الريموت كنترول!

الريموت كنترول!


04-25-2008, 03:54 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=160&msg=1209135261&rn=0


Post: #1
Title: الريموت كنترول!
Author: عبد الله الشيخ
Date: 04-25-2008, 03:54 PM

الريموت كنترول!
حين وصل (الدِّش) إلى الحلة عقد القوم اجتماعاً, وأضافوا تكليفاً آخراً لرئيس اللجنة الشعبية.. وتقبّل الرئيس التكليف قائلاً إنّ المناصب تكليف وليست تشريف, وأنه جاء أصلاً لخدمة الوطن والمواطن.
التكليف الجديد كان محدداً, وهو أن يشرف عِتْمان- بكسر العين وسكون التاء- على الريموت كنترول.. وما يفكو من يدو حتى لو جاء الجن الأحمر, خاصة وأن المشروع الحضاري في تلك المرحلة من الزمان كان يرى أن معارضي التأصيل يبغونها عوجاً ويفسدون الأرض والأخلاق..
وكان من حظ الحلة أنّ عِتْمان هو الذي يجمع الضرائب, ويدّور الوابور اللستسر الذي يضيء الحلة من السادسة وحتى العاشرة, ثم يترك بعد ذلك فرصة للمعارضين ليتأملوا في النجوم.
ولما كان قرار نقل الريموت إلى مندوب السلطة يعنيني شخصياً فقد قررت أن أتعلم الويست والحريق ومجينينة, إذ لا يعقل أن أمسك كتاباً في ضوء شحيح، وبقية القوم يشاهدون الجلالات... وهكذا تمّ فرز الكيمان, أنا والرفاق في الكوتشينة.. هم ـ أي القوم ـ تحت إمرة عِتمان..
وسارت الأمور وفق ما خطط لها الترابي, الذي كان في ذلك الوقت أرفع شأناً من الزنزون ورشيدي يكيني.. لكن الحلة استقبلت زائراً في نهار الشتاء.. مغترباً جاء من الخليج, والمغترب في ذلك الزمان كان يشار إليه بالبنان.. وبعد الكرامة التي أولمناها على عجل نصب عثمان للمغترب كرسي, لا أعرف حتى الآن من أين جاء به.
واكتمل إطار الصورة.. الأعيان دائماً يجلسون في الصفوف الأمامية.. المغترب على كرسي وعِتمان وبقية القوم فوق (السباتة)، وبدأ عِتمان تقليب الدش.. كان ينتقي من القنوات والبرامج البايخة ما يدعوك إلى البحث عن بنت التمر!.. مرة يجيب برنامج عن الطيور، مرة عن البيئة وثقب الأوزون، مرة تلي ماتش, مرة تاريخ موسليني... ولا يعتر بنا أبداً على نشرة أخبار عالمية أو أغنية لنجوى كرم.. وأي حصة فاضية من الحصص المذكورة أعلاه تنقلب أو تستبدل إلى حصة دين.
هذا لم يعجب المغترب الذي كان يبدو عليه أنه يحب الرّبة والأفلام أبيض وأسود.. فقد فاجأنا لأول مرة بكلام ديمقراطي.. وقال بصوت جهور: عِتمان يا ولدي ما عندك لنا غير الحجار والدراب ده؟.. وكان عتمان ساعتها قد استقر رأيه أن يُري القوم آثار حضارة وادي النيل.
لأول مرة أرى عثمان يتعاون، ويجيب بسرعة على قضية ملحة.. بالإضافة إلى أن المغترب كان أمره مطاعاً.. وبجاه الملوك نلوك.. ومع بدء الحوار بين الطرفين أوقفنا نحن الرفاق لعب الكونكان.. وسمعنا المغترب يقول لعِتمان: إنت ما بتعرف لبنان.. ما بتعرف الـ LBC؟.
أنا لا أعرف أنّ هذه الحلة قد مرّت بمنعطف خطير بعد حملة كتشنر إلا عند هذه اللحظة.. لحظة استجابة عِتمان لرأي ديمقراطي.. المهم.. أذعن عِتمان ونقلنا إلى شاشة لبنان, ورأينا بنات أمريكا اللاتينية ذوات الوجوه الغجرية والديس المنساب والأكحال والورود التي في الصدور.... الخ.
ويبدو أن عِتمان الذي استجاب قد ذهب لبعض شأنه الطبيعي, أو أنه أراد أن يوزن ميزان الجاز في اللستر.. وببطء سريع تداعت الفوضى كلها على الشاشة.. ودخل الفيلم في الغريق.. وبدأت عملية التحلل من الأزياء بكل ألوانها؟. وتسمع من القوم وحوحة مكتومة.. ثم كتكتة ضحك.. ثم حوقلات وبسملات.. وأكثر القوم إمعانا في الأدب كان ينادي: عِتمان.. يا عِتمان.. وقّف الداهية دي!.. وحين عاد عتمان كان أبطال وبطلات الفيلم يلملمون أزياءهم بعد خراب مالطة.
باختصار عقدت الحلة اجتماعاً آخر, لم تسحب الريموت من يد عِتمان, لكن الاجتماع قرر إيقاف الدش عن العمل.
* ملحوظة: هذه القصة الواقعية لها صلة بنيوية بالوضع السياسي الراهن.. الراهن.. فهمها من فهمها وجهلها من يريد أن يتجاهلها.