أم المساكين

أم المساكين


02-06-2009, 08:35 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=190&msg=1233948906&rn=0


Post: #1
Title: أم المساكين
Author: Al-Mansour Jaafar
Date: 02-06-2009, 08:35 PM

أم المساكين

في الذكرى الأولى لرحيل السيدة سارة الفاضل

السيدة سارة الفاضل محمود عبد الكريم ساتي علي حاج شريف سيدة من نخيل أمهات السودان، كنداكة نوبية ذات عزم ومضاء ، تذكرني بملكة غانا القديمة "يا سانتويا" التي حاربت حملات العبودية والإستعمار، فقد كانت السيدة سارة مثقفة وقائدة ومناضلة وإبنة وأخت وأم في بيت من أكبر بيوت السياسة في عالم الإسلام والوطن الأفريقي والعربي بكل ما في هذا العالم من تعقيدات السياسة والثورات والإنقلابات والنهوج والمصالح المتعارضة.

وإذ أهلت النشأة في بيت الدين والحكم والطائفة بقدر ما أمنا سارة لتفتُح الثقافة والسياسة فقد أهلتها دراسة علم الإجتماع لفهم أعمق للمحددات القبيلية والعرقية والدينية والطبقية والسياسية لتواشج الأسر والأقوام والطوائف والأوطان.

من خبرة العمل النقابي المطلبي في إتحاد الطلاب الأفارقة وإتحاد الطلاب العرب في الولايات المتحدة أوائل الستينيات ومن شذرة الخبرة في بحوث الأمم المتحدة حين تدربت فيها ثم من خبرة حرمانها من العمل الديبلوماسي، وكذا من خبرة تدريسها التاريخ السوداني والأدب الإنجليزي فإن السيدة الفاضلة سارة حازت بهذه النشأة والثقافة والمعرفة النضال السياسي الذي سبكها وقمنت به مكانتها الربانية في سفينة الأسرة-الحزب وسط الأمواج العالية، وبهذا النشاط البسيط كما عرق الذهب في المناجم بزت السيدة سارة عدد كثير من بنات جيلها وعدد كثير من أمهات وبنات الأجيال القادمة .

في زمن السوق والموازين المفردة والأسعار الرابية المطلقة وإنحسار الدخول الطائفية القديمة وإنفتاح المعتقلات والمنافي غالبت السيدة المترفة إطلال الفقر عليها بإرادة وتنظيم وإباء وعفة فكانت ناجحة في إثراء حياة أبناءها وبناتها بالمفيد والجميل، و وسدت لهم ولغيرهم شموس التعليم الصحة والعافية، فكانت في أمهاتنا من النخلات الطويلات الغزيرات الوفيرات .

مع مذر الحركات العسكرية ضد السلطان الحاكم في 5 سبتمبر 1975 وفي 2-3 يوليو 1976 تعرضت هذه الملكة الشمس للإعتقال والعسف والظلمات مما أخذ شيئاً من صحتها أخذ الأرض من ضوء الشمس، ومع حنكتها ورباطة جأشها سطعت شيمتها في كظم الغيظ والعفو والتسامح ، وفي إدارة الأمور بعقلية العدل والنفع العام في الحاضر والمستقبل لا بنزغ الكيد والتجبر الذي يسم الصغار .

في جهدها السياسي أسست سارة في بيت الطائفة والحزب التقليدي بعض عزائم الأمور الحديثة للتداول والتشاور والقرار والإنفاذ، ولم يكن ذلك التأسيس هيناً في زمن يمزقه الإستبداد الطائفي وتعصفه ديكتاتورية فرد في الدولة المقيدة بسيطرة وهيمنة الدول الغربية وتوابعها، ولكن السيدة سارة بحسن في نظرها ومضاء في عزمها ونور في بصيرتها ودقة في تنظيمها نجحت نوعاً ما في تحويل بيت السيادة والإشارة إلى مؤسسة ذات ليبرالية متزايدة تتجه إلى العدالة الإجتماعية إتجاهاً واضحاً أسفر عنه برنامج حزب الأمة المصدر في سنة 1986. وإن ثقل هذا الإتجاه وقل دفعه من آسار الحالة الطائفية وعصبيتها في المجتمع وطبيعة القوامة في الأسرة فقد سجل التاريخ أدوارا عددا لهذه السيدة النبيلة في البعد عن الأرستقراطية والإتجاه إلى القسط والعدالة الإجتماعية فاق ما كان للملكة الصالحة أروى في اليمن.

وإذ قضت السيدة سارة عمرها بين الورق والحكم والصلاة وأسرة عددا وطائفة شتى وبلاد عاجة ماجة فإن السيدة الفاضلة سارة لم تك مجرد أنديرا غاندي أو بندرنايكا بل كانت تجتهد لتكون في مصاف النساء المقاتلات جميلة بوحريد وفاطمة برناوي وغيرهن فصارت بين القصرين أم المساكين في السودان، فالحمد لله على ما قضى فينا بوفاتها والرحمة والمغفرة لها والسلام عليها وعلى أسرتها وبلادها.