محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»

محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»


01-03-2005, 05:45 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=173&msg=1138911440&rn=0


Post: #1
Title: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: elsharief
Date: 01-03-2005, 05:45 PM



محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» قبل أيام من الخروج من مخبئه:
«دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»




سبق للسكرتير العام للحزب الشيوعى السودانى، محمد ابراهيم نقد، المختفى حتى الآن لما يربو على العقد من الزمان، ان فاجأنا مرتين من قبل، وعبر الوسائط الالكترونية، باختياره نشر آرائه على صفحات «البيان».


وها هو يفاجئنا، ايضاً، وللمرة الثالثة، بهذا المقال المهم عبر اتصال اليكترونى يعلن في ثناياه إنه الأخير من مخبئه، حيث ينتظر خلال الأيام القليلة المقبلة صدور قرار خاص من اللجنة المركزية للحزب بخروجه إلى العلن بعد التوقيع النهائى على اتفاق السلام فى السودان.


ووجه نقد جزيل شكره لصحيفتنا، مشيداً بالمهنية العالية، على حد تعبيره، التى اتسمت بها فى إتاحة هذه الفرص النادرة له شخصياً لمخاطبة الرأى العام حول مختلف القضايا.


وفيما يلي الحلقة الأولى من سلسلة كتابات اعدها نقد من مخبئه وستوالي «البيان» نشرها تباعاً:


الحاصل شنو؟!


ظل زملاء وأصدقاء كثر فى الشتات، لا عدمناهم، يجودون علينا، طوال عقد التسعينيات، بفيض مدرار من الكتب المنتقاة، خاصة خلال المواسم التى تنتصب فيها معارض الكتب فى القاهرة وبلدان الخليج.. الشارقة بالأخص، وكذلك من وراء البحار.


جفاف سوق الكتب وارتفاع اسعارها في الخرطوم القيا علينا التزاماً ادبياً بأن نقرأ الكتاب ثم نطلق سراحه للتداول، إشباعاً لنهم اولئك الذين ظل الكتاب جليسهم وأنيسهم لعقود خلت، ولطالما كانت فى بيوت بعضهم مكتبات عامرة، بقدر ما كان للكتاب والمجلة حق معلوم فى دخولهم، كثرت ام قلت، قبل ان تفتقد هذه المكتبات، رويداً رويداً، موارد التغذية بالجديد.


وتتعدد الفجوات بين الكتب المنضدة على الأرفف، لتشى بمن تحايلوا وألحّوا في الاستعارة، متعهّدين بالحفاظ على ما استعاروا، وقاطعين الوعد، تحت اليمين المغلظة، بإعادته خلال اسبوع.. قرأنا قصة (اللص والكلاب) لنجيب محفوظ، ونتلهّف لمن يتحفنا، من المبدعين السودانيين، بقصة (اللص والكتاب)!


هكذا، ومع تسارع إيقاع التعقيدات السياسية، وتفاقم عوامل الصعوبات المعيشية، آل سوق الوراقين الداخلى، طرداً، إلى كساد، وتباطأ بريد الكتب من الخارج لتحل محلها تحويلات (الضروريات) من غذاء ودواء وكساء، وانحسرت ساعات القراءة تبعاً لتراجع موقعها القديم الأثير فى اهتمامات الناس، على حين راح يتواتر اكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، السؤال السودانى عفوى الاصالة: «يا جماعة الحاصل شنو؟!»


ديالكتيك «شختك بختك»


خلال صيفى 2003 و2004، وهما، فى الحقيقة، فصل واحد ممتد، تأنيت مليّاً عند كتابين تزامن وصولهما مع ما نحن فيه من حصار منظومة المفاوضات و(البروتوكولات)، وما ينتظرنا منها: ماشاكوس ـ ناكورو ـ كارن ـ نيفاشا ـ نيروبى، من جهة، وجدة ـ القاهرة، من الجهة الأخرى، إضافة إلى ابشى ـ سرت ـ ابوجا، من الجهة الثالثة.. هذا إن لم تفاجئنا الأقدار بمنتجع وارف آخر، او بعاصمة قصية اخرى!


الكتاب الأول للدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه بعنوان: (الحركة السياسية السودانية والصراع المصرى البريطانى بشأن السودان «19361953»، ط1، دار الأمين، القاهرة 1998م).


وقد صدرت مؤخراً طبعته الثانية الفاخرة عن مركز عبد الكريم ميرغنى بأم درمان صيف 2004م. اما الكتاب الآخر فللدكتور منصور خالد (السودان اهوال الحرب وطموحات السلام: قصة بلدين، ط1، دار ثروت، القاهرة 2002م).


الكتابان يشكلان معاً خلفية مضيئة لدور المجتمع الدولى، ثم الدولى والإقليمى، فى حل او تعقيد ازمات ومعضلات الدولة السودانية منذ غزو محمد علي باشا، ثم الثورة المهدية، ثم اتفاقية الحكم الثنائى على مشارف القرن العشرين.


ولا تعوزنا الأمثلة، بالطبع، على تجليات ازمة الدولة السودانية منذ سطو الجبهة الإسلامية القومية على السلطة فى الثلاثين من يونيو عام 1989م، ومساكنة او (مصاقرة) المجتمع الدولى والإقليمى لنا منذ مطلع الألفية الثانية: زيارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمى كارتر، وندوة مركزه في مدينة اتلانتا، بالاضافة إلى ابوجا الأولى والثانية، ونيروبى والايغاد وأصدقائها.. ثم شركائها.


ولا ننسى ان ضربة البداية كانت ندوة مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن عام 1993م التى انطلق منها بالون اختبار (دولة واحدة بنظامين) ضمن ورقة د. فرانسيس دينق ذات الصيت والشهرة بذات العنوان. وقد تصبح الفكرة قابلة للتحول، بديالكتيك (شختك بختك)، إلى (دولتين بنظام واحد)، و(خط انابيب بترول واحد)، تحت (رعاية الشركاء) و(غطاء الايغاد)!


وداعاً للقراءة المتأنية


وعلى ذكر الاتفاقيات اهمس في اذن مولانا الوقور ابيل الير، وعلى مسمع خافت من دكتور منصور خالد، مدمن كيمياء الاتفاقيات (الصفوة وإدمان الفشل ـ منصور خالد وإدمان الاتفاقيات ـ «دقة بدقة» أو هذه بتلك).. اهمس بأن اتفاقية اديس ابابا ليست المؤودة الأولى، فوأد الاتفاقيات كامن، على ما يبدو، فى جينات الدولة السودانية.


فعلى سبيل المثال عقدت دولة الحكم الثنائى اتفاقية عام 1921م مع السلطان بحر الدين، سلطان سلطنة دار مساليت التى انضمت بمقتضاها إلى الدولة السودانية وفق شروط محددة، من بينها حق اهلها في تقرير مصيرهم بعد 75 عاماً، مِمَّا سنعرض له لاحقاً.


لكن لم يكد ينصرم العام، او ما يزيد قليلاً، حتى افترست دولة الحكم الثنائى تلك الاتفاقية، باكتساح السلطنة واحتلال عاصمتها الجنينة عام 1922م، مباشرة بعد إخماد ثورة السحينى في واقعة نيالا (راجع ص 43 من مذكرة شيخ العرب «أبْ سِن»، مدير مديرية دارفور«1955 ـ 1958م».


والتى طبعتها دار الوثائق، ونشرتها صحيفة «الأيام» فى حلقات عام 1959م، مع جزيل الشكر للذين لا يحتفظون، فحسب، بالوثائق النادرة، وإنما يجودون بها، وبأريحية، على متسولى المعرفة من امثالنا)!


لم يطف بذهن اهل دار مساليت، آنذاك، ان الأقدار تخبيء لهم ظلماً اشد مضاضة على يد حكومة الانقاذ والحاكم باسمها على ولاية غرب دارفور عام 1996م، حيث احتقر تاريخهم، وسفه مصطلحاتهم العريقة في حيازة الأرض واستضافة الوافدين من قبائل وعشائر و(خشم بيوت).


واستهان بأعرافهم في تراتب الادارة، وضوابط التوافق القبلى الطوعى بين الأسرة والعشيرة والقبيلة. وكانت النتيجة (بروفة بالملابس) لمخطط حرق القرى، وتهجير قبائل الزرقة قسراً، ليحل محلها حزام عربى من قبائل وافدة، تمهيداً لتغيير اسم (دارفور) نفسه، وبذات الاستهانة التى عدلت بها الانقاذ، وبدلت وشوهت، اسماء المحليات والأحياء السكنيَّة فى الخرطوم!


تفوّق حاكم غرب دارفور على نفسه في تنفيذ سياسة الانقاذ تجاه دار مساليت، دون ادنى احترام لبطولات وبسالات اهلها في التصدى لمشاريع التوسع الفرنسى عبر حدود السودان الغربية، يوم كان السلطان بحر الدين آخر سلطان مستقل لسلطنته، بعد اكتساح الفرنسيين لسلطنات وداى وكانم، فحق للشاعر محمد الفيتوري ان يمجد تلك البطولات والبسالات فى قصائده.


كما حق للشاعر عالم عباس ان يستشعر قشعريرة الزهو المبدع في ملحمياته، مِمَّا اكاد اجزم ان حاكم غرب دارفور ذاك لم يقرأ شيئاً منه، وإن قرأ لم يهتز طرباً او تقف شعرة فى جلده!


أعود للكتابين لأستعرضهما هنا، لا كضابط مبيعات او مروج سلعة، بل كمُحاور. والحوار يفقد جدواه ويمحق مردوده إن حاد عن النقد كأداة معرفية وثقافية تفتح جسور التواصل والتفاعل لإنتاج معرفة مضافة. لقد اجاد الكاتبان، ما فى ذلك شك، كل فى مجاله ومضماره، وقدما سفرين قيمين لمكتبة الفكر السياسى السودانى. ولكننا باستعراضهما نقول: وداعاً للقراءة المتأنية، دونما تطاول على رائعة همنغوى (وداعاً للسلاح)!


غير انه يلزمنا، ابتداءً، إبداء ملاحظة مهمة. ففى سياق تداعيات مشاكوس ونيفاشا، ودور الولايات المتحدة الاميركية فيها، إنسابت فى شرايين وأوردة الدورة الإعلامية اربعة مصطلحات، صك رئيس تحرير (الايام) اثنين منها: (المجتمع الدولى هو الاسم الحركى للولايات المتحدة)، و(اختطاف قضية المعارضة السودانية).


اما الثالث فقد صكه السيد الصادق المهدى للدلالة على تمايز (التدخل الدولى الحميد) عن الآخر (الخبيث)، وأما الرابع (الشيطان في التفاصيل) فتعريب عن الانجليزية صاغه د. منصور خالد من خلال تقديمه المقتضب لاتفاق مشاكوس الإطاري فى حينه، فلكأنما قصد تنبيه القارئ السودانى، المتوجس اصلاً، إلى ان «الغريق لى قِدَّام»، كما فى المثل الدارج، بمعنى ان هذا القارئ «لا يزال، مع ذلك كله، دون الأعمق»!


أميركا وملء الفراغ.. البريطانى


وإذن، فليس غريباً على العموم، ولا شاذأ فى السياسة، علماً او ممارسة، ان تسهم مصطلحات مستحدثة الصك او الترجمة او الصياغة او الاستخدام فى فك شفرة الماضى، او حل طلاسم احداثه ووقائعه، او توسيع دائرة الضوء حول ما قد يبدو معتماً او غامضاً فى بعض جوانبه وتفاصيله.


لنأخذ مثلاً على ذلك دور الولايات المتحدة الأميركية في اتفاقية الحكم الذاتي والاستقلال (فبراير 1953م)، ونستعين على فض تمائم ذلك الدور بالتوثيق المتيقن، والتحليل الرصين، او ما يمكن وصفه بالمزاج الأكاديمي المعتدل (الرايق) في كتاب د. فيصل الذى يؤرخ ويوثق لفترة النهوض السياسى الوطنى فى مصر والسودان خلال سنوات الحرب العالمية الثانية .


وما بعدها، وبخاصة على الصفحات 455، 457، 518، 594، 628، 629. فقد جعلت الولايات المتحدة مدخلها إلى شئون مصر والسودان الحرص على إقناع الحكومات المصرية المتعاقبة، آنذاك، بالانضمام إلى مشروع (الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط)، بحجة:


1ـ (ملء الفراغ) في حالة جلاء القوات البريطانية عن مصر.


2ـ صد النفوذ السوفييتي والمد الشيوعى.


ومن ثم اقترحت الخارجية الأميركية على الخارجية البريطانية تكليف سفيريهما لدى القاهرة، الأميركى جفرسن كافرى والبريطانى رالف ستيفنسن، بإعداد تقييم مشترك للشعور المصرى العام بشأن الوجود العسكرى البريطانى، من جهة، ومسألة السودان من الجهة الأخرى. وقد جاء التقرير مشتملاً، بالنسبة للنقطة الأخيرة، على ثلاث توصيات:


1ـ إعادة النظر في إمكان الاعتراف علناً بالوضع الدستورى والقانونى للتاج المصرى فى ما يتعلق بالسودان.


2ـ تحديد موعد مبكر لحصول السودان على الحكم الذاتى وصون حق السودانيين فى تقرير مصيرهم.


3ـ النظر في مسألة الحصول على ضمان دولى لاتفاق مصرى ـ سودانى بشأن مياه النيل.


وفى اكتوبر عام 1951م رفضت حكومة الوفد (مشروع الشرق الأوسط)، فطرحت اميركا مبادرة بثلاثة محاور:


1ـ الا تشكل مسألة السودان عقبة امام الاتفاق مع مصر بشأن الترتيبات الخاصة (بالدفاع المشترك عن الشرق الأوسط).


2ـ الضغط على بريطانيا لتقديم صيغة جديدة يمكن من خلالها الاعتراف برمزية التاج المصرى على السودان، دون المساس بوضع السودانيين او حقهم في تقرير مصيرهم.


3ـ إرسال بعثة اميركية إلى السودان لاستطلاع وجهات نظر قادته وإدارته البريطانية بشأن مسألة التاج المصرى الرمزى.


فى 13 يناير عام 1952م وصلت بعثة الاستطلاع الأميركية إلى الخرطوم، وكانت تتكون من ولز ستابلر من رئاسة الخارجية الأميركية بواشنطن، وماتيسون من السفارة الأميركية بالقاهرة. وكانت صحيفة (النيل) الاستقلالية الناطقة باسم حزب الأمة قد استبقت عمل البعثة، مبدية رأيها حول اهدافها قبل ما يربو على الأسبوع من وصولها، بقولها في عددها الصادر بتاريخ 2 يناير عام 1952م:


«إن اميركا تحاول الضغط على بريطانيا لا من اجل مصر، ولكن من اجل الدفاع عن الشرق الاوسط من الخطر الروسى. و(المشروع الاميركى) يضع السودان كبش فداء، وسلعة تباع وتشترى ليتم الدفاع المشترك».


غير ان البعثة واصلت مهمتها المحددة خلال الفترة ما بين 1330 يناير، فزارت مشروع الجزيرة وعطبرة والابيض وجوبا وتوريت، وشملت زياراتها وحدات قوة دفاع السودان فى العاصمة والأقاليم المذكورة. ثم التقت بالحاكم العام، والسكرتير الادارى، وأعضاء الجمعية التشريعية، وعدد من موظفى الحكومة البريطانيين والسودانيين.


كما التقت بكل قادة الأحزاب السياسية والقوى الوطنية: ابراهيم بدرى، عبدالله خليل، الدرديري احمد اسماعيل، مبارك زروق، بالاضافة إلى مندوبى الجبهة المتحدة لتحرير السودان: حسن الطاهر زروق عن جبهة الكفاح، وعثمان محمد احمد عن اتحاد الموظفين، وسألتهم عن اهداف احزابهم وتنظيماتهم، ووجهات نظرهم فى القضايا المطروحة آنذاك.


وفى 10 فبراير رفع ستابلر تقريراً باستنتاجاته، ومن بينها مسألة رمزية التاج المصري على السودان بوصفه عربوناً لقبول مصر بمشروع (الدفاع المشترك) عن الشرق الأوسط، فقال: «إن قبول الحكومة البريطانية بلقب الملك يمكن ان يكون اكثر استساغة للجماعات المعارضة إذا تضمن الشرح والتنوير تأكيدات محددة في ما يتعلق بالآتي:


رمزية التاج ـ تاريخ محدد لتقرير المصير، بما في ذلك مسألة التاج ـ نوع من الضمان او الاعلان الدولى ـ مشاركة الجبهة الاتحادية في تكوين جمعية تأسيسية في السودان».


وأشار فى التوصية رقم (7) إلى ان الاستفتاء غير عملى، وأن الأفضل صدور القرار من الجمعية التأسيسية حول الاستقلال او الاتحاد مع مصر. ثم شارك، لاحقاً، فى الاجتماع الذى عقد بباريس بين وزير الخارجية الاميركى اشيسون ووزير الخارجية البريطانى إيدن، حيث تركز النقاش بصفة رئيسة حول مسألة قبول السودان للقب الملك، وأهمية ذلك لتسوية مسألة (الدفاع المشترك) عن الشرق الأوسط مع مصر.


لكن انقلاب الجيش المصرى فى 23 يوليو عام 1952م حسم معضلة التاج الرمزى، نهائياً، حيث عصف بالتاج والصولجان والعرش. فهل كان ذلك كافياً لحسم (مسألة السودان)؟! وما هو بالتحديد الدور الذى لعبته اميركا فيها وفى اتفاقيَّة الحكم الذاتى (فبراير 1953م)؟!


(يتبع)




Post: #2
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: برير اسماعيل يوسف
Date: 01-03-2005, 06:25 PM
Parent: #1

الاخ/ العزيز الشريف

تشكر يا رائع علي التواصل, فما زلنا في انتظار التواصل و لك الود و التقدير.

Post: #3
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: elsharief
Date: 01-04-2005, 00:01 AM
Parent: #2

الشكر لك الاخ برير
وكلنا فى انتظار مواصلة المفكر السودانى محمد ابراهيم نقد وبقية الحلقات

Post: #4
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: elsharief
Date: 01-04-2005, 03:50 PM
Parent: #3



محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» قبل أيام من الخروج من مخبئه: (2 ـ 5)
أميركا اختطفت قضية السودان من مصر مرتين




سبق للسكرتير العام للحزب الشيوعى السودانى، محمد ابراهيم نقد، المختفى حتى الآن لما يربو على العقد من الزمان، ان فاجأنا مرتين من قبل، وعبر الوسائط الالكترونية، باختياره نشر آرائه على صفحات «البيان».


وها هو يفاجئنا، ايضاً، وللمرة الثالثة، بهذا المقال المهم عبر اتصال اليكترونى يعلن في ثناياه إنه الأخير من مخبئه، حيث ينتظر خلال الأيام القليلة المقبلة صدور قرار خاص من اللجنة المركزية للحزب بخروجه إلى العلن بعد التوقيع النهائى على اتفاق السلام فى السودان.


ووجه نقد جزيل شكره لصحيفتنا، مشيداً بالمهنية العالية، على حد تعبيره، التى اتسمت بها فى إتاحة هذه الفرص النادرة له شخصياً لمخاطبة الرأى العام حول مختلف القضايا.وفيما يلي الحلقة الأولى من سلسلة كتابات اعدها نقد من مخبئه وستوالي «البيان» نشرها تباعاً:


للمرة الثالثة، وربما الأخيرة من مخبئه داخل السودان، كما قال لنا إلكترونياً، اختار محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني المختفي منذ أكثر من عقد من الزمان أن ينشر آراءه عبر «البيان».


حيث عرض فى الحلقة الماضية، بالاستناد إلى كتاب د. فيصل عبد الرحمن علي طه (الحركة الوطنية)، الكيفية التى اتخذت بها أميركا مدخلها إلى شؤون مصر والسودان، بعد الحرب الثانية، عن طريق إقناع الحكومات المصرية المتعاقبة بمشروعها (للدفاع المشترك عن الشرق الأوسط)، بحجة صد النفوذ السوفييتى والمد الشيوعى و(ملء الفراغ) الذى ستخلفه بريطانيا.


كما عرض للبعثة الأميركية التى زارت الخرطوم وبعض الأقاليم فى 13 يناير عام 1952م، والتقت برموز الادارة البريطانيَّة، كما التقت بقادة الأحزاب الوطنية واستوضحتهم رأيهم فى القضايا المطروحة، ثم رفعت تقريرها مشتملاً على مسألة رمزية التاج المصرى على السودان كعربون لقبول مصر (بمشروع الشرق الأوسط).


على أن انقلاب 23 يوليو عام 1952م فى مصر عصف بالتاج وحسم معضلته، فتساءل (نقد) عمَّا إن كان ذلك كافياً، وقتها، لحسم (مسألة السودان)، وعن الدور الأميركى فى اتفاقيَّة الحكم الذاتى.


وفيما يلي الحلقة الثانية من سلسلة المقالات المترابطة مع بعضها وتنشرها «البيان» في حلقات:


أميركا والسودان واتفاقية الحكم الذاتي


فى الصفحات 625 ـ 629 يتابع د. فيصل، وبعنوان فرعى، تقصيه للدور الاميركى فى إبرام اتفاقية الحكم الذاتى (فبراير 1953م) والاستقلال، فيكتب قائلاً:


«لم يكن اتفاق الأحزاب السياسية السودانية في 10 يناير 1953، ووقوفها خلف المفاوض المصرى، هو العامل الوحيد الذي عجل باتفاق الحكومتين المصرية والبريطانية بشأن الحكم الذاتى وتقرير المصير للسودان، إذ لعبت الولايات المتحدة الاميركية أيضاً دوراً مهماً في هذا الصدد.


كانت الحكومة الاميركية مهتمة بنجاح المفاوضات المصرية البريطانية بشأن السودان، حتى يتفرغ الجانبان لبحث مسألة جلاء القوات البريطانية عن مصر، والترتيبات الغربية بشأن الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط لملء الفراغ الذي سينشأ عن الانسحاب البريطانى».


وفى ص 628: «كانت الحكومة الاميركية تتابع المفاوضات المصرية البريطانية بشأن السودان من خلال سفيرها في القاهرة جيفرسن كافرى الذي كان على اتصال بين الطرفين.. وكانت الحكومة الاميركية قد تلقت من قيادة ثورة 23 يوليو إشارات مشجعة بشأن مشاركتها في الترتيبات الغربية للدفاع عن الشرق الأوسط.


فقد تطرق محمد نجيب، فى رسالة بعث بها في 10 نوفمبر 1952 الى الرئيس أيزنهاور، لإمكانية قبول مصر المشاركة فى نظام دفاعي مع الولايات المتحدة، بمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن الانسحاب البريطاني من مصر». كما عبر محمد نجيب، فى الرسالة نفسها، عن رغبة مصر فى الحصول على مساعدات اقتصادية وعسكرية من أميركا.


وفى ص 655: و«لكسب التأييد الأميركى للموقف المصرى، والضغط على بريطانيا، استدعى محمد نجيب في 23 ديسمبر 1952 السفير البريطاني منتقداً تأخير الرد البريطانى على المذكرة المؤرخة 2 نوفمبر 1952».


وفى ص 625: «يمكن تلمس الضغط الاميركى على الحكومة البريطانية، لتجاوز الخلاف حول مسألتي الجنوب والسودنة، من خلال ما نقله السفير البريطانى فى واشنطن إلى حكومته في أول فبراير 1953، قبل أيام من توقيع الاتفاقية بشأن السودان.. حيث حذرت الحكومة الاميركية من انه إذا استعدت بريطانيا محمد نجيب.


وهو من خيرة القادة المصريين، فإن ذلك ستترتب عليه أثار خطيرة على المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط»، ويدعم استنتاج د. فيصل فى هذا الشأن ما أورده د. تيسير محمد احمد فى بحثه لدرجة الدكتوراه، نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 13 فبراير عام 1953م، من أن نجاح المفاوضات المصرية البريطانية قد تم «بفضل الجهود الحميدة التي بذلها السفير الاميركى في القاهرة جفرى كافرى، حسب رواية الرئيس المصرى محمد نجيب» (زراعة الجوع فى السودان، ص 74).


هكذا اختطفت أميركا قضية السودان من المفاوض البريطانى ونظيره المصرى قبل خمسين عاماً (1951 ـ 1952م ـ 2001 ـ 2002م)، وها قد جاء السناتور دانفورث، مبعوث الرئيس الأميركى جورج دبليو بوش، ليسير فى مطلع الألفية الثانية على نفس خطى سلفه الأسبق ستابلر، بمنهج (الخطوة خطوة) و(المقترحات البديلة) و(الغموض الايجابى) و(العصا والجزرة).


مواقف متميزة.. نوعياً


لا يقدح، بأية حال، فى استقلال السودان، سواء استثمر بوعى أو عفو الخاطر، صراع المصالح الاميركية البريطانية في الشرق الأوسط، فقد نالت البلاد استقلالاً أحسن وصفه اسماعيل الازهري بأنه «كالصحن الصينى، لا شق ولا طق»!


وقد أسهم الشعب السودانى مع الشعوب العربية فى مناهضة الاحلاف والقواعد العسكرية، فقطع الطريق على حلف الشرق الاوسط، ومن بعده مشروع ايزنهاور، كما حمى ظهر مصر الناصرية فى وجه العدوان الثلاثى، وفى يوليو 1958م اخترقت ثورة الشعب العراقى حلف بغداد.


لكن، مع كر الزمن تبدل الحال.. غربت شمس الإمبراطورية البريطانية، وافتقدنا عبدالناصر، واختفى من الوجود ما كان نفوذه وخطره يستدعى وبإلحاح تشكيل حلف الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط، وأصبحت الولايات المتحدة هى .


«.. الكابتن والفريق والمدرب والحكم»، حسب رؤية السيد ابراهيم منعم منصور حامل وسام أسبق السابقين فى وزارة المالية السودانية (صحيفة الرأي العام فى 4 ـ 3 ـ 4)، وبمحض الصدفة جاءت أرقام تاريخ ذلك العدد من الصحيفة مطابقة لخيارات المدرب بالنسبة لبعض خطط اللعب فى كرة القدم!


إلا أنك ما أن تقرأ كتاباً أو بحثاً متقن التوثيق والأداء في تاريخ الحركة السياسية السودانية متقلبة الأطوار، حادة المزاج، حتى تنداح في مخيلتك بانوراما بلا ضفاف، تمور بالقضايا والإشكاليات والمعضلات التي تستعطف الكتاب والباحثين أن يلجموا ألسنتهم لبعض الوقت، ويصوموا عن الشهوة الثالثة المنهكة، شهوة المشافهة، ويلزموا (جابرة) البحث والتنقيب ليقدموا لأهل السودان صفحات من تاريخهم السياسى الاجتماعى!


لقد أشار د. فيصل، مثلاً، فى ص 247، إلى دور طلبة كلية غردون فى الضغط على قادة مؤتمر الخريجين بأن سفر وفد لا يمثل كل الأحزاب للمشاركة فى المفاوضات فى مصر لهو أمر محفوف بالمخاطر.


وكذلك إلى الرسالة التى بعث بها الطلبة والمواطنون السودانيون فى مصر إلى المؤتمر والأحزاب لتشكيل جبهة وطنية تمثل كل العناصر وتطالب بحل قضية السودان مع القضية المصرية في وقت واحد، وإصرارهم على إشراك السودانيين فى المفاوضات على أساس الجلاء وحق السودانيين فى تقرير مصيرهم.


رسالة أولئك السودانيين فى مصر طرحت، بلا شك، صيغة سياسية متقدمة عما كان متداولاً بين نادى اتحاد طلبة كلية غردون ونادي الخريجين بأمدرمان ونادي حزب الأمة، مما يثير جملة أسئلة عن هويتهم السياسية، وعن منابرهم، وعن الكيفية التى التقوا بها واتفقوا على تلك الصيغة، وعن تجلى متغيرات التركيبة الاجتماعية لديهم.


ومدى تجاوبهم مع القضايا السياسية على تعاقب الحقب ـ ما قبل 1924م وما بعدها حتى 1936م، ثم إلى 1946م و1956م وتدشين جامعة القاهرة فرع الخرطوم ـ أو أى تعقيب آخر يؤرخ لدور أولئك السودانيين فى مصر، آنذاك، طلبة ومواطنين.


ختاماً، وفى ص 628، يحدد د. فيصل هدف أميركا من (حلف الشرق الأوسط) فى (صد النفوذ السوفييتى واحتواء الشيوعية)، لكنه يستنتج قائلاً: «ولعل فى هذا ما يكشف السبب الحقيقى لمعارضة الحركة الشيوعية السودانية لاتفاقية الحكم الذاتى وتقرير المصير».


صحيح أننا عارضنا الاتفاقية، ولكن صحيح أيضا أننا سرعان ما أدركنا خطأ وقصور تقديراتنا، فصححنا موقفنا فى نقد ذاتى صدر فى بيان نشرته الصحف، وإذا لم يوثق المؤرخون لهذه الحقيقة أيضاً فإن عملهم يظل ناقصاً.


وبما أن د. فيصل استخدم أداة الترجيح (لعل) فإنه قمين أن يتوصل الى اليقين، كمؤرخ وموثق، لو اطلع على كتيب قديم ضامر، أغبش الجلدة والصفحات، بعنوان: (الاتفاقية في الميزان)، لكاتبه الشهيد قاسم أمين، أحد أبرز مؤسسى وقادة الحركة العمالية والحزب الشيوعى التاريخيين، وربما يعثر على نسخة منه فى دار الوثائق، أو فى مكتبة السودان بجامعة الخرطوم.


تداعيات الذاكرة على هوامش د. فيصل


ـ عندما أعلنت حكومة الوفد إلغاء اتفاقية 1936م دعت اللجنة التنفيذية لاتحاد طلبة جامعة الخرطوم لمحاضرة بدار الاتحاد قدمها عضو اللجنة، وأحد رواد الحركة الإسلامية، المرحوم محمد محمد احمد علي (مولانا) الذى استشهد لاحقاً فى أحداث 1955م فى الجنوب، وشق نعيه على كل من زامله في سنوات الدراسة وما بعدها.


تعرفنا فى تلك المحاضرة لأول مرة على بنود وتفاصيل اتفاقيات الحكم الثنائى (1898م وما بعدها)، وما طرأ عليها من إضافات وتعديلات. وكالعادة خرجنا بعد المحاضرة في مظاهرة صاخبة داوية اتجهت نحو المحطة الوسطى وقلب المدينة.


ـ ظهر السبت 23 يوليو 1952م. قيلولة ما بعد الغداء بداخلية الرهد، الطابق الأرضى. فجأة أطل من خارج النافذة الشمالية كل من عثمان أبو كشوة وعثمان حامد وحسن محمد حامد وعز العرب يوسف، وأنبأنا أبو كشوة أن الجيش المصري بقيادة اللواء محمد نجيب أطاح بالملك فاروق، وأن محمد نجيب من أصول سودانية!


لم استمع لبقية التفاصيل، اتصلت بالمرحوم شيبون في الداخلية المجاورة واتفقنا أن أذهب لمعرفة المزيد من التفاصيل وموقف الحزب، وذلك من مكتب صحيفة (الجهاد) الاسبوعية، وكان صاحب امتيازها عبدالمنعم حسب الله بينما يتولى الشيوعيون إصدارها.


. وجدت فى مكتب الجهاد عبد الخالق محجوب وكامل محجوب والوسيلة والتجانى الطيب. كان تقديرهم للانقلاب إيجابياً ولديهم بعض التفاصيل عن تنظيم الضباط الأحرار وانتخابات نادى ضباط الجيش المصرى والأهداف التي أعلنها البيان الأول. من مكاتب الجهاد عرجت على عمارة غطاس، حيث مكاتب صحيفة (الصراحة).


وجدت عبدالله رجب ومحمد سعيد معروف وآخرين يستمعون لإذاعة القاهرة ويتداولون حول برنامج الانقلاب. عدت للكلية، واجتمعت لجنة التنظيم الحزبى لرابطة الطلبة الشيوعيين بالجامعة، وناقشت ذلك التحليل الأولى. تواصل الموقف الايجابى من حركة الجيش المصرى باعتبارها امتداداً لثورة عرابى وثورة 1919م.


واستجابة لشعار الكفاح المشترك مع الشعب المصري. بعد بضعة أسابيع عاد من مصر، فى إجازة قصيرة، طالب الطب، وقتها، المرحوم عمر محمد ابراهيم، فدعته جمعية الزمالة الثقافية، وكان سكرتيرها فاروق محمد ابراهيم، لتقديم ندوة حول حركة الجيش والوضع فى مصر. وكان تقديره العام إيجابياً مع تحليل موضوعى للصراع السياسى آنذاك.


أسرد هذه التفاصيل لدحض دعاوى من يكتبون عن الأحداث السياسية دون ذاكرة، ودون وثائق، ويزعمون أن الحزب الشيوعى السودانى أعلن عداءه لحركة 23 يوليو واعتبرها انقلاباً دبرته المخابرات الأميركية!


ـ وحسماً للنزاع أورد فى ما يلى بعض أوجه الخلاف الحقيقى بين الحزب وبين حكومة تلك الحركة:


أولاً: إعدامها للقائدين النقابيين خميس والبقرى لقيادتهما إضراباً نقابياً بعد حركة الجيش. لقد كانت مطالب ذلك الاضراب نقابية خالصة، والمفاوضات حولها متواصلة مع المخدم قبل وقوع الانقلاب، كما وأن محمد نجيب قد اعترف فى مذكراته التى كتبها فى معتقله بأنه استدعاهما إلى مكتبه، واستمع إليهما، واقتنع بأنهما لم يكونا مدفوعين من جهة داخلية أو خارجية أو يعارضان العهد الجديد.


ثانياً: تراجعها عن الوعد بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين خلال العهد الملكى، وكانوا من الوفديين والأخوان المسلمين والشيوعيين وأنصار السلام وغيرهم.


ثالثاً: انحياز الحزب الشيوعى لخيار الاستقلال فى مواجهة خيار الوحدة مع مصر. وقد ذكر القائد الشيوعى المصرى ابراهيم عبد الحليم فى مذكراته أن صلاح سالم استدعاه من المعتقل وأخبره بأنهم قرروا إطلاق سراحه ليسافر إلى السودان لإقناع الشيوعيين السودانيين للانحياز لخيار الوحدة مع مصر، فرفض ابراهيم تنفيذ المهمة.


وأكد لصلاح سالم أن الشيوعيين السودانيين مستقلون فى قراراتهم، وأن تحالف الشيوعيين المصريين والسودانيين يستند إلى تحرير وادى النيل من الاستعمار البريطانى، وحق شعب السودان فى تقرير مصيره.


ـ عدلنا موقفنا من النظام المصرى لاحقا، بعد مؤتمر باندونق عام 1955م، والذى كان نقطة تحول مهمة فى مسار حركة عدم الانحياز، والموقف الحازم من الاستعمار بشكليه القديم والحديث، ونهوض حركة التضامن الآسيوى الأفريقى التى اتسعت لتشمل شعوب أميركا اللاتينية بعد انتصار الثورة الكوبية فى يناير 1959م. أما ما ذكرناه عن علاقة انقلاب الجيش المصرى بأميركا فلم يتجاوز ما ذكره ضابط المخابرات الأميركية (كوبلاند) فى كتابه (لعبة الأمم)!


ـ الخلافات مع القيادة المصرية حدثت في فترة لاحقة، وتمت مناقشتها وتصفيتها خلال اجتماع وفد الجبهة المعادية للاستعمار الذى زار مصر بعد العدوان الثلاثي فى 1956م والتقى عبدالناصر ثم صلاح سالم.


ـ اشار د. فيصل للقاء الموفد الأميركي ستابلر بمندوبى الجبهة المتحدة: حسن الطاهر زروق وعثمان محمد احمد، الأخ الأكبر للقائد النقابى المهندس هاشم محمد احمد. الجبهة المتحدة كانت إحدى صيغ التحالفات النشطة التي ضمت الحركة النقابية والطلابية ويسار الأحزاب الاتحادية، وواضح أن الاسم مستمد من تجربة الثورة الصينية .


وانتصاراتها التى ألهبت حماسة حركة التحرر الوطنى أوان ذاك. وكان للجبهة بالفعل حضور يومى نشط فى أغلب المدن السودانية، مع نشاط مكثف في نادى العمال بالخرطوم بحرى، ودار متواضعة في السجانة كانت تخرج منها المظاهرات بعد كل ندوة، وكان يتولى إيقاع هتافاتها عبد الحليم عمر والسر حيمورة.


وقد احتشدت فيها ندوة لإحياء ذكرى ثورة 1924م توجهت بعدها المظاهرة إلى (مقابر بلاع) شرق السجانة، مثوى شهداء تلك الثورة، حيث تبادل الخطباء تمجيدهم فى عتمة الليل البهيم. لاحقاً تم تلجين تلك المقابر، وتمدد حولها العمران تتوسطه الميادين الرياضية، وما من لوحة رخامية، حتى الآن، أو مسلة متواضعة تخلد ذكرى أولئك الأبطال.


ـ ليت د. فيصل يواصل جهده في دراسة وتقويم منظومة الاتفاقيات التي يحار المرء في أمرها.. هل تزين جيد السودان أم تطبق على عنقه؟! كمثال على ذلك: اتفاقية بريطانيا وفرنسا بعد ترسيم الحدود السودانية التشادية، عقب نزاع (منخفض التوتر) منذ مطلع القرن العشرين وحتى مؤتمر فيرساى للصلح أو السلام فى يناير عام 1918م.


وقد أشار إليها ثيوبولد، ساخراً، في كتابه (على دينار، لونقمانز، 1965م، ص 220) بقوله: «ينظر نزاع انجلترا وفرنسا في مؤتمر السلام في يناير 1918م، لتسوية مشكلة حدود بسيطة، فى ركن مجهول من أفريقيا، مع تسوية مصائر الدول الكبرى، ومئات ملايين البشر على نطاق العالم»!


ما لم يدر بخلد ثيوبولد، فى زمانه، أن دارفور، من ركنها المجهول ذاك فى أفريقيا، سوف تقفز إلى أجندة مجلس الأمن، وسوف يتوافد عليها سكرتير عام الأمم المتحدة ووزير خارجية القطب الأوحد وما دونهما، علاوة على مراقبين دوليين تحميهم قوات الاتحاد الإفريقى، وتستضيف أبوجا عاصمة نيجيريا مفاوضات حل أزمتها، ولجم شياطينها الجنجويد، بينما (سيف ديمقليس) يتهدد الدولة السودانية!


ـ ومثال آخر، اتفاقية دار مساليت بين سلطات الحكم الثنائى والسلطان بحر الدين، الموصوف بأنه آخر سلطان مستقل في أفريقيا آنذاك، حيث تواصلت المفاوضات بينه وبين البمباشي (مقدم) رونالد ديفس طوال 1917 ـ 1919م. ونص اتفاقهما على:


(1) أن يتولى السلطان إدارة الشؤون الداخلية للسلطنة، ويتولى المعتمد رونالد ديفس الشؤون الخارجية وشؤون الأجانب، ويحيط السلطان علماً بالتطورات الخارجية، خاصة العلاقات مع مصر.


(2) أن الجنينية عاصمة السلطنة، ويقيم المعتمد فى أروشا الواقعة على بعد بضعة كيلومترات شمال الجنينية.


(3) أن شرطة الحكومة لا تخرج من أروشا إلا بعلم السلطان وموافقته، وبصحبة مرافق منه.


(4) أن من حق شعب المساليت الاستفتاء على تقرير مصيره بعد 75 عاماً من توقيع ذلك الاتفاق، أي، بحساب الزمن، عام 1994م!




Post: #5
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: ELTOM
Date: 01-05-2005, 03:25 PM
Parent: #4

الأخ الشريف،
لك التحية والشكر وانت تنقل
هذا السفر الفريد للأستاذ نقد.
الاتفاقية المبرمة بين حكومة صاحبة الجلاله
وسلطان دار مساليت، السلطان بحر الدين،
نصت على أن تكون الجنينة عاصمة السلطنة،
و اروشا!!! مقر دولة الحكم الثنائي.
ربما لم يستطع محرر البيان معرفة " اردمتا"
-ARDAMATA- ففضل عليها الاسم الأكثر شيوعا- اروشا-،
و اروشا للذين يتابعون الشأن الأفريقي، مدينة
في تنزانيا، عقد فيها مؤتمر تبنى الاشتراكية الأفريقية.
على كل حال ربماأخطأ الأستاذ نقد أو البيان أو شخصي.
هل هناك عضو من دار مساليت ليصصحنا؟

جمال الدين بلال

Post: #6
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: elsharief
Date: 01-06-2005, 07:38 PM
Parent: #5



محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» قبل أيام من الخروج من مخبئه: (3 ـ 5)
طالبنا منذ ما قبل الاستقلال بالحكم الذاتي للجنوب




سبق للسكرتير العام للحزب الشيوعى السوداني محمد ابراهيم نقد، المختفى حتى الآن لما يربو على العقد من الزمان، ان فاجأنا مرتين من قبل، وعبر الوسائط الالكترونية، باختياره نشر آرائه على صفحات «البيان».


وها هو يفاجئنا، ايضاً، وللمرة الثالثة، بهذا المقال المهم عبر اتصال اليكترونى يعلن في ثناياه إنه الأخير من مخبئه، حيث ينتظر خلال الأيام القليلة المقبلة صدور قرار خاص من اللجنة المركزية للحزب بخروجه إلى العلن بعد التوقيع النهائي على اتفاق السلام فى السودان.


ووجه نقد جزيل شكره لصحيفتنا، مشيداً بالمهنية العالية، على حد تعبيره، التى اتسمت بها فى إتاحة هذه الفرص النادرة له شخصياً لمخاطبة الرأى العام حول مختلف القضايا.


وفيما يلي الحلقة الثالثة من سلسلة كتابات اعدها نقد من مخبئه وستوالي «البيان» نشرها تباعاً:


للمرة الثالثة، وربما الأخيرة من مخبئه داخل السودان، كما قال لنا إلكترونياً، اختار محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي المختفي منذ أكثر من عقد من الزمن أن ينشر آراءه عبر «البيان»، عارضاً فى الحلقتين الماضيتين لما أورد د. فيصل عبد الرحمن فى كتابه «الحركة الوطنية» حول المشروع الأميركى «للدفاع عن الشرق الأوسط» بعد الحرب الثانية، بحجة التصدى للمد الشيوعى و«ملء الفراغ» البريطانى.


والإشارات المشجعة للمشروع من قيادة 23 يوليو، وطلبها مساعدات عسكرية واقتصادية أميركية. ولاحظ «نقد» أن ذلك قد هيأ لأميركا اختطاف قضية السودان من المفاوض البريطانى والمصرى، وأن دانفورث جاء بعد خمسين سنة ليسير على نفس الخطى!


ونوَّه بالصيغة المتقدمة التى طرح بها طلبة كلية غردون والسودانيون بمصر مطلب التمثيل الشامل للقوى الوطنية فى وفد المفاوضات لحل قضية السودان وقضية مصر معاً على أساس الجلاء وحق السودانيين فى تقرير المصير.


كما أضاء موقف الحزب الشيوعى من اتفاقية الحكم الذاتى، وحقيقة خلافه مع حركة 23 يوليو، داحضاً، كما قال، دعاوى من يكتبون بلا ذاكرة أو وثائق!


وتمنى على د. فيصل تقويم اتفاقية بريطانيا وفرنسا بعد ترسيم الحدود السودانية التشادية، واتفاقية «دار مساليت» بين الحكم الثنائى والسلطان بحر الدين. وينتقل فى هذه الحلقة (الثالثة) لمناقشة ما أورد د. منصور خالد فى كتابه «قصة بلدين»:


البهتان العظيم!


كان في الخاطر الاستعانة بكتاب د. منصور خالد المشار إليه، بصفحاته التى تفوق الألف، لاستكمال توثيق اتفاقية أديس ابابا، والتقاط رأس الخيط الذي تركه أبو القاسم حاج حمدـ متأرجحا بقوله:


«بعد يوليو 1971م باشرت أميركا، منذ مطلع عام 1972م، احتواء نظام نميري محققة اتفاق أديس ابابا.. بتاريخ 26 فبراير 1972م. وقتها كان القنصل الاميركى كيرتس مور يحكم الخرطوم كما أشارت إلى ذلك الصحف المصرية بغيظ شديد..


وكانت مخابرات ألمانيا الغربية وقتها اللاعب الأساسي في ذلك التحول، إذ استعاد السودان علاقته بها بتاريخ 27 ديسمبر 1971م، بعد خمسة أشهر من تصفية اليسار، فمهدت لاستعادة علاقة السودان المقطوعة مع أميركا فى 25 يوليو 1972م» (الصحافة، 2 ـ 9 ـ 2004م). ليت حاج حمد يفصل ما أجمله ويوثق له( كتب المقال قبل وفاة حاج حمد ـ «البيان»).


ندلف، من بعد، إلى ملاحظة أبداها د. عبدالله علي ابراهيم فى صحيفة الصحافة، وأخذ فيها على الطبعة التى أصدرها تنظيم الحزب الشيوعى فى الخارج، لبيان الحزب الذى كان قد أصدره عام 1972م حول اتفاقية أديس أبابا، إسقاطه لفقرة تحدثت آنذاك.


بالنص، عن «دور المخابرات الاميركية وعميلها منصور خالد فى إبرام اتفاقية أديس ابابا». الملاحظة سليمة دون جدال، لأن حذف فقرة أو أخرى من أية وثيقة يجرح مصداقيتها. وبما أن لجسد الوثيقة حرمته، فإن التعديل أو التصويب أو الشرح ينبغى أن يتم خارج المتن، وهذه واحدة من وظائف الهامش.


كل هذا وغيره كان في الخاطر، لولا أن د. منصور رمانا ببهتان عظيم، ساهياً أو قاصداً.. لا فرق، في مسألتين:


الأولى فى ص 969، حيث قال: «إن الحزب الشيوعي ينطلق من تحليل ماركسي مسلم به ومفترض بداهة، هو أن كل نضال من أجل العدالة الاجتماعية بصفة مبدئية هو نضال طبقى، وطبقاً لهذه المسلمة النظرية فان مشاكل المناطق المهمشة في السودان سوف تحل في النهاية بإشاعة الوعى الطبقى بين أهل تلك المناطق».


والثانية فى ص 736، حول ندوة أمبو، بقوله: «ومما يطرف ذكره أن دعوة وجهت رسمياً من جانب الحركة للحزب الشيوعي للمشاركة في ذلك المنتدى الفكرى، إلا إن الحزب اختار عدم الاشتراك فى اجتماع قد يرى فيه الآخرون تكتلا يسارياً، ويغلب الظن أن الحزب الشيوعى كان حذراً يومذاك من أن تلحق به تهمة الطابور الخامس للحركة».


مداخلنا للمشكلة خلال الحكم الذاتي


نبدأ بدحض البهتان الأول. نعم، قرأنا وتدارسنا كل ما كتب في أدبيات الماركسية عن مسألة القوميات، وما كتبه ماركسيون كثيرون عن تجارب شعوبهم متعددة الأعراق والقوميات فى أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا شرقاً وغرباً. لكننا، عندما تصدينا لمشكلة الجنوب ومثيلاتها فى السودان خلال فترة الحكم الذاتى، لم «نفتح الكتاب» أو «نشوف الخيرة»!


لم نقرأ مشكلتنا القومية حرفياً بعيون ماركس أو لينين أو ستالين، ولم نبحث في كتبهم عن وصفة وافية شافية «الكمدة بالرمدة»، وإنما اشتبكنا معها من موقع النضال الوطنى ضد الاستعمار، والقنابل الموقوتة التي يزرعها في المستعمرات كى يفجرها عن بعد عشية الاستقلال أو عقب نيله، ليصيب الحركة الوطنية بالشلل والكساح.


كان ذلك هو مدخلنا الأول لقراءة المشكلة. ولعل ذاكرة د. منصور لا تزال تختزن برغم تقدم السن، متعه الله بالصحة، ما كان متواتراً في المداخلات والمساجلات السياسية في نادي اتحاد طلبة الكلية (1951 ـ 1952م) على لسان قادة رابطة الطلبة الشيوعيين، المرحوم طه محمد طه.


والمرحوم محمد عبدالرحمن شيبون ود. فاروق محمد ابراهيم، عن السجل الممتد لمقاومة الشعب السوداني فى الشمال والجنوب للاحتلال البريطانى، عبدالقادر ود حبوبة في الجزيرة عام 1908م، ثورة الزاندى بقيادة السلطان يامبيو عام 1905م، ثورة النوير الثانية عام 1928م، وثورة 1924 في الخرطوم بقيادة علي عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ.


أما مدخلنا الثاني فقد كان نشاط الحركة النقابية، وتنظيم فروع النقابات في مدن المديريات الجنوبية، ومطلب الأجر المتساوى للعمل المتساوى، ومعايشة الجنوبيين لشماليين غير جلابة «صغار موظفين ومعلمين وعمال»، علاوة على توافد النقابيين الجنوبيين إلى مؤتمرات نقاباتهم المركزية ومؤتمرات اتحاد العمال فى الخرطوم وعطبرة.


ومدنى وكوستى وغيرها من مدن الشمال. وإذا كانت تلك ملامسة لمشكلة الجنوب من خارجها وحوافها، فسرعان ما زحفت إلى مركز الدائرة مع المعضلات والقضايا المركزية للحركة الوطنية عقب توقيع اتفاقية الحكم الذاتى والاستقلال فى فبراير عام 1953م.


الوثائق.. لا الأوهام!


نتفق مع د. منصور فى تقويمه لمشكلة الجنوب فى فترة الحكم الذاتى، بقوله: «اليوم نلخص الازمة في نظام الحكم، الهوية، حقوق الإنسان، التهميش السياسى والاقتصادى.. وبالطبع لم تكن مظاهر الأزمة قد تبلورت على هذا النحو قبيل الحكم الذاتى، الا أن جوهرها كان واضحاً للعيان على المستوى السياسى، كما كان ينبغى أن يكون الحل لها واضحاً على مستوى الرؤية» «الرأى العام، 8 ـ 8 ـ 2004م».


لكن، وبمثل ما صبرنا على قراءة د. منصور ضمن «ماراثون» حلقاته المطولة بصحيفة الرأي العام خلال موسم صيف رامض ذي سموم لافح «انتهت تعادلية الشاعر الكبير ود الرضي: «يوم سموماً ويوماً غمام»، فالسموم الانقاذى يلاحق الفاصل المداري الآن من السرطان إلى الجدى وبالعكس، فإننا ندعوه كي يبادلنا صبراً بصبر على بضعة نصوص تضيء، من واقع الوثائق المؤكدة، مقاربة الحزب الشيوعى لمشكلة الجنوب خلال فترة الحكم الذاتى (1953 ـ 1956م»).


كان الحزب وقتها فى ريعان العقد الأول من عمره (1946 ـ 1956م)، لكنه اكتسب خلال ذلك العقد مصدراً إضافيا موثوقاً لفض مغاليق مشكلة الجنوب، تجسد فى شاب فطن سديد الرأى هو الشهيد جوزيف قرنق.


كما فى عدد من أقرانه من مدرسة رمبيك الثانوية، وقد أصبح جوزيف، فى ما بعد، عضواً فى اللجنة المكلفة بدراسة المشكلة ورفع توصياتها حولها لقيادة الحزب، وكان من بين أعضائها المرحوم د. عز الدين علي عامر والاستاذ التجانى الطيب. فإلى الوثائق إذن:


1ـ أصدرت الجبهة المعادية للاستعمار بياناً عن موقفها من قضية الجنوب، نشر بصحيفة «الصراحة»، العدد 422 بتاريخ 28 ـ 9 ـ 1954م، وجاء فيه:


ـ «ترى الجبهة أن حل مشكلة الجنوب يتم علي الأساس التالى: تطوير التجمعات القومية في الجنوب نحو الحكم المحلى أو الذاتى فى نطاق وحدة السودان. وأن موضوع الجنوب يشكل مسألة مهمة وعاجلة في حياتنا السياسية اليوم، حتى أصبح موضوعاً خطراً على وحدة البلاد وعلى حرية إخواننا الجنوبيين».


ـ «إن الحقيقة التي نهتدي بها فى حل هذه المشكلة هى حقيقة وجود قوميات متعددة في بلادنا، ففي الجنوب توجد القوميات الزنجية، وفى الشمال النوبية، وفي الشرق البجاوية، وفي الوسط والغرب العربية، وأن تعدد القوميات هذا قد خلق فوارق في التقدم بينها..


وفى حالة الاستقلال الوطنى فإن هذه القوميات لن تتمكن من مجاراة الظروف الجديدة إلا بقيام حكم محلى أو ذاتى لها يكون قريباً من مشاكلها، ويستطيع حلها، ويعمل على تطوير «مناطقها» بما له من دراية بشؤونها وعاداتها».


ـ «إن المشكلة الناشئة في جنوب السودان مردها إلى حقيقة أن تلك القوميات كانت تعانى تأخراً شديداً فى الفترة الماضية. وقبل ستين سنة كان أهلها يؤخذون ليباعوا في سوق الرقيق. ولقد ساعد الاستعمار البريطانى..


وفق سياسية «فرق تسد» على تركها على تأخرها حتى يستغل تلك الفوارق لإطالة أمد بقائه. إننا نواجه المشكلة بهذه الحقيقة، ونرى أن حلها يكون بإعطاء «هذه القوميات» الاختيار فى.. إدارتها الداخلية فى حدود القطر الواحد «السودان»، سواء كان هذا فى شكل حكومات محلية أو حكومات ذاتية لها برلماناتها الخاصة وحكامها الخاصون».


ـ «إن نظام الحكم الذاتى ليس جديداً بل هو موجود فى دول متعددة.. وهذا لا يعني إضعاف الصلة بين أجزاء القطر الواحد، بل على العكس، فهو يقويها لأنه يحل مشكلة يستعصى حلها بدون ذلك..


والحكومات الذاتية فى داخل القطر الواحد تختص بمعالجة المشكلات الداخلية، ولكنها تتمثل في البرلمان العام أيضا، وتخضع لدستور البلد الموحد الذي يكفل وحدة القطر وسلامته والمحافظة علي تقدمه».


ـ «ونحن حينما نقدم هذا المبدأ لحل مشكلة الجنوب، نقر بأن الوضع الحالى للقوميات فى الجنوب ليس مدروساً لدينا ولا لدى غيرنا فى العاصمة، وأن دراسته تقتضى الذهاب إلى هناك، أو أن تجئ هى من هناك.. ولكنا نرى أن المبدأ للحل هو المبدأ السليم، بل هو المبدأ الوحيد، وتطبيقه يعتمد على الظروف.


فإذا كانت ظروف قومية واحدة، أو عدة قوميات فى الجنوب، ورغبة أهلها تقتضى قيام حكم محلى أو ذاتى فلهم الحق فى ذلك. كذلك نقر أنه ليست لنا وجهة نظر محددة عن الموقف بين القوميات السودانية الأخرى فى الشمال والشرق، إلا أنه، مما يظهر، لا توجد مشكلة حالية بالنسبة لها.


ولكننا من ناحية المبدأ لا ننكر أنه إذا جاء وقت، ولو كان بعد الاستقلال بفترة طويلة، واقتضت ظروف القوميات نوعاً معيناً من الحكم الداخلى فيجب أن ينفذ».


ـ «إننا نرى أن الأحزاب الاخرى لا تعالج موضوع الجنوب على ضوء الحقيقة العلمية، وفى هذا خطورة على وحدة البلاد وعلى مصير هذه القوميات المختلفة. ونرى أن الاستعمار قد سبب ومازال يسبب الفتن فى الجنوب، ولكن هذا وحده ليس بالتحليل للموقف، إذ أن الاستعمار لم يفعل ذلك وينجح فيه إلا لأنه استغل القوميات المختلفة.


واستغل موقف الاحزاب الخاطئ إزاء المشكلة، مما قسم بعض الجنوبيين وراء شعاراتها المؤقتة، وترك أغلبية الجنوبيين فريسة للحيرة واليأس.. إن وحدة الجنوبيين يمكن أن تصان في حدود إقرار حقهم في اختيار نوع الحكم الداخلى الذي يريدونه، وعلى إثر ذلك تتحطم مؤامرات الاستعمار وأذنابه لإضعاف وحدة البلاد السياسية».


الوجه الأول لمقصدنا من إيراد هذه المقتطفات المطوَّلة من نص ذلك البيان هو شرح وتوضيح معاناة الحزب يومذاك فى صراعه لاستكشاف الواقع السودانى لمشكلة القوميات عامة، ومشكلة الجنوب خاصة، والتحسب لما يطرحه المستقبل من معضلات. وتمتد المعاناة لتشمل اختيار المصطلحات والمفردات المناسبة.


واستشراف المجهول المحتمل فى مسألة القوميات. أما الوجه الآخر فهو أن البيان صدر قبل اندلاع تمرد 1955م، وقبل أن يطرح النواب الجنوبيون شرط حصول الجنوب على الفدريشن «الحكم الذاتى الإقليمى» كشرط للإدلاء بأصواتهم لصالح اقتراح إعلان الاستقلال من داخل البرلمان.


2ـ كان ذلك البيان شرحاً، فى الواقع، لما أوجزه «برنامج الجبهة المعادية للاستعمار» الذي نشرته صحيفة «الميدان»، العدد رقم 72 بتاريخ 14 ـ 4 ـ 1955م، ومن بين أهدافه: «حماية التجمعات القومية من القهر القومى، وإعطاؤها حق الحكم الذاتى، وتنظيم قوانينها المحلية وفق إرادتها فى نطاق وحدة البلاد ومصلحتها العامة، وتصفية نظام الحكم القبلى المحلى».


3ـ وعقب اندلاع تمرد 1955م وجهت الجبهة المعادية للاستعمار مذكرة لرئيس الوزراء، ورؤساء الأحزاب، واتحاد نقابات عمال السودان، واتحاد مزارعى الجزيرة، واتحاد طلاب كلية الخرطوم الجامعية، وقد نشرتها صحيفة «الصراحة»، العدد 576، 27 ـ 9 ـ 1955م، نوجز محتوياتها فى ما يلى:


ـ التصدى لمؤامرات الاستعمار، وقفل الحدود الجنوبية مع دول الجوار لقطع الطريق على نشاط الإداريين البريطانيين الذين تجمعوا في كينيا وأوغندا بعد سودنة وظائفهم فى الجنوب.


ـ تحذير الحكومة من تمليك قاعدة جوية لبريطانيا.


ـ إقصاء المبشرين الأجانب لدرء خطر مؤامراتهم التي يحيكونها داخل الكنائس وإيقاف إشاعتهم للثقافة المعادية لوحدة السودان. و«إننا لا نهدف من هذا الاجراء إلى منع التبشير المسيحي فى الجنوب أو اعتناق الديانة المسيحية، ولكننا نهدف إلى إبعاد خطر المبشرين الأجانب، وتحويل عمليات التبشير للجنوبيين أنفسهم، وندافع عن حقهم فى اعتناق الديانة المسيحية».


ـ إلغاء قانون المناطق المقفولة، وفتح الباب أمام الأحزاب وهيئات العمال والمزارعين لبدء عمل سريع في مديريتى بحر الغزال وأعالى النيل لكشف المؤامرة الأخيرة وتوحيد الجنوبيين في كفاح مشترك ضد الاستعمار وأحلافه.


ـ رفع ضريبة الدقنية لأنها مظهر من مظاهر الرق التى تعيد للأذهان عهد تجارة الرقيق.


ـ المسألة ليست تصوير الجنوب على أنه عالة على الشمال وإننا نصرف عليه، فليست المسؤولية فى ضعف موارده وحالته الاقتصادية واقعة على عاتق إخواننا الجنوبيين، بل إن المستعمرين هم الذين تقع عليهم هذه المسؤولية.


ـ أهمية النهوض بالمستوى المعيشى والثقافى والاجتماعى للجنوب، وتطويره نحو الحكم الذاتى، والاعتراف له بهذا الحق من الحكومة والأحزاب وهيئات العاملين. هذا هو الطريق الوحيد لخلق وطن متحد، متحرر من الاستعمار، يسوده التآخي والتآزر بين شماله وجنوبه.


4ـ وفي جلسة البرلمان المشهودة للتصويت على اقتراح «إعلان الاستقلال من داخل البرلمان»، أعلن حسن الطاهر زروق، نائب الجبهة المعادية للاستعمار، أن «المصير الذي نريده لبلادنا يجب أن يضع في اعتباره وحدة شعبنا وتوحيده في الكفاح من أجل التحرر، ونحن نعلم أن هناك فى المديريات الجنوبية تجمعات قبلية .


وقومية قهرها الاستعمار وخلفها في وضع متأخر بدائي ظالم. فعلينا أن نخلصهم من هذا التأخر والقهر القومى، ونعطيهم حقهم فى وضع نظمهم المحلية، وتنظيم وضعهم الخاص فى نطاق وحدة البلاد ومصلحتها العليا».


5ـ فى فبراير 1956م، بعد إعلان الاستقلال بشهر واحد، انعقد المؤتمر الثالث للحزب، وأجاز برنامجه «سبيل السودان نحو تعزيز الاستقلال والديمقراطية والسلم»، طارحاً «إعطاء المديريات الجنوبية الثلاث حكماً داخلياً مؤسساً على مجلس تمثيلى لكل القبائل بنسبة عددها لتنظيم شؤونها الداخلية، مع وجود تمثيل ديمقراطى لها فى المجلس النيابى المركزى والحكومة المركزية، ومساعدتها.. من الخزينة العامة لتطوير.. مستوى معيشتها».


6ـ وفي ذات الفترة، أصدرت صحيفة «الميدان» ملحق (ADVANCE) الأسبوعى الذى تولى جوزيف قرنق تحريره بالانجليزية لمخاطبة المتعلمين الجنوبيين. كما صدرت مجلة «الفجر الجديد» الشهرية الثقافية السياسية، لصاحب امتيازها ورئيس تحريرها عبد الخالق محجوب، حيث توالت على صفحاتها المعاناة بحثاً عن حل لمشاكل القوميات.


ونقرأ فى عددها الثانى، أكتوبر 1957م، بقلم د. عز الدين علييعامر، أن «مشكلة الجنوب مشكلة تجمعات قومية»، وهى ليست قاصرة على جنوب السودان، بل توجد أيضاً فى مناطق أخرى من القطر. فواجب علينا إذن أن نضع هذا الاعتبار نصب أعيننا عند مناقشة الحلول المقترحة، حتى نستطيع أن نجابه مثيلات هذه المشاكل فى المستقبل.


. والعمل على تقدم الجنوب ثقافياً واقتصادياً فى ظل نوع من الحكم يكفل لهم حكم أنفسهم، والتمتع بالمساواة الوطنية التامة، والمساواة في الحقوق والوجبات مع بقية الأقليات أو القوميات التى تعيش فى السودان، وأن تستعمل لغاتها المكتوبة والمنطوقة، وأن تعمل على تطوير اقتصادياتها المحلية وعاداتها وثقافاتها وتاريخها وفنونها وآدابها.


. والعمل على إحلال المودة محل الكراهية، والثقة المتبادلة بين مختلف الأقليات القومية للتناصر في سبيل رفعة الوطن. كما تشير المقالة إلى الاحتفاظ للجنوب بحق «تقرير المصير» فى المستقبل.


واضح من كل هذه النصوص، ولا بد، حرص الحزب على مقاربة مشكلة الجنوب على ما هى عليه، بأكثر من حرصه على التقيد «بحرفية» النصوص الماركسية، كما يبهته د. منصور!


ـ توفى إلى رحمة مولاه فى ديسمبر 2004م، بينما كتبت هذه المقالة فى سبتمبر من نفس السنة.




Post: #7
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: برير اسماعيل يوسف
Date: 01-07-2005, 03:46 PM
Parent: #6

...

Post: #8
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: elsharief
Date: 01-10-2005, 07:09 PM
Parent: #7




محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» قبل أيام من الخروج من مخبئه: (4 ـ 5)
سؤالان في تفنيد بهتان منصور خالد و نشاز بونا ملوال




سبق للسكرتير العام للحزب الشيوعى السودانى، محمد ابراهيم نقد، المختفى حتى الآن لما يربو على العقد من الزمان، ان فاجأنا مرتين من قبل، وعبر الوسائط الالكترونية، باختياره نشر آرائه على صفحات «البيان».


وها هو يفاجئنا، ايضاً، وللمرة الثالثة، بهذا المقال المهم عبر اتصال اليكترونى يعلن في ثناياه إنه الأخير من مخبئه، حيث ينتظر خلال الأيام القليلة المقبلة صدور قرار خاص من اللجنة المركزية للحزب بخروجه إلى العلن بعد التوقيع النهائى على اتفاق السلام فى السودان.


ووجه نقد جزيل شكره لصحيفتنا، مشيداً بالمهنية العالية، على حد تعبيره، التى اتسمت بها فى إتاحة هذه الفرص النادرة له شخصياً لمخاطبة الرأى العام حول مختلف القضايا.


وفيما يلي الحلقة الرابعة من سلسلة كتابات اعدها نقد من مخبئه وتوالي «البيان» نشرها تباعاً:


للمرة الثالثة، وربما الأخيرة من مخبئه داخل السودان، كما قال لنا إليكترونياً، اختار السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد المختفي منذ اكثر من عقد من الزمان أن ينشر آراءه عبر «البيان»، عارضاً فى ما تقدم من الحلقات لما أورد د. فيصل عبد الرحمن فى كتابه (الحركة الوطنية) حول المشروع الأميركى (للشرق الأوسط) بعد الحرب الثانية.


وإشارات قيادة 23 يوليو المشجعة للمشروع، وطلبها لمساعدات من أميركا، مما هيأ للأخيرة، حسب نقد، اختطاف قضية السودان، وعودتها، بعد خمسين سنة، للسير بنفس الخطى!


ونوَّه بمناداة الطلبة والسودانيين فى مصر بالتمثيل الجامع فى وفد المفاوضات، وأضاء موقف حزبه من اتفاقية الحكم الذاتى، وحقيقة خلافه مع حركة 23 يوليو، وضرورة تقويم اتفاقية بريطانيا وفرنسا بعد ترسيم الحدود السودانية التشادية.


واتفاقية (دار مساليت) بين الاستعمار والسلطان بحر الدين. ثم انتقل لما أسماه (بهتان) د. منصور خالد للحزب فى مسألتين، ضمن كتابه (قصة بلدين)، الأولى أنه يرجئ حل مشكلة «المناطق المهمشة» لحين «إشاعة الوعى الطبقى» بين أهلها، والثانية أنه لم يشترك فى (ندوة أمبو) حذراً من تهمة (الطابور الخامس) للحركة الشعبية.


وبدأ نقد بمناقشة المسألة الأولى مستنداً إلى النصوص التى يرى أنها تؤكد مقاربة الحزب لمشكلة الجنوب على ما هى عليه، بأكثر من (التقيد) بحرفية النصوص الماركسية. وفى ما يلى يواصل نقد في الحلقة الرابعة مناقشة منصور خالد من واقع الوثائق التي يرى انها تدحض «البهتان» الصادر من خالد:


.. ويبقى ما ينفع الناس


ما تقدم كان حصيلة جهدنا الفكرى والسياسى المتواضع من خلال اشتباكنا مع مشكلة الجنوب ورصيفاتها من التحديات التى انطرحت أمامنا خلال فترة الحكم الذاتى الحرجة (19531956م).


ونحاول، فى ما يلى، أن نستعرض بإيجاز أيضاً، وفى لمحات سريعة، مقارباتنا لحل هذه المشكلة خلال الفترات السياسية اللاحقة:


(1) فى فترة الدكتاتورية العسكرية الأولى (1958-1964م)، وعندما تفاقمت أزمة الحل العسكرى، وفرض الإسلام واللغة العربية من فوهة البندقية، بادرت صحيفة (الأيام) إلى طرح القضية لحوار وطنى عام فى خريف عام 1964م.


ودعت الجنوبيين، بالأخص، للتعبير عن وجهة نظرهم. يومها أسهم عبد الخالق محجوب بمقالين ابتدرهما بالدعوة للتحرر من (عقلية الجلابة) في التعامل مع قضية الجنوب، كما أسهم جوزيف قرنق بمقاله الشهير (مأزق المثقف الجنوبى).


(2) وفى فترة ثورة اكتوبر عام 1964م، شاركنا فى اللجنة التحضيرية لمؤتمر المائدة المستديرة، ثم فى المؤتمر نفسه. كما شاركنا فى الاجتماعات الاولى للجنة التي انبثقت عنه بغرض دراسة وتمحيص توصياته، وتقريب وجهات النظر المتباينة.


واستخلاص مشروع يستوعب التصورات المختلفة، وتقديم الحصيلة لمؤتمر آخر يعقد لاحقاً. لكننا اضطررنا، للأسف الشديد، لإعلان انسحابنا من تلك اللجنة، فى ما بعد، حين اقتنعنا بأنه لا حكومة السودان ولا قيادة الانيانيا كانتا جادتين فى التمهيد لعقد ذلك المؤتمر الآخر (انظر: صحيفة «الأيام»، 3/6/1965م).


وعلى ذكر مؤتمر المائدة المستديرة، من حق بعض أبناء السودان علينا أن نعترف بعطائهم وإسهامهم: د. النذير دفع الله، محمد عمر بشير، عبدالرحمن عبدالله. لم تقتصر مهمتهم على الجانب الادارى الفنى خلال التحضير للمؤتمر أو إدارته أو عمل اللجنة المنبثقة منه.


حيث أشهد، شخصياً، باتساق ما كانوا يطرحون من مقترحات بديلة محايدة (لفك الاشتباك) بين وجهات نظر الاحزاب، بل وقد خامرنى شيء من اليقين بأنهم توصلوا، آنذاك، إلى تصور مكتمل لنموذج أو (موديل) للحكم الذاتى الاقليمى.


وعلى ذكر من أسهموا في تذليل مصاعب التحضير للمؤتمر، لا بد من التنويه أيضاً بالدور المتميز الذى لعبه كل من أوناما، وزير داخلية أوغندا الأسبق، والمرحوم الأمين محمد الأمين، سفير السودان الأسبق فى كمبالا. فمن النتائج الايجابية لجهودهما إقناع أقرى جادين، أحد أبرز قادة التمرد، وقتها، بحضور المؤتمر.


وضمان تنفيذ شرطه بأن يلقى خطابه عقب خطاب الافتتاح مباشرة، حتى يتمكن من التوجه إلى المطار، فور انتهائه منه، ليقفل عائداً، على طائرة أوناما، إلى أوغندا، وكان له ما أراد.


كان المؤتمر ساحة سياسية نشطة، تعرفنا خلالها، عن كثب، بالقيادات الجنوبية اللاجئة خارج الحدود، إضافة إلى من تعرفنا عليهم خلال ثورة اكتوبر: كلمنت امبورو، أبل ألير، بونا ملوال وغيرهم. وقد تقاربت وجهة نظرنا كثيراً مع وجهة نظر وليم دينق الذى آثر العودة للداخل فكان جزاؤه الاغتيال الغادر فى أحراش الجنوب!


وليت السيد إدريس البنا يلقى الضوء على ذلك الحادث المفجع، حيث كان مع وليم فى تلك الرحلة المشؤومة، وقد رثاه بقصيدة مؤثرة كتبها بانجليزية ناصعة وقرأها علينا فى سجن كوبر عام 1990م.


(3) وفى فترة البرزخ ما بين ثورة اكتوبر عام 1964م وانقلاب 25 مايو عام 1969م، انعقد المؤتمر الرابع للحزب الشيوعى السودانى (أكتوبر 1967)، وواصل التقرير الرئيس المقدم للمؤتمر بعنوان (الماركسية وقضايا الثورة السودانية) معاناة البحث عن حل لمشكلة الجنوب.


ولا يغيب عن الفطنة ما ينطوى عليه هذا العنوان من مغزى وايحاء، فإن (للثورة السودانية) خصائصها الذاتية وقضاياها الموضوعية، وعلى (الماركسية) أن تتعامل معها على ما هي عليه، لا العكس!


ورغم أن التقرير استعرض التركيبة الاجتماعية للمجتمع السودانى، وتبلور الفئات والشرائح المتعددة للرأسمالية السودانية، ووضع الطبقة العاملة السودانية، وتباين الفئات الاجتماعية فى الانتاج الزراعى والريف، إلا أنه كان واضحاً ومفصحاً فى تعاطيه مع الوضع الاجتماعى فى الجنوب، وذلك على النحو الآتى:


ـ «إن جماهير شعبنا فى الجنوب، كأقليات قومية، ذات مصلحة حقيقية فى إنجاز الثورة الديمقراطية» (ص 136).


ـ «الرجعية تزيف الدين، وحدة بلادنا لا يمكن أن تبنى فوق تعصب جاهل باسم الدين تختبئ من ورائه المصالح الطبقية الرجعية، ومصالح هذه الطبقات فى قهر القوميات الجنوبية، وفرض دكتاتورية عليها، ومنعها من حرية الاعتقاد» (ص 165 ـ 169).


ـ «ينمو الحزب الشيوعى في المديريات الجنوبية من خلال النضال الوطني الديمقراطى، وتنظيم كل العناصر الوطنية الديمقراطية الراغبة في التحالف مع حركة الجماهير فى الشمال ضد التخلف والاستعمار الحديث.


. في مناطق الاقتصاد التقليدي يلعب أبناء القبائل من المتعلمين والجيوب المتناثرة من عمال الخدمات.. دوراً طليعيا. هذا، وبالاضافة إلى العامل الاجتماعى، لابد من اعتبار العامل القبلى والقومى».


أكتفي بهذا القدر من التقرير، وهو وثيقة بنت زمانها، واستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية، يومذاك، سلطة وطنية ديمقراطية تمهد الطريق للتحولات الاشتراكية فى إطار تحالف النظام الاشتراكى وحركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية وحركة التحرر الوطنى، أو كما قال: «وبما أن التقرير وثيقة زمانها، فكثير مما ورد فيه يتطلب التصحيح والمراجعة».


ويبقي ما ينفع الناس.. يواصل ويطور ويستكمل فى واقع المتغيرات الموضوعية الجديدة. لهذا نستطيع القول، وبتواضع جم، إن تعامل التقرير مع مشكلة الجنوب يظل فى جوهره سليماً، بصورة عامة، بل ويمكن أن يبني عليه.


حول البرنامج


(4) وثمة ملمح مهم فى هذا السياق، ضمن مشهد البرزخ بين ثورة اكتوبر وانقلاب مايو، هو استيعاب وتفهم الحزب الشيوعى لمدى تأثير ثورة اكتوبر التى هزت وحركت ساكن الحياة فى أصقاع السودان المختلفة، ومؤازرته، من ثم، للحركات والمنظمات الاقليمية التى تشكلت تحت ذلك الظرف المحدد. لقد دافعنا عن تلك الكيانات، وعن حقها في المشاركة السياسية، ودحضنا التهم التي رمتها بالنزعات العرقية والانفصالية.


وكان ذلك امتداداً، فى الواقع، لموقفنا القديم المؤازر والداعم (لمؤتمر البجا) الذي انعقد قبيل انقلاب عبود عام 1958م. ولعل ذاكرة العديد من مناديب ذلك المؤتمر من أبناء تكوين (البجا) القومى لا تزال تحفظ صيغة البرقية التى بعث بها عبد الخالق، باسم الجبهة المعادية للاستعمار، تحية ومؤازرة للمؤتمر.


(5) وفى فترة مايو الأولى، دشن (بيان التاسع من يونيو عام 1969م) شعار الحكم الذاتى الاقليمى للجنوب، والاعتراف بالفوارق الموضوعية، كسياسة رسمية للدولة. وأكتفى، فى هذا الاطار، بوقائع اجتماع، ثم بفقرة من إسهام عبد الخالق:


ـ أما الاجتماع فقد عقده جوزيف قرنق، وزير شئون الجنوب وقتها، مع وفد كنائس عموم أفريقيا الذى زار الخرطوم فى مايو عام 1971م، أي قبل شهرين فقط من اعدام جوزيف علي يد نميري وزبانيته، وكان قد عاد لتوه من زيارتين لكينيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، أجرى خلالهما مفاوضات مع قادة (حركة أنيانيا) لإقناعهم بالعودة للوطن.


وحسب تيم نبلوك، فى كتابه (صراع السلطة والثروة فى السودان)، فقد توصل جوزيف مع وفد الكنائس الافريقية فى ذلك الاجتماع لاتفاق على أن تؤيد الحكومة إجراء اتصالات مع (حركة تحرير جنوب السودان)، بغرض التمهيد لمباحثات تجرى في أى مكان، وتستهدف التسوية السلمية. وأن يشمل التمثيل فى تلك المباحثات الجماعات ذات الوزن والنفوذ فى الجنوب ووسط اللاجئين.


وأن توافق الحكومة على فترة (تبريد) لأوضاع المواجهة إلا إذا كان هناك ما يهدد الامن. وأن تجري مناقشة تفاصيل الحكم الذاتى الاقليمى فى إطار السودان الواحد. وأن تتم الاجابة على السؤال عمن يرعى المباحثات فى مناقشة لاحقة.


ـ وأما إسهام عبد الخالق الفكرى فى هذا الاتجاه، فإن نموذجاً ساطعاً منه مشمول بفقرة من آخر وثيقة كتبها بعنوان (حول البرنامج)، وسربها من معتقله فى سلاح الذخيرة بالخرطوم مطلع عام 1971م، قبل إعدامه، هو الآخر، أواخر يوليو من نفس العام، وقد جاء فيها:


«بالنسبة للتجمعات القومية والقبلية الاكثر تخلفاً، لابد من التشجيع الفعلي للنمو الحر لثقافات هذه المجموعات. ولن يكون هناك نمو فعلى لهذه الثقافات إلا إذا بعثت لغاتها ولهجاتها.


وعمدت الدولة الوطنية الديمقراطية بجدية إلى تشذيب تلك الأدوات، والتوسل بها فى التعليم ـ وفقاً للتجارب التربوية فى هذا المضمار ـ وفى النهضة الثقافية الشاملة، وأن تصبح هذه الثقافات من المكونات العضوية للثقافة السودانية».


مرافعة منفصلة


(6) ودعونا نقطع تدفق هذا السرد والتوثيق بالمقتطفات، كى ننتقل، ولو لبرهة وجيزة، إلى المشاهدة الحية والمشاركة الملموسة، ونطرح سؤالاً أو سؤالين على هذا الصعيد، ونحن لا نزال فى حيز تفنيد (بهتان) د. منصور خالد للحزب بأنه يرجئ حل مشكلة «المناطق المهمشة» لحين «إشاعة الوعى الطبقى» بين أهلها:


ـ فى (لقاء كوكادام، أثيوبيا 1986م)، بين مندوبى تجمع الانتفاضة وبين ممثلى الحركة الشعبية، وكان فيهم د. منصور خالد نفسه صاحب بهتان «إرجاء الحزب لحل مشكلة الجنوب لحين نشر الوعى الطبقى»، فهل يا ترى سمع الدكتور، يومذاك، مندوب الحزب الشيوعى يترافع أو يسهم (برطانة) نشر الوعى الطبقى بين سكان الجنوب والمناطق المهمشة؟!


ـ وفى (مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، إريتريا 1995م)، والذى عقده التجمع الوطنى الديمقراطى، وشارك فيه الدكتور صاحب البهتان العظيم، واعتمد فيه (حق تقرير المصير) لسكان الجنوب، واستشارة أو استطلاع رأى ورغبات مواطنى جبال النوبة ومنطقة الفونج وأبيى، هل يستطيع الدكتور أن يشهد، على اليمين، بأن مندوب الحزب الشيوعى اشترط، للموافقة على تلك الصيغة، الانطلاق من «تحليل ماركسى مسلم به ومفترض بداهة»؟!


(7) وفى انتظار رد الدكتور على السؤالين، إن أسعفته الشجاعة الأدبية، نعود للوثائق، حيث لم يكتف الحزب الشيوعى بالحيثيات والمسوغات، فحسب، التى أسس عليها التجمع قراره حول (تقرير المصير)، بل أسس، فوق ذلك كله، مرافعته المنفصلة فى وثيقتين مخصوصتين، صدرتا ووزعتا فى الداخل والخارج، الأولى بتاريخ أبريل 1994، بعنوان:


(موقف الحزب الشيوعى السودانى من شعار حق تقرير المصير)، والثانية بتاريخ أبريل 1996م، بعنوان: (الصراع السياسى حول تقرير المصير).


ورغم موقفنا المستقل هذا فقد تابعنا أيضاً، وباهتمام مستحق، مرافعات أخرى قد تتفق وقد لا تتفق معنا، ولكنها تتسم، على أية حال، وهذا هو المهم، بالاستنارة اللازمة للاشتباك مع هذه القضية.


من ذلك ما ظل يطرحه محجوب محمد صالح، مثلاً، بإسهاب وتوثيق، حول تفاقم المشكلة فى أطوارها المختلفة، علاوة على تصوره الخاص لممارسة (حق تقرير المصير) باختيار نمط الحكم والادارة، (شريطة) أن يتم ذلك، من زاوية نظره، داخل إطار الدولة السودانية الواحدة.


كما اطلعنا على المعالجة التى احتفينا بحصافتها، سياسياً ودستورياً، والتى تفضل محمد ابراهيم خليل بطرحها من خارج الوطن، حول (تقرير المصير المقيد)، والآخر (المطلق)، وفق القانون الدولى ومواثيق هيئة الأمم.


أما السياسى الجنوبى بونا ملوال، والذى لا أجد صفة تناسبه سوى الكلمة الانجليزية ,maverick أو ما يمكن تعريبه فى عاميتنا بكلمة (المشاتر ـ بكسر الميم)، فتبقى له حجته التي ساقها فى مقالاته بصحيفة الرأي العام، خلال الفترة الماضية، بقوله: «لو وافق الشماليون علي الفدريشن.. الخ»!


له تحياتى على البعد، وسوف نلتقى ونواصل الحوار، وكالعادة سوف يحتفظ كل منا بموقفه إلى حين (عشرة) الحوار التالى (بفتح العين والشين)، وليكن موضوعها:


«لو وافق النواب الجنوبيون على اقتراح الجبهة المعادية للاستعمار فى 27/9/1955م (لانتزاع الاعتراف بحق الجنوب في الحكم الذاتى من الحكومة والاحزاب وهيئات العاملين)، بدلاً من الاكتفاء أو، بالاحرى، الاستكانة (للوعد) بالفدريشن فى الغرف المغلقة.. الخ»!





Post: #9
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: Nasr
Date: 01-10-2005, 10:24 PM
Parent: #1

منذ بداية الخمسينات وحتي تاريخه كان الشيوعيون يقدمون تحليلات وحلول للمشكلات القومية والعرقية--و في مقدمة تلك بالضرورة مشكلة الجنوب-- تقارب العلم والفطرة السليمة. لكن المصيبة أن القوم لا يقرأون وأن قرأوا تجاهلوا أو كما فعل المثقف الألمعي ذو الإسهامات فائقة الأهمية منصور خالد.

Post: #10
Title: Re: محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»
Author: elsharief
Date: 01-11-2005, 09:09 PM
Parent: #9



محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» قبل أيام من الخروج من مخبئه: (5 ـ 5)
الحزب الأكبر في المنطقة خرافة ولسنا «عراب» اليسار




للمرة الثالثة، وربما الأخيرة من مخبئه داخل السودان، كما قال لنا الكيترونيا، اختار محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني المختفي منذ أكثر من عقد من الزمان أن ينشر آراءه عبر «البيان»، عارضاً في الحلقتين الأولى والثانية لما أورد د. فيصل عبدالرحمن في كتابه (الحركة الوطنية) حول المشروع الأميركي (للشرق الأوسط) بعد الحرب الثانية.


وأشارت قيادة 23 يوليو التي هيأت لأميركا حسب نقد، اختطاف قضية السودان، وعودتها، بعد خمسين سنة، للسير بالخطى نفسها! ونوه بمطلب التمثيل الجامع في وفد المفاوضات في مصر، وأضاء موقف حزبه من اتفاقية الحكم الذاتي.


وحقيقة خلافه مع حركة 23 يوليو، وضرورة تقويم اتفاقية بريطانيا وفرنسا بعد ترسيم الحدود السودانية التشادية، واتفاقية (دار مساليت) بين الاستعمار والسلطان بحر الدين.


ثم انتقل لما أسماه (بهتان) د. منصور خالد للحزب في مسألتين، ضمن كتابه (قصة بلدين)، الأولى اتهامه للحزب بارجاء حل مشكلة «المناطق المهمشة» لحين «إشاعة الوعي الطبقي» بين أهلها، والثانية تفسيره لعدم اشتراك الحزب في (ندوة أمبو) بالخشية من تهمة (الطابور الخامس) للحركة الشعبية. وبدأ (نقد) مناقشة المسألة الأولى في الحلقتين الثالثة والرابعة، مستنداً الى النصوص .


والوقائع التي يرى انها تؤكد مقاربة الحزب للمشكلة على ما هي عليه، في فترة الحكم الذاتي، ثم في مختلف فترات الأنظمة الوطنية، مدنية وعسكرية، بأكثر من (التقيد) بحرفية النصوص الماركسية. وساق في هذا الاتجاه العديد مما يعتبره شواهد على ذلك من وثائق الحزب، ومشاركاته السياسية، وكتابات وافادات قياداته، وفي هذه الحلقة الأخيرة يختتم نقد مقاله:


لا نعتبر ما أوردنا حتى الآن سوى عرض مختصر لاسهاماتنا المتواضعة، في اطار الحركة الوطنية، بحثاً عن حل لمشكلة الجنوب التي تقاصرت عنها فسيحات الخطى منذ فترة الحكم الذاتي الحرجة. ولا بأس من تكرار ما سبق أن أكدنا: (استرشدنا) في عملنا (بالماركسية) كمنهج؟!


نعم.. بل وبما راكمت أحزابها وحركاتها من تجارب وأرصدة سياسية، حالفها النجاح في حالات، وأحبطها الفشل في أكثر من حالة. أما أن نكون قد (رهنا) حل المشكلة باشاعة (الوعي الطبقي) طبقاً (لمسلمة نظرية مفترضة بداهة).. فذاك (بهتان) فظ، و(زلة) لا تليق بمفكر بحاثة في قامة أخينا منصور خالد!


لقد عرف د. منصور شخصيات سياسية ماركسية في قامة حسن الطاهر زروق وعز الدين علي عامر وجوزيف قرنق وعبدالخالق محجوب، «فهل تستسيغ عقولهم، دع عنك مزاجهم الثقافي وتذوقهم الابداعي، التعامل مع صيغة تحليل ماركسي مسلم به ومفترض بداهة»؟!


انها، في الحقيقة، ماركسية رثة، متهافتة ومبتذلة تلك التي يحاول د. منصور، عبثاً، ولحاجة في نفس يعقوب، أن ينسبها لحزبنا. ماركسية الكبسولات والوصفات الجاهزة، المريحة للذهن الكسول، والأقرب الى اللُُن ٌّفٌّف مًفُّ ماركسية التعالي على الواقع الذي لا يكشف مكنون أسراره لمن يتعالى عليه. وهي تصادم، أول ما تصادم، منهج الماركسية نفسها، وجوهرها القابل للتفاعل مع معطيات العلم وتجربة البشر.


ولتقريب المسألة أكثر، وانزالها من علياء التجريد النظري لتبيئتها وسط ضوضاء الواقع وأوشابه، فإن المواطن الجنوبي، بل حتى السياسي الجنوبي اليميني، الذي يدلي بصوته لصالح الوحدة في الاستفتاء على (تقرير المصير)، سوف يكون أقرب الى فكري ووجداني وهويتي الوطنية من الجنوبي اليساري (الماركسي) الذي يدلي بصوته لصالح الانفصال في الاستفتاء ذاته!


ومع ذلك، وعلى الرغم منه، فكل من يتعامل بشكل موضوعي مع مجتمع الجنوب، من مدخل ماركسي، أو غير ماركسي، أو حتى من موقع العداء للماركسية، لابد له من التعامل مع بعض الوقائع الموضوعية، وفي مقدمتها انه مجتمع مثخن بجراح الحرب، وفاقدها البشري، وجراح الروح الفائرة، النازفة، وان أشواقه للسلام تفوق كل شوق آخر، وانه يتطلع لتحقيق ذاته الوطنية في دولة حكم ذاتي اقليمي (فدرالية، كنفدرالية، انفصالية).


لكنه سوف يواجه، من بعد، سداد الفواتير الافريقية لمطلوبات وتكلفة البناء الوطني، ودور الحافز المعنوي في استنهاض أبناء وبنات وشيوخ الجنوب لإعادة ترميم وتشييد وطنهم، وما من حافز أشد مضاءً من استقامة القادة ونظافة جيوبهم قبل أياديهم!


خسائر الحرب المروعة لم تصب مجتمع الجنوب بالعقم أو التفسخ أو انفراط العقد، بل ظلت رابطة القبيلة والعشيرة متماسكة وفاعلة حتى في مناطق النزوح ومواقع الهجرة لما وراء الصحاري والبحار. كما وان القبائل الجنوبية أفرزت من صلبها الخصيب فئات اجتماعية حديثة: طلبة، موظفين، مهنيين، عمالاً مهرة وحرفيين وجنوداً وضباطاً في شتى القوات النظامية، من الجيش إلى حرس الصيد والمطافيء.


ومثلما شمت القبيلة بميسمها الفئات الباكرة للعمال في الشمال (السكة الحديد والنقل النهري نموذجاً)، تركت قبيلة النوير، مثلاً، بصمتها على عمال البناء والتشييد في كل مدن السودان.


وأصبحت متتالية صيحاتهم الجماعية إعلاناً صادحاً عن يوم صب خلطة (الخرسانة) على شبكة سيخ (القريد بيم) والسقف، وأصبح اسم (النوير) يطلق حتى على عمال البناء من القبائل الأخرى (اضطر أبناء «النوير» في العاصمة للابتعاد، خلال الفترة الماضية، عن مواقع البناء والتشييد، خوفاً من «الكشات» التي تنظمها قوات فاولينو ماتيب الموالية للحكومة، لتجنيدهم قسراً.


بحجة «أداء الخدمة الالزامية»، وارسالهم الى معسكراته في أعالي النيل، لتعويض فاقد قواته التي أرسلها لدعم «الجنجويد» في دارفور) وقد رفع شيوخ عشائر النوير بالعاصمة عريضة لرئيس الجمهورية طالبين حماية أبنائهم من تلك (الكشات).


وبعد.. هل من عاقل، ماركسي أم غير ماركسي، يمكن أن يطلب من أهل الجنوب أو أي منطقة أخرى مهمشة أن يؤجلوا حل مشاكلهم هذه الى ما بعد اكتمال نشر الوعي الطبقي أو الفئوي وسطهم؟!


مرت الأيام


انتقل، بعد هذا، الى البهتان الثاني، وأركانه حسب د. منصور: ان دعوة رسمية وجهت من الحركة الشعبية الى الحزب الشيوعي للمشاركة في منتدى فكري. وان الحزب اختار عدم الاشتراك مخافة أن يعتبر الآخرون ذلك المنتدى تكتلاً يسارياً، ومظنة أن تلحق بالحزب تهمة الطابور الخامس للحركة الشعبية!


«كبير الجمل»، كما في المثل الشعبي، يا دكتورپ فالحكم أو الخصم السياسي الذي يرغمنا على تغيير جلدنا وخيارنا لم تتشكك النطفة في رحم أمه بعد.. تلك واحدة. أما الثانية فقد طالتنا (تهمة الطابور الخامس للحركة) قبل وبعد ندوة أمبو، ودونك صحف الجبهة الاسلامية القومية منذ ظهورها عقب انتفاضة ابريل عام 1985 وحتى انقلابها في 30 يونيو عام 1989.


ولست بحاجة لشد انتباهك للفبركة التي جرت في تلك الفترة من خلال ملابسات اعتقال المهندس الكهربائي الشيوعي صالح الخير في منطقة الدمازين، والذي قررت المحكمة براءته رغم كل (الضجة الكبرى) التي أثيرت بالباطل حول نشاطه (التخريبي) لصالح الحركة الشعبية!


وبعد.. فعندما بادرنا ورحبنا باعلان ميلاد (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، واخترقنا الحدود واتصلنا بها، لم يكن حافزناً أو دافعنا الى ذلك انها ماركسية، أو ان ميلادها تم في أرض دولة أعلنت ماركسيتها. كان دافعنا، ولايزال، اعلانها انها مع وحدة السودان، وان حل مشكلة الجنوب رهين بحل مشاكل السودان.


فالماركسية، بحد ذاتها، ليست (تعويذة وحدة) يا دكتور، وإلا كيف تفسر اختلاف الماركسيين داخل أحزابهم؟! ولماذا اختلف الحزبان الشيوعيان السوفييتي والصيني كل ذلك الاختلاف؟! ولماذا اندلع القتال بين أذربيجان وأرمينيا حول مقاطعة ناغورنو كراباخ، بينما الجمهوريتان تحت قيادة حزبين شيوعيين؟!


(مرت الأيام)، واستدارت السياسة السودانية لممارسة هوايتها في الحركات الاكروباتية! تبدلت مواقف الذين وصفونا أمس (بالطابور الخامس)، ووصفوا رئيس الحركة (بالشيوعي المتمرد)، فقد وقع (المؤتمر الشعبي)المنشق بقيادة حسن الترابي مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية نفسها بقيادة الشيوعي المتمرد نفسه.


وعاد رئيس المؤتمر الوطني الحاكم عمر البشير من المقابلة الأولى والأخيرة مع جون قرنق في نيروبي ليعلن انه اكتشف، فجأة، ان (الشيوعي المتمرد) وحدوي!


ومع ذلك نتعامل مع الموقفين بموضوعية، باعتبارهما خطوتين، وان جاءتا متأخرتين، نحو انهاء الاحتراب، وارساء دعائم السلام، وافساح مساحة اضافية لخيار الوحدة في الشمال وفي الجنوب، وتوفير سانحة جديدة كي يفلت السودان من لعنة (ارشيف الهياكل العظمية) في كمبوديا، و(صالة عرض الجماجم) في رواندا!


لسنا «عراب» اليسار!


أما الشق الآخر من البهتان، فيما يتصل (باليسار)، فمسألة تخص حزبنا وتجاربه وخبراته طوال فترة الستينات، وتحديداً بعد انقلاب مايو وافرازاته الكارثية، فقد عكفنا على اخضاع مجمل تلك التجارب والخبرات لتقويم ناقد، بما في ذلك الشعارات الرنانة عن (وحدة القوى التقدمية)، و(وحدة القوى الاشتراكية)، و(الدفاع عن الأنظمة الوطنية التقدمية)، ونموذج (الاتحاد الاشتراكي) في مصر، وفي قلبه (الحزب الطليعي)، و(اجبهة القومية التقدمية) في سوريا والعراق.


و(المدارس الاشتراكية الافريقية)، ومشاريع نكروما في غانا، وسيكوتوري في غينيا، و(المعلم) نايريري في تنزانيا، و(منبر الفكر الاشتراكي) في جامعة دار السلام، الذي تأثر به شباب (أنيانيا ون) وكان لهم صوتهم الناقد والناقم طوال سنوات اتفاقية أديس أبابا العشر.


من الاستنتاجات التي خلصنا اليها، منذ النصف الأول لسبعينيات القرن الماضي، القطيعة النهائية مع الانقلابات العسكرية والفكر الانقلابي، ومبررات ومسوغات نمط الحزب الواحد، كما توصلنا الى قناعة راسخة بأن القضايا المصيرية التي تواجه شعب السودان تتطلب أوسع تحالف سياسي متاح:


أحزاب سياسية، كيانات اقليمية، أقليات قومية، نقابات عمالية، اتحادات مهنية، اتحادات مزارعين، تنظيمات طلاب وشباب ونساء وصحافيين ومبدعين وشخصيات وطنية مستقلة، الخ.


وطرحنا تصورنا هذا في بيان سياسي للجماهير بعنوان (الديمقراطية مفتاح الحل ـ جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن، أغسطس 1977)، ودعمناه بوثيقة صادرة عن (دورة اللجنة المركزية، ديسمبر 197


أفرزت تجربة المجتمع السوداني، وقواه النقابية والسياسية، صيغة (التجمع النقابي) ثم (التجمع الوطني)، ولايزال (التجمع) هو الصيغة الأجدى والأكثر فاعلية إذ وفق في توسيع هياكله، واضفاء المزيد من المرونة عليها، بوصفه تحالفاً (ماهلاً) مرناً، وليس تنظيماً مركزياً قابضاً!


لذلك لن نعود للأشكال الهلامية لحقبة الستينات مهما كانت تصورات د. منصور، وعلى الرغم ما قد يرى فيها من نجاحات وخبرات، فخلط الألوان أوردها، في المحصلة النهائية، موارد باهظة التكلفة، بل موارد الهلاك!


ولكن لابد لنا، مع ذلك، من التنبيه بالصوت العالي الى اننا لسنا (عراب) اليسار، ولا نحتكر موقعه في المجتمع أو التاريخ، ولن نمل دحض ونسف أسطورة وخرافة (أكبر حزب شيوعي في أفريقيا والمنطقة العربية)، فتلك فرية نعرف مصدرها.


ومنطلقاتها، ونعلم، علم اليقين، ان من افتروها إما قوى دولية أو اقليمية يهمها زرع حالة مستمرة من (الفزع) والاحساس بالحاجة الدائمة للعون الخارجي لدى أنظمة بعينها في السودان وفي الجوار، أو انهم هم أنفسهم من ظلوا يكيلون الضربات للحزب الشيوعي، ثم يتوهمون القضاء عليه، فيسارعون، المرة تلو المرة، لتقديم الفواتير (لمن يهمه الأمر)!


تلك، على أية حال، قناعاتنا وتصوراتنا التي راكمناها من فوق عقود بأكملها من الخبرات الممهورة بعزيز التضحة، وزكي الدم، وقسوة المعاناة في البحث والتنقيب، وبسالات الآلاف من الرجال والنساء، فهل كان د. منصور يتوقع منا أن نبدلها، ببساطة، لمجرد ان دعوة ما وصلتنا من الحركة الشعبية، مع أكيد احترامنا لها وله؟!


بالصوت والصورة!


قبل أن نستفيق من عناء (مذاكرة) وثائق مشاكوس ونيفاشا، انقضت علينا صاعقة دارفور من سماء حسبها الواهمون صافية، على الرغم صيحات التحذير التي قاربت الانذار النبوءة (يا ساري الجبل)، أو غضبة ذلك الشاعر الذي محض قومه النصح بمنعرج اللوى فلم يستبينوه إلا ضحى الغد، حتى ذاع وشاع مصطلح دارفور الشيطاني.. (الجنجويد)، بكل ألسنة برج بابل، وبالصوت والصورة معاً!


ومعذرة ان استخدمت كلمة (وثائق) بدلاً من (بروتوكولات)، فالأخيرة استقرت في ذاكرتنا بكل ما هو سالب: (بروتوكولات آل صهيون)، أو (بروتوكول صدقي ـ بيفن) الذي مهره الأول، رئيس وزراء مصر، مع الثاني، وزير خارجية بريطانيا، ثم ما لبث أن انطلق يلوح به للرأي العام المصري.


وهو يصيح مبتهجاً: «جئتكم بالسيادة على السودان»! أما (قسم البروتوكول) في القصر بعد الاستقلال فقد أوسعه الكاتب الصحافي المرحوم علي حامد تشنيعاً وسخرية، حتى تم تعديله، لاحقاً، الى (قسم المراسم)!


ختاماً لك التحية، يا دكتور منصور، على جهدك المثابر في الحوار والتوثيق، ببلاغتك اللغوية المنتقاة، طريق الاستنارة والتنوير محفوف بتلاقح الأفكار أو تصادمها المفضيين، في ما نؤمل، الى معرفة أفضل.