الرزنامة بديعة!! الله يبارك في عمرك يا أستاذ محمد المكي إبراهيم

الرزنامة بديعة!! الله يبارك في عمرك يا أستاذ محمد المكي إبراهيم


03-06-2007, 11:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=155&msg=1207673359&rn=0


Post: #1
Title: الرزنامة بديعة!! الله يبارك في عمرك يا أستاذ محمد المكي إبراهيم
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-06-2007, 11:42 PM



Quote: Last Update 06 مارس, 2007 09:03:30 PM

ضيف على الرزنامة: محمد المكي ابراهيم

مُنبَطِحٌ يَنتَظِرُ .. الرَّكل!



كمال الجزولي
[email protected]

الثلاثاء:

تملكتني اليوم حالة من الشوق لثنائي الحبايب كمال الجزولي والياس فتح الرحمن ، فطلبتهما على التلفون ، أو بالأحرى طلبت كمالاً فى بحري ، ثم طلبت منه أحدَثَ ما يعرف للياس من هواتف في القاهرة ، فحظيت منه بثلاثة: واحد للعمل ، وآخر للسكن ، وثالث هو (الجوال). وفي زماننا كانت كلمة (جوال) هي فصيح كلمة (شوال) العامية ، وكانت كثيرة الورود في مسائل الحساب المدرسية من نوع: (إشترى رجل ثلاثة جوالات من الذرة بسعر 42قرشا للجوال ، فكم بقي معه من رأسماله البالغ ثلاثة جنيهات؟! واستطراداً: إذا (قال كده وقام إتفنجر) وتزوج ، بعد ذلك ، بمائة وخمسين قرشا بالتمام والكمال ، فكم يبقى معه)؟!

كنت أريد أن أعرف من كمال لماذا لم نعد نرى كتاباته في الصحف السيارة ـ في زماننا أيضاً كان ذلك هو الاسم الفصيح "للعربية" ، ملاكي أو غيرها ـ و .. لعل ما في عوجة وعسى أن يكون المانع خير! لكنه أوضح لي أنه عاد ، مؤخراً ، لكتابة (الرزنامة) على صفحات (الرأي العام) هذه المرَّة ، وأن بإمكاني الاطلاع عليها كل ثلاثاء في موقع الصحيفة على الانترنت ، ثم وجه لي الدعوة ، بعد التعرُّف على أسلوبها ، كي أحلَّ ضيفاً عليها .. بطريقتها.

وضعت السماعة ، وسرحت مع ذكريات الشباب الأول الذي قضيته كاتباً في (الرأي العام) ، على أيام المرحوم الفاتح التجاني ، والمرحوم جمال عبد الملك (إبن خلدون) ، والكاتب الصحفي ذي الشباب المتجدد أحمد على بقادي. كان ذاك زماناً حلواً بريئاً أقصى مطالبنا فيه أن نري أسماءنا مطبوعة بالحبر الأسود على الورق الأبيض ، وكانت تلك أعظم مكافأة للواحد منا. وقد نلت ، شخصياً ، تلك المكافأة عام 1963م ، حين خرجت في الرحلة السنوية لكلية القانون ، ومقصدنا المديرية الشمالية للتعرف على تقاليد أهلها في الاحتكام إلى الأعراف المتعلقة بقوانين الأراضي. وإثر عودتنا من الرحلة نشرت ، في (الرأي العام) ، عشر حلقات حسوماً عن الشمالية ، وأعرافها ، وحب أهلها للأرض ، ومنازعاتهم على أصغر جزيرة يقذف بها النهر إلى هذه الضفة أو تلك. وظللت ردحاً من الزمن ، بعد ذلك ، أحتفظ بقصاصات الأعداد المنشورة فيها تلك المقالات مثل كنز ثمين ، ناوياً أن أضيف إليهن أخريات لأصدرهن في كتيب صغير. لكن (ريح السعد) قذفت إليَّ بكاتب ممتاز ومؤرخ جليل ، أىْ والله ، من تلك المدينة المثقفة ـ مدينة الدويم التي احتضنت بخت الرضا أيام مجدها العظيم ـ فأصرَّ على أخذ مقالاتي المسكينة إلى الدويم "ليطالعها هناك على مهل" ، كما قال!

ـ "ولكن ، يا أستاذ ، قد تضيع ، وليس معي نسخة أخرى منها"!

ـ "يا راجل! تضيع إيه؟! دي في الحرز والصون"!

ولم يكن هنالك أي حرز ولا أي صون! فقد تبخر الرجل ، وبعد عدة أشهر تبخر أقرباؤه الذين جمعوني به ، وجفت الاقلام ، وطويت الصحف ، ولا بد ان تكون صفحات (الرأي العام) التي احتوت مقالاتي قد تحولت ، بدورها ، الى هباء منثور في سحارة من تلك السحاحير ، إن لم يكن في واحد من تلك الكناتين التي دأبت على لف الطحنية في ورق الصحف!

في تلك الأوقات "الحالية بالهمة الخديوية العالية" ، على حد تعبير صحيفة (الجوائب) المصرية القديمة ، لم يكن التصوير والاستنساخ من الأمور اليومية ، كما هو الحال اليوم، فكان الحصول على نسخة أخرى يعني اللجوء الى مكاتب (الرأي العام) ، ونقل المقالات بخط اليد .. كلمة كلمة! ولكي يعرف القارئ مقدار النكبة التي حلت بي جراء ذلك الفقد ، فينبغي أن يعلم أن التصانيف السودانية كانت قليلة جداً في ذلك الزمان ، وكان الاقبال عليها أشد ما يكون ، وكان المثال الحي هو قصيدة (إلى مسافرة) لقريبي الشاعر الرقيق عثمان خالد عليه رحمة الله ، وهي تلك الدرة التي يتغني بها حمد الريح ، ويقول في مطلعها: "ياحليلو قال ناوي السفر .. يا حليلو" ، وكان عثمان قد طبعها على هيئة سفر صغير وباعها ، جملة واحدة ، للاستاذ حامد ، صاحب مكتبة الملايين بالمحطة الوسطى بالخرطوم ، فنقده ثمنها أربعمائة ونيفاً من جنيهات ذلك الزمان سرعان ما تحولت إلى سيارة فولكسواجن زادت الشاعر شهرة وبروزاً وهي تجوب الخرطوم مشحونة ، حد الاكتظاظ ، بأصدقائه الذين كانوا وقتها فتية العاصمة الذهبيين! ستقول لي: فرق السماء والأرض بين العملين ، فهذه قصيدة غنائية ناجحة خلفها قصة حب مثيرة ، وهذا كلام جاف عن (قانون الأراضي)! والحقيقة كلامك صاح ، وعليه فأنا راض بنصف المبلغ الذي حصل عليه قريبي المرحوم! ويا زول الزعل فوق كم؟! خليها مية جنيه والأجر على الله!

كنت أقول ماذا؟! نعم .. مضيت أبحث عن (رزنامة) كمال في أكثر من مكان ، حتى وجدتها في موقعين إلكترونيين ، كما أن صديقاً قام بإرسال جزء منها لي كنكتة منفصلة. والواقع أنني وجدت (الرزنامة) قطعة أدبية رفيعة المستوى ، جمعت وحوت ، ففيها من الأدب والسياسة والفكاهة وحلاوة الروح ما جعل الاقبال عليها كبيراً ، وجعل القراء يتبادلونها عبر البريد الالكتروني حتي يقرأها الحاضر والغائب. بكلمة أخرى هي نوع من "الونسة" متنوعة المواضيع كما يحدث في واقع الحياة ، مع فارق مهم هو أن الكاتب وحده الذي يدير دفة المحاورة ، متنقلاً بنا من موضوع إلى آخر، وفي ذلك قدر كبير من التوفيق أهنئ صديقي كمال عليه ، ولكن ذلك يزيد من صعوبة مهمتي كضيف مطلوب منه أن يتماهى بتلك الكتابة في تنوعها وجدها وهزلها!

ومن عجيب مصادفات (الرزنامة) أنها تحدثت ، في أحد أيامها ، عن وزير الحربية الامريكي الاسبق وليام كوهين متسائلة: "من قال إن الشاعر لا يصلح أن يكون وزيراً للحربيَّة"؟! وذلك في ذات الاسبوع الذي كان يتصدر فيه الأخبار الثقافية ، هنا في أمريكا، الكتاب الذي نشره كوهين نفسه بمناسبة (عيد الحب) ، في الرابع عشر من فبراير الماضي ، بالاشتراك مع زوجته الخلاسية رائعة الجمال جانيت لانغهارت ، يرويان فيه قصة حبهما ، فزواجهما الذي جمع بين (الابيض والأسود)! وزوجة السيد الوزير ليست أية امرأة ، فهي كاتبة ، ومناضلة في مجال حقوق الانسان ، وبينهما قصة حب وزواج عمره الآن أحد عشر عاما ، وقد كانت جانيت عند الزواج أرملة وكان كوهين مطلقاً.

ومن غرائب الحياة السياسية لوزير دفاع كلينتون أنه كان (جمهورياً) ، ومع ذلك رشحه الرئيس (الديموقراطي) للمنصب ، وفاز بثقة مجلس الشيوخ بالموافقة على تعيينه! وبتلك الصفة أرى أن الطريق مفتوح أمام صديقي كمال ليكون هو نفسه وزيراً للدفاع! فهو شاعر ، كما أنه من خارج الحزب الحاكم ، وبذلك تكتمل لديه مؤهلات تولي هذه الوزارة المهمة ، عله يخمد الفتن القائمة في الجنوب والشرق والغرب ، بل وفي الشمال نفسه ، حيث (المناصير) الذين غدوا بلا (نصير)! ونرجو منه أن يكمل جميله ، بالمرة ، ويرسل قواتنا لإخضاع الأمريكتين ، ولا لزوم لاحتلالهما ، فكفاية أن يدفعوا ، عن يد وهم صاغرون ، الجزية التي ستكون حتماً مجزية ، وذات عائد يفوق عائد الجبايات التي انقلبت الحاكومة تجتهد لتحوش السلطات الولائية من تحصيلها بالقوة!

عموماً لدي طلبين للوزير الجديد: في البداية أنصحه بأن (يعمل حسابو) ويتقي شر المحكمة الجنائية الدولية! وثانياً أنا لا أريد منه تعييني في أية رتبة سوى رتبة (عريف) ، حيث أن الرتب الأخرى كلها قد تورطت في قيادة انقلابات ، ناجحة أو فاشلة ، على الديموقراطية ، فلا أريد من كمال أن تدفعه صداقتنا لكي يعيننى (رائداً) أو (مقدماً) أو (عميداً) أو (لواءً) أو (فريقاً)! تكفيني فقط رتبة (عريف) ، ولكن قسماً عظماً أسمع بأي فريق أو حريق عايز يعمل انقلاب أبلغ عليه وأفضحه للغاشي والماشي! أنا ، باختصار ، (شاهد ملك) منذ الآن ، فمن سمع يكلم من لم يسمع ، و .. ما حدِّش حوَّش!


الأربعاء:

لا زال الكونجرس يصارع نفسه للخروج بقرار غير ملزم يستهجن زيادة عدد القوات الامريكية في العراق. وليس ذلك عملاً اعتباطيا لا فائدة فيه ، كما قد يتبادر إلى الأذهان، فالهيئة التشريعية تسجل بذلك موقفاً ، وتستبق الأحداث في أكثر من مجال ، مؤكدة أنها لن تعيد غلطتها السابقة يوم قالت للرئيس: "نعم ، إفعل ما تراه مناسباً نحو العراق" ، فتحزم وتلزم وأرسل قواته لاحتلال ذلك البلد! ومن يومها أصبح ، كلما استنكر الناس تصرفه ، يقول لهم: "الله؟ إنتو مش أديتوني تفويض أعمل ما أراه مناسباً .. أهو دا ما وجدته مناسباً"! فقال الكونجرس: "هَيْ لاكين حرابة فدْ مرَّة؟! ما في حاجة في النص؟! إنت ما سمعت بحكاية السوداني الشاكل المصري وراح مديلو بالبوكس في مناخيرو .. فاستعجب المصري وسأل: مفيش شتيمة في الأول؟! ضرب على طول كده"؟! فاعتذر الرئيس بمعرفته المحدودة بالسودان ، ووعد بأن يشتم ، المرَّة الجاية ، سنسفيل الرئيس المعني قبل ما يقوِّم الحرابة ضده!


الخميس:

خسارة أن أبناء بلدنا ما عادوا يحذقون الانكليزية ، وأيضا لا يملكون أجهزة كمبيوتر! وسبب حسرتي أن هذين العاملين يحرمانهم من الاطلاع علي ثروة خيالية من النوادر والنكات كان من شأنها أن ترفه عن شعبنا البطل ، وتشعره بالسعادة والحبور ، وتعوِّده على أخذ الامور بصورة مازحة ، فلا يغضب إذا انقطع النور وهو يطالع ، أو الماء وهو يغتسل ، أو البنزين وهو بين الفاشر وكبكابية! أقول هذا الكلام الكبير وأنا أحاول أن أجاري المضيف في حسه الفكاهي. ومن أجل تلك الغاية ذهبت إلى موقع (الضحك السياسي) على الانترنت ، وفي أقل من ربع ساعة خرجت بهتين الدرتين:

الأولي: أسامة بن لادن تنتابه الشكوك والهواجس فيذهب إلى قارئة الفنجان ويسألها: "متي سأموت"؟! تأخذ القارئة الفنجان في يدها وتستغرق في القراءة ، وبعد عدة دقائق تلتفت اليه قائلة: "وجدتها! ستموت في إحدى العطلات الأمريكية"! فيسألها بن لادن: "في أية واحدة من العطلات الأمريكية .. فثمة عشر عطلات رسمية في السنة"؟! فتجيبه القارئة: ليس مهماً ، فأي يوم تموت فيه سيكون عطلة أمريكية"!

الثانية: بيان الى الشعب الأمريكي ، أرجو أن تنشروا هذا الرجاء على أوسع نطاق ، أمريكا بحاجة لمساعدتكم. لقد طلب منا الرئيس أن نتحد من أجل مصلحة أمريكا. وحيث أن غلاة الاسلاميين يعتبرون النظر الى امرأة عارية خطيئة كبرى ، ما لم تكن زوجتهم في الحلال ، فالمرجو من كل النساء في أمريكا أن يخرجن من بيوتهن عاريات في تمام السابعة من مساء اليوم وذلك لاجتثاث التطرف والارهاب! وسوف تقدر الولايات المتحدة جهودكم .. حفظ الله أمريكا (التوقيع: بيل كلينتون)!


الجمعة:

شكوت للكاتب الصديق من جريمة الكتابة باسم مستعار التي غدوت هدفاً لها في الأيام الأخيرة! وأنا ، بطبيعة الحال ، لا مانع عندي من أن يسبني من يرى في سب الناس وسيلة للظهور أو حتى مجرد الاشتفاء وسل السخيمة ، ما دام يفعل ذلك علناً ، وعلى رءوس الاشهاد ، وباسمه الحقيقي ، فإنه ، حينذاك ، يشهد عليَّ (بضم الياء وتسكين الشين وكسر الهاء) إن كان محقاً ، وعلى نفسه إن كان كاذباً. أما أن يتخفى وراء اسم مستعار فذلك ما لا تقبله الاخلاق ، لأنه إذ ذاك.. يوجه إليك الاتهام ، وفي نفس الوقت يمنعك من تفنيده .. بعبارة أخرى: يهاجم ويحرمك من شن هجومك المضاد .. مخفيا وجهه تحت القناع كاللصوص الليليين ، كجلاوزة بيوت الاشباح ، كمنفذي حكم الاعدام ، متجرداً من المحيط والمخيط ، وداهنا بدنه بزيت الطعام ليفلت من أيدي المطاردين!

لا أتخيل إنسانا بالغاً راشداً سوياً يقوم بمثل هذا العمل الردئ الذي هو من فعائل الحقودين الموتورين ، فاقدي المروءة ، الموهومين في حق ذواتهم ، يحسبون أنفسهم بقراً مقدساً وهم ، في الحقيقة ، محض حلاليف! إنهم ، في ذلك ، يشبهون الأطفال الذين يكتبون البذاءات على الحيطان سباً لخصومهم من الأطفال الآخرين ، على حين يفترض في الرجل الكريم ، متي ادرك سن الوعي ، ألا يعود إلى التشبه بالاطفال ، وأن يتحلى بالشجاعة ليقول كلمته متحملاً نتائجها. وفي كل الأحوال ليس هنالك ما يخيف إلى هذه الدرجة ، فالكل في السودان ، والحمد لله ، يشتم وينشتم ، وليس ثمة من هو محصن ضد السب والقذف والشتيمة! لكننى شخصيا لست من السبابين الشتامين. ومن يتصدى لي سيجدني حليماً ، عفيف اللسان ، معنياً بالمنطق والحقيقة قبل رد الصاع له صاعين! فلا يحتاج من ينازلني للبس طاقية الإخفاء ، خوفاً وفرَقاً ، خاصة وهو يستقوي بطاقم كامل من متخصصي ومتخصصات الردح ، بينما أنتمي إلى عشيرة مكممة الأفواه إسمها شعب السودان محرم عليها الكلام والطعام والسلام! ومع ذلك فإن الكتابة باسم مستعار ، خاصة على الانترنت ، لا تصلح للتنكر الكامل ، فثمة وسائل عديدة لكشف المجرم الحقيقي ، وسك الحرامي إلى خشم باب بيته! وقد نصحني الناصحون بحيلة صغيرة ، جربتها ، فكشفت لي شخصية المرسل الحقيقي ، وأكدت الشكوك المتواترة عنه!

وإلى ذلك ، فإن (الإسم المستعار) هو ، من جهة أخرى ، قناع يليق ، فقط ، بذوي النفوس المريضة ممن يستحقون الرثاء والعلاج ، لا الشتيمة على أعمدة الصحف الورقية أو المواقع الالكترونية! وأرجو ألا أكون قد شهرت بمن سبَّني ، أو انحدرت إلى مستواه ، ولكنني أردت فقط أن أعطيه بيانا بالعمل عن كيف تكون أخلاق الرجال الكرام ، حتى عندما يكون الخصم منبطحاً على بطنه ، منتظراً الركل على قفاه!



السبت:

عادني الفقيد الطيب محمد الطيب في مرضي عام 1995م ، والذي كنت قد أشرفت فيه على الرحيل ، لولا أننى رأيت ملاك الموت بحباله وسكاكينه ، فعدلت عن ذلك ، لأتشرف بتلك الزيارة الوديعة من ملاك ثقافتنا الحارس الذي لم يكتف بالعيادة والمزاورة ، بل حمل إليَّ هدية لا أحلي منها .. فردة من الدمور السوداني الأصيل الذي كان غطاء هذه الأمة قبل أن تعرف البطاطين والألحفة ، مثلما كان أيضا مادة للبدلة البيضاء الأنيقة التي كان الزعيم الأزهري يرتديها يوم رفع علم الاستقلال في واحد واحد 56.

لقد خلع عليَّ الفقيد ، بلغة الكتب القديمة ، خلعة مما كان يتهادى به ملوك السودان القديم! وقد ظللت أطلبها ، في دلع النقاهة ، لأتغطى بها ، فكانت ، بحق ، لباساً من لبوسات العافية والفأل الحسن ، ساهمت في شفائي واستعادة صحتي. وظني أن كثيرين كانوا يريدونها ، منهم البنت التي تريد أن تصنع منها الاسكيرت الموضة ، ومنهم الأم التي تريد منها تنورة حشيمة ، ومنهم ، أيضاً ، شخصي الذي أزمع على تفصيلها بدلة أفريقية من قطن السودان طويل البال المتين ، تيمُّناً بالأزهرى وجيله. ولا شك أنها موجودة الآن في مكان ما من الغرف المغلقة التي نحلم بالعودة إليها وامتلاك محتوياتها من جديد. فمتي تم ذلك ، فسيكون الطيب بانتظارنا في تلك الغرف ليبهرج أيامنا بعبيره وذكراه.

نزلا في ساحة الفردوس عند مليك مقتدر يا طيب الطيبين.


الأحد:

أقرأ اليوم هذا الخبر نقلا عن صحيفة (الوطن) تحت عنوان (كتب قيمة بأسعار زهيدة على أرصفة دمشق): ظاهرة جديدة بدأت تغزو شوارع وأرصفة مدينة دمشق قبل العيد وأثناءه ، ألا وهي عرض الآلاف من الكتب القديمة وبيعها بأسعار زهيدة. هذه الظاهرة نافست مكتبات الارصفة التي تنتشر على نطاق واسع في بعض شوارع دمشق باعتبارها ذات بعد تجاري.

اللافت أن أصحاب هذه المكتبات يبيعون الثلاثة كتب بـ 25 ليرة سورية فقط! وتتنوع العناوين بين مجموعات شعرية لعدد من الشعراء السوريين ، وكتب السير الذاتية ، والبعض منها مكتوب بخط أصحابها ، الأمر الذي يزيد الاقبال عليها. وقد بيع ديوان شعر للشاعر السوداني محمد المكي ابراهيم صادر في الخرطوم عام 1982 ، ومُهدَى إلى الدكتور محمود موعد بثمن زهيد ، ويحمل اسم (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت). ويقول أصحاب هذه المكتبات إن حركة البيع شهدت نشاطاً كبيراً قبل العيد ، مشيرين إلى أن سعر الكتاب عندهم أرخص من سعر الفلافل والفجل! ومع ذلك فإن هناك من يتردد في الشراء!

من جهة أخرى تم تسجيل انخفاض كبير في شعبية وجماهيرية الشعر بشكل عام في سوريا ، وذلك من خلال تراجع عدد الذين يحضرون الأمسيات الشعرية ، حتى أن المراكز الثقافية خاصة في دمشق أصبحت متردِّدة في إقامة مثل هذه الأمسيات. ويجري طرح تساؤلات عدة حول أسباب تراجع حضور الشعر ، وأهميته ، وما اذا كان عصر البث الفضائي هو السبب ، أو أن الامر على صلة بتقدم فن الرواية على حساب الشعر. ولكن للشاعر والناقد السوري د. جهاد بكفلوتي رأياً اخر ، فهو يرى أن انخفاض شعبية الشعر حالة مؤقتة ، مشيرا إلى أنه ، بالرغم من وجود أزمة شعر ، إلا أن المسألة كلها متصلة بالمزاج العام في المجتمع الذي يطغى عليه الطابع المادي ، لكن الشعر يظل هو غذاء الروح والوجدان ، ويخلص د. بكفلوتي إلى أن الشعر موجود في خطاب دم المواطن العربي منذ فجر التاريح ، وأنه ، مهما تقدم العلم ، فلن يكون بوسعه إخراج عشق الشعر من دم هذا المواطن ، الأمر الذي أدى إلى قيام مصالحة بين الشعر وعشاقه، ليس في الوطن العربي ، فحسب ، بل وعلى مستوى العالم كله.



الإثنين:

اليس هنالك يوم إجازة؟ هل (تشتغلون) 6 أم 7 أيام في الاسبوع؟! أليس عندكم ويك إند؟! لا عجب ، إذن ، أن بلادنا تقبع في ذيل الامم المتخلفة! ولا بد أن هذا قد حدث بسبب هذه الهمة (العالية) التي تبدونها في (الشغل) لها! وذلك على وزن قولك: فلان (شغال) لفلان ، يعني يريد تدميره وتحطيمه ، فهو (شغال) ليهو .. من تحت لتحت! ونحن طبعا (شغالين) لهذا السودان ، وقد وفقنا الله في ذلك فخربناه ، ودمرناه ، وغطسنا حجره ، وأرجعناه ، والحمد لله ، أسفل سافلين!