الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر

الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر


08-12-2009, 02:50 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=173&msg=1255226330&rn=4


Post: #1
Title: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: elsharief
Date: 08-12-2009, 02:50 AM
Parent: #0




بين جوبا و ناقيشوط ( الحقلة الاولي)

كانت المهمة الرئيسية لانقلاب عبود هي ضرب الحركة الوطنية

هناك خلط رائج بان زعما ء ا لأحز اب السياسية تم نفيمهم الى ناقيشوط. ولكن هذا غير صحيح. وقد اعتقل زعماء الأحزاب فعلا في 13 يوليو 1961 لإرسالهم برقية إلى المجلس الاعلى للقوات المسلحة ( المجلس الحاكم) يدينون فيها جريمة تعذيب المناضل الشيوعي حسنين حسن بالابيض ويطالبون بتنحي الحكومة وعودة الحياة الديمقراطية.وقد نقل هؤلاء الزعماء في جنح الظلام الى جوبا حيث اقاموا طيلة فترة اعتقالهم في نادي الضباط هناك.وشمل الاعتقال السادة اسماعيل الازهري وعبدالخالق محجوب ومبارك زروق ومحمد احمد محجوب و محمد احمد المرضي وابراهيم جبريل وعبدالله خليل وامين التوم وعبد الله نقد الله وعبد الله ميرغني واحمد سليمان وعبد الرحمن حسن شاذلي (شاخور).وقد اطلق سراحهم جميعًا صباح 28 يناير 1962 ، بعد يوم واحد فقط من اضرابهم الجرئ عن الطعام، وهو إضراب ساعد في نشره فورا على نطاق العالم الحزب الشيوعي السوداني، الذي كان على صلة وثيقة بالمعتقلين وشارك في التخطيط للإضراب.وعمومًا فان واقعتي ناقيشوط وجوبا تكذبان ما يروجه البعض عن طيبة الفريق عبود وطيبة نظامه. فالمنفيون تعرضوا في الحالتين لعقوبة قاسية هى النفي، على جريمة لم يواجهوا اتهامًا قانونيًابها، ولا محاكمة، وهى عقوبة طالت ايضًا أيضًا بالطبع أسرهم.

في مثل هذه الأيام من عام1959 كانت ديكتاتورية 17 نوفمبر قد أدركت أن من الأفضل لها تصفية معتقل ناقيشوط والذي نفت إليه 25 شيوعياً،ضمن مشروعها لإرهاب معارضيها عموماً والشيوعيين بوجه خاص.لقد كان النفي إلى مناطق السودان النائية والبعيدة عقوبة إضافية حتمية غير منصوص عليها يتم توقيعها على المعتقلين الذين أودعوا السجون بموجب قوانين القمعأو السجناء والإرهاب التي سنتها ديكتاتورية 17 نوفمبر 1958 ,وهو نفي لمدد غير معلومة إلى مناطق بعيدة عن مواطن المنفيين وهي أحياناً خطرة وغير آمنة.ولاشك أن الهدف الحقيقي من هذا النفي كان محاولة لكسر مقاومة المعارضين إن لم يكن لتصفيتهم جسدياً، وقد انتاب القلق بالفعل الأسر على صحتهم وحياتهم خاصة وهم في مناطق نائية يستحيل فيها التواصل أو التقاط الأخبار.لقد كان انقلاب 17 نوفمبر انقلاباً رجعياً منذ ولادته، وكانت المهمة الرئيسية التي أنيطت به هي ضرب الحركة الديمقراطية وفتح أبواب البلاد على مصراعيها لسيطرة الاستعمار الحديث، إن تاريخ دكتاتورية 17 نوفمبر هو
تاريخ العداء السافر للديمقراطية والشعب وتاريخ التفريط في الاستقلال الوطني وتضييع حقوق البلاد الأساسية، ومارس لإنجاز هذه المهام أقصى أنواع الإرهاب ضد الشيوعيين وسائر المعارضين. وتم في هذا الإطار محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهي حالة لم يعرفها السودان الحديث منذ عام 1924 حيث حوكم المدنيون من ثوار 1924 أمام المحاكم العسكرية الاستعمارية.
تصفية الديمقراطية:
في صباح يوم الانقلاب الأسود 17/11/1958 صرح عبود في أول خطاب له بقوله الآن وقد استولت قوات الأمن على الحكم وحتى تتمكن من الاضطلاع بمسئولياتها فإني آمر بالآتي،وأن ينفذ فوراً.
1- حل جميع الأحزاب السياسية.
2- منع الاجتماعات والتجمعات والمواكب والمظاهرات في جميع أنحاء السودان.
3- وقف صدور الصحف إلى أن يصدر بذلك أمر من وزير الداخلية.
وفي نفس اليوم صدر ما سمى بالأمر الدستوري رقم ( 1) الذي يعلن قيام حالة الطوارئ في جميع أنحاء السودان بموجب المادة ( 2) من قانون دفاع السودان، والأمر الدستوري الذي يعلن إيقاف العمل بدستور السودان وحل البرلمان السوداني ابتداء من 17/11/1958 والأمر الثالث وهو وقف جميع الصحف ووكالات الأنباء والمطابع إلى حين صدور أمر آخر.وقبل أقل من أسبوع على الانقلاب صدر (قانون دفاع السودان لعام 1958) و (لائحة دفاع السودان لعام 1958 )
وقد تعاونت كل العقليات الشريرة الممتلئة حقداً على الديمقراطية وعلى القوى الثورية لكيما تخرج هاتين الوثيقتين اللتين تسخران وتهزآن بأبسط حقوق الإنسان. فالوثيقة الأولى تتيح توقيع عقوبة الإعدام والسجن الطويل لكل من يعمل على تكوين أحزاب أو يدعو لإضراب، أو يعمل على إسقاط الحكومة أو يبث الكراهية
ضدها، والوثيقة الثانية تخول وزير الداخلية (يعني البوليس) سلطة مراقبة الرسائل البريدية والصحف وكافة المطبوعات وإرغام المواطنين على الإدلاء بأي معلومات يطلبها البوليس،وحظر التجول على أي منطقة ومنع المواطنين من مغادرة السودان، ومنع دخول أي جرائد أو مطبوعات، ومنع تنظيم المواكب، وتفتيش أي منزل أو مبنى أو عربة أو مركب أو طائرة وبواسطة أي ضابط أو جندي أو رجل بوليس،وبالقوة إذا لزم الأمر وفي أية ساعة من ليل أو نهار، واعتقال أي مواطن بدون أمر قبض.من رأي وزير الداخلية (البوليس) أن ذلك سيكون مناهضاً للسلامة العامة. ولوزير الداخلية في هذه الحالة أن يأمر بحفظ هذا الشخص لأي مدة يراها مناسبة.ولوزير الداخلية أو من يفوضه أن يأمر بمنع أي شخص من الإقامة في منطقة معينة أو من الدخول إليها كما يستطيع أن يحدد إقامته في منطقة ما، أو أن يفرض عليه التبليغ للبوليس أو تحديد إقامته...الخ
تلك القرارات التي صدرت في ساعات النهار الأول من صبيحة يوم الانقلاب المشؤوم أرادت أن تضع كل الشعب السوداني في سجن كبير لتوطد سلطةالمجلس الانقلابي بقوة الحديد والنار وإرهاب الخصوم بكافة الطرق، وسخر النظام الديكتاتوري كل آلته العسكرية للنيل من المعارضين السياسيين بدليل أن أول قرار أصدره كان حل الأحزاب السياسية.ولم تنس الديكتاتورية العسكرية النقابات واتحادها فقد صدرت القرارات بحل اتحاد النقابات ومنع أنشطته. وبعد أسبوعين فقط من الانقلاب، في ( 3/12/1958 )أصدر مجلس وزراء الديكتاتورية العسكرية القرار التالي:
تعطيل النقابات والاتحادات وتسري هذه القاعدة على النقابات والاتحادات الآتية:-
أ. نقابات العمال،
ب. اتحادات نقابات العمال،حتى تتمكن الحكومة من القيام بواجباتها المتصلة بالأمن والنظام العام في ظل حالة الطوارئ.

وفي يوم الخميس 18/12/1958 اعتدى البوليس على جريدة الطليعة واعتقل القادة العمال وعلى رأسهم الشفيع أحمد الشيخ ورفاقه وقدمهم إلى محكمة عسكرية إيجازية سرية كانت سبة في جبين الذين نظموها وانتهاكاً فظاً لأبسط حقوق الإنسان.كل هذه الخطوات أنجزت بالضبط خلال شهر من الانقلاب وكانت تمثل الركن الأساسي فيسياسة تصفية الحركة الديمقراطية وما حدث بعد ذلك لم يكن سوى تطبيق لتلك الخطوات وتأكيد وتوسيع لها في مختلف الاتجاهات. وهذه الإجراءات الآثمة امتدت إلى جميع المكاسب السياسية والتنظيمية والدستورية التي حققها شعبنا عبر نضاله الطويل المليء بالتضحيات ضد الاستعمار: الدستور، البرلمان،المنظمات السياسية، النقابات، الصحافة، وكان ذلك بداية هجوم شامل هدفه تجريد الشعب من أدواته الرئيسية في الصراع لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية.أريد للسودان وقتها وهو المستقل حديثاً أن يبقى رجعياً دائراً في فلك الاستعمار وضامناً لمصالحه في هذه المنطقة، ولهذا فإن مصادرة الديمقراطية واعتقال الشيوعيين ونفيهم ومطاردتهم تبعته قرارات توسيع دائرة مشروعات المعونةالأمريكية، التي عارضها البرلمان قبل الانقلاب-والتفريط في السيادة الوطنية والموافقة على إغراق وادي حلفا وتهجير السكان وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها ديكتاتورية عبود آنذاك.

أن أبسط ما يمكن قوله عن نظام 17 نوفمبر 1958 أنه كان حلقة في سلسلة شريرة أرادت إفراغ الاستقلال السياسي من معناه ووأد أو تعطيل مهام الثورة الوطنية الديمقراطية عبر كل أساليب البطش والعدوان.



في الحلقة القادمة: نفي الشيوعيين إلى ناقيشوط ومحاكمة الشيوعية الكبرى.



Post: #2
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: Hamid Elsawi
Date: 08-12-2009, 05:36 AM
Parent: #1

متابعة

Post: #3
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: dardiri satti
Date: 08-12-2009, 07:33 AM
Parent: #2

Quote: في مثل هذه الأيام من عام1958 كانت ديكتاتورية 17 نوفمبر


رجاء التصحيح.

تحياتي

Post: #4
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: مدثر محمد عمر
Date: 08-12-2009, 07:44 AM
Parent: #1

مقال مهم خلاص... شكرا ياخي

Post: #5
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: elsharief
Date: 08-13-2009, 01:58 AM

شكرا
Hamid Elsawi

مدثر محمد عمر

ومشكور الاخ dardiri satti
للتنبيه وقمنا بتعديل التاريخ

Post: #6
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: ibrahim alnimma
Date: 08-13-2009, 06:12 AM
Parent: #5

شكراً لايراد المقال الاستاذ الشريف وأرجو متابعة بقية المقالات ماأمكن ....
لك الشكر مجددا والمقال قمة في الروعة والتوثيق وإن كان المقال بتحدث عن تاريخ مضي الا انه يشكل
عبرة لمن بجملون وجهة الشمولية البغيض...

Post: #7
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: elsharief
Date: 08-19-2009, 03:10 AM
Parent: #6


رئيس التحرير يكتب : 50 عاماًعلى نفي الشيوعيين إلى ناقيشوط
داخل حمام الطائرة كانت هنالك رسالة وداع وعهد من قيادة الحزب بالخرطوم
تحول المنفى من لويلي الى ناقيشوط بعد اضربنا عن الطعام

مقدمة:-
الحلقة الاولى من سلسلة هذه المقالات والتى نشرت بالعدد رقم2135 بتاريخ 11 أغسطس تناولت القرارات والاجراءات التى صدرت صباح اليوم الاول لانقلاب 17 نوفمبر, والتى صادرت الحريات السياسية والصحفية والنقابية وهدفت لقمع الشيوعيين ونفيهم ومطاردتهم وافراغ الاستقلال السياسي من معناه, وتعطيل مهام الثورة الوطنية الديمقراطية عبر كل أساليب البطش والعدوان.
نواصل في الاعداد التالية نشر هذه المقالات تباعاً
الاستاذ: التجاني الطيب بابكر



كان في وهم قادة انقلاب 17 نوفمبر الجهلة انهم سينشرون الرعب بين الشعب خوفاً من الجيش،ولكن خاب فألهم. فبعد يوم واحد فقط على الانقلاب وبين هدير الدبابات و التهديد عبر الاذاعة بسحق أي مقاومة ، اجتمع المكتب السياسي للحزب الشيوعي وأصدر منشوره الشهير (انقلاب 17 نوفمبر انقلاب رجعي) . وحدد المنشور الطبيعة الرجعية للانقلاب، معلناً انه ولد معزولاً عن الجماهير ولا جذور له وسطها ولن يتمكن من توطيد أقدامه بينها في المستقبل. وعبر المنشور عن ثقة الحزب الشيوعي في ان جماهير الشعب السوداني ستتصدى للانقلاب وتهزمه ، وسيكون بين صفوفها الوطنيون من الضباط و الجنود الى جانب العمال و المزارعين و الطلاب و المثقفين وغيرهم من ابناء الشعب.

وقد برهنت الاحداث خلال اسابيع قليلة على صحة هذا التقدير.ففي يوم الخميس 18/12/1958 اعتدى البوليس على جريدة (الطليعة) النقابية واعتقل القادة العمال وعلى راسهم الشفيع احمد الشيخ وقدمهم الى محكمة عسكرية ايجازية سرية كانت سبة في جبين الذين نظموها، وفند المتهمون الاتهامات وتصدوا بشجاعة لفضح الانقلاب. ولكن المحكمة حكمت بسجن الشفيع ورفاقه لمدد تبلغ 21 سنة. وكانت تلك اول محكمة عسكرية لمدنيين منذ ثورة 1924 .

وفي 4 مارس 1959 هبت وحدات من الجيش بقيادة الاميرالايين (العميدين) عبدالرحيم شنان ومحي الدين احمد عبدالله في انتفاضة كانت نتيجتها طرد اللواء احمد عبد الوهاب الذي دبر الانقلاب الرجعي وكان قائد الحلقة الأشد رجعية داخل المجلس الاعلى للقوات المسلحة. وأبعد خمسة من اعضاء المجلس في حين دخله شنان ومحي الدين و المقبول. وكان تقييم الحزب الشيوعي للانتفاضة ايجابياً، رغم انها لم تصل الى نتائجها المرجوة،فأكد ان الطريق أصبح مفتوحاً لتوفير حكم وطني، وارجاع حقوق الشعب الديمقراطية« فالشعب السوداني وبجانبه الكتلة الوطنية في الجيش اقوى بكثير من الرجعيين و المغامرين و الطائشين »
(اللواء الاحمر 13/5/1959 )
ولكن لان حركة الجماهير الشعبية لم تكن قد وصلت الى مستوى القوة و التنظيم الكافية لحماية الانتفاضة، فقد فشلت محاولة 22 مايو 59 التي كانت امتداداً لها. وانتهز حكام 17 نوفمبرالفرصة وقاموا بعمليات واسعة لتصفية كل القوى المعادية لهم وسط الشعب و الجيش ، فقدموا خيرة ابناء الجيش للمحاكم العسكرية، كما اعتقلوا المئات من الوطنيين وزجوا بهم وراء الاسوار بقانون الحبس التحفظي .

التخطيط لفتح معتقل ناقيشوط

في مساء 26 مايو، خلال أيام بعد المحاولة الانقلابية، كنت على موعد مع الأمين حاج الشيخ أبو، عضو اللجنة المركزية للحزب و المتفرغ الحزبي بعطبرة . وكان الغرض مناقشة بعض الشؤون الملحة هناك ، وتعشينا بحدائق الريفيرا ، ثم اخترنا طريق الشاطئ للعودة الى بيوتنا مشياً على الأقدام. وكان ذلك خطأ، حيث اضطررنا للمشي (المتمهل بالضرورة) لمدة طويلة كانت كافية للتعرف علينا بسهولة. وهذا ما حدث بالفعل عندما توقفت جنبنا عربة شرطة كان عليها رجل البوليس « السري » الشهير مصطفى الكتيابي ، فاقتادنا الى اعتقال لم نخرج منه الا بعد عشرين شهراً! واكتسب المختفون خبرة هامة ، وهى ان يتجنبوا المشي في الطرق المستقيمة الطويلة ويسلكوا الطرق القصيرة المتعرجة. ( الأفضل طبعاً استخدام السيارات!) .

ونمنا ليلنا في قسم (أبو كدوك ) المبنى حديثا انذاك ، وفي الصباح التالي اخذونا الى سجن كوبر ، ولم يكن به أحد حتى تلك اللحظة ، ولكن شيئاً فشيئاً بدأنا نسمع اصواتاً نعرفها لزملاء منهم الجنيد على عمر و سمير جرجس و احمد سليمان وعلي محمد ابراهيم. ثم جاءنا صوت احد المعتقلين يغني « لو بعدي يرضيه » وهى أغنية لابراهيم عوض لم يكن مرَ على إطلاقها سوى أيام ( اتضح فيما بعد انه كان سعودي دراج عضو فرقة فنية تحت التكوين آنذاك بقيادة شرحبيل احمد).

وكنا محبوسين كلاً على انفراد في زنزانة ، ولكن نحو نهاية اليوم تركوا الزنازين مفتوحة.وتبادلنا المعلومات ، وكان الخبر المركزي هو أننا سننقل جواً الى الجنوب ، واستعداداً لهذا الاحتمال كان اكثر همنا ان يكون لدينا امكانية الكتابة. وتوفر لنا بصعوبة بعض اقلام الرصاص،فكسرناها وأخفينا قلوبها حسبما تيسر.حوالي الساعة 12 ليلاً ايقظوا من نام منا واخذونا جميعاً الى مكاتب إدارة السجن حيث أخطرونا باننا سنسافر الى مكان ما واننا قبل ذلك سنخضع لعملية تفتيش شخصي ضرورية. وكان في انتظارنا طلاب كلية السجون ، فطبقوا علينا حرفياً عملية تفتيش رهيبة ، وعثروا بسهولة على كل ماأخفيناه !.

في حوالي الثالثة صباح 28 مايو حلقت بنا الطائرة فوق سماء الخرطوم ، بلا مودعين ولا شهود! لكن بعد دقائق كان هناك من يهمس في اذني بان رسالة موجهة للمسافرين في حمام الطائرة. وكانت رسالة وداع وعهد من لجنة الحزب الشيوعي بمديرية الخرطوم تركت فعل السحر في نفوسنا جميعاً ، فنحن إذن لم نكن وحدنا فهناك من عرف بأمر ترحيلنا رغم التعتيم ثم استطاع ان يصل الينا.في سجن جوبا جهزوا لنا الساحة الرئيسية الامامية ومعها عنبر ضخم محاط بالسلك الشائك،وكانت هنالك سرائر بمراتب وملاءات الامر الذي استحق معه أن يطلق علينا السجناء الجنوبيون صفة متمردين (مندوكورات) ! وعند مغيب الشمس زادت مندكوريتنا باحضار لمبات بتروماكس،وكان هناك راديو احضره مامور السجن ميرغني عبدالرحمن. ومن الراديو استمعنا الى بيان من المجلس الاعلى للقوات المسلحة يطمئن فيه أسرنا باذاعة اسمائنا واعتقالنا وإرسالنا الى مكان آمن ومريح يسمى لويلي . ولم نكن سمعنا به من قبل، فأرسلنا في طلب المامور و الذي سألناه بمجرد وصوله عن (لويلي) وكان رده الفوري « اعوذ بالله » لماذا تسألون ؟ وعندما اخبرناه أفادنا بان لويلي نقطة نائية في الحدود الجنوبية الشرقية للسودان
في المثلث المحصور بين كينيا و السودان واثيوبيا ، وانها منطقة تكون معزولة لفترة 6 اشهر كل عام ، وانها موبوءة بأمراض المناطق الحارة وانها تفتقر الى المياه الصالحة للشرب .... الخ

وبعد تشاور قصير قررنا إعلان الإضراب عن الطعام و المطالبة بإعادتنا للخرطوم. وانقضى الليل الا قليلا قبل يبلغنا المأمور بقرار تعديل المنفى من لويلي الى ناقيشوط. وخلال يومين أو ثلاثة بدأت عملية الترحيل للمعتقلين ال 14 الذين كانوا قد وصلوا الى جوبا.أخذونا الى المشرع لنعبر نهر الجبل في لوري مزود بقفص حديدي ، وهو نوع اللواري التي ينقل بها المتهمون الخطرين ، من والى المحاكم. وعادة ماتكون لهذه اللواري/ الاقفاص أبواب تغلق بأقفال من الخارج. وعندما رأيت اللوري يتهيأ للدخول في البنطون تساءلت بصوت مرتفع عما سيحدث لو وقع اللوري في النهر. وساد انزعاج وضجة وترك الباب بتأثيرها مفتوحاً.

وتوجهنا شرقاً. وتجاوزنا توريت ، وكان ظاهراً جانبها الشمالي حيث مازالت آثار الحرائق التي صاحبت التمرد تثير الحزن و الأسى. وتوقفنا عند مكان آخر، وأخذت بضعة اسود تتفرج علينا من بعيد مثلما كنا نتفرج عليها.ووصلنا حافة الجبل واخذنا نصعد ببطء وكان الطريق ضيقاً تحف به غابة من القنا و لا يتسع لاكثر من عربة واحدة، حتى وصلنا الى بقعة مستديرة تتوسطها قطية. وكان واضحاً انها محطة الالتقاء و التبادل بين العربات الصاعدة و النازلة. وبالمحطة جهاز راديو
وتلفون للتنسيق.وواصلنا صعودنا وكان من الممكن رؤية العربات الصاعدة وراءنا في حجم علبة الكبريت. ورويدا رويداً أخذ الظلام يرسل استاره حتى لم نعد نرى شيئاً ، وعم الصمت. وفجأة وصلنا وظهر جنود أخذوا يساعدونا في النزول. ولم يكن من السهل تمييز الاشياء حولنا ..


Post: #8
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: خالد العبيد
Date: 08-19-2009, 04:32 AM
Parent: #7

Quote: بعد دقائق كان هناك من يهمس في اذني بان رسالة موجهة للمسافرين في حمام الطائرة. وكانت رسالة وداع وعهد من لجنة الحزب الشيوعي بمديرية الخرطوم تركت فعل السحر في نفوسنا جميعاً ، فنحن إذن لم نكن وحدنا فهناك من عرف بأمر ترحيلنا رغم التعتيم ثم استطاع ان يصل الينا.

عشقا جوانا اتارنك
للشمس حتمشي مبارنك
يا له من حزب

Post: #9
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: elsharief
Date: 08-26-2009, 02:55 AM
Parent: #8


50 عاماًعلى نفي الشيوعيين إلى ناقيشوط :الحلقة الثالثة
14 شاباً محبوسون دون اتهام ولا حكم قضائي،على قمة جبل يرتفع 6500 قدم

نمنا ليلتنا تلك كيفما تيسر، ولحسن الحظ كانت ليلة غير ممطرة. واستيقظنا على تفاوت،كل حسب حظه من التعب ورهبة المجهول. فوجدنا أنفسنا في حوش مكشوف محاط بالسلك الشائك، وفضاء ممتد على غابة لا نهاية لها. وداخل الحوش جنود من حرس السجون وخارجه جنود من الجيش مدججين بالسلاح.

وفي ثوان رسخت حقيقة وضعنا: نحن 14 شاباً محبوسون دون اتهام ولا حكم قضائي،على قمة جبل يرتفع 6500 قدم، تمتد على سفوحه غابة كثيفة، وداخل منزل محاط بسور من السلك الشائك بداخله جنود وخارجه جنود.وحتى لو أتيح لك أن تزيل الجنود والسلك الشائك لكان عليك في محاولة للفرار من هذا الوضع أن تقطع راجلاً عبر الغابة مسافة تقطعها السيارة في8 ساعات إلى توريت..!
من يا ترى الذي تبلورت في ذهنه هذه الخطة الجهنمية؟ وهل يمكن أن يكون إنساناً سودانياً سوياً وطيباً؟؟لا أستطيع أن أصف ما انتابنا من غضب.وبالقطع لم نكن خائفين. فقد كنا شيوعيين متمرسين، قضى جلنا أكثر من عشر سنوات في مهام حزبية تأسيسية، وكان بعضنا متفرغاً للعمل الحزبي ووصل بعضنا منتخبا في المؤتمر الثالث للحزب (فبراير1956 ) إلى اللجنة المركزية والمكتب السياسي والسكرتاريةالمركزية.وكان ال 14 الذين شكلوا الدفعة الأولى هؤلاء هم (حسب الغرف التي توزعوا عليها):(د. عز الدين على عامر، وبابكر محمد علي وعلي محمد إبراهيم وأحمد سليمان) و (حسان محمد الأمين والأمين حاج الشيخ أبو والحاج سليمان وسمير جرجس) و (عباس عبدالمجيد والتجاني الطيب وعبد الوهاب البشير والجنيد على عمر وسعودي دراج ومحمود جاد كريم).
في اليومين اللذين مكثناهما بجوبا ناقشنا ما قد نحتاج إليه بناقيشوط وتولى المأمور ميرغني عبد الرحمن توفيره بتعاون كريم من موظفي وتجار جوبا، وكانت أهم الاحتياجات : الأدوية لأكثر الأمراض انتشاراً، ومكتبة سودانية غنية، وأدوات تسلية متنوعة،وراديو.وهكذا أتيح لنا أن نستمع عبر الراديو إلى وقائع المحاكمات العسكرية لعبد الرحيم شنان ورفاقه، وقرأنا ما تيسر من الكتب التي أهداها لنا مثقفو جوبا عن تاريخ السودان والثورة المهدية.
كما مارسنا ألعاب التسلية الورقية (أساً كونكان 14 ). وفي إحدى نوبات الملل اقترح أحدهم أن نمارس لعبة البوكر، ولم نكن نعرفها،فتكفل صاحب الاقتراح بشرحها. وجعلنا من قطع الضمنة والطاولة معادلات مالية. وكانت اللعبة ممتعة في البداية. لكن سرعان ما ظهرت أعراض داء القمار، التوتر الشديد وإدمان اللعب لساعات طويلة ومن يخسر كأنه يخسر أموالاً حقيقية. وبعد يومين عقدنا اجتماعاً قرر إلغاء اللعبة ولم نعد إليها قط.وكنا نناقش حصيلة قراءاتنا في ندوات لا شك أنها كانت مفيدة. واستطعنا أن نتابع أخبار وتطورات السياسة العالمية، ليس عبر الراديو فقط وإنما أيضاً من مجلتي تايم ونيوزويك الأمريكيتين ومجلة روز اليوسف ومساء الخير المصريتين مستمتعين في نفس الوقت ببعض ما كان يرد عن الحياة الخاصة لكبار السياسيين ورجال المال وممثلي السينما وأبطال رياضتي التنس والقولف في تلك المجلات.

أقامت مجموعتنا في منزل (المفتش الكبير).وعندما وصلت المجموعةالثانية بعدنا ببضعة أيام نزلت في منزل مساعد المفتش. ولم نر ذلك المنزل قط، زملاءنا، فقد فرض عزل قاس بين المجموعتين طيلة بقائهما فوق الجبل،ولم يسمح لنا بتبادل زيارات حتى في عيدالأضحى.ولكننا هزمنا هذا الحقد المريض وتبادلنا مع زملائنا الرسائل المكتوبة دون توقف.كان سكان منزل مساعد المفتش 11 وهم:
الجزولي سعيد عضو اللجنة المركزية والمتفرغ الحزبي في شرق السودان وصاحب مكتبة أروما الشهيرة، والرشيد نايل المحامي والكاتب في قضايا إسلامية، وجوزيف قرنق عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي ومحرر (ادفانس) ملحق (الميدان) بالإنجليزية والحاج عبد الرحمن شاعر الحركة العمالية والنقابية والمناضل العنيد منذ العهدالاستعماري، ومصطفى محمد صالح المعلم والنقابي البارز في حركة المعلمين والكادر النشط في حركة الشباب، وحسنين حسن المناضل الشيوعي النشط في الأبيض، وأنور زاهر الساداتي المتفرغ في العمل السري، وعبدالله عبيد الرياضي المعروف والمتفرغ الحزبي في عطبرة، وأحمد علي بقادي المحرر بالميدان
والذي شارك في الطباعة السرية بمنظمة حدتو المصرية وكان من بين ما قام به طبع منشورات الضباط الأحرار. وعندما اعتقل وقدم للمحاكمة طلب شهادة وزير الداخلية، وكان وقتها عبدالناصر، ولكنه رفض الحضور. وحكم على بقادي بالحبس سنوات طويلة. لكن عندماوقع العدوان الثلاثي (البريطاني- الفرنسي-الإسرائيلي ) على مصر عام 1956 نظمت الجبهة المعادية للاستعمار حملة للتضامن مع الشعب المصري وأرسلت وفد مقدمة كان من أعضائه كاتب هذه السطور. وقد أثار الوفد مع عبد الناصر- ضمن أشياء كثيرة- مسألة وجود عدد من الشيوعيين السودانيين داخل السجون المصرية، بينهم عبد القيوم محمد سعد وبرير الأنصاري وبقادي. أمر عبد الناصر بإطلاق سراحهم فوراً وقد حدث ذلك بالفعل.وكان (منتجع) ناقيشوط معزولاً بصورة شبه تامة، وقد تأثرت كل الخدمات فيه من هذه العزلة. وبصفة خاصة الناحية الغذائية. فكانت وجباتنا بائسة من حيث المادة والتجهيز. لم تكن الخضروات متوفرة، وكان الأكثر توفراً هوالفول المصري المعلب واللحوم المحفوظة من إنتاج مصنع في كوستي. وكان تحت تصرفنا نحو عشر بقرات تكفي بالكاد لشاي الصباح.وعندما مرض زميلنا عباس عبد المجيد بالقرحة وأصر الدكتور عز الدين علي عامر على أن يكون غذاؤه البسكويت باللبن انتهت عندنا متعة الشاي الصباحي! وأدى علو المنطقة إلى مشكلة في توفير الحرارة اللازمة للطهي ( 100 درجة).
لكن كان من الممتع المناظر الطبيعية الخلابة فوق الجبل وألوان الزهور في سفح الجبل (كل الألوان التي يمكن أن يتخيلها الإنسان).وقد أقيم خزان صغير لحبس مياه الغدران المنحدرة وكانت نظيفة وصحية، ومدت أنابيب للمنزل لتوصيل الماء للشرب والنظافة، وكان هناك حمام ببانيو ودش (هؤلاء الخواجات!!).

المنتجع كله ظل مهجوراً منذ أغسطس 1955 .”صرفت“ لنا السلطة ملابس خاصة!بنطلونات كاكي وقمصاناً قصيرة الأكمام من الدبلان وفنايل صوفية. وكان الطقس فوق الجبل متقلباً. وعندما تكون السماء صافية تكون درجة الحرارة غير محتملة. وإذا استمر ذلك لأيام متتالية، سرعان ما تبدو آثاره على أجسامنا حينما كانت مكشوفة (على الذراعين والوجهة والرقبة). ولكن الأمطار كانت تهطل أحياناً لأيام متتالية أيضاً، ولا نستطيع خلالها أن نمارس أي نشاط خارج الغرف.ونسبة للإرتفاع الكبير فإن السحب كثيراً ماكانت تتجمع بالقرب منا، إن جاز التعبير.كما كان يجرفها الهواء فتمر كالدخان عبر ”منزلنا“ متميزة برائحة غير مستحبة. (وقد
حكى مصطفى محمد صالح لأهله وأصدقائه في شندي كيف أنه كان أحياناً يمد الكوز فيملأ ماء من السحاب العابر!).وكان حراس السجن يأتون صباحاً لخدمة نوبتهم ويغادروننا عصراً. وكان ضابطهم محمد عوض الله يتفقدنا صباحاً، وإن لم تكن هناك حاجة لذلك. فعددنا محدود ومساحة المنزل ضيقة، وفي الحقيقة لم نحس بوجودهم إلا
نادراً.ولكن الجاويش لوج المشهور كان كثيرالاهتمام بأحوالنا، وعندما رأى أننا أطلقنا لحانا حزن جداً وحاول أن يخفف عنا بكلمات مثل ”السجن للرجال“...الخ ولم نستطع أن نقنعه بأن كل قصدنا كان أن نرتاح من عملية الحلاقة اليومية! وبكى وهو يحاول أن يؤكد إن الاعتقال لن يطول.

Post: #10
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: elsharief
Date: 09-03-2009, 02:01 AM
Parent: #9



50 عاماًعلى نفي الشيوعيين إلى ناقيشوط :الحلقة الرابعة

اغلاق المنفي بعد اضراب ناجح موحد للمعتقلين




تولى د. عزالدين علي عامر الإشراف الطبى على المعتقلين في ناقيشوط. وأقبل على مهمته بمهنية عالية، وحدد مواعيد حازمة « للعيادة » تبدأ أول الصباح وتستمر لساعتين. وكان بين المتعاملين مع العيادة الحراس وعاملون آخرون.وساعده في العمل « مساعد حكيم » محلي وجدناه مقيماً هناك، حيث ظل يؤدي مهمته بمسئولية تامة، دون حاجة لرئيس مباشر. وقد عرض على عز الدين «دفتر عيادته » مسجلاً بدقة أسماء المترددين ، على العيادة وشكاواهم و العلاجات التي وصفها، وما كان متوفراً من الأدوية.وفرح فرحاً حقيقياً بما حملناه معنا من أدوية.


مساعد الحكيم

وكان تقدير عزالدين كبيراً لهذا المساعدالذي اتسم بدقة مواعيده ودماثة خلقه وخبرته العملية، و الذي حل مشكلةالعناية الطبية بزملائنا في المنزل الآخر، حيث لم يكن يسمح لعز الدين بزيارتهم.وقد ازددت شخصياً اقتناعاً بنظام« مساعد الحكيم »وهو نظام انجليزي ،طبق بنماذج مختلفة في بلدان كثيرة.وفي السودان تم تطبيقه بنجاح في المدن و الارياف، وكان كبير القيمة في الارياف،لكونه بديلاً زهيد التكلفة للمستشفيات الكبيرة و للاطباء. ويؤسفني انني لا أدري كيف تطور ذلك النظام خلال السنوات الماضية ، وهل مازال معمولاً به، وكيف يعمل « مساعد الحكيم »الأن من حيث التدريب و الحوافز المادية والتنقلات ... الخ.

وبجانب مساعد الحكيم الذي خذلتني الذاكرة فنسيت اسمه، لم نصادف من الجنوبيين غير سجين كان يقوم ببعض الخدمات البسيطة وهو من النوع الذي يسمى في دوائر السجون في شمال السودان « بالضمون »ويسمح له ، بالخروج من السجن صباحاً والعودة قبل الاغلاق عصراً، وربما يعمل في منازل بعض ضباط السجن او الموظفين او التجار دون رقابة لصيقة. وفي الجنوب يسمى المضمون «دوّرو براه » اي الذي يترك وحده، وهو تعبيربليغ من « عربي جوبا » وبعبارة أخرى، ورغم اننا نقلنا الى أقصى الجنوب، فلم يسمح لنا إلا بملامسة« جغرافية» محدودة جداً له. ومعلوم ان الأغلبية الساحقة من السودانيين البسطاء ومحدودي الدخل لايتمكنون من التجول في وطنهم بما يتيح لهم معرفته – ولو في حدود السياحة! فالمساحات شاسعة وتكلفة السفر عالية ، ونسبة بسيطة جداً هى التي يتاح لها معرفة اكثر من اقليم ،تتمثل في العاملين في الدولة ( موظفين و مدرسين وضباط وجنود واداريين ..الخ) وأسرهم. ويمكن ان نضيف الى هذه اﻟﻤﺠموعة السجناء و المعتقلين السياسيين.وهذه نعمة يحصلون عليها دون قصد!وقد أتيح لي كمسجون ومعتقل ان ارى جوبا و توريت وناقيشوط و الفاشر على حساب الحكومة!ومضت الايام ثقيلة وبطيئة إلا نادراً.وحتى ظواهر الطبيعة التي كانت تدهشنا في البداية صارت عادية، تتجمع السحب وتتلبد الغيوم وتفرقها في ثوان، وهطول الأمطار لأيام متتالية. ولكن ظهرت فرصة لجديد عندما اقترب عيد الأضحى، فبدأنا نهيئ أذهان حراسنا للسماح بلقاء زملائنا في هذه المناسبة الكبيرة، وبدا لنا أنهم لن يمانعوا، ولكن ما أن حل العيد حتى أبلغونا أن السلطات العليا ،مانعت بالفعل.وفي يوم اخر جاء زائر دون تمهيد، وكان ضابطاً بالبوليس السياسي ، لغرض التحقيق مع سمير جرجس ومعي بشأن ماعرف بعد بضعة اشهر« بقضية الشيوعية الكبرى »ولم يكن لانها قد أثير من قبل ، ولا كانت أسئلة الضابط ذات قيمة، وعلى أي حال رفضنا الاستجواب حينها " إلا أمام قاضٍ وبصحبة محام » وكانت محاكمة شنان ومحي الدين ورفاقهما قد انتهت ولم يتبق سوى إعلان الأحكام. واستقرت أحوال سلطة 17 نوفمبر على توازن القوى القائم داخل القوات المسلحة آنذاك و الذي استمر حتى ثورة اكتوبر. اي ان البلاد كانت قد دخلت بالفعل حالة من الركود السياسي الطويل.


مذكرة واضراب عن الطعام


في منتصف أغسطس، وبعد مناقشات متمهلة ومستفيضة قررنا ان الوقت قد حان لاتخاذ خطوة ساخنة لإنهاء وجودنا في ناقيشوط. ولظروفنا آنذاك لم يكن بوسعنا الاتصال بمركز الحزب والتشاور معه حول الخطوة المزمعة. لكننا كنا مقتنعين بتوفر فرص للنجاح وارغام النظام على إنزالنا من الجبل.وبدأنا بكتابة مذكرة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، شرحنا فيها وتصورنا للقلق الذي كان يعيشه اهلنا، ووصفنا قرار نفينا الى ناقيشوط بأنه غير مبرر وغير إنساني، وطالبنا بإطلاق
سراحنافوراً. وحددنا موعداً بعد اسبوعين من تاريخ المذكرة لبدء إضراب عن الطعام حتى الاستجابة لمطالبنا.وكنا نعتقد أننا سنستطيع توصيل رأينا الى زملائنا بالمنزل الآخر بالوسائل التي كانت متبعة، ولكن ظهر أننا كنا مخطئين.فقد كشف الحرس تلك الوسائل ولم نتمكن من إيجاد وسيلة جديدة إلا بعد بضعةأيام كانت مرهقة جداً لنا. وبدورهم كتب زملاؤنا مذكرة مطابقة لمذكرتنا. وكان غضب الحرس شديداً لفشلهم في منع الاتصال و التنسيق بين المنزلين.وأعلن د. عزالدين حالة طوارئ طبية خوفاًمن الإضراب. فالجو فوق الجبل بارد جداً ولم يكن من السهل احتمال الجوع خصوصاً بعد تدهور صحة العديدين من المعتقلين جراء سوء الغذاء
وقلة كميته.وقام عزالدين بتحذير ادارة السجن من الاثار الصحية المتوقعة.

أنتصار الاضراب




وفي اليوم المحدد بدأ الإضراب. وكنانستمع الى الراديو/ تلفون و المحادثات القلقة المتبادلة بين جوبا وناقيشوط.وفي اليوم الثاني للاضراب جاءت الأوامر بنقل الجنيد على عمر (ليامبيو)واحمد سليمان (لرمبيك) وجوزيف قرنق (لسواكن) و التجاني الطيب (لجوبا).وجهز المعنيون أنفسهم (خاصة حلاقة اللحي) مما أظهر للحراس
اننا على معرفة بالأوامر. وما أن وصلنا إلى جوبا حتى تفرقنا فوراً حسب الأوامر الجاهزة،كل الى مقره الجديد. وبقيت انا في جوبا، مستمراً في الإضراب عن الطعام.ولكن ليومين او ثلاثة ايام فقط. فقد ظهر سمير جرجس فجأة ليخبرني بالافراج عن بقية المعتقلين، وأنهم الان في جوباخارج السجن في انتظار طائرة تقلهم الى الخرطوم.وعلمت منه بآخر تطورات الإضراب ،حين زار الطبيب الجراح المعروف زاكي الدين حسين ناقيشوط وأجرى فحوصات على المضربين واعلن للسلطة انهم في
حالة صحية سيئة ولابد من نزولهم من الجبل. وحين ترددت السلطة حمّلهم أي مخاطر تلحق بالمضربين،وأخلى طرفه من كل مسؤولية.وكانت تلك هى نهاية الاضراب الذي
امتدلأقل من اسبوع، كما كانت نهاية مغامرة لويلي / ناقيشوط.



Post: #11
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: elsharief
Date: 09-09-2009, 03:37 AM
Parent: #10



50 عاماًعلى نفي الشيوعيين إلى ناقيشوط (الحلقة الأخيرة)
كيف لفقت الديكتاتورية قضية الشيوعية الكبري وكيف طرشقت؟


لم نلبث- سمير جرجس وأنا- إلا قليلاً في جوبا حتى أعدنا إلى سجن كوبر. ووجدناأنفسنا في حوش الكرنتينة. وكان به الأميرألاي شنان ومحي الدين أحمد عبد الله،كل في عنبر إلى جانب المعتقل الأستاذ محمد سيد أحمد، صاحب مكتبة الفجر بمدني في عنبر ثالث، وكان نصيبنا العنبر الرابع. وهذه العنابر غرف كبيرة يمكن أن تضم
الواحدة 12 أو 14 « نزيلاً »كما حدث فيما بعد.أما نحن فقد كانوا في انتظارنا لبدء « محاكمةالشيوعية الكبرى » ولهذا عزلونا عن المعتقلين« العاديين »
وعن باقي المتهمين في القضية، ،ثلما عزلوا قبلنا عبد الخالق محجوب وعبدالرحمن (الوسيلة) في زنازين الجزاءات، التي صارت تعرف لاحقاً بالشرقيات.
وصادفتنامنتشرة طرفة الشاويش لوج (أشهر ضباط صف كوبر بين المعتقلين السياسيين) حين حذر أحد جنوده من الإهمال في مراقبة هذين الشيوعيين الحظيرين بحسبان انهمايستطيعان ان يخبطا الأرض بأقدامهما ليتحدثا مع موسكو!وكان سرورنا عظيماً بقاء شنان ومحي الدين،وتبادلنا معهما طرائف المحاكمات وأحداث الأسابيع الماضية. وكنا شاهدي عيان للحظات مجيء أحد اللواءات، بعد يوم أو يومين من وصولنا في الأسبوع الأخير من سبتمبر 1959، ليلتهما بما صدر من أحكام ضدهما، وهي أحكام قابلاها بهدوء. وقد تلا حكم الإعدام أولاً، ثم عاد ليقول أن الفريق عبود عدل الحكم إلى السجن المؤبد.

وانتقل اللواء بعد ذلك إلى الحوش المجاورالكرنتينة (ج) فيما بعد، حيث كان يحتجز البكباشيان عبد الحفيظ شنان وحسن إدريس.وكان الوقت منتصف النهار،وكلاهما مستلق على عنقريبه بسروال بلدي فقط ، وعندما تلا اللواء حكم الإعدام على عبد الحفيظ،رد دون أن يغير رقدته«(.........)».وعندما سمع الحكم
المعدل إلى السجن المؤبد، قال «(.........)ين»وكذلك قفل البكباش حسن إدريس. (ومعلوم أنه صدرت إلى جانب ذلك أحكام بالسجن المؤبد على البكباشي محمد علي السيد والصائغ أحمد أبو الدهب وآخرين،وأحكام أخرى بالطرد من الجيش للواء احمد عبد الله حامد و 117 ضابطاً من مختلف الرتب،وقد أدى ذلك إلى تغيير للأسوأ في كتيبة قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة).

في نفس ذلك اليوم نقل شنان ومحي الدين إلى حيث يقضيان عقوبة السجن، وأفرج عن الأستاذ محمد سيد أحمد، وتبقى لنا وحدنا الحوش كله. ولكن إدارة السجن
اختارت رغم ذلك أن تغلق الغرفة علينا، وأن يكون مفتاحها عند الحراس، نناديهم ليفتحوا الباب كلما احتجنا للذهاب إلى الحمام مثلاً.وفي الصباح التالي
أخطرونا بأن نستعد للذهاب إلى المحكمة- إلى أولى جلسات « قضية الشيوعية الكبرى »وهي قضية تصور الحقد الشديد الذي كانت تكنه الديكتاتورية والبوليس للحزب الشيوعي ومناضليه، كماتصور المستوى الذي يمكن أن ينحدرا أليه في محاربة الشيوعية.
ففي 18/6/1959 كان قد ألقى القبض على عبد الخالق محجوب وعبد الرحمن عبد الرحيم(الوسيلة)، ولم يوجد معهما ما يمكن أن يتخذ ذريعة لتقديمهما إلى محاكمة.
ولكن ذهن أبارو وسادته تفتق عن خطة ما لإرسال هذين العدوين اللدودين للاستعمار والدكتاتورية إلى السجن. وتتلخص الخطة في وجود عدد من كوادر الحزب في
مراكز الاحتجاز، ممن وجدت معهم أوراق لا تشكل قضايا مستقلة ذات أهمية، ولكن يمكن ربطهم جميعاً في قضية واحدة باعتبارهم منظمين في الحزب الشيوعي تحت طائلة (قانون الجمعيات غيرالمشروعة لعام 1950 ).وبناء على ذلك اختلفت القضية التي أطلق عليها في الصحافة آنذاك وكان المتهمون فيها هم: عبد الخالق محجوب وعبد الرحمن (الوسيلة) اللذان اعتقلا في أمدرمان، وسمير جرجس والتجاني الطيب اللذين جيئي، بهما من ناقيشوط، والجنيد علي عمر الذي اعتقل في الخرطوم، وعبد الله محمد إبراهيم الذي اعتقل في أروما، وإبراهيم حاج عمر وبدوي صالح اللذان اعتقلا في شندي، وطه إبراهيم والزبير العوام من طلبة جامعة القاهرة الفرع،ومحمد أحمد سليمان الذي اعتقل في مدني.وكان التدبير الوضيع هو إيجاد شاهد يثبت على المتهمين القيام بمهمة التنظيم والإدارة في الحزب. وقد وجد أبارو ضالته في المواطن عبدالقادر حمدتو. ونقدم هنا شهادة حمدتو كمارواها للقاضي في المحكمة عندما نودي لأداء: شهادته:يا سعادة القاضي، أنا انتظرت هذه اللحظة من مدة طويلة عشان أخلص ضميري من عذابوا.. قبض علي في البيت وفتشوا ولم يجدوا شيئاً. ووضعت في الحراسة من الصباح حتى الساعة 6:30 مساء، فسألت الضابط لماذا أنا هنا؟ قال لن أطلق سراحك ما لم تطاوعني وتقول الكلام اللي أقوله ليك، وإلا سأضعك في معتقلات الجنوب لمدة غير محدودة. والكلام إني وأخرين اشتركنا في توزيع منشورات.وقال لي تقول الكلام ده للقاضي. وقلت الكلام للقاضي وأطلق سراحي في الساعة 7 مساءً. وواصل المواطن حمدتو شهادته ليقول أيام
استدعاني السيد أبارو في مكتبه وقال لي: اعتقلنا عبد الخالق والوسيلة، وعاوزنك تشهد ضدهم. قلت له ولكني لا أعرفهم، فماذا أقول؟ قال لي: تقول أنك شيوعي
وعبد الخالق هو سكرتير الحزب والوسيلة حضر معانا عدة اجتماعات. قلت ليه ما أقول حاجة لأضر ناس آخرين. قال لي من مصلحتك تقول، وما حتحصل ليك حاجة، وإلا فإعترافك معانا وحنستعمله ضدك.وسارت القضية حسب الخطة المرسومة،وجلسنا نستمع إلى شهادة طويلة من أبارو حول تاريخ الحزب الشيوعي وطرق عمله والأسماء« الحركية » للمتهمين، وخطرفة كثيرة.وتعاقب شهود الاتهام من ضباط البوليس وجنوده، حتى جاءت شهادة حمدتو فأدلى باعترافه الرهيب الذي جعل أبارو يفتح فمه ويغلقه في بلاهة وحيرة وانهار كل البناء الذي اجتهدوا في إقامته لإلقائنا وراء الأسوار.ووقف المحامي الشيوعي الأستاذ الرشيد نايل يدافع عن المتهمين (من معتقل ناقيشوط ) وفند شهادة أبارو من الناحية القانونية.ولم تعد هناك قضية كما كانوا يقدرون.ولم تعد هناك جلسات للقضية تجعلنا نخرج من الحوش إياه
والالتقاء ببشر آخرين. وكنا نقضي اليوم كله في « مط » الونسة« وتجاذب »أطراف الحديث، في لعبة التسلية المسماة الصبر (بيشنس) التي علمنا إياها شنان أثناء فترة وجودنا القصيرة معه. وكنا نفتعل أحياناً طلب « مكتب » مرة لسمير ومرة لي، لمجرد التغيير، والحصول على أخبار. ولم يكن لدينا راديو، كما لم يكن مسموحاً لنا بالصحف. وذات مرة، وأثناء « مكتب » مشترك طلبنا من مدير السجن أن يمدنا بنسخة من المصحف الشريف وأخرى من الإنجيل. ولم يكن ؟؟بالطبع أن يرفض، ولكننا فوجئنا به يقدم لسمير (العهد الجديد)، بينما قدم لي أجزاء (عم) و (تبارك) و (قد سمع)، وعندما احتجيت بأني أريد المصحف كاملاً قال: كدي أسع أنت أقرأ ديل، ولما تكملهم نزيدك!...بعد بضعة أسابيع اضطرت السلطة للاعتراف « السكوتي » بهزيمتهم وأبلغنا بشطب القضية ضدنا في أواخر عام 1959 . ومع ذلك ظللنا في الحبس التحفظي عاماً، قبل أن يطلق سراحنا في النصف الثاني من ديسمبر عام 1960 وانتهت فترة، وبدأت فصول جديدة تستحق


Post: #12
Title: Re: الذكرى الخمسين لنفي الشيوعيين إلى ناقيشوط من مذكرات المناضل التجاني الطيب بابكر
Author: elsharief
Date: 09-11-2009, 00:55 AM
Parent: #11


اثارت المقالات التى كتبها الاستاذ التجاني الطيب بابكر حول معتقل ناقيشوط فى نفسي الكثير من الذكريات وودت أن أشارك ببعض كلمات علها تشجع آخرين للكتابة
( سعودي دراج)




طلب منا أن نرتدى ملابس عسكرية حتي يكون مظهرنا مظهر جنود عاديين

ونحن في داخل سجن كوبر فتح نقاش بسيط عن إحتمال الترحيل إلي خارج العاصمة،وتم الإتفاق إذا وزعنا إلى مناطق متفرقة نعلن الإضراب عن الطعام إحتجاجاً ونطلب إما إرجاعنا إلى الخرطوم أو تقديمنا إلي المحاكمة. وإذا لم تتم الإستجابة لمطالبنا يستمر الإضراب حتي الموت، أما إذا وضعنا في مكان واحد نرفع الإضراب ونقرر الخطوة التالية.


وفي منتصف الليل ونحن في حوش الزنازين أيقظنا الحراس وطُلب منا الوقوف وبدأ أحدهم يأخذ مقاسات كل منا لكي يعطونا ملابس من السجن، وأنصرف الجنود عدا الذي كان يأخذ المقاسات، وعند سؤالنا له عن الحاصل شنو؟ قال أنه سمع من الضباط أنكم سترحلون إلى الجنوب، أما إلي جبل الرجاف أو إلي نمولي،وبعد ساعة تقريباً كانت الملابس جاهزة وهي عبارة عن بدلة عسكرية كاملة من قماش الكاكي وقمصان أفرنجي لكل منا، ولم نعرف الحكمة من ذلك إلا مؤخراً وبعد إطلاق سراحنا، لأن الجنوب وقتها كان منطقة عمليات، لهذا السبب طُلب منا أن نستبدل ملابسنا المدنية بأخري عسكرية حتي يكون مظهرنا مظهر جنود عاديين في مأموريات عادية، وكانت خطة ذكية.أمام بوابة السجن الداخلية وبالقرب من مكاتب الإدارة طُلب منا أن نسلمهم ملابسنا الشخصية حتي يسلموها إلى أهالينا، رفضنا وقلنا لهم أن يتركوها في الأمانات داخل السجن وكان تقديرنا في ذلك أنه إذا سلمت ملابسنا لأهلنا سيكون ذلك علامة إستفهام كبيرة.





يا زملاء مش نحن في حالة إضراب عن الطعام




في الفجر غادرنا مطار الخرطوم بطائرة (الداكوتا) بعد فترة قصيرة قدم لنا ونحن في الجو سندوتشات صغيرة وقبل أن نبدأ في الأكل وإذا بصوت الزميل التيجاني
الطيب يصلنا وبإنفعال (يا زملاء مش نحن في حالة إضراب عن الطعام) وبسرعة قام كل واحد منا بإعادة السندوتش، وأذكر في هذه اللحظة أن علق وبصوت خافت كل من أحمد سليمان والجنيد علي عمر علي حديث التيجاني بكلمة (سخيف) وقد غلبني الضحك ولكني كتمت ضحكي.عند وصولنا إلى سجن جوبا وكان مأموره السيد ميرغني عبد الرحمن أبو الروس وكان سودانياً أصيلاً وشجاع، وقد قال وهو يبتسم (كويس إستبدلوا ليكم المكان من نمولي إلى ناقيشوط) وبعدها طلب منا أن نعرف عن شخصياتنا، وعندما سمع تعريف الزميل سمير جرجس لنفسه قال ( يا أخي ديل سودانيين يعارضوا في بعضهم إنت مالك معاهم؟) فأجاب سمير (أنا مواطن سوداني وقضية الوطن تهمني) فأبتسم وقال مرحباً بكم،وإلي أن يُجهز المعتقل في ناقيشوط ستكون إعاشتكم من بيتي وليس من أكل السجن، وكل ما تحتاجونه سنوفره لكم)بعد إستقرارنا في معتقل ناقيشوط قام السيد أبو الروس بزيارة تفقدية وسلم الزميل د.عزالدين علي عامر سماعة طبية وأشار إلى شاب جنوبي برفقته وقال (يا عزالدين أنت مسوؤلعن علاج المعتقلين وهاهو مساعدك، وأكتب لنا عن كل ما تحتاج إليه) وفي اليوم التالي إستغل د. عزالدين غرفة جانبية صغيرة كانت مهجورة وأعتبرها ووضع في بابها ورقة من علب « عيادة » السجائر كتب عليها مواعيد العيادة للفترة الصباحية والمسائية، والطريف في الأمر أن بدأ بعض الضباط من الجيش والبوليس والسجون زيارة العيادة طلباً للعلاج.وفي صبيحة أحدي الأيام بعد وصولنا سألنا أحد الجنود (إنتو الجماعة ديل جبتوهم معاكم في الطيارة؟) وتسألنا في إستغراب (جماعة منو؟) فقال (ما جماعتكم، بعد وصولكم ظهرت الكتابات علي جدران المدينة وتم توزيع منشورات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين)