محمود يبدأ بها حديثه الصباحي ، نعم حصد الدكتور منصور خالد ، بفضل تفوقه ونبوغه الكثير من الأعداء ، والذين دفعهم سوء الحال إلي الإستعانة بمكتبة الكونغرس وقراءة يوميات المخبرين ليجدوا وصمة تسود حياة الرجل الشريف الذي رفض أن يترجل ويهوي بنفسه معهم في جرف السفهاء .
تهمة الإنتماء للمخابرات الأمريكية طالت الجميع ، بما فيهم الأخوان المسلمين ، والذين أعتبرهم الشيوعيين في يومٍ ما حصان طروادة الذين أرسلته الإمبريالية العالمية للوقوف في وجه المد الثوري الشعبي ، والحرب الروسية الأفغانية في نظر الشيوعيين هي حرب قام بها عملاء الإمبريالية ، الذين أستخدموا الدين الإسلامي كسلاح في هذه الحرب ، حتى أسامة بن لادن لم يسلم من هذه التهمة ، إذاً ثقافة النسب للمخابرات الأمريكية هي ثقافة رائجة بين المواطنين البسطاء في الشرق الأوسط ، لكن هذه ليست ثقافة النخب وكتاب التاريخ ، حفظ الله الدكتور منصب خالد من كل شر ومكر ، فهو صاحب مدرسة متفردة ، فهو المحاور في ( حوار مع الصفوة ) ، وهو الناقد للنظام في ( لا خير فينا إن لم نقلها ) ، وهو المُستبصر والقارئ للمستقبل في ( السودان في النفق المظلم ) ، وهو الفقيه في ( الفجر الكاذب ) ، وهو الدارس للتقلبات السياسية في ( النخبة السودانية وإدمان الفشل ) ، وهو المتشائم في (قصة بلدين ) ، وقد قرأت حزنه بين السطور في مقاله (عامان من حصاد السلام ) . أنه الدكتور منصور خالد الذي عرف قدر نفسه ، وإذا خاطبه الجاهلون قال سلاماً .
سارة عيسي