بعض ما يسقط من ملك الموت

بعض ما يسقط من ملك الموت


12-22-2007, 09:34 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=188&msg=1239814334&rn=0


Post: #1
Title: بعض ما يسقط من ملك الموت
Author: هشام آدم
Date: 12-22-2007, 09:34 AM

______________________

في أروقة الحنين إلى ما وراء العشق يلتفت الناجون من الموت إلى أعناقهم الدنيا، تحملهم أجناحتهم الخضر إلى سدرة المبتدى، يسقفون قلوبهم بالتوتياء والقرميد والآجر الأحمر، يغنّون للحبيبة أغنيات الجنس والعريّ موسيقى تتقاطع مع الباراسايكولوجيا الداخلية للأنا الأعلى. يحملون في جيوبهم حبوب قمح منتهية الصلاحية، يدفنونها بين جفنيّ الحبيبة قبل نومها، وقبل رحيلهم إلى هناك. ما تبقى من فتات الموتى، وروائح الموت المتناثرة من جراب ملك الموت، يأخذه الأتقياء والدينيّون ليصنعوا منه صلصالاً لأنبياء قادمين. أنبياء كما يشتهون، ذوي بشرة بيضاء وشعر شديد السواد، ويختلفون في لون قزحية عينيه!


الموتى أكثر ارتياحاً من الطيور التي تنام بحويصلاتٍ منتفخة. ومن تلك التي تنام لا تحمل ضغينة على أختها في الغصن المجاور. والشهداء أطفال اللحظة الخطأ، اللحظة التي أورقت دماءً مقدّسة، دماءً لا تتخثر، ولا تبرد أبداً. الشهداء يأخذهم الشبق المباح إلى حتفهم قبل بقيّة المؤمنين، ويكتبون أسمائهم في السجلات بخط النسخ واضحاً كرؤى الأنبياء، بعضهم لم يذهب لأنه ضاجع زوجته ليلاً ولم يغتسل في الصباح، وبعضهم أخّرته ثرثرات حماته قبيل الرحيل.


الموت .. يا للموت، حين يتقاسم مع البقاء بحبوحة الزمكان والديمومة المؤرقة. يفرش ثيابه للناس سجاجيد حمراء إلى بوابات الجحيم الأرضية، يأخذ على عاتقه جرم بكائهم وفراقهم الأبدي. الموت، يندس فينا كالشيطان، ويلعق خِلسة متعة إحساسنا بالإناسة، واللحظة التي لا تعود. قال الحكيم: "لذا نحفظ للموتى ألف قصة في صندوق ذكرياتنا الخاص." الموتى، يتركون ذكرياتهم بالترتيب في أخيلتنا قبل رحيلهم ببضعة أيام، ثم يبتسمون إلينا قبل رحيلهم ببضع ساعات، ثم يرحلون. قال الحكيم: "لذا فإن آخر صورة نتذكرها لهم، وهم مبتسمون.!"


هذه بعض أوراق سقطت من جراب ملك الموت، مذكرات أحد الموتى الذي كان على وشك إفشاء السر قبل رحيله. كان يسقط حبّة قمح منتهية الصلاحية كل عشر خطوات. يسقط ملك الموت أشياءً غريبة: روائح، وأوراق لم يكتمل احتراقها، دماء مقدّسة وأخرى نجسة، أصوات مكتومة، وأخرى بالغة الوضوح، وثياب ملطخة بالعرق، وقطرات من ماء الرجال، وأخرى من حليب.

Post: #2
Title: Re: بعض ما يسقط من ملك الموت
Author: هشام آدم
Date: 12-22-2007, 10:30 AM
Parent: #1

_______________________

ملك الموت لا يرحل، ولا يعود هو دائماً بين مشاعرنا المتضاربة، وبين أوقاتنا التي تعج بالحيوية والكآبة. يراقب التناقضات ويخلق منها تمائم لصدره الوافر بالقصص الحزينة. والموتى لا يرحلون إلا عبر بوابة ما في مكان ما في عالمنا الحيّ ، نحن نشعر بهم، ونحس بقربهم منّا أكثر من قبل. نسمع أصواتهم بتردد مختلف، فقط نعلم أنهم يحملون طاقة لا نحملها، أو يفتقدون إلى طاقة ما زالنا محبوسين فيها حتى يعطس ملك الموت، وعندما يفعلها، ننحني، ثم نرفع رؤوسنا لنعد أصابع أيدينا وأرجلنا جيّداًَ، ثم نلتفت إلى أطفالنا وزوجاتنا ونتأكد أنّهم ما زالوا أحياء.


الموت عالم مخيف، لأننا لا نعرفه. نحن نخشى الأشياء التي لا نعرفها، ولكنّنا حين نعرفها نصبح أكثر التصاقاً بها من غيرنا، ونصاب بنرجسية المعرفة، وندسها عن الآخرين، لنستمتع بالفردانية. وهكذا يفعل الموتى. بعضهم يزورنا ليلاً، لكي يخبرنا عن نعيمه الذي حظي به، ولم يجرؤ أحدنا على رؤية قريبه في الجحيم. هكذا يقول الحكيم! الجحيم والنعيم، ما هما إلا انعكاس لأشيائنا الخاصة، وخطرفات أواخر الليل. ولكن الموت ما هو إلا صندوق للموتى، وأكثر. موتنا حياة لنا ولآخرين في أحيانٍ كثيرة، وحياتنا حياة لنا وموت لآخرين في أحيان كثيرة، وموت الآخرين موت لبعضنا فقط.

Post: #3
Title: Re: بعض ما يسقط من ملك الموت
Author: Emad Abdulla
Date: 12-22-2007, 10:51 AM
Parent: #2


( يا أيها الموْتى اصْرِفُوا وعدًا .. وَفُوا :
وجَبَ النشورُ من القُبورِ .. فأشْرِفُوا
واحْيَوْا لأعرِفَ ما جَهِلْتُ وتعرِفُوا
نهبَ اللصوصُ قُصورَكمْ وكُنوزَها
وأتَى لصوصٌ بعدَهُمْ .. فاسْتأنَفُوا
أمّا الحُماةُ فقد تفرَّقَ شمْلُهم
فاسْتُهدِفَتْ أشْياؤُهمْ .. واسْتُهدِفُوا
يا أيها الموْتى اصْرِفُوا وعدًا .. وَفُوا ) .

تعجبني تتداعى هكذا يا صاحب ..
و يعجب هذا الولوج الفلسفي لبكورة المَواطن التي لا ترسف فيها الأسئلة مغلولة ..
" الموت " .. فكرة النهايات الساحرة ..
ذاك الجمال الوحشي فيها و الغموض و الرهبة .

عيدك حلو يا صاحب .


Post: #4
Title: Re: بعض ما يسقط من ملك الموت
Author: هشام آدم
Date: 12-22-2007, 11:44 AM
Parent: #3

______________________

صديقي الأوّل .. البان في الدوحة

الموت هو الحالة الأكثر استحواذاً على تفكيري، لا سيما عندما نقرأ عن تجربة الاقتراب من الموت، وتوجه عدد كبير من الناس لدراسة هذه الحالات النادرة وقياسها. الموت هل فقط اختلاف طاقات كما يقال؟ كيف تخرج الروح؟ ومن أين تبدأ الخروج؟ حالة الموت "الاحتضار" تستهويني أكثر من مرحلة ما بعد الموت، والرحلة السماوية. كما تستهويني علاقتنا نحن بالموتى والارتباط الغريب بين عالم الأحياء وعالم الأموت وطرق الاتصال بينهما.

لك الأمنيات العِذاب يا صديقي
وكل عام وأنت بألف خير