الصحفى محمود عابدين (في المحكمة الجنائية: رأي وموقف!! )

الصحفى محمود عابدين (في المحكمة الجنائية: رأي وموقف!! )


03-05-2009, 05:58 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=190&msg=1236272289&rn=0


Post: #1
Title: الصحفى محمود عابدين (في المحكمة الجنائية: رأي وموقف!! )
Author: خليل عيسى خليل
Date: 03-05-2009, 05:58 PM

في المحكمة الجنائية: رأي وموقف!!

بقلم الاستاذ محمود عابدين
-------------------------------------------------------


يوم الاربعاء 4 مارس 2009م، صدر قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير، بتهم ارتكاب جرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية في إقليم دارفور، إلا أن المحكمة أسقطت عن الرئيس تهم الإبادة الجماعية.
وللقرار تداعياته على معطيات القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وربما يترك بصماته على مستقبل الأمة السودانية. ومن خلال قراءة سريعة لردود الفعل الاولية يتضح للمراقب البون الشاسع بين (ما ينبغي) عمله لمواجهة القرار وما (مايحدث) فعلاً على ارض الواقع!!. فمحاولات الحكومة تجاهل القرار واعتباره سياسيا لا قانونيا لن يقلل من خطورة قرار يصدر بحق ارفع مسئول تلاحقه المحكمة ومقرها لاهاي منذ تأسيسها عام 2002، كما ان الاندفاع بتبنيه لن يغير الواقع بين عشية وضحاها كما تتوقع بعض الحركات المسلحة في دارفور. وغير بعيد عن ثقافة وطبيعة الانسان السوداني فقد غلب الطابع الانفعالي العاطفي على ردود الفعل في الاتجاهين باستثناء مع سمعناه من الدكتور مريم الصادق المهدي التي طالب مختلف الاطراف التزام الهدوء والاحتكام الى العقل في مواجهة اكبر ازمة في تاريخ السودان الحديث.
استباقاً للقرار كانت الحكومة قد اطلقت على لسان مسئوليها تصريحات متشنجة متوعدة كل من يؤيد المحكمة مهددة بتقطيع الاوصال وغيرها من العبارات التي اعادت الى الاذهان كابوس مرحلة ظن الجميع انه قد ولى الى الابد!!، وبعد صدوره واصلت الاجهزة الرسمية ردود فعلها الغاضبة ازاء القرار في خطوة يصفها المراقبون (غير حكيمة) ولن تكون كافية لتجاوز الازمة، بل وربما اقحم البلاد في مواجهة غير متكافئة مع مجتمع غربي يعشق سياسة الحظر وتجويع الشعوب.
ليس من المجدي حسب وجهة نظرنا الحديث عن العدالة الدولية المختلة والظلم الجاثم فوق صدور المستضعفين فتلك سنة درج عليها الانسان القوي في كل زمان ومكان.. حتى من يلوحون بتطبيق قيم العدالة الالهية في تاريخنا الحديث نجدهم لم يتمكنوا من تطهير النفس الامارة بالسوء في الميل نحو القهر والعنف والظلم واضطهاد الاخر الضعيف فما بالك من شعوب ليس في قاموسها مثل تلك النفحات الربانية!!.
وعلى الرغم من التسريبات التي سبقت اعلان القرار رسمياً فقد افتقد رد الفعل الحكومي الهدوء المطلوب حيث جدد نائب رئيس الجمهورية على عثمان طه رفض الحكومة الاعتراف بالقرار معززا ما ذهب اليه وزير العدل عبد الباسط سبدرات الذي قال ان السودان لن يتعامل مع المحكمة ولن يسلم المطلوبين. وفي نبرة لا تخلو من تحد للقرار يشير المسئولون الى أن البشير سيحضر قمة الدوحة العربية، وسيواصل القيام بمهامه وواجباته رغم مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه.
اما الحركات المسلحة في دارفور فقد اعتبرت الامر نصرا لها بل لكل السودانيين، ومضى الدكتور خليل ابراهيم المنشق عن الحزب الحاكم الى القول ان استراتيجية حزبه الان هو اسقاط الحكومة وتشكيل حكومة قومية تضم كافة القوى السياسية السودانية وليس التفاوض معها.. وما لا يمكن فهمه لرجل الشارع السوداني هو هل يريد خليل ابراهيم اعادة انتاج الانقاذ الذي شارك فيه بكل قدراته وامكاناته باستبعاد رفقاء الامس ام انه توصل لرؤيا وافكار اخرى جديدة!!
الوضع الحالي في بلادنا يشبه وضع العراق في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عندما وضع نفسه في مواجهة (المجتمع الدولي) اي بمعنى اوضح فان الغرب بقيادة الولايات المتحدة الذي نجح في تدمير العراق وتفتيته لن يعدم وسائل القيام بالمزيد من سياسات التخريب ضد دول تقودها مجموعات سياسية تستحيل ادوات في يدها بقصد او غير قصد.. ومن يريد ان يتعلم من التجربة العراقية او الافغانية او تجربة يوغسلافيا السابقة او حتى الاتحاد السوفيتي السابق عليه ان يعلم حقيقة واحدة وهي ان العواطف لا تبني الامم ولا تصنع مقومات الصمود.. فالشعوب وحدها ان اتيحت لها الفرصة هي التي تحمي ذواتها وتدافع عن بقائها.. ما يعني ان الواقع السوداني يستدعي الهدوء واعادة صياغة واقع سياسي سوداني يبعد مشاعر الظلم ويساوي بين المواطنين على اساس المواطنة دون تمييز على اساس العرق او الدين او الحزب. وبالرغم من ادراكنا لسياسة الكيل بمكياليين لدى الغرب وحلفائه فلا يجب اغفال حقيقة ان كلنا يمارس الظلم حسب ما هو متاح له وحسب قدراته ومن يعرف كيف يمارس الظلم على الآخرين عليه ان لا يستغرب من ظلم يقع عليه!!.
من الافضل لسوداننا ان يودع عهد التمييز على اساس اللون السياسي فتجربة العقدين الماضيين كاف لـ(التمكين) وكل مقومات الحصول على الافضلية في اقتسام الكعكعة السياسية مع الاخرين في الوطن الواحد.. فلا يقولن احد ان ازمة دارفور الحالية وتفاقم الحرب في الجنوب قبيل نيفاشا وبذور الازمة الجديدة التي تتضح ملامحها في الشمال بسبب السدود جاءت من فراغ .. بل لها اسبابها ودوافعها التي لا تخفي على المراقب.
وبنظرنا فان مذكرة اوكامبوا يمكن ان تكون مدعاة للتأمل والتفكير وجرد الحسابات السياسية ومنطلقا لسياسيينا ان ارادوا نحو رؤيا جديدة اساسها الاتفاق حول حقوق وواجبات متساوية للمواطن السوداني وتعزيز قيم العدالة المجتمعية وتفويت الفرصة على الاستعمار الجديد المتربص بالشعوب الثالثة..اما وقد صدر القرار فالافضل لنا العودة الى النفس السياسية واستكمال فضائلها وهذا هو الوقت الذي ينتظر فيه المواطن السودان من كافة احزابه السياسية وبالذات الحزب الحاكم تأكيد وطنيتها وغيريتها واستعدادها للتضحية فعلا لا قولا من اجلها وتقديم اقصى التنازلات التي تضمن وحدة اللحمة الوطنية وتقي البلاد فتنة التشرذم والتفتت والانقسام.. واستعدادها لاعادة صياغة واقع سياسي جديد يعزز قيم العدالة وهي وحدها الكفيلة بحماية الوطن من كل مكروه.. عدالة اساسها المساواة في الحقوق والواجبات بعيدا عن الانفعال وتأجيج العواطف التي ما وجدناه ولومرة واحدة تكفي لحماية امة من الخطر.. فهل يكون الحزب الحاكم في مستوى الحدث ويرينا على ارض الواقع صلاحيته لقيادة البلاد ؟.. وهل لنا ان نرى احزابنا السياسية تكف على الانسياق وراء الشعارات والاستحالة عنصرا في قطيع سياسي يمضي في طريق مظلم وتضغط على الحزب الحاكم لتقديم برنامج وفاق وطني حقيقي لصالح السودان؟..هذه هي اللحظات التي يجب ان يخرج فيه كل فرد وكل حزب من جعبته افضل ما عنده..اما الصياح والتعصب واطلاق الشعارات والاحتراق الذاتي فلن يجدي فتيلا ولن يكفي لتأكيد الوطنية وحب الوطن!!.. وهذه هي اللحظات التي يحتاج فيه المواطن للشعور بعدالة الانتماء في الحقوق والواجبات وكفى البعض احتكارا للوطن واحتكار حمايته.. لاننا دون ما اشرنا اليه نرى الحماية المطلوبة هي حماية المكاسب الشخصية والحزبية وحدها.. لقد حانت ساعة الحقيقة فليقل كل واحد منا الحقيقة مجردة وبمسئولية.. وارجو ان لا يزايدنا احد في وطننا وشعورنا بالمخاطر المحدقة يوطن يكاد ان يتسلل من بين ايدينا في وضح النهار.. والله من وراء القصد