من منكم يأتينا بكل ما كتبه الصادق المهدي عن اتفاقية نيفاشا

من منكم يأتينا بكل ما كتبه الصادق المهدي عن اتفاقية نيفاشا


10-11-2007, 09:17 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=198&msg=1201467920&rn=0


Post: #1
Title: من منكم يأتينا بكل ما كتبه الصادق المهدي عن اتفاقية نيفاشا
Author: SARA ISSA
Date: 10-11-2007, 09:17 PM

نحتاج لهذه المعلومة لكنه قال أن هناك 17 بنداً غامضاً في هذه الاتفاقية ، وقال أيضاً أن هذه الاتفاقية ثنائية لانها لم تتجاوز حدود شركاء الحرب ، وعاب على المشاركة السياسية المحاصصة في النسب الوزارية ، وتحدث عن قصور الاتفاقية كحل يمهد لحل كل أزمات السودان ، فهى كما يرى أدت إلي شرعنة حزب المؤتمر الوطني وطرحه كبديل أوحد لكل القوى السياسية

Post: #2
Title: Re: من منكم يأتينا بكل ما كتبه الصادق المهدي عن اتفاقية نيفاشا
Author: M A Muhagir
Date: 10-11-2007, 10:19 PM
Parent: #1

بعض حديث السيد الصادق المهدى عن نيفاشا
خطبــة عيد الفـطر المبــارك

التي ألقاها الإمام الصادق المهدي

بمسجد الهجرة بودنوباوي

أول شوال 1424 الموافق 25 نوفمبر 2003م

الله أكبر , الله أكبر , الله ألكبر

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور وصلى اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات.

أحبابي وأخواني وأبنائي رجالا ونساء وأطفالا.

ودعنا شهر البركات الخمس: التقوى امتثالا لأمر الله, والرياضة الروحية صياما وقياما, والتربية على الصبر عن الشهوات, وكسر العادة الغذائية المفيد للأجسام, والتواصل الاجتماعي في الافطارات الجماعية وموائد الرحمن.

ودعنا شهرا نرجو أن يعمنا وعده أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.

زكاة الفطر من سنن هذا الشهر شكرا لله على النعمة وتكافلا اجتماعيا بين المسلمين وجبرا لما يعتري الصيام من نقصان فبنو آدم خطاؤون وزكاة الفطر كسجدة السهو للصلاة .

روي أبو داود أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وهي تعادل صاعا (أي حوالي خمس الكيلة) يخرجه المزكي عن نفسه وعمن يعول عينا أو نقدا من غالب قوته وهي تزن كيلوجرامين من القمح لمن كان غالب قوتهم قمحا وتساوي نقدا 2400 جنيها عن الفرد، وتساوي نقدا 1600 جنيها عن الفرد لمن كان غالب طعامهم ذرة.. وتصرف الزكاة للفقراء أي المعدمين والمساكين أي الذين لا يقدرون على سد حاجاتهم الضرورية .

الصيام والزكاة والعيد وسائر شعائر الإسلام تماثل شعائر أوجبها الله في ملل سابقة .

)شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وعيسى وموسى(- سورة الشورى الآية 13.

) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون( سورة البقرة الآية 183.

قال أشهر فلاسفة الغرب جوته : إذا كان الإسلام معناه الامتثال لله فكلنا مسلمون .

إن دين الله واحد ولكن الرسالة المحمدية امتازت بأربع خصائص:

الأولي : شعائرها جزء من هداية كلية محيطة بكافة نواحي الحياة .

الثانية : ختمت رسالات الوحي وجعلت الإنسان بعدها مكلفا بتفسير حقائق الوحي والاجتهاد لتأسيس الحياة الفاضلة .

الثالثة : أنها الرسالة الوحيدة الموثقة توثيقا فريدا بينما اختلفت حول الكتب الأخرى الروايات . " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "سورة الحجر الآية 9.

الرابعة: عالمية الرسالة واعترافها بما سبقها من الأديان الإبراهيمية.

أحبابي وأخواني :

كل الموجودات في هذا الكون تحكمها قوانين ثابتة فالجمادات تحكمها قوانين الكيمياء والفيزياء , والنباتات والحيوانات تحكمها قوانين البيولوجيا , الإنسان جزء من هذه الموجودات الكونية ولكنه مفارق لها في أمور أهمها :

أولا : أن فيه نفسا واعية بذاتها ووجودها أي وعيه بالأنا.

ثانيا : نفسه مشغولة بمطالب الحياة مثل سائر الحيوانات ولكنهامشغولة كذلك بمعنى الحياة وغاياتها .

ثالثا : مهما كان واقعه الحياتي متواضعا فإنه متطلع للكمال وينشده في قيم خلقية في المعاملات وقيم جمالية في الحسيات .

هذه الصفات الإنسانية لا يفسرها إلا أن فيه قبسا من روح الله : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(9) (السجدة 9) .

كل الأديان عقائد وتعاليم هادفة لإشباع هذه الجوانب من الإنسان .

لذلك صار الدين ضرورة إنسانية مثلما هو حقيقة إلهية .

ولكن الأديان في سعيها لإشباع هذه الجوانب تواجه ثلاث مسائل :

الأولى : الأخلاق مهمة كأركان للدين ولكنها مختلفة من دين لدين فهل تقبل نسبية الأخلاق أم يكون لها أساس موضوعي تقبله الأديان ؟

الثانية : الحقائق التي يقول بها الدين قد تتعارض مع الحقائق التي تكشفها التجارب الإنسانية والتي يدركها العقل . فما العمل ؟

الثالثة : العقائد الدينية عن الغيبيات مختلفة فكيف تتعامل مع بعضها ؟

الإسلام يملك إجابات شافية عن هذه التساؤلات:

بالنسبة لمسألة الأخلاق : يقول الإسلام أن للأخلاق أسسا موضوعية أولها الإيثار : "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"سورة الحشر الآية 9 . وثانيها الأعراف الكلية "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر "سورة الأعراف الآية 157. وثالثها : المعاملة بالمثل " فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم " سورة البقرة الآية 194.

بالنسبة لموقف الدين من العلم : في الإسلام التزام بالكتاب المقروء والطبيعة كتاب مشاهد عقل الإنسان وتجربته مسلطان لإستنباط سننه وقوانينه والانتفاع بها (ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدي) سورة طه الآية50.. ( وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون "سورة الذاريات الآيتان 20-21.

بالنسبة للتعامل مع بقية الأديان : أن الإسلام وهو يؤكد صحة وحيه لا يجرد الآخرين من القيمة :

" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم .( سورة البقرة 62) .

إن كانت الإنسانية عشيرة واحدة فإن الإسلام هو أصلح ملة لهدايتها .

ولكن ما بال الأمة الإسلامية في ذيل الدنيا ؟

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : " رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي" وهي مقولة فلسفها أهم فلاسفة الغرب عمانويل كانط بقوله : النقد هو أهم وسيلة بناء طورها الإنسان.

إن الأمة الإسلامية تعاني مشكلات كثيرة هي من صنعها وحتي ما فعله بها الاستعماريون عائد إليها لأن ضعفها هو الذي أغرى الآخرين بها .

واهم ما تعاني منه على الصعيد الفكري فراغ قيادي جعلها مستباحة لفوضى الفتاوي فالتبس الحق بالباطل .

تحركت جماعات من المسلمين أزعجها حال العجز والهوان محتجة على هذه الأحوال السيئة والمظالم .

وفي سبيل إيجاد شرعية دينية لاحتجاجاتها ضد المظالم وضد الولايات المتحدة لوقوفها سندا لتلك المظالم أفتوا بأن قتل الأمريكي مدنيا كان أو عسكريا في أي مكان في العالم فرض عين على المسلم .. هؤلاء هم أهل الكهوف الذين اعلنوا حربا على مخالفيهم في المذهب من المسلمين وعلى غير المسلمين حربا هجومية تستخدم العنف العشوائي .

في المقابل نجد أنه منذ نهاية الحرب الباردة في عام 1990 مارست الولايات المتحدة هيمنة أحادية على العالم .

هيمنة تقودها الآن جماعة من المحافظين الراديكاليين في يمين الحزب الجمهوري الحاكم جماعة أمثال ريتشارد بيرل , وبول ولفوتز, ودوقلاس فيث , واليوت ابرامز .

تصوروا للولايات المتحدة دورا:

لنا الدنيا وما أضحى عليها ونبطش حين نبطش قادرينا

وواتتهم فرصة ذهبية نتيجة لأمرين : الأول حادث 11 سبتمبر 2001 الفالق، والثاني : الحليف الليكودي في فلسطين المحتلة .

بناء على هذا الخط نشرت الاستراتيجية الأمريكية في سبتمبر 2002 وخلاصتها :

أن تشن الولايات المتحدة حربا عالمية على الإرهاب المعرف بصور تشمل حركات التحرير في الأرض المحتلة، تشنها ضد الإرهابيين والدول التي ترعاهم.. تشنها متحالفة مع الآخرين أو منفردة.

وللولايات المتحدة أن تحافظ على تفوقها العسكري في العالم ولا تسمح بمنافسة ولها أن تشن حربا استباقية ضد أعدائها.

وفي مجال آخر قررت الولايات المتحدة أن دول العالم الإسلامي لاسيما العربية تخضع لحكومات دكتاتورية يفرّخ قهرها الإرهابيين كما أن نظم التعليم فيها معادية للآخر الملي والحضاري مما يشكل تربة صالحة للإرهاب.

قال الرئيس بوش في خطاب 6 نوفمبر هذا العام إن الولايات المتحدة قد اعتمدت سياسة جديدة قائمة على استراتيجية لنشر الحرية في الشرق الأوسط.

ومهما كان صدق النوايا فان بلداننا معرضة لإختطاف أهل الكهوف لمصيرها أو لبرنامج هيمنة دولية يقودها.

ولا يجدي الاحتجاج على هذه التوجيهات لأنها إنما أنبتها طغيان الفساد والظلم في عوالمنا وغياب أي مشروع نهضوي ذي جدوي للإصلاح .

وفي الطريق لذلك المشروع النهضوي ينبغي أن تتحد الرؤية المصلحة حول قضايا كثيرة أذكر منها عشر قضايا وأشير إجمالا للأخريات:

الأولى: التأصيل : اتخاذ منهج واضح للتعامل مع الوافد من الماضي التزاما بالقطعي ورودا ودلالة من نصوص الوحي والاجتهاد في ما عداه .

الثانية: التحديث : اتخاذ منهج واضح للتعامل مع الوافد من اجتهادات الإنسانية وإنجازاتها يفتح باب استصحابها إن كانت نافعة .

الثالثة: الحكم الراشد: ترك المماحكة في أمر الحكم والعمل على تأسيس الحكم الراشد الذي يقوم على المشاركة , والمساءلة, والشفافية, وسيادة حكم القانون .

الرابعة: الاقتصاد: تأسيس اقتصاد يحقق التنمية معتمدا آلية السوق الحر مع حماية الشرائح الفقيرة واحترام المبادئ الشرعية القطعية .

الخامسة: التشريع: التطبيقات المعاصرة للأحكام الشرعية لاسيما في باكستان ضياء الحق، وسودان النميري و"الإنقاذ", وأفغانستان طالبان معيبة شوهت سماحة الإسلام وأفسدت الأوطان . فالأحكام الجنائية تأتى بعد إقامة النظام العادل ويراعي استثناء غير المسلمين منها ويراعي درء الحدود بالشبهات .

السادسة: الأسرة: الأسرة المسلمة اليوم في خطر يوجب إصلاحات أساسية ترفع بنسبة الزواج بين الشباب وتخفض نسبة الطلاق.

ومع زيادة التعقيدات الاجتماعية والفقهية للزواج شاعت في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه أنواع من الزواج بمسميات مختلفة: المسيار- العرفي- السري- المتعة.. تلك المسميات كلها تشير لصيغ للزواج تحاول تخطي العقبات الاجتماعية والفقهية الموجودة ولكنها تهدم أهم أركان الزواج كالإشهار وتتسبب في مآسي أسرية وضياع بين الشباب خاصة الفتيات لأنها غالبا ما تكون خصما على حقوق الزوجة المكفولة لها في الإسلام. ومع ذلك فإن الحاجة ماسة لصيغة أخرى للزواج الميسر.

السابعة: الآخر الملي والدولي : الولاء والبراء المعادي للآخر الملي والدولي اجتهاد يضر الآن بمصلحة المسلمين ويلزمهم بقتال هجومي. الصحيح أن الجهاد هو جهاد النفس ثم الجهاد بالوسائل المدنية ولا يصير قتالا إلا دفاعا عن النفس واتقاء الفتنة في الدين أي إكراه المسلمين على الخروج من الدين. إن الفهم الاقصائي الهجومي لنصوص القران غير صحيح فالمولي سبحانه يقول ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة الممتحنة آية 8. المؤسف أن الاجتهاد الاقصائي هذا يماثله في اليهودية قولهم بأنهم الشعب المختار الذي لا يتعامل مع الإنسانية بالمثل والذي يحق له أن يستولي على أرض الآخرين لأن الله قد وهبها لهم . ويماثله في المسيحية قولهم أن الناس الذين يقبلون المسيح كمخلصهم وحدهم الذين يذهبون للجنة ويقولون : أن عودة المسيح ثانية منتظرة ولن يتحقق ذلك إلا بعد معركة نهائية بين الخير والشر(معركة أرمجدون الشهيرة في التصورات الدينية المسيحية) حيث ينجو المؤمنون الحقيقيون ويهلك الباقون .

التخلي عن هذه المفاهيم الاقصائية شرط ضروري لتحقيق التعايش المطلوب بين الأديان .

الثامنة: الإرهاب: إدانة الإرهاب الأهلي وإرهاب الدول وشن حملة عالمية ضدهما مع تأكيد حق المقاومة المشروعة للإحتلال . إن الذي حدث من أعمال إرهابية في أمريكا وفي السعودية والجزائر والمغرب وتركيا عنف عبثي يضر بالإسلام والمسلمين وليس له أي عائد إيجابي.

التاسعة: المواقيت والأهلة: نحن أمة كلفت ببناء إيمانها على دراسة الكون ومع ذلك تحيا محجوبة عن الكون ونواميسه. ونحن أمة يقول كتابها " وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) سورة الانعام آية 96، ويقول (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) سورة يونس آية 5. كان الناس يعرفون بداية الأهلة بالعين المجردة والحديث يحث على ذلك : "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ". والمقصود بالرؤية في الحديث هو تأسيس استخدام المنهج الطبيعي لتحديد بدء العبادة وليست مقصورة فقط بالعين المجردة بل أيضا بالعلم بالشئ أي الحساب (وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا).. إن رؤية الهلال وسيلة لمعرفة الشهر الجديد وليست غاية في حد ذاتها فان تطورت العلوم وصار بالإمكان أن يعرف منازل القمر قوم يعلمون فأولى بنا أن نعتمد ذلك ولا نتحدث عن أسلوب الرؤية بالعين المجردة وبذلك نخلص أمتنا من هذا المشهد العجيب إذ صامت هذا العام على ثلاثة أيام: يوم الأحد والاثنين والثلاثاء.

العاشرة: الاجتهاد المؤسسي: الاتفاق على تكوين مؤسسة غير حكومية أممية تتولي الاجتهاد الإسلامي وتنال شرعيتها بأهلية المشتركين فيها وجدية اجتهادهم .

إننا في هيئة شئون الانصار نحضر الآن لدعوة مائة عالم ومجتهد من كل أنحاء العالم الإسلامي وسوف نقترح عليهم ورقة عمل تتناول هذه القضايا العشر، وأخرى لا تقل أهمية مثل المرأة والشباب والفنون والرياضة، لدراستها وحضور الاجتماع المرتقب .

ونعتبر هذا الواجب جزءا لا يتجزأ من رسالة الدعوة المهدية التي وظفت نفسها في مراحلها المختلفة لإحياء الدين واستيعاب المستجدات على أساس أن لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وآوان رجال .

قال رسول الله (ص) " من دعا إلي هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا . ومن دعا إلي ضلال كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. "

أحبابي وأخواني وأبنائي

الله تعالي وعد الناس بألا يبقي إلا ما ينفع . اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا واغفر لنا.

تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك اعظما

استغفروا الله

الخطبة الثانية

الله اكبر الله اكبر الله اكبر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أحبابى وأخوانى وأبنائى

رجالا ونساءا وأطفالا

الأقربون أولى بالمعروف ، وخيركم خيركم لأهله . والوطن هو العشيرة المتوسطة بين الأسرة والأمة.

فالمرء قد يسلى المسيء المدعي والمحسنا

والخمر والحسناء والوتر المرنــــــــم والغنـا

ومرارة الفقر المذل بلى ولــــــــــــذات الغنـى

لكنه مهما سلا هيهات يســــــــــــــــلو الموطنا

لا يرجى أن يكون لنا عطاء أممى فعال ما لم نصلح حالنا الوطنى.

السودان وطننا الحبيب كثير التنوع دينياً وثقافياً واثنيا وجغرافيا إنه افريقيا مصغرة.

التنوع الموروث أضاف اليه الاستعمار عنصراً جديداً هو الثقافة الأنجلوفونية المسيحية فى المناطق الجنوبية.

حكوماتنا الوطنية الديمقراطية التى خلفت الاستعمار عجزت عن إدارة هذا التنوع بصورة متوازنة أولاً لأنها اعتبرت الهوية الجديدة الأنجلوفونية المسيحية دخيلة وثانيا لأن الانقلابات العسكرية لم تمهلها الوقت الكافى.

ولكنها فى الوقت الضيق المتاح لها أجرت حوارات مع أصحاب الشأن كان من نتائجها:

· و عد المرحوم السيد/ محمد صالح الشنقيطى فى مؤتمر جوبا 1947 للجنوبين بمراعاة الخصوصية الجنوبية فى مستقبل التطور الدستورى للبلاد.

· وعد الأحزاب السياسية بالنظام الفيدرالى لدى كتابة الدستور فى 1955.

· اتفاق الأحزاب السياسية عبر مؤتمر المائدة المستديرة 1965، لجنة الاثنى عشر 1966 ، ومؤتمر الأحزاب السودانية 1967 ، على إقامة حكم ذاتى إقليمى للبلاد.

· مؤتمر الوفاق الوطنى الذى اقترح صيغة للتوفيق بين الالتزام الاسلامى والوحدة الوطنية وذلك بتأسيس القوانين العامة على المواطنة وكفالة حق المسلمين فى تطبيق أحكام الشريعة فى عام 1987 .

· إعلان كوكادام 1986 ، والمبادرة السودانية 1988 ، وبرنامج القصر الانتقالى 1989 ، وخلاصتها تجميد تطبيق قوانين سبتمبر 1983م، وعقد مؤتمر قومى دستورى لحسم قضايا الدين والدولة، توزيع الثروة ، واللامركزية لابرام اتفاقية سلام عادل .

أما الحكومات الديكتاتورية التى حكمت البلاد لثلاثة أرباع المدة منذ الاستقلال فقد انطلقت من نفس الأسباب التي أدت للعجر الديمقراطي في إدارة التنوع وأضافت لها أن الديكتاتورية تستند على القهر لكبح المخالفين وتصم الآذان لدعوات الحوار، وبذلك فقد قفزت صعودا فى فرض برنامج الثقافة الاسلامية العربية:

· الحكومة العسكرية الأولى ألغت إجازة الأحد المعمول بها فى الجنوب ، وطردت المبشرين الأجانب، ووحدت برنامج التعليم على أساس مركزى.

· الحكومة العسكرية الثانية مع أنها استفادت من تحضيرات الديمقراطية الثانية وأبرمت اتفاق سلام دام عقدا من الزمان وأوقف حرب أنانيا الأولى ، إلا أنها خرقت ذلك الاتفاق ودخلت فى تحالفات إقليمية ودولية محورية وفرت للتمرد المتجدد سندا اقليميا ودوليا متمثلا في حلف عدن الثلاثى ومن الاتحاد السوفياتى.

ثم وسعت الشقة بإعلان قوانين سمتها اسلامية على كل السودان فى سبتمبر 1983 فأورثت البلاد حربا جديده أخطر وأوسع من الحرب التى احتوتها اتفاقية السلام فى عام 1972.

· الحكومة العسكرية الثالثة أقامت نظام "الانقاذ" الشمولى الذى اتبع ايديولوجية اسلاموية حزبية ضيقة أدت سياساتها الإقصائية إلى استعداء القوى السياسية فى الشمال وتعميق العداء مع قوى المقاومة المسلحة وأدت سياساتها التوسعية لاستقطاب قوى إقليمية ودولية ضدها. هذا العنقود من الحلفاء المعادين لنظام الانقاذ وما نتج عنه من استقطاب حاد عرض البلاد لخطر التمزق والتدويل بصورة غير مسبوقة.

وفى أثناء هذا الاستقطاب الحاد تحاورت القوى السياسية السودانية وقوى المقاومة المسلحة حواراً عبر مؤتمر نيروبى أبريل 1993، ومؤتمر أسمرا يونيو 1995، حوارات أسست قرارات تصلح لبنات لبناء الوفاق الوطنى، خلاصتها:

· الاعتراف بالتنوع الدينى والثقافى والاثنى فى البلاد.

· اعتبار المواطنة أساسا للحقوق والواجبات الدستورية .

· الاتفاق على الوحدة الطوعية عبر استفتاء لتقرير المصير بعد فترة انتقالية تجرى اثناءها اصلاحات تزيل أسباب الحرب .

· توزيع عادل للثروة القومية .

· إقامة الحكم والإدارة على أسس لا مركزية .

· مراجعة هياكل مؤسسات الدولة لاستيعاب هذه المستجدات لتحقيق قومية هذه المؤسسات وبناء دولة الوطن.

· فى وجه هذا الحصار الفكرى ، السياسى ، والعسكرى ، والدبلوماسى راجع نظام الانقاذ أجندته الأحادية الايديولوجية فى اتجاه الاصلاحات التى حددتها مقولات المعارضة.

· مساءلة معتدلة تقوم على تقصي الجقائق ورفع المظالم.

نظام " الانقاذ " خالف النظامين الدكتاتوريين السابقين فى أمرين :

الأول : صعد النهج الإقصائى ، الهجومى، التوسعى، إلى درجة غير مسبوقة حولت المشاكل إلى أزمات. وشدة الأزمة تفضى لانهيار أو لانفراج.

اشتدى أزمة تنفرجى . الأزمة مفتاح الفرج.

الثانى: واجه التأزم بالاستعداد للحوار لتحقيق حل سياسى شامل.

منذ عام 1994 أطلقت منظمةالايقاد مبادرة السلام فى السودان انطلاقا من ستة مبادىء أعلنوها.

مبادرة الايقاد مبادرة اقليمية ولكن لبعض الدول الغربية اهتمام بالشأن السودانى بسبب ما تساهم به من إغاثات انسانية ، واهتمام كنائسها بمصير المسيحيين فى السودان ، واهتمام الرأى العام فيها بالتعديات على حقوق الانسان فى السودان . لذلك التحقت هذه الدول بمبادرة الايقاد وكونت منبر شركاء الايقاد.

هذا الرافع الدولى وفر لمبادرة الايقاد إمكانات فكرية وفنية ومالية وأعطاها فاعلية وجدوى.

كانت السياسة الأمريكية نحو السودان محكومة برؤية أيديولوجية لقرن أفريقى جديد السودان جزء منه.

ولكن تلك الرؤية أحبطت وبعد تقرير مجلس الدراسات الاستيراتيجية الدولية فى يوليو 2000 وانتخاب إدارة جديدة عدلت أمريكا سياستها نحو السودان لتصبح أكثر واقعية وأكثر اعتدالا.

الرافع الأمريكى فعًل مبادرة الايقاد عبر المحطات الأربع الآتية :

1- اتفاقيات بناء الثقة الأربع التى حققت تطبيعا فى جبال النوبة- ومراقبة لاستهداف المدنيين – وخطوط آمنة للإغاثات الإنسانية فى مناطق العمليات ولجنة للتحرى بشأن اتهامات الرق فى يناير 2002.

2- محطة بروتوكول ميشاكوس الذى اتفق فيه ضمن بنود أخرى على تطبيق الشريعة فى الشمال وتقرير المصير للجنوب فى يوليو 2002.

3- مذكرة التفاهم حول نقاط عديدة وتجديد العزم لايجاد حلول سلمية فى أكتوبر 2002.

4- اتفاقية نيفاشا المتعلقة بالترتيبات العسكرية و الأمنية للفترة الانتقالية فى سبتمبر 2003.

هنالك عدد كبير من النقاط الهامة لم يشملها الاتفاق بعد. ولكن ما انجز حتى الآن يمثل إنجازاً حقيقيا وأدى إلى مناخ وفاقى متأهب للسلام والتحول الديمقراطى ولكن هنالك ثلاثة عيوب فى هذه الاتفاقات.

العيب الأول: بعض البنود اتفق عليها واعتبر ما اتفق عليه الطرفان كافياً ليجعل الاتفاق قومياً وهذا فهم غير صحيح ينبغى تصويبه.

العيب الثانى: يفترض الوسطاء ويقبل ذلك المفاوضان ضمناً أن الاتفاق المزمع بين الطرفين وهو ثنائى يكفى لحسم النزاعات فى السودان وهذا افتراض خاطىء .

العيب الثالث: الاحتضان الاقليمى والدولى للاتفاقيات ناقص بغياب دول أخرى يهمها أمر السودان لا سيما جيران السودان فى الشمال.

القضايا الهامة التى لم تحسم بعد في طاولة التفاوض الثنائي الجاري الآن أهمها الآتى:

أ‌- الحكومة الانتقالية.

ب- مسألة الثروة.

ج- السلطات المركزية واللامركزية وبقية تفاصيل قسمة السلطة.

د- مظالم المناطق غير الجنوبية.

هـ- برنامج التحول الديموقراطى- سيما الانتخابات.

و- مشاركة القوى السياسية الأخرى.

ز- الدور الدولي المطلوب.

سوف تجرى محادثات للاتفاق بشأن هذه المواضيع ولكن عندما يستعصى الاتفاق بين الطرفين يتوقع أن يحدث ما حدث فى المراحل السابقة وهو تصرف الوسطاء كمحكمين لايجاد حل.

ان اتفاقية سلام قاصرة على طرفى التفاوض ومعتمدة على ضغوط الوسطاء بعيدا عن مشاركة القوى السياسية السودانية سوف تولد مشوهة مهما صحبها من زخم مهرجانى.

إننا لم نقف مكتوفي الأيدي إزاء حصر التفاوض بين طرفين بل عملنا على بحث القضايا المثارة وتحديد الخيارات حولها وبلورة الحلول الوسط وتعبئة الرأي العام دعما للسلام والتحول الديمقراطي مقترنين قرانا كاثوليكيا. وفي سبيل الديمقراطية ودحض افتراءات الشموليين فقد جددنا هياكلنا الحزبية ونظمنا صفوفنا. كما عملنا ونعمل على تجميع القوى السياسية حول كلمة سواء في قضايا الوطن الهامة. إن ما نقوم به من حراك ومبادرات تشكل زخما كبيرا يقود الرأي العام الداخلي ويرفد منه الوسطاء الذين يقومون بالتوسط والتحكيم والضغط في العملية التفاوضية الجارية الآن.

وتجنباً لكافة العيوب اقترحنا تكوين مجلس قومى سودانى يضم القوى السياسية التى أفرزتها انتخابات 1986 العامة الحرة ، والقوى السياسية التى أفرزتها المقاومة المسلحة ، والقوى السياسية التى أفرزتها المعارضة المدنية، وممثلين لمنظمات المجتمع المدنى مع اعتبار محدد للنساء والشباب

هذا المجلس القومى تكون صلاحياته التصديق على الاتفاقيات والتحكيم لحسم الاختلافات .

إنه مجلس شامل التمثيل للقوى السياسية السودانية وشامل الحضور لجيراننا فى أفريقيا وللأسرة الدولية والمنظمات الاقليمية والدولية.

أحبــابى وإخوانى.

إن قطعة هامة من كبدنا الغربى تنزف فى دارفور الكبرى.والنتيجة اقتتال متجدد وتدهور في الأمن واشتعال الفتن العرقية والمآسي الإنسانية من مجاعات ونزوح.. إننا نرى ضرورة إعطاء أزمة دارفور الكبرى أولوية لتقوم آلية قومية بمراجعة السياسات التي أدت لهذه الحالة وتعبئة الموارد لاحتواء نقص الخدمات واحتواء المآسي الإنسانية. ومهما كانت المكاسب السياسية فإننا لا نريد أن نزيد من أسباب الالتهاب بل نناشد الجميع الاحتكام للعقل والمصلحة الوطنية ونبذ الاقتتال وأن تتعامل الحكومة بالجدية والأولوية اللازمة ضمن نهج قومي نحن على استعداد للقيام بدورنا كاملا فيه.

إن وفدنا في هيئة شئون الأنصار ذاهب للعيد مع أهلنا هناك استشعارا للمأساة ودعوة ومخاطبة للأهل بهذه المعاني.

أحبـابى وأخوانى
هنالك من يريدون توظيف اتفاقية السلام لكتابة عمر جديد للشمولية هذا يعنى أننا نجرى عملية جراحية كبيرة دون أن نستأصل أحد أسباب الداء.

من أهم الدروس التى ينبغى أن نخرج بها من تجربتنا أن نقول بوضوح لا للشمولية ولا للانقلابات العسكرية. لا شك أن كل الذين لجأوا للانقلاب العسكرى لتحقيق فكرة ندموا على ما فعلوا: ندم رئيس الوزراء ، وندم الحزب اليسارى ، وندم الحزب اليمينى ، الذين ظنوا الانقلاب العسكرى وسيلة صحيحة لتحقيق مصالح سياسية:

ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا

بعض سدنة الاستبداد يدافعون عن الديكتاتورية بإنجازاتها.

فى كتابى عن رجحان الديمقراطية فندت هذه المزاعم بالوثائق والحقائق . ولكن حتى إذا صحت هذه المزاعم فالغاية لا تبرر الوسيلة الا فى منطق ميكافيلى الأعرج.

إننا بهذه المناسبة نوجه نداءاً مخلصا لأخوتنا فى النظام ونقول مهما كان بيننا فى الماضى فإن وطننا فى خطر شديد تعالوا نتعاون لدرء الخطر وتحويله لفرصه تجعل بلادنا مثلا للآخرين فى صنع السلام وصنع الديمقراطية.

خذوه منا وعدا خالصا مخلصا.. مهما أصابنا من بطش وضيم فإننا قدرنا تقديرا كبيرا اتجاهكم نحو المراجعة والإصلاح. لذلك نحن مستعدون للتعاون الجاد في مواجهة كل القضايا القومية لا سيما العمل على تحقيق وإنجاح اتفاقية السلام العادل، والعمل على جعلها اتفاقية قومية تحظى بتأييد شعبي عريض، والعمل مع كافة الأطراف السودانية المخلصة لجعل وحدة البلاد الطوعية الخيا رالغالب.

ومطالبنا الوطنية هي تحقيق هذا السلام العادل والتحول الديمقراطي. إن للتحول الديمقراطي استحقاقات أهمها:

· كفالة الحريات العامة وإلغاء قوانين وأجهزة القمع مثل الاعتقال التحفظي والتعدي على حرية الصحافة وفي هذا الصدد ينبغي الإفراج عن صحيفة الوطن وصحيفة الأيام وصحيفة خرطوم مونتر التي كانت مثالا للصحافة المسؤولة.

· قومية مؤسسات الدولة النظامية والمدنية.

· استحقاقات التعددية التي تجعل قانون الأحزاب والنقابات عادلا وديمقراطيا وتسجيلها بآلية قومية ومحايدة.

· ترتيبات الانتخابات العامة الحرة قانونا وممارسة.

إذا تمت هذه الإصلاحات الديمقراطية فإنكم سوف تجدون الشعب السوداني كله متعاونا لتحقيق تحول ديمقراطي نموذجي. وفي هذا الصدد فإن ما تحظون به من موقف انتخابي سوف تكون له شرعية شعبية واحترام دولي ونلتزم نحن باحترام ما يقرره شعبنا من تأييد لكم مثلما نتوقع أن تحترموا ما يقرره الشعب انتخابيا بشأن الآخرين.

أنتم تعلمون أن كل منطقتنا الآن مطالبة داخلياً وخارجياً بالحريات العامة والتحول الديمقراطى والسودان أولى بأن يصبح القدوة للآخرين وهذه فرصتكم وفرصة شعبنا أن يقال عنه أنه مدرسة الديمقراطية فى المنطقة .

إن لربكم فى دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها .

إننا من هذا المنبر نعلن أننا على اتصال بالمؤتمر الوطني اتصال نحرص عليه لمصلحة الوطن ونتطلع أن يتجاوب مع استحقاقات التعددية الديمقراطية ويعتمد على قواعده الشعبية لا المعاملة الرسمية الخاصة.

ونعلن أننا على اتصال بالحركة الشعبية اتصالا استأنف علاقات تاريخية ونتطلع لتحولها لحزب سياسي ديمقراطي نتعاون معه في بناء الوطن الديمقراطي الموحد طوعيا.

ونعلن أننا على صلة بالاتحادي الديمقراطي ونتطلع لتجاوزه الظروف الاستثنائية وعقد مؤتمره العام لتحقيق المؤسسية الديمقراطية وتفعيل دوره الوطني المنشود.

ونعلن أننا على صلة بالمؤتمر الشعبي ونتطلع لتجاوز مشاكل الماضي والتركيز على العمل الوطني المشترك من أجل الصحوة الإسلامية وبناء الوطن.

ونعلن أننا على اتصال بالحزب الشيوعي السوداني ونتطلع لعقده مؤتمره وتأسيس الاجتهاد الإصلاحي الجديد.

ونعلن أننا على اتصال مع كافة القوى السياسية الأخرى وأننا نوظف هذه الاتصالات من أجل الأجندة الوطنية.

ولكيلا ننهي عن فعل ونأتي مثله نقول أننا حرصنا على بناء حزبنا ديمقراطيا ومؤسسيا. عقدنا على مستوى القاعدة ما لا يقل عن خمسمائة مؤتمر قاعدي، وصرفنا ما لا يقل عن مليارين جنيها، وجددنا كافة مؤسساتنا السياسية والدينية على أساس الشورى والديمقراطية ورأي الجماعة، وكانت هذه الإجراءات كاملة الشفافية في كل مراحلها وكان الجهد خالصا وجادا من كافة كوادرنا، وكان التمويل معتمدا على إمكاناتنا الذاتية.. فحزبنا وكياننا تجاوزا العفوية والشخصية وتحصنا بالشورى والديمقراطية والمؤسسية. نعم طرأ علينا اهتزاز وظفناه توظيفا إيجابيا بحيث احتوينا ضرره وانتفعنا بتحدياته. بعض الذين اعتدوا علينا باللقاء المباغت الذي عقدوه، وبعض الوسطاء ما برحوا يتصلون بنا. بوضوح تام نقول لهم، أمام هؤلاء أن يعترفوا بلا شرعية مؤتمر المباغتة وأن يعترفوا بالمؤتمر المنتخب فإن فعلوا ذلك يمكن لحزبهم أن يبحث كيفية التطبيع وإلا فلا، لأن علينا أن نخرج بالسياسة السودانية من الشخصنة والمجاملات إلى مرحلة أنضج.

إننا نؤكد أننا سوف نوظف كافة هذه العلاقات مع القوى السياسية لتحقيق السلام العادل والتحول الديمقراطي واعلموا جميعا أن حزبنا لا يطمع في أية وظيفة مهما كانت لا تأتيه عن طريق انتخابات حرة.

وهناك من يريدون توظيف اتفاقية السلام لمحاكمة الثقافة الاسلامية العربية فى السودان.

تعالوا نبحث هذا الأمر . هنالك خمس حقائق موضوعية ينبغى أن نعترف بها هى:

أولاً : الاسلام هو دين أغلبية أهل السودان.

ثانياً : العربية لغة أصل لثلث أهل السودان ولغة مكتسبة للثلث الثانى ولغة مخاطبة لبعض من الآخرين.

ثالثاً : عبر القرون اكتسب السودان ثقافة مركزية عبرت عنها آدابه وفنونه.

رابعاً : السودان فيه دين مسيحى وأديان أفريقية ولغة مثقفية العالمية هى الانجليزية وفيه ثقافات نيلية، واستوائية، وبجاوية، ونوبية، لم تنل حقها من التقدير والاعتراف فى السودان.

خامساً : هذا العيب فى التعامل العادل المتوازن لحق بكافة الإدارات السودانية ولكنه بلغ أقصاه فى العهد الأخير .

نحن ملتزمون عبر اتفاقية السلام القادمة وبرامجنا السياسية أن نعمل عبر مواثيق دينية وثقافية وبرامج اقتصادية وخدمية ونظام حكم راشد ديمقراطى لا مركزى ، أن نعمل مع الجميع يداً بيد لتحقيق العدالة والتوازن المطلوبين ونرجو أن نجد لديكم الاستعداد المماثل وإلا يفتح مجال لمحاكمة الثقافة الاسلامية العربية بتجاوزات بعض دعاتها . لأن مثل هذه المحاكمة وما يترتب عليها من استقطاب يؤدي لمواجهات تفسد السلام وبناء الوطن.

إننا نستطيع معاً أن نقدم نموذجاً سودانياً للتحول نحو السلام ونحو الديمقراطية ونحو علاقات تكاملية عربية أفريقية وعلاقات توفيق بين الوحدة الوطنية والتنوع الدينى والثقافى والإثنى.

إننا أمام استحقاقات التحول الديمقراطى والسلام العادل أمام رسالة وطنية عليا ينبغى ان نحشد لها التأييد داخلياً وخارجياً لأن بها صلاح وفلاح ونجاح الوطن.

أحبابي وأخواني

لا يفوتنا أن نذكر مأساة فلسطين فالشعب الفلسطيني بصموده يكتب أروع ملاحم التضحية، وقد بدأ الرأي العام العالمي تحولا صحيا فإلى غد قريب ينال فيه الشعب حقوقه المشروعة ويقيم دولته المستقلة وتنفذ كافة القرارات الدولية بما في ذلك القدس وحق العودة.

أما العراق الشقيق فإن انهيار النظم الطاغوتي فيه خطوة إلى الأمام. لقد كانت الرؤية الأمريكية خاطئة تستبدل باطلا بباطل، ولكنها أمام موقف الشعب العراقي والأمة الإسلامية العربية راجعت موقفها في الاتجاه الصحيح.. هذه المراجعة ينبغي أن تتصل حتى يستلم العراقيون أمورهم في أيديهم وتتولى الأمم المتحدة الإشراف الدولي.

إن ما يحدث في فلسطين والعراق يمثل مصدرا للعنف وفرصا للإرهاب ومن أهم وسائل تجفيف مصادر الإرهاب كفالة حق الشعبين العادل.

ومن الأنباء السارة داخل بلادنا إن الموسم الزراعي الحالي كان ناجحا ولكن فرض ضرائب زراعية جديدة يرهق الزراعة والمزراعين. الزراعة تطلب دعما لا زيادة أعباء وحجة فرض ضرائب زراعية لسد عجر الميزانيات في الفصل الأول غير مقبولة بل المطلوب خفض التكاليف الإدارية التي زادت زيادة ضخمة لأسباب غير موضوعية.

أحبـابى وأخوانى
رحم الله رجالا ونساءاً وأطفالاً كانوا معنا فى هذا المشهد واختارهم الله إلى جواره وأخص بالذكر الحبيب الراحل عمر الذى أقول فى رثائه من سره أن ينظر إلى رجل دولة من أهل المدينة الفاضلة فلينظر إلى عمر طبت حياً وميتاً يا عمر.

وأقول فى رثاء الحبيب عبد الله من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عبد الله اسحق سلام عليك فى الخالدين يا عبد الله. (من المؤمنين رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).

هنالك رجال ونساء غيبهم عن مشهدنا هذا المرض على رأسهم الحبيب الأمير عبد الرحمن نقد الله شفاه الله ودعم الكيان بقدراته الجهادية المدنية وشفاهم الله أجمعين.

أحبـابى وأخوانى
العيد مبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى بلادنا باليمن والبركات.




محمد مهاجر

Post: #3
Title: Re: من منكم يأتينا بكل ما كتبه الصادق المهدي عن اتفاقية نيفاشا
Author: محمد حسن العمدة
Date: 10-11-2007, 11:05 PM
Parent: #2


بسم الله الرحمن الرحيم

اتفاقية السلام يناير 2005
ومشروع الدستور أبريل 2005
في الميزان

الإمام الصادق المهدي

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

القاهرة في مايو 2005م
تصميم الغلاف: رباح الصادق

المحتويات
الموضوع الصفحة
مقدمة 4
الفصل الأول: اتفاقية السلام
1- تلبية الاتفاقية لتطلعات السودانيين
2- دورنا في بلورة المفاهيم الواردة فيها
3- الافتقار للشمول
4- التناقض
5- الصفقة الثنائية
6- المناطق الرمادية
7- قضايا هامة غائبة
8- نصوص قاصرة
9- نصوص مجحفة
10- التدويل
الفصل الثاني: مشروع الدستور
عيوب مبدئية
عيوب هيكلية
عيوب تفصيلية


مقدمة
تأرجح حكم السودان منذ استقلاله بين ثلاثة نظم ديمقراطية أطاح بها:
• ضعف التكوينات الحزبية وعجزها عن تحقيق أغلبيات مستقرة تدعم الحكومات.
• العجز عن تحقيق التوازن في إشباع المطالب الدينية , والثقافية, والجهوية, والتنموية.
• الانفلات النقابي الذي جعل النقابات سلماً لطموحات حزبية.
• ضغط الحرب الأهلية المو########.
• الاستعداد الانقلابي لدى بعض الشرائح العسكرية.
• الجوار الإقليمي الطارد للديمقراطية.
• الأحزاب السياسية العقائدية قليلة الإيمان بالديمقراطية كبيرة الاستعداد لاختصار الطريق انقلابيا نحو السلطة. هؤلاء المغامرون اغتصبوا السلطة وأطاحت بهم عوامل حللناها في مجال آخر.
أما بالنسبة لنظام انقلاب " الإنقاذ " فإنه يقف اليوم محاصراً بعدة عوامل هي :
• الجهاد المدني.
• المقاومة المسلحة.
• الانقسام الداخلي.
• الحصار الإقليمي.
• الحصار الدولي.
• سياساته المتردية في دارفور.
• القرارات الدولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا سيما القرارات 1590 ,1591, 1593.
آن الأوان لنظام الإنقاذ أن يتدبر أمره ليدرك أنه اتبع سياسات حزبية فرقت كلمة المسلمين، وأكسبت البرنامج الإسلامي سمعة طاردة حتى صرنا لأول مرة في تاريخ السودان الحديث نشهد غلبة المنطق السياسي العلماني، ونسمع بظاهرة ردة مسلمين عن دينهم. كان الإسلام في مناخ التسامح والاعتدال يشهد دائماً وعلى طول تاريخ السودان ظاهرة التمدد والإقبال, ولكن التشدد جاء بنتائج عكسية.
سياسات النظام نفرت السودانيين من وطنهم حتى شهدنا ظاهرة ازدحامهم في كل أنحاء الأرض يطلبون إعادة التوطين وحق اللجوء. كان السودانيون إذا اغتربوا يغتربون للعلاج أو للدراسة أو للوفاء بعقود عمل, لكن الأكثرية الآن ولأول مرة في تاريخ السودان الحديث تركت السودان لأسباب سياسية أو إعاشية، إن السياسات المتبعة لاسيما في دارفور فككت عرى الولاء الوطني حتى صار كثير من السودانيين يثقون في الأجنبي ولا يثقون في السوداني ويعتبرون الأجنبي هو الذي " أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" !.
سياسات النظام لطخت سمعة السودان بتهم الاضطهاد الديني والإنساني, والثقافي. وكونت ضده لوبيات عنقودية في كل أنحاء العالم وجعلت السودان لأول مرة في تاريخه منذ الاستقلال في عام 1956م هدفاً لقرارات دولية عقابية أصدرها مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
أفلح النظام السوداني في التوقيع مع الحركة الشعبية على اتفاقية سلام في يناير 2005. اتفاقية تفاوضا في سبيلها زهاء ثلاثة أعوام وأصدرا بموجبها مشروع دستور للسودان.
اتفاقية ودستور ما كانا ممكنين لولا الرافع الإقليمي الكيني وأهم منه الرافع الدولي الأمريكي.
الحرب الأهلية في السودان سبقت نظام " الإنقاذ" في 30 يونيو 1989م ولكن الذي فتح أبواب الجحيم على "الإنقاذ" في شمال السودان، وفي جنوبه، وفي دول الجوار، وفي العالم الواسع أن "الإنقاذ" حاولت فرض برنامج حزبي إقصائي توسعي أحادي على الكافة بمنطق القوة.
لم يعِ النظام الدرس وهاهو يحاول مع حليفه الجديد فرض برنامج حزبي ثنائي إقصائي على الكافة بمنطق لا يستند في نهاية المطاف إلا على القوة.
موقفنا..
نحن نتحدث باسم الأغلبية المغيبة ونرحب بالسلام ونرى أن لبناته مستمدة من مبادراتنا، ولكننا نريده سلاماً عادلاً و شاملاً. كما نرحب بالتحول الديمقراطي ولكننا نريده تحولاً ديمقراطياً حقيقياً. لا نتحفظ على المكاسب التي نالها الجنوب في المساواة في المواطنة، والوحدة الطوعية، والسلطة، والثروة، كما سوف نفصل لاحقاً. لكننا نرى أن استدامة اتفاقية السلام توجب:
 أن تكون المكاسب للجنوب لا لحزب في الجنوب.
 أن يعم الإنصاف كافة الجماعات والجهات.
لا نسعى لإقصاء المؤتمر الوطني، ولا للتعامل الانتقامي معه. ولكننا لا نقبل تستره باتفاقية السلام لاستمرار فرض اجتهاده الإسلامي الحزبي على أغلبية المسلمين، ولا نقبل اعتباره اتفاقية السلام جواز مرور للتحكم في الشمال حاضراً ومستقبلاً.
مطالب الشعب الآن
الشعب السوداني الآن يطالب بأربعة مطالب أساسية مشروعة هي:
 انعقاد مؤتمر قومي دستوري أو ملتقى جامع على نحو مؤتمر الكوديسا في جنوب إفريقيا (1993) وظيفته:
o توضيح النقاط الرمادية الكثيرة التي ورد بها الاتفاق وتوجب تفسيراً قومياً ملزماً.
o إلحاق قضايا هامة للسلام سكتت عنها الاتفاقية.
o تعديل التمكين الثنائي المتعدي على حقوق الآخرين.
o المصادقة على النقاط الجوهرية الصانعة للوفاق مثل تقرير المصير والفترة الانتقالية , المساواة في المواطنة وغيرها لتحويل الاتفاق من ثنائي إلى قومي ملزم للكافة.
 ضبط برنامج التحول الديمقراطي بإبرام وثيقة حقوق الإنسان وحمايتها من الإفراغ, حراسة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية, التأكد من إجراء التعداد السكاني, ثم إجراء الانتخابات العامة الحرة النزيهة المراقبة دولياً.
 تأكيد أولوية وقومية قضية دارفور وقضايا النزاع الأخرى كشرق السودان واعتبارها بنودا هامة في أجندة المؤتمر القومي.
 التعاون الإيجابي مع الأمم المتحدة والاستعانة بها حتى يؤسس السلام العادل, والتحول الديمقراطي , ومحاسبة الجناة وتعويض الضحايا.
هذا الكتاب..
تبيان للحقائق ومناشدة للشعب السوداني التأهب لدعم السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي, والشرعية الدولية واستخلاص حقوقه المشروعة.
إننا نناشد كافة القوى السياسية السودانية مهما اختلفت أحزابهم ورؤاهم ووسائلهم أن يبرموا ميثاقاً وطنياً جامعاً، ميثاق سوف نعمل بوسائل الجهاد المدني لتحقيق أهدافه التي تمثل تطلعات الشعب السوداني المشروعة. ولا عذر لقاعد فالجميع وبكل وسائله مطالب بالعمل لنجدة الوطن.
اتفاقية السلام 9/1/2005 :
مرت حركة السلام في السودان بمراحل مختلفة آخرها الاتفاقية الموقعة بين النظام السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان في 9/1/2005. فقد اجتمع طرفا التفاوض (حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان) "في مفاوضات متواصلة في الفترة من مايو 2002م وديسمبر 2004 في كل من كارن، مشاكوس، نيروبي، ناكورو، نانيوكي ونيفاشا في كينيا". تم الوصول لهذه الاتفاقية عبر عتبات بدأت ببروتكول ميشاكوس في 20 يوليو 2002، ثم اتفاقية الترتيبات الأمنية في 25 سبتمبر 2003، ثم بروتوكول قسمة الثروة في 7 يناير 2004م، ثم بروتوكول قسمة السلطة، وبروتوكول حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان (جبال النوبة) وجنوب النيل الأزرق، وبروتوكول حسم النزاع في منطقة أبيي، وهذه الاتفاقيات الثلاث تم الاتفاق حولها في 26 مايو 2004م. ثم جداول وسائل تنفيذ الاتفاقيات في 31 ديسمبر 2004م. بحيث صارت الاتفاقية تضم حسب نص استهلال الاتفاقية: "نصوص البروتوكولات والاتفاقيات التي تم توقيعها بالفعل، مع هذا الاستهلال، الاتفاق على وقف إطلاق النار الدائم ووسائل تطبيق الترتيبات الأمنية وملاحقه والذي يمثل المرفق 1، وكذلك اتفاق بشأن وسائل التنفيذ وجداول التنفيذ الشامل وملاحقه والذي يمثل المرفق 2". وبذلك تشمل الاتفاقية الفصول الآتية:
 استهلال.
 الفصل الأول: بروتوكول ميشاكوس.
 الفصل الثاني: تقاسم السلطة.
 الفصل الثالث: تقاسم الثروة.
 الفصل الرابع: فصل النزاع في منطقة أبيي.
 الفصل الخامس: حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
 الفصل السادس التريبات الأمنية.
 مرفق1: وقف إطلاق النار الدائم والتريبات الأمنية ووسائل التنفيذ والملاحق.
 مرفق2: وسائل التنفيذ وجدول التنفيذ الشامل وملاحقه.
الدستور..
ومر التطور الدستوري في السودان بمراحل عديدة آخرها مشروع الدستور الذي صاغه خبراء واستعرضه فريقان من طرفي الاتفاق (مكون من سبعة أعضاء لكل فريق: 7+7)، ويحتوي على 228 مادة واقعة في ديباجة وستة عشر بابا. وتشاور حوله بدعوة من منظمة العدالة الأفريقية أربعة وعشرون قانونيا وسياسيا سودانيا في نيروبي في الفترة 18 – 21 أبريل 2005م، ودعيت للتداول بشأنه مفوضية مراجعة الدستور المتفق عليها بموجب اتفاقية السلام مكونة من طرفي الاتفاق وبعض الأحزاب السودانية في الخرطوم في 30 أبريل 2005م.
إن اتفاقية السلام ومشروع الدستور السوداني يتناولان قضايا مصيرية هامة تتعلق بإنهاء الحرب الأهلية, وبناء السلام, وبناء الوطن في ظل التحول الديمقراطي.
جميع أهل السودان، بل جيران السودان, بل الأسرة الدولية معنيون بهاتين الوثيقتين وهما تمثلان خريطة لسلام عادل وشامل في السودان, وتحول ديمقراطي يحقق الاستقرار في ربوعه، أو بناية هشة فوق الرمال!.



الفصل الأول
اتفاقية السلام

1. تلبية الاتفاقية لتطلعات السودانيين
انطوت اتفاقية السلام على بنود ومبادئ تلبي تطلعات الشعب السوداني المشروعة هي :
• وقف الحرب والبشرى بالسلام العادل.
• تقرير المصير للجنوب أساساً للوحدة الطوعية.
• تقرير مبدأ المشاركة العادلة في السلطة.
• تقرير مبدأ المشاركة العادلة في الثروة.
• كفالة حقوق الإنسان كما نُص عليها في المواثيق الدولية, ومفوضية لحراستها.
• فترة انتقالية لإرساء تجربة وطن عادل جاذب لانتماء كافة مواطنيه.
• اعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والجهوية.
• ترسيخ مبدأ اللامركزية الدستورية والإدارية.
• تأكيد وكفالة استقلال الهيئة القضائية.
• انتخابات عامة حرة تديرها هيئة مستقلة وتكون مراقبة دولياً.
2. دورنا في بلورة المفاهيم الواردة في الاتفاقية
إننا نرحب بهذه المبادئ والتوجهات ونعتبرها ملبية للتطلعات الوطنية المشروعة كما عبرنا عنها في الماضي مراراً. إن أدبياتنا السياسية تؤكد :
‌أ. أننا قدنا فكرة تأسيس الوحدة الطوعية بين الشمال والجنوب على أساس تقرير المصير وأقنعنا بذلك كافة القوى السياسية في الشمال بدءاً من لقاء شقدوم في ديسمبر 1994.
‌ب. أننا اقترحنا حل قضية الدين والدولة في مؤتمر نيروبي في أبريل 1993 بموجب جعل المواطنة أساساً للحقوق والواجبات الدستورية وتأكيد حرية الأديان في ظل ذلك.
ج. أننا اقترحنا في "مؤتمر أسمرا" يونيو 1995 تضمين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في اتفاقية السلام.
د‌. أننا بموجب اجتهادات إسلامية كانت منكرة ولكن صارت مقنعة في نطاق واسع أوضحنا :
• أن الله هو رب العالمين طوعاً وكرهاً لكافة الموجودات, وأن تعبير السيادة تعبير سياسي يوجب المشاركة والمساءلة. لذلك النص الصحيح هو أن تكون السيادة للشعب.
• أن الإيمان مسألة اختيارية لا تقبل الإكراه لذلك لا عقوبة لمن يمارس حقه في حرية الضمير والفكر والدين.
• أننا اقترحنا أن تكون التشريعات المراد تطبيقها على الكافة خالية من المحتوى الديني بينما تخصص ذات المحتوى الديني في نطاق المؤمنين بها.
هـ. كما أننا اتخذنا على طول التاريخ موقفاً إيجابيا من إنصاف الجنوب بموجب الخطوات الآتية :
إعلان أن مسألة الجنوب سياسية ثقافية اقتصادية وليست مجرد قضية أمنية أو عسكرية وينبغي حلها بالتفاوض في مناخ حر وذلك في أبريل 1964.
مشاركتنا الإيجابية في مؤتمر المائدة المستديرة 1965 وفي لجنة الإثني عشر 1966 وعقدنا للمؤتمر الجامع للأحزاب السياسية 1967. مما أدى للتوصية بإقامة حكم ذاتي إقليمي في الجنوب وحكومات ولائية في الأقاليم الأخرى ضمنت في مشروع الدستور الدائم 1968 المقدم للجمعية التأسيسية وكانت تمثل التحضير الذي استصحبه نظام 25 مايو 1969 وأقام عليه اتفاقية السلام المبرمة بينه وبين القوى السياسية الجنوبية في 1972.
في مفاوضاتنا مع نظام 25 مايو 1969 وفي أدبياتنا أكدنا باستمرار أن الإنجاز الوحيد الذي حققه ذلك النظام هو اتفاقية السلام التي تأسست على تحضيرات النظام الديمقراطي السابق، وانتقادنا الوحيد كان منصباً على طبيعتها الثنائية وضرورة حمايتها بجعلها قومية.
مشاركتنا الإيجابية في مؤتمر كوكادام مارس 1986 وموقفنا الإيجابي من مبادرة السلام السودانية نوفمبر 1988 مع التحفظ على ثنائيتها والعمل على جعلها أساساً لوفاق قومي. وقد كان. بموجب برنامج القصر الانتقالي الذي وقع عليه 29 حزباً ونقابة في فبراير 1989 وتبنته حكومة الوحدة الوطنية التي أوشكت على عقد مؤتمر قومي دستوري وافقت على عقده الأطراف الوطنية في السودان في 18/9/1989 ماعدا الجبهة الإسلامية القومية التي اختارت طريقاً حزبياً انقلابيا آخر وأجهضت مشروع السلام كله بانقلاب 30/6/1989.
ومنذ وقوع الانقلاب وتكوين التجمع الوطني الديمقراطي كآلية للمعارضة حرصنا على عقد اتفاق سلام قبلي بين القبائل المتجاورة على الحدود الشمالية الجنوبية كما حرصنا على ضم الحركة الشعبية للتجمع وقد كان.
وقدنا فكرة عقد مؤتمر قومي دستوري يحسم قضية الدين والدولة وبصورة تكفل المواطنة المتساوية وتحقق مشاركة عادلة في السلطة والثروة وتعترف بالتعدد الديني والثقافي.
وقدنا فكرة أن مناخ التراضي الوطني يوجب أن تعترف الجماعات السودانية المعنية بواقع الاستعلاء الثقافي في الماضي وضرورة الاعتذار عنه لتنقية الضمائر.
3. الافتقار للشمول:
هنالك في منطقة شمال السودان غبائن ومطالب من جنس نوع المطالب الجنوبية متعلقة باللامركزية وبالمشاركة في السلطة والثروة. هذه المطالب تعامل معها النظام الحالي في السودان بصورة غير صحيحة مما حولها إلى قضايا قومية ثم دولية، ومن العبث إبرام اتفاق ينصف الجنوب ويغفلها لأن هذا يلهب مشاعر سكان المناطق المعنية في أنحاء الشمال المختلفة علماً بأن في السودان خمسة جهات ذات هوية تضامنية هي : جنوب – شمال – شرق – غرب – وسط. وفي السودان كذلك خمسة إثنيات مميزة : عرب – زنج – بجة – نوبيون – نوبة. هذا التنوع لم يكن التعامل معه في الماضي متوازناً مما أفرز مطالب متشابهة فيه باستثناء مطلب تقرير المصير للجنوب الذي كان نتيجة مباشرة لسياسة الإقصاء "الجهادي " التي اندفع فيها نظام "الإنقاذ" بموجب أجندته الأيدلوجية الطاردة.
هنالك مشاكل شمالية/ شمالية، وأخرى جنوبية/ جنوبية. فإن لم تخاطب بالجدية والإحاطة المطلوبة فإنها سوف تواصل تحركاتها الاحتجاجية بكل الوسائل بما في ذلك القتال وسوف تفجر حركات جديدة مقتدية في كل ذلك بما حققته الحركة الشعبية وجيشها.
إذا اعتبر ما تحقق للجنوب من مكاسب للجنوب كله فإن قوى سياسية ومطلبية جنوبية سوف تتطلع أن تقتسمه بالعدل وإذا اعتبر للحركة الشعبية وحدها فإن تلك القوى سوف تنازعها فيها كذلك الحال في الشمال.. مع تشابه هذه المطالب فإن الاستجابة لها للحركة الشعبية وجيشها لأنها مسلحة دون اعتبار لمطالب الآخرين بالعدل سوف يفتح مغارة "علي بابا" من انتفاضات مسلحة.
4. التناقض:
هنالك نصوص صحيحة في الاتفاقية أفرغها التناقض من مضمونها:
‌أ. أعلنت الاتفاقية أنها اتفاقية سلام شامل ولكن نصوصها المحددة خالفت هذا المعنى لتؤسس لصفقة ثنائية بين حزبين.
‌ب. جاء في الاتفاقية " ويوافق الطرفان على أن الشمول هو جوهر هذه الاتفاقية وإشراك المجموعات المسلحة والقوى السياسية الأخرى لتصبح جزءاً من عمليه السلام ولتقوم بدورها فيها وتساهم في صون الاتفاقية" هذا الهدف السامي يحول دونه أن المتاح للقوى السياسية والعسكرية الأخرى بموجب نصوص الاتفاقية المحددة هو الانخراط في مباركة السلطان الثنائي سياسياً وعسكرياً.
‌ج. جاء في نص الاتفاقية 16- 3 بالإشارة للقوات المسلحة في الفترة الانتقالية " تكون القوتان المسلحتان والوحدات المشتركة/ المدمجة قوات مسلحة نظامية, مهنية, وغير حزبية". هذا مع أن تكوينها كله حزبي حسب النصوص المحددة بل القوات المسلحة كما تنص الاتفاقية عبارة عن ائتلاف عسكري بين حزبي الاتفاقية.
‌د. نصت الاتفاقية على هدف صحيح هو "لا يكون هناك أي عائق قانوني على التجارة فيما بين الولايات أو على تدفق السلع والخدمات ورأس المال والعمالة بين الولايات " هذا يتناقض مع وجود نظامين مصرفيين مختلفين في البلاد.
‌ه. التناقض الأكبر هو أن الاتفاقية طلبت من الأمم المتحدة إرسال بعثة بصلاحيات واسعة تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة ولكن مجلس الأمن بالقرار 1590 قرر إرسال بعثة انتداب للسودان بصلاحيات أوسع مما نصت عليه بنود الاتفاقية وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. الاتفاقية عدلت تعديلاً جوهرياً قبل أن يجف الحبر على أوراقها.
5. الصفقة الثنائية:
في تناقض واضح مع الأهداف المعلنة قامت بنود الاتفاقية المحددة على ترسيخ صفقة ثنائية يستحيل على الآخرين قبولها اختيارياً. تفاصيل هذه الصفقة واردة في عشرين بند من البنود كالآتي:
5-1) تشكيل مفوضية التقويم والتقدير من تمثيل مساو لحكومة السودان والحركة الشعبية والجيش والشعبي وما لا يزيد عن ممثلين اثنين من دول الإيقاد ومن دول الرباعي المراقبة ومن بلدان وهيئات أخرى يتفق عليها [ 2-4-1].
5-2) فيما يتعلق بتقرير المصير جاء النص كالآتي: " عند نهاية الفترة الانتقالية – ست سنوات – يجري استفتاء لشعب جنوب السودان ويراقب دولياً. ويتم تنظيمه بصورة مشتركة من جانب حكومة السودان والحركة الشعبية وذلك لتأكيد وحدة السودان عن طريق التصويت لاعتماد نظام الحكم الذي تم وضعه بموجب اتفاقية السلام أو الانفصال " [ 2-5] إذن الاستفتاء عملية تخص الثنائي الحاكم وحده.
5-3) أخطر ما في النص حول تقرير المصير هو تكريس نظام الحكم الثنائي في الفترة الانتقالية وفي المستقبل أيضاً إذا تمت الموافقة على الوحدة.. نظام انتقالي معيب ويراد له أن يكون نظام دائم للسودان.
5-4) جاء في الاتفاقية "على أي شخص يرشح نفسه في الانتخابات أن يحترم اتفاقية السلام ويلتزم بها وينفذها " [ 1-8-6 ] هذا معناه لا حرية إلا لمن كان مؤيدا للسلطان الثنائي.
5-5) جاء في الاتفاقية قبل الانتخابات تخصص المقاعد في المجلس الوطني على النحو التالي : [2-5-2].
{أ} المؤتمر الوطني يمثل بنسبة 52%.
{ب} الحركة الشعبية 28%.
{ج} قوى سياسية أخرى من الشمال 14%.
{د} قوى سياسية أخرى من الجنوب 6%.
هذا معناه تكريس أغلبية ثنائية 80% تفعل ما تشاء وتجعل حضور الآخرين مجرد زينة.
5-6) ينتخب الرئيس { رئيس الجمهورية } عن طريق الانتخابات القومية التي تجري في موعد يتفق عليه الطرفان " [ 2-3-7].
5-7) " قبل إجراء الانتخابات تخصص المقاعد في السلطة التنفيذية القومية على نحو مماثل للنسب في المجلس الوطني " [2-5-5].
5-8) المصادقة على الاتفاقية تقوم على أساس ثنائي " يرسل نص منها [الاتفاقية] إلى المجلس الوطني ومجلس التحرير الوطني التابع للحركة الشعبية للموافقة عليه في الصيغة التي ورد عليها " [ 2-12-4-1].
5-9) الاتفاقية مقدمة على الدستور بالنص الآتي : " وفي حالة حصول تعارض {بين الاتفاقية والدستور } فان أحكام اتفاقية السلام تسود طالما ظل ذلك التعارض قائما " [2-12-5].
5-10) التصديق على الدستور نفسه ثنائي "على إثر اعتماده من طرف كل من المجلس الوطني [النظام] ومجلس التحرير الوطني التابع للحركة الشعبية يصبح النص الدستوري الدستور القومي الانتقالي للسودان خلال الفترة الانتقالية " [2-12-7].
5-11) قسمة السلطة التشريعية في جنوب السودان قائمة على أساس تمكين ثنائي كالآتي:[3-5-1].
‌أ. الحركة الشعبية لتحرير السودان ممثلة بنسبة 70%
‌ب. المؤتمر الوطني 15%.
‌ج. القوى السياسية الأخرى من الجنوب 15%.
5-12) السلطة التنفيذية في الجنوب كذلك قائمة على أساس ثنائي [3-6-4].
5-13) السلطة الولائية مقسمة على أساس ثنائي مماثل بحيث تعطي المؤتمر الوطني هيمنة على الشمال وتعطي الحركة الشعبية هيمنة على الجنوب. جاء في النص " يكون للمؤتمر الوطني 70% في الولايات الشمالية وللحركة الشعبية 70% في الولايات الجنوبية نسبة 30% الباقية تقسم كالآتي:
‌أ. نسبة 10% في الولايات الجنوبية لحزب المؤتمر الوطني.
‌ب. نسبة 10% في الولايات الشمالية للحركة الشعبية.
‌ج. نسبة 20% في الولايات الشمالية والجنوبية تشغلها القوى السياسية الأخرى الشمالية والجنوبية على التوالي [4-4-2].
5-14) تكوين المفوضية القومية للبترول في السودان يقوم على أساس تمكين ثنائي من غير حضور للآخرين [3-03].
5-15) الاطلاع على عقود البترول الراهنة سر محجوب على كافة السودانيين إلا حكومة النظام الحالية والحركة الشعبية [4-01].
5-16) الأجهزة التنفيذية والتشريعية الانتقالية في ولايتي جنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق مقسمة بين حزبي الاتفاقية بلا حضور لغيرهما.
5-17) القوات المسلحة السودانية تشكل مناصفة بين الحزبين. جاء النص كالآتي: " تكوين الجيش السوداني في المستقبل والذي سوف يشكل بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان " [ البند الأول في بروتوكول الترتيبات الأمنية ]. كذلك تكوين القوات المسلحة في الفترة الانتقالية تكوين ثنائي صارم.
5-18) الطرفان سوف يوجهان الصحافة إعلاميا في الفترة الانتقالية. جاء النص " دون الإخلال بحرية الصحافة يوافق الطرفان على تشكيل لجنة إعلامية مشتركة عند التوقيع على اتفاقية السلام الشامل لوضع مبادئ عامة للإعلام والصحافة سعياً إلى تعزيز بيئة تشجع على التنفيذ السلمي لوقف إطلاق النار " [10-4] هذا معناه بتر حرية الصحافة لصالح توجيه ثنائي.
5-19) القوات المسلحة الأخرى في السودان لا خيار لها بموجب الاتفاقية إلا الانضمام لإحدى القوتين المسلحتين التابعتين للحزبين [11-08].
5-20) مجلس الدفاع الوطني مكون على أساس ثنائي بحت [17-01].
6 المناطق الرمادية:
فجوة الثقة بين طرفي التفاوض كانت واسعة فهما يمثلان طرفي النقيض الفكري في السياسة السودانية. كان الحوار بينهما في الغالب عقيماً. فجوة الثقة هذه أضرت بالمصلحة الوطنية في أمرين الأول: هو أن وصول الحوار لطريق مسدود في كثير من القضايا أوجب تدخل الوسطاء برأي ثالث قبله الطرفان ولكنه يحمل بذرة تناقض في داخله، هذه الحقيقة تركت حوالي عشرين بنداً من بنود الاتفاقية رمادي المعنى قابلاً لأكثر من تفسير. أما الثاني: فهو إيجاب دور كبير للأسرة الدولية في مراقبة ومتابعة وإنفاذ الاتفاقية هذا سوف نفصله لاحقا. أما هنا فإننا نستعرض البنود الرمادية وهي :
6-1) جاء في الاتفاقية (الفصل الأول: بروتوكول ميشاكوس): يتم تشكيل مفوضية قومية تمثيلية لمراجعة الدستور خلال الفترة قبل الانتقالية تكون مهمتها الأولى صياغة إطار قانوني دستوري يحكم الفترة الانتقالية ويتضمن اتفاقية السلام [3-1-2]. هذا بينما البند (3-1-4) ينص على أنه: "يتم خلال الفترة الانتقالية إجراء عملية مراجعة دستورية شاملة" مما يعني حصر مهمة مفوضية الدستور والدستور الذي ينتج عنها في هذه الفترة على مهمة محددة. الاختلاف حول تفسير هذا البند عطل تكوين هذه المفوضية المحدد له (حسب جدول وسائل تنفيذ بروتوكولي ميشاكوس واقتسام السلطة) أسبوعين إلى 5 شهور. ثم كونت بصورة مبتورة في 30/4/2005، واتخذت لنفسها مهمة كتابة الدستور الدائم بخلاف ما ورد في الاتفاقية.
6-2) النص [3-2-1] في الفصل الأول: بروتوكول ميشاكوس: "تكون هناك حكومة قومية تمارس المهام وتجيز القوانين كما يجب أن تمارسها بالضرورة على الصعيد القومي دولة ذات سيادة وتأخذ السلطة التشريعية القومية في الحسبان في جميع قوانينها التنوع الديني والثقافي للشعب السوداني. هل هذه حكومة مكونة بصورة قومية كما تدعي أم هي حكومة التمكين الثنائي الذي فصلته الاتفاقية ؟.
6-3) جاء في بروتوكول قسمة السلطة النص الآتي [1-6-2-16]- (ب): تضمن بالدستور القومي الانتقالي حقوق الإنسان والحريات الأساسية المتجسدة في العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية ولا حيدة عن هذه الحقوق والحريات بموجب الدستور أو العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية إلا وفقا للأحكام الخاصة بهما ويتم ذلك بموافقة فقط من الرئاسة والبرلمان القومي حسبما هو منصوص عليه هنا في القسم 3-14-2.. هل معنى هذا النص على الاتفاقيات الدولية ثم إفراغها من مضمونها الحقوقي؟
6-4) النص على المصالحة الوطنية غامض وخال من آلية [1-7: الفصل الثاني: تقاسم السلطة].
6-5) اتفق على مواعيد محددة لإجراء التعداد السكاني والانتخابات العامة، ثم ألغي هذا التحديد بنص فضفاض جاء فيه : قبل ستة أشهر من نهاية الفترتين يجتمع الطرفان لتحديد جدوى الموعدين [1-8-4] و(1-8-5): الفصل الثاني: اقتسام السلطة.
6-6) النص الخاص بوضع العاصمة مثل كسب الأشعري قابل لأكثر من تفسير لأنه ينص على قوميتها واستحقاق ذلك وخضوعها للشريعة [2-4]: اقتسام السلطة.
6-7) الإدارة القانونية في العاصمة تركت لترتيبات فضفاضة.[2-4]: اقتسام السلطة.
6-8) مفوضية مستقلة قومية للانتخابات ممثلة ومحايدة!.. الغموض يحيط بتكوينها وصلاحياتها.[2-10-1-1]: اقتسام السلطة.
6-9) مفوضية حقوق الإنسان. كذلك يحيط بها الغموض.[2-10-1-2].
6-10) كذلك مفوضية الخدمة القضائية [2-10-1-3].
6-11) كذلك المفوضية القومية للخدمة المدنية [2-10-1-4].
6-12) كذلك المفوضية القومية المؤقتة لمتابعة الاستفتاء وتضم أيضا خبراء دوليين. [2-10-1-5].
6-13) وكذلك مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية.[2-10-1-6]: اقتسام السلطة.
6-14) ملكية الأراضي في السودان على أهميتها البالغة في أمر الثروة القومية علقت بصورة – "يتفق الطرفان على وضع ترتيبات لحل هذه المسألة " وهي مسألة حيوية في أمر الثروة وكان ولا يزال لها أثراً خطيراً على الأمن القومي في البلاد [2-1]: الفصل الثالث: تقاسم الثروة.
6-15) الاتفاق بشأن مستقبل أبيي مشحون بالنقاط الغامضة [1-1]: الفصل الرابع: حسم نزاع منطقة أبيي.
6-16) النص على تمثيل قومي لولايتي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وترك التحديد معلقاً [1-1-6]: الفصل الخامس: حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
6-17) يصوغ الطرفان مبدأ عسكريا مشتركا كأساس للوحدات المشتركة المدمجة وأيضا كأساس لجيش السودان لفترة ما بعد الفترة الانتقالية. كيف يمكن دمج قوتين مرحليا إحداهما تقوم على مبدأ جهادي قتالي والأخرى على مبدأ علماني ؟ وكيف يكون المبدأ قوميا ومؤلفاه حزبان ؟ [الفصل السادس: الترتيبات الأمنية].
6-18) معالجة وضع القوات المسلحة الأخرى معلقة وقابلة للاختلافات.
6-19) معالجة وتنظيم الشرطة كذلك.
6-20) وأجهزة الأمن القومي.
قضايا هامة غائبة:
هذه الاتفاقية اهتمت بتفاصيل دقيقة في توزيع مقاعد السلطة وأغفلت مسائل تشكل قنابل موقوتة إذا لم تعالج بصورة وفاقية. هنالك سبع مسائل هامة كانت من أسباب النزاع في السودان ولم تحظ بالمعالجة اللازمة هي :
‌أ. قضية الاستعلاء والدونية الثقافية, والحاجة لبروتوكول أو ميثاق مفصل للمسألة الثقافية.
‌ب. قضية العلاقات البينية بين الأديان : الإسلام والمسيحية واليهودية والأديان السودانية المحلية هذه الأمور توجب ميثاقا دينيا شاملا.
‌ج. الثروة اقتصرت على بترول الجنوب وعلى إيرادات الضرائب وحسب وهذا فهم ضيق وناقص للثروة أغفل الثروات داخل الأراضي الأخرى. وأغفل المياه لا سيما مياه النيل.
‌د. هنالك شكوى من أن سياسة السودان الخارجية اهتمت بالبعد العربي وأغفلت ما سواه. وهنالك تباين في موقفي طرفي الاتفاق من العلاقة بأثيوبيا وإرتريا. وكذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية.
هـ. التكوين والمبدأ القتالي المتفق عليه لتكون للسودان قوات مسلحة قانونية ومأمونة ترك شاغراً.
و. أهملت الاتفاقية مسألة هامة عالجتها كل اتفاقيات السلام الناجحة وهي الاتفاق على مبادئ وآليات للتعامل مع مظالم الماضي لكي لا تؤثر سلبا على الوفاق والاستقرار.
ز. الاتفاقية في كثير من بنودها ذكرت الالتزام بالقومية وبالشمول وبالإحاطة ولكنها أغفلت تماما تصميم آلية لتحقيق تلك المقاصد الوطنية السامية.
7 نصوص قاصرة في الاتفاقية
هنالك نصوص في الاتفاقية ممعنة في عصبيتها الضيقة ورؤيتها القاصرة ولا تترك للآخرين مجالا إلا الجهر بمعارضتها هي :
أولاً: النظام المصرفي المزدوج الذي يفرض على الشمال نظاما بآلية سموها إسلامية وهي أكثر استغلالا لحاجة المحتاج من سعر الفائدة.. بالية لأنها تعامل صيغا للتبادل التجاري مثل المرابحة والسلم على أساس أنها صيغ ائتمانية وهي ليست كذلك والرأي السليم هو أن يكون في كل مصارف السودان شباكان أحدهما يعمل بسعر الفائدة والآخر بالسلم والمرابحة والشراكة على أساس أنها كلها جائزة قانونيا [وشرعا] لقد أوضحنا أن سعر الفائدة كتعويض لقيمة العملة واجب شرعا، كما أن سعر الفائدة مهم لتحديد أولويات الاستثمار ومهم لضبط حجم النقود ومهم في التعامل مع البنوك الدولية والضرورة توجبه.
ثانيا: التكوين الثنائي لمجلس إدارة البنك المركزي كما نصت على ذلك الاتفاقية ظلم للآخرين وينبغي أن ينص على أن يكون مجلس إدارة البنك المركزي مهنياً ومستقلا.
ثالثا: صرف مبلغ لا يقل عن 80 مليون دولار لإصدار عملة جديدة يمكن ألا يزيد عمرها عن عامين عبث لا طائل منه.
مسألة العملة تؤجل إلى حين معرفة نتيجة الاستفتاء وإلى حين ذلك تستمر العملات المعمول بها حاليا.
رابعا: التكوين الثنائي للقوات السودانية المسلحة في الفترة الانتقالية خطأ يهدد مصالح الآخرين ولا يحمي الأمن القومي.
خامسا: تكوين القوات المسلحة القومية على أساس نواة حزبية ثنائية خطأ جسيم وتفريط في المصالح الوطنية ولا يمكن قبوله.
سادسا: ترك مواعيد الانتخابات في أيدي السلطان الثنائي غير مقبول لأنهما في آن واحد الخصم والحكم.
سابعا: صيغة الاستفتاء الحالية خطأ لأنها تبطن استمرارا للهيمنة الثنائية بعد الاستفتاء إذا جاء لصالح الوحدة. الصحيح أن تكون الصيغة المستفتى عليها هي : الوحدة على أساس عادل أو الانفصال وحسن الجوار.
8 نصوص مجحفة:
هنالك خمسة بنود مجحفة للغاية لأنها إذا تركت كما وردت في النص تعني تكريس دكتاتورية ثنائية ظالمة الآن وفي المستقبل لذلك ينبغي أن تواجه مواجهة شاملة هي :
أولا: النص على حرمان الشخص أو الحزب من حقوقه في المواطنة وفي المشاركة الديمقراطية إذا لم يلتزم بالاتفاقية الثنائية. يمكن أن يطالب الجميع بالالتزام بالسلام وبالديمقراطية ووحدة الوطن الطوعية وبالسيادة الوطنية وبحقوق الإنسان وبحرية الأديان وبنبذ العنف باعتبارها ثوابت ملزمة لكل مواطن ولكن هذا لا يشمل اتفاقية عيوبها مكشوفة.
ثانيا: إقحام ديمومة السلطان الثنائي في صيغة الاستفتاء لتقرير المصير.
ثالثا: السماح للتلاعب بحقوق الإنسان بقيود يفرضها السلطان الثنائي.
رابعا: تقديم ائتلاف عسكري ثنائي باعتباره التكوين القومي للقوات المسلحة.
خامسا: ترك مسألة الانتخابات من حيث قانونها والإشراف عليها وتحديد مواعيدها لحزبين سياسيين دون غيرهما.
9 التدويل:
اتفاقية السلام تحت البحث اتفاقية تؤسس لحماية دولية وتمثل درجة أعلى من درجات التراجع عن مفهوم السيادة الوطنية ونحن أهل السودان قلبنا هذا التدويل لضرورات موضوعية هي :
أولا: فجوة الثقة بين أهل الوطن التي خلقتها سياسات النظام السوداني أوجبت شاهدا ومتابعا وضامنا دوليا.
ثانيا: عجز النظام السوداني الواضح في القيام بالمهام المعهودة للحكومة الوطنية مثل كفالة المعيشة وحماية أمن المواطنين.
ثالثا: عدم الثقة الشائع في أوساط كثيرة في السودان مما جعلها تثق في "الدولي" أكثر من ثقتها في "الوطني".
رابعا: اتباع السياسة الدولية نهجا نحو السودان ملتزما بالسلام العادل وبالتحول الديمقراطي وبحقوق الإنسان وبمحاسبة الجناة وبصورة جعلتها أكثر ضامنا لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية. إن دور الأمم المتحدة المنتظر هو أن تكون " حكما" محايدا بين حزبي الاتفاق وأن تكون "حكما" حقانيا بينهما وبين الكيانات الشعبية والمدنية العريضة التي غيباها.
بعض المسئولين السودانيين يتحدثون عن السيادة الوطنية كأنها قائمة في السودان بصورتها المعهودة. هذا ليس صحيحا فالشأن السوداني على ضوء اتفاقية السلام صار مدوّلاً بموجب التفاصيل العشرة الآتية:
10-1 الطرفان سوف يقدمان للأمم المتحدة القوائم المفصلة عن حجم ومواقع قواتهما..إلخ. (8-7).(مرفق1: وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية ووسائل التنفيذ والملاحق).
10-2 الطرفان زائد مندوب الأمم المتحدة ينظرون في أمر معالجة المجموعات المسلحة الأخرى (11-4): مرفق1.
10-3 المفوضية السياسية لوقف إطلاق النار بها ممثل للأمين العام للأمم المتحدة (14-2-3): مرفق.
10-4 كذلك الأمم المتحدة ممثلة في اللجنة العسكرية المشتركة (14-6-4): مرفق1.
10-5 كذلك الأمم المتحدة ممثلة في اللجنة العسكرية المشتركة للمنطقة (في كل من جوبا، ملكال، واو، كادوقلي، أبيي، الدمازين والكرمك): (14-7-1-1) و(14-7-1-3): مرفق1.
10-6 طلب الطرفان في الاتفاقية أن تقوم الأمم المتحدة بدور شامل ومفصل لمراقبة ومتابعة، وإنفاذ اتفاقية السلام بموجب الفصل السادس الاختياري من ميثاق الأمم المتحدة. مجلس الأمن استعرض الطلب وتوصيات الأمين العام وقرر زيادة صلاحيات بعثة الأمم المتحدة للسودان وإرسالها بموجب الفصل السابع الإجباري [ القرار 1590].
10-7 تمويل القوات المسلحة لجنوب السودان سيكون من مصادر خارجية.[21-1]: مرفق1.
10-8 الشرطة السودانية سوف تخضع لبرامج تدريب وتأهيل دولية [22-5]: مرفق1.
10-9 وكذلك سيكون نزع سلاح القوات والتسريح وإيجاد بدائل مدنية تحت إشراف دولي [24-3] و [25-2-3]: مرفق1.
10-10 وسوف تكون عملية التنمية وإعادة التأهيل تحت إدارة دولية بموجب قرارات مؤتمر أوسلو [أبريل 2005].
هذا كله بالإضافة للدور الدولي في توطين النازحين واللاجئين والإغاثات الإنسانية.
ولا يخفى أن كافة عمليات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين ومشروعات السلام المختلفة مهام متروكة لجهات إقليمية خارجية أو دولية في منتجعات كينيا وأبوجا والقاهرة وانجمينا وطرابلس.
إن ما بقي من السيادة الوطنية لأهل السودان قليل جدا.
ختام:
هذا ما كان من أمر اتفاقية السلام التي ينبغي أن يلم أهل السودان بما لها وما عليها استعدادا للمرحلة القادمة التي فيها نؤسس على الإيجابيات ونصحح السلبيات في مسيرة بناء السلام وبناء الوطن وبناء الديمقراطية وتحقيق التنمية والعدالة.

الفصل الثاني

مشروع الدستور
المقدم من اللجنة [7 +7] المشتركة بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان

الدستور هو أساس الحكم الملزم لكافة المواطنين، ولمؤسسات الدولة، ولأجهزة الحكم، وللمعارضة، إنه أبو النظام السياسي وأبو القوانين لذلك لا شرعية لدستور يفرضه حاكم بالقوة. الدستور الشرعي هو الذي تكتبه وتجيزه إرادة الشعب الحرة.
ومنذ استقلال السودان تطلعت النظم الديمقراطية لكتابة دستور شرعي ولكن المغامرات الانقلابية لم تمهلها.
النظامان الشموليان اللذان تعاقبا على حكم السودان أصدرا دستورين هما دستور عام 1973، ودستور عام 1998، دستورين عبّرا عن إرادة الحكام لا إرادة الشعب.
مشروع دستور سبعة زائد سبعة مؤسس على دستور 1998، وعلى اتفاقية سلام ثنائية، إنه مشروع عريق النسب في الفوقية، ومهما اشتركت في مناقشته من قوى سياسية زخرفية فإن حضورها قليل التأثير، والمشروع سوف يجاز بمجلسين يمثلان طرفي التفاوض. مشروع الدستور هذا لا يرقى لمستوى النضج الذي بلغه المجتمع السوداني، ولا لمستوى المعرفة الحقوقية المتوافرة لأهل السودان، بل ولا يرقى لمستوى مؤهلات طرفي التفاوض إنه أشبه بوثيقة صلح "قروي" بين عشيرتين منه بمشروع معني بحسم قضايا مصيرية لبناء السلام والتحول الديمقراطي في بلد يعاني من عشر مواجهات قتالية، متعدد الثقافات، والجهويات، والتطلعات.
لم ننكر التفاوض الثنائي بشأن الدستور لأنه خطوة أولى ضرورية ولكننا نستنكر الاستعلاء الثنائي الذي أوجب أن يكون ما اتفق عليه اثنان ملزم حتماً للآخرين.
الثنائية في حد ذاتها إذا توافر الوعي وحسن النوايا مقدمة طيبة لنتائج قومية لذلك سوف نتناول نتائجها بصورة موضوعية لنبرهن كيف تجنبت المصلحة الوطنية ومهدت لاستقطابات جديدة نافية للسلام العادل الشامل وللاستقرار الديمقراطي المنشود.
فيما يلي نُحصي عيوباً مبدئية وهيكلية وتفصيلية.
العيوب المبدئية :
هنالك سبعة عيوب مبدئية في النص الدستوري المقترح هي :
أولاً: النص يدعي أنه يهدف لسلام شامل وأنه يعبر عن إرادة قومية، ولكن بنوده مع سبق الإصرار والترصد تؤسس لتمكين حزبي ثنائي.
ثانياً: اتفاقية السلام الموقع عليها في يناير 2005 مقدمة على الدستور وملزمة دون أية مشاورة ولكن الدستور النص الثانوي ستجرى بشأنه مشاورة محدودة، أليس هذا عبثاً؟
ثالثاً: ما هي قيمة المشاركة في مفوضية الدستور مادامت نسبة المشاركة مرجوحة ويملك طرفا التفاوض أغلبية ميكانيكية.
رابعاً: الحكومة تعترف أنها لا تمثل كل الشمال، والحركة الشعبية تعترف أنها لا تمثل كل الجنوب ومع ذلك فان اتفاقهما ملزم للكافة.
خامساً: كان دستور 1998 مؤسساً على مفهوم التوالي الذي وضع قيداً على الحرية السياسية، وبعد نضال أمكن إلغاء التوالي والنص على الحرية. مشروع الدستور الحالي يؤسس لتوال ثنائي جديد يمنع الحرية السياسية إلا لمن امتثل للتمكين الثنائي.
سادساً: مشروع الدستور المقدم يقنن مقايضة إقصائية بين حزبين أمّنا لنفسيهما تمكيناً حزبياً وهمّشا الآخرين.
سابعاً: مشروع الدستور الانتقالي مع كل عيوبه يقفز من طابعه الانتقالي ليصبح دستوراً دائماً للسودان إذا صوت الجنوبيون للوحدة، ودستوراً دائماً للشمال إذا صوتوا للانفصال. هذا هو فحوى نص السؤال الذي سوف يطرح للاستفتاء لتقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية.
العيوب الهيكلية:
مشروع الدستور المقدم يحوي سبعة عيوب هيكلية فكأنما 7+7 تشير للعيوب المبدئية والهيكلية !
أولا: أفاض الدستور في عبارات الجماعية من شمول وقومية ولكنه ارتكب مخالفة غير معهودة في الدساتير هي ذكر حقوق ومصالح لحزبين بعينهما.
ثانياً: اقترح الدستور وثيقة حقوق جامعة مانعة لبيان حقوق الإنسان ولكنه أفرغ الوثيقة من معانيها بشرط الرضوخ للتمكين الثنائي.
ثالثاً: السودان فيه مظالم متشابهة أهمها : عدم التوازن التنموي والخدمي والشكوى من الاستعلاء الثقافي ومن المركزية ومن قلة المشاركة في القرار السياسي. مشروع الدستور خاطب هذه المظالم في بعض المناطق وأغفلها في مناطق أخرى محرضاً على الاحتجاج.
رابعاً: اقترح الدستور تكوين مفوضيات قومية استجابة لمطلب القوى السياسية. مفوضيات ذات صلاحية رقابية ولكنه أفرغها من مهامها بإخضاعها للتمكين الثنائي السائد في الأجهزة التنفيذية والتشريعية.
خامساً: مشروع الدستور يقفز دون مسوغ من دستور انتقالي إلى دستور دائم.
سادساً: المجالس التشريعية خاضعة تكويناً وتوجيهاً للقيادة التنفيذية للحزبين لذلك لا تصلح لممارسة دور الرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية، ولا مجال فيها لمعارضة دستورية إنها مجرد فضول.
سابعاً : اتفاقيات السلام تتناول تفاصيل كثيرة لا تتطرق لها الدساتير. هذا الدستور يماثل اتفاقية السلام في كثير من تفاصيلها إنه مجرد تبويب جديد لها.
عيوب تفصيلية :
في متن مشروع الدستور المقدم من 7+7 عدد كبير من العيوب التفصيلية أذكر أهمها هنا وعددها عشرون:
1. البند (21 ) جاء فيه " على الدولة ابتدار عملية شاملة للمصالحة الوطنية وتضميد الجراح من أجل تحقيق الوئام الوطني، والتعايش السلمي بين جميع السودانيين " هذا نص عام متخلف عن ما ابتكرته اتفاقيات السلام الأفريقية الأخرى باتخاذ آلية ذات تكوين مستقل وصلاحيات محددة.
2. البند ( 27) جاء فيه اقتراح وثيقة حقوق: " وثيقة الحقوق هذه هي عهد بين كافة أهل السودان وحكوماته على كل مستوى وميثاق منهم أن يستمسكوا ويحترموا ويعلموا بحقوق الإنسان والحريات الأساسية المودعة في هذا الدستور. وهي حجر الأساس للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية في السودان. وعلى الدولة ضمان واحترام وحماية وتعزيز وإنفاذ الحقوق الواردة في هذه الوثيقة. وتعتبر كل الحقوق المضمنة في الاتفاقيات والعهود والآليات الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءاً لا يتجزأ من هذه الوثيقة. هذا اقتراح جيد، إلا أن الحقوق المذكورة في الوثيقة ناقصة وفيما يلي بيان لنص شامل للحقوق المطلوب النص عليها وهي : حق العقيدة والعبادة - حق الكرامة الإنسانية - حق الحياة - حرية الرأي والتعبير والإعلام وتلقي المعلومات - حرية التجمع والتنظيم الاجتماعي - حرية تكوين الأحزاب السياسية - حرية التنقل - الحق في المحاكمة العادلة - حظر التعذيب - حظر الحجر والاعتقال - حق المساواة - حظر الرق والسُخرة - حق التقاضي - حق التعليم - حق الرعاية الصحية - حق العمل والأجر المتساوي والإضراب - حرمة الخصوصية - الحقوق السياسية - حقوق المجموعات الثقافية - حق الملكية - حق الجنسية - حقوق ذوي الحاجات الخاصة - حق الأسرة - حق المرأة - حق الأم- حق التحرر من الجوع - حقوق الطفل - حق المصابين بمرض عقلي - حق معاملة المتهم والمحكوم - حق البيئة الصالحة - حق الترفيه - حق اللجوء السياسي.
3. البند (40 ) من مشروع الدستور يشرع لحرية التجمع والتنظيم ولكنه يناقض حرية التجمع والتنظيم الاجتماعي وحرية تكوين الأحزاب السياسية إنه يعيد العمل بمبدأ التوالي المباد وذلك في نص البند [4-2-ب ] : أن يكون لدى الأحزاب برنامج يؤيد اتفاقية السلام الشامل ويتوافق مع الدستور.
4. البند (218 ) من الدستور يسلب المواطنين الحقوق السياسية لأنه يقول " يجب على كل من يشترك في أي انتخابات أن يحترم ويَمثُل وينفِّذ هذا الدستور واتفاقية السلام الشامل ".
5. البند (141-2) جاء فيه : تُنشئ رئاسة الجمهورية وفقا لقانون مفوضية حقوق الإنسان مفوضية من 15 عضواً مؤهلين ومحايدين وغير حزبيين وممثلين. هذا النص غامض ومتناقض فكيف يكونون غير حزبيين وممثلين؟ الصحيح أن تُراعي المقاييس الدولية في تكوين هذه المفوضية، كما جاء في قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 20/12/1993م، جاء في هذا القرار في ضوابط تكوين هذه المفوضيات :
‌أ. ألا تشارك فيها الحكومة وإن شارك ممثلوها فكمراقبين.
‌ب. يجب أن يشمل تكوينها :
• المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان.
• التيارات الدينية والفلسفية.
• الجامعات والخبراء المؤهلين.
• البرلمان.
والمطلوب أن تكون مستقلة في إدارتها، وميزانيتها، وقراراتها، وأن تكون مسئولة أمام البرلمان.
6. البند (129) في مشروع الدستور ينص : تُنشئ الرئاسة هيئة تسمى المفوضية القومية للخدمة القضائية تتولى الإدارة العامة للقضاء القومي ويحدد القانون تكوينها ومهامها. هذه المفوضية ذات مسئولية حساسة جداً وينبغي النص في الدستور على الحيدة والنزاهة والتأهيل لعضوية هذه المفوضية.
7. ينبغي الاعتراف بأن الهيئة القضائية الحالية قد تعرضت لتدخلات حزبية عزلت مئات من القضاة الأكفاء وعينت عدداً كبيراً من القضاة الحزبيين. لقد اقترح لفيف من القضاة المؤهلين المحالين للمعاش دون وجه حق آلية معقولة للإصلاح القضائي، اقترحوا : " أن تشكل لجنة من القانونيين تشمل السادة القضاة الذين شغلوا منصب قاض بالمحكمة العليا وقاض بمحكمة الاستئناف حتى 30 يونيو 1998م، وعدد مماثل من السادة المحامين والمستشارين القانونيين وأساتذة القانون بحيث لا تقل خبرتهم عن 15 عاما في أي من المجالات المذكورة" [مذكرة القضاة 5/1/2005] هذا إصلاح واجب.
أما نصوص مشروع الدستور الحالي فلا توجب إصلاحاً قضائياً وتجعل تعيينات رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس القضاء، وجميع أعضاء المحكمة العليا وجميع قضاة المحاكم الأخرى في الشمال والجنوب خاضعة لآليات التحكم الحزبي الثنائي.
8. نصوص مشروع الدستور المقترح فيها عثرات فنية لا تليق بالمعرفة الحقوقية السودانية :
 حشو لا يجوز في الدستور مثل ذكر أحزاب سياسية معينة وإلزامها بالدعاية للدستور والنص على أسعار البترول. وغيرها من التفاصيل التى لا ينبغي أن تكون في الدستور.
 عدم انضباط في العبارات فحينا يكون القسم الذي يؤديه الشخص المسئول للشورى وحيناً آخر للديمقراطية والمطلوب هو القسم لمعان مطابقة.
 ركاكة الإنشاء في صياغة العبارات.
9. لا تبرح نصوص الدستور تكرر هدفا حميداً هو: العمل على جعل الوحدة خياراً جاذباً:
‌أ. فكرة تقرير المصير لم تدخل الأدب السياسي السوداني الحديث إلا في مطلع التسعينيات عندما أعلن نظام " الإنقاذ" هوية إسلامية عربية.
‌ب. اتفاقية السلام ومشروع الدستور الحالي يوجبان إخضاع شمال السودان لبرنامج المؤتمر الوطني الاسم الجديد للجبهة الإسلامية القومية صاحبة البرنامج الحزبي الطارد.
‌ج. نعم في السودان فهم متسامح ومستنير للإسلام والثقافة العربية يمثل رأي أغلبية أهل الشمال ويصلح لجعل الوحدة جاذبة ولكنه مصادر ومبعد بنص الدستور.
10. نصوص كثيرة في الدستور أزالت مظالم جنوبية وكفلت للجنوب حقوقا في : الرئاسة، الوزارة، التشريع، الثروة، الخدمة المدنية، القضاء، المفوضيات المستقلة، الجيش المنفصل، الصلاحيات اللامركزية، العلاقات الخارجية وتقرير المصير. بعض هذه الحقوق مثل تقرير المصير خاص بالجنوب مراعاة لخصوصية موقفه. إنصاف الجنوب مجمع عليه بين القوى السياسية السودانية ومن جانبنا قدنا الدعوة إليه وشاركنا في النص عليه في قرارات مؤتمر أسمرا في يونيو 1995. هذا النهج ينبغي تعميقه عبر المؤتمر الجامع أو المؤتمر الدستوري وفي حضرة الجميع. أما إذا استمر نهج النظام الحالي وهو " مجادعة " كل من يحمل السلاح ومحاولة الوصول معه لاتفاق ثنائي فإن هذا النهج سوف يحرم السودان من الاستقرار ويرهنه نهائياً للمطلبية المسلحة. السلام العادل الشامل يتطلب إنصافاً عادلاً شاملاً، لا سلام بلا عدالة.
11. المادة (214 ) جاء فيها : يُنشئ رئيس الجمهورية بالتشاور مع مؤسسة الرئاسة مجلساً للإحصاء السكاني. لم توضع أية ضوابط تكفل حيدة ونزاهة هذا المجلس.
12. المادة (221) الخاصة بتكوين مفوضية التقدير والتقويم نص صحيح، ولكنه يتعلق بخطة مختلة في ذاتها.
13. لم يرد نص يضبط استقلال ونزاهة المفوضية القومية للانتخابات وهي من أهم آليات البناء الديمقراطي.
14. البند (144 [2] ) جاء فيه " القوات المسلحة القومية السودانية تضم القوات المسلحة السودانية، الجيش الشعبي لتحرير السودان، الوحدات المشتركة / المدمجة، قوات مسلحة نظامية واحترافية وغير حزبية يتعين عليها احترام سيادة حكم القانون، والحكم المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية وإرادة الشعب."
‌أ. منذ بداية عهد الإنقاذ تعرضت القوات المسلحة السودانية لتدخل حزبي سبب كثيرا من المظالم ولا يمكن تجاوز هذه الحقائق بلا معالجة مماثلة لما اقترحنا بشأن القضاء.
‌ب. كانت المفاوضات في حقيقتها بين المؤتمر الوطني من ناحية والحركة الشعبية والجيش الشعبي من الناحية الأخرى وغُيبت القوات المسلحة السودانية كطرف في المفاوضات والدليل على هذا التغييب هو عدم أخذ الفوارق الموضوعية بينها وبين الجيش الشعبي. ومهما قيل بشأن القوات المسلحة السودانية فإن افتراض المساواة الموضوعية بينها وبين الجيش الشعبي يجافي الحقائق الموضوعية.
‌ج. ينبغي أن يكون للقوات المسلحة السودانية حضور في المؤتمر القومي الدستوري المقترح إلى جانب الجيش الشعبي لتحرير السودان والى جانب القوى السياسية الأخرى.
‌د. إن التطلع لقوات مسلحة نظامية واحترافية وغير حزبية هدف صحيح بل ضروري لنجاح النظام الديمقراطي ولكن هذا لا يتحقق تلقائيا بدمج قوتين تمثلان بافتراض اتفاقية السلام جناحين مسلحين لحزبين سياسيين.
15. المادة (191) من مشروع الدستور تكون المفوضية القومية للبترول. هذه مفوضية خاضعة لحزبي التفاوض ولا شئ في تكوينها يكفل قوميتها المزعومة.
16. المادة (221 –[2]) جاء فيها " يعمل طرفا اتفاقية السلام الشامل مع المفوضية [ مفوضية التقرير والتقويم ] أثناء الفترة الانتقالية لتحسين المؤسسات والترتيبات التي أحدثت بموجب تلك الاتفاقية لكيما تجعل وحدة السودان الدائمة جذابة لجماهير السودان الجنوبي ". هذا التطلع يناقضه الواقع :
‌أ. تكريس رؤى المؤتمر الوطني في الشمال سوف يجعل العلاقة مع الشمال طاردة لكثير من الجنوبيين الذين يشعرون بأن مفاهيم المؤتمر الوطني تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية إنها تدفع بهم دفعا نحو الانفصال.
‌ب. تكريس رؤى الحركة الشعبية في الجنوب سوف يجعل العلاقة بالجنوب طاردة لكثير من الشماليين ويعزز آراء الانفصاليين.
‌ج. ادعاء اتفاقية السلام أنها اتفاقية سلام شامل دون مراعاة لمطالب الآخرين سوف يفتح حتماً أبواب مواجهات مدنية وأخرى عسكرية على طول البلاد وعرضها.
17. التكوينات الفدرالية التي نص عليها الدستور للشمال غير متوازنة. والصحيح أن تكون في الشمال ستة كيانات فدرالية بدلاً عن 16 هي : كردفان، دارفور، شرق السودان، الوسط، الشمال، العاصمة القومية.
18. البند (143 [1] ) جاء فيه : تنشأ هيئة عامة تسمى هيئة المظالم والتعويضات. يُرشح رئيس الجمهورية رئيسها وأعضاءها من ذوي الكفاءة والاستقامة ويعتمدهم المجلس الوطني وتكون الهيئة مسئولة لدى رئيس الجمهورية والمجلس الوطني."
صلاحيات هذه الهيئة محدودة ولن تستطيع إفراغ ما في النفوس من مرارات شحنتها بها التعديات والمظالم لا في عهد الإنقاذ وحده ولكن منذ استقلال السودان في 1956. وكيف تكون الهيئة مسئولة أمام رئيس الجمهورية والمجلس الوطني معاً ؟ هذا دليل آخر على اضطراب هياكل هذا الدستور ! لقد كانت تجربة جنوب أفريقيا في هذا الصدد تجربة رائدة في التوفيق بين علاج آثام الماضي وآلامه، والحرص على استقرار المستقبل وتوافقه. ومن أهم إنجازات تلك التجربة معرفة حقيقة ما حدث والاعتراف به عزاءً للضحايا وحرصاً على ألا تتكرر التعديات. لذلك حرص كل المصالحين اللاحقين الاقتداء بتجربة جنوب أفريقيا في جماعيتها وفي اعترافاتها ومصالحتها، إلا ثنائي الخرطوم !.
19. البند (201 [1] ) جاء فيه " يكون بنك السودان المركزي مسئولاً عن وضع وتطبيق السياسة النقدية. وتخضع كل المؤسسات المصرفية للنظم واللوائح التي يضعها "
[2] " ينشأ نظام مصرفي مزدوج يتكون من نظام إسلامي يُعمَل به في شمال السودان ونظام تقليدي يُعمَل به في جنوب السودان ".
أقول : النظام الممارس حاليا في شمال السودان مجحف بحق الإسلام لأن وسائله الائتمانية في المرابحة والسلم أكثر استغلالاً لحاجة المحتاج من سعر الفائدة. وسعر الفائدة كعائد تعويضي لتناقص سعر العملة والتضخم واجب إسلامي: (فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلمون): سورة البقرة الآية (279)، ولسعر الفائدة مهام أخرى مثل السحب دون غطاء [ Over draft ] وضبط حجم النقود المتداول، وفي تشجيع الادخار، وفي التعامل مع النظام المصرفي العالمي، وهي ضرورات لا يصلح معها نظام المرابحة والسلم وهما في الأصل آليتا تبادل تجاري للبيع والشراء لا علاقة لهما بالائتمان المطلوب للاستثمار.
وإذا طبق ما جاء في المادة 201 في السودان وسمح بحرية انتقال الأموال كما ينبغي في بلد واحد فإن الأموال سوف تهجر بنوك الشمال حتماً !.
20. المادة (207 ) جاء فيها " متى كان ذلك عمليا خلا ل الفترة الانتقالية يصدر بنك السودان المركزي عملة جديدة يعكس تصميمها التنوع الثقافي في السودان. ولحين إصدار العملة الجديدة بناء على توصيات البنك المركزي تظل العملات المتداولة في جنوب السودان عملات معترف بها ".
الخطأ التاريخي هو إقدام نظام الإنقاذ على إصدار عملة جديدة في 1991 بلا مبرر فالعملات لا تخدم النظم بل هي أدوات تبادل تخدم أية نظام حسب سياساته النقدية. وقد كانت العملة السودانية في عهد الديمقراطية محايدة. لم تكتمل بعد صورة التنوع الثقافي للسودان التي يرضاها كافة أهله وهي عملية مازالت تحت التكوين، وإصدار عملة جديدة مع توقع نتائج في رحم الغيب لتقرير المصير إجراء عبثي وإنفاق للمال فيما لا طائل منه، إذ قدرت تكاليف إصدار عملة جديدة بمبلغ ثمانين مليون دولار في بلد يعج بالجياع !!.
21. المادة (205 ) تتناول مسألة المراجعة العامة. تقارير الشفافية الدولية صنفت السودان ضمن أكثر ست دول فساداً في العالم وما برحت تقارير المراجع العام في السودان تدون مبالغ كبيرة مختلسة اختلاساً يزداد عاما بعد عام. لذلك ينبغي وضع مقاييس صارمة لاختيار المراجع العام وضبط آليات المراجعة وتحديد آليات للتعامل مع تقارير المراجع العام ومساءلة الفاسدين.
جرى مؤخرا في السودان تعديل لقانون المحاسبين القانونيين بصورة أخضعت هذا المرفق للحكومة. هذا الإجراء أساء لمهنة المحاسبين القانونيين في السودان وأودى بأهليتها لعضوية مؤسسة المحاسبين القانونيين الدولية. ينبغي النص في الدستور على إصدار قانون يكفل استقلال مهنة المحاسبة القانونية.
22. البند (222) من الدستور يجعل من دستور الفترة الانتقالية دستورا دائما للسودان في حالة تصويت شعب الجنوب لصالح الوحدة ويجعل منه دستوراً دائماً للشمال في حالة انفصال الجنوب إنه يضع شمال السودان في قبضة المؤتمر الوطني، هذا هو نص المادة المُصادِرة لحرية الشمال والجنوب في حالة الوحدة والمُصادِرة لمصير الشمال في حالة الانفصال!
تنُص المادة : على جماهير جنوب السودان إما :
أ‌. تأييد وحدة السودان بالتصويت بإقرار نظام الحكومة المنشأ بموجب اتفاقية السلام الشامل وهذا الدستور. أو
ب‌. التصويت للانفصال.
23. المادة (226 [6] ) في مشروع الدستور تنص على استمرار هذا الدستور المعيب في شمال السودان وحده. هذا البند من الدستور يدق المسمار الأخير في نعش العدل، واحترام الحق الدستوري، والعقل السوداني لأنه يفرض وصاية ثنائية على كل أهل السودان إذا صوت الجنوبيون للوحدة، وصاية في الفترة الانتقالية تمتد للمستقبل فإذا اختار الجنوبيون الانفصال فإن على الشمال التسليم لطغيان المؤتمر الوطني وأطروحاته الحزبية الضيقة. والسلام لا يؤسس إلا على العدالة: لا سلام بلا عدالة.

Post: #4
Title: Re: من منكم يأتينا بكل ما كتبه الصادق المهدي عن اتفاقية نيفاشا
Author: محمد حسن العمدة
Date: 10-11-2007, 11:16 PM
Parent: #3

بسم الله الرحمن الرحيم
مكانك تحمدي أو تستريحي
الاحتفال بيوم الميلاد بدعة سنتها والدتي لي تفاؤلا بأنه صادف أول شوال هجريا و25 ديسمبر ميلاديا، بدعة يمكن أن تكون حسنة إذا صارت وقفة حساب مع الذات وموقف وصال مع الأحباب. ويمكن أن تكون بدعة سيئة إذا صارت يوم تفاخر ومباهاة بلا تأمل ولا عبرة. وواصل الاحتفال بعد وفاة الوالدة رحمها الله أسرتي ثم مكتبي وأسرتي، وجريا على هذا التقليد أقيم هذا الاحتفال مع الفارق أنه يصادف بلوغي السبعين من العمر.
السبعون من محطات العمر السبع التي يمر بها الإنسان أي: المولد- البلوغ- الزواج- الشدة- الكهولة- الشيخوخة- وأخيرا العجز. إنني اليوم إذ أشكر كافة من احتفى بذكرى يوم ميلادي السبعين أحدثكم عن وقفتي مع الذات لعام 2005م ثم عن وقفة أطول مع سيرتي في محطة السبعين..
حديثي في سبعة محاور:
أولها: حصاد هذا العام
وكالعادة أتناول بعض أهم ما جاء فيه مستعرضا ومعلقا:
الحدث الأول الذي سوف أتناوله هو توقيع اتفاقية السلام في بداية هذا العام. رحبنا جميعا باتفاقية السلام لأنها أوقفت الحرب ولأنها وضعت التحول الديمقراطي في أجندة الوطن. الترحيب العام بالاتفاقية كان خادعا، ومع أنني أصدرت كتابا يوضح ما لها وما عليها وكذلك الدستور الإنتقالي إلا أنني أعتقد أن نبرة النقد لم تكن بالحدة التي يوجبها ما انطوت عليه من أخطاء وما أغفلت من مسائل وما ركزت عليه من مصالح حزبية لطرفيها متغافلة بعض أهم القضايا الوطنية.
لن أخوض هنا في تفاصيل اتفاقية نيفاشا للسلام ولا الدستور الذي انبثق منها فقد قتلناهما بحثا، ولكن الخطايا الآتية كانت ولا زالت توجب منا موقفا أكثر رفضا لتنبيه طرفي الاتفاق والرافع الدولي الغافل عن خطورة الإصرارا على عدم التصحيح.
‌أ. لا يمكن لصفقة بين حزبين لا يمثلان كل القوى السياسية المدنية ولا كل القوى السياسية المسلحة في السودان أن تدعى سلاما شاملا، والإصرار على هذه الصفة وهم سوف تبدده الأحداث.
‌ب. الصفقة الثنائية سكنت في الدستور الانتقالي فصار بدعا من الدساتير التي تنص على حقوق وواجبات المواطنين أما هذا الدستور فينص بالإضافة لحقوق المواطنين على حقوق حزبي التفاوض. يمكن تمييز حزب أو اثنين سياسيا لفترة انتقالية معينة، ولكن أن يكون هذا التمييز دستوريا فاستهانة بالدستور وتوهين لشرعيته.
‌ج. التزمت الاتفاقية ودستورها بحقوق الإنسان المثبتة في المواثيق الدولية ولكنهما (الاتفاقية والدستور) حرما من لا يبصم على صفقة المنافع الحزبية الثنائية من حقوقه السياسية والانتخابية.
‌د. أعطت الجنوب حقوقا تمثل سابقة لاستحقاقات الأقاليم الأخرى ولكنها قفلت باب إعطائها تلك الحقوق باعتبار أن اتفاقية نيفاشا هي اتفاقية السلام الشامل النهائية. وما دام هذا الوهم مستمرا فلا مجال لتسوية مطالب غرب السودان ولا شرقه ولا أية جهة سياسية أخرى.
‌ه. الاتفاقية والدستور وضعا معادلة اقتسام السلطة بين الجنوب والشمال على أساس الثلث والثلثين. ولكنها نصت على المناصفة في أمر القوات المسلحة. وهي معادلة مستحيلة.
‌و. الحل الوسط الذي قام عليه بروتوكول ميشاكوس بأن يطبق الإسلام في الشمال ولا يطبق في الجنوب حل معقول. ولكن الذي خلا من المعقولية والعدالة هو استمرار أسلمة الأحكام باجتهاد المؤتمر الوطني ودون مشاركة أغلبية المسلمين.
‌ز. ترتيبات حل قضية أبيي صادرت حقوق جميع الفرقاء لا سيما سكان المنطقة، واعتبرت لجنة الخبراء التي عينها المفاوضان محايدة وهي ليست كذلك وأن قراراتها نهائية، دون وجه حق.
اتفاقيات السلام تقوم عادة على قاعدة سياسية عريضة وتحقق فعلا سلاما شاملا وتحولا ديمقراطيا.. اتفاقية نيفاشا تلفظت بالقومية، والشمول، والمشاركة الجامعة، ولكنها نفت تلك المبادئ في الواقع. بل أوجبت قيام استقطاب حاد في البلاد وقفلت أبواب السلام الشامل.
آن الأوان أن نتجاوز عاطفية الترحيب بالسلام الجزئي والحرية النسبية وأن توضع النقاط على الحروف في المخاطر المحيطة بالبلاد وإمضاء العزم لمواجهتها.
الحدث الثاني هو تدهور أوضاع دارفور. إن لدارفور مشاكل تقليدية كان جلها واردا في أطر تقليدية. ولكن نظام الإنقاذ في حملته المخططة لاستمالة أهل دارفور مزق النسيج الاجتماعي وجاء بأربعة معالم لم تكن موجودة في دارفور هي: الإثنية المسيسة- الانتفاضة المسلحة ضد الحكومة- المأساة الإنسانية المروعة- والتدويل.
أمام تدهور الحالة الأمنية في دارفور ارتكب النظام أربعة أخطاء هائلة:
• كانت شرارة التحدي المسلح الأولى في درافور محدودة ولكن النظام قرر أن يلقن المسلحين درسا لاسترداد هيبة الدولة التي استنزفت في مفاوضات وإملاءات نيفاشا.
• وافترض النظام خطأ أن الأسرة الدولية سوف تغمض عينها عما في دارفور لرضاها عن موقف النظام في مفاوضات نيفاشا.
• وافترض خطأ أنه يستطيع أن يقمع التحدي المسلح باستخدام قوى غير نظامية معادية إثنيا للمسلحين وأن هؤلاء بعمل مشترك مع قوات الحكومة سوف يروعون أهل المسلحين ويعزلونهم منهم.
• افتراض أن هذا العمل الضخم يمكن إخفاؤه من الرأي العام السوداني والدولي.
• وبعد كل هذه الأخطاء الهائلة ما زال النظام السوداني يطمع في أن تحل أزمة دارفور داخل سقوف نيفاشا وفي إطار سياساته المقررة وهو يأمل أن يضغط الاتحاد الأفريقي والأسرة الدولية على قيادة الانتفاضة المسلحة لتقبل ذلك إنقاذا لاتفاقية نيفاشا.
مرونة موقفنا الحريص على حل قومي أوهمت النظام أننا يمكن أن نقبل أطروحاته القومية شكلا الحزبية فعلا. آن الأوان أن نقول بوضوح بوجوب تخلي النظام تماما عن أطروحاته وأن يقبل دون تحفظ الوثيقة القومية التي اتفقت عليها القوى الوطنية أساسا لحل محنة دارفور وأن تتخذ فورا إجراءات بناء الثقة المطلوبة. إن تمييز الموقف القومي الحقيقي من موقف الحكومة السودانية إجراء مطلوب لبناء صدقية التوجه القومي بعيدا من مناورات الشكل القومي ذي المضمون الحزبي.
الحدث الثالث هو مقتل د. جون قرنق في حادث طائرة في يوليو 2005م. أقول عن الفقيد أنه:
‌أ. عبأ وبلور إرادة الجنوبيين لنيل تطلعاتهم بالقوة.
‌ب. فاوض وحقق لهم معادلة استرداد حقوق محددة.
‌ج. فتح الطريق بالقدوة للآخرين في جهات أخرى من السودان لطرق نفس الأسلوب.
‌د. أعطى الجنوبيين خيارا آخر غير الانفصال هو الوحدة الطوعية ضمن سودان جديد.
‌ه. انفرد بالقيادة فخلق داخل حركته وجيشه استقطابا ضده.
‌و. حصر الكسب في الاتفاقية وفي الدستور في حزبه لا في إقليمه فأثار استقطابا جنوبيا مضادا.
‌ز. إن كثيرا من المطالب الجنوبية شكلت ضمن تحالف بيننا وبين الحركة ولكنه في مرحلة التفاوض النهائي تجاوز مطالب ومصالح حلفاء الأمس.
‌ح. السودان الجديد الذي دعا له يجد تأييدا في الجنوب وفي مناطق أخرى من السودان وهو المقابل المضاد للتوجه الحضاري.
‌ط. اعتمد كثيرا جدا على الدعم الخارجي سواء في مرحلة منقستو أو المرحلة الأخيرة الأمريكية.
‌ي. مهما كانت أوضاع السودان فإنها بعد اتفاقية السلام ودستورها تتجه نحو تغييرات جذرية تتجاذبها رؤى التوجه الحضاري والسودان الجديد، وربما كان الجاذب الأكبر هو الدينامية الشعبية السودانية لتحقيق سلام عادل وشامل وتحول ديمقراطي حقيقي.
‌ك. إن على قيادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي التي خلفت د. جون قرنق أي السيد سلفا كير وزملاؤه واجبا خلاصته:
o المحافظة على وحدة الحركة.
o تحويلها إلى حزب سياسي ديمقراطي.
o خفض حجم الاعتماد على الخارج.
o إجراء حوار جنوبي جنوبي جاد.
o التجاوب مع فكرة السودان العريض الديمقراطي ضمن توازن العدالة بديلا عن السودان البديل الذي لا يفرض إلا بالقوة، وعن الانفصال، وعن التمكين الثنائي. هذا سوف يمكن الحركة من القيام بدورها الثوري التجديدي التاريخي.
الحدث الرابع رحلاتي الخارجية: قمت أثناء هذا العام بعشرين رحلة خارجية موضوعاتها دبلومساية شعبية نحو بلدان هامة عربية، وأفريقية، وأوربية وأمريكية. كذلك لحضور مؤتمرات وورشات عمل حول موضوعات التحول الديمقراطي، التنمية، السلام، المياه، حوار الأديان، وحوار الحضارات. بعض الناس يرون أن هذه الرحلات أكثر مما يجب، ولكنني أدفع بأمرين:
الأول: هو أن عالم اليوم تداخلت فيه القضايا بصورة أدخلت الوطني في الإقليمي في العالمي وصار واجب القوى الحية أن تحاول التأثير على مؤتمرات ودراسات تتناول قضاياها وسوف تؤثر عليها حتما.
الثاني: هو أن النظام الحالي في السودان وقد أصر على تهميش القوى السياسية الداخلية أعطى وزنا كبيرا للتفاوض مع معارضيه المسلحين، تفاوض يجري عبر وساطات خارجية تسهله وأحيانا تقوم بدور المحكمين فيه. والغريب أن المدافعين عن النظام السوداني يعيبون علينا مطالبة الأمم المتحدة بدور يحمي حقوق الإنسان في السودان لأننا نخشى أن يهضم الحكام حقوق المواطنين.. أقول هذا مدهش فالنظام هو الذي أتى بالأمم المتحدة للسودان بهذا الحجم الكبير لتساعد في تنفيذ الاتفاقية ولكي تقوم بدور "الحكم" بين طرفي الاتفاقية.. أحلال على الأمم المتحدة أن تحمي حزبي الحكم من جور بعضهما على بعض وحرام عليها أن تحمي الشعب السوداني من جور الحكام؟ مالكم كيف تحكمون؟.
ويمكن أن يقال إن المال المصروف في هذه الرحلات لا يتناسب وأولوياتها الفكرية والسياسية.. الحقيقة هي أن هذه الرحلات مدفوعة التكاليف من منظميها والخبر السار هو أنني حيث ذهبت في هذه البلدان أجد أن لدينا تنظيما متماسكا قادرا على تنظيم الاجتماعات الفكرية والسياسية والاتصالات الدبلوماسية في البلدان المعنية، وحيثما ذهبت تولى جماعتنا الصرف على ما يتجاوز الميزانية المعتمدة من المنظمة التي وجهت الدعوة..
تفاصيل هذه الرحلات مرفقة، وقد درجت بعدها أن أقدم تنويرا لحزب الأمة ولهيئة شئون الأنصار للدراسة والمتابعة. كما درجت على كتابة خلاصة المؤتمرات والورش في مقالي الأسبوعي بجريدة الشرق الأوسط.
الحدث الخامس حيوية تنظيماتنا:
منذ المؤتمر العام السادس لحزب الأمة والمؤتمر العام الأول لهيئة شئون الأنصار انطلقت التنظيمات المنتخبة تحقق حيوية فعالة جسدها تحرير الاتحادات الطالبية من القبضة الشمولية في 14 جامعة- الزيارات الإقليمية المختلفة- التحضير لتحرير النقابات من قبضة الشمولية- وفاعلية تنظيمات المهجر..
هذه الأنشطة في هذا العام اندفعت بتمويل ذاتي قاعدي نقل صيغة التمويل لدينا من الأبوي والخارجي للذاتي، وكان مشهد الاحتفال بذكرى أم دبيكرات الشهر الماضي آخر حلقة في الأنشطة الإقليمية الجماهيرية التي اعتمدت على المبادرات والتمويل القاعدي.
الحدث السادس الأنشطة الاجتماعية التي بموجبها درجنا على برنامج عيادات وعزاءات وزيارات واسعة كل جمعة بعد الصلاة وقد استطاعت اللجنة الاجتماعية المعنية أن تسد بهذه الأنشطة فجوة هامة.
الحدث السابع حرص حزبنا وهيئة شئون الأنصار على المشاركة في كافة أنشطة منظمات المجتمع المدني بأوسع نطاق والتواصل مع الصحافة السودانية والدولية وكذلك أجهزة الإعلام. مع أننا لا نملك أجهزة إعلام خاصة بنا فإننا نحظى بالتغطية الأوسع في أجهزة الإعلام. كثيرون يأخذون علينا عدم تملك صحيفة أو إذاعة أو فضائية وهي مطالب تقعد دونها الإمكانات ولكن إن توفرت هل هذا التملك ضروري؟ أنا أعتقد أنك إذا أنتجت أفكارا وصنعت أخبارا فإن الإعلام هو الذي سوف يسعى إليك فما الحاجة للامتلاك؟ لا سيما إذا كنت تنشد الموضوعية وتنفر من التطبيل!!.
الحدث الثامن كنت أتحاشى الدخول في أعمال استثمارية ولكن مع هامش الحرية الذي تحقق دخلنا في هذا العام بصورة واسعة في نشاط استثماري. لقد أشركت في عملي الاستثماري زوجتي وبناتي وأبنائي، إذا كنت أعتقد أنهم امتداد عضوي لي فلنجسد هذه الحقيقة في الحياة قبل الممات.
أنا أنتمي لأسرة عريضة عرفها الإمام المهدي بأنها تشمل نسل سبعة آباء: الإمام المهدي- الخليفة عبد الله- الخليفة علي الحلو- الخليفة شريف- أخوان المهدي وهما إثنان، والأمير يعقوب أخو الخليفة عبد الله. أحاول توحيد هذه الأسرة العريضة، وربما تحقق ذلك بعيدا عن أية اعتبارات أخرى سوى علاقة الرحم. أما أسرتي الخاصة فقد كان أخشى ما أخشاه عليهم ثلاثة مهاو: الغلو الديني الذي جعل كثيرا من الشباب غرباء في أسرهم، أو الاستلاب الثقافي الذي جعلهم في غربة ثقافية تامة، أو اتخاذ مواقف هي ردة فعل مضاد لما أنا عليه وهي ظاهرة حدثت لكثير من الأسر. أنا أحمد الله أنني بالقدوة والشورى والحرية النسبية حصلت على أولاد وأصهار مبرئين من الغلو، والاستلاب، وردة الفعل المضادة.
وأخيرا المرجعية، والثورة الثقافية، وحقوق المرأة الإسلامية والإنسانية.. وهي الكتب الثلاثة التي أصدرتها هذا العام. أما المرجعية فهي أطروحة لمرجعية إسلامية متجددة وقد سرني أن عددا من الجهات تقدمت لتمويل مؤتمر العلماء والمفكرين الذي سوف يدرسها ويصدر رأيا جماعيا بما جاء فيها. ونحن في إطار هيئة شئون الأنصار الآن بصدد اختيار الجهات التي لن يؤثر تمويلها على حرية واستقلالية المؤتمر المزمع.
المحور الثاني: وقفة على عتبة السبعين
الإنسان لديه ثلاثة أعمار: عمره الإحصائي المعدود منذ يوم ولادته، وعمره الفسيولوجي الذي يتوقف على صحته وأسلوب حياته، وعمره النفساني الذي يعتمد على حالته النفسية. نعم كل عمر إلى نهايةوَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ). أسلوب الحياة الصحيح يؤخر ولا يلغي الشيخوخة وكذلك الحالة النفسية. الناس عادة يقولون: العقل السليم في الجسم السليم، لكنني قلبت هذه المقولة، الصحيح أن نقول: الجسم السليم في العقل السليم، لأن العقل السليم هو الذي يصوغ ويصور ويحقق الجسم السليم باختياره أسلوب الحياة الصحيح.
أمام تقدم العمر نجد اختلافا كبيرا، فشاعرنا الفحل الشيخ محمد سعيد العباسي نعى نفسه في سبعينه:
سبعون قصّرت الخطى وتركنني أمشي الهوينى ضالعا متعثرا
قد كنت مثل الليث إذ أطأ الثــــرى تيها وأستهوي الحسان تبخترا
ولكن غيره وصف حالا مختلفا، قال شاعرهم:
يا هند هل لك في شيخ فتى أبدا وقد يكون شباب غير فتيان!
وقال العراقي:
عمري إلى السبعين يركض مسرعا والروح باقية على العشرين!
وحول اليشكري تقدمه في العمر لصفات إيجابية:
كيف يرجون سقاطي بعدما جلل الرأس بياض وصلع؟
فكرت مليا كيف أعنون وقفتي على عتبة السبعين وتزاحمت علي الخواطر، وتأملت حياتي حتى الآن فوجدت أنني في الحقيقة كنت مرشحا بمولدي لحياة ناعمة هنيئة يرفدها الحسب والإرث. وربما هذا كان ممكنا لولا التقلبات الانقلابية ولولا التصدي للسلطان الذي أقامه الانقلابيون لا سيما وقد عرض علينا جميعهم التعاون معهم ومشاركتهم والاستمتاع بالحظوة معهم. ولكن التمسك بمواقف مضادة لهم إنحيازا لمبادئ معينة جعلهم يسلقوننا بألسنة حداد ويبطشون بنا ويغرون أهلنا ضدنا بكل وسائل الترغيب والترهيب. فكرت مليا في هذه الحالة وتذكرت كيف أن النفس كانت أحيانا تميل للمساومة، ولكنه ميل لم يدم.
بعض زملائي وبعد كذا شهر من الحبس كان يقول لي إنك يابس أكثر مما يلزم ولا بد للسياسة من قدر من المرونة، والمدهش أن نفس هؤلاء يقولون في مجال آخر: الصادق متردد ولا يتخذ القرار إنه يريد إرضاء الجميع وهذا مستحيل! .. رميت بالعناد واللين في آن واحد!.
الحقيقة هي أنني بسرعة وبعد دراسة اتخذ القرار في كل أمر يطرأ عليّ، بل تجدني إن أردت جاهزا بقرار محدد في أية مشكلة داخلية أو خارجية. ولكنني مهما كنت حاسما في قراري وموقنا من صحته أترك حتما مساحة للرأي الآخر حتى في أخص خصوصياتي. وأرى يقينا أن هذا اللين أو التدبر في اتخاذ القرار بما يوسع المشاركة هو سياسة النبوة: "ما خاب من استشار"، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ )، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ).. أما أمام ظلم الظلمة وفي وجه السلطان الجائر فالعناد هو الفضيلة: أعاند لأحمي مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار، وفي سبيل ذلك العناد أدفع الثمن اعتقالات ومصادرات وإهانات ومؤامرات تحاك ضدي مع الأباعد والأقارب.. وبينما جالت في خاطري هذه الحياة التي انقلبت بإرادتي من النعومة إلى الخشونة خطرت ببالي أبيات ابن الاطنابة:
أبت لـــي همتي وأبـى بلائـي وأخذي الحمد بالثمـن الربيـحِ
وإقحامي على المكروه نفسـي وضربي هامة البطل المشيـحِ
وقولي كلما جشأت وجاشـــت مكانك تحمـدي أو تستريحـي
لأدفع عـن مآثـر صالحــــــــات وأحمي بعدُ عن عرض صحيحِ
فاخترت عبارة: "مكانك تحمدي أو تستريحي" عنوانا.
نعم للحرص على اتخاذ القرار ولكن ينبغي أن تسبقه دراسة وتصحبه مساحة للرأي الآخر. لقد شقيت بلادنا كثيرا بالتطلع للقرارات الفوقية الحاسمة لا سيما عندما صحبتها فكرة تعميد جيل جديد من القيادات. لقد شقيت بلادنا كثيرا في عهدي مايو والإنقاذ بسبب شعارين هما تجديد دماء القيادة وسرعة اتخاذ القرار.. تجديد الدماء عن طريق تواصل الأجيال ضرورة أما طريقة النظام المايوي ونظام الإنقاذ في تجديد الدما ء والحسم في اتخاذ القرار فقد سببت لبلادنا ما لا حد له من الدمار.
المحور الثالث: أهم محطات الحياة
أبنائي وبناتي في مكتبي رأوا أن أكتب بمساعدتهم مذكراتي، كنت في الماضي أرفض هذه الفكرة باعتبار أنني أوثق الأحداث الهامة في كتبي ولا أؤيد فكرة المذكرات لتمجيد الذات، ولكن في النهاية اقتنعت بأن هنالك بعض الدروس المستفادة من تجاربي المختلفة وبعض التفاصيل الهامة لا يغطيها نوع الكتابة الذي مارسته، وتفلح المذكرات في نقل تلك التجارب والدروس المستخلصة منها للأجيال الناشئة والقادمة، فوافقت أخيرا على فكرتهم، فحضروا ما عليهم، وخططوا لإقامة حلقات سردية ممتدة في محاور ثمانية على أن تكتمل المذكرات وتنشر بمناسبة بلوغي السبعين، ولكنني لم أستطع تكملة الجزء الخاص بي، واتفقنا أن نرجئها إلى عام آخر، ولكنني في هذا المحور سوف أتناول عشر محطات في حياتي وسيأتي يوم إن شاء الله أكتب فيه مذكرات كاملة وموثقة، فحياتي رغم مطاردة أجهزة الأمن لإخفاء أوراقي من بطشهم وضياع بعضها وبعض أنفس الكتب بسبب تلك المطاردة موثقة بصورة شبه كاملة ولا أخالني أذكر حقيقة هامة دون دعمها بوثيقة واضحة.
1. الطفولة: مع أن جدي الإمام عبد الرحمن كان منذ الثلاثينات من أثرى أثرياء السودان فإنه تعامل مع المال الذي جمعه كقوة اجتماعية، شيد به كيانا دينيا قويا وكيانا سياسيا جامعا، ودعم به الأنشطة الأهلية في كل المجالات: بناء المساجد، والمعاهد والمدارس، ودعم التعليم الأهلي وبناء المستشفيات ورعاية الأنشطة الدينية والأدبية والفنية وممارسة الدبلوماسية الشعبية في تكريم كل الوافدين للوطن، ومد اليد السخية للكافة.. مع ذلك كنا نحن أسرته الخاصة حتى الخمسينيات نعيش كأواسط الناس، وكانت طفولتي منقسمة ما بين أم درمان حيث كنا نسكن حي العباسية، والجزيرة أبا حيث كان يعمل والدي.. أهم ما في هذه المرحلة ثلاثة أمور الأول عاديتها من الناحية المادية، وحريتها إذ كان لنا مجتمعنا الخاص بالأطفال شبه المستقل عن مجتمع الكبار، والثالث أنني منذ نعومة أظفاري بدأت أسمع عبارات أكبر من سني: عبارات مثل ما قاله الإمام عبد الرحمن لوالدتي وأنا دون العاشرة "يا رحمة ولدك هذا هو الذي سوف يسد فرقتي". وبكت أمي قائلة: " يا سيدي فرقتك إن شاء الله ما نشوفها ولو بسفر طويل". فقال لها: هذا شيء لا بد منه. ولدى إصابتي بالإلتهاب السحائي جاء الإمام عبد الرحمن ومسك رأسي وكانت حياتي في خطر وردد دعوات ثم قال: اللهم إن وعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد. ما قالته السيدة أم سلمة جدتي لأمي: يا رحمة ولدك هذا سيكون له شأن عظيم فقد رأيته في المنام يخاطب جمعا كبيرا ثم قال: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق ٍ).
2. التعليم: كان تعليمي عاديا في البداية في الخلوة وفي كتـّاب الأحفاد في أم درمان وفي كتاب الجزيرة أبا. ولكن بعد ذلك حدثت طفرة بدخولي كلية كمبوني في الخرطوم، ثم كلية فكتوريا في الإسكندرية. كان هذان المعهدان أجنبيين وكان مناخ كمبوني تبشيريا وإن كانت الإدارة ملتزمة بعدم استغلال التعليم للتبشير المباشر. أما كلية فكتوريا فكانت تتعمد التبشير الثقافي الأنجلوفوني لدرجة لم أجدها محتملة فتمردت على التعليم فيها وقاطعت التعليم الحديث كله لفترة عامين متتلمذا للشيخ الطيب السراج، ثم عدت للتعليم الحديث في جامعة الخرطوم لمدة عام ونصف ردتني عن التعليم المضاد للحداثة وغير النظامي وألحقتني بالتيار التعليمي العادي، وعرضتني بقوة لتيارات الفكر والسياسة التي سادت الأوساط الطالبية في أوائل الخمسينيات، ثم تحولت لجامعة أكسفورد ضمن ظروف قصصتها في مجال آخر وربما كان فيها تخطيط غير مرئي في وقته، فقد كنت منذ عام 1948م قد التقيت السيد جراهام توماس صديق جدي وأحد أعضاء الإدارة البريطانية في السودان بمناسبة عيادته في مرضه نيابة عن جدي الإمام عبد الرحمن وتسليمه هدية عبارة عن "أبجورة" صناعة سودانية. وكان السيد جراهام شخصية واعية ومرحة فدخل معي في نقاش سياسي وديني طويل وبعد ذلك كما روى لي بعد حين كتب للسكرتير الإداري السير جيمس روبرتسون يقول له: إنه التقى طفلا هو شخصي سوف يكون قيادة للسودان في المستقبل. في عام 1953م انقطع تعليمي في كلية الخرطوم الجامعية وهيئ لي خيار بديل لم يكن في حسباني هو التوجه للتعليم في جامعة أكسفورد ببريطانيا. كانت تلك مرحلة مهمة تناولتها بالتفصيل في مقام آخر. ولكن أهم ما فيها أن المؤثرات والنشاط اللا صفي الذي اشتركت فيه في تلك الفترة في أكسفورد نفسها، وفي لندن لدى عضويتي في اللجنة التنفيذية للطلاب السودانيين في المملكة المتحدة ورئاسته في لندن كانت أهم كثيرا من التعليم الصفي الذي نلته.
3. السودان المستقل: كان لاتحادنا في لندن دور هام في الضغط على رئيس وزراء السودان آنئذ السيد إسماعيل الأزهري للانحياز للاستقلال، والتخلي عن الاتحاد ولدى زيارته للندن دعوناه وفي اجتماع محضور ألقى السيد مرتضى أحمد إبراهيم نيابة عن الاتحاد كلمة يطالبه والوفد المرافق له بالانحياز للاستقلال. تحقق استقلال السودان في عام 1956م، وبإجماع كافة القوى السياسية السودانية. ولكن كان واضحا أن الحياة الديمقراطية الجديدة سوف تواجه ثلاثة عوامل تبدد استقرارها: العامل الأول التطلعات الجنوبية لوضع خاص للجنوب، والثاني المخاوف المصرية على مصالحها في السودان، والثالث انعكاس العاملين سلبا على استقرار ووحدة القوى السياسية السودانية. بعد الاستقلال مباشرة وقع الانقسام الأول في الحزب الوطني الاتحادي وأجريت انتخابات في فبراير 1958م ألف بعدها حزب الأمة والشعب الديمقراطي (الذي يؤيده الختمية) حكومة ائتلافية. كنت شخصيا قد اشتركت مع صغر سني في عمل سياسي كبير لصالح حزب الأمة في الانتخابات. وكان واضحا لي أن المناخ السياسي لا يناسبني لذلك اعتبرت مساهمتي في الانتخابات "مأمورية" انتهت بنهايتها والتحقت بالخدمة المدنية السودانية موظفا في وزارة المالية. وبدأت أحس بحركة انقسام غير مرئي في حزب الأمة ما بين تيار يقوده رئيس الوزراء والأمين العام السيد عبد الله خليل ويحرص على الإبقاء على الائتلاف مع حزب الشعب الديمقراطي بقيادة السيد علي عبد الرحمن، وتيار مناوئ يقوده رئيس الحزب السيد الصديق المهدي يرى عدم جدوى ذلك الائتلاف وضرورة استبداله بائتلاف مع الحزب الوطني الاتحادي بقيادة السيد إسماعيل الأزهري. حدة صراع هذه الرؤى ضمن عوامل أخرى هي أسباب اقتناع رئيس الوزراء بعدم جدوى العملية السياسية التعددية واللجوء للقوات المسلحة السودانية منقذا للموقف، فأدى ذلك لاستلامها السلطة وقيام نظام 17/11/1958م. هذا الحدث جرني رغم أنفي للسياسة السودانية مرة أخرى فقد اعتبر أبي الانقلاب مؤامرة ضده وضد حزبه وكان غائبا في أوربا فعاد مسرعا ولم يكن في استقباله بالمطار أحد فكنت سائق العربة التي نقلته من المطار وكان ثائرا على الانقلاب معلنا رفضه. وقد صادف هذا الموقف موقفي لأنني منذ يوم الانقلاب قررت الاستقالة من الخدمة المدنية باعتبارها لم تعد كذلك بل صارت أداة تنفيذية لإرادة غير شرعية، وهذا ما كتبته في خطاب استقالتي، فناداني رئيس قسمي السيد عبد الهادي حمدتو وقال لي هذا النص لخطابك يجر لنا المتاعب فأرجو أن تكتب استقالتك دون إبداء أسباب سياسية ففعلت. لقد كانت خطة التسليم والتسلم التي اشترك فيها السيد عبد الله خليل، مبنية على اتفاق معين مع قيادة القوات المسلحة يستلموا فيها الحكم ويكونوا حكومة قومية ويكتبوا دستور البلاد الدائم ويعلنوا الانتخابات بعد ستة أشهر. هذه الخطوة عارضها 13 من أعضاء المكتب السياسي للحزب الخمسة عشر، وحتى السيد عبد الرحمن علي طه الذي أذاع بيان التأييد من الإمام عبد الرحمن المهدي فعل ذلك فقط احتراما لرغبة الإمام وابتعد بعدها عن العمل السياسي، ثم سرعانما لحق السيد عبد الله خليل بمعارضة الانقلاب. فبسرعة تحركت القيادتان الشرقية والشمالية "لتصحيح" اتجاه الانقلاب في بداية عام 1959م، وبسرعة أدرك الإمام عبد الرحمن الذي قبل الانقلاب كأقصر وسيلة لكتابة دستور البلاد ثم استئناف الديمقراطية، أدرك بطلان هذه التوقعات. وأنا شخصيا أعتقد أن الإمام عبد الرحمن وقد كان حساسا جدا للأحوال العامة قد فجع ومات أكثر الناس حزنا وقد سمعنا منه في أواخر أيامه ودون في أوراقه الخاصة ما يدل على حالة قصوى من خيبة الأمل. وبعد وفاته في مارس 1959م خلفه والدي المعلن عداءه لنظام الحكم العسكري المتعرض حتما لقهره. هذا المشهد هو الذي أجبرني على التخلي عن خططي الخاصة بمواصلة تعليمي والمهنة الزراعية والوقوف إلى جانب أبي في مواجهة البأس الدكتاتوري.
4. ثورة أكتوبر 1964م: انقلاب 17/11/1958م اكتسب بعض الشرعية لوجود عنصر تسليم وتسلم فيه من رئيس الوزراء، ولبيان التأييد الذي أصدره السيدان. هذه الشرعية تلاشت بموجب الموقف السياسي المتحد الذي اتخذته القوى الوطنية الديمقراطية بقيادة الإمام الصديق المهدي. وعلى طول عمر النظام وهو ست سنوات تضافرت 4 عوامل عرته من أية شرعية وأطاحت به هي:
• القوى السياسية الشعبية.
• الاستنزاف الذي أحدثته المقاومة المسلحة الجنوبية.
• الإضراب السياسي الذي حققته النقابات.
• الانحياز لصالح الشعب الذي ظهر في موقف كثير من الضباط.
أدى التفاعل بين هذه العوامل لثورة أكتوبر 1964م. كان طلبة جامعة الخرطوم هم رأس الرمح وفي ساحتهم اندلعت الشرارة الأولى. وكان دوري هو تنسيق موقف القوى السياسية والنقابية وتقديم الميثاق الوطني الذي حدد الأهداف السياسية للثورة. وبعد توحيد موقف القوى السياسية والنقابية قدت التفاوض مع قادة قيادات القوات المسلحة لوضع برنامج التحول الديمقراطي عبر إجراء انتخابات عامة حرة.
ثورة أكتوبر حققت ثلاثة إنجازات هي: نقل الثقل السياسي لجيل جديد، تحقيق التحول الديمقراطي، تكريس التوجه نحو الحل السلمي للحرب الأهلية في الجنوب.
5. الديمقراطية الثانية: كنا أثناء مقاومة الحكم العسكري نعمل في مجلس أعلى سياسي باسم مجلس الإمام. وبعد سقوط النظام العسكري شرعنا في إعادة تكوين حزب الأمة. كنت وعدد من زملائي نمثل القوة السياسية المتحركة داخل كياننا وكان رأينا أن يعاد تكوين حزب الأمة على أساس انتخابي وكان الحرس القديم يرى أن يعاد التكوين بالتعيين تحسبا لأية مفاجآت، وتغلب رأينا وأعيد التكوين بصورة لم يرض عنها الحرس القديم. ونتيجة لذلك انتخبت رئيسا لحزب الأمة بأغلبية ساحقة في وجه منافسي في المنصب. ومع أن القوة الشبابية المتحركة، ببرنامجها "نحو آفاق جديدة" وبحيويتها، هي التي جعلت حزب الأمة في انتخابات 1965م الرقم الانتخابي الأول، فإن الحرس القديم كان له ما شاء في تكوين الحكومة الائتلافية الجديدة برئاسة السيد محمد أحمد محجوب. الهيئة البرلمانية الجديدة التي انتخبت ببرنامج حزب الأمة كانت مختلفة عن سابقاتها وفيها عدد كبير من النواب المتعلمين. السيد محمد أحمد محجوب واصل معاملة الهيئة الجديدة بالأسلوب القديم وهو باعتبارهم نواب طاعة بينما كانت الحقائق تدل على أنهم في الغالب كانوا نواب مشاركة ومساءلة مما خلق توترا مستمرا بين رئيس الوزراء والهيئة البرلمانية.
وبعد ندوة في كلية التربية بجامعة الخرطوم سارت مظاهرات قصدت رئيس مجلس السيادة السيد إسماعيل الأزهري يقودها عدد من الحركات الإسلامية التي رمت متحدثا في الندوة بالإساءة للسيدة عائشة زوج النبي (ص)، قيل إن المتحدث حينها كان منتميا للشيوعيين وطالبت المظاهرات بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان أو الجمعية التأسيسية. كان الرئيس إسماعيل الأزهري قد استشعر خطر الحزب الشيوعي على قواعده خصوصا عندما فاز السيد عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي على السيد أحمد زين العابدين في دائرة الأزهري بأم درمان شمال بعد أن تركها لدى انتخابه رئيسا لمجلس السيادة. استقبل الرئيس الأزهري المظاهرات وأيد مطالبها وقال نمهل الحكومة والجمعية وقتا حدده فإذا لم ينفذوا هذه المطالب فإنه شخصيا سوف ينضم للمظاهرات. هذا الاتجاه أيده الإمام الهادي المهدي بشدة وفي الظروف السائدة غلب هذا التيار على النواب ونفذت المطالب. نعم كان بعضنا متحفظا مثلي والسيد محمد أحمد محجوب والأمير عبد الله نقد الله، ولكن الجميع التزم بقرارات الجماعة. ولضمان تنفيذ القرارات دون اضطرابات اصطحبت معي السيد عبد الله نقد الله وذهبنا لمقابلة اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي في دارها وشرحنا لهم الظروف وطالبناهم التعامل مع القرارات بهدوء، وقد كان.
بعد مرور عام من تكوين حكومة السيد محمد أحمد محجوب الائتلافية بلغ سوء الحال بينه وبين الهيئة البرلمانية في حزب الأمة أنهم سحبوا منه الثقة وفكروا في استبداله، ولكنه وهو اللبرالي المشهود له حول المواجهة إلى جهة أخرى عندما قال للنواب أنا عينني الإمام وأنا مسئول له لا لكم!. ههنا وقع اختلاف حاد لا في مبدأ أن يكون للإمام دور سياسي ولكن في حدود ذلك الدور. وهو اختلاف شبيه بما حدث في مرحلة ماضية ما بين حزب الأمة والإمام عبد الرحمن في عام 1950م وحسم الإمام عبد الرحمن الخلاف بإصدار منشور أكد فيه ألا يكون للإمام حق النقض لقرارات حزب الأمة. وقع الانقسام في حزب الأمة في عام 1966م حول هل صلاحية اختيار رئيس الوزراء للإمام أم للهيئة المنتخبة. تداعى هذا الانقسام حتى فرق حزب الأمة إلى جناحين. أعقب ذلك تكوين حكومة ائتلافية جديدة برئاستي يدعمها ثلثا نواب حزب الأمة ونواب الحزب الاتحادي.
حكومتي نجحت في الآتي:
- الاهتمام بقضايا التنمية والخدمات.
- الانفتاح غير المسبوق على الأقاليم.
- الاهتمام بالحل السلمي للحرب الأهلية بإعطاء أكبر أهمية لتوصيات لجنة الاثنى عشر وبعقد مؤتمر جميع الأحزاب لدراسة تلك التوصيات وحسم ما بقي فيها من نقاط خلاف وتبنيها قوميا.
أحس الحرس القديم بخطورة هذا النجاح على تطلعاتهم لرئاسة الجمهورية لا سيما وقد صار كثير من الصحافيين المستقلين يرددون احتمالات اكتساحي للانتخابات الرئاسية القادمة. لذلك تكونت لوبيات ضدي طرحت الثقة في رئاستي للوزراة بعد أن أفلح الشريف حسين الهندي في استغلال مخاوف الرئيس إسماعيل الأزهري وتوحيد حزبه في ائتلاف جديد يساند إعادة السيد محمد أحمد محجوب لرئاسة الوزراء. بعد هذه التحالفات طرحت الثقة في رئاستي للوزارة، واستطعت أن أحافظ على نواب الأمة وكافة النواب المستقلين وعدد من النواب الاتحاديين والنواب الإسلاميين وفي التصويت النهائي كان الفرق بين كتلتينا 8 أصوات فقط أي أنه إذا انحاز لنا 5 منهم لهزمنا التحالف. حكومة السيد محمد أحمد محجوب الثانية صادفت الهجوم الإسرائيلي على مصر في 5/6/1967م ولعبت دورا ناجحا في تضميد جراح الرئيس المصري جمال عبد الناصر واستقطاب دعم عربي لدول المواجهة عبر مؤتمر القمة العربي في الخرطوم. ولكن تلك الحكومة كانت حكومة الحرس القديم وقفت ضدها كل القوى التي خططت ونفذت ثورة أكتوبر في الأحزاب وفي النقابات. ووقف ضدها اليسار الذي طرد نوابه من البرلمان. ومع أن تلك الحكومة الائتلافية أسدت للرئيس جمال عبد الناصر خدمات جليلة إلا أن الناصريين بقيادة السيد بابكر عوض الله تآمروا عليها. حكومة الحرس القديم في السياسة السودانية سارت بكتابة الدستور الدائم لعرضه للجمعية التأسيسية، وكانوا يعتبروني الخطر الديمقراطي الوحيد عليهم لذلك وضعوا سن المرشح للرئاسة 40 عاما وكان سني في ذلك الوقت 33 عاما.
قال السيد محمد أحمد محجوب في كتابه عن الديمقراطية إني قلت له في وجهه أنك لا تصلح لرئاسة الوزارة. نعم ولكن في أي إطار؟!. في أواخر عام 1968م كنت في زيارة لبيروت وصادف أن زارها في الوقت نفسه السيد محمد أحمد محجوب فزارني في غرفتي بفندق كارلتون وقال لي: أنت تعلم أن الدستور الدائم على وشك أن يجاز وستكون الجمهورية رئاسية. وأعلم أنك غير وارد لسنك دون الأربعين. وينبغي أن تعلم أن الأزهري وعمك لا يصلحان لهذه الرئاسة. ولذلك سأرشح نفسي لهذه الرئاسة وسوف يصوت لي الجنوبيون "هذا وعد أعطاه له السيد بوث ديو" وجماهير المدن وسوف أضمن الفوز إذا وقفت أنت إلى جانبي، وأنا رغم كل ما دار بيننا جئت لأعرض عليك أن تسندني في الدورة الأولى وهذا يضمن نجاحي وسوف أسندك في الدورة الثانية للرئاسة. فما رأيك؟!. قلت له أنت رجل ذكي وأديب وقانوني متمكن ولكنني طعنت في صلاحيتك لرئاسة الوزارة فهل يعقل أن أقدمك لرئاسة الجمهورية الرئاسية؟!. ولدى اقتراب موعد إجازة الدستور الدائم احتد التنافس بين السيدين الرئيس إسماعيل الأزهري والإمام الهادي واشتدت المخاوف عند جماهيرنا أن الانقسام سوف يهدر حقنا في الانتخابات فأدى ذلك في النهاية لإعادة توحيد حزب الأمة على أساس أن يكون الإمام مرشحنا وأن تتكون مؤسسات ديمقراطية للمشاركة والمساءلة. توحيد حزب الأمة زاد من ضعف الحكومة الائتلافية لأن حزب الأمة تطلع لمراجعة الائتلاف على أساس يمثل وزنه الجديد.
لم يكن السيد محمد أحمد محجوب راضيا على أسس التوحيد الجديد واعتبره على حسابه وفي احتفال التوحيد قال قولته المشهورة: "اتفقوا ولو علينا!" وفي مناخ التوتر السياسي الذي زاد بعد توحيد حزب الأمة وتوالي محادثات القصر البطيئة بين الحزبين، قدم السيد محمد أحمد محجوب استقالته للضغط على الحزبين للإسراع بالاتفاق مما خلق فراغا مهد السبيل لانقلاب 25/5/ 1969م.
6. العهد المايوي 69- 1986م:
بدأ يساريا متطرفا متبنيا شعارات الحزب الشيوعي ومزايدا عليها. وكون أول نظام شمولي في السودان وهو الذي استن الأمن المطلق اليد، والإعلام المزيف، والأيديولوجية الأحادية، والحزب الواحد بل والتحالف الخارجي المحوري في الأول مع الشرق وفي أيامه الأخيرة مع الغرب. تبنى في أول عهده شعارات الحركة الشيوعية وانحاز للمعسكر الشرقي واقتبس كافة أدوات القمع الناصرية، وتبنى في آخر عهده شعارات الحركات الإسلاموية وصحب ذلك انحيازا للمعسكر الغربي.النظام منذ بدايته اعتدى علينا وصنفنا أعداء للشعب واستباح حقوقنا كلها. هذا النهج الحاد النافي للآخر هو الذي أدى لطائفة من الأحداث في الجزيرة أبا، وفي ودنوباوي في عام 1970م ثم فيما بعد في 1976م. واستحدث كياننا في وجه هذا العدوان وسائل جديدة كالهجرة إلى الخارج والعمل السري في الداخل، والاستعانة بأصدقاء في الخارج، والعمل العسكري المضاد. وبعد إخفاق قمة المواجهة في 2 يوليو 1976م سلط النظام علينا بأسه مستعينا بحلفائه في مصر. الاعتقال المتشدد لكل عناصرنا في الداخل، واحتواء تحركنا بالخارج نتيجة للدعم الذي وجده النظام من مصر وأمريكا هي العوامل التي جعلتنا نتجاوب بالإجماع مع دعوة المصالحة الوطنية. الدعوة التي تبناها النظام –خداعا كما اتضح فيما بعد- لأنه أدرك أن القوى السياسية التي أقنعته تحليلات الأدعياء أنها انقرضت ما زالت حية وينبغي التفاهم معها. كان للنظام المايوي ثلاث إنجازات هي اتفاقية السلام في 1972م- والمصالحة الوطنية في 1977م- واكتشاف البترول في 1980م.
أما الإنجاز الأول: فقد صحب اتفاقية الجنوب درجة من الحقوق الديمقراطية واقتسام السلطة لم يكن النظام الشمولي قادرا على احتمالها فقوضها.
أما الإنجاز الثاني: فإن النظام أثبت أنه غير مستعد لدفع استحقاقات المصالحة فقوضها.
أما الإنجاز الثالث: فقد منع استغلاله تدهور الوضع الأمني في البلاد.
ومع أن إخلاف النظام قوض المصالحة الوطنية إلا أن بعض آثارها بقيت وهي حرية نسبية لنا في الداخل، وحرية نسبية للنقابات. وفي مواجهة النظام مع القضاة لجأ لسياسة هجومية متكئة على شرعية تطبيق الشريعة وواصل موقفه الهجومي هذا مع النقابات إزاء تحركاتها المطلبية. وفي هذا المناخ قامت الحركة الطالبية مرة أخرى بدور رأس الرمح في جامعة أمدرمان الإسلامية هذه المرة. واستطعنا أن ننسق بين التحرك السياسي الذي قدناه، والتحرك النقابي الذي جسده التجمع النقابي، والعناصر العسكرية التي استعدتها تقلبات النظام. مرة أخرى قمت بتنسيق تحركات الجهات المختلفة، وكتابة ميثاقها الوطني المحدد لأهدافها المشتركة. وتداعت الأحداث حتى أدت لانتفاضة رجب/ أبريل 1985م.
7. الديمقراطية الثالثة: قام بعد الانتفاضة وضع انتقالي مزدوج تمارس فيه قيادة القوات المسلحة السيادة والتشريع ويمارس فيه مجلس وزراء مدني التنفيذ وكنت قد رأيت أن يكون التجمع النقابي مجلس الوزراء لتنصرف الأحزاب لمهمة إعادة البناء بعدما لحقها من تدمير في عهد الشمولية الأولى وتستعد للانتخابات القادمة بعد عام. كانت الفترة الانتقالية قلقة للغاية يؤججها صراع بين المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء المدني، واضطراب بين مجلس الوزراء المدني والتجمع النقابي الذي كونه. ومع أن الترتيبات الانتقالية هذه التزمت بالميثاق الوطني في أمر إجراء الانتخابات في موعدها إلا أنها عطلت بندين من بنود الميثاق هما: إلغاء قوانين سبتمبر سيئة الصيت، والقصاص الشعبي من سدنة النظام المايوي إذ أعدوا لهم محاكمة قانونية لا سياسية قانونية كما نص على ذلك الميثاق. المجلس العسكري وضع قانونا للقوات المسلحة جعلها شبه مستقلة من مجلس الوزراء. والوزراء في مجلس الوزراء تصرفوا إلى حد كممثلين لنقاباتهم فتحولت الفترة الانتقالية في بعض وجوهها إلى مزايدات نقابية فأورثت البلاد عنترية نقابية كان لها أثرها السالب على الاستقرار الديمقراطي فيما بعد. وكان أسوأ ما في المرحلة الانتقالية، وقد كان قادتها مستعدين للتفاوض من أجل الحل السلمي للحرب الأهلية التي فجرها من جديد نظام مايو بخرقه لاتفاقية السلام، أن الحركة الشعبية لتحرير السودان رفضت الاعتراف بحقيقة التغيير الذي حدث في السودان واعتبرت الفترة الانتقالية مجرد امتداد لنظام مايو. في الانتخابات التي أجريت في عام 1986م كافأ الشعب السوداني حزب الأمة على الإصلاح السياسي الداخلي الذي مارسه، وعلى صموده في وجه البلاء الدكتاتوري، وعلى دوره في الانتفاضة فنال الحزب أكثرية المقاعد، وعاقب الحزب الاتحادي الديمقراطي لغياب أي برنامج إصلاحي سياسي داخلي، ولموقف قيادته المهادن لنظام مايو، ونالت الجبهة الإسلامية القومية أكبر عدد من المقاعد في تاريخها ساعدها على ذلك أن كثيرا من العناصر التي انخرطت في نظام مايو احتمت بها، وساعدها كذلك دقة تنظيمها وحصولها على مصادر تمويل خارجية فاقت كل المتاح للأحزاب الأخرى. بعد الانتخابات اختلفت الرؤية في حزب الأمة. كنت أرى أن نعتبر الحكم الجديد انتقاليا ونكون حكومة جميع أعضاء الجمعية على أساس وزير مقابل كل عشرة نواب ونركز بصورة قومية على القضايا القومية الخمس وهي: كتابة الدستور، تحقيق السلام، التنمية، إيجاد معادلة قومية للأسلمة، نهج علاقات خارجية متوازنة. ولكن رأيا آخر أيدته الأغلبية في حزب الأمة كان يرى أن نقيم ائتلافا مع الحزب الاتحادي لتحقيق تلك الأهداف. الحزب الاتحادي الديمقراطي نفسه أبرم اتفاق "مناورة" مع الجبهة الإسلامية القومية أهم معالمه رفض إعلان كوكادام "مارس 1986" للحل السلمي للحرب الأهلية، ورفض تشريع قانون القصاص الشعبي، والالتزام أن يدخلوا الحكم معا أو أن يقفوا معا في المعارضة. وبعد تفاوض شاق كون حزب الأمة حكومة ائتلافية مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي رفض أن يدخل في برنامج الحكومة الجديد إلغاء قوانين سبتمبر 1983م، كما رفض الالتزام بإصدار قانون للقصاص الشعبي من سدنة نظام مايو. وكانت النتيجة الاتفاق على حل وسط هو تجميد تلك القوانين إلى حين إصدار بديل لها. كانت أهم ثلاث مشاكل في التعامل مع الاتحادي الديمقراطي: أنه منقسم على نفسه بين تيار يقوده السيد محمد عثمان الميرغني وآخر يقوده الشريف زين العابدين الهندي- إن وزراءه لا يعملون كفريق يل يتصرفون بصورة فردية- إن وزراءه لا يحظون بدعم هيئتهم البرلمانية التي تتصرف كأنها مستقلة من حكومتها. في الفترة من مايو 1986م إلى فبراير 1989م أجريت ثلاث تعديلات وزارية كبيرة في محاولة لاحتواء تلك المشاكل. ومن جهة أخرى فإن الجبهة الإسلامية القومية لم تكتف بدور المعارضة الدستوري في البرلمان بل اتخذت موقفا تقويضيا للنظام الديمقراطي نفسه وزادت من حدة المعارضة خارج الأطر الدستورية، وسخرت في سبيل ذلك إمكانات خارجية تفوق القدرات السودانية. ومع ذلك فإن النظام الديمقراطي استطاع أن يصمد بل وأن يعالج كل الأزمات التي طرأت عليه في نطاق الشرعية الدستورية. تعرض النظام الديمقراطي لثلاث أزمات كبرى هي انهيار الخدمات في العاصمة وكثير من المناطق نتيجة الأمطار والفيضانات في أغسطس 1988م، ومذكرة القوات المسلحة في فبراير 1989م. وبصرف النظر عن التآمر ضد النظام الديمقراطي والإطاحة به وهو تآمر معلوم وموثق وسوف أفصله في مجال آخر فإن الذي قوض الديمقراطية الثالثة ثلاثة عوامل داخلية وثلاثة عوامل خارجية. العوامل الداخلية كانت ضعف السلطة التنفيذية بسبب مشاكل الائتلاف وبسبب وضع القوات المسلحة شبه المستقل منها، وفوران الحركة المطلبية النقابية التي واصلت زخمها منذ الفترة الانتقالية، وتمدد المعارضة خارج المؤسسات الدستورية بتدبير الجبهة الإسلامية القومية وإمكاناتها الزائدة عن حجمها. أما العوامل الخارجية فهي الموقف الأمريكي السالب من الحكومة الديمقراطية لأننا تخلينا عن سياسات النظام المايوي في ترحيل الفلاشا وفي تقديم تسهيلات عسكرية لهم وفي الانحياز للمعسكر الغربي لذلك أوقفوا ما كانوا يقدمونه من دعم لحكومة مايو وشجعوا حملات تشويه إعلامية قوية مضادة. الحكومة المصرية اعتبرت موقف الحكومة السودانية المنتخبة السالب من الترتيبات التي عقدها معها النظام المايوي من تكامل ودفاع مشترك موقفا معاديا وتصرفت معنا بعدم الرضا واستنبتت المشاكل. حكومة منقستو في أثيوبيا قوضت محاولات الحل السلمي للحرب الأهلية لأنها كما أوضح لي وزير خارجيتها آنذاك قال "لا يمكن أن نكرر خطأ الإمبراطور في تسهيل إبرام السلام في السودان كما فعل عام 1972م دون مقابل مما مكن نظام جعفر نميري من دعم السياسات الأمريكية المضادة لأثيوبيا في البحر الأحمر ودعم الثورة الإريترية ضدنا. لذلك لن نسمح بسلام في السودان مع جنوبه إلا مقترنا بسلام في أثيوبيا مع شمالها".
8. نظام "الإنقاذ":
يتحدث الناس عن الحكومات المتعاقبة وعن إنجازاتها واخفاقاتها. النظم الانقلابية استولت على السلطة بوسائل غير مشروعة هذا هو إخفاقها الأساسي ولا يشفع لها ما فعلت أو تركت. ما لم نضع هذا المقياس فإننا بذلك نقنن الوسيلة الانقلابية في الواقع.
لقد تناولت الحديث عن نظام "الإنقاذ" في مجالات أخرى ولكن يهمني هنا أن أثبت له ثلاث إنجازات هي: استغلال البترول السوداني- إبرام اتفاقية نيفاشا للسلام- قبول مبدأ التحول الديمقراطي السلمي في السودان. أما البترول السوداني فإن إيراداته استغلت بطريقة شبيهة بما حدث في نيجريا وهي تشجيع إهمال مصادر الثروة المتجددة الزراعية والصناعية، ورفع درجة الفساد المالي في البلاد إلى مستوى جعلها في نظر الخبراء الأكثر فسادا في العالم العربي وفي العشر الأواخر في العالم.
أما اتفاقية نيفاشا فإنها أوقفت الحرب الأهلية في بعض جبهاتها ولكن إبعاد القوي السياسية الأخرى منها قوض قوميتها وحصر هيكلها في مكاسب ثنائية قفل باب الاتفاق مع جبهات اقتتال أخرى بناءا على ما حققت من سابقة للجنوب.الاتفاقية بشكلها الحالي سوف تتعثر حتى في إطارها الثنائي وتخلق استقطابا سياسيا حادا في البلاد وتمنع مفاوضات السلام الأخرى من أي تقدم حقيقي. بل تعطى دافعا حقيقا للتطلع أن يسيطر السودانيون على عملية سلام بلادهم من قادة عسكرين عينوا أنفسهم أوصياء بموجب وضعهم العسكري وغفلة شركاء دوليين أعمتهم الرؤية قصيرة النظر عن رؤية الجدوى والشمول. الأنانية الداخلية والغفلة الخارجية كلاهما ساهم في عدم سماع الصوت القومي السوداني.
مبدأ قبول التحول الديمقراطي السلمي محمدة ولكن النظام حتى الآن يسير فيه بفقدان تام للرؤية الاستراتيجية وانقباض شديد عن دفع استحقاقاته كما ينبغي.
وأهم إخفقات النظام ثلاثة:
أولاً: التطبيق الحزبي السلطوي للإسلام مما ربطه بالاستبداد والتخبط وأضافه شاهدا آخر لشواهد تشويه الإسلام كما حدث في باكستان وأفغانستان وغيرهما.
ثانياً: التوظيف الأمني للجهاد والسياسات الداخلية الأخرى التي حرصت على إقصاء الآخرين أدت في النهاية إلى تفتيت الوطن بصورة غير مسبوقة وإلى ظواهر لم يعهدها السودان من قبل هي:الإثنية المسيسة ـ والحزبية المسلحة ـ والجهوية المتحالفة مع الخارج. والمآسي الإنسانية التي استباحت السودان لأوسع درجات التدويل.
ثالثا: السياسات التوسعية الخارجية في الماضي، والاخفاقات الداخلية، وفجوة الثقة بين طرفي التفاوض في نيفاشا أدت إلى جعل السودان محمية دولية بل وجعلته الآن مسرحا لعدد من الجيوش الأجنبية بعضها برضاء الحكومة وبعضها برغم أنفها.
9. الرئاسة والإمامة:
انتخبت لرئاسة حزب الأمة في عام 1964م بعد إعادة تكوين حزب الأمة نتيجة لثورة أكتوبر 1964م. بعض الناس يظن أنني قدمت للرئاسة من أسرتي. العكس تماما هو الذي حدث ففي الاجتماع التأسيسي لإعادة تكوين الحزب رشح للرئاسة السيد محمد أحمد محجوب شخصان هما عمي السيد أحمد المهدي وثناه السيد محمد داؤد الخليفة. وكانت المبررات التي قدمها الذين رشحوني هي دوري القيادي في معارضة النظام العسكري الأول وقد كنت أثناءه الأمين العام لجبهة المعارضة الوطنية ودوري القيادي في ثورة أكتوبر التى حققت التحول الديمقراطي وفي ذلك الاجتماع صوت كبار أسرتي ضدي. أعيد انتخابي رئيسا لحزب الأمة مرة أخرى في مؤتمر الحزب العام في 1986م وكانت المبررات التي قالها المؤيدون هي دوري في مقاومة نظام مايو وفي ثورة رجب/أبريل 1985م. وجدد انتخابي بالإجماع هذه المرة في مؤتمر الحزب السادس في أبريل 2003م وكان المبرر دوري في قيادة الحكومة الديمقراطية، وفي التصدي لاستبداد نظام "الإنقاذ" فكريا وعمليا. الحقيقة أن انتخابي لرئاسة حزب الأمة لم يكن بتدبير من أسرتي ولم يكن تلقائيا بل كان باستمرار خاضعا لمراجعة وحيثيات متجددة. ومع أن الفترة بلغت الآن 41 عاما فقد كان الحزب كله معطلا لمدة 27 سنة هى عمر النظامين الشموليين. إذا عددنا 16 سنة لعهد مايو وإذا اعتبرنا أن شمولية الإنقاذ انتهت عمليا عام 2000م.
الجماهير لا تعطي ثقتها وحبها وتأييدها مجانا. الثمن الذي تتقاضاه هو العطاء والتضحية. حرصت حرصا شديدا منذ مقتل الإمام الشهيد الهادي المهدي واتجاه أنظار الأنصار نحوي للقيادة بحكم الأمر الواقع أن أكون مؤسسة ذات شخصية اعتبارية للأنصار مؤسسة تقوم على المشاركة والمساءلة والإدارة الدستورية. وفي سبيل ذلك قاومت محاولات أفراد قياديين في أسرتنا أرادوا أن يؤخروا عقارب الساعة نحو إمامة أبوية. وقاومت مؤامرات الشمولية الأولي (مايو) والشمولية الثانية(الإنقاذ) لاختراق أو تعطيل كيان الأنصار أو تدجينه.
نظام مايو ونظام الإنقاذ على طول عمرهما تآمروا ضد كيان الأنصار في السودان لا سيما في الجزيرة أبا ، وحاولوا دائما إبعاد كيان الأنصار من المركز العام في مجمع بيت الإمام المهدي وحاولوا دائما إبعاده من المسجد الذي أسسه الإمام المهدي في البقعة وشيده خليفة المهدي بعده وسمي مسجد الخليفة وهي تسمية جاريتها مع أن الحقيقة هي أنه مسجد المهدي، جاريتها لسببين:
الأول: لأحياء ذكر الخليفة الذي نال من الإساءة أكثر مما كيل للإمام المهدي.
الثاني: لكيلا أدعم خطة الاستعمار في التفريق بين المهدي وخليفته وهي خطة برمجوا عليها كثيرا وتبعهم في ذلك بعض الطامعين. ومع ذلك كنت أقاوم نصائح كثيرين على رأسهم السادة أمين التوم ، صلاح عبد السلام ، عمر نور الدائم ، الحاج عبد الرحمن نقد الله، تبيرة هباني . لأتقدم لبيعة الإمامة . كانت حجتي:
أولا: الإمامة بموجب وصية الإمام الصديق يجب أن تكون انتخابية.
ثانياً: نحن نتطلع لدور قومي داخل السودان ودور إسلامي عام خارج السودان والإمامة تحبس صاحبها دون ذلك.
ثالثاً: الإمامة بمقياسي تحتاج لدرجة من التأهيل لم أبلغها.
ولكن محاولة " الإنقاذ " اختراق كياننا علت كثيرا في عام 2002م وربطوا بالاختراق السياسي اختراقا أنصاريا بل بدا كأن دولة عظمى دخلت في حلبة الإمامة.
هذه العوامل حرضت عناصر كثيرة في كيان الأنصار على العمل الدؤوب لعقد مؤتمر هيئة شئون الأنصار الأول ولم يكن بتدبيري بل كانت ملاحظتي للمكتب التنفيذي للهيئة أننا لا نستطيع أن نعقد مؤتمر الهيئة إلا بعد الفراغ من مؤتمر الحزب، ولكنهم طالبوني بالموافقة ودعم ما يفعلون وأنهم قادرون على عقده ففعلت وفعلوا. وكان لسيدنا الراحل عبد الله اسحق والأمير عبد المحمود أبو دور مفتاحى في تحقيق ذلك. وقبل انعقاد المؤتمر نظمت هيئة شئون الأنصار ورشة لبحث أجندة المؤتمر لا سيما موضوع الإمامة. وكتب السيد عبد الحميد الفضل ورقة فحواها تجاوز موضوع الإمامة مؤقتا، ووجدت ورقته تأييدا منى. ولكن إشفاق قواعدنا من خطر التدابير المضادة عبأ الكافة لحسم موضوع الإمامة بقرار من المؤتمر رغم تحفظاتي، فدفعوني إليها دفعا وحق لي أن أقول: "هجمت عليّ الإمامة". طورت نص البيعة لأدخل فيها الشورى، وحقوق الإنسان، والطاعة المبصرة وبعدها التزم بمفرداتها من جانبي وأرجو أن يوفق الآخرون للوفاء بالجانب الآخر لأنها التزام من طرفين. ومنذ إبرامها شهدت من التزام الطرف الآخر "الأنصار" ما يسر ويفرح.
10. . محنة الدين والوطن:
لا أحد ينكر أن الإسلام يمر بمرحلة أشد خطورة من أية مرحلة مضت تستهدفه الصهيونية العالمية والهيمنة الدولية: الغزاة. ويحاول اختطاف مستقبلة من أهله الغلاة. ويعيق حركة شعوبه الطغاة. ولا بد من فكر وحركة قادرين على حمايته واستنهاض دوره الحقيقي في توجيه الصحوة الدينية لدى أهله وتزويد الإنسانية كلها بعطائه.
ولا أحد ينكر أن السودان يمر بمرحلة أشد خطورة من أية مرحلة مضت. يواجه في آن معا مخاطر التشظى والوصاية الخارجية. ولا بد من وحدة وطنية تنقذه من هذه المخاطر وتحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الذي يربط بين الديمقراطية والتوازن والنهضة التنموية ذات الأهداف العدالية.
المحور الرابع: إخفاقاتي:
(لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ* وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) . محاسبة النفس محمدة . ابن آدم خطاؤون ومن ادعى العصمة أو الكمال فقد سقط. روى صاحب الكامل أن قتادة قال: ( ما سمعت شيئا قط إلا حفظته. وما حفظت شيئا قط فنسيته. ثم قال يا غلام هات نعلى) فقال الغلام: هما في رجليك ففضحه الله.
وفي ذات يوم قال لي العميد الراحل يوسف بدري: يا فلان ما سمعتك تتحدث في موضوع إلا وردت فيه ضمن حديثك نبرة اعتذار كأنك تتهم نفسك!
ومهما كان تحصيلي أنفر نفسيا عن كل من تحدث في موضوع بخيلاء مثلما تحدث المتنبي:
إن يكن عجب فعجب عجيب لا يري فوقه من مزيد
وأجد راحة نفسية في دعوات راتب الإمام المهدي لأن فيها كسبا روحيا بإحصاء حالات الضعف البشري لا سيما قوله: "اللهم إن عفوك عن ذنوبي وتجاوزك عن خطيئتي وسترك على قبيح عملي أطمعني أن أسألك ما لا أستوجبه مما قصرت فيه، أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا فإنك المحسن إليّ وأنا المسيء إلى نفسي فيما بيني وبينك، تتودد إلى بنعمك واتبغََّض إليك بالمعاصي، ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك، فعد بفضلك وإحسانك على إنك أنت التواب الرحيم".
‌أ. دار بيني وبين أحد زملائي الأخ الدرديري إبراهيم نقاش ذات يوم ونحن طلاب في كلية الخرطوم الجامعية. وكان يقول إن الناس يمكن إن يعملوا باطلا حتى إذا عرفوا الحق. وكنت أقول متى عرف الناس الحق فإنهم سوف يتبعونه. وبعد ذلك بسنوات وجدت نفس الاختلاف بين أفلاطون الذي قال بما يشبه رأيي وسقراط الذي قال بما يشبه رأيه إذ قال لا تكفي معرفة الحق والباطل بل ينبغي أن تتوافر إرادة إحقاق الحق وهذه تحول دونها عوامل واعتبارات ومصالح. ووجدت في كتاب الله ما يدعم هذا الرأي: قال تعالي وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) افتراض أن الناس تقف مع الحق بمجرد معرفتهم لذلك افتراض أوقعني في كثير من المشاكل لا سيما في نطاق الحياة العملية.
‌ب. تعليمنا لا سيما في الغرب جعلني أعتقد أن الديمقراطية المعيارية نظام حتمي وأن الالتزام به منتظر من كافة الأطراف. لم أتبين بالسرعة الكافية أن كثيرا من النخب السياسية تعتبر الديمقراطية القائمة على الصوت الواحد للشخص الواحد منافية لمقاصد الديمقراطية لأنها تعتمد على ولاءٍ "طائفيٍ" أو "عشائريٍ".. هذه الذهنية تجد تجاوبا لدى كثير من ضباط القوات المسلحة. وهي المسئولة عن أيديولوجيات الوصاية. وعن بعض الإضرابات السياسية. وعن الانقلابات العسكرية. وكنت أحسب أن الغرب تلقائيا منحاز للديمقراطية بينما الحقيقة أنه يفضل من يخدم مصالحة بصرف النظر عن الشرعية الديمقراطية لأن القيادات الديمقراطية لا تستطيع تخطى مصالح ناخبيها. ولأنها لا تقبل التعامل مع الدول الكبري ما لم يؤسس على عدالة. افتراضاتي في هذه المجالات كانت خاطئة وأوقعتني في كثير من المشاكل.
‌ج. حسبت أن الناس يتطلعون لعلاقات معقولة ولكن الحقيقة أن بعضهم عاطفيا يعتقدون أحيانا عقائد في غاية الغرابة والشذوذ وكذلك يلتزمون بولاءات عاطفية لرحم أو عشيرة مجردة تماما من المعقولية وفي غاية الغرابة. في كثير من الأحيان لدى البشر العقل خادم للعاطفة والعاطفة لدى شخص ما يمكن أن تكون غريبة جدا لغيره.
‌د. هنالك نوعان من السلوك الأخلاقي. السلوك الأخلاقي الفردي المنضبط في حرمة الخمر والميسر والعلاقة بالجنس الآخر ومرعاة المظهر السائد في المجتمع. والسلوك الأخلاقي الاجتماعي في قول الصدق، وعفة اليد، والوفاء بالوعد، والتواضع، والحكمة ، واحترام الآخر ..الخ. والإنسان مطالب باحترام النوعين من السلوك إلا أن المجتمع الأكثر تطورا يعطي الأخلاق الاجتماعية قدرا أكبر من القيمة والعكس تماما في المجتمع التقليدي فإنه يعلى شأن القيم الفردية. أنا أوافق على إلزامية النوعين من السلوك وأقدم الالتزام الاجتماعي مما سبب لي متاعب وفتح أبواب الغمز واللمز.
‌ه. لم أدرك بالقدر الكافي مخاوف المصريين من احتمالات الضرر الذي قد يصيبهم في السودان: العقدة التي خلقها الإنجليز بعقاب مصر بإجراءات في السودان، لدرجة يرحبون فيها بأي كلام معسول من أية جهة سودانية بصرف النظر عن صدقيتها ويتهمون وجهات النظر الأخرى. كما أننا ننزع من خلفية تتهم المصريين بأجندات خاصة في السودان، هذه الكيمياء المصرية السودانية فاتني أثرها وهي مازالت مفتقرة لتطبيب جوهري.
‌و. كنت ولا زلت على المستوي العقلاني من أكثر الناس مبادرات بشأن تحقيق علاقات عدالة وتوازن مع الجنوب والجنوبيين. واستطعت أحيانا أن أكون علاقات صداقة وثقة متبادلة مع كثير منهم على نحو ما كان بيني وبين المرحوم وليم دينق. ولكن الخلفيات الثقافية والاجتماعية السائدة في السودان غطت بسلبياتها على الإيجابيات العقلانية في كثير من الأحيان، ولوثت علاقاتي مع كثير من الجنوبيين.
‌ز. النظم الاستبدادية عاملتنا كأننا مجرمون مع أننا لم نرتكب خطأ يستحق هذه المعاملة بل هم الذين ساقهم الطمع والوهم لخرق الدستور والقانون. هذا الظلم الفادح جعلنا نلجأ للتعاون مع دول أجنبية ضدهم. وفي مذكراتي لعام 1998م وبعد أن علمت حجم تعاوننا مع جهات غير سودانية أسفت كثيرا ودونت الأسف وقلت لو كنت أعلم أن الأمر سيبلغ هذا الحد لما أقدمت عليه. وصار من بعض نقماتي على هذه النظم أنها أجبرتنا على أمور نرفضها ونأباها.
‌ح. ومن أكبر الأخطاء تصديق وعود الطغاة لأنهم لا يقدمون عليها إلا كجزء من حل لمشكلة فإن حلت فإنهم يتنصلون تماما من وعدهم وهذا ما حدث من أمر تصديقنا لوعود جعفر نميري بإجراء الإصلاحات المطلوبة لبرنامج المصالحة فتخلى عنها وتخلينا عنه. ومع ذلك فإن المصالحة نفسها مع أنها لم تحقق أهدافها مهدت الطريق بما أتاحت من حريات نسبية لانتفاضة رجب أبريل 1985م.
‌ط. استمرت صحيفتا الأيام والصحافة تصدران كصحف قومية أثناء الفترة الانتقالية. ولكنني بعد تكوين الحكومة الائتلافية تفاهمت مع أصحابهما لإصدارهما بعد رفع الحكومة يدها عنهما. وكان ينبغي أن يستمر صدورهما إلى أن تنتقلا إلى إدارة أصحابها . ولكن هذا لم يحدث، وأدت الفجوة إلى ترك فراغ صحافي كبير ملأته الصحافة الملغمة.
لا شك إن هذه الأخطاء حسبت علىّ بصورة أو أخرى ولكن يبدو أنها لم تذهب بالثقة الشعبية في شخصي، لعل الذي شفع لي وغطى على أخطائي ما يكرره لي كثيرون وهو: أنك كنت المواجه الأول للطغاة المتعرض لبأسهم وبطشهم ـ إنك صرت المدافع الأول عن الديمقراطية والحرية ـ إن يدك خالية من دماء الأبرياء ـ وجيبك خال من المال العام وأموال الآخرين.
المحور الخامس: إنجازاتي:
‌أ. الطريق الثالث: منذ اطلاعي على الخلاف الفكري السياسي في كلية الخرطوم الجامعية ظهر لي إن أهم تيارين هما الإخواني والشيوعي، وأن الأول ضحى بالتحديث من أجل التأصيل، وأن الثاني ضحى بالتأصيل من أجل التحديث. وأن الطريق الصحيح هو اعتبار الأصل والعصر جزءا من معادلة جدلية لكل طرفيها حقيقة موضوعية وأن المطلوب هو إيجاد معادلة لتوفيق هذه الجدلية بحيث يكون لوفائنا مستقبل. هذا الموقف جلب لي تقدير بعض الإسلاميين ونقمة جماعاتهم المنظمة. وذلك لأن هذه الجماعات أسست خطابها على أن القوى التقليدية ميتة لترثها فما بال الصادق يحاول إحياء الموتى وبالتالي حرماننا من الميراث؟ وجلبت لي بعض تأييد قوي اليسار على أساس أنني أقود اليمين بتقدمية اليسار. ولكن اليسار المنظم نظر لي في نطاق صراع السلطة ولدى مشاركتهم في السلطة أثناء الفترة الأولي من العهد المايوي سيروا مظاهرات ضدي هاتفين: لا تحفظ بل إعدام!!.
ورغم ذلك ثابرت على هذا الطريق الثالث الذي يبدو الآن أن ما تعلمه الطرفان من الأيام جعلهما أقرب إليه.
‌ب. الوزارة الأولي(1966م ـ 1967م)
اتخذت فيها نهجا جديدا وأشركت فيها جيلا جديدا بأسلوب شرعي لا انقلابي وغرست نهج الحل السلمي للحرب الأهلية، النهج الذي تأسس على مؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الإثني عشر، ومؤتمر كل الأحزاب السياسية وعبرها وضع برنامج الحل السياسي للحرب الذي تبناه فيما بعد نظام مايو وبشهادة أحد مهندسي الاتفاقية الأستاذ محمد عمر بشير كان أساس اتفاقية السلام 1972م.
واتخذنا نهجا أكثر مهنية في التعامل مع قضية التنمية بإشراك السيد حمزة ميرغني وزيرا مستقلا للمالية.
واتخذنا نهجا أكثر التزاما بمواجهة المظالم الإقليمية بالتحالف مع السيد وليم دينق عن الجنوب ومشاركة السيد أحمد إبراهيم دريج رئيس جبهة نهضة دار فور سابقاً.. تحالف ومشاركة انعكسا إيجابيا في برامج حكومتي الأولى.
واتخذنا نهجا منفتحا للأقاليم بمشاركة أبنائها في السلطة المركزية. وبتكثيف الحضور الحكومي في رئاساتها بصورة أشبه بنقل مجلس الوزراء للانعقاد في رئاسات المديريات. هذا النهج الجديد جعل كثيرا من الأقلام المستقلة تتحدث عن غلبة تيارنا ولدى سقوط وزارتي ذهبت لأجمع أوراقي من مجلس الوزراء فقابلني أمين الرئاسة السيد حسن حسين على رأس موظفي الخدمة المدنية في رئاسة مجلس الوزراء وكان أغلبيتهم محايدين وقالوا لي نحن نأسف إذ نقول لك إن السودان ما عنده حظ فمن يعزيه في هذه الخسارة. وجاءني في منزلي أحد أهم الشخصيات الوطنية الواعية المستقلة السيد عبد الحافظ عبد المنعم وقبل يدي باكيا وقال لي ظلموك يا سيدي!. وكتب أحد أعلام الصحافة السودانية المستقلة الأستاذ سيد أحمد نقد الله: فقد السودان أنجح رئيس وزراء عرفه!
‌ج. الوزارة الثانية: 1986- 1989م
أولاً: أقمت تكوينا وزاريا ممثلا للطيف الجهوي السوداني لدرجة أن أحد أصحاب الملح نكـّت في جريدة: أبكر ـ آدم .. الخ هذه وزارة أم سكن عشوائي؟
ثانياً: دعونا لمؤتمر اقتصادي قومي واتخذنا من توصياته أساسا للتنمية وإصلاح ما أفسدته مايو.
ثالثاً: جعلنا إصلاح التعليم العام والعالي مستمدا من مؤتمرات قومية واتخذنا من توصياتها برامجنا.
رابعاً: اعتبرنا قضية السلام قضية البلاد القومية وفي النهاية تجاوزنا الخلافات حول المبادرة السودانية (الميرغني/قرنق) واتفقت القوى السياسية والنقابية على برنامج القصر (29 حزبا ونقابة) واتفق على عقد المؤتمر القومي الدستوري في 18/9/1989م.
خامساً: حاولنا جعل مشروع الأسلمة أيضا قوميا ومع التوتر بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية قطعنا شوطا في هذا الطريق لولا أن الجبهة قطعت الطريق أمام الجميع بالانقلاب في 30/6/1989م.
سادساً: ركزنا على لامركزية حقيقية وجعلنا أبناء الأقاليم المختلفة يديرون أقاليمهم بصورة أشبعت تطلعاتهم وصار المناخ الإقليمي صحيا للغاية.
سابعاً: كان الأداء الحكومي البرلماني ناجحا وفي يوم 29/6/1989م في المساء كان نقاش الميزانية العامة قد اكتمل وعندما طلب رئيس الجمعية من الأعضاء المؤيدين للميزانية أن يقفوا وقف كل أعضاء الجمعية بالإجماع. ولكن كان أعضاء الجبهة الإسلامية القومية قد سجلوا غيابا من الجمعية ضالعين في التآمر الذي وقع بعد ذلك والذي أدي للانقلاب الذي لا شك الآن أن صنـّاعه نادمون عليه غاية الندم لأنه فتح على السودان أبواب جهنم. الطريف أنني بعد أن وقف الجميع تأييدا للميزانية قلت لوزيرالمالية الأخ عمر نور الدائم وكان جالسا بجانبي قلت له : هذا المنظر سوف يسحر !! قال لي: أعوذ بالله.
‌د. ماذا بعد انقلاب " الإنقاذ "؟
• كانت القوى السياسية كافة في سجن كوبر وتفاكرنا واتفقنا على مواصلة اتحادنا الذي كوناه حول برنامج القصر الانتقالي والذي قوضه الانقلاب. هكذا ولد التجمع الوطني الديمقراطي.
• سعينا لضم الحركة الشعبية لهذا التجمع وتحقق ذلك وعقدنا المؤتمر الأول للتجمع في أسمرا في يونيو 1995م وأدي ذلك لإصدار القرارات المصيرية التي ساهم حزبنا فيها بالنصيب الأوفر.
• قرارات مؤتمر أسمرا وما تبعها من عمل ثم تهتدون في 1996م أدت إلى حصار نظام الإنقاذ لذلك بدأ منذ عام 1997م التخلي عن أجندته الأيديولوجية.
• اقتنعنا أن النهج الجديد أدى لتطبيع علاقات النظام السوداني مع دول الجوار وأدى إلى السماح بهامش حرية واقترحنا على التجمع أن تستمر المواجهة مع حملة السلاح منا إلى أن يبرم اتفاق سياسي، على أن يتجه الآخرون لخلق جبهة نضال سياسية في الداخل بأسلوب الجهاد المدني. رفضوا ذلك فاتجه حزب الأمة للداخل واستطاع أن يعيد بناء مؤسساته ديمقراطيا دون تفريط في مبادئه. الأحزاب السياسية الأخرى في التجمع راهنت على أن الحركة الشعبية وجيشها سوف تحقق نصرا شاملا يشاركون فيه أو أنها عبر التفاوض سوف تحقق للتجمع مركزا ممتازا. الحركة الشعبية في مرحلة لاحقة تفاوضت ولكنها تفاوضت ووصلت لاتفاقية السلام كحركة شعبية وليس كرافد للتجمع.
• بعد اتفاقية سلام نيفاشا فإن جماعتنا هي التي تولت النقد الأساسي للاتفاقية والتوجه لبناء تحالف عريض لمعارضة التحكم الثنائي ولتحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي.
• أغلب المفردات الوفاقية التي وردت في اتفاقية السلام كانت في الأصل من مبادرات حزب الأمة وهذا موثق: قبول تقرير المصير أساسا للوحدة الطوعية ـ المواطنة أساس للحقوق الدستورية ـ التعددية الدينية ـ التعددية الثقافية ـ حقوق الإنسان الدولية جزء من الالتزام الوطني.
• المبادرات بشأن دارفور منذ اندلاع الأزمة الأخيرة اتصلت حتى وصلت إلى توقيع الوثيقة القومية الأخيرة. ومهما طال الأمد فإن الحل السياسي الشامل في دار فور سوف يكون وفق ما ورد في هذه الوثيقة.
• احتواء كافة الاختراقات المضادة لحزبنا بصورة سلمية وناجحة تركت الجسم الأساسي للحزب قويا ومتوسعا وكافة المحاولات في حالة من الحصار والتشظى.
المحور السادس: رسالتي:
أستطيع أن أقول إنني جددت العلاقة مع قاعدتي الشعبية على أساس متجذر في الماضي ومتجاوز له. واستطعت أن أفتح جسور تواصل فكري وسياسي واسع مع الآخرين بحيث أصبح موقفي متجذرا حزبيا وأنصاريا متصلا قوميا وأمميا.
نعم هنالك نقـّـاد وهذا طبيعي فلا يوجد شخص بدون عيوب أو لا يخطئ، وأنا أرحب بالنقد الذي ينطلق من البحث عن الحق والموضوعية إذ "رحم الله امرئً أهدى إليّ عيوبي" كما قال عمر رضي الله عنه، ولكن بعض هؤلاء سدنة الشمولية، أو أسرى الأصداء التاريخية ، أو الذين ينتقدون الآخرين كوسيلة دفاع عن عجزهم:
وأجرأ من رأيت بظهر عيب على عيب الرجال أولي العيوب
إنني أطرح الآن فكرا معتدلا ذا أصداء عربية وأفريقية وإسلامية وعالمية وأسعى لتكوين منابر وهيئات للتعاون في تلك المجالات. والسؤال تعاون من أجل ماذا؟
من أجل:
1. إخراج المهدية من ظلال الطائفية إلى رحابة الدعوة الإسلامية العريضة.
2. إخراج الإسلام من الفهم النقلي المنكفئ، ومن نقيضه التبرء الوافد المستلب، وإلى الصحوة والمساهمة في البناء الإنساني.
3. وضع أسس قومية وعالمية للتنمية والتعاون القومي والدولي من أجلها.
4. وضع أسس قومية وعالمية للتحول الديمقراطي والتعاون القومي والدولي من أجلها.
5. أما بالنسبة للسودان تحقيق:
‌أ. دستور قومي ديمقراطي.
‌ب. بناء سلام عادل وشامل.
6. وفي نطاق حزب الأمة تطوير المؤسسية والديمقراطية والطابع القومي إلى أعلي درجة ممكنة.
7. إحكام تجاوز الأنصار لكافة علائق " السلطنة الزرقاء " إلى علاقات حديثة ومتجذرة في ماضيها.
8. بناء العلاقات مع الآخر الدولي والملي على أساس المصلحة الذاتية والتعاون المشترك.
هذه الأهداف طبعا لا يمكن تحقيقها بدون تفهم وتعاون ومشاركة واسعة من الآخرين الذين لا يفتر جهدي من مشاركتهم الواسعة.
المحور السابع: الأنموذج القدوة:
قيل لسقراط أنت تقول يا حكيم إن الفضيلة وسط بين رذيلتين، فالكرم وسط بين البخل والإسراف والشجاعة وسط بين الجبن والتهور وهلم جرا، فأعطنا مقاييس نعرف بها المعادلة الصحيحة!. قال لهم: هذا مستحيل ولكن الإنسان الحكيم يدرك بحكمته أين الوسط الذهبي . وما عليكم إلا أن تبحثوا عن حكيم وتقلدوه.
لذلك عندما أتحدث عن أعلام موتانا أحاول أن انتزع القدوة من سيرتهم. وأما بالنسبة لي والقدوة التي أريد غرسها فتبدأ بدعوة إلى أن سعادة الإنسان الدنيوية والأخروية تكمن في إشباع موزون لعشر ضرورات هي: روحية ـ مادية ـ عاطفية ـ عقلية ـ اجتماعية ـ أخلاقية ـ جمالية ـ رياضية ـ ترفيهية وبيئية.
وأرى أن عدم الإشباع المتوازن لها ينعكس سلبا في اتزان الشخص النفسي وفي توازن المجتمع. إن على الذين يعملون في الحقل العام أن يدركوا هذه الحقيقة لمراعاتها في أنفسهم وفي مهامهم التربوية نحو الأجيال الجديدة. نعم للإنسان أن يتخذ مهنة ويجيدها وأن يتخصص في مجالات معينة ولكن ينبغي ألا ينسي إنسانيته ومطالبها العشرة.
نعم للتخصص في الشأن السياسي ولكن إذا حبس الإنسان نفسه في صراع السلطة مشاركا أو معارضا فإنه يفقر نفسه ويفقر السياسة. نعم للتدين ولكن إذا حبس الإنسان نفسه في المسجد أو في الامتثال للنقليات فإنه يفقر نفسه ويفقر الدين.
لقد سعيت وسوف أواصل إلى ما شاء الله الالتزام بمنهاج الضرورات والإشباع المتوازن، سيرة أسجلها بواقع حياتي وسوف أدون تفاصيلها للآخرين وأوجه عناية خاصة بالناشئين في كتابي "أيها الجيل" إن الحياة حصيلة ومادة جهد ومشتقاتها من جهاد واجتهاد تحقق معانيها. وفي هذه المرحلة من حياتي أقول لقد غرست غرسا أرجو إن يثمر في مقبل الأيام أجنيه أو يجنيه آخرون.
ومثلما للأنا وجود حقيقي في الوجدان فإن في الوعي البشري وفي العقل الباطن وجوداً لـ"نحن".. الواحد منا امتداد جيناتي لأسلافه، كما هو حتما عضو في جماعة تراثية الانتماء، إيمانية ، أو فكرية، أو مصلحية.
إننا حتى نهاية هذا العالم عُمـّاره، يأخذ الموت جزءا ماديا منا ولكن جزءا آخر يبقى في جيناتنا. وأعمالنا تبقي في الدنيا بجودتها مثلما تبقى أرواحنا في الآخرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. بكى يائس المعرة:
صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأيـــن القبور من عهد عاد؟
سكان تلك القبور يا صاح كامنون في بدنك، وفي أبدان جيلك متنقلون في الأجيال من صلب إلى رحم إلى وجود. كامنون معرفيا، أنت وهم، في الثقافة التي أشرقت فيها وأرسلت الشعاع جيلا بعد جيل.
قال: أكثر المفسرين إن الآية: (ِإنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) . هي إحصاء للغيب الذي لا يعلمه إلا الله. وفي هذا المجال فتن العلم الحديث، الذي اكتشف وسائل لمعرفة نوع الجنين، فتن بعض من تلقى ذلك التفسير، ولكن أقول هذه الآية شاهد آخر على إعجاز القرآن لأنها قالت إن الله ينزل الغيث، وأنه يعلم ما في الأرحام، ولكنها لم تقل إن غيره لا يفعل ذلك. ولكنها في الأمور الثلاثة الأخرى أكدت أنه لا يعلمها إلا الله: عنده علم الساعة ـ ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا ـ ولا تدري نفس بأي أرض تموت.
في نهاية هذا العام الأول لإبرام اتفاقية نيفاشا تكاثرت الغيوم على بلادنا ظلمات بعضها فوق بعض. وهذا هو المناخ الدافع لجميعنا استنهاض قدراتنا الروحية، والفكرية ، والمادية، للخلاص الوطني وأضيق الأمر إن قدّرت أوسعه.

Post: #5
Title: Re: من منكم يأتينا بكل ما كتبه الصادق المهدي عن اتفاقية نيفاشا
Author: Nazar Yousif
Date: 10-12-2007, 01:16 AM
Parent: #4

فى انتظار اجابتك
الأخت سارة عيسى

Quote: ثم جاء دور د.تيسير محمد أحمد والذي تحدث فقط عن عيوب الديمقراطية الثالثة ، طبعاً من غير أن يدين الإنقلاب


من أين لك بهذا ؟
الرجل أحد مهندسى كوكادام
فالمبدأ عنده كحد السيف ، وهو
لم يشارك فى ندوة " فطير " كالتى
ذكرت . الرجاء التصحيح وحتى يتم ذلك
سنحسبها ثقوب فى الذاكرة.
الدكتور عبد الله علي إبراهيم ( الغواصة )