جون قرن الضال!!...

...

النهر الضال!!




مسكين هذا النهر، الذي شاعت حكايته في القرى والحقول، بل قيل حتى الموتى، انشغلوا بقصته، عن مسامرة الحور العين والملائكة، وأمامهم كئوس النبيذ والخمور المعتقة !!..

قيل بأنه قد أصابه الخرف، فنسى منبعه ومصبه، وصار يتلوى كثعبان سائل، سائحاً في أرض الله الواسعة!..

أحيانا تصحو بعض القرى النائية فتجده نائما حولها، فتفرح وتدق الطبول ويسبح فيه الأطفال، ويشتري الناس البذور والمعاول، ويتصارعون في امتلاك الحقول حوله، بل بعض البيوت اغلقت ابوابها القديمة بالطين والطوب، وفتحت ابوابها عليه، تيمنا، وبركة وجمالا، ويجلس العجزة على الاحجار فوق ضفته، وهم يشتنشقون رائحة الطمي بعمق، وتبرق عيونهم العميقة بشئ كالشعر والطفولة والامتنان والزهد.

ولكنه ينوم أسبوعا، أو اسبوعين، ويصحو منزعجا حين تشق ظهره القوارب، فيتلوى، ويحك ظهره من شرخ المجاديف، ويمضي، متسكعا، أمام ذهول الناس والكلاب والملائكة والأشجار، وأمام ذهول الحشائش والسعدة التي نبته حوله، وبه!!...

يحبو مبتعدا، وقد ترك وراءه حفرا وقنوات مبلولة بعرقة، وأمواجه الصغيرة المتضطربة، تهمس مهمومة، "من أين جئت، وإلى أين أمضي، ومن أنا"، كان يبحث عن سريره، عن أهله، عن بيته الطويل، الدافئ، العميق!!..

قيل بأنه نسى حتى أصله وقدراته القديمة، وصار يحكي بتسكعه ما يسر الشعراء والمجاذيب، قيل، بل شهود وهو يتسلق جبل مكرام، كقطار من ماء، ويضع رأسه على القمة، ويتدلى ذيله في السفح، وعينيه تراقب السحب القريبة، ياله من صديقه تونسه، ولكنه تعجب من خلو السحب من السمك والتماسيح، رغم أنها ماء مثله، وهو يعتبر السمك والطيور قلبه بين أمواجه، ثم انزلق بالجانب الاخر من الجبل ومضى في سبيله، ولم يكن يعلم بأنه ذيله كان يحمل خمسة من الاطفال كانوا يسبحو فيه..

أختفى الاطفال معه، وهم يسبحون في ذيله، ويتراشقون بالماء، بل ضحكوا وأشرقت أساريرهم بصورة لا تصدق حين وصلوا قمة الجبل وتلاعبت أيديهم بالسحب، ورأو القري حولهم صغيرة، والجوامع أصغر من علب الكبريت، والمسيد أصغر من معكب الديمنو، ثم وهم ينزلقون بالجانب الآخر من الجبل، أكبر مرجحانية شاهدوا، وكم أحسوا الضحك والخوف معا، وذلك الاحساس العجيب باللا وزن، وأنت تهوى بكف الجاذبية الارضية!! ..


ولكنه لم يمر بقرية، أو حقل، أو سجن، أو مستشفى، أو صحراء، أو غابة شوكية وإلا بلل أعماقها، وتركها لينة كالشعر، وريانه كقلب الأم!!..

حكوا عنه بأنه دموع الارامل والامهات، بسبب الاطفال والشباب الذين ماتوا في الغرب والشرق والجنوب والوسط، بسبب الحرب والقتال، تسربت الدموع للسماء والمصائب يجمعن المصائبن، تجمعت كلها، ثم هطلت كلها في صحراء بعيده، ثم جابت الارض، تبكي وتئن، بصمت مهيب، وتبحث عن مأوى، عن شعب طيب، وسعيد، و21 يوم، وأختفى النهر العظيم،...


_________________________________________________________________________________
سلام للراحلين، (محمود، قرن، مصطفى أمي، احمد المطصفى، عبدالخالق، معاوية نور، حسن نجيلة وسرب آخر من عشاق عظام، خصبوا حياتي الشخصية)!!

.....

Quote: جون قرن الضال!!... ... النهر الضال!! مسكين هذا النهر، الذي شاعت حكايته في القرى والحقول، بل قيل حتى الموتى، انشغلوا بقصته، عن مسامرة الحور العين والملائكة، وأمامهم كئوس النبيذ والخمور المعتقة !!.. قيل بأنه قد أصابه الخرف، فنسى منبعه ومصبه، وصار يتلوى كثعبان سائل، سائحاً في أرض الله الواسعة!.. أحيانا تصحو بعض القرى النائية فتجده نائما حولها، فتفرح وتدق الطبول ويسبح فيه الأطفال، ويشتري الناس البذور والمعاول، ويتصارعون في امتلاك الحقول حوله، بل بعض البيوت اغلقت ابوابها القديمة بالطين والطوب، وفتحت ابوابها عليه، تيمنا، وبركة وجمالا، ويجلس العجزة على الاحجار فوق ضفته، وهم يشتنشقون رائحة الطمي بعمق، وتبرق عيونهم العميقة بشئ كالشعر والطفولة والامتنان والزهد. ولكنه ينوم أسبوعا، أو اسبوعين، ويصحو منزعجا حين تشق ظهره القوارب، فيتلوى، ويحك ظهره من شرخ المجاديف، ويمضي، متسكعا، أمام ذهول الناس والكلاب والملائكة والأشجار، وأمام ذهول الحشائش والسعدة التي نبته حوله، وبه!!... يحبو مبتعدا، وقد ترك وراءه حفرا وقنوات مبلولة بعرقة، وأمواجه الصغيرة المتضطربة، تهمس مهمومة، "من أين جئت، وإلى أين أمضي، ومن أنا"، كان يبحث عن سريره، عن أهله، عن بيته الطويل، الدافئ، العميق!!.. قيل بأنه نسى حتى أصله وقدراته القديمة، وصار يحكي بتسكعه ما يسر الشعراء والمجاذيب، قيل، بل شهود وهو يتسلق جبل مكرام، كقطار من ماء، ويضع رأسه على القمة، ويتدلى ذيله في السفح، وعينيه تراقب السحب القريبة، ياله من صديقه تونسه، ولكنه تعجب من خلو السحب من السمك والتماسيح، رغم أنها ماء مثله، وهو يعتبر السمك والطيور قلبه بين أمواجه، ثم انزلق بالجانب الاخر من الجبل ومضى في سبيله، ولم يكن يعلم بأنه ذيله كان يحمل خمسة من الاطفال كانوا يسبحو فيه.. أختفى الاطفال معه، وهم يسبحون في ذيله، ويتراشقون بالماء، بل ضحكوا وأشرقت أساريرهم بصورة لا تصدق حين وصلوا قمة الجبل وتلاعبت أيديهم بالسحب، ورأو القري حولهم صغيرة، والجوامع أصغر من علب الكبريت، والمسيد أصغر من معكب الديمنو، ثم وهم ينزلقون بالجانب الآخر من الجبل، أكبر مرجحانية شاهدوا، وكم أحسوا الضحك والخوف معا، وذلك الاحساس العجيب باللا وزن، وأنت تهوى بكف الجاذبية الارضية!! .. ولكنه لم يمر بقرية، أو حقل، أو سجن، أو مستشفى، أو صحراء، أو غابة شوكية وإلا بلل أعماقها، وتركها لينة كالشعر، وريانه كقلب الأم!!.. حكوا عنه بأنه دموع الارامل والامهات، بسبب الاطفال والشباب الذين ماتوا في الغرب والشرق والجنوب والوسط، بسبب الحرب والقتال، تسربت الدموع للسماء والمصائب يجمعن المصائبن، تجمعت كلها، ثم هطلت كلها في صحراء بعيده، ثم جابت الارض، تبكي وتئن، بصمت مهيب، وتبحث عن مأوى، عن شعب طيب، وسعيد، و21 يوم، وأختفى النهر العظيم،... ________________________________________________________________________________ سلام للراحلين، (محمود، قرن، مصطفى أمي، احمد المطصفى، عبدالخالق، معاوية نور، حسن نجيلة وسرب آخر من عشاق عظام، خصبوا حياتي الشخصية)!!

...من يخلّف ابنا...اخضرّت حياته حضورا بها.... و تخصّبت قامته شمما....بمثل بهؤلاء ....لـاـ ....يموت ...

....العزاااااااااااء .... ياعزيز...
...
...
...

سلامات عبدالغني

Quote: و21 يوم، وأختفى النهر العظيم،...

ارادتها المشيئة 21يوم لتكون صورة الرقصة التاريخية والضحكة السكر هي اخر صورة في اذهاننا عنه ، ولتحتل تلك الصورة مكانها عند من تشوهت افكارهم بفعل مونتاج تلفزيون الحكومة وساحات فداها ..و اردناها 21 قرن ليس طمعا ولكنه كان املا..

العزيزة ريهان..

سلامي وتقديري..

مشهد استقبال قرن لا يوصف، وهو يحدث عن جوهر الشعب السوداني عن يترك على سجيته، ورغم تكتم الاعلام ورغم المحاولات لطمس هذا المشهد التاريخي، فهو استفتاء شعبي لوحدة فطرية مغروسة في الشعب، بعيدا عن رعونات رجال دين واحزاب وكيانات ومدراس لا تعبر عن جوهر الشعب، وتضلل نفسها، وكوادرها، فالفكر صعب وشاق، وليس كل من انضوى تحت لواء حزب بقادر على التفكير، ورؤية القانون الحقيقي وتشريح المرض والعلاج..

سيظل جون قرن شخصية قومية وتاريخيه وبطل اعطى شعب الجنوب (والشمال أيضا)،الكثير من الحقوق المغيبة ما قبل الاستقلال،...

ولا شك وفاة الوالدة جعلتني استحضر الحيوات التي تعمر المقابر، تلك العوالم العجيبة..


سلامي لك وعميق شكري

عزيزي Hololy

من الشخصيات الهامة في التاريخ السوداني، والمؤثرة، والتي لفتها غامة من هالة في شخصها ودورها ورحيلها السوداني العظيم جون قرن، ..
ورحيله المبكرة خسارة كبيرة، ولكن دوره ونضاله ضد الظلم والهوس والجور والتهميش يظل يذكره التاريخ..


عميق محبتي، وللحق الابطال لا يموتون، على الإطلاق..

العزيز عبدالغني
تقبل مني عزاء متأخر في وفاة
الفقيدة الوالدة التي أحسنت
كثيرا في نعيها ببوستك الراقي
في سودان فور اول.
وها أنت تعود لهذه الثيمة التي
تناولتها سابقا ببراعة مماثلة
ولك أن تتناسل مقارباتك لهذه
الثيمة ما بقيت ذكرى هذا النهر
الخالد.
وتقبل تقديري وإعجابي
مصطفى مدثر