ظرفين حنّة ونص وقية محلبية

ترتفع قامة غاية المنى وسط الحوش ، ويعلو عنقها فوق ارتفاعه ، فتخاطب جارتها :
ناس المكتب ديل لي الليلة ما جو ؟
والله يا بت أمي أتأخروا بلحيل ، إن شاء الله ربي يرجّعهم بالسلامة ، والله خايفة عليهم من لواري الزمن ده ...
مالك خوفتيني ؟ إن شاء الله يجونا بالعافية والسلامة ..
كان مزارعو القرية قد تجمعوا منذ الصباح الباكر حول اللوري الواقف أمام دار صاحبه ، وهم يلبسون ثيابا بيضاء ، تبدو عليها آثار الظهرة ، وعمائم لُفت بعناية فوق رؤوسهم ، ومراكيب فاشرية تراوحت بين الحمرتين الفاتحة والغامقة .. كل واحد منهم حمل في جيبه خاتمه ، ومحفظة فارغة إلا من ريال أو ريالين . فاليوم ستمتلئ الجيوب الفارغة بالجنيهات والإيصالات ، ويتحلّق المزارعون في حلقات تحت أشجار الطلح المحيطة بالمكتب الزراعي يساعدون بعضهم بعضا في حساب مستحقاتهم من أرباح القطن للموسم الفائت حتى لا يذهب مليم واحد من هذه المستحقات إلى جيب الباشكاتب ....
منذ أسبوعين والتاجر لا يقبل أن يبيع شيئا لفضل المولى وأولاده إلا إذا سددوا ثمنه مقدما ، فهم من وجهة نظر التاجر قد تعدّوا السقف المحدد لهم من ( الجرورة ) - الشراء بالأجل - .. لكن غاية المنى لا تقنعها هذه الحجة ، فهي تعلم تماما أن التاجر يحقد عليها وعلى زوجها . وقد بدأ رفضه في استمرار تسليفهم حين أتاه فضل المولى وطلب منه ظرفين من حنة التاج ، ونصف أوقية محلبية ، لزوم إكمال غاية المنى زينتها التي لا تقبل التفريط فيها منذ زواجها من فضل المولى .
اعتاد التاجر أن يعلّق على حنة غاية المنى كلما جاءه زوجها أو أحد أولادها طالباً ظرفي الحنة ونصف أوقية من محلبية ميسو،،،
إنت يا فضل المولى يا خوى الظاهر عليك ماك واعي لي نفسك ،،، والله الشي ده يوديك الآخرة ... المرة دي وليداتها بقوا كبار ، تاني الحنة ليها شنو ؟
يغتاظ فضل المولى ، ويكتم غيظه لئلا يمتنع التاجر عن تسليفه ، وهو يعرف في قرارة نفسه أن التاجر يحسده في زواجه من غاية المنى ، أو يستكثرها عليه ... فيتمتم فضل المولى بصوت غير مسموع ويتبع ذلك بابتسامة مغتصبة ، ثم يعود ليبلغ غاية المنى ما سمعه من التاجر وما أحسّه من حقده ...
غاية المنى التي تدرك جيدا أبعاد المشكلة ، تطمئن فضل المولى أنه هو سيد الرجال ، ومالك دنياها ، وأبو عيالها ، وهم زينة الشباب ... ثم تزيد :
بس طوّل بالك شوية ، وخلينا ننتبه في حشّتنا وزرْعتنا ، وبهايمنا ديل ،،، والله نسوي دكّان أكبر من دكيكينو العاجبو ده ..
غاية المنى عندما تزوجت فضل المولى كانت شابة في الخامسة عشرة من عمرها ، وكانت أجمل بنات القرية ، فارعة الطول ، لا يقوى شعرها الناعم الفاحم على معاندة نسمات حقول القطن ،،، وقد ازدانت بقليل من الدراسة بالمدرسة الابتدائية في القرية ،،، ولو أنها وجدت توجيها لكانت تقدمت في التعليم إلى منتهاه ... وفضل المولى ، ذلك الرجل القصير القامة ، أطلق عليه أهل القرية اسم ( وتيد ) ، وهو الوتد القصير الذي لا يكاد يراه أحد من شدة قصره ، ما كان يحلم بزواج غاية المنى ، لكن ابوه أتمّ له الزواج مع والد غاية المنى بحكم صداقتهما الراسخة ، والجيرة المستمرة ...
في مخدعهما ، بعد عودة فضل المولى مع بقية المزارعين من المكتب ، جلست غاية المنى وفضل المولى على ضوء اللمبة يراجعان إيصال الصرف ، وغاية المنى تمسك بالقلم وتكتب خلف الإيصال ، إلى أن تأكدا من صحة ما استلمه فضل المولى من الباشكاتب .. ثم قامت بتوزيع المبلغ حسب أولويات وضعتها مسبقا ،،، الجرورة أولا ، وحذاء للبنت ، وجلابية للولد الأكبر ، ( والباقي نشتري بيهو نعجتين شِيَل ( مع حملانهما ) ، وإن شاء الله يِبْقَن لينا أُمّات النعاج ) ..
يا ولية ما أخير لينا نجيب لينا بضاعة ونَخُتّها في أوضتنا البرّانِيّة دي ، ونبدأ نسوي لينا دكّان ...
يا فضل المولى مالك داير تكمّل لينا قريشاتنا بالجرورة ؟
قبيل ما قلنا حاج أحمد التاجر معاهو حق في الجرورة ، قلتي لا ،، هسة الجرورة بقت حارّة ؟
والله يا فضل المولى كان الناس كلهم جرورتهم زي جرورتنا ما كان خربت البين الناس ، ولا كان في تاجراً فلّس ...
سمح هسّة قلتي شنو في موضوع الدكّان ، ما ديل ناس حلّتنا ونحن عارفنّهم ، السمح عارفنّو والشين عارفنّو ..
المشكلة يا فضل المولى كان سويت ليك دكّان لازماً تبيع للسمحين والشينين ..
لا والله ، ده حقّي ومافي زولاً جابرني على شئ ، أنا مخيّر في حقّي ...
شوف يا فضل المولى ، كان بتبقى على الكلام ده ، أنا ما عندي مانع ،، وأكّان بتجامل ده ، وتخاتر ده ، يبقى أخير لينا البهائم وتِربايتن .
يا زولة إن شاء الله ما أفرّط في شئ ، وإنتي ذاتك خلّيك معاي ، في الحساب ، والدفتر ، والصباحية أمسكي المفتاح وبيعي للنسوان ..
وعندما تخرّج الولد الأكبر من كلية التجارة ، كان رأس المال جاهزا ، والخبرة متوفرة ، والدكّان الصغير تحول إلى سوبرماركت ، ويد غاية المنى ما تزال مخضبة بالحنّاء ، وفضل المولى لم يقتله ذلك الشئ ...

أمامي بحر مالح ...

Quote: أمامي بحر مالح ...

وجه ممسك ببطنه و يتلوى على الارض من الضحك.

حسين
فرصة ، اضحك كما يحلو لك ،،،
بس ادفع حق تذكرتك ،،،
المرة الجاية حا أكتب لي نفسي :
عبث ..

العزيز ود قاسم
لكن باقيلك الحنه والمحلبية دي في طريقة الراجل ازوق من قروشها دي الحاجه الوحيده الراجل بدي المراة قروشها وهو بضحك
علي زكري الحنه عندي صاحبي معجب جدا بكره الكيزان لي يوم الدين النوع البقول ليك لو الجنه لمته بيهم ما داير الجنه لكن بعد دا مكسر في بدرية سليمان مستشارة الرئيس للشؤن القانونية في شان حنته ودخانه الما بتفرط فيهم اصلا

حبيب الكل
سلام واحترام
زمان الحنة لم تكن تباع معبأة في أظرف ، كانت تباع في شكل أوراق جافة ، وتكال كيلا ، وهي رخيصة جدا يعني بتعريفة ممكن تحنن البيت كله ، وعندما جاءت حنة الأظرف ارتفع سعر الحنة ، وأصبحت جزءا من الشيلة ، وأصبحت أكثر استخداما ،، وبالتالي ارتفعت أيضا أسعار اكسسوارتها ، كالمحلبية والسرتية مثلا ،،،
والآن الحنة تكلف أضعاف ما كانت تدفعه جداتنا ،، وفي السودان تتحنن النساء في محلات الكوافير ، وكمان معاها بوخة بالدخان ،،، يا زووووول ،،، حكاية ...
يديك العافية ..

هما ظرفي مطرقة وسندان.. ونصف وقية من الارادة.. هي التي صنعت هذا السوبر ماركت.. ليت القناعات التي نعتنقها تصبح
ديدناً في حياتنا.. حتى نحقق بعضاً من نجاح

الاستاذ ود قاسم

سلام والف سلام
ان امامك نهر من سلسبيل ياريت تتحفنا بالحاجات السمحة دى

الله يعطيك العافية

انتصار

انتصار
لك التحيةوالتقدير
لا أعلم إن كان اسمك جديداعليّ أو جديد على المنبر بأكمله ،،،
أرحب بك زائرة كريمة ، ومقيمة ،،، ودربك أخضر ...

الاخ المبدع ود قاسم.
لما تكتب انا بتكيف شديد لى كتابتك.
ولما تحيب سيرة الحواشات اها كدة الكيف يزيد قيراط.
الليلة الكتابة جابت ليها شيتا تانى. دا ما عارفين نسو معاه شنو لانه الله ما فتح علينا بيه لى هسع وراينا فيه مؤجل الى اجل قريب ان شاء الله.
ولك الود
والف باقة ورد

حنتك عينة يا ود قاسم

نويبي
عينة وبس ؟!
مراااااحب ، وسألتقيك هناك ..

المعتمد ود الصمد
تحية بعبق القطن والذرة واللوبيا والفول ،،، وموية البوقة ،،، ونسمة تحت شجرة طلح تنبت على طرف ترعة ...
ربنا يتم ليك على خير ، يحننك البنيات ، وتعرض وسط اصحابك ، وشبالاتك هبطرش ...

: ظرفين حنّة ونص وقية محلبية

هذا الحرف الانيق
للصديق ودقاسم
تجدنا كلما وجد الجمال
لك محبتى

الخال ..



قيامتك قامت



ود الباوقة

الصديق الرفيق عمر ود الباوقة
إن شاء الله تكونوا كلكم بخير وعافية ..

Quote: الخال .. قيامتك قامت

ولا يهمك ياعمر
بكفي بطفيها ...

الصديق الراقي عبد المنعم
عندما تكون أنت أحد الداخلين إلى بيتي يتملكني إحساس بالثقة ، وبك نصبح أكثر جمالا ..
لك عظيم الود .

قررت تمديد اقامتى بالمنبر
وهذا كل ما في الأمر
عثمان محمد صالح

الصديق عثمان
إن لم تمدد إقامتك فسأحزن كثيرا ،،،
اجعلها إقامة دائمة ،،
وعش بيننا سعيدا ..

الخال العزيز .. ودقاسم

لا تتصور كم أجد في عذوبة ما تكتب من راحة وكم أتمنى أن يتم جمع هذه القصاصات بشكل مطبوع حيث سيكون لها طعم آخر ...

لك الكثير من الود وعميق الإحترام

أبو طلال

Quote: وعندما تخرّج الولد الأكبر من كلية التجارة ، كان رأس المال جاهزا ، والخبرة متوفرة ، والدكّان الصغير تحول إلى سوبرماركت ، ويد غاية المنى ما تزال مخضبة بالحنّاء ، وفضل المولى لم يقتله ذلك الشئ ...

حقو الجزء دة يطبع و يوزع لكل المغتربين. ( مشروع للعودة من الغربة )

أبو جهينة
كيف حالك ؟
قروش الغربة إن وجدت فهي ممحوقة وما فيها بركة ،،، ولا يعتمد عليها ،،، ليتنا نعود ثم نزرع ثم نحصد...

هاني
لعلك بخير ، فقد غبت لفترة ،،،
ما في إجازة السنة دي ، وللا برضك عايز تمشي للحبايب في السودان ؟
وإيه أخبار صديقك موفق ،،، ياريت تديهو تلفوني يتصل عشان نعرف أخبارو
لك الود الباقي أبدا ..

انا قايتو ما عجتنى الحنة ولا ستها
لكن عجبتنى كلمة الجرورة دى والله ياخال انت بقيت زى عون الشريف قاسم
اول من استخدم كلمة جرورة على النت.. وذكرتنى ايام سكر العلبة والحاجة ترسلنى لدكان الجرورة
امشى واسف الى ان اصل البيت....
تحياتى لك وانت تنقل تراثنا.الى عالم الافندية.وكم اغتاظ لما يقولو الجزيرة ما عندها تراث
خلاص محبتى الى ان تنتهى اقامة عثمان

ود قاسم


شفت انا برفع ليك بوستاتك وبنكتها من تحت ا########## كيف ؟!!


اها وبما اننى بندرية جدا


جروووووووووورة يعنى شنو ؟!!

نادية نحلة المنبر
منكِ نشاطه وحلاوته ، وكلماتك بلسم لجراح الكثيرين .. ربي يرفع مقامك ، ويخليك ،،، وهذا عشمنا فيك ...
أما الجرورة فنحن - أهل العوض - لم نتعرف عليها إلا من الموظفين الذين قدموا للعمل في قرانا ، فهم يفتحون حسابا عند التاجر - وهو عادة يكون من أهل العوض - يستدينون حتى استلام ( الماهية ) والتي أصبحت لا تستلم في السنوات الأخيرة ،،، أما نحن فعندنا مواسم ، نبيع الفول أو الذرة أو القمح أو الخضار ونشتري أغراضنا نقدا ، وتمر بنا فترات ركود وشح في السيولة بسبب أن الحكومة لا تمنحنا نصيبنا من القطن بالسرعة المطلوبة ، فنعمد إلى التاجر ونستدين ، ونسمي ذلك بالجرورة ، ربما لأنها تجرجر من يمارسها من الطرفين إلى ما لا يحمد عقباه ،،،
لقيتيني كيف يا متمدينة ؟؟

أبوقوتة
لك التحية وأنت تبحث في ثنايانا عن بقايا جمال ينتمي للجزيرة الحبيبة ،،،
وسنشيد معا هناك في موقع أبوقوتة الجديد أهراما من تراثنا الجميل ..

الأستاذ ودقاسم ..
غاية المنى عايز تقرا قالت .. فوقه حيطة الدنيا مالت

سيد اللوري ذكرني بإبن عم لي كان يحلم دائماً أن يمتلك لوري جديد ويأتي أهل القرية ماشين لأمر مهم فيتجمعوا أمام منزله وهو مسترخ فينادونه من أعلى الحوش يا حاج يوسف أرح .. أصبروا شويه عايز استحمى .. وكنت أظن أن أهل الجزيرة أحسن حالا من أهل ريفنا الذين تمتحنهم الجرورة حتى في الفرح الضروري وظريف الحنة والحد الآدنى من لوازمه .. وكان البعض يحاصره حق دقيق الفينو وكت المطره ..
أما الباشكاتب فقطع شك ما بمرق ساكت .. وكان أحد أهلنا مشارك عمو في بوابور وكلو تمام إلا الحسابات .. يجي العم في الجمع ويقول ليه أثنين معانا الواحد وابن الاخ يقولو ياعمي أثنين أنا وانت الواحد المعانا دا داير أعرفو منو .. يا اخي الباشكاتب لازم إطلع بالواحد بتاعو
.. لكين العوض أنو الطلح ببلاش يملخ أقرب فرع من شجر الباشكاتب .. بس والله أنا متفق مع غاية المنى أنو حاج أحمد حاقد شديد .. مش كفاية هم الجرورة .. كما جابت ليها كلام تاني .. أظنوا رفض الزواج بعد ما شاف غاية المنى اتزوجت والله شنو ؟ وإن لم يكن ذلك كذلك فما سبب جهله (بالأربعين وما الذين يعنيه حب الآربعين) .. كان يكفيه أن يرى غاية المنى زبونة بالجرورة كل صباح عليها الابتسامة التي تنتزعها الحاجة .. ألم تقل أن غاية المنى تعرف أبعاد المشكلة؟ ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوا له ما من صداقته بد
وصديق الموج يبحث عن وظيفة .. لو ممكن تشوف ليهو السوبر ماكت بتاع فضل المولى ده .. لأنو في بةسا قبل يومين طلب مني وظيفة أقل من دي .. حاول ساعدو يا ود قاسم ..
محمد عبدالجليل