جدير بالقراءة و النقاش...د.حيدر إبراهيم علي: ثقافة الصمت والحب العذري للشعب

جدير بالقراءة و النقاش...د.حيدر إبراهيم علي: ثقافة الصمت والحب العذري للشعب


08-24-2006, 05:08 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=183&msg=1199260342&rn=3


Post: #1
Title: جدير بالقراءة و النقاش...د.حيدر إبراهيم علي: ثقافة الصمت والحب العذري للشعب
Author: esam gabralla
Date: 08-24-2006, 05:08 AM
Parent: #0

عن سودانايل
Quote:
ثقافة الصمت والحب العذري للشعب

د.حيدر إبراهيم علي


وصلني عتاب من عدد من الأصدقاء حول مقال سابق عنوانه: السودان.. الوطن المثقوب، بأنني فقدت الثقة، والأمل في الشعب السوداني. ورغم التجنّي الواضح في تأويل مضمون المقال، فإنني وجدت الفرصة سانحة لفتح موضوع علاقة المثقفين والنخب والقيادات السياسية بالشعب، بدون تملق ورومانسية غير مجدية تمدح الشعب بصفته قوة مجردة خارج الواقع. ورغم استحالة أن ندعو للتغيير، والنهضة -ونحن نقلل من قيمة الشعب- إلا أن تحليل أسباب اللا مبالاة، والصمت بين الشعب السوداني تمثل ضرورة وحاجة ذت أولوية.

وأعتقد أن الطريقة التي استقبل بها الشعب السوداني زيادات الأسعار -حتى إشعار آخر- تمثل ظاهرة في ثقافة الصمت، واللا فعالية، أو -على الأقل- عدم تحويل الاحتجاج إلى مقاومة، ومعارضة قادرة على تغيير الأوضاع، ولكن مََن المسؤول عن هذا الصمت، وعن استمرار إذلال الشعب السوداني طوال سنوات الإنقاذ؟

نعم، الشعب السوداني عظيم، وأبيّ، وعاشق للحرية، وقدم نموذجين للثورة الشعبية، والانتفاضة، والإضراب السياسي. فهو شعب يملك إمكانات كامنة يحوِّلها الساسة، والمثقفون، والنخب إلى قدرة فعلية. فنحن نقرر أن السودان يمتلك 200 مليون فدان صالحة للزراعة، ولكنه في الحقيقة يعاني من المجاعات المتكررة، ونقص الغذاء، ويعتمد على الخارج في المعونات. يمكن أن ينسحب هذا المثال -بتمرين ذهني بسيط- على قدرات الشعب السوداني النضالية الكامنة. فقد أُلقِى بالشعب السوداني -خلال سنوات الإنقاذ القمعية- مكتوفاً إلى اليمِّ، وقيل له: إيّاك إيّاك أن تبتل بالماء. فالشعب يحتاج إلى طلائع تتقدمه، وإلى نشر مستمر للوعي، والأهم من ذلك أن يُنظََم، ويُنتمَي إلى مؤسسات ديمقراطية: أحزاب، نقابات، اتِّحادات، روابط، منظمات، .....إلخ. ويشعر أنه جزء منها وهي ملك له.

طبق نظام الإنقاذ الشمولي مخطَّطه الفاشي القمعي باتقان، ومنهجية: التعذيب، التخويف، الفصل، التجويع، التشريد، الملاحقة، المضايقة، الإهانة.... إلخ. طبقت الإنقاذ مخطَّطها، أو مقدمات مشروعها الحضاري- حرفياً دون أية اعتبارات سوى تحقيق التمكين. وحتى حين كنا نردد -كمعارضين- بسذاجة أن ممارسات الجبهة تتناقض مع قيم الإسلام، والأخلاق السودانية، ومبادئ حقوق الإنسان العالمية، تعاملوا مع هذه الاحتجاجات باستخفاف، وأنها دليل عجز وهوان. ومن الجانب الآخر لم تكن الاستجابة في حجم التحدي الذي قذفت به الجبهة الإسلامية في وجه الشعب. ونسى الجميع توقيعاتهم على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية. صحيح كانت القيادات السياسية قد اعتقلت، ودخلت السجون، ولكن ألا توجد كوادر وسيطة، وصف ثان وثالث؟ وبدأت عملية تضليل الشعب بأن انقلاب الإنقاذ مجرد لوح ثلج سوف يذوب عند ظاهرة النهار!! وكان التضليل الأكبر حين أعلنت المعارضة -بقيادة التجمع الوطني الديمقراطي- عن قرب الانتفاضة الشعبية، وكان الجدال ليس حول حتمية الانتفاضة، ولكن حول هل هي انتفاضة محمية بالسلاح، أم مثل الانتفاضات الشعبية السلمية السابقة؟!

أعلنت المعارضة بفصائلها المختلفة الكفاح المسلح، أطلق رئيس التجمع السيد/ محمد عثمان الميرغني شعاره الشهير: سَلِّم تسلم، أما السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة -والذي أعلن في البداية: الجهاد المدني- فقد تحول إلى القتال، والكفاح المسلح، وصار يُدلي بمثل هذه التصريحات:

«إن القتال الدائر مع النظام السوداني جزء من الضغط العسكري، والسياسي، والاقتصادي على هذا النظام «...» ولن يتوقف القتال إلا في إطار مبادرة واضحة، ومكتملة العناصر لإنهاء النزاع بين الأطراف السودانية «صحيفة الحياة اللندنية 10 فبراير 1997م». ونقرأ مانشيت كبيراً: يقول قائد قوات التحالف السودانية للحياة: النظام السوداني سيسقط خلال العام الحالي. وفي تفاصيل اللقاء صرَّح العميد عبد العزيز خالد قائد قوات التحالف السودانية:«أن قوات عسكرية سودانية -تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي- بصدد توسيع عملياتها داخل الأراضي السودانية، وأشار إلى أن قرار عدم دخول الدمازين جاء في إطار الحرص على أبناء الشعب السوداني، وسُئِل عما إذا كان سيطلب من مصر عوناً عسكرياً، قال: إن النظام سيسقط من دون أي دعم عسكري، ولدينا ما يكفينا.. وما نطلبه من مصر هو دعمها السياسي، «صحيفة الحياة 13 فبراير 1997م».

وظل تضليل الشعب السوداني يتزايد، لذلك ظل الشعب يترقب الحدود الشرقية، فقد تحدثت المعارضة عن بوابة أسمرا، وكانت النتيجة الاعتماد على الخارج كلية. وحين حاول البعض تطوير فكرة دعم لجان الانتفاضة، وبدأ في جمع التبرعات والدعم، طاردته تهمة العمل على شقِّ التجمع الوطني، وأنهم يعملون لصالح السلطة. وظل الشعب يترقب، حتى جاءته طلائع المناضلين في رحلة مفاجئة.. من المطار إلى المجلس الوطني ومجلس الوزراء.

وتمَّ تنويم هذا الشعب -سياسياً- لسنوات طويلة، وحين عادت القيادات السياسية لم تشرع في تمرينه، وتدريبه على المقاومة، والحقوق، والانتماء، والإيمان بالتقدم. فالقوى اليسارية تدعي التفاؤل، وتتغنى بمحاسن وفضائل الشعب، وتؤمِّن «مجتمعية التاريخ» وكأن التغيير ينتظر في ركن شارع الحياة والفعل. وتكتفي ببيانات في المناسبات، تبدأ بـ: يا جماهير شعبنا العظيم! وهذه القوى لم تطلق حملات محو الأمية التطوعية في عطلات الطلاب الصيفية، وغابت القوافل للخدمات والتوعية، ولم تعد هناك شخصيات أمثال كامل محجوب يعملون، وينشطون في قلب الريف. -باختصار- لم تُؤهِّل قوى اليسار الشعب للمستقبل، ولم تُحوِّل هذه الكتل البشرية إلى ذوات فاعلة وحيَّة، واكتفت بالإيمان القدري بالتاريخ الصاعد، وتخلت عن الصلة الحميمية والمستمرة بالشعب.

أما القوى اليمينية، والمتمثلة في الأحزاب التقليدية-الطائفية- فهي تبقى على علاقة الولاء والطاعة، واستغلال الهرمية الدينية، والفهم الديني الخاص، والقائل بالإيمان من خلال وسيط.. فهي لا تشغل نفسها بنشر الوعي بين جماهيرها. وهناك تجربة خروج أبناء الطائفتين إلى الحركة الإسلامية بعد أن نالوا قدراً من التعليم، وتعرَّفوا على أفكار مختلفة، فالأحزاب التقليدية تقدم الدليل على تجميد قدرات الشعب الكامنة، وعدم تحويلها إلى طاقات مقاومة، ومعارضة. فالسيد الصادق المهدي -داعية الجهاد المدني- لم يحرك موكباً شعبياً سلمياً واحداً حتى اليوم. وهو الذي شارك في قوات عسكرية من الجبهة الوطنية خلال أحداث غزو 1976م - قصدتُ أنه صاحب أغلبية- وفي البرلمان السابق نال حزبه 101 مقعدا، ولكن تتوقف قدرته على انتقاء عشرات، أو مئات للتدريب، وحتى هذه فشّلت تجربة جيش الأمة خلال التسعينيات، لذلك تظل أغلبيته رصيداً مجمداً، لأنه لم يعمل-وأظن أنه يصعب عليه أن يعمل- على تحويل هذه الكتل الجماهيرية إلى شعب مليء بالوعي الفطري حتى بمصالحه الأساسية، وظلت هذه الجماهير كماً مهملاً يتم استدعاؤه لاستقبال الزعيم، أو تجميعه في موسم الانتخابات، مثل عمال التراحيل.

أقول -دائماً- إن الشعب السوداني يتيم حقيقة، فالقيادات، والزعامات السياسية تصنع المجد، وتراكم الأموال باسمه وهو لا يعلم شيئاً، وبالطبع لا ينال حتى الفتات. فلو تركنا الماضي الأبعد وتساءلنا عن سنوات المعارضة في الخارج التي جاءها الدعم من الخليج، والكويت، وليبيا - وأخيراً- أميركا بإشراف شركة تراقب أوجه الصرف، أكل هذا، والشعب لم يسمع به، ولم تُُقدَم له أية حسابات، مع أن هذه الأموال جُمِعت باسمه. أبرزتُ هذا الجانب لأن المعارضة في الداخل كانت تحتاج لورق المنشورات، «وحق» المواصلات. هل يوجد يُتْم أكثر من هذا؟ قيادات تهمل شعبها تماماً ومع ذلك نصيح: الشعب السوداني وين؟! موجود، ولكن لم نسلحه بالوعي، والالتزام، ولا بالثقة في القيادات، والزعامات. ولذلك يُطرَح -دائماً- السؤال المرّ: البديل شنو، أو منو؟

يصر المثقفون على تملق الشعب بسوء طويّة واضحة، فالقصد ليس تمجيد الشعب، وتأكيد الإيمان به، ولكن لتغطية عجزهم، والأهم من ذلك تأجيل القيام بمهامهم الوطنية، والتقدمية، ومن المصادفات الجميلة أنني في وسط هم وغم أن يتحول أي نقد لتُهَم كبرى، مثل فقدان الثقة في الشعب. وقعت في يدي مقابلة مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، هاجمه المحاور بأنه فقد الأمل في الشعب، وسأله:

لكنك القائل في قصيدة الدائرة المقطوعة: إيه المعنى، وأي بطولة في أن حياتنا، وأحلى سنينا يروحوا بلاش؟

كان رد الأبنودي على السؤال المفعم بالايديولوجيا، ورومانسية حب الشعب كما يلي:

هذا معناه أنني لستُُ مع النضال «الفرط» فليس ثمة تغيير مستقبلي لحساب الجماهير.. ليس وراءه حزب جماهيري كبير تقوده طليعة واعية بحقيقة التفاصيل الطبقية، وشبكات مصالح الطبقات المتداخلة. وطليعة لا تدرك ذلك، ولا تعيه تعيش منعزلة عن الجماهير، طليعة تخاطب بعضها، وتلعب طور الطليعة والجماهير -معاً- لا يمكن أن يؤدي نضالها إلى تغيير عبقري حقيقي.

واستشهد الأبنودي بقصيدة جميلة عنوانها «عويضة» وهو يعادل محمد أحمد السوداني الذي لا يعلم شيئاً عن ذلك النضال المزعوم:

ولأن حمول الأيام مش محمولة

إذا كتف عويضة ما يحملهاش

والقولة الحقة مش حقة

إذا صدر عويضة ما طلعهاش

ولأن دي حاجة عويضة لسه ما يدركهاش

ولا يدركناش

ولأننا لما دبحنا بعض مناقشة على القهوة

لأجل البشرية عويضة ما سمعناش

تبقى الدايرة ما دايراش!

«صحيفة الدستور المصرية 19/7/2006م».

هل تتوهم القيادات السياسية، والنخب، والمثقفون أن دائرة النضال تدور؟ الدائرة واقفة مكانها، لأن محمد أحمد بعيد، ومهمل. وعوضاً عن المزايدات، والتغزل في عيون الشعب السوداني، علينا - جميعاً- أن ننزل إلى هذا الشعب، ونقدم التضحيات. مَنْ يستطيع أن ينظم الجماهير، ويعمل مباشرة فليقم بمهمته، ومَنْ يستطيع أن يُحلل، وينظر عليه أن يجوِّد عمله، ومَنْ يستطيع أن يكتب الشعر، أو يُغني لاستنهاض هذا الشعب دون تزييف وعي فليُُبدِع. عندئذٍ سوف يحتج الشعب بقوة ضد مصاريف المدارس، وقطع الكهرباء، وزيادة الأسعار، وإزالة دار السلام، وتهجير أمري، وضد الإسهالات المائية، وضد المسؤولين الذين يشترون المساكن في هاوردز بلندن، وماليزيا، وجنيف.. وإلا سوف تسود ثقافة الصمت بين شعبنا ذي القدرات الكامنة

Post: #2
Title: Re: جدير بالقراءة و النقاش...د.حيدر إبراهيم علي: ثقافة الصمت والحب العذري للشعب
Author: Adil Osman
Date: 08-24-2006, 10:09 AM
Parent: #1

Quote: هل تتوهم القيادات السياسية، والنخب، والمثقفون أن دائرة النضال تدور؟ الدائرة واقفة مكانها، لأن محمد أحمد بعيد، ومهمل. وعوضاً عن المزايدات، والتغزل في عيون الشعب السوداني، علينا - جميعاً- أن ننزل إلى هذا الشعب، ونقدم التضحيات. مَنْ يستطيع أن ينظم الجماهير، ويعمل مباشرة فليقم بمهمته، ومَنْ يستطيع أن يُحلل، وينظر عليه أن يجوِّد عمله، ومَنْ يستطيع أن يكتب الشعر، أو يُغني لاستنهاض هذا الشعب دون تزييف وعي فليُُبدِع. عندئذٍ سوف يحتج الشعب بقوة ضد مصاريف المدارس، وقطع الكهرباء، وزيادة الأسعار، وإزالة دار السلام، وتهجير أمري، وضد الإسهالات المائية، وضد المسؤولين الذين يشترون المساكن في هاوردز بلندن، وماليزيا، وجنيف.. وإلا سوف تسود ثقافة الصمت بين شعبنا ذي القدرات الكامنة

شكرآ يا عصام جبر الله على نقل هذا المقال الناقد

Post: #3
Title: Re: جدير بالقراءة و النقاش...د.حيدر إبراهيم علي: ثقافة الصمت والحب العذري للشعب
Author: esam gabralla
Date: 08-28-2006, 08:54 AM
Parent: #1

مجدى الجزولى يدلف لاسئلة شبيهة من مدخل اخر

سودانايل

Quote: الثورة تنتظر الثوريين: عوج درب السياسة ما بعد اتفاقات "السلام"

مجدي الجزولي


[email protected]

مع تسجيل أن مجرد التفكير في امكان الثورة تحت شروط التدجين "الاتفاقياتي" الحاضر يمكن أن يحسب في خانة "الأشواق والأماني" بعبارة "جبهجية"، أو من كساد مثالات الأمل (wishful thinking) إلا أن اشارات لهذا الامكان تبرق من سطح الواقع منبعثة من مستويات تعقيده المتداخلة. ولربما كانت "الثورة" والأمل معقود والتفاؤل جم أبدع مخارج أزمتنا السياسية والاجتماعية الحالية، والتغيير النوعي المنتظر، بتراكم العوامل وبعد تيه المسارب. حتى إذا فارقت هذه القراءة مظان الواقعية السياسية يكفي أن تبعث عند بعضنا من أهل حب "الديموقراطية" رغبة في حوار حول "الثورة".

العارف بتاريخ بلادنا يعلم لا بد أن الديموقراطية في إخراجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الثقافي ظلت هي "قانون الثورة السودانية الثابت" (بلفظ أستاذنا كمال الجزولي)، وفي هذا الشأن أثبتت جماهير شعبنا حيوية مدهشة وقدرة على الاستباق استعصت على النخب المتوارية خلف ظلال النظرية الرمادية. من هذه الزاوية فإن واجب "المثقف الثوري" أن يتعلم سنن الثورة الشعبية كما يخلقها السودانيون في حلزون تاريخهم، ومن ثم يساهم في رفد هذه الخبرة بالوعي الدارس، والتمييز بين الثورة ومضادها. أما تلقين الجماهير ما تفعل، وفرض رؤية معتمة من الكلام فلا شك حرث للمستحيل. من تلك السنن ما تقوده الأقاليم السودانية من كفاح في سبيل دك مركزية الدولة الاستعمارية تحت رايات متنوعة منذ ثورة أكتوبر المجيدة 1964م. إن حدود الكسب المرتجى من هذا الكفاح المتطاول تحددها الآن اتفاقات للقسمة و"الضرب" أيضاً، موضوعة على طاولة نادي الحكم السوداني. فقد انفتح الباب بعد نجاح الحركة الشعبية لتحرير السودان في اكتساب قسط من "الورثة" المركزية بجلجلة السلاح وفداء الدم، انفتح لضم أطراف دارفور وشرق السودان إلى حكومة المركز من باب التفاوض مع القوى المسلحة. بينما كان نصيب جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق أن تسكن "أعراف" السودان الجديد، منزلة بين المنزلتين وفق توازن اللعان بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، أما أبيي فويلها وثبورها دالة للعنة البترول ومحنة الجغرافية الإثنية. عوج الدرب المقصود أن الاتفاقات تقفز بالتدارك على تناقض جوهري، بين ديكتاتورية السلطة المركزية العصية على التصحيح بالقسمة، وبين ديموقراطية الحقوق التي تعد بها الأقاليم، لذا تعج بنصوص شتى عن انجاز التحول الديموقراطي، وتحقيق التنمية المتوازنة، وهي أهداف مرجوة، نعم، لكن كيف السبيل إليها والشراكة مع ديكتاتورية المركز هي أرضية تنفيذ الاتفاقات ذاتها. هذا الوضع يمثل، والشاهد عند الدراما السودانية، "صورة مقلوبة" تستقيم إما بطلاق بائن وفرز للمواقع، أو بعزل الفئات المنضوية لتوها في نسيج المركز عن عصبها الجماهيري وادماجها في الديكتاتورية القائمة، وبين الخيارين مساحة للتقلب في "المعارضة" المتدثرة بنعيم السلطة.

لمسنا الخيار الثاني في الذي أصاب حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي، شريكة اتفاقية سلام دارفور 5 مايو 2006م، التي صعد بها الرجل إلى مقعد كبير مساعدي رئيس الجمهورية، أي الموقع الرابع في هيكل السلطة المركزية، ورئاسة السلطة الانتقالية الاقليمية في دارفور بجانب عضوية مجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي، وجميع ذلك مما لا سند له في نصوص الدستور الانتقالي لعام 2005م. الاتفاقية على عنوانها السلمي غدت سبباً جديداً للحرب بين الأطراف الدارفورية، فالخرطوم تحارب منازعيها في الاقليم بوكالة شريكها الجديد (by proxy) مع ارتفاع حاد في وتيرة القتل والتدمير الفوضوي أدى إلى عزل نصف مليون من المدنيين عن إمداد الغذاء ما يعتبر أدنى معدل للوصول إلى المحتاجين منذ بداية الصراع، وذلك بحسب إموجين وول ضابط الإعلام بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في الخرطوم (IRIN نيوز، 17 أغسطس 06). فوضى الاقليم لحقت بالجميع حيث قُتل خلال شهر يوليو ثمانية من عمال العون الإنساني السودانيين (الغارديان، 9 أغسطس 2006)، وفي الشهر الجاري إثنين من جنود الاتحاد الافريقي (سودان تريبيون، 20 أغسطس 06). تسجيل يوميات الحرب ما بعد توقيع اتفاقية السلام أثبت توقفاً لأعمال العنف بين الحكومة وفصيل مناوي، واستبدال ذلك بقتال شرس بين الموقعين والرافضة شمل مناطق واسعة من شمال دارفور إلى النواحي الشرقية والشمالية الشرقية من الفاشر: مناوي ضد جبهة الخلاص ومجموعة ال19 في أم سدر وبير مزة، 8 يوليو؛ مجموعة ال19 وجبهة الخلاص ضد مناوي، 13 يوليو؛ مناوي يستولي على كورما ويهاجم تينا التابعة لعبد الواحد مع قتلى مدنيين بلغ عددهم المائة وحوادث نهب وسلب، 5 يوليو؛ الجيش الحكومي بمساندة الجنجويد يهاجم جبل مون ويشتبك مع جبهة الخلاص في نواحي كلكل، 28 يوليو (DPA Monitor، التقرير الشهري حول تنفيذ اتفاقية سلام دارفور، UNMIS، يوليو 2006م). حصيلة الحرب في ظل السلام أجملها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في تصريح صحفي حيث قال: "تستطيع المنظمات الانسانية الوصول إلى 50% فقط من المدنيين المتأثرين بالصراع، أما البقية، أي 1,6 مليون، فإما يتعذر الوصول إليهم أو يستحيل سوى بتهديد مباشر لحياة عمال الإغاثة، وذلك نتيجة للقتال والاستهداف المباشر لعمال العون الانساني" (الإندبندنت، 17 أغسطس 06).

بخصوص الاتفاقية الأم، بروتوكولات نيفاشا، فإن نجاحاً تطبيقياً قد أحرز لا شك في لجم الحرب في الجنوب، وفي الترتيبات الدستورية، ومجمل البناء الفوقي للدولة، لكنها مكتسبات تنهش في مشروعيتها الجماهيرية سياسات ذات الدولة التي تجمع الشريكين من ناحية، وصعوبات الانتقال من العمل المسلح إلى الإدارة السياسية والمدنية في جانب الحركة الشعبية من ناحية أخرى. ولعل أشد الاعتبارات صعوبة في هذا الشأن ما تواجهه الحركة الشعبية على المستوي القاعدي في جنوب السودان، وليس خلافات قسمة البترول وملاسنات الخرطوم. خلال شهر يونيو سجلت منظمات دولية عدداً من حوادث العنف والاقتتال في مناطق من جنوب السودان على خلفية نزع سلاح المليشيات وصراعات السلطة المحلية: نتج عن مقتل ضابط صحة في ياي أواخر مايو انقسام عرقي بين الدينكا والاستوائيين حيث حمل مدنيون السلاح واحتمى الجنود الدينكا بمعسكراتهم؛ قام جنود الجيش الشعبي في عدد من الحوادث بنهب قوافل إغاثة ومخزن تابع لبرنامج الغذاء العالمي في ولاية واراب؛ اضطر أكثر من 4 آلاف من المواطنين إلى النزوح جراء الاقتتال العرقي في مناطق مختلفة ما أثر سلباً على قدرة المنظمات الانسانية الوصول إلى نسبة مقدرة من المحتاجين؛ ابتدر الجيش الشعبي نزع سلاح المدنيين وبعض المجموعات المسلحة وفقاً لإعلان جوبا الموقع في 9 يناير 2006 ما نتج عنه اشتباكات متكررة بين الجانبين أولها كان في أواخر فبراير في منطقة يواي ليمتد تأثيرها إلى سكان أكثر من 17 قرية في شمال جونقلي (تقرير الأوضاع الانسانية في السودان، OCHA وآخرين، يوليو 2006م). كما هاجمت في تاريخ قريب (17 أغسطس) مجموعة مجهولة الهوية فريقاً للمراقبة المشتركة بمنطقة فم الزراف بالقرب من ملكال لتصيب جنديان من قوات الحماية التابعة لبعثة الأمم المتحدة ومراقب من القوات المسلحة تابع لفريق المراقبة المشتركة. تبع ذلك هجوم أوسع شنته مليشيا اللواء تنق منجار التي انضمت إلى القوات المسلحة على منطقة كوار جانغ القريبة لفم الزراف فقتلت ثلاثة مدنيين بينهم ضابط إداري ونهبت 4 ألف دولار و22 مليون جنية وأجهزة تابعة لمنظمات دولية (الأيام، 21 أغسطس 06). بالإضافة إلى ذلك تستعر مكتومة عن الرأي العام محنة ضحايا التنقيب عن البترول في مناطق غرب وشمال أعالي النيل، وهذه مجتمعات بأسرها تدفع ثمن الثروة المخزونة في أراضيها قتلاً وتشريداً ببأس الشريك وشريكه (أنظر "التنقيب عن البترول في شمال أعالي النيل"، تقرير التحالف الأوروبي بصدد البترول في السودان، ECOS، مايو 2006م). تحوي الاتفاقية بنوداً تؤسس لمبدأ التعويض وجبر الأضرار، وضمان استشارة أصحاب الحق في الأرض واستفادتهم تنموياً من ريع التنقيب، بجانب مخاطبة القضايا البيئية والاجتماعية الناتجة عن صناعة البترول، لكنها لا تؤرق كاتبيها ولا تشغلهم. إن استمرار استغلال هذه المجتمعات بذات الشراسة والغلو تحت غطاء الاتفاقية أو بغيره، بسلطة المؤتمر أو الحركة، لا بد ينتهي إلى تهديد صناعة البترول ذاتها، وقبل ذلك السلم الأهلي والاستقرار في هذه المناطق، ولذلك مثال سابق محلي في تجميد استثمارات شركة شيفرون عام 1983م، وأكثر من مثال حاضر افريقي في صراعات الأهالي ضد تحالف الشركات والسلطات الحكومية في مناطق التنقيب عن البترول في دلتا النيجر. هذا مع الانتباه إلى ما ساقه خبراء البنك الدولي هذا الشهر من ملاحظات للمسؤولين في جوبا حول فشل السلطات الحكومية في جنوب السودان في الالتزام بقواعد البنك الخاصة باجراءات المشتروات في إثنين من مشاريع البنى التحتية، ما أثار قلق المانحين من احتمالات الفساد، مع العلم أن الصندوق الدولي المخصص لإعادة اعمار الجنوب خاضع لإشراف البنك الدولي (رويترز، 11 أغسطس 2006).

إذا جاز اعتبار جميع ما سبق قضايا "اقليمية" لا تهز الشراكات الديكتاتورية في مركز الحكم، وتلك غفلة لا شك، فإن وزير المالية قد تكفل بتقديم ما يجمع جماهير السودانيين على قلب "معارض" واحد، وذلك بقراره زيادة أسعار البنزين والجازولين بنسبة تقارب 20%، وكذلك سعر السكر مساء الخميس 17 أغسطس. أعلن الوزير أن العجز العام قد بلغ 450 مليار دينار، وذلك جراء الاخفاق في دخول بترول حقل عدارييل دائرة الإنتاج، مع العلم أن ميزانية الحكومة تعتمد في 60% منها على ريع البترول (سمية سيد، الرأي العام، 19 اغسطس 06). تعليل الوزير للزيادات أصاب السلام ذاته برشاش مقصود حيث ذكر في حديث للصحفيين أن من أسبابها وفود السلام واتفاقياته والنفرة الخضراء (الأيام، 23 أغسطس 06). معلقاً على قرارات الوزير وتبريراته شرح الأستاذ سليمان حامد النائب البرلماني عن الحزب الشيوعي في المؤتمر الصحفي الذي عقده الحزب حول زيادات الأسعار يوم 22 أغسطس بداره في الخرطوم (2) أن الميزانية ولدت ميتة إذ كرست نهج السلطة في في إطار سياسات "التحرير" الاقتصادي، قائلاً أنها "ميزانية أمنية" ضد مصلحة الشعب حيث خصصت 77,3% من إجمالي الأجور للأمن والدفاع والشرطة، تضاف إليها مرتبات الأجهزة السياسية التي تبلغ مليار جنيه ليستحوذ الصرف على الأمن والأجهزة السيادية على 86,6% من إجمالي الأجور المرصودة للعاملين في الدولة. ثم زاد أن نهب أموال الدولة والفساد قد بلغ 373,3 مليار دينار، مضيفاً أن الزيادات خرقت المادة (111-3) من الدستور التي تحظر اجراء أي تعديلات أو ادخال زيادات في الموازنة بعد اجازتها من البرلمان. من حديث الدكتور فاروق كدودة في ذات المؤتمر الصحفي نثبت هنا أن عائدات بترول الصادر بلغت في العام 2004 ما جملته 3,1 مليار دولار ولكنها ظهرت في الموازنة على أنها 1,8 مليار إضافة إلى عائدات الاستهلاك المحلي البالغة ثلاثة مليار دولار سنوياً. في العام 2005 بلغت عائدات البترول 4.2 مليار دولار ولكنها ظهرت في الموازنة على أنها 2.3 مليار دولار فأين ذهب الفرق البالغ 1.9 مليار دولار إضافة لعائدات الاستهلاك المحلي البالغة 3 مليار دولار سنوياً (الميدان على الإنترنت، 22 أغسطس 06).

إن مراجعة السياسة الاقتصادية لحكومة "الوحدة الوطنية" وما يتبعها يعود بالمراقب إلى الجوهر الطبقي للسلطة الحاكمة، أي تحالف الرأسمالية الطفيلية والفئات العليا من قوى الجيش والأمن، ذلك الذي لم تمسه يد تفكيك ولا تعديل، بل ربما استقوى باستئناس الاحتجاج الاقليمي وإدماج نخبه القائدة تدريجاً في "عقلانية" السوق الفجة. السلطة لا تردعها وثيقة الحقوق ولا غيرها من أمثولات التحول الديموقراطي "الاختياري" ما انفكت تتابع مشروعها مراكمة رأس المال بدائياً (primitive accumulation) لصالح الطبقة التي تمثل تحت ستار "التحرير" الاقتصادي الفاضح، والمقصود "قلع ونهب" ثروات الشعب وحقوقه دون اعتبار لقانونية أو مشروعية، أو بسن القوانين التي تجعل ذلك ممكناً. من ذلك عمليات الإزالة القسرية لقرية دار السلام بولاية الجزيرة الأسبوع الماضي التي أسفرت عن ضحايا من المدنيين بينهم أطفال قضوا من أجل "مدينة الأحلام"، ومثلها معارك سوبا بين المواطنين والبوليس العام الماضي، وكذلك ترحيل مواطني قرية الجخيس شمال غرب محلية كرري (علاء الدين بشير، الصحافة، 23 أغسطس 2006). تندرج في هذه القائمة وبوحشية أشد وأقسى عمليات تفريغ مناطق التنقيب عن البترول من السكان المشار إليها أعلاه، وبالطبع قضية سد مروي، حيث ما زال الصراع قائم بين أهالي أمري وإدارة السد. إذن، لا تشفع الاتفاقيات لموقعيها حين الاعتبار في السياسة الملموسة للحكومة التي هم فيها شركاء، وللمصالح الطبقية التي ترعاها هذه الحكومة، بل ربما وجدوا أنفسهم في محك أقسى إذ يتقاسمون المسؤولية عن هذا "النهب" العام من موقع أدنى في الشراكة لا يستطيعون معه فاعلية لحماية مصالح جماهير أقاليمهم، هذا مع افتراض التزام هؤلاء جانب الجماهير حقاً وليس انقلاب الثورة في ردهات القصر ثروة.

في المحصلة، تستمر لا محالة نضالات الكادحين السودانيين في الريف والمدينة ضد الاستبداد والاستغلال، وتتويجها الراهن لا سبيل إليه سوى بتحالف جماهيري ضد الديكتاتورية الطبقية الحاكمة وليس معها. وهنا مكمن لفرز "الكيمان" نفارق به ربما عوج الدرب إلى مستقيمه نحو دولة مدنية ديموقراطية، وامتحان للفئات الحاكمة الجديدة، هل تناصر جماهيرها وتنتصر لها، أم ترضى بالاتفاقات وأنصبتها فتقفز عليها الجماهير وتتجاوزها إلى "ثورة" ضد الشراكات، هي الآن في مراحل التحضير تنتظر الاشتعال.

أغسطس 2006

Post: #4
Title: Re: جدير بالقراءة و النقاش...د.حيدر إبراهيم علي: ثقافة الصمت والحب العذري للشعب
Author: عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد
Date: 08-28-2006, 11:37 AM
Parent: #1

عندما يتكلم د. حيدر عن السياسة السودانية تصمت كل الألسن، وتستحي الكلمات، ولا شيء يمكن أن يضاف عل مثل هذا الكلام القيم الواعي!!!
لله درك أيها الأستاذ.

Post: #5
Title: Re: جدير بالقراءة و النقاش...د.حيدر إبراهيم علي: ثقافة الصمت والحب العذري للشعب
Author: Ibrahim_Elhag
Date: 08-28-2006, 01:55 PM
Parent: #4

العزيز عصام
أشكرك علي رفع هذا المقال المهم وبعملك هذا تبدآ حمله تغيير المفاهيم والأدوات القديمه لفهم قطاعات كبيره من طلائع الشعب السوداني المنوط بها إيجاد آليات جديده ومبتكره للنهوض بهمة هذا الشعب وإعادة الثقه المفقوده في أبناءه المتعلمين المدركين كيفية الإستغلال وإمكانية مجابهته.
أري أن المقال جدير بالتفكير الجاد وذلك من حيث الإبانه الواضحه أن أحزابنا بيسارها ويمينها قد فشلت في إيجاد طرق ومناهج جيده تمكنها أولا من تحليل التأثيرالنفسي والإجتماعي والإقتصادي لنظام الإنقاذ طيلة هذه السنوات العجاف علي الشخصيه السودانيه ومن ثم ما هي أنجع الوسائل للتواصل معه وتنظيمه بأشكال جديده ومبتكره يمكنه من خلالها الدفاع الثاب والمؤمن عن حقوقه المنهوبه.
أكاد أجزم أنه لا توجد إي دراسه علميه لسوداني الداخل أو الخارج.يجب علي كل المتعلمين خارج السودان أو داخله الإنخراط بورش عمل لإ بتداع أشكال جديده للتواصل إما من خلال تطوير أدوات أحزابها أو إيجاد أشكال أخري تناسب والوضع القائم.
لم تعد النقابات المهنيه والإتحادات الطلابيه والشبابيه والنسائيه هي الأشكال المناسبه لكل زمان وكل ثورة يجب أما تغيرها جزريا وذلك لما أصابها من خراب متعمد مما يستلزم سنين عديده لإعاده الثقه بها لدي الشعب أو إبتداع أشكال جيده لتنظيم. ولدي الشعب السوداني قدرات كبيره لفعل ذلك خاصه شعب المهجر لما حناه من تجارب جديده وقدرات مهنيه عاليه.
ونواصل