تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية

تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية


10-08-2005, 09:46 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=182&msg=1185182776&rn=13


Post: #1
Title: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Mannan
Date: 10-08-2005, 09:46 AM
Parent: #0


تلك الأيام..
حمار بلوحة دبلوماسية

تلك الأيام .. واجهة لبعض ذكرياتى اقتبستها من صحيفة مساء الخير التى كنا نقوم بتحريرها باسم الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم فى سبعينات القرن الماضى.. كانت تلك الايام على قسوتها ايام الدكتاتورية المايوية مليئة بعنفوان الشباب وطموحاته واحلامه بغد مشرق جميل يعج بالحياة والسلام والديمقراطية.. ماذا تبقى من.. تلك الايام؟ واين نحن الآن من.. تلك الايام!!
آه من تلك الايام..

اخترت هذا العنوان الجانبى لمقالى هذا من حادثة طريفة لدبلوماسى سودانى فى العهد الزاهر للدبلوماسية السودانية لعقد مقارنات سريعة وخفيفة بين دبلوماسية ماقبل ومابعد الإنقاذ ومن باب التسرية والترويح على القراء خلال شهر رمضان المعظم واستخلاص بعض الدروس والعبر من بعض المواقف والأحداث. وقد اخترت بعض العناوين الخفيفة من وقائع تلك الآحداث والمواقف. قد يتبادر الى ذهن القارىء اننى خصصت هذا المقال للنيل من دبلوماسيى بعينه ووصفه بأنه حمار ولكن الأمر يتعلق بحمار حقيقى امتطاه دبلوماسى سودانى فى دولة أجنبية كوسيلة مواصلات وذهب به الى سفارة بلاده، وترجل عن الحمار وربطه فى شجرة بقرب السفارة ودخل الى مكتبه وسط ذهول سفيره وزملائه من الدبلوماسيين والعاملين بالبعثة.. ولعدم المامى بتفاصيل هذه القصة الطريفة والمضحكة والتى دخلت الى تاريخ الدبلوماسية السودانية خلسة فاننى اترك تفاصيلها للإخوة الدبلوماسيين لتكملتها.. نذر قليل من تلك الواقعة تناهى الى علمى فى تلك السفارة البعيدة وانا بعد فتى غض الإهاب ومن ناشئة السلك الدبلوماسيى كما كان يحلو لبعض قدامى السلك الدبلوماسي ان يطلقوا علينا لإسباغ بعض الأهمية على انفسهم بأقدميتهم وريادتهم..

كان ذلك الدبلوماسي وقتها من ناشئة السلك الدبلوماسى، يسهر معه سفيره كل ليلة بعد عناء يوم عملى طويل ثم يمتطى السفير سيارته ويمضى لحال سبيله وفى الصباح يذهب كل منهم الى السفارة كل بوسيلته الخاصة.. كان الدبلوماسي الصغير يقطع المسافة بين مسكنه ومبنى السفارة مشيا على الاقدام بينما يمر السفير بسيارته وعلم السودان الصغير يرفرف على سيارته.. يراه ماشيا (كدارى) ولا يقف له او يعطيه (لفت).. يصل السفير الى مكتبه ويقف فى باب السفارة منتظرا ذلك الدبلوماسي المسكين على مدخل مبنى السفارة.. ويصل ذلك الدبلوماسي غض الإهاب وقد تغضن وجهه وتكدر وتصبب عرقا.. يصل متأخرا قليلا عن مواعيد العمل .. يعنفه السفير على التأخير.. تكررت المشاهد .. يسهران سويا.. يصل السفير الى مكتبه صباح كل يوم بسيارته فى المواعيد .. لا يقف لذلك الدبلوماسي البائس فى طريقه.. ليصل متأخرا عن مواعيد العمل ليبدأ يومه باستجواب حول اسباب تأخيره.. إلى ان كان ذلك اليوم المشهود.. فى تاريخ الدبلوماسية السودانية.. فكر ذلك الدبلوماسى الصغير وقدر واهتدى الى فكرة جنونية لا تليق بالدبلوماسية التى ارتبطت فى أذهان الناس بالحياة الناعمة من فاخر الثياب وربطات العنق الزاهية والسيارات الفارهة ومالذ وطاب من مأكل ومشرب.. ذهب واشترى حمارا وسرجا وبرذعة (ربما يكون السرج والبرذعة من بنات خيالى).. وامتطى الدبلوماسي حماره.. اطلق دبلوماسي ظريف على ذلك الحمار لقب (حمارسيدس) تيمنا بسيارة المرسيدس.. ومافيش حد احسن من حد.. فى صباح ذلك اليوم المشهود امتطى السفير سيارته والعلم السودانى يرفرف فى مقدمته وامتطى ذلك الدبلوماسي المسكين صهوة حماره ( المعذرة إن كانت الصهوة قاصرة على الحصان فقط).. وصل السفير كالعادة قبل الدبلوماسي المسكين وانتظر مقدمه.. ظهر الدبلوماسي بعد برهة ممتطيا حماره .. لقد وصل قبل مواعيده لأول مرة وذلك بفضل الحمار(سيدس).. ترجل عن صهوة الحمار وربطه بجذع شجرة امام مبنى السفارة واخرج ربطة عنقه من جيبه وربطها بسرعة ودلف الى السفارة.. لا ادرى بقية القصة ولكن الدرس المستفاد من تلك الواقعة ان وزارة الخارجية السودانية امرت كل سفاراتها بنقل اعضاء البعثة بسيارة البعثة من والى مكاتبهم.. وارتاح الحمار.. ولم يذهب بالدبلوماسى كما ذهب بام عمرو!!

كانت تلك السفارة اولى محطات عملى سكرتيرا ثانيا.. وتلك قصة اخرى سأحكيها لكم فى حلقة قادمة..

الآن وبعد اكثر من اربعة عقود من واقعة الدبلوماسي والحمار والتى صارت مثل واقعة الجمل.. نتساءل!! اين يقف الدبلوماسي السودانى الآن وهل هو الآن افضل ام اتعس حالا من ذلك الدبلوماسى الألمعى صاحب الحمار.. فى الحلقات القادمة سنتناول بعض ما حدث للدبلوماسية السودانية قبل وبعد طوفان الإنقاذ.. وقد كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن بطولات دبلوماسية لم نسمع بها من قبل كما تبارى البعض فى نشر الغسيل الدبلوماسي على الملأ.. وعندما يقع الثور تكثر السكاكين.. خاصة بعد ان يعبث الثور بمستودع الخزف…

تلك الآيام!!

نورالدين منان
واشنطن فى 8 اكتوبر 2005

Post: #2
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Ali Alhalawi
Date: 10-08-2005, 11:13 AM
Parent: #1

الأخ نور الدين

سلام .. و رمضان كريم

فى إنتظار متابعتك لهذا الموضوع الشيّق .. راجيا كل من عملوا بالسلك الدبلوماسى سرد تجاربهم و ذكرياتهم

تشكر يا ملك ..

على الحلاوى

Post: #3
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Mannan
Date: 10-08-2005, 12:17 PM
Parent: #1

شكرا لك استاذ على الحلاوى..
ساواسل السرد بلا ترتيب متى ما وجدت الوقت الذى يقطعنا إربا إربا.. قديماقالوا ان الوقت كالسيف إن لم تقطعه.. قطعك .. كان الوقت عند الدبوماسى امضى من السيف.. وكان وزير الخارجية ووكيله يوليان اهمية كبرى لانضباط الدبلوماسيين فى مواعيد حضورهم الصباحى للعمل.. كان احد وكلاء وزارة الخارجية رحمه الله يرابط عند مدخل الوزارة كل صباح ليتمم ويراقب حضور الدبلوماسيين الى العمل صباحا..وساتناول ذلك فى مقال لاحق.

لك الشكر.

نورالدين منان

Post: #4
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: عاطف عمر
Date: 10-08-2005, 03:57 PM
Parent: #1

يا لمتعة السرد

رمضان كريم أستاذنا نور الدين منان

نتابع بشغف بالغ هذه الهدية الرمضانية القيمة

فمع الطرافة البادية في مظهرها فجوهرها ينبئ عن دروس قيمةأفادت أجيالاً من الدبلوماسيين .

Quote: ولكن الدرس المستفاد من تلك الواقعة ان وزارة الخارجية السودانية امرت كل سفاراتها بنقل اعضاء البعثة بسيارة البعثة من والى مكاتبهم.. وارتاح الحمار.. ولم يذهب بالدبلوماسى كما ذهب بام عمرو!!


و تحياتي

Post: #5
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Mannan
Date: 10-08-2005, 04:57 PM
Parent: #1

الباشمهندس عاطف
سلام
الشكر لك.

الحلقة الثانية من
تلك الايام.. فقراء السلك الدبلوماسي

كنت ولا زلت اعتبر نفسى من فقراء السلك الدبلوماسى والحمدلله. وقد بدأت مشوار الفقر بأن عملت فى احدى السفارات دبلوماسيا صغيرا وقائما بالاعمال بالانابة والتقيت بشخصيات كثيرة .. رؤساء ووزراء ومسؤولين من دول عديدة.. عدت مرة الى السودان واشتكيت سوء حالتى وقلة الفئران فقد كان راتبى الشهرى لا يتجاوز الثلاثمائة وخمسين دولارا فقال لى وكيل الوزارة وقتها: ما البلد اللى انت فيها كمان بلد سمحة!! فقلت له: وماذا يفيدنى جمال البلد اذا كنت اعيش بالكفاف.. هل سأكل النجيلة والمناظر الطبيعية ام ماذا تقصديا سعادة الوكيل؟ لقد خاطبناكم كثيرا فى هذا الشأن ولم نجد منكم ردا.. صمت السيد الوكيل لحظة ثم قال لى انه مشغول وسيتحدث معى لاحقا.. امضيت بقية اجازتى وعبثا حاولت لقاءه ولم استطع.. وفى ذات الوقت كان محاسيب الوزارة والمتسلقين ينقلون الى السفارات التى بها رواتب اعلى ليعودوا الى السودان بسيارات فارهة وابتنى بعضهم فيللا ومنازل فارهة.. كانت هتاك مراكز قوى وشللية كئيبة تسيطر على وزارة الخارجيةوكان هناك دبلوماسيون فهلويون يجيدون التملق والتسلق على اكتاف الآخرين وتمت ترقياتهم دون زملائهم الذين يفوقونهم ابداعا وانتاجا.

بعض فقراء السلك الدبلوماسي احتفظوا بنقاءهم الى ان جاءهم الانقاذ فلفظهم الى الشارع ليهيموا فى الارض.. مات من مات وبقى من بقى.. رحم الله ماريو اوتو انطون, وعبدالله المبارك ويوسف مختار وعلى محمد على ومصطفى حسن ومحمد عثمان بابكر والور دينق وقيديون جيما والفكى وصالح مشامون وكثيرون لا اذكرهم الآن رحلوا الى السماء بعد مجيئ تسونامى الانقاذ.. من ينصف هؤلاء او ذويهم.. لهم الرحمة.. يا فقراء السلك لكم الله..
ورمضان كريم..

نورالدين منان
واشنطون

Post: #6
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: هشام مدنى
Date: 10-08-2005, 05:18 PM
Parent: #5

Quote: صمت السيد الوكيل لحظة ثم قال لى انه مشغول وسيتحدث معى لاحقا.. امضيت بقية اجازتى وعبثا حاولت لقاءه ولم استطع..

من السهل ان تلاقي المولى عز وجل...
ومن الصعب ان تلتقى مسؤل في حكومة السودان..
هكذا سطرها المرحوم محمد احمد السلمابى:
ظل يتصل بالتلفون على مكتب مسؤل يومها في الحكومة..
لتحديد موعد معه لنقاش قضية مهمة..
فكان رد مسؤل مكتب السيد الوزير 15 مره في لجنة..
وعشرة مرات في اجتماع مهم..
واربعة مرات في مجلس الوزراء..
ومرتين مع السيدالرئيس..
فقال المرحوم السلمابى ان كان السيد الوزير بهذه الهمه والنشاط لماذا حالنا هكذا؟؟؟
رحمه الله


تحياتى لك اخى نورالدين
رمضان كريم

واصل اتابعك باهتمام

Post: #7
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Sudany Agouz
Date: 10-08-2005, 06:05 PM
Parent: #6

أستاذنا الكبير ..
نور الدين منان ..

قد استمتعت بحكاية حمار الدبلماسى .. واننى معه فى كل الذى عمله ..
بل اننى لو كنت مكانه لربطت ربطة العنق .. وارتديت البدلة " فول سوت "
وامتطيت الحمار .. بل وانتظرت السيد السفير بحمارى .. وعندما أراه أقوم
بربطه حول جزع شجرة .. وان لم توجد الشجرة .. لربطه بتصادم سيارته المرسيدس ..
ومافيش حد أحسن من حد ..

زيدونا واتحفونا .. ياأستاذ نور الدين ..

أخوكم العجوز
أرنست

Post: #8
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Yasir Elsharif
Date: 10-08-2005, 06:12 PM
Parent: #1

شكرا يا أستاذ منان..

ما أستغربه هو أن السفير والدبلوماسي الناشئ يسهران سويا؟؟ وأنه يمر به ولا يأخذه معه في السياة إلى السفارة!!

لماذا؟؟

هل من أصول الدبلوماسية ألا يركب دبلوماسي صغير في عربة السفير؟؟ أم ماذا؟؟

وهل لا توجد وسائل مواصلات في ذلك البلد ، أو حتى بسكليتات؟؟

يا أخي على الأقل البسكليت لا يحتاج إلى "علوقة" والذي منه!!

المهم يا زول أنا متابع .. سولف سولف..

مع وافر التحايا لك ولزوار البوست الشيق..

ياسر

Post: #9
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Sudany Agouz
Date: 10-08-2005, 06:18 PM
Parent: #8

الاستاذ الجليل ياسر ..
رمضان كريم ..

الحكاية مش حكاية عجلة أو حمار ..

وانما هى نكاية فى ذاك السفير ..

فقد استعمل الدبلمساسى دبلماسية خاصة .. لأنه قام باستعمال
وسيلة من وسائل النقل العام فى السودان ..
ولا غضاضة فى ذلك ..

وهكذا سيخجل السفير من الحمار الحقير .. وينصف راكبه المسكين ..

تحياتى ..
أرنست

Post: #10
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Kostawi
Date: 10-08-2005, 08:18 PM
Parent: #9

تشاد يا نور

Post: #11
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Mannan
Date: 10-08-2005, 09:06 PM
Parent: #1

شكرا للإخوة:
هشام مدنى: رحم الله السلمابى.. ذكر لى جدى من والدتى القاضى عبدالمجيد عبدالحميد( عضو مؤتمر الخريجين بشهادة حسن نجيلة فى كتاب ملامح من المجتمع السودانى) انه باع اراضى المقرن للمرحوم السلمابى .. رحم الله جدى لم يترك لنا شيئاغير العلم والشعر ( ومن اوتى العلم فقد اوتى شيئا كثيرا).. الم اقل لكم اننى كنت من فقراء السلك الدبلوماسى.. كان السفير ميرغنى جاويش الله يطراه بالخير يسمينا بالدبلوماسية الشعبية لآننا كنا نصل الى الوزارة مكندكين بتراب الخرطوم وننفض الغبار عن احذيتنا داخل الوزارة ونغسل وجوهتا بسرعة قبل الشروع فى العمل الدبلوماسي اليومى من اعداد التقارير اليومية وتلخيص تقارير السفارات المختلفة والتعليق عليها واعداد المذكرات الداخلية ومقابلة الدبلوماسيين الاجانب الخ..

الصديق الحميم ارنست جبران: ضحكت لتعليقك .. وازيك: كان حقو يربط الكرافتة فى عنق الحمار مثل السفير الذى كان علم السودان يرفرف على سيارته ومافيش حد احسن من حد.. علم يرفرف وكرافتة تهبهب..

دكتور ياسر الشريف: ايها الصديق العظيم.. اتابع تعليقاتك وكتاباتك باهتمام.. السالفة ان الواقعة حدثت فى بلاد تركب الافيال وكان الدبلوماسي من فقراء السلك ولا يملك حق شراء بسكليت.. ربما فكر فى استئجار فيل ولكن الفيل لن يوصله بسرعه.. لذلك اختار الحمار وبالمناسبة هناك ايضا مواصلات بشرية وهى حناطير يجرها بشر فى المناطق المزدحمة التى لا تجد فيها موطئا لقدم.. مثل يوم الحشر..

الصديق العزيز وشعلة المنبر هجام: تشاد وما ادراك ما تشاد.. هذه قصة طويلة.. اختلط فيهاحابل الترابى بنابل الاسير الليبى واقتحام مكتبى بالسفارة.. وسافرد لذلك حلقات منفصلة لاحقا..

الحلقة القادمة من: تلك الايام... ستكون عن بلاد تركب الافيال ورئيس وزرائها يشرب بوله كل صباح..

الى اللقاء

نورالدين منان
واشنطن


Post: #12
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: خالد الأيوبي
Date: 10-08-2005, 11:39 PM
Parent: #1


الأستاذ منان

إسـتمتعنا بالحكايــة المعبرة و بالســرد اللطيف و أعجبني التعليق بين الأقواس لطرافته

Quote:
ذهب واشترى حمارا وسرجا وبرذعة (ربما يكون السرج والبرذعة من بنات خيالى)..
وامتطى ذلك الدبلوماسي المسكين صهوة حماره ( المعذرة إن كانت الصهوة قاصرة على الحصان فقط)..

Post: #13
Title: Re: تلك الأيام... حمار بلوحة دبلوماسية
Author: Mannan
Date: 10-10-2005, 00:56 AM
Parent: #1

تلك الايام... فى بلاد تركب الأفيال

الشكر للأخ الآيوبى على المرور ( بشارع.. تلك الايام).

كما وعدت القراء فان العمل فى بلاد تركب الأفيال كان مليئا بالاثارة .. عندما وصلت الى الهند فى خريف 1977 كانت زعيمة الهند الحديثة انديرا غاتدى وحزبها (حزب المؤتمر الهندى) قد هزما وجاء حزب (لحم راس) يطلق عليه حزب الجاناتا برئاسة السياسي العجوز مورارجى ديساى.. كان فوق السبعين من العمر ولكنه كان خفيفا ورشيقاوغريب الأطوار.. صرح مرة للصحافة الهندية ان السبب فى اعتدال صحته انه يشرب (على الريق) كوبا من بوله صباح كل يوم.. وفى ذات الوقت كانت الزعيمة الراحلة انديرا غاندى تقود المعارضة وتشارك فى حفلات الاستقبال الدبلوماسية وتعلق بانها لا تشرب بولها ولكنها يمكن ان تشرب كأسا من الويسكى (نخب صداقة)..

فى اوائل ايام وصولى لنيودلهى اخذنى السائق (فداء حسين) الى جادة صغيرة تتفرع من كونوت بليس فى دلهى القديمة ووقف للحظات امام مفترق الطريق وسألنى ما اسم هذا الشارع؟ حدقت فى لوحة الطريق ووجدت ان الشارع يحمل اسم نورالدين احمد Nuraddin Ahmed Street !! يا الهى!! ضحكت وقلت له: هذا استقبال جيد لشخصى الضعيف وعلمت منه ان نورالدين احمد كان من ابطال تحرير الهند .. ولكنه لم يبرز كثيرا لأن المهاتما غاندى كان اكبر من كل شيء.. ينسج ويغزل لبسه البسيط من نوله بيده ويشرب لبن معزته ولكنه قاد امة كبيرة بفكره فهو الذى ابتدع سياسة العصيان المدنى السلمى (ساتياقارا Satiagarah( واجبر الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس على الانسحاب من شبه القارة الهندية والهند يومها كانت درة التاج البريطانى.. وفى السودان قاد شعبه العظيم ثورة وانتفاضة انتهتا (نهاية بطل) بينما شقت الهند طريقهاالوعر وصارت دولة قادرة على اطعام اكثر من مليار من البشر وصنعت القنبلة النووية وغزت الفضاء وغزت الغرب بعقولها.. اما نحن فلنا الله وعيشة السوق.. اين حكامنا الآقزام من عظمة موهان داس مهاتما غاندى.. قتله مهووس هندوسى.. انحناءة للشاعر الرقيق تاج السر الحسن فقد تغنى به.. وجه غاندى وصدى الهند العميقة.. صوت طاغور المغنى.. بجناحين من الشعر على روضة فن.. هل هناك من يستطيع ان يتغنى بجكامنا بمثل هذا الشجو الجميل؟؟ لا .. فكل إناء بما فيه ينضح..

تلك الايام!!!

نورالدين منان
واشنطن