دموعك الغالية أعظم من أي تكريم

دموعك الغالية أعظم من أي تكريم


11-06-2005, 07:32 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=16&msg=1135904368&rn=1


Post: #1
Title: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-06-2005, 07:32 AM
Parent: #0

يا صا حبي خالد، ماك طيّب، وإنت راجل قِدَّامي فضل وحبابك،..
طبعاً أنا زوَّدتها شوية، مع عمنا تولستوي، لكن برضو لو ختوهو لي في طبق مع أحد الرجلين، أنطوان ودستوفسكي، ببورو، حسيت بيك زي الموافقني،..
المهم إنو صباح اليوم كان معاي أحد الأصدقاء، وكان بفتش لروايتك "الآلهة المستعارة"، لا تدري فرحة هذا الرجل عندما وقع عليها بين كتبي، أخذها وانهمك فيها قراءة على الفور، تجاهلته أنا أيضاً من قِبلي وانصرفت لكتاب "الإسباني المغامر" لميغل سرفانتس، جئت به من الجزائر، بعد أن وقفت برجلي على المكان الذي كان مسجوناً فيه هناك، قلت ها أنا هنا، ولا بد أن أرى الزنزانة التي كتب فيها ذلك الرجل "دون كيشوت". شغلتنا الكتب لزمن طويل، وحين التفاتة مني وجدت الرجل يبكي، قلت أسأله وخجلت من كسر خصوصية الرجل، ولكن بدا هو متأثراً لحد بعيد، لحد لا يمكنني معه، أن أترك تلك الصفحة التي أبكته، حاولت أقدر موقعه بحساب الورق، ولكن ورق ذلك الكتاب رُهَاف كما تعلم،..
ياخوي طوالي خليت هدّن شوية وقلت ليهو لو بتسمح لي بالصفحة دي بس، لقيتها الصفحة بتاعة "عمى ألوان"،..
بالله ما حرام علي الكتابة تعمل في الناس كدا، وألا ما حرام علي مخلوقات يفترض فيها الناس "موضوع الصفحة"، يعملوا في الآخر كدا،..
الصديق في طريق سفره إليك هذا المساء، وأنا قلت له خالد سيوِّفر لك نسخة من الكتاب على مسؤوليتي، ففِ بكلمتي، فأنا أحسبك ممن يمكنني أن أعد بلسانهم،..
ودمت، وتحياتي للصفحة رقم شطة.
هذا ما كتبه الصديق الروائي محسن خالد في بوست "الرجل الكلوروفيل" قبل فترة ولم أنتبه له إلا بعد أن أخبرني بذلك قبل يومين في مطعم "ضربنا فيه" الفول والطعمية في أبوظبي رفقة صديقين آخرين هما الخاتم محمد المهدي وإبراهيم هباني. وطيلة الطريق من أبوظبي إلى دبي، لم أكف عن التفكير في ما رواه لي محسن عن صديقه الذي أبكته صفحات في "وطن خلف القضبان". عدت إلى سودانيز أون لاين بحثا عن قصته مع الرواية. تأثرت بشدة. تأثرت، لأن عملا روائيا ما أثر في انسان إلى هذه الدرجة. تلك الدموع، دموع صديق محسن، هي أعظم قلادة توضع على صدري منذ أن أصبحت روائيا. وددت أن أشكره، وأهمس في أذنه: دموعك يا سيدي أغلى من كل جوائز التكريم، وأقيم من كل شيء يمكن أن يقدم لي يوما جراء اقترافي هذا العمل الجميل.. الرواية. سأظل أحتفظ بذكرى هذه الدموع إلى الأبد. فهي محفز على نحو خطير للاستمرار، والشعور بقيمة الكلمة، والابداع، والعلاقة بين كاتب ما وقاريء "حساس" لا يقل ابداعا عن الكاتب. ودي لو ألتقي بصديق محسن هذا وأشكره على الطاقة اللا نهائية التي وفرها لي. لا أشعر بالغبطة شأن أي كاتب يمكن أن تستثيره مثل هذه القصة، وإنما أحس بمسؤولية كبيرة للغاية جراء هذه الدموع. إنها تعني الكثير. تعني أن قارئا ما لم يوفر أرفع أحاسيسه ومشاعره وتفاعله مع ابداع ما. أشكرك على هذه المشاعر، وأشكرك على هذه الدموع، فقد جعلتني أتأثر بطريقة لم أعرفها منذ سنوات. كأنما صحوت فجأة، على احساس جديد، وحافز جديد من أجل حياة مغايرة، وحلم "انساني" كبير. شكرا جميلا.

Post: #2
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: وفاء تاج الدين
Date: 11-06-2005, 10:08 AM

الاخ الفاضل خالد عويس
شوقتنى دموع هذا الرجل لقراءة روايتك
Quote: وددت أن أشكره، وأهمس في أذنه: دموعك يا سيدي أغلى من كل جوائز التكريم

اللـه على إحساسك به
سأقرأها وسأعود للتعليق
كن بخير

Post: #3
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-07-2005, 11:25 AM
Parent: #2

شكرا لتحيتك الرقيقة وفاء تاج الدين، وإليك (عمى الأوان)



21) عمى الألوان

(1)

أم درمان . جهة ام بدة . بيوت معتقة ضد المطر والحر . الجالوص ينتصب شامخا فى جلبابه المتسخ رادا تحايا السابلة . ثمة صبية يلعبون عسكر وحرامية . يهتفون فى صخب . هتافات واناشيد خرقاء تحكى عن امور مستحيلة . جيل ولد فى غرزة مستوردة !! ما الذى ذكرنى بها ؟ ميرى .
: مدّه ده كلّو انت وين ؟
: يعنى انت ما عارف ، ميرى ؟
: ايوة دا زمن كده . انت يعرف ؟ انا اهلى كلّو مات . حرب اخدو كلّو ، راجل بتاع انا ، اولاد بتاع انا ، اخوان بتاع انا !!
:حياة كيف معاك ، ميرى ؟
: نخدم فى بيوت ، نهار . ليل ، نجى نعملو ابنوس وتيك ، اصابع تعملو حاجات جميل ، لكن ما فى قرس ، واحد يجى يبيع ، قروس ما تكفى عشرة رغيف !!
: ادينى مريسة يا ميرى !!
: واه !! انت كنت يجى هنا ، يرسم ، يكلم معاى ، لكن ما يشرب مريسة !!
: وليه ما اشرب ؟
: دين بتاعكم ، ما يخلى يشرب !!
: ميرى ، انا جاية اقعد معاكى كم يوم كده ، ارسم ، اشخبط ، اتكلم ، ارقص ، اى حاجة !
:كويس ، كويس ... اركانجالو كان يعملو كده عسان يعملو شغل مظبوط .
: ميرى ... الدين اتغيّر ، جانا دين جديد ، دينّا القديم ما لاقياهو يا ميرى ، ما قادرة اصلّى ، ما قادرة استغفر ، دينّا القديم كان يطل الجار ، ويدّى المسكين ، ويفرش البروش فى نص الشارع فى رمضان عشان لمّة الناس ، وكان بوّدى اللحم لى جارو المسيحى فى العيد ، ويقيف مع الصوفية فى حلقات الذكر ، ويمشى المولد ، ويحاجز المتشاكلين ، ويزور العيانين ، ويجبر الخاطر المكسور ، ويعصر برش الميّت لحد ما اهلو يرفعوا الفراش ، ما كان بيأذى زول ، حتى الطير كان يرك فوق كتفو ويدنقر يشرب من ابريقو ، تصدقى حتى كان بيغنى عازة فى هواك ...، كان حافظ القرآن ، وشايل الواحو ، يرقد فوق العنقريب الفاضى بلا لحاف ، ويشرب من الزير ، وينادى لى جارو بى فوق الحيطة ، كان بيبكى لمّن واحد يموت ، ما كان بكضب ، كان واضح ، نقى ، لمّن يعمل حاجة ، ما بيدسها ... يعملها ويستغفر ... لكن يا ميرى هسع جانا دين جديد ، قالوا لينا دينكم القديم داك ما دين ، اغتسلوا وتوبوا !!
الدين الجديد يا ميرى كتل ابوى ، وكتل ناس كتار ، شايل سبحة ، لكنها مصنوعة من الدهب ، وفى اليد التانية شايل ساطور ، ما بيمشى لى زول ، اليوم كله حايم فى الشوارع يهتف ، ما عارفنو بيصلى متين ، ما شفناهو مرق فطورو مع الناس فى رمضان ، ولا دفن جنازة ، ولا زار مرضان ، ولا مشى مولد !! دينا الجديد يا ميرى بيكرهكم ، عايز يكتلكم ، عشان انتوا كفار ، دينّا الجديد كسّر التماثيل فى كليتنا ، وكتل الناس فى رمضان ، دينا الجديد يا ميرى : بوليس !! ، لافتة ، طبلية ، تبيع الدقون !!
: انت تعبان ، رابعة ، عايز نوم ، نوم ، بعدين يتكلم !!


(2)

صحوت . لا زال طعم المريسة فى شفتى . طقس لذيذ . والنجوم ترقص رقصتها الاولى . ميرى تعد طعاما ما . التفتت نحوى .. صافحتنى عيناها فى طيبة . ابتسمت لها .
: ما يخاف كشة يجى يسوقنا كلنا ؟
: ما يخاف ميرى ، ما يخاف !
: انت ليه يجّى هنا رابعة ، ينوم فوق عنقريب ، ياكل اكل بتاع ناس مسكين زى انا ، يكلمّو مع زول ما يعرف يقرا .. انت ليه ما يمشى حته يرتاح فيهو ؟
: لأنّو انا يرتاح هنا ميرى !! يغسل رجلينى فى بحر الجبل ، وارش وشى من موية بحر الجور ، واسرح فى الغابات ، انوم تحت المهوقنى ، اغنى مع طنبور الشمال ، واجرى ورا الشمس لحد جبل مرة ، القاهو جبل توتيل . هنا يا ميرى ، انا يانى الزمان ، بلقى نفسى ، والقاكى انتى يا ميرى ، انتى الباقية من حاجات زمان . تتذكرى اول مرّة جيتك هنا ؟
: كنت بت ما كويس ، بطّال ، قايّل ناس بتاع هنا ، بهايم ، قايّل بوهيه ازرق جوّه برضو ازرق ، قايّل نحن ما فى حب ، ما يفهم ... ما فى ...
: بس لمّن شفت شغلك يا ميرى ، عرفت انو البندرسو نحن فى الكلية حاجة ، والبتتلموهو انتوا من الطبيعة حاجة تانية ، حاجة نقية ، انتى يا ميرى اعظم من ليوناردو دافنتشى !
: تعال رابعة !!
ذهبت خلفها . دلفت الى غرفة واطئة دون باب ، ينسدل على مدخلها جوال قديم ، رفعته ، ومضت الى الداخل . اوقدت فانوسا ، فانتشر الضوء . صعقت . تمثال نصفى لى . يا لبراعة ميرى ، واناملها المجنونة ، انها فنانة حقيقية . تأملت وجهها المتغضن بتجاعيد صنعتها المآسى ، وشعرها الذى صار اكثره مائلا للبياض . عينان تشيان بالطيبة والحكمة المتوارثة فى ارض الانهار والغابات ، حيث كل شىء يدعو للتأمل العميق ، وشحذ الذهن لابتكار طرق جديدة للصراع مع طبيعة رغم مظهرها الرائع ، الا انها متحفزة للانقضاض ، مجبولة على الخداع والتمويه والتخفى . اقبلت نحوها واخذتها بين ذراعى ّ وانا ادارى دموعى .
فى تلك الليلة ، ساهرت مع ميرى حتى الفجر . غنت لى اغنيات الدينكا والشلك والمندارى والفرتيت واللاتوكا . حكت لى حكايات اسطورية عن آلهتهم . وان الاله هو جدهم . اخبرتنى كيف تسير المرأة فى غابات شاسعة دون ان يهجم عليها نمر . حكايات عن غدران الماء والخضرة والماء الغزير . الاكواخ المتناثرة وروح الاسلاف . حدثتها عن ابى وعلاقته بى . حدثتها كيف قطعت صلتى بحبيبى !
: ميرى انتى ليه ما يرجع جنوب ؟
: لأنّو جنوب بقى زى تمساح كبير ، ياكلّو كل حاجة ، موت ، حرب ، اخدّو كل حاجة ، ناس ، شجر ، حتى بهايم ، بقر ، جوع كتير ، كل يوم ناس كتير يموت بى جوع !
: انتى زعلانة مننا يا ميرى ؟
: مندكرو بتاع كضب بى دقن دا كعب ، ياهو كتل ابوكى ، ياهو عامل دشمان فى جنوب ، ياهو كل يوم يجّى يفتش بيت يلقى مريسة ، يسوق انا ، يجلد هناك فى محكمة ، انا مريسة يشربو انا ، ما نبيعو الا لى بوهيه ازرق زى انا ، دا يجّى يشرب مريسة . اله بتاعو ما يكلم ما يشربو مريسة ، ليه اله بتاعكم يقول يجلدّو زول تانى بتاع اله تانى ؟
: ميرى !! نحن دينّا الكنا بنعرفو ، ساقوهو هو ذاتو زيّكم للمحكمة ، حاكموهو ، وجلدوهو وهسع مسجون ، واحدين قالوا فى كوبر !!
: انا مافى شغل ، يشتغل فى بيوت بتاع مندكرو ، يمسح بلاط ، يغسل عدة ، وملابس وحتى محل بتاع بول ، قروس حق فطور بس ، شغل بتاع خشب ما يجيب اى ّ حاجة ، نعملو مريسة عشان نشبع وكمان يبيع شوية !!


(3)

ربما هى اللحظات الصادقة ، مخبوءة فى نسيج لا يشى ما بداخله ، ربما هى تتفجر بعنفوان حين ارتعاش الروح فى حضرة الكون البدائى المتجرد من خواصه الزائفة ونظرية نيوتن . قد تصبح الجاذبية فى اتجاه معاكس تماما . وينبىء قلب امرأة مفطورة على الطبيعة البكر عن ادق الاشياء فى حياتنا . ترى هل هناك وجه شبه بين ميرى ومريم العذراء ورابعة العدوية ؟ الخلاص هو ان نتحرر من جزعنا الابدى على الدنيا الزائفة ، والانسانية تكمن فى بساطة الانسان وتلقائيته تجاه اخيه بغض النظر عن دينه ، لونه ، رسمه ، طبقته !! روح شفافة نقية ، مثل الغدران التى اتت منها ، محملة بعفويتها ، تسكب قدراتها البدائية فى اطراف اناملها ، فيتشكل الخشب كيفما تريد ، فنانة اصيلة ، لا تعرف شيئا عن بيكاسو او دالى ، ولا تفهم التجريدية والتكعيبية ، الا ان الطبيعة البكر زودتها بخواص اسرارها . تكتفى من الدنيا بشربة مريسة تسدّ بها رمقها من غائلة الجوع ، حتى المريسة لأمثالها : حرام ، لأنه لا يجوز للمدينة التى تخادع فى كل شىء ان تسكر بالمريسة !! لو سرقت ، لقطعوا يدها . هأ ... ما بمقدورها ان تقدم جسدها لأحدهم مقابل حفنة تافهة من الدنانير . زوجها واولادها : قتلوهم بدعوى انهم كفار !! جسدها النحيل وروحها الشفافة لا تحتملان الجلد ... ولكن ! انها الطقوس الجديدة والقوانين المختومة بختم مزيف . القوانين التى ترى نفسها نائبة عن السماء . السماء نفسها رحيمة . السماء لا تحاكم الناس بناء على حيثيات مجحفة . الظاهر شىء والباطن شىء آخر . ربما ميرى اكثر ايمانا من كل القتلة فى مدينتنا . ميرى لم تقتل احدا . بل لم تحقد على احد . احتفظت بروح الفنان فى داخلها ، لا شك ان آلاف المجرمين يمرون بها وهى تجلد ، فلا يزيدوا عن ان يرجمونها بحديث تافه
: يا للجنوبية الوسخة صانعة الخمر !! دعهم يؤدبونها .
انكسار ، فضيحة . كلنا انكسرنا امام الجنون الجديد . صفقنا بنشوة للسحل واهدار الكرامة . عار ان تصبح الفضيلة سيفا فى يد جزار ارعن لا يفرق بين اعناق الخراف واعناق البشر !!
كلنا تحسسنا اعناقنا بانامل مرتجفة لئلا تطالها المقصلة . كلنا اذعّنا لجوقة المهرجين ففعلوا بنا احط الافعال . اذعنّا لرغباتهم المتوحشة البشعة ، وغضضنا الطرف عن قبعاتهم الزائفة ، وقمصانهم المنشاة بدماء الابرياء . مريسة ميرى الاصيلة وحدها كانت تتحدى زيفهم وتعلن فى كبرياء انها قادرة على فضحهم . كلما جلدوها بتلذذ ، بصقت على اهل المدينة ، والسفلة الذين يشتمون مريستها جهرا ويخفون جزعهم وتوترهم من مجرد فعل جرىء .
ثمة اصوات متداخلة وضجيج مزعج . تعلق ميرى بعفوية
: حكومة عندو زار الليلة !
ليت المدينة تتحسس اوجاع ميرى قبل ان تلهب ظهرها بالسياط . ليتها تضع اصبعها على بذرة الفن البدائى المجيد فى اعماق ميرى قبل ان تدهس مشاعرها النقية بخيول فتح خيالى . المغول الذين اجتاحوا بيادرنا وروعوا الطبيعة البكر وعكروا صفاءها ، حولونا لهشيم بلا اصل ولا جذور . اجبرونا على العيش فى مناخات لم نألفها ، فتكدست الملابس فوق اجسادنا تسترها بينما رؤوسنا عارية . ذبحوا النقاء والطهر ، وجلدوا البراءة ونحن نصفق . ما اتعسنا من امة تحكمت فى مصيرها ، الجرذان التى تقرض التاريخ وتحارب الثقافة وتتبول على الفكر !! الجرذان التى تحرّم المريسة وتسرق القمح من بيوت النمل !!

(4)

فتحوا الباب دون اذن . نبشوا الارض ، عاثوا فى البيت فسادا ، بحثوا فى كل شبر ، حفروا فى الفناء الخارجى . طرقوا الجدران ، اقتلعوا شجيرة الحراز فاصبح الزير بلا مأوى . بحثوا بداخل الزير . لم يجدوا شيئا : لا مريسة ولا عرق ! قبل ان يخرجوا ، ركل احدهم ميرى فى بطنها بغيظ ولحق برفاقه . تكورت ميرى على نفسها وجاهدت ان تتنفس . تقيأت دما . عاونتها على النهوض ، وارقدتها على عنقريب يواجه باب الحجرة بحيث تحصل على اكسجين . طريقة متقدمة للحصول على اكسجين بهذه المدينة .. اليس كذلك؟ ترقرقت حبات الدمع على خديها . بأعماق عينيها ، نظرة تحاكم الدنيا ، وتتساءل عن معنى الحياة . اصابعها تتحرك بصورة سريعة متشنجة ، تقبض على الهواء وتشكله ، تغمس فرشاتها فى الوان لا مرئية ، لترسم لوحة مجهولة . تحشد فيها الخلق ، بلا تفاصيل تميّز الوجوه ، الاقفاص الصدرية مفتوحة عن فراغ ، لا شىء ، الرؤوس طماطم يصلح لصنع الصلصة . الاقدام مغروسة فى باطن الارض او ربما جثث لاطفال لا تتبين ملامحهم . السماء داكنة . الاشجار قلاع محصنة . ترمى الناس بالنبال والبيض الفاسد . تغمس ميرى فرشاتها . تغمس ميرى فرشاتها فى اللون الاحمر وترسم شريطا طويلا على اللوحة من نمولى الى حلفا !!!
افاقت ميرى من اغمائها . طلبت جرعة ماء . الماء يصلح لغلى القهوة يا عزيزتى ! لا بأس . كانت تشتكى من بطنها . عاونتها على الخروج من المنزل . الصيدلى قال : ربما فتق فى الامعاء !! عدنا !! اخرجت برمة مريسة من مخبأ سرى . شربنا سويا . قامت لترقص . كان جسمها يتلوى فى ليونة غريبة . كأنها طير ذبيح . الجسد طوع الروح . يأتمر بأمرها . ينثنى بخفة لا تشى بوجود عظام . يصنع دوائر مغناطيسية حوله ، يمسها ويعود الى دائرته الاصلية ، رقصة ، احتشدت فيها الطبيعة البكر لتمنح الجسد قدرات خرافية فى التواصل مع الحانها الخفية وايقاعاتها البدائية الفذة . رقصة للغدير والابنوس والباباى . اندغام الجسد فى حاسة المطر وشهوة قوس قزح . استلهامه لغناء العنادل وخرير المياه !
فى تلك الليلة ، رسمت ميرى نهرا رقراقا ، تحيطه الاشجار ، تحفه العصافير ، وتحلق فى نواحيه ، ارواح الاسلاف .
(5)
لم تتحسن صحة ميرى . انفقت عليها كل ما لدىّ من نقود . مورفين ومضادات حيوية . جلبت لها خبزا طازجا مع الفول والجبن ، عسلا ، تمر!! كنت اشعر ان ميرى لا تريد ان تقاوم ، انها فقدت الرغبة فى الحياة .
الوحش الذى قتل ابى . الوحش الذى سلب العقول . وشرّد العصافير ، الوحش يجبر ميرى على المغادرة الآن . يفقدها رغبة الحياة . متى كانت الاشجار البرية تفقد رغبتها الاصيلة فى الاغتسال تحت المطر ، متى كانت لا تألفى الطقس الاستوائى ؟ يا للفنانة الاصيلة مرهفة الشعور ! تفعل الآن ما لم يفعله آلاف المثقفون . تدرك الآن بحسها البدائى ان شيئا ما فى الدواخل قد انكسر . لم يكسره الوحش ، كسرناه نحن ! ادركت ميرى اصل البلاء المستوطن فى اعماقنا ، فواجهته بشجاعة ، داستها الاقدام العفنة . مريسة ميرى اشرف من لحية كبيرهم . لم تخف ميرى ان المريسة هى غذاؤها الوحيد . لم تسرق . لم تؤذ احدا . الوباء اجتاح الغابات والبرك والنجوع فلم تعد نقية . تريد ميرى بموتها ان تحافظ على نقائها هى . تصيح ميرى فى وجه صمويل هنتنجتون وفرانسيس فوكاياما وابى الاعلى المودودى : ان حضاراتكم زيف ، وان صراعكم بلاء . تدمغ ميرى عصرها بانحطاط فى كل شىء ، وترحل فى سلام داخلى .
: رابعة ،، انت يمشى .. انا يموت !! انا يموت .. روح بتاع اسلاف يجى ... انت هنا روح بتاع اسلاف ما يجى .. رابعة خد خشب بتاع انا كلّو ... كل خشب عملو اصابع بتاع ميرى شيل انت ! رابعة ميرى يحبك كتير ... روح بتاع اسلاف كمان !!

Post: #4
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: elsawi
Date: 11-07-2005, 12:47 PM
Parent: #3

نص دسم يلخص أزمة الوطن ويفتح كثيرا من نوافذ العقل المغلقة .. للرجل ألف حق في البكاء لأن نصك الراقي خاطب عقلة وصحي مشاعرة ومكامن إنسانيتة .. أرفع قبعتي لك يا خالد واشكرك علي إيراد هذا الجزء من الآلهة المستعارة الذي فتح شهيتي وشوقني لإلتهام بقية الرواية و سأسعي جاهدا للحصول عليها.
الصاوي

Post: #5
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-08-2005, 03:59 AM
Parent: #4

عزيزي الصاوي
شكرا لتحيتك الرقيقة ومرورك الجميل. النص طبعا جزء من رواية "الآلهة المستعارة" التي نشرتها دار الساقي باسم "وطن خلف القضبان" قبل عامين تقريبا

Post: #6
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: lana mahdi
Date: 11-08-2005, 04:25 AM
Parent: #5

اخي الحبيب خالد
فعلا دموعه اغلى واعظم من أي تكريم
فنجاح الاديب الحقيقي في ملامسته لوجدان قرائه
في تعبيره عنهم
في اختلاطه الفاعل بهمومهم و احزانهم
وفي مشاركتهم افراحهم
باختصار ان يحس القاريء ان الكاتب يكتب عنه بالذات
وهو ما حدث لصديق صديقك
محبتي
لنا

Post: #7
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-08-2005, 04:54 AM
Parent: #6

الأخت الغالية لنا
أولا عظم الله أجركم وكنت أرسلت لك رسالة عزاء على البريد الخاص بعد أن فوجئت بالخبر الحزين بعد إجازة العيد وأضعت رقم هاتفك بعد تغييري جهاز الموبايل.
شكرا لمرورك الكريم، وبالفعل، أغلى ما يحدث لكاتب هو مثل هذا التفاعل الشفاف من قاريء يجبر على الاحترام والتفكير معمقا فيما نكتب

Post: #8
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: Omar Bob
Date: 11-08-2005, 05:18 AM

الاخ العزيز خالد عويس:
كدي يا خالد وريني انت قصدك شنو بالضبط. نحنا نبحث عن الروايه سنينا عددا وما لاقينها تقوم انت تجي تقول لينا فلان بكي وفرتكان ضحك و عشان تزيد الطامه تجيب لينا مقاطع مليئه بهدا الكم من الابداع وتجهحنا اكثر مما نحنا مجهجهين. يعني يا اخوي انت زي ما بقولو الخليجيين (دبحتنا دبح)....


تخريمه:

كلام العزيز نادوس (up till now) طلع كلام انترنت ساي


لك الود

Post: #9
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: نهال كرار
Date: 11-08-2005, 05:22 AM

أستاذ خالد
تحياتي

يبدو أن كتاباتك أبكت الكثيرين


منذ أشهر بكت شقيقتي عندما قرات هذا النص الحزين , وأجزم بأنه أبكى كل من عايش موقف كهذا في الجامعة


اننى خائن أيها الوطن الجميل


كذلك الجداريات (الجميلة)

الى يحيي فضل الله :جدارية أخري للوطن


أعتقد بأن الصدق الذي نشعر به في كلماتك هو الذي يدفع القراء للبكاء
وهذه الصفة لا تتوفر لدى الكثيرين
وكأنك تتحدث عنا , وتكتب عن معاناتنا


لك كل الإحترام والتقدير

Post: #10
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-08-2005, 06:15 AM
Parent: #9

عمر بوب
حروفكم يا سيدي تحملني مسؤولية كبيرة تجاه ما أكتب وأنشر. وتجعلني أحس بأنني مطالب بالمضي على ذات الطريق، أحفر شخوصا مثل "ستيفن دوناتو مايكل" و"محمد صالح" و"ميري" و"رابعة" و"حسين منصور". أعدك بأن أرسل لك أول نسخة تتوفر لي من "حشيشة" وطن خلف القضبان.

نهال كرار
كوني أكتب عن معاناة الناس، شرف وقلادة تطوقين وتطوقون بها عنقي. فهذا شأن ليس يسيرا، أن يقترب الكاتب من آلام الناس. تبقى أن نحاول كلنا أن نزرع أملا أيضا في النفوس، لا ننكش الآلام فحسب. عموما كل ما يكتب هنا، وكل ما قيل عن بكاء بعض، محرض خطير لي لكي أكتب
شكرا جميلا لكما

Post: #11
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: عبد الله إبراهيم الطاهر
Date: 11-09-2005, 05:14 AM

الحبيب خالد عويس
أجمل ما يكتب هو ما يحرك الأحاسيس ...
هناك قراء يحسون بحسس الكاتب ... وهناك كتاب يحسون بحسس القارئ ...
الكتابة فعل إبداعي متبادل غير جامد ...
أنت رائع في الكتابة ...
التحية لك ولكل المبدعين الرائعين من بلادي الحبيبة
خاصة الشباب منهم
أخصك منهم وعزيزي محسن خالد

مع المحبة ...

Post: #12
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: Elawad Eltayeb
Date: 11-09-2005, 07:00 AM
Parent: #11

الكاتب الجيد عندي هو من أشعر بأنه صديقي الذي يتحدث بلساني دون أن يراني. وأشعر بعد قراءته بأنني أريد أن أهاتفه أو أتناول معه فنجاناً من القهوة. صدقني، رغم عزلة الوطن، فقد عشت معك عبر هذا الموقع وشاركتك في كثير من الكلمات والمواقف، وأحس بأنك جزء من دائرة أصدقائي الذين يحملون عن الوطن عبئه وأحزانه ليشاركوها مع الآخرين، ويلتقطون من بقاع العالم زهرات الجمال لكي ينثروها بلسماً على جراح الوطن. أرجو أن لا يطول انتظارنا لوطن يضمد جراح بنيه ويرسم البسمة مكان الدمعه.

العوض الطيب
الرياض

Post: #13
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: محسن خالد
Date: 11-09-2005, 11:41 AM
Parent: #12

..




يا خالد صاحبي، إزيك...

عارف؟ جبت لينا الكلام والهواء، واحد صاحبي من الزهجانين في السودان كتب لي بعد قراءته لبوستك هذا بقول: يعني بقيتوا أولاد صيص وحناكيش إنت وخالد صاحبك، "وضربنا فيه الفول" ويييك فرحانين إنتو، مش كدي؟ أولاد اللذين، تعالوا هنا عشان تفرحوا معانا بالفول كويس وتشبعوا فرح كتير، شفت كيف يا سيدي!

بعدين أنا حالف ما أقول للرواية دي: (وطن خلف القضبان) مش لو بقوا ناس دار الساقي ديل أصحابك! (الآلهة المستعارة) دا الاسم ابن الفتلة.....


نهال كرّار،...
إزيك والعيد مبارك عليك،....
أنا مرات ببقه قوّال، لأني روائي، وخالد عويس دا يوم قعدنا قطع فيك، وقال لي نهال دي زولة كويسة ولو حَرّرت معاها نفسك مرة تانية بغلط معاك، قلت ليهو نهال بتاعة "سبقني وعمل شهيد"؟ قال لي: عمل شهيد دي شنو؟.. قلت ليهو خليها، عارفها، البت اللذيذة ديك، بتاعة والله دي حالة! قال لي ياخي بطّل استهبال، وجَرّ فيك حق فيتو، غايتو عشان ما تفهمي غلط أنا مشيت اتعلمت لصيق الوشوش دا ...

أها، يا نهال العفو في العافية، بمناسبة العيد وفيتو خالد،..

وكل سنة وإنت طيبة، وربنا يمضي قِدّام أمانيك: حاضر،...


هنا رسالة من صديقي الذي بكى:


إن التجربة الإنسانية يا عويس (وهي تشكل جزءاً كبيراً من الحقيقة في النص الروائي بالعموم حتى وإن كانت ملامح السيرة فيه محض أفكار وأشواق لدى الكاتب) تلامس في الآخر شرايين ذات صلة وتلامس أفكار ومفاهيم كأن القارئ يتحول بها إلى كاتب يكتب النص من جديد عبر الإحساس بأشواق هي أقرب للكاتب منها للقارئ كأنهما يتبادلان الأدوار فيصبح الكاتب قارئ والقارئ كاتب ...
يا سيدي أنا لا أستأهل كل هذا فكثيرون بكوا وأبكاهم ما تكتب أو ما يكتب آخرون... وكثيرون أضحكهم ما يكتب كثيرون ... وكثيرون ألهمهم ما يكتب آخرون أيضاً ...
لقد جَفَّت تلك الدموع ولكن ظَلَّت الكلمات بين دفتي رواية رائعة حية تلهم آخرين وتُبكي آخرين ... يكفيك قد لامست فيّ وفي غيري نبضاً خفياً ...

هل من الممكن أن أضيف مزحة خفيفة (سأعود ... رغم أنك لم تفِ بالوعد الذي قطعه محسن خالد باسمك معي)






وجاي راجع يا خالد، أزرزرك في وعدي الما أوفيتو، وبالمرة احتمال أوريكم منو البكّاي ابن المستخفي،...


...

Post: #14
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: محسن خالد
Date: 11-09-2005, 11:44 AM
Parent: #12

..




يا خالد صاحبي، إزيك...

عارف؟ جبت لينا الكلام والهواء، واحد صاحبي من الزهجانين في السودان كتب لي بعد قراءته لبوستك هذا بقول: يعني بقيتوا أولاد صيص وحناكيش إنت وخالد صاحبك، "وضربنا فيه الفول" ويييك فرحانين إنتو، مش كدي؟ أولاد اللذين، تعالوا هنا عشان تفرحوا معانا بالفول كويس وتشبعوا فرح كتير، شفت كيف يا سيدي!

بعدين أنا حالف ما أقول للرواية دي: (وطن خلف القضبان) مش لو بقوا ناس دار الساقي ديل أصحابك! (الآلهة المستعارة) دا الاسم ابن الفتلة.....


نهال كرّار،...
إزيك والعيد مبارك عليك،....
أنا مرات ببقه قوّال، لأني روائي، وخالد عويس دا يوم قعدنا قطع فيك، وقال لي نهال دي زولة كويسة ولو حَرّرت معاها نفسك مرة تانية بغلط معاك، قلت ليهو نهال بتاعة "سبقني وعمل شهيد"؟ قال لي: عمل شهيد دي شنو؟.. قلت ليهو خليها، عارفها، البت اللذيذة ديك، بتاعة والله دي حالة! قال لي ياخي بطّل استهبال، وجَرّ فيك حق فيتو، غايتو عشان ما تفهمي غلط أنا مشيت اتعلمت لصيق الوشوش دا ...

أها، يا نهال العفو في العافية، بمناسبة العيد وفيتو خالد،..

وكل سنة وإنت طيبة، وربنا يمضي قِدّام أمانيك: حاضر،...


هنا رسالة من صديقي الذي بكى:


إن التجربة الإنسانية يا عويس (وهي تشكل جزءاً كبيراً من الحقيقة في النص الروائي بالعموم حتى وإن كانت ملامح السيرة فيه محض أفكار وأشواق لدى الكاتب) تلامس في الآخر شرايين ذات صلة وتلامس أفكار ومفاهيم كأن القارئ يتحول بها إلى كاتب يكتب النص من جديد عبر الإحساس بأشواق هي أقرب للكاتب منها للقارئ كأنهما يتبادلان الأدوار فيصبح الكاتب قارئ والقارئ كاتب ...
يا سيدي أنا لا أستأهل كل هذا فكثيرون بكوا وأبكاهم ما تكتب أو ما يكتب آخرون... وكثيرون أضحكهم ما يكتب كثيرون ... وكثيرون ألهمهم ما يكتب آخرون أيضاً ...
لقد جَفَّت تلك الدموع ولكن ظَلَّت الكلمات بين دفتي رواية رائعة حية تلهم آخرين وتُبكي آخرين ... يكفيك قد لامست فيّ وفي غيري نبضاً خفياً ...

هل من الممكن أن أضيف مزحة خفيفة (سأعود ... رغم أنك لم تفِ بالوعد الذي قطعه محسن خالد باسمك معي)






وجاي راجع يا خالد، أزرزرك في وعدي الما أوفيتو، وبالمرة احتمال أوريكم منو البكّاي ابن المستخفي،...


...

Post: #15
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: munswor almophtah
Date: 11-09-2005, 12:38 PM
Parent: #14

الأخ خالد إلى الآن لم أقرأك إلا بضعة مشاكسات بلسان متحزب للأمه ولكن قرأت إختيارك للدموع بدلا عن أى تكريم فقرأت القارى من كاميرة محسن وقرأت المقرؤ من إحساس القارئ ومن ردة الفعل لإحساس القارئ الذى سطرته فرأيت صدق القارئ وصدق الشاهد وصدق المقرؤ وبكيت حيث راعنى الهوى وأنتشيت....................


فلكم السلام أجمعين

منصور

Post: #17
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: نهال كرار
Date: 11-10-2005, 04:15 AM
Parent: #14

محسن خالد
والعيد مبارك عليك


ماطالبني حليفة انا أول ما قريت أسمي قلت لنفسي ( لسه باقي كرباج كرباجين ماوصلوني ولا شنو )

أنا سعيدة بشهادة استاذ خالد ( حق الفيتو )

والعفو والعافية

وكل سنة وانت طيب

Post: #16
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: عبد الله إبراهيم الطاهر
Date: 11-10-2005, 02:39 AM

الحبيب محسن خالد
وصديقه البكاي بن المستخفي
براحه على حبيبنا خالد عويس ... يقوم يبكي هو ذاتو من جراء الزرزرة العايزين تختوهوا فيها... برضك الراجل حبيبنا وصاحبنا يا المحسن ...

Post: #18
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-10-2005, 04:16 AM
Parent: #16

الأخ عبدالله
هزتني قصة محسن جدا، وتأثرت بها، كما هو حال ما كتبته الأخت نهال أيضا. أنا نفسي لي تجارب مماثلة مع روايات وأفلام سينمائية وأغان حملتني إلى ذرى شاهقة من اللذة المؤلمة، والعميقة. ذلك الشعور الذي يجعلك تحس برعشة ما تعمك تدريجيا. إنها خاصية فنية فريدة، لا تتوفر إلا في الفن، بحيث يتماهى الفنان والفن والمتلقي في لحظة ما.
عزيزي العوض
وهذا شعوري أيضا بكل من في المنبر. الفن عالم مواز ربما، نخلقه بكل أفكارنا وأحاسيسنا. وهو موضوعة الاحساس بالآخرين ومحاكاة قصصهم أيضا. وفي السودان، المكان والزمان والانسان آلاف الروايات المؤثرة، وآلاف الأغنيات غير المكتوبة، وآلاف المقطوعات غير المؤلفة، وآلاف القصائد التي لم ينقط حبر الدموع على أوراقها. والفارق بين الإنشاء في الكتابة، وما تتحدث عنه من كتابة يشعر القاريء بأنها ملك له ومعبرة عنه، هو ما يجعلنا نعي ضرورة الاستمرار.
صديقي محسن
ما انت دايما جايب لينا الهوا !!
صديقك ده لو يقبل مبادلة المواقع أنا غايتو ما عندي أي مانع، الليلة قبل بكرة بتوكل أرجع السودان وخليهو يجي يستمتع بغابات الأسمنت. شاكرون يا سيدي دعوتك الكريمة على العشاء والأنس الجميل. "الآلهة المستعارة"، ظن جماعة دار الساقي أنها ستمنع في كل الدول العربية، وكان هذا هو داعيهم لتغيير الاسم ولم أمانعهم في ذلك. ولتكن "الآلهة المستعارة" أو "وطن خلف القضبان".
صديقي البكاي ابن المستخفي
يا سيدي أنت تستحق ذلك وأكثر. ولعلي تضررت كثيرا - كروائي - من قراءة هذه الرواية في سياقها السياسي فحسب، وعدم الأخذ بعين الاعتبار بعدها الانساني. ورطتي مع هذه الرواية، هو منعها في السودان، ما جعل قسما مقدرا من القراءات يتم في جو غير طبيعي وغير صحي. كنت أود لو تجري الأمور بشكل طبيعي، ليقرأها الجميع في اطارها الطبيعي، لا اطار المنع والقمع الذي يجعلها مرغوبة أكثر.
أنت أسديت لي معروفا كبيرا، حيث حفزتني على الكتابة مرة أخرى بعد فترة من "ملل الكتابة" والمزاج غير الرائق. وبذات طريقتك الجميلة في شرح "تبادل الأدوار" بين الكاتب والقاريء، انتقلت أنا إلى خانة القاريء، واستعدت كثيرا من عافية الكتابة ذاتها. وأجدني متحفزا للانكباب على الكتابة مرة أخرى. أما بخصوص اللوم، فلا أعرف الوعد، لكن إذا كان الأمر يتعلق بنسخة من الرواية، فإنني الآخر أواجه حرجا مع عدد كبير من أصدقائي - منهم عمر بوب - حيث لا أجد الرواية في مكتبات الامارات كلها، ووعدني صديق بتوفير نسخ من الخارج إلا أنه لم يف بوعده إلى غاية الآن.
عزيزي منصور
أنا أقرأ لك، وسعيد جدا بوجودك بيننا هنا. ما كتبته كان ناتجا عن شعوري بأنني ككاتب، أواجه للمرة الأولى بموقف كهذا. موقف جعلني أحس بأن ما أكتبه قد يشكل قيمة أدبية بالفعل. غريب هذا !! قد نكتب ونستمر في الكتابة، وتنشر لنا أشهر دور النشر، لكن ما معنى ذلك، إن لم يصبح فننا مؤثرا في الانسان ؟ لذلك، فإن جوائز التكريم لا تعنيني بقدرما يعنيني تكريم القراء ومحبتهم لما أكتب وتفاعلهم بل ونقدهم كتاباتي. شكرا سيدي على مرورك.

Post: #19
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: Amjad ibrahim
Date: 11-10-2005, 07:26 AM


سلام جميعا
الاخ العزيز خالد عويس

لست بقاريء روائي جيد، نسبة لظروف عدة، لكني اعرف مثل هذا الشعور المؤلم الذي تحدثت عنه ابان مشاهدة مأساة انسانية معينة يصورها مبدع او كاتب او مصور، انتابني احساس مؤلم جدا و انا اقراء المقطع الذي اوردته من روايتك هذه، فعلا الغربة تجعلك اكثر احساسا بآلام الاخرين، و لا استغرب ان ناس السودان قد لا يحزنون لمثل هذه المشاهد المؤلمة لأنهم ان فعلوا فسينهارون بعد عدة ايام، فالالم يحاوطهم من كل صوب، و ما ابتعادهم عن التأثر الا وسيلة لحماية نفوسهم التي ارهقتها مختلف الأنظمة.
في العام 2004، عدت الى السودان بعد غيبة دامت 15 عاما متواصلة، ووجدت نفسي تنحدر دموعي لاقل الاسباب، و انا عصي الدمع لحد كبير، ابكاني منظر رجل كهل من منطقة جبل اولياْء من قبيلة الكواهلة يبيع مساويك في سوق امدرمان خلف الجدار الشمالي لمستشفي امدرمان، بعد حديث قصير معه عن الظروف و الاحوال اخذت حفنة من المساويك و انصرفت مسرعا حتى لا يرى دموعي التي كنت اغالبها و لسان حالي يلهج ما ذنب هذا الرجل كي يتحمل اخلاقيا و عرقيا اوزار الانقاذ و شابهاتها، و على البعد لمحت عسكريا يحمل سوطا يهاجم اشباهه من الباعة المتجولين.
السودان اليوم يا عزيزي كما كتبت غابة من الاحزان المتوالية، حقا انني لم اشعر بكم هائل من الآلام مثل الذي احسست به اثناء زيارتي تلك، لقد حرصت اثنائها على استخدام المواصلات العامة، و اذكر عدة مرات، في طريقي الى الثورة الحارة السادسة لزيارة احد الاقرباء بعد مروري على مقابر احمد شرفي، كمية الحزن الذي انتابني فجاءة لكل هؤلاء المدفونين هناك من الأهل بسبب سوء العلاج او الانهيار النفسي، و تذكرت حينها اخي الذي توفاه الله في الغربة بعد انهيار نفسي كامل، لم يذهب خلاله الى الوطن عدة سنوات خوفا من مجهول، و الغريبة انه لم يكن له اي نشاط سياسي او اجتماعي كبير، فقط خوف من الوطن، و تذكرت حينها مقولة الشاعر
بقيت يا وطني زي منفاي مطارد و مستباحة دماي..
في تلك الحافلة لم استطع حتى حبس دموعي تلك التي انهمرت مدرارا، و انا اتوسط كرسي الحافلة الصغير الذي يملاء الممر، و قد نظر الي الكمساري بنظرة شفقة كبيرة، و انااخفي وجهي خلف يدي، و عيناه المتسائلة تقول ماذا دها هذا الانسان كي يبكي في هذه الحافلة، و تجاهل مسأءلتي عن دفع قروش الرحلة لما رآه من حالتي تلك.
الحقيقة انا نفسي لم استطع معرفة ما دهاني في تلك اللحظة، لعلها تراكمات من ما رأيته في الاسابيع الاولي من زيارتي بعد عقد و نصف من الزمن، للوطن، و طافت في مخيلتي حينها منظر مروحة متسخة في غرفة العمليات في مستشفي امدرمان التعليمي متدلية فوق بطن مريض مفتوحة اثناء عملية جراحية ابان وجودي هناك عدة ايام مع احدالاصدقاء الاطباء لمشاهدة الاوضاع هناك ايضا منظر المتسولين في كل مكان، و كأنهم يسألوني جميعا، ماذا فعلتم يا متعلمينا بهذا الوطن..
بعد ذلك تتكون لديك جزء من المناعة لانه بدون ذلك قد تنهار تماما، لكن كلماتك التي قرأتها اعلاه، اعادت لي ذلك كله في لحظة واحدة فواصل رعاك الله.. لأن احزاننا كبيرة، ويجب علينا أن لا ننساها حتى نستطيع تبديلها فرحا ووعدا و تمني.

لك من الود اجزله على ذكرك لمأساة ميري، و ليخفق عاليا اسم روايتك.
اخوك امجد ابراهيم

Post: #20
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-10-2005, 08:17 AM
Parent: #19

صديقي الدكتور أمجد
لعل الحزن وحده يدلنا على نهاية النفق. لكل واحد منا حكاية حزينة من زمن حزين. ومن ركام الحزن هذا، ربما يبدأ الفرح. محطات الحزن "مشرورة" في طول البلاد وعرضها، وحال البلاد في طولها وعرضها مجلبة لحزن عميق عميق. الفن، ربما يكشف للناس وجوها أخرى وعميقة للآلام التي يعانيها الآخرون. كانت أعمال فنية سودانية كثيرة ملهمة لي، كما هو شأن أحداث وشخصيات، بالاضافة للتخييل، في كتابة الرقص تحت المطر ثم وطن خلف القضبان. أتمنى أن أكون كاتبا صادقا على الدوام في أعمالي الروائية.
شاكر مرورك الكريم يا سيدي

Post: #21
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: وفاء تاج الدين
Date: 11-10-2005, 01:37 PM

الأستاذ الأديب الرائع ..خالدعويس
أثناء قرأتى لك وأنت تجسد نموذج ما أكثره فى وطننا الحبيب بكيت وأبتسمت وغضبت وفرحت فكنت ميرى تارة وكنت رابعة تارة أخرى من خلال هذا السرد الصادق الواقعى المؤلم عشت معاناة ميرى وقلة حيلة رابعة ويأسها
شكرا لك أديبنا المتميز وأتمنى لك من الله أن يديم عليك هذه الموهبة المتميزة التى تلامس وجداننا
وفاء تاج الدين

Post: #22
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: عبدالرحمن عزّاز
Date: 11-10-2005, 02:27 PM
Parent: #21

الأخ الأستاذ
خالد عويس
أتفق مع رأى الأخت نهال كرار، لأنى أتابع ما تكتب بمسؤلية
ودراية بالكتابة وسلاسة التعبير ، أنتم وآخرين مفخرة لنا ولى بلادنا
تحملون الهم، .
أرجو صادقاً أن تمدنى بعنوان لمكتبة أو رابط يمكن الحصول
منه على أعمالك و أعمال الأديب الستاذ محسن خالد
ولك الأمنيات الطيبة

Post: #23
Title: Re: دموعك الغالية أعظم من أي تكريم
Author: خالد عويس
Date: 11-13-2005, 03:08 AM
Parent: #22

الأخت وفاء
الأخ عبدالرحمن
هذه الكلمات العظيمة التي تسطر بحقي هي أكبر من قامتي بكثير. وهي بقدرما تسعدني، تضع على عاتقي مسؤولية ابداعية كبيرة
شكرا لكما من أعماق قلبي
الرواية نشرتها دار الساقي (لندن - بيروت) وهي كانت متوفرة على حد علمي في مكتبة الساقي بلندن وفي موقع "النيل والفرات" على الانترنت بالاضافة لمكتبات كثيرة بالعالم العربي والولايات المتحدة وأوروبا. لكنني لم أجدها في الآونة الأخيرة وربما تكون الطبعة الأولى نفذت. عموما سأستوثق من دار النشر وأطلعك على جديدهم.