المدخـل الأنيـــــــــــق

المدخـل الأنيـــــــــــق


06-15-2005, 06:34 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=17&msg=1135898163&rn=5


Post: #1
Title: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: ودقاسم
Date: 06-15-2005, 06:34 AM
Parent: #0

هذا الباب الأتوماتيكي تنفرج أساريره لك دون أن تطلب منه ذلك . لا يهتم مطلقا لتقطّب وجهك أو انشراحه ، ولا ينتظر منك تحية . وأول ما يقدّمه لك نسمة باردة تلفح عرقك وتنسيك أنك موجود وسط كل هذا القحط ، تجد نفسك فجأة تدلف إلى بهو واسع اصطفت على جوانبه كراسي وثيرة ، وتناثرت بأطرافه نباتات الظل المخضرّة ، وجلس على شكل نصف دائرة شباب لبسوا زيا موحدا اصطفت خلفهم أرفف خشبية بنية اللون .
الرخام الذي غطى أرضية البهو لامع لدرجة أنه يمنحك الفرصة لترى على وجهه صورتك وكأنك تسير في اتجاه العمق ، والداخلون إلى البهو نزلوا لتوهم من سياراتهم الأنيقة المكيفة ، ثم وصلوا إلى المدخل عبر طريق مرصوف هو الآخر بالرخام . لكنّ هذا العامل الذي يرتدي بدلة عنّابية مميزة ، يصر على تحريك ماكينة النظافة فوق الرخام . هذه الماكينة ترش الماء بمقدار ، ثم تمسح ، وتجفف ، وما على العامل إلا أن يحرّكها في الاتجاهات المختلفة حتى لا تخلّف بقعا هنا وهناك ... لا ارى اتساخا يجعل هذا العامل يبذل كل هذا الجهد ، لكني أعلم أنه لابد له من فعل شئ . هو يحتاج مرتبه ، وللماكينة عدّاد يسجل عدد ساعات التشغيل ، وفوق هذا وذاك هناك من يراقب ....
في الركن البعيد من البهو جلست أداعب شاربي ، واتأمل الداخلين والخارجين ، بتركيز كبير على النساء ، يا لكثرة النساء هنا . نساء من كل بلاد الدنيا ، بسحنات ، ومقاسات ، وهيئات ، وأزياء ، وشعور متنوعة . هذه إفريقية مكتنزة الأرداف ، وتلك أوروبية شقراء ، وثالثة ذات أنف أفطس وصغير تنتمي إلى جنوب شرق آسيا ، وتلك عربية تغطي رأسها بطرحة وتتلفع بعباءة سوداء .. بعضهن يسرع في مشيته حتى تخشى عليه من السقوط ، وبعضهن يمشي الهوينا حتى لكأنك تكاد تستدعي إمرؤ القيس ليرسم لك صورة تلك المشية ... وفي الركن المقابل جلس رجال يغطّون رؤوسهم ، ويرسلون لحيهم ويضعون أمامهم أكياسا بلاستيكية مكتنزة . يبدو أن هؤلاء لا يهتمون بشئ ، وربما أنّهم لا يعلمون لم جاءوا إلى هنا أصلا ، يبدو لي أنهم يهتمون فقط بملء أكياسهم البلاستيكية .. والعامل ذاك يواصل تحريك ماكينته بلا كلل . تقترب الماكينة من المنطقة التي أمد فيها قدمي ، يرتفع صوتها أكثر ، وكأنها تتوعدني بتنظيف ما حملته أحذيتي من غبار . وبإشارة من عينيّ رجوت ذاك العامل أن يبعد ماكينته عني ، ثم توسلته بحمحمة من حنجرتي التي أصابها تيبس من جرّاء حركة الذهاب والإياب لنسوة البهو ، لكن عيني العامل كانتا ملتصقتين بعدّاد الماكينة ، وقلبه معلّق بلمعة الرخام ، فلم يفهم إشارتي ولم يأبه بتوسلاتي .
اضطررت لرفع قدمي إلى الأعلى بقدرٍ يسمح للماكينة بحرية الحركة ، وكنت أحاول تقليد الجالسين في الركن المقابل في حركتهم حين مرّت عليهم الماكينة أولا . لم يكن لي – مثلهم - ثوب مترهل لأضطر لأمساكه بيدي ، ولم يكن بيدي الأخرى كوبا من الشاي أو القهوة . لذا لم تكن حركتي رياضية كما ينبغي ، وربما أنها لم تعجب العامل وهو يستمتع بدفع ماكينته تحت قدميّ المرفوعين في الهواء ، أو هكذا خيّل إلي . والعامل لا يهتم بي مطلقا ، هو فقط يركّز اهتمامه تحت قدمي .
تساءلت لِم يطأطئ بعض الناس رؤوسهم إلى هذا الحد ، لكن لا أحد يجيبني ، والماكينة ترش الماء تحت قدمي ، ثم تعيد مسح المكان وتجفيفه . والعامل يحاول دفع الماكينة لتصل إلى ما تحت المقعد ، فيتقدم العمود الواصل بين الماكينة ويديّ العامل فأضطر لتوسيع الزاوية الواقعة بين قدمي والأرضية الرخامية . وفجأة ينقطع صوت الماكينة ، ويحاول العامل سحبها من تحت المقعد . لكنها لا تتحرك .. وقدماي مرفوعتان في الهواء ، والعامل لا يهتم إلا بماكينته .
عادت المرأة التي كنت أنتظرها ، ممتدة كطول النخلة ، مخضرّة كشطّي النيل . نبهتني إلى مجيئها ، ودعتني لمرافقتها . لكن قدمي ما تزالان مرفوعتان ، والماكينة تحتهما ، والعامل يسعى لإعادة تشغيلها ... والمرأة المخضرّة العود يثيرها المنظر فتضحك بسخريتها المعهودة .

Post: #2
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: ودقاسم
Date: 06-16-2005, 00:40 AM
Parent: #1

في اتجاه المدخل الأنيق

Post: #8
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: الصادق خليفة
Date: 06-18-2005, 04:59 AM
Parent: #2

هل من معاني كثر لهذا النص؟ ام كل يفسر النص على هواه ؟
مشهد يتكرر ولكنك رسمته بريشه متناهية الدقة ونقلته صورة متحركة جعلتنا نسرح مع الحدث و كأننا نعيشه .
اسلوبك مشوق و كلماتك منتقاء بسلاسة .
تعجيني كتاباتك عامة والادبية بصفة أخص .

Post: #3
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: ودقاسم
Date: 06-16-2005, 12:24 PM
Parent: #1

معقولة بس ، 49 قارئ ،،،
سأخوض البحر المالح منفردا ...

Post: #5
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: هشام مدنى
Date: 06-17-2005, 01:11 AM
Parent: #3

الرائع ودقاسم
عـاطـر الـتحايا
بهذه الكلمات
Quote: معقولة بس ، 49 قارئ ،،،
سأخوض البحر المالح منفردا

تذكرت بوست للاخ اسامة الخواض
ولك هذا الربط
الاسلام والعولمة2- في انتظار المهدي

مع تحياتى

Post: #9
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: ودقاسم
Date: 06-18-2005, 07:38 AM

الشقيق هشام
لك التحية والشكر على اهتمامك ..

Post: #4
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: هشام مدنى
Date: 06-16-2005, 12:38 PM
Parent: #1

الرائــع ود قاسم
تصدق او لا تصدق دخلت هنا اكثر من عشرة مرات
بــس عايز اعــــرف انت كنت جــالس ويــن
فـــى المطار او هوتيل
مع تحياتى

Post: #6
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: أحمد الشايقي
Date: 06-17-2005, 03:14 AM
Parent: #1

Quote: عادت المرأة التي كنت أنتظرها ، ممتدة كطول النخلة ، مخضرّة كشطّي النيل . نبهتني إلى مجيئها ، ودعتني لمرافقتها . لكن قدمي ما تزالان مرفوعتان ، والماكينة تحتهما ، والعامل يسعى لإعادة تشغيلها ... والمرأة المخضرّة العود يثيرها المنظر فتضحك بسخريتها المعهودة .


عــادت والعــود أحمــد


ويا لفرحتها بالأديب المحتفي بها على الدوام


تحيات شقيقي ودقاســم

Post: #10
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: ودقاسم
Date: 06-18-2005, 11:57 PM
Parent: #6

الشقيق أحمد الشايقي
التحية لك وأنت تقدم لنا كل هذا الدعم ..

Post: #7
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: Osman M Salih
Date: 06-18-2005, 04:40 AM
Parent: #1

بلغت الاحقاد بقلوبهم الحناجر

Post: #11
Title: Re: المدخـل الأنيـــــــــــق
Author: ودقاسم
Date: 06-19-2005, 02:11 AM
Parent: #7

الشقيق عثمان
دعهم يموتوا بغيظهم ،،،