لماذا لم يستشهد النحاة الاوائل بالحديث الشريف ؟!

"واما كلامه صلي الله عليه وسلم ،فيستدل منه بما ثبت انه قاله علي الفاظ المروي،وذلك نادر جدا،انما يوجد في الاحاديث القصار علي قلة ايضا ،فان غالب الاحاديث مروي بالمعني،
وقد تداولتها الاعاجم المولدون قبل تدوينها،فرووها بما ادت اليه عبارتهم،فزادوا ونقصوا وقدموا واخروا،وابدلوا الفاظا،ولهذا تري الحديث الواحد،في القصة الواحدة مروياعلي اوجه شتي بعبارات مختلفة.ومن ثم انكر علي ابن مالك- يقصد صاحب الالفية- اثباته القواعد النحوية بالالفاظ الواردة في الحديث:
قال ابوحيان،في شرح التسهيل:قد اكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الاحاديث علي اثبات القواعد الكلية في لسان العرب،وما رايت احدا من المتقدمين والمتاخرين سلك هذه الطريقة غيره،علي ان الواضعين الاولين لعلم النحو،المستقرئين للاحكام من لسان العرب،كابي عمرو بن العلاء وعيسي بن عمر ،والخليل وسيبويه ،من ائمة البصريين.والكسائي والفراء وعلي ابن مبارك الاحمر وهشام الضرير من ائمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك.وتبعهم علي ذلك المسلك المتاخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الاقاليم ،كنحاة بغداد واهل الاندلس.

وقد جري الكلام في ذلك مع بعض المتاخرين الاذكياء،فقال:ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم ان ذلك لفظ الرسول ص اذ لو وثقوا بذلك لجري مجري القرآن في اثبات القواعد الكلية،وانما كان ذلك لامرين:
احدهما :ان الرواة جوزوا النقل بالمعني،
فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه ص لم تقل بتلك الالفاظ جميعا،
نحو ما روي من قوله:"زوجتكها بما معك من القرآن"،"ملكتكها بما معك"،"خذها بما معك"وغير ذلك من الالفاظ الواردة في هذه القصة، فتعلم يقينا انه ص لم يلفظ بجميع هذه الالفاظ،بل لا تجزم بانه قال بعضها ،اذ يحتمل انه قال لفظا مردافا لهذه الالفاظ غيرها,فاتت الرواة بالمرادف ولم تات بلفظه،اذ المعني هو المطلوب،ولا سيما مع تقادم السماع ،وعدم ضبطه بالكتابة والاتكال علي الحفظ،والضابط المعني،واما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما في الاحاديث الطوال .
وقال سفيان الثوري:"ان قلت لكم :اني احدثكم كما سمعت فلا تصدقوني،انما هو المعني،".
ومن نظر في الحديث ادني نظر علم العلم اليقين انهم انما يروون بالمعني.
الامر الثاني:انه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث،لان كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع،ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو،فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون ذلك،وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب.

ونعلم قطعا غير شك ان رسول الله صلي الله عليه وسلم ،كان افصح الناس،فلم يكن ليتكلم الا بافصح اللغات ،واحسن التراكيب واشهرها واجزلها،واذا تكلم بلغة غير لغته فانما يتكلم مع اهل تلك اللغة علي طريق الاعجاز وتعليم الله له ذلك من غير علم." - انتهي
من كتاب :الاقتراح في اصول النحو وجدله- السيوطي - الجزء الاول
تحقيق وشرح الدكتور يوسف فجال- استاذ النحو والصرف-
بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية

* * *
"اعرض البصريون والكوفيون عن الاحتجاج بالحديث الشريف لان الوفرة الوفيرة من رواته كانت من الاعاجم وانه نقل بالمعني ولم ينقل بالحرف .وبناء عليه وجدنا امهات النحو شبه خالية من شواهد الحديث الشريف.وغير مستغرب ضآلتها في الكتاب- يقصد كتاب سبيويه- الذي لم يحص فيه محققه ،عبد السلام هارون سوي ثمانية احاديث عدا..
ولهذا ابتعد المتقدمون عن الاحتجاج بالحديث،الي ان ظهر ابن خروف ،وابن مالك فاحتجا بالحديث ..فعد هذا العمل خروجا علي المالوف ،وتحديا لمذهبي البصرة الكوفة.ولم يتحرج ابن هشام في الاحتجاج بالاحاديث المستخرجة من الصحيحين .اما ابن عقيل فقد احتج بعشرين حديثا شريفا" - انتهي
الدكتور محمد احمد قاسم - اعراب الشواهد القرآنية والاحاديث النبوية الشريفةفي شرح ابن عقيل- الكتبة العصرية - بيروت-2003

صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



وفى امان الله

لا اله الا الله