احتفائية القارئ

احتفائية القارئ


01-13-2008, 07:55 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=150&msg=1200250545&rn=1


Post: #1
Title: احتفائية القارئ
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-13-2008, 07:55 PM
Parent: #0

"إنني اعتبر نفسي قارئاً بالأساسِ. وقد تجرأت على الكتابة، ولكنني أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما كتبته. فالمرء يقرأ ما يرغب فيه، لكنه لا يكتب ما يرغب فيه، وإنما ما يستطيعه"

"ثمة أبياتٌ نسيانها أصعب من تذكرها"

خورخي لويس بورخيس-جريدة الحياة-مقتطف من كتابه (صفة الشعر).


الكثير من الاشتغالات البهيجة التي لامست الروح ودقت أوتاد سطوتها بالذاكرة أجلبها إلى هذا المكان وحبذا لو مدتنا أرواحكم بما تحتفون لنتشارك مدام الحروف بخبز أيامنا العجاف...


تراتيلُ المحبة أتلوها على أنفاسكم...

Post: #2
Title: قصة من أم درمان-صلاح أحمد إبراهيم
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-13-2008, 08:11 PM

قصة من أم درمان-صلاح أحمد اٍبراهيم


و رميت رأسي في يدي
ما تنفع الشكوى،
وشعرك
جف بالشعر الخيال
و كأن راسي في يدي
روحي مشقشقة بها عطش
شديد للجمال
وعلى الشفاه الملح واللعنات
و الألم المحنط بالهزال
وكان رأسي في يدي
ساقاي ترتجفان من جوع
ومن عطش ومن فرط الكلال
وأنا أفتش عن ينابيع الجمال
وحدي بصحراء المحال
بسراب صحراء المحال
بسموم صحراء المحال
أنا والتعاسة والملال
وكان رأسي في يدي
والمركبات تهزني ذات
اليمين أو الشمال
والمركبات تغص بالنسوان
واللغط الشديد وبالرجال
وكان رأسي في يدي
مازال يقذفني اللعين كأنه
الغربال من أقصى
اليمين إلى الشمال
وبقلبي الأمل المهشم والحنين
إلى الجمال
والوحشة الغرَّاء والنور
المكفن بالطلال
وخلو أيامي ورأسي في يدي
ورفعت رأسي من جحور كآبتي
وأدرت عيني في المكان
وكنت أنت قبالتي
عيناك نحوي تنظران
عيناك ... وأخضر المكان
وتسمرت عيناي في عينيك
ماعاد المكان أو الزمان
!! عيناك بسْ
ومسكت قوس كمانتي
عيناك إذ تتألقان
عيناك من عسل المفاتن جرتان
عيناك من سور المحاسن
آيتان
عيناك مثل صبيتين
عيناك أروع ماستين
( هذا قليل )
عيناك أصدق كلمتين
عيناك أسعد لحظتين
( هذا أقل )
عيناك أنضر روضتين
عيناك أجمل واحتين
( ما قلت شئ )
عيناك أطهر بركتين من
، البراءه
نزل الضياء ليستحم بها
فألقى عند ضفتها رداءه
الفتنة العسلية السمراء
والعسل المصفى والهناء
وهناك أغرق نفسه
( عجز الخيال )
عيناك فوق تخيلي
فوق إنطلاق يراعتي
فوق إنفعال براعتي
عيناك فوق تأملي
ومضيت مأخوذاً وكنت قد
اختفيت
من أنت ؟ ما اسمك يا جميل ؟
وكنت من أي الكواكب قد أتيت
وقد اختفيت
مازلت تملأ خاطري مثل
الأريج
كصدى أهازيج الرعاة تلمه
خضر المروج
كبقية الحلم الذي ينداح عن
صبح بهيج
ومضيت مأخوذاً وكنت قد
اختفيت
ومضت ليال كالشهور فما
ظهرت ولا أتيت
وأنا أسائل عنك في الليل
القمر
وأنا أفتش في ابتسامات
الرضا ... لك عن أثر
في كل ركن سعادة لك عن أثر
في كل نجم خافق
في كل عطر عابق
في كل نور دافق
لك عن أثر
حتى لقيتك أنت تذكر في
ضحى من غير ميعاد وغير تعمد
ولمحت وجهك فجأة وظللت
مشدوهاً بهول المشهد
وتزلزلت روحي ونطَّ القلب
يهتف صائحاً
هو نفسه ... هو نفسه
وتفتَّح
وكأن ليلاً أصبح
ووقفت في أدب وفي فرط
إحتشام
ومددت كفي بالسلام
لكن كفك في الطريق ترددت
وتعثرت
وامتد في عينيك ظل توجس
وكأنما كفي حرام
وكأنما قتلت حسيناً ، أو رمت
بالمنجنيق قداسة
البيت الحرام
لكنني لم أنبس
وخنقت في صدري كلام
وحبست في حلقي ملام
ومضيت مغتاظاً أضمد
مهجتي
ألم من فوق التراب كرامتي
وأسب يوماً كنت تجلس
أنت فيه قبالتي
ولكم دعوتك .. كم دعوتك
بيد أنك لم تلبي
مازلت تخشى أن ترى
نوري وتغرق نورك الوضاح في
أرجاء قلبي
وتخاف لمس أناملي
وتخاف قلبك أن يجيب ،
تخاف من خطوات حبي
لك ماتشاء !! .. فلسوف
أغلق جنتي
ولسوف أطفئ نورك الخابي
وأوقد شمعتي
ولسوف أطرد طيفك المغرور
أنفيه لأقصى بقعة
ولسوف أتركه لتنهشه
مخالب غضبتي
والمُّ من فوق التراب
كرامتي
وأسب يوماً كنت تجلس
أنت فيه قبالتي
حتى لقيتك أنت تذكر من
جديد
في ذلك الركن القصي بذلك
البلد البعيد
إذ جئت تخطر نحونا وكان
وجهك يوماً عيد
ماذا يريد ؟
وهفا الفؤاد ... هفا ؟ فقمت
نهرته
وهتفت ماشأني به
وزجرته
وذكرت أنك طالما عذبته
وأهنته
ولويت رأسك يا عنيد
وأتيت مبتسماً وفي عينيك
ألوان الحنان
مذا هناك ؟
ومددت كفك بالسلام
لا لم تعد تلقي يداه الإتهام
وتقول كفاه بأن يدي حرام
لا لم يعد
ودفنت في أرجاء كفك
راحتي
وضممتها ... وضممتها
ورميت قلبي في ذراعي بهجة
وحمدتُ يوماً كنت تجلس
أنت فيه قبالتي


Post: #3
Title: Re: قصة من أم درمان-صلاح أحمد إبراهيم
Author: مهتدي الخليفة محمد نور
Date: 01-13-2008, 08:23 PM
Parent: #2

عزيزي بلة, تحياتي
إخترت بحذاقة و أمتعتنا بمتعة القراءة.
الشكر أقل ما يقال. نلتقي علي قلم. مودتي

Post: #4
Title: Re: قصة من أم درمان-صلاح أحمد إبراهيم
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-13-2008, 08:30 PM
Parent: #3

أشكر جمالك الشاهد عليه حرفك


هي ضربة البداية
ولما لها من أثر فاتن آثرت البدء بها
وعشمي أن تمندنا بما ثبت حروفه بينك



محبتي

Post: #5
Title: منزل مزدحم بالغائبين-تمام التلاوي
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-13-2008, 08:53 PM

منزل مزدحم بالغائبين
شعر تمام التلاوي







في منزلٍ مِن غرفتينِ ورَدهةٍ
ربّيتُ أحلامي لأعوامٍ طِوالٍ
ربّما دخلَتْهُ إمرأةٌ لتُنجِبَ فيه حُلْماً عابراً أو تقتلَهْ
ولربّما كنّا نعذّبُهُ كثيراً في مسَاءاتِ الوعولِ.. فنكسرُ الأقداحَ فوقَ سكونهِ أوْ نصفعُ الأبوابَ أوْ حتّى نقوِّضُهُ بعصفِ لهاثِنا في الليلِ

لكنّي اعتنيتُ بهِ كأنّهُ والدي, لي فيهِ كرسيٌّ كحِضنِكِ آنَ يُدفِئُ عزلَتي, ونوافذٌ مفتوحةٌ لتأمُّلِ الأيَّامِ وهْيَ تمُرُّ في بالِ الخريفْ

مفتاحُهُ ما زالَ يصدأُ في حقيبتِها, وها إنّي أواصلُ عادتي في الانتظار ومضْغِ ذاكرتي كلوْزٍ, تاركاً خلفي سريراً فارغاً بعدَ التي كانتْ تبعثِرُ عمرَها كرَزاً وسمّاقاً وجمْراً فوقَ شَرشَفِ ذكرياتي

سوفَ أضحكُ حينَ أذكرُ كيفَ كانَ التمْرُ ينضُجُ في عرُوقي كلّما ارتعشَتْ على شَفَةِ القرنفُلِ زَفْرةٌ أوْ كلّما ارتطمَتْ على كَتِفَيْ دمي ساقانِ مِن دفلى
سأضحكُ.. كنتُ مأخوذاً بموجي, لا أحطُّ بمرفأٍ إلاّ لأُبحرَ منْ جديدٍ, كانَ لي بحّارَةٌ لا يسأمونَ منَ الأغاني وهْي تخفِقُ في صواري القلبِ

لكنّي سأبكي حينَ يُرجِعُني صريرُ البابِ يا أمّي إلى القلَمِ الذي اقترفَتْ بهِ أنثايَ حزني فجرَ أقفلَتِ المدينةُ خلفَها برِتاجِ أشعاري نهاري


إنّما لي منزلٌ منْ غرفتينِ ورَدهةٍ, ربّيتُ فيهِ صِغَارَ أحلامي لأعوامٍ كمَا ربّيتِنِي, وحرستُ صمتَ جُنَينتي بشُجيرتَي وردٍ وليمونٍ وأيْكةِ آكِدِنْيا, رافعاً قمرِي لجارتِنا التي تصطادُ أعشاشَ العصافيرِ الصغيرةِ كلّما اهتزَّتْ غُصونُ الحبِّ في قلبي..

تركتُكِ.. كنتِ واقِفَةً على عتَباتِ دمعَكِ كالفَنَارِ, وكنتِ عبَّأْتِ الحقيبةَ بالحنينِ وقلتِ: لا تنظرْ إليَّ لأنّني سمراءُ يا ابْني, إنّني السمراءُ, سوسنَةٌ العواصِمِ, لوَّحتْني الشمسُ في زمَنٍ نطَرْتُ بهِ كرومَكَ, لوَّحتْني شمسُ أيّامي, ولمْ أنطُرْ أنا كرْمي..

وقفتِ.. وكانَ صدرُكِ يومَها رَطْباً, وكانتْ ذكرياتُكِ ربّما هيَ ذكرياتي نفسُها. ولأنَّ عاداتي قد اختلفَتْ كثيراً, صارَ يكفي أنْ أرى باباً لأدخلَ في البكاءْ
أوْ أنْ أُلامسَ حائطاً حتى يصيرَ أرَقَّ منْ أثوابِ نومِكِ..



منزلي, ربّيْتُ فيهِ صِغارَ أحلامي كمَا ربَّيتِني, ومنعتُها مِنْ أنْ تُغافلَني وتلعبَ مع صغارِ الحيِّ, قلتُ: هناكَ ذئبٌ في المدينةِ, قلتُ: ثمَّةَ ساحراتٌ, قلتُ: قربَ البحرِ كوخُ البحرِ يقْطُنُ فيهِ شيخٌ يأكلُ الأولادَ

لمْ أكذِبْ كثيراً يومَ قلتُ, فحالما اشتدَّتْ بيَ الأحلامُ وانطلقَتْ على صهَواتِ خيلِ الوهمِ مسرِعةً, سهرتُ أمامَ طاولتي لأنتظِرَ البريدَ.... فجاءني فجراً ثلاثُ رسائلٍ لثلاثةٍ: ذئبٌ, وساحرةٌ, وشيخٌ

منزلي هذا, أراهُ الآنَ مزدحماً بكلِّ الغائبين: حبيبتي, أهلي, وأصحابي القدامى.. بينما ما زلتُ منذُ الأمْسِ مُرتمِياً على ورَقي وذاكرتي أعانقهُم وحيداً. تحتَ عَتْمِ الحِبرِ, أنصِتُ لانهماري جيّداً, وأرى ارتعاشَ العُشبِ تحتَ السورِ عبرَ بُخارِ نافذتي, أبلِّلُ باشتياقي معطفَ الكلماتِ وهْيَ تمُرُّ مسرعةً على ورقِ الرّصيفِ الآنَ, نافِثةً دخانَ مَشاهِدي حولي, وعابرةً على الشرفاتِ برقاً تلوَ برقٍ تلوَ برقٍ

قبلَ أنْ أبكي, رأيتُ اللهَ, فانبَجسَتْ حياتي عبرَ شرخٍ في جدارِ قصيدتي, وترقرَقَتْ عينايَ بامرأةٍ وراءَ البابِ. كانَ البابُ مطْلِيّاً ببيتِ العنكبوتِ, وكانَ في أعلاهُ عشُّ حمامةٍ. طارتْ.. فلا دخلَتْ خُطا امرأتي إليَّ, ولا خرجتُ أنا إليها

زنزنَتْكِ وساوسي, وتدفّقَتْ حولي حياتي, ثمَّ جفَّتْ في الحنينِ وفي السنينِ وفي الكتابِ الجامِعيِّ وفي رغيفٍ يابسٍ في مطبخي, وعلى هواتِفِ لَيلِكُمْ وعلى غيابي –أنتِ أقربُ في الغيابِ إليَّ منْ حبْلِ الوريدِ- وفي الرّسائلِ أوْ عليها, في قرنفُلِ صاحِبَاتي أوْ عليهِ, وفي المَمَرِّ تدفَّقَتْ, وعلى رؤوسِ أصابعي جفَّتْ حياتي مثلَ حِبرٍ

هكذا زعمَ الرّواةُ, وهكذا قَصَّ الشتاءُ على المدى أقصوصَتي, حتّى تلبَّدَتِ السماءُ بصوتِ أمّي والصلاةِ..

نعِستُ يا أمّي, فأينَ الآنَ كفُّكِ تنفضُ الحُمَّى قليلاً عنْ سريري, والحبيبةَ عنْ جبيني؟. ربّما ما زلتِ جالسةً على نهرِ المدينةِ تعصرينَ قميصَ صبرِكِ. ربّما جفَّتْ يداكِ وأنتِ ترمينَ السنينَ كما الحصى فوقَ المياهِ. نعَمْ, رأيتُكِ عندما الْتَفَّتْ عليَّ دوائرُ الغرباءِ, ما كنتُ استلَلْتُ القلبَ منْ غِمدِ البراري بعدُ. طولَ الليلِ كنتُ ركضتُ طولَ الليلِ لمْ أسقطْ ولمْ أسقطْ ولمْ أسقطْ إلى أنْ غاصَ نابُ الّليثِ في فخذِ الغزالْ

حسَنٌ إذنْ.. سأقولُ هذا منزلي, وأعيدُ ترتيبَ الأواني فوقَ رَفِّ الأُمنياتِ. وسوفَ أكنسُ عن بلاطِ الروحِ ما قدْ خلَّفَتْهُ عليهِ أحذيةُ النَّدامى, ثُمّ أحلُمُ منْ جديدٍ, ناسياً مائي القديمَ يجِفُّ فوقَ النارِ في إبريقِ وقتي, سانِداً رأسي على كَتِفِ الأريكةِ, عابثاً في فَرْوِ قِطّتِيَ الكسولةِ

إنّ هذا منزلي, ولطالما جدرانُهُ كانتْ لصوتي دفتراً في الليلِ, أمّا في الصباحِ فمِعطفاً سترَتْ بِهِ امرأتي خطيئَتَها القويَّةَ عندما زارَتْ حيَاتي..

إنَّ هذا منزلي, ولطالما ناقشتُ فيهِ الأنبياءَ بمَا أضفْتُ على رسائِلِهِمْ, وأقنعتُ الشياطينَ الكبارَ هنا بلا جدوى وساوسِهِمْ. وكانَ الأنبياءُ على يميني يجلِسونْ
أمّا الشياطينُ الكبارُ على الشِّمالِ فواقفونَ. وكنتُ أشعِلُ بالجِدالِ سجَائِري, حتّى تنَحْنَحَتِ الحقيقةُ ذاتَ قِسطاسٍ بجلسَتِها لتحكُمَ.. أطفَأَتْ أعقابَ قولي في فنَاجينِ السؤالِ, وأردفَتْ: أينَ الحقيقةُ؟. قلتُ: فيكِ..
فأطرَقَتْ حُزناً, وأغْضَتْ عنْ جوابي النارَ, ثُمَّ اغرَوْرقَتْ بالمُستحيلْ..

ولأنَّ هذا منزلي, فلقدْ مدَدتُ بشُرفتي –مُذْ جِئتُ- حبلاً معدنيّاً, ثُمَّ علَّقْتُ المدينةَ مثلما علقْتُ قمصاني وأزواجَ انكساراتي وحَمَّالاتِ أوجاعِ الحبيبةِ. وانتقيْتُ لكيْ أُطِلَّ عليكِ نافذةً وكرسيّاً وعصفوراً, فشارَفَتِ البلادُ على المطرْ
ورأيتُ ظُفراً يخْمشُ امرأتي, فأجهشَتِ الشوارِعُ بالشتاءْ,
ورأيتُ سيَّافاً على بابِ الخليفةِ يُشهِرُ الموتى عليَّ, فحشرجَتْ بالرّعدِ حنجرتي وأحرقَتِ البواشِقَ والشجرْ...

الآنَ يا أمّي, وما بينَ المدينةِ والمدينةِ, ينصِبُ الغرباءُ جسرَ الريحِ كيما يرجعونْ
وأنا أعاونُهُم, أُفكِّكُ منزلي هذا, لنرفعَ مِنْ حجارَتِهِ لأجلِ الجِسرِ أعمدَةً, ونجعلَ منْ عوَارضِهِ أفَارِيزاً, ونصنعَ منْ حديدِ مقابضِ الأبوابِ حدْوَاتٍ لأجلِ الخيلِ.. لمْ نكبَرْ كثيراً, بعدَ زوبعتَيْنِ سوفَ تُقِلُّنَا العرباتُ نحوَ الأمّهاتِ, وسوفَ نرجِعُ كلُّنَا, غرباءَ مُبْتَلِّينَ بالمنفى.. وقدْ خشُنتْ جلودُهمُ قليلاً ربّما, أوْ ربّما اتَّسعَتْ منَاكبُهُمْ قليلاً, ربّما عَرِيَتْ رؤوسُهُمُ قليلاً.. إنّما ازدادَتْ قساوَتُهُمْ كثيراً بعدَما جفَّتْ على طرقَاتِهِمْ آبارُ أعينِهِمْ, وجَفُّوا بعدما امتصَّتْ لحومَ صدورِهِمْ أُمُّ الذِّئابْ



الآنَ يا أمّي أفكِّكُ منزلي حجَراً
حجَرْ
حجَراً
حجَرْ..

للأرضِ عادتُها, ولي في الأرضِ عاداتُ الغجَرْ
سترَيْنَنِي يوماً أمامَ البابِ مُنتصِباً كنَايٍ, فاعرفيني إنْ لمَحْتِ أصابعي وتَراً وتَرْ
تهتَزُّ في قيثارةٍ صدئَتْ, وفُضِّي عن وعولي شبْكةَ الصيّادِ, وانتَزِعي الطحالبَ عنْ ضفافِ العُمرِ, هُزّيني كجذعِ النخْلِ تسَّاقَطْ على قدمَيكِ أغنيتي وأنطقُ مرّةً أخرى بمهْدِ الحُلمِ, ربّينِي كمَا ربّيْتُ أحلامي, ولا تضَعي الوِشاحَ, ولا تطوفي بي بأسواقِ المدينةِ منْ جديدٍ, بلْ ضعيني وردةً بإناءِ صدرِكِ, والْمسِيني دائماً بيدَينِ سمْراوَينِ, يا سمراءُ, يا مَنْ طالَما غرَّتْكِ غيْرَةُ والدي, وخناجِرُ المَلِكاتِ وهيَ تُضيئُ في غُرفِ المُلوكْ


هوَ منزلٌ منْ غُرفتَينِ ورَدهةٍ
بابٍ, وخمسِ نوافذٍ وجُنَينَةٍ
فكَّكْتُهُ, وجلستُ مُستنِداً لزنْكِ خزانتي, أصغي إلى مطرٍ قديمٍ
ليْتَ هذا منزلي
إذْ ليْسَ هذا منزلي
فكَّكْتُهُ.. فكَّكْتُهُ..
وجلسْتُ في المطرِ القديمِ أُضيئُ أوراقي ببَرْقِ مدائحي..
سمراءُ
يا أمَّ المنازلِ كلِّها
كمْ منزلٍ في الأرضِ قدْ عَقَّ الفتى
ومديحُهُ أبداً
/أبداً/ لأوَّلِ منزِلِ

مرة ثانية يا بكري .. عسى أن تتلطف وتساعد في فكّ أسْر البورد
شكراً لك أيها السمندل الجميل

Post: #6
Title: Re: احتفائية القارئ
Author: السمندل
Date: 01-14-2008, 05:18 PM

Quote: الكثير من الاشتغالات البهيجة التي لامست الروح ودقت أوتاد سطوتها بالذاكرة أجلبها إلى هذا المكان وحبذا لو مدتنا أرواحكم بما تحتفون لنتشارك مدام الحروف بخبز أيامنا العجاف...


تراتيلُ المحبة أتلوها على أنفاسكم...


سلام كبير ، يا بلة

بك ، وبمثل هذه الكتابة التي اهديتنا ، ينفك أسرالبورد وينصلح حاله

بالطبع سأعود لأرافقك في هذه المماشي

دُم بخير

Post: #10
Title: Re: احتفائية القارئ
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-20-2008, 09:17 PM
Parent: #6

لا يستوي أن يقابل من هو مثلك سوى بتحايا ماطرة
جئت أولاً ببعض ما يليق بمقدمك إلى هذه الاحتفائية من شعر
ومن ثم فإن القول قولي يتقطع في حلق المداد
وتتشاكل حروفه
فلا يستبين

سوى أني أكثر غبطة بحضورك ووعد هطولك
ولا أدري ما أقول


لك المحبات
وبانتظارك

Post: #7
Title: مسارات - مروان الغفوري
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-20-2008, 08:11 PM

مسارات - مروان الغفوري





- نقطة رمْـل- .

تدورُ السواقي على أملٍ راكضٍ في الصدور
.. و الإله الذي ظلّ في دارِنا صامتاً ، لم يعُد ظلّه في المصلّى هلالاً يخبّئُ أسراره في حديث القبور ..
المدينةُ تغرقُ في الظلّ ، و الظلّ يكشفُ ساقاً ليلعقها الصبيةُ الخائفون
كل شيءٍ يبدّلُ قامتهُ :
الغريبُ الذي زارَنا حافياً ، و السحابُ الذي كان في حقلنا خابياً ،
و الحقيبة
و الموعدُ المدرسي ، و غلمان حارتنا الطيبون !..
و أنتِ
، التي قطّرتك العنايةُ في كفّ أمي ،
عروساً تعلّمني كيف أربو على الشمعِ حين انطفاء العيون
و كيف أمرّ وحيداً أمام الجنود بلا خوذةٍ أو شراب
تمدّين شعري بطرْق خطاكِ على درجِ الموتِ ،
تستقسميـن بآثار قلبي
و بقيا حديثٍ قديم ،
حديثٍ سرقناه من مطرٍ في الشتاء .
تدورُ القلوبُ على ورقِ الرملِ ، تسقطُ مجهدةً مثلنا ،
مثل أيلول حين يدقّ على جرسِ المدْرَساتِ
مثله حين يحط علينا ليرقُم َ فستانَ عينيكِ :
عشرون مرّت ..

أحقّاً ، تتمين عشرينَ دهراً بأيلول هذا ،
و أنتِ التي لم تزل تمسك الأرض أن تستفيق بنا جائعينَ ،
و تخشى على دارِنا أن يمر بها الأتقياء الغلاظ ..
عشرون مرّت
و أنتِ هنالك واقفةً عند باب الوضوءِ
تقولين :
يا أيها الخائفون ، اسكنوا في فؤادي إذا صادر الليلُ فاهُ ،
فلن تمسكوا ملَكاً في المصلّى ،
و لن تجدوا آيةً في خبايا الذقون ..
كلّ شيءٍ تغيّر ، و الحزنُ يرقدُ ما بين حرفيكِ
كل الأماكنِ مأهولةٌ بي و إيّاك ِ ،
أنتِ التي قطّرتك السماءُ على خدرِ أمّي
بفستانك المدرسيّ القديمِ ،
و .. سنبلةٍ من بنات الضباب .
عشرون مرّت ..


مسار ” 1 “..

إلهي - الذي يبغضُ السوءَ - قُل لي :
حينَ أجثو على الرملِ ، أدعوكَ حيناً من الفقرِ
كيفَ تردّ أكفّي التي غضّنتها الحصى في بلادِكَ ،
كيف تضل دموعي ببيتِك ،
و الشمعُ وحدَهُ يدرِكُ أنّي أتيتُك
مثقلةً أضلعي بالسؤالِ ،
وليس سوى أن أراكَ إلهاً حقيقاً بتيهي و ظلّي ..؟
كيف تقسو على واحدٍ من رعايا يديكَ /
و قد قيل لي في ” المدينةِ ” :
لا ..
لا يملّ الإلهُ من الحزنِ حتى تملّوا !
أما زلتَ تبصِرُهم - تحت عرشِك - يستنفِرونَ الحصى و الرياحَ
و يستقدِمون النهارَ دسيساً
معبّأةً خيلُه بالتمائمِ و الاجتياح ؟
أما زلتَ تسمعهم كيف فاروا ،
و زجّوا قوافلَهُم تحت هدبِ السماءِ عيوناً
تهشّ الملائكة الضائعينَ ،
و تحثو الترابَ على القادمينَ بقارورةٍ من دماءِ ” الحسين ” !
و قالوا بأنّ الإله الذي ظلّ يحمي المدينةَ حيناً من الدهرِ
أغلقَ أبوابَه عندما ضلّ في الرافِدَينِ النهارُ ؟
… أينَ أمضي و لا سيفَ في الدارِ يحمِلني للبقاءِ ،
و لا شيءَ يدفعُهم عن جداري
أيّ دربٍ سيندسّ ما بين رجليّ ،
أيّ المساكنِ سوف تخبّؤني
عن عيونِ الصغارِ الذين رأوني ، و لا شيءَ إلا الغياب
يذكّرُ جاري :
كيف كنتُ أصدّعُ حيطانه بالحديثِ عن السيفِ و الرملِ /
عن فتيةٍ أحرقوا وجهةَ الشمسِ
عن فرقةٍ زَرعتْ موسماً للحصادِ بقلبِ الصحاري ..

أيهذا العليّ الذي لم يزُرني سوى مرّةٍ
عندما أغلقت بيتنا شرطةُ الانتصارِ
خفّف الوطء ، بالقربِ من دارِنا ” جدثٌ ” للنبيّ القتيلِ
يسفُّ من الموتِ أغنيّة ملّها شفةُ الانتظارِ !

هل أذِنتَ لهم أن يمدوا خناجرهم للترابِ
و أن يسملوا مقلةً من بقايا الحديد ؟
وقيلَ ستبعثُ شيخاً يحدّثنا أن ندير الخدود لأربابنا
.. أنتَ ، يا أيهذا العليّ ،
رأيتَ اليسوعَ و كيف تدلّى وضوء سماواتِه في الصليبِ
و ” ليلى ” التي جدّلتْ حزنَها /
عند ” ببلاطسَ ” المستدير على كومةٍ من يهود !
أنتَ .. أبصرتَ ” يحيىَ ” وعاءً تصبّ على صدره الزانياتُ
قليلاً من ” القيلِ ” و الخمرِ
شيئاً من ” الإرْبِ ” ..
للخمرُ ربّ يعلّمهُ كيف يحنو على البائسينَ ،
و كيف يرفّ على قلبهم كالهواءِ الحليب .. !

كيف نقشَـعُ هذا الترابَ /
و أعيننا زرعتْ فجأةً في الفراغِ الكثيب ؟
هل ستبعثُ “جبريل” يبتاعُ خبزاً لأطفالنا ،
أم سيحملُ سيفاً ،
كما كان يفعلُ حين تضجّ المساءاتُ بالوعدِ
و الأمنياتِ ،
و إنْ قيلَ لي أنهُ لم ينلَ من دماءِ ” قريشٍ ” سوى صيحةٍ
ثم صاح من الرعب : يا أيها الناسُ إنّ النبيّ اختفى ..
أين كانَ غداةَ استحالَ الفضاءُ تراباً يفلّ تروسَ الملائكة الخائفينَ ،
و من أين سوف يجيئُ و كل الطريقِ ملغّمةٌ بالجنودِ ؟

يا إلهي الذي مدّ ظلّاً لتسرقهُ ” الشلّةُ ” السافرة
بيتُك الآن لا سترَ فيه ،
وحولَ المقام طرازٌ جديدٌ من الأوجهِ الزائرة /
بضعٌ و عشرونَ ربّاً يطوفون بالبيتِ عريَ القلوبِ ،
و نحن - الذين انتهوا من صلاة الجنازة -
نسألُ عن موضعٍ آخرٍ نكتريهِ ،
لنـزرع في ظهرِه عبرةً حاسره !

إلهي الذي ما تجلّى لغير قلوبٍ تذوبُ على الرملِ ،
أو شفةٍ لا تذوب ..
قرأتُ حديثَك في ” سورة النجمِ ” عن فلكٍ دائرٍ في القلوبْ
سمعتُ دبيبَ الملاك - شديد القوى - هارباً في خبايا الدروب ..
و ” ذو مِـرّةٍ ” باع فرش ابنتي ،
لم يقُل لي : بأنّ السيوف التي زرعت في ضريح ” الزبيرِ ”
هي الحقّ و الكلمةُ الخالدة !

يا إلهي الوحيد /
قال مفتي البلادِ بأنّك قدّرتَ أعناقنا في قرار البلاطِ ،
و أنّك لن تغفرَ الذنب إلا لمن كان طوع البنانِ ،
و أنّ النبوّة و العرش صنوانِ ،
و الحبّ و المقصلةْ
رغبتانِ تحكّان ظهر ” المليكِ ” ، و غرفته المقفلة ْ !
قال فقيرٌ - لنا - في المدينةِ :
أنّ الإله الذي فوقنا ،
لم يلِد أحداً ..
قلتُ - و النارُ تلعنُ إسرارنا - :
لم يلِد أحداً ، غيرَ أنّـا ولدنا الذين استووا فوقنا !
.. إلهي الوحيدُ
تباركتَ .. ليس سوى أن أراكَ وحيداً
كميعادنا !

كنّا قليلاً من الخوفِ ، نعبرُ باب الكنيسةِ
كنّا صلاةً ترقّطُها شهواتُ الشيوخِ ،
و إضبارةً من وصايا الأميرِ ، نلفّ قليلاً من الأحجيات ،
نقطّعُ عنوان مسكننا
ثم ننفخُ في “عِرضِ” جارتنا البكر
حتى تضلّ بأوساخ ألفاظنا ذكرياتُ الشروخ !
كنّا قليلاً من العاطلين عن ” الله ” ،
نقرأ في صحف ” الحزبِ” أنّ الحكومة تبحثُ عن هاربينْ
يزعمون بأنّ البلادَ تموتُ رويداً ،
و أنّ الضروع السمينة حفّت ذوائبها ،
و النخيل توارى ، على أضلعِ الجائعينْ ..
الصحيفةُ تعلمُ أنّا نقول الحقيقةَ ،
و الحقّ يعلمُ أن الصحيفة بيتٌ من الورقِ المستعارِ
تمارسُ شيئاً من الجنسِ في قصعة الحبرِ ،
تغسلُ أوزارَها كل صبحٍ بـتقطيعِ خبزِ المدارسِ
و المعدمين ..!
و أنتَ - إلهي الوحيد - تراهم ،
برغم يمينكِ بالتينِ و البلحِ الموسميّ ،
تقول : إذا جاءَ يومٌ …!
و قد جاءَ عامٌ ، و موتٌ ، و فتحٌ
و .. مات نبيّكَ في ” كربلاءَ ”
و للمرة الألفِ بيعَ الحسين !


مسار “2 ”

ثلاثٌ و عشرون يا صاحبي
أو تزيدُ قليلا
سعت بين ثغرِ النهارِ ، و موتِ الرفاقِ
خليلاً .. خليلا !
ثلاثٌ و عشرون كالليلِ ـ أطفأ في ضفتيه الفتيلا !
و غنّت حكايا الصبا في صباهُ :
ألا هيّمـا .. هيّما !
و انقضت ذكرياتُ الزغاريدِ فيه
و فضّت أساطيرُه عن هواهُ الدليلا .!
ثلاثٌ و عشرون يمضينَ
موتاً فبعثاً ، فموتاً … كسولا !
أصبعاً لا تردُّ الدعاءَ بتوحيدِها ،
أو تمنّي العشيقاتِ بدراً جميلا ..
أو قتيلاً على جوفه
إذ تدلّى
فكان على قاب قوسين منهُ ذراعٌ
يشدّ قتيلا !
إلهي ..
إلامَ تحبّ ” البنيّةُ ” فارسها مرة واحده
و تلقاهُ في سرّ ” عار القبيلةِ ” في قُبـلةٍ واحده ،
و …
ثُمّ يغادرها في أكفّ الأذانِ
إلى النار ..
و اللحظةِ البارده !
إلهي ..
و لما مضى الراكبان
و قد حدّثا عن صلاةِ الكفاحِ المسلّحِ باللهِ ،
و الثأرِ ، و الأقحوانْ
لم يناما طويلا ..
لأنهما لم يكونا يداً واحِده
و تحكمُ سيفيهما بلدتانْ ..!
إلهي ..
مزّقتني الحكاياتُ بضعاً و سبعينَ فرقه
كلّها تدخلُ النار َ
إلا ” أنا ” …!
لم أرَ النارَ /
بيني و أبوابها ثلّة من سواءِ الدخانِ
و في القلبِ بصعٌ و سكّينَ حرقة !

يا صديقي الجريحْ /
ليس بعد الصبايا الحواملِ في ” سجننا ”
مولدٌ أو نشيدْ ..
ليس بعد الغزاةِ ، و جبن العبيد
يا صديقي العزيز ـ الأجير
هل ترى أن بعثاً سيخرجُ من علبةٍ للثريد ْ ؟
لتذهبَ وحدَك ، والآخرين
ألتقيكم ، و من لم يبِع سيفه ، في البيانْ الأخيرْ !
لا تسل عن بنات الفراتِ ،
و مازال تحت سنابِك من غيّبوا الحب خلف العيونِ
اللسانْ !

فلقتان أيا صاحبي …
نشامى ،
يغضّون أحلافهم في كراسي الخلودْ ..
يمصّون حلمَ اليتامى ، و زيّ الجناةِ /
و حبر اللجـانْ ..!
و ثمّـةَ ـ حيثُ التقت بدمانا الرمالْ ،
و حيثُ تنامى العدا في طقوس الصلاةِ ،
و حيثُ رمى اللهُ جذوته فاستوت في حوافِ الظلال
و حيثُ استفاقت خيوطُ الصباحِ ـ
و عينانِ تستصرخانِ النزال َ /
” إنهم فتيةٌ آمنوا ” بالسيوفِ ، فزادتهُمُ النازلاتُ النصال ..!
و جاءت قوافلُ ” جالوتَ” في أرضِنا
تهلكُ الحرثَ ، و النسلَ ، و الماء ، و النخلَ ،
و الحُـبَّ ، و الزرعَ ، و الموتَ ، و ” البعثَ” ،
ترسمُ ظلّ الصليبِ على ” النار ذاتِ الوقود ” ..
و نحنُ على عارِنا ، و البواكي ..
قعود !
كأنّ النبيّ ـ الذي أودعتهُ التقاريرُ في السجنِ ـ
ما قال أنّ الإله ابتلاكُم بـ بئرٍ
و نوقٍ سمانْ !
ثم قام يصلّي ..
كان جسمُ النبيّ نحيلاً كجسمي
يداهُ يدايَ
و لهجتهُ العربيّةُ لا تعرفُ ” الكسرَ” رغم الحصار الطويل /
العدوّ على قابِ قوسٍ و أدنى
و هذا الجليلُ - على مسمعٍ من رصاصاتِهم -
في العراء يصلّي
يحاذي الرياحَ
كأنّ المساء الذي شفّه في حدودِ العراقِ
هوىً عبّأتُه الأقاصيصُ فوق خدود النخيلْ ..


مسار ” 3 “


… ألآن صرتُ وحيدا .
النبي الذي فرّ من مصرَ بعدي ، غداةَ رمتهُ الحكومةُ بالكفرِ ، حين أراد –كما جاءَ وفق بيان العساكرِ -أن يدخل الصبيةَ الجائعين إلى البرلمانْ
قال لي :
عندما يقفزُ الحوتُ في النهر ، و النهرُ في البحرِ ، و البحرُ يندسُّ ما بين ضلعينِ
يشري لجوعِ السفينةِ خبزاً ..
و موتاً بليدا
عند أول خيط المساء المباغتِ للخبزِ
القِ عصاكَ ،
و لا تكتبِ الشعرَ قرب الحدودِ
و .. ظلِّ العراقِ الملوّنِ بالنفطِ و الحاكمين
ربما يسمعون دبيبَ ملاك القصيدةِ ما بين عينيكَ
أو ربما يصرخُ الشعرُ عند العبورِ : عراقاً جديدا .

النبيّ الذي جاءَ - و الطورُ يمنعه أن يشارِكَ في الحربِ -قال
- ونحنُ نهمّ بأن نزرعَ الأرضَ بالقلبِ -
لي :
عندما يهبطُ الذنبُ و اللحظةُ المستثارةُ
القِ يديكَ على النارِ ،
لا تبتعدْ خلفَ بيتِ الدّخان .
المكيدةُ في الحربِ أن :
تسبقَ النارَ للنارِ
أن :
تحمل الصورة المستغيثةَ من غرقِ التمرِ وسْط دماءِ الفرات ، و ذكرى أراملنا بين شطّين من سعفةٍ و هلال .
المكيدةُ
- حين التقاء الصدورِ -
عيونٌ تدورُ على مغزلِ الرملِ كالنفثِ في السحر ،
و الخوف من صرّةِ الليل ، أو من أصابعنا في الظلال .

ذكرى الجنودِ ( الذين استباحوا المآذن و القمحَ و المعبدَ الفارسي المؤثّثَ بالشعر ) تغفو على مدخل العينِ ساقاً غريبة
كل المدى ( منذ أولِ حلمٍ تثاءبَ في خطْرةِ الظلّ طفلاً )
صدى ” غاسقٍ ” حطّ فوق الظلالِ القريبة .
لا تقُل أنّ شيئاً من الشعرِ يكفي ،
هذه الأرضُ شاختْ ، و لمّا يعُد من صباها سوى وقع أقدام خيل ” المثنّى ” تلمّ من الرافدينِ قلوبَه .

اتبعْ زنادكَ ساقيكَ -
حتى إذا ما صعدت شهيداً إلى النخلِ
حتى إذا ما رمّوك إلى الجبّ قرصاً صغيراً على هيئةِ الوطنِ المستحيلْ .
ثَـمّ شبرٌ من النهرِ يغرقُ في أحجياتِ الطفولةِ
شيئاً فجوعاً ؛ فشيئاً بقارورةٍ كالكلام الكثير .

النبي الذي أودعتهُ التقاريرُ في السجنِ
- سبعاً عجافاً ، و سبعاً خرافاً ، و سبعاً شهوداً على الضوءِ كيف يعمّقُ في الروح عشقَ الفرارِ إلى النهرِ ، كيفَ يعلّمُ أطفالَه الأغنياتِ الكبار.
النبيّ .. قُبيل ارتحالِ الجنودِ إلى كربلاء .. التقاني على مفرقٍ بين شأنِ ” سميّةَ ” حين أقامت لها وطناً أحمرَ الليلِ ، و ابن ” البتولِ ” التي قدّها الله من كبدٍ منهكٍ للنبي الحبيب ..

النبي الحبيب / النبي الأسير / النبي الغريب الغريب .
قال لي : زوجتي تركت بنتنا عند جاراتنا ( عوّدتنا القرابةُ أنْ نفتح الدارَ للجائعينِ ، و وشوشة الطيبين بنا ) في المساءْ.
حين كنتُ ألملمُ ساقيّ من درجِ الريحِ
جاءتني رائحةُ الليلِ ، أعرِفها جيّداً .
… النبيّ الجريحُ (- الذي خانه الوحيّ -)ما قال أنّ بنات القبيلة بعنَ البكارة بالسيفِ ، و الخفْرَ بالزيتِ ، و الموتَ بالانحناء.
رماني بعينينِ مملوءتينِ تراباً ، و روحٍ معلّقةٍ في صرير النخيل.
.. قال لي :
عندما تصبحون غداً ، و العدوّ على قابِ قوسينِ من سيفِكم ،
اذكروا جارنا . و الصديقَ الذي خاننا . و النشيد الذي خنقته السواحلُ في أملِ الهاربينْ :
” يا مفارقْ هلَـكْ ”
ليس مثل العراقِ ترابٌ لتغزلَ في عينهِ ركعتينْ
” أحلى الموائدْ ترى ”
ليس أحسنَ من خبزهِ ، حينما يُشترى بالغيابِ عن النخلِ و الرافدين ؟!

منذ خبزٍ تخلّق في جوعنا ، جائعاً مثلنا
و البلادُ الغريبةُ تبحثُ عن وطنٍ لرفات الحسين !
و نحنُ ( الذين نلاقي على قبره حتفنا ) في انتظارِ النبي الذي ماتَ خوفاً من الحاكمين ،
و .. بعضٌ من الواقفين هنا ، منذ دهرٍ له قلقُ الضوءِ ، ما حدّثونا بأنّ طوايا العراقِ تخبّئُ سردابه
للمجيئ الكبير ،
لكي يدفن َالرفقة الهالكين ! ..
إلهي ……….

….

الأول من أيلول .. 2004

Post: #8
Title: الصوت صوتك حين دق - عزت الطيري
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-20-2008, 09:00 PM

الصوت صوتك حين دق - عزت الطيري


الصوت تجسيدُ الكلام
تجسيم أحرفه الهز يلة
فى المدى
وضخا مة الهمس الندى
توصيل ُ ماعجزت ْعيونُ الصبِّ
عن توصيلهِ
أو نقل ما كَتَمَتْهُ بنتٌ
للذى
قد لايرى فى وجهها
غير الشفاهِ الجَمْرِ
حين يهمُّ
ترجعه ُيداها
أو تُرجَّعه ُالبراهين التى,
والصوتُ
لولا الصوت
ماكان الغناء السحرُ
ماكان الحنينُ يرنُّ
من أوتار عودٍ
أوْ كمنجاتٍ
تئنُّ,
فتزدهى الملكاتُ
فى أحراشها
والقبُّراتُ الخضرُ
فى أعشاشها
والبنتُ فوق فراشهاالموبوءِ بالعطر
المضمّخِ بالأنوثةِ
والهجيرِ الصهدِ
والأحلامِ
فى وكَناتها.........,
والصوتُ هندسة الحديثِ
نزيرُ بد ء الريح
إن عاثت دماراً
أو غباراً
فى شجيرات الهدوءِ,
الصوتُ ترتيل الشفاهِ
لشوقها
ولتوقها...,
وهديل أغصا ن البنفسجِ
حين مالت ْ
مرتينِ
على رُباأعطافِ
سيدةٍ
خجولٍ
تكتوى بعذابها
وضبابها
وحنينِ قمصانِ الحريرِ
على هدير هضابها
وشبابِها.,
والصوتُ
طقطقةُ الغصونِ
الغضةِ البنيانِ,
حين يرجُّها البرقُ الخفيفُ,
الصوت نهنهةُ البكاءِ
وترجماتُ حناجر ٍ
لحديثِ كفٍّ فى أصابعها
تقول له المزيدُ
لمن يريدُ,
صبابةً
وهو الوحيد الفردُ
والجمعُ العديدُ,
الصوتُ عزف ربابةٍ
لربيعها المأمولِ
حين يغيبُ
أو يأتى المشيبُ
ولا يعودُ,
الصوت أُرجححةُ الذىمسَّتْهُ ناراً
فانبرى
بعذابهِ
وعتابهِ
وكتابه الموصولِ يعنى مايقولُ
ولا يقولُ.................,
الصوتُ
ضد الصمت
ضد سكوتنا
عمَّا يحاكُ لروحنا
أو مايدبِّرُهُ العتاةً
لقتلِ حلم ِربيعنا
أو بيعنا
فى كل أسواقِ النخاسةِ
عُنْوةً
الصوت رفضٌ للرضا
ورضاك بالرفضِ المدوِّىِ
فى الفراغات المليئةِ بالفراغ.........,
الصوتُ
صوتُكِ
حين رقَّ
ودقَّ
كالعصفورِ
فوق نوفذِ القلبِ البرىءِ
الصوت ُإحياءُ الحياةِ
إذا استكانتْ للسكونْ
الصوتُ سرُّ بقائنا
والصمت

آيته الجنون

Post: #9
Title: مقدمة الشعر - بيلي كولينز
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-20-2008, 09:08 PM

مقدمة الشعر - بيلي كولينز / ترجمة: أحمد الشافعي

أرجوهم أن يأخذوا القصيدة
ويعرِِِِِّضوها للنور ، كأنها شريحة مصورة
أو يضعوا آذانهم على طنينها .

أقول لهم :
أسقطوا في قصيدة من القصائد فأراً
وانظروا كيف يتحرى لنفسه مخرجاً
أو امشوا في غرفة القصيدة
وتحسسوا الحيطان بحثاً عن مفتاح النور

أريدهم أن يتزلجوا على صفحة نهر القصيدة
ملوحين لإسم كاتبها البعيد على الشط
لكن
كل ما يريدونه هو أن يقيدوها في مقعد
ويعذبوها إلى أن يحصلوا منها على اعتراف
يبدأون ضربها بالخراطيم
ليكتشفوا ما الذي تعنيه في الحقيقة ؟


Post: #11
Title: Re: مقدمة الشعر - بيلي كولينز
Author: salma subhi
Date: 01-20-2008, 09:33 PM
Parent: #9

هي فعلاً احتفالية للقارئ

أحييك على هذا البوست.....استاذ بلة الفاضل



كل التقدير
ومتابعة.....

Post: #13
Title: العابرون بالاحتفائية
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-30-2008, 07:57 PM
Parent: #11

فُتح هذا الباب على مصراعيه وما يعقبه من دهاليز هي حق مباح للجميع،
أتمنى أن لا تبقوا ضيوفاً في داركم،
فأمطرونا بما أحببتم يكن لكم منا الامتنان
على حضوركم أولاً
وعطاءكم ثانياً،
وقد أثلجتم صدورنا بالأولى
ونتحرى منكم الثانية..


محبتي

Post: #12
Title: Re: احتفائية القارئ
Author: منى على الحسن
Date: 01-20-2008, 09:42 PM

اخي بله لك التحايا زاكيات كحروفك

فكرة البوست لامست عصب الحس جواي

استوقفني كثيراً انتقائية الحروف والنصوص عندك

اسمح لي ان اكون من المتواجدين هنا

فللرحيق اسر اختياري الروح

سلمت يداك ومدادك

Post: #14
Title: الشاهق من بذرة
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-03-2008, 01:25 PM

الشاهق من بذرة
نصار الصادق الحاج



1
حينما تنام في الليل اشباح العزلة
يكسر الفانوس سروال الضوء
و يمشي بهدوء العاصفة
يقضم الفاكهة بالطاعة نفسها
لأسرار النجاة.

2
رائحة الليل
تغادر العتمة بثوب عابر شرفة النار
في الماعون المؤجل تحت الاناشيد
لم يعد من مهمةٍ لهذا المكوث الطويل
موتى في الطريق
ينهضون من حيلة النعش
لتعبر الاشواق من هنا
صوت اعشاب تحبل باوراق الشجر
و الطمي الماهجر من بحيرة في قمة الاماتونج
نهر يشرق مثل حالة الطمث
و شهيق الغرباء في محطة قطار

3
الشاهق من بذرة تحت ركام العزلة
ينجو من سقف العناية بصوت القابع هناك في رحم الآلهة
يهندم الارواح بشوق رصين للطاعة
كلما أيقن العابرون ان التربة انجبت ما لديها من يرقات العشب و سكان الآخرة

4
مقبرة في الداخل ترعى سماد الكائنات
و القرابين التي علّقها رعاة المحبة
للشاهق من موعظة غائبة في بوابة الضريح
يعبر الى نفق ساهر في البحر
يطبخ مزامير الدخان تحت علبة الموت
و اشواق الهاربين من عقاب محتمل

5

الشريك في الرغبة ينظف تاذاكرة من مواقد الرضا
يراقب المصابيح ترش النهار على تعب العزلة
يمنح الخصوبة لامرأة تكنس الدم
للمرة الاولى من تخوم نجمتها


6

الواقف على شرفة الليل
يحرس باب الآلهة
سرّب الاقوال للكاهن في صومعة الريح
و صبيان الخروج الماهرين
تحت سترته
يكتبون الاحاديث
و سرقة الطمأنينة من قلوب العراة
هي النجاة من شبق السطو
على خزائن العذراء في عزلتها
و غربلة الصباح من مخالب النذور الخابة

نزفمبر 2003

Post: #15
Title: آخر الحربِ منتصفُ الحب.
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-03-2008, 01:29 PM

آخر الحربِ منتصفُ الحب.


نص : مروان الغفوري



سأملأ هذا البياض على راحتي.
لي ،لبلادي، الحبيبِ، لأمّي ، وللحربِ ..
للخائفين وللنائمين بوسِط كمائنهم.
لفتاةٍ تجيءُ من الشمسِ ، موتٍ ينام على الدربِ ، كلبٍ يبولُ على خردةٍ ملّتِ الحربَ ( أو ملّها الحربُ ). أكتبُ للزاحفين وراء الجبالِ ، وللنملِ يهلكُ حظّ القوافلِ، للميتين إذا استيقظوا تحت ضغط السعالِ.

سأكتبُ للموتِ :

يا موتنا لا تبدّلْ ثيابَك ، والبس يمينَك ، ضعْ طرفاً اصطناعية في يديكَ، وقل ما تشاءُ عن الحبِ. يا موتنا لا تمُت مثلنا في البيوتِ ، المشافي، وفي الطرقات .. ابتسِم مثلما الشهداء . ومت مثل أشواقنا.. في السماءِ.
سأكتبُ لي : أغرقتني الفصولُ.

وأكتبُ للهاربين من الحربِ :

كل الضحايا على ما يُرام، وكل الأناشيد فوق الشفاهِ ( تنامُ وتصحو ويبلعها الميّتون).

سأكتبُ للأمهاتِ :

غداً سوف تبتدئ الأرض دورتَها من جديد. سيدور الشمالُ على الغربِ ، تعشو البحارُ على الشمسِ ، تمشي المقابرُ للسوقِ ، يغرقُ في دمِهِ الموتُ، يحترقُ الماءُ ، تطفو على الأرضِ روح الدخَان.



سأكتبُ عن قريتي ، لا عن الحرب
عن صفتي ، لا عن الموت
عن زوجتي ، وعن الموت ، والحرب
عن سحبٍ للمنايا وعن سككٍ لعبور العبيد.

عني إلى زوجتي :

إذا دخل الموتُ هذي البلادَ ، وفرّت مساجدُها للجبالِ،
إذا قطعوا الماء عن بيتنا بالمناشيرِ،
إن عبرتْ خيلُهم صوب مطبخنا وقصائدنا
سأعودُ إلى الحربِ وحدي،
وأنتِ .. ضعي الشمس والفجر والبدرَ والخبز في صرّتين،
وضيعي بصدري إلى أن تميّز هذي البلادُ جثامينها،
وتري وطناً باسطاً ظهره وأناشيده في الوصيد.


• الحرب ترقبنا دائماً. تعيشُ بنا، تنتهي عندما تسكن الريحُ، مثل المحبّين.
[ للحب في الريحِ طعم الفرار، وجوع الخطايا إلى كل شيء بدائي]


( نقطة )


للحربِ رعشتها في البداية ، مثل النصوص الجديدة، مثل النصوص القديمة، مثل الطعام الرديء.ومثل خصام الحبيبة، مثل انزعاج الخطيبة ، مثل يقين الحبيبة ، مثل انتهاء الخطيبة ، مثل سؤال الحبيبة ، مثل ابتداء الخطيبة، مثل الحبيبة قبل خطوبتها، مثلما يدخل الطفلُ في الليلِ، مثل الحجيجِ ، ومثل ابتسام الغريبِ ، ومثل وقوف المدرّس في الفصل. مثل اتّكاء الفتاة على عرضها، وكما يقتل الجبناءُ ، ومثل قرار الوفاة.

- إذن سوف أكتب عن رعشة الحربِ، عن شرفِ النارِ في الحربِ
عن رعشةٍ لا تخصّ المحبّين، لا تنتهي في عيونِ المحاربِ
عنّي :
أنا الحربُ والخفقان،
أنا الشمسُ والذوبانُ،
أنا ..


( نقطة )


• هل رأيتَ المنازلَ في الحرب؟
- رأيت الحروبَ تجوسُ خلال المنازلِ ، تغلقها بظهور الجنودِ
• هل رأيت الجنودَ يغوصون في الحرب؟
- رأيت الجنودَ وهم يسحبون الحروبَ. رأيت الجراحَ تسمّم أبناءهم،
والترابَ يقول لهم

[ نظفوا جبهتي. واكبسوا تحت إبطي مخابئكم]

• هل رأيت المخابئ في الحربِ؟
- رأيت الحروبَ تفرّ من الحربِ، تتركُ أبناءها الفقراءَ
سمعتُ المنايا تردد أسرارَهم .. ثم تدفنها في الحدود.
رأيت الحدودَ تحاول أن توقف الحربَ ليلاً
[ بزيتونةِ ، بالنخيل ، بعشب صنوبرَ]
... وكان القتالُ لكي تسقط الحربُ

خلف الجنود.



( نقطة )



- جئتك من آخر الحربِ؟
• ماذا تركت وراءك؟
- خلفي السماواتُ والأرضُ والعملاءُ .. وأنت؟
• أتيتُ من الحبّ ، منتصفِ الحبّ.
- ماذا وراءك؟
• رأيت نساءً يذدنَ المواشي إلى الحربِ ،
كي يهرب الشهداء.

• متى يبدأ الحبُّ؟
- عند اكتمال الحداد
• ومتى ترحلُ الحربُ؟
- مثل الأساطيرِ ، مثل النعاسِ ، ومثل الحياء
• إذن عندما تطفئُ الشمسُ هذي البلاد.
- هل رأيت البلاد، وقبّلت بعض نساها؟
• رأيتُ فتاةٍ تخبّئ في أعين الهاربين هوىً ناعماً
وتميتُ دماها.
- وقبّلتَ فاها؟
• تذوّقت في شفتيها قبور الجياد.




( نقطة )



• من أين تأتي الحروبُ؟
- من الحبّ ، من غنمٍ في الجبالِ ، ومن برَدٍ غارقٍ في دماه.
• ومن أين تأتي الدماءُ؟
- من الحربِ ، من بقعةٍ في الفؤادِ ، ومن سفنٍ في أعالي النخيل،
ومن مدنٍ في نعال المشاه.
• وأين يروح المشاةُ إذا نامتِ الحربُ؟
- يقتسمون المساء ليحرس كل جريحٍ سماه.
• مثل المحبّين؟
- مثل الجنازات ، مثل الرعاة
• إذن مثلما يفعل العاشقون؟
- عندما يقفون ببوّابة الحرب، ينقسِمون.

للمحاربِ :

شيء من الماء، خصمٌ جديدٌ ،
دمٌ يابسٍ في القميصِ، ورقمُ رفيقٍ قديم.
وفي البدء / في الحرب يُسمح للخائفين بأن يكتبوا
فوق أظهُر من لا يخافون في الحربِ ، من أتقنوا الحرب ، من أكلوا الحرب من كتفيها ، ومن أكل الحربُ من وجنتيه، ومن بلّل الحربَ بالاحتضارِ ، ومن سكنت رئةُ الحربِ في شفتيه ، وشدّ على رئتيه الديار.

[ أن يكتبوا (....)ما يشاؤون]








( ستااااار)

Post: #16
Title: تكوينٌ ..
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-03-2008, 01:32 PM

تكوينٌ ..


هانيبال عزوز





في مَدارِ الحِصَارِ،

وَحَيثُ التَّوسُّلُ يَفْرُكُ كَفَّيهِ

مُستَمرِئاً لَفْتَةَ المُوحِلينَ،

يَنِزُّ الهَواءُ صُراخاً دَفيْناً..

فَأَسمَعُ مِنهُ صَدَى الطَّالِعينَ

مِنَ الذَّاكِرَةْ :

يَنبغي أنْ تَقولَ الَّذي قَالَهُ الحُلمُ،

في حَضرَةِ المَوتِ، لِلنّارِ، حِينَ اكتَوَى ..

يَنبغي أنْ تَقومَ كما قُمْتَ،

مِنْ دَهشَةِ النَّهدِ، بالحُبِّ،

أو مِثلَما قُمْتَ

مِنْ لَعنَةِ الحِبرِ، عَارٍ،

كَما وَلَدَتْكَ المَصَائِبُ..

يَخجَلُ مِنكَ الكَلامُ،

إذا مَا استَقَمْتَ..

وَتَأوي إليكَ النِّصالُ،

إذا مَا استَدَرْتَ..

وَيَشْمَتُ مِنْ لَونِكَ العَتْمُ،

إنْ لَطَّخَتْكَ النَّوافِذُ،

أو دَاهَمَتْكَ القَصيدَةُ،

مِنْ كُوَّةٍ فيْ الغيابْ.

لَمْ يَعدْ غَيرُكَ الآنَ

وَسْطَ انفِعالِ الزَّمانِ.

فَلا تَحْرِمِ اللامَ نَشْوَةَ جَبْلِكَ..

لا تُثْكِلِ النَّهْيَ، قَبْلَ اكتِمَالِكَ..

لا تُوصِدِ اللَيْلَ، قَبْلَ انبِلاجِكَ..

هَذا أَوَانُ الهُيامِ الضَّروسِ،

بِعَينِ العِبَارَةِ.

مِنْها سَأجْلُبُ عُشْبَ الخُلودِ،

لِبَعثِ الحَياةِ بِنَسْغِ الحَكايا.

وَفيها سَأَصْرَعُ ثَوْرَ السَّماءِ.

أَجِيءُ عَلى سَاعِدي مُعجَمٌ

مِنْ حِصَارِ الدُّهورِ..

كَأنّيْ أُعيْدُ ارتِجَالَ الفَجيْعَةِ..

لا بَأسَ.. ..

حُزنيْ يُرَدِّدهُ الطِّينُ في كُلِّ عَامٍ.

وَهَذي الخَطيئَةُ:

أَطْهَرُ مِنْ سُحْنَةِ الذُّلِّ،

أَوْفى، وَأَبْقى عَلى العَهْدِ

مِنْ لَغْوِها المُخْمَليِّ.

وَهَذي الفَقاقِيْعُ في رَاحَتَيَّ ابتِدَاءٌ

لِجَدوى اكتِشافِ الحُروفِ،

بأوَّلِ نَارٍ، أُضِيئتْ بِبَهويْ،

لِتَحْرُسَ مَهديَ مِنْ

مُرْضِعاتِ الذِّئابْ.

هَكَذا مِنْ غُبارِ الرُّؤى.

مِنْ زَفيرِ الجُّموحِ..

أتَيْتُ بِنصفيْ،

وَنِصفيْ، هُناكَ،

شَهيقٌ يُحَشْرِجُ

نُطْقَ الخَرابْ.

فَأنا مِثلَما شِئْتُ كُنْتُ.

وَكَانتْ، كَمَا لَمْ أشَأ، بيْ،

نَوايا حِبَالِ الأحبَّةِ،

تُوليْ لِخَيطِ القَصيدَةِ أمْرَ انتِشالي..

وَكَانَ الَّذينَ شَجاهُمْ مَصيري ـ

بِداءِ الجَهالَةِ،

يَسْتَبقونَ البِدايةَ

كيْ يُعلِنوا

نَصَرهُمْ في الخِتَامِ.

فَأضْحَكُ ...

هُمْ يَجهَلونَ بأنّيْ بُعِثْتُ

لأنْحِتَ فيْ كَيدِهِمْ سُورَتيْ.

فَإذا مَا رَجَعْتُ لأُمْلي صَدَاها..

تَرَكْتُ لأَهليْ شَبيهي يَئنُّ،

بَبَلوى شَقايَ الَّذي لا يُرَدُّ،

وَلا يَنتَهيْ.
.....

فِكْرَةٌ: أَنْجَبَتْني، وَأَنْجَبْتُها

مِنْ مَدَى رَحْمِها.

قُمْ فَمَا مِنْ سِواها خَبيرٌ بِحَالِكَ.

تَعْرِفُ كَيفَ

تَغِبُّ الرُّؤى مِنْ مَدَاكَ..

وَلا تَرْتَويْ.

قُمْ.. فَمَا مِنْ قَصِيدَةِ حَقٍّ سِواها،

تَرَى نَفْسَها

فيْ ذُرى نَبْضَتَيْكَ..

وَلا تَكْتَفيْ.



(البناء الدمشقية)
2007


Post: #17
Title: أضغاث أحلام
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-04-2008, 07:47 PM

أضغاث أحلام- حسن إبراهيم الحسن

حلم 1 ( نصف حلم ) :


...،
دَهَمتْ عليَّ الحلمَ حافيةً تسيرُ
على مياهِ الروحِِ مثلَ قصيدةٍ ،
فشردتُ في الإيقاعِ أتبعها ،
على مرأىً من المرآةِ هَمَّت ترفعُ الأنقاضَ
عن أزهارها
عن ثلجها الناريِّ ، قالت : " هيتَ لكْ "

فهَمَمْتُ ، أذكرُ أنّني ... ... ..
... ... ... ... ... .. ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... .. ... ... ... ... ...
متفاعلن متفاعلن متفاعلكْ !!

و همَمْتُ ،
أذكرُ أنها قالت : أنِ اهبطْ ... ،
قبلَ نصفِ الحلمِ أيقظني لُهاثٌ
من شقوقِ الليلِ ، و المرآةُ واجِفةٌ
- كطفلٍ مسَّهُ شبحٌ - تُرَدِّدُ رعشتي :
إيِّاكَ أنْ تَقْصُصْ عليهم مقتلكْ


* * * *


حلم 2 ( عجوز ) :


...،
و رأيتني
أسري على قلقِ الرمالِ
كلُّ الذينَ ظَنَنْتُني أغويتهم
ملّوا الإقامةَ في رِحالي
لا غاوياً في الأرضِ يتبعني هنا
من بعدهم إلا ظِلالي

بالكادِ تلمحني الحياةُ
على مداها أرتدي صبحَ الطفولةِ ،
ثمَّ أخبو فجأةً
كالظلِّ أبلغُ ذروتي عندَ الزوالِ
بالأمسِ توقظني خُطا الفتياتِ
تحتَ نوافِذي
والآنَ يوقِظني سُعالي
لا بدَّ أن أغفو
و أحلمَ مرَّةً أخرى
لأدركَ أنَّني بَشَرٌ على قيدِ الزوالِ


* * * *


حلم 3 ( جنازة ) :


...،
في الليلِ
- فيما لا يراهُ النائمونَ - رأيتُني
- وحدي و هذا الليلَ ، ثالثنا العراءُ -
أسيرُ خلفَ جنازتي
أبكي عَلَيَّ
مضرّجاً بطفولتي الأولى
على وشكِ اقترافِ قصيدتي
تقتادني ريحٌ
قريباً من جموحِ الروحِ في سفحٍ يُطِلُّ على هواجسها
و أبعدَ عن تكاليفِ المجازِ
و عن تَلَعْثُمِ شاعرٍ في وصفِ رائحةِ الترابِ ،
يشدني الإيقاعُ أتبعهُ كأني أرتدي غيماً و أعلو
عارياً منّي تماماً
لم أعدْ أخطو على الظلِّ المتاخمِ قامتي
أعلو و أعلو
ثمَّ أهوي من على سفحِ الهواجِسِ فجأةً
مستسلماً لرطوبة الطينِ الذي سأكونهُ
يقتادُني منّي إليْ

وكأنَّني أحدٌ سِوايَ ، أسيرُ خلفَ جنازتي
أبكي عَلَيْ

* * * *


حلم 4 : ( وحيد )

...،
و رأيتُني لي إخوةٌ !

ما كنتُ أشبههمْ كثيراً
في الحنينِ إلى المنافي ،
غيرَ أنّي
كنتُ أتبعهم بقلبي ،
... عندَ مفترقِ الهواجِسِ أخبروني
أنَّهم كانوا على سفرٍ ،
فخضَّبني الأصيلُ
في الفجرِ قبلَ رحيلهم .
أيقظتُني كي لا أصابَ بقُبلةٍ ،
فخّارُ قلبي لم يزلْ غضَّاً
و يكسرهُ الرحيلُ
مازلتُ أدَّخِرُ ( الطباشيرَ ) القديمةَ ربَّما
عادوا غداً
كي نملأَ الجدرانَ بالأزهارِ
و الأنهارِ ...
قد تاهوا هناكَ وها أنا
أغفو لأتبعَ ظلَّهم
و يسيرُ بي حُلُمي القتيلُ
مازلتُ أُبصِرُ خطوهم فوقَ الرمالِ
و كلَّما اشتدَّتْ
رياحُ الأمنياتِ و شَفَّني حُلمٌ
يحاصرني الصهيلُ
و كأنهم حولي هنا
أعدو وراءَ خيولهم
حتّى انطفاءِ الصوتِ في صوتي أنادي :
- إخوتي ...
يأتونَ من حلمي خِفافاً ،
كلَّما عَوَتِ الذئابُ على التخومِ
و مسَّني خوفُ الرعاةِ يسوقهم حلمي
كأنَّ رياحهم هبَّتْ على الطرقاتِ
فاضطربَ النخيلُ
في الجانبِ المهجورِ من روحي
هناكَ ، فأدخلُ المرآةَ وحدي
لم تزلْ آثارُ معركةٍ على طرفِ الجبينِ
أسيرُ صوبَ الذكرياتِ


أديرُ معركتي
وأحملُ قامتي وحدي جريحاً ،
عصبةٌ حولي
و وحدي بينهم سفحٌ تروِّضهُ الخيولُ

و رأيتُني لي إخوةٌ !
فعرفتُ أنّي واهمٌ ، و بأنَّهم
أضغاثُ أحلامٍ تزولُ

* * * *

Post: #18
Title: نعيٌ مبّكر .. لموتٍ مؤجّلْ
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-05-2008, 08:53 PM

نعيٌ مبّكر .. لموتٍ مؤجّلْ
الطيب برير يوسف




دعْ عنكَ
إشكالَ التّواردِ في الخواطرِ
فكرةَ التّسديسِ
في جمعِ الحواسْ
ما غنَّى طيرٌ للحبيبةِ
وقتما صنعوا لها جسداً
إلهاً
من نُثارِ الشّعرِ
قالتْ : لا مساسْ
تعبّئنا إذن
كبسولةً للوقتِ
تُفتحُ حالما نلجُ الصّراطَ
مظارفاً من قبضةِ الوعدِ
القِصَاصْ
تعبّدنا بذكرِ الغيب شعراً
ثُمّ قمنا في وثاقِ النّارِ
برداً
نفتحُ الباب القديمَ
ولا مناصْ
لا مناص الآن من شعرٍ
يبعّدُ
أو يُعبّدُ شارعَ الأعصابِ
يخرجُ من قميصِ الذّاتِ
يدخلُ في عميقِ الإختصاصْ
الشّعرُ مسئولٌ إذن
عن ورطةِ التّحديقِ في الأشياءِ
نسجاً للعمومِ
وقدرةَ الإشراقِ
في معنى الخواصْ
* * *
إطرحْ علىّ سؤالكَ
المنفوثَ من تبغ الفضولِ
تجاوزاً
أو هكذا ..
لا تسألوني عن هوى الشّعراءِ
قد قالوا :
(خَلاصْ)
لا تسألوا لغةً
تُجادلُ حرفَها
فيُجيبُها ظنّاً تردّدُ
حسبما جاءت بهِ
في حزنِ أقلامِ الرّصاصْ
أوَ لا مناصْ
بالشعرِ قُلْ
فالشّعرُ .. هندسةُ الفُجاءةِ
من صراعِ الذّاتِ في الفوضي
ومغنطةِ الحواسْ
بالشّعر..؟
أىْ
للشّعرِ أن يغدو مشاعاً
مثل ضوءِ الشّمس
والخبزِ
المساكنِ
والقِصاصْ
بالشّعرِ..؟
لو
لكنّما حرفي ترمّزَ
ساعة الإفصاحِ
جاءَ كما يُقالُ ..
(القولُ خاصْ)
للعلمِ ..
هذا القولُ .. خاصْ
خاصٌ بطعمِ تفرّدِ الوخزاتِ
في عصبِ التّنبُّهِ
وانفعالات الذّواتْ
أهذا على دَرَجِ انسلاخِ الذّاتِ
في كينونةِ التأطيرِ إذعاناً؟
و لاتْ
* * *
قُلتمْ ..
و قلْنا
ما اكتفينا من مُشاجَنةِ الحروفِ
بذاتِ صبِّ الزيتِ
في عصبِ الغناءِ
فكلّما لمعَ التّفرّدُ
راودتني جذبةُ الإشراقِ شوقاً
و اقشعرّتْ في دمي
كلُّ الكراتْ
فإذا أنا..
نفسُ المعادلةِ القديمةِ
لانتصابِ الطّين
في الجسدِ المياهِ
ورغبةُ الإبصارِ في كلّ الجهاتْ
زورةُ الأحلامِ صحواً
و انطلاقُ مدارجِ الإيقاظِ
ضدّاً للتّكلُّسِ و الثّباتْ
أحتاطُ للرؤيا بصحوٍ نابهٍ
أعني ..
أعبّدُ برزخاً بينَ التّشتتِ
و ارتباطِ أواصرِ التّعميقِ
في شكلِ الصّلاتْ
أو مثلما قد كان قبلاً
من حكايات التّطلُّعِ
و اشتباهِ نواظرِ الإيغالِ
في كلّ انفلاتْ
قدري تحقّقَ في دمي أزلاً
أُطوّعُ إنْ تعصّى
أو تأبّى
أو دنا للقطفِ عُمُري
أعلم الآنَ يقيناً
أنّ صدق الوَعدِ في هذي الحياةِ
يكونُ في طيِّ المماتْ
أجتازُ ..
ما وسعتْ خطايَ
لربّما تتسرّبِ الأشياءُ
من ثقبٍ بقلبي
قدْ يضئُ لبرهةٍ
أفكلما خفقتْ بقلبيَ نبضةٌ
فرحاً يصيحُ الموتُ:
هاتْ

Post: #19
Title: وطنٌ يُبَاعُ ويُشْتَرَى وهَلُمَّ جَرَّاً
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-05-2008, 08:57 PM
Parent: #18

وطنٌ يُبَاعُ ويُشْتَرَى وهَلُمَّ جَرَّاً
عالم عباس محمد نور



كانت تنامُ على وسائدِ شَوْكِهَا، والقهْرُ يوخِزُها، فتوقِظُها الهواجسُ،
والكوابيسُ التي تطفُو كمثلِ الطفحِ في وجهٍ جميلْ.
و مضَتْ تُكَتِّمُ في مَشِيمَةِ حُزْنِها الدَّامِي جنيِنَاً أرّقَتْهُ الفاجعاتُ وأجْهضَتْهُ.
وفي تصبُّرِهَا العنيدِ أتَتْ بهِ تَحْمِله، وانتبذَتْ به ركْنَاً قصيّا، مرّةً أخرَى، وثالثةً،
وكان الخوفُ أنْ يصلوا ولمّا ينقضي الليلُ الطويلْ.
كدأْبِهَا انتظرَتْ فأثمرَتِ الْمَخاوفُ عن رجال (الأمن)، دسّوا في المشيمةِ
(ميكرفونا) هامِسَاً، وبَقَوْا هنالك راصدين وحاقدين يسجِّلون حياتَهُ، حركاتِه،
سكناتِهِ، والحزنَ والنبضَ الضَّئِيلْ.
في حبْله السُرِيِّ أجْهِزةُ التنَصُّتِ كالشرايين التي انتَشَرتْ فَأضْحَتْ كالنَّواشِرِ فوق
ظهر المِعْصَمِ المَعْروقِ في الجسد الهزيلْ.
حتّى إذا مدَّتْ ذِراعاً أبيضَاً للنيلِ، كان النيلُ في الرمقِ الأخيرِ يُصَارعُ المَجْرَى
الذي، قد صار قَبْراً بالذي يجري، وليس الماءُ ما يجرِي، لهذا صار هذا النيلُ
قبراً أزْرقاً يتوسَّطُ المجرى فينتحبُ النّخيلْ.
وتسلّلوا كالنّمْلِ فوق الرَّمْلِ، صار النيلُ يبصقُ ضفَّتَيْهِ تِقَيُّأً في المقرن المجدور،
والخرطومُ ترفلُ في تهتُّكِها الرخيصِ دعارة، وبَدَتْ لها سوْآتُها الكُبْرَى، وليس ثمّةَ
مِنْ حياءٍ ما يوارِي سَوْأَةَ الوطنِ القتيلْ.
وتجسَّمتْ في الليل أشْبَاحٌ بدتْ فيهم ملامِحُنَا، فهم أشْباهُنَا وحصادُ ما اكتسَبَتْ
أيادينا، وهُمْ أوْزارُنا فاحتْ نتانَتُهَا فأغْرَتْ مِن ضواري الليل والآفات، من كل
النفايات التي يأتي بها ليلاً غُثَاءُ السَّيْلْ.
ألا، مِنْ أيّ أْركانِ الظَّلام أَتَوْا، وكانوا أوّل الفجرِ الّذي لم نَنْسَ مقدِمَهُمْ، بدَوْا
مُتَجَمِّلين، على الوجوه براءةٌ ، حتى ظنّنّاهم ملائكةً، وقدّيسين أطْهاراً،
وما كَلّوا عن التسْبيحِ والترتيلْ.
وأنْشدْنَا جميعاً خلفَهُم قُدّاسَ عيدِ المجدِ والبُشْرى، تُرَى ما بالُنا حَلّتْ عليهم أو علينا
لعنةٌ، صاروا وحوشاً واسْتبَاحوا لحْمَها، شربوُا دِماها قَبْلَ قُرْصِ الشمسِ تنْزِعُ
للأفولْ!
من أين جاءت هذه الديدانُ ناهشةً، لناخرِ عظْمِها أو ما تَبَقّى مِنْه، ما اكْتَنزَتْهُ يوم
اليُسر للعُسْر الذي يمتدُّ جيلاً بعد جيلْ.
إرْثَاً من الأخلاقِ، والنُّبْلِ المُضَاعَفِ نسْجُهُ، وحلاوةِ الإيثارِ، نَجْدةَِ مُسْتَغيثِ الليل،
والمُسْتصْرِخِ الملهوفِ، سِتْرِ نسائنا، وحمايةِ الجار البعيدْ.
تبّاً لهُمْ، تبّاً لنا.
من أيّ لعناتِ السماءِ وسخْطِها حَلّتْ بنا ؟
صار الفخارَ العارُ، صار العارُ غاراً، ثم أُبْدِلَتِ المَكارِمُ خِّسةً، أضحى التّنافسُ جُرْأةً
في هتكِ عِرْضِ الجارِ أقْربُ ما يكونُ، وأكْلُ مالَ السُحْتِ مِن أفواهِ أطفالٍ تَهَاوَوْا في
المجاعات التي تمّتْ مُتاجَرَةٌ بها، مُتَسَوِّلٌ يَفْتَنُّ في إبرازِ عاهَتِهِ ليَسْتَجْدِي الفضولْ.
أَ ذَا هُوَ الوطَنُ ؟
أم ذا هو الكَفَنُ ؟؟
جعلوك قبراً للنفايات التي يوماً ، ستقْبُرُنا ، وتُهْلِكُ نَسْلَنا وتنالُ مِنَّا.

يا أيُّهَا الوطنُ الذي اغتالوكَ سِرّاً.
يا أيها الوطنُ المُبَاعُ المُشْتَرَى وهَلُمَّ جَرَّأً

من أيّ أصقاعِ الجحيم تلوحُ صاعقةُ العذابِ الهُونِ عاصفةً ، حُسُوما ؟
ليس فينا قومُ عادٍ، لا، وما كُنّا ثموداً، نحنُ لم نعْقِر النّاقةَ يا قومُ، ولا الوادي إرَمْ.
لكنّما هيهاتَ أنْ يجدِي الندمْ!
أ ذا هو الوطنُ الذي في ساعةٍ، ( كرري ) يُقدِّمُ مَهْرَهُ الدّمويّ في رأْدِ الضُّحى
عشرةَ آلافٍ من الفرسان، يَنْشَقّون في ساحاتِ عُرْسِ المجد، نِيلاً أحمراً في موْجِه
يَتَأَصّلُ الوطن الأصيلْ.
أ ذا هو الوطنُ؟
أودتْ بهِ الإِحَنُ!
وهُوَ الذي كان ( الخليفةُ ) في المُصَلّى رابِضَا كالّليثِ، مُؤْتَزِراً وِشاحَ الصّبْرِ
والإيمانِ يَفْنَى صامِدَاً في الذَّوْدِ عنهُ، يمينُهُ ألقُ الفداءِ، وفي شمائِلِهِ الجَّسارةُ والشهادةْ!

إنْ كان ذا الوطنُ،
فما هو الثمنُ ؟
أَ هُوَ الذي ( دينارُ ) وَطّنَ نفْسَهُ في الجانبِ الغربيِّ مِنْهُ، ليستعيدَ بمؤمنينَ تَدَرّعُوا
عزْماً وصبراً في البلاءِ، وأقْسَمُوا يردُوا المنونَ حياضَها، أو يدْرِكونَ الثّأْرَ لليومِ
الجليلْ.
أم ذلك الوطنُ الذي ( عثمانُ ) في شَرْقِيِّهِ أسداً يُزَمْجِرُ فاتِكَاً فيَدُكّ صرحَ البَغْيِ،
حِصْناً بعد حصنٍ، خلْفُهُ، " الله أكْبَرُ " صرخةٌ تَعْلُو فيرْتدُّ الصّدَى حِمَمَاً تُدَمّرُ سطوةَ
البَاغي الدخيلْ.

كأنْ لمْ يأْتِ للوطنِ المُبَاعِ سبيّةً، زمنٌ مِنَ التاريخِ كانتْ رايةٌ زرقاءُ خافقةً على
(سنّار)، خيلُ العِزِّ تركضُ في مرابعها، ومنْ فرسانها (بادي) بكلِّ شموخِهِ
و(شلوخِهِ) وجسارةُ (الزاكي) ونصرُ (عمارة الفونجِ) العريقِ، ومَكْرُماتِ الموتِ
في شرَفِ القَبيلْ.
عجباً، ولكِنْ كيف هانَ وكيف هُنّا!
والأمسُ ذاك، فكيف كُنّا؟
أ ذا هو الكفنُ؟
أم ذا هو الوطنُ ؟
في جوفه تتلاقحُ المِحَنُ!
وما هو الثمنُ؟

من قبلُ يا وطنَ الشّموخِ المُشْرَئِبِّ سماحةً، تنداحُ من كفّيك معجزةٌ، فتعتشبُ
الروابي معجزاتْ.
هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها، وبها تُخَلِّصُ أرضَنا
من رجْسِها، حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

تقشّعتْ ظلماتُ هذا اللّيلِ، اخْرِجْ كفَّكَ البيضاءَ يا وطني، وأسْكِرنَا بمعجزةٍ تعيدُ لنا
الحياةَ ويستفيقُ الروحُ في الجسد العليلْ.

كانت تئنُ على وسائدِ شوكها والقهرُ يوخزُها، ويُقْعِدُها التوجُّسُ، هلْ ستُوْقِظُها طبولُ
العِزّ بعدَ سُبَاتِها زمَناً، وما نامَتْ، وهاهِيَ ذِي تُجَددُ معجزاتٍ طالَمَا عُرِفَتْ بِهَا دوماً
لِتَنْهَضَ من جديدْ.

مارس/ابريل 1985

Post: #20
Title: هاجس المشّاء
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-05-2008, 09:04 PM

هاجس المشّاء
أو
شجر الأسلاف يتنزّه في ظهيرة الروح
أو
في ضرورة الحرب
أسامة الخواض



أنا لست رامبو كي أرى عدناً خرابأ"1"

أهاجر مثل أسلافي الى حلمٍ بعيدٍ,
أقتفي أنفاسهم,
وأحسّ نبضهمو على الصخرِ العنيِد ِ,
أحسّ وقع خطاهمو, والسدُّ منهارٌ"2",
أرى:
قمريةً"3" لألاءةً وسْط المياه ِ,

حضارةً خفضتْ قوائمها,
حنيناً تائهًا من ألف عامٍ,
شهوةً سقطتْ مصادفةً من امرأةٍ عجولٍ,
غصًةً نفضتْ عن الأحلام ِريشَ الارتباكْ


أنا لست رامبو كي أرى عدناً غيابا
ولكني أنا المشّاءُ ,
أمشي من خريف العمرِ نحو ربيع قامتها,
أشّد وقائع الأيّام نحو فضاء قيثاري الحزينْ

أنا لست رامبو كي أرى ذهباً على سُررِ الغرابةْ
ولكني أنا المشّاءُ ألبس ُجبّة َالزهّادِ
أفتش عن يقين ٍضاع في تُرْب البلادِ,
وعن بهاءٍ ضاع من أيّام عادِ

أنا لست رامبو كي أرى عدناً هديراً من كابةْ
و لكنّ الفتى كجدودهِ,
وحنينه أبداً لأول منزل ٍ ,
أرنو الى الخرطوم عزّ الظهرِ, و التخزين ِ"4",
أدنو من تلال الحلم ِ,
أدنو من صحابي
وبركلتين ِمن الغموض ِ,
نفضّ ايماضات دهشتنا,
نفكّر ما اشتهينا من مصائرَ,
نحتفي بكلام سيدة البطاقات الملونة الجميلةِ:
هذه الخرطوم ُما خلقت ْلأفغان العربْ
و ما دهنتْ لتجاّر المنابرِ,
ما زهت ْبجلافة الريفي, والوعّاظِ,
ما سئلت ْ,
و ما قتلتْ,
وما بسطت ْلتكديس السلاحٍ,
وما أُضئت للذقون ِ,
وللظنون ِ,
و للمتون ِ,
وللحواشي
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً ,
فترعاها خيول ٌالانكماشِ "5"ِ

أنا لست رامبو كي أرى وطني سرابا
ولكني أنا المشّاء أحمل وردتي الخرطوم من منفى ًالى مبغىً,
وأصرخ: انها الخرطومُ, تركض في مسامي,
وانتصاري,
وانكساري


هي للغناءِ ِ ,

وللدعاءِ ِ ,
وللصلاة ِ ,
وللنشيد ِ,
لضحكةِ الفتياتِ في أفق ِالعناق ِ,
لصرخة ِالدرويش ِتصرعه ُفراديس ٌالجمالِ ِ,
للذعة ِالعَرَق ِالمعتّق ِفي جرار اِلانعتاقِ ِ,
لهاجس ِالانسان ِ ,
و الشيطان ِ,
والرحمن ِ ,
شيءٌ من عجين الروح يطلع ُ,
من سديم الحزن يبزغ ُ ,
حاملاً صمت َالبراري
أنا المشّاء أحمل صُرّةً من حُرْقة ِالخرطومِ ِ,
أصرخ هاتكاً صمت َالشوارع ِ ,والأزقةِ:
دثريني,
قبليني,
دثريني,
قبليني,
دثريني,
قبليني,
دثريني,
قبليني,
وانثري ,
ورد اليقين ِعلى نهاري
فكم من فكرة ٍ:
خضراء َ,
أو حمراء َ,
أو رعناء َ,
أو قدسية ٍ ,
عبرتْ سماءكِ ,
كي تهذِّب شعبنا
جاء الفلاسفة ُ,

الأباطرة ُ,
الجهابذة ُ,
انتضوا أمخاخهم ْ,
وأتوا بمحراث ِالتقدّم ِ ,
والألوهة ِ,

والعجائب ِ ,
أفرغوا أوهامهم في شارع القصر الحزين ِ,
وحنّطوها في أضابير الشعارِ

فباسم الله ِ,والقراّن ِ,
يخترعون مملكة ًمن الألفاظ ِ,
شعبا ًمن ركام ٍ ,
باسمه القدّوس ِ ,
يبتكرون اّلهةً من الكابوس ِ ,
يغتالون شعبا ًصادحا ً,
ومسامحا ً,
ومدينة ًخُلقت ْمن الأبنوس ِ ,
واللاهوت ِ ,
والناّسوت ِ ,
باسم اللهِ يعتقلون زهرة حبنا,
يرمون نهرا ًمن حنان ٍفي المواعظِ ,
يشترون اللهَ بالدولارِ ,
باسم العصرِ ينتهكون حُرْمةَ حُزننا المدنيِّ ,
باسم ِالربِ يخْتلقون حلماً من بوارِ


أنا المشّاء,
نبضُ البغض ِ,
نبض ُالقدْ

قدْ يذهب التاريخ نحو الجُبْ
فدْ يذهب الأجداد نحو الرَّبْ
قدْ يذهب الأحفاد نحو الحُبْ
قدْ تذهب الخرطوم نحو اللُبْ
قد ْهاجر المشّاء نحو الحرْبْ

أنا المشّاء أنبح في المدائن,والقفارِ
لا بدّ من حربٍ لأفهمَ شكل َبؤسي في المسارج,والظلال ِ
لا بد ّمن حرب ٍلأدرك َعمقَ روحي,
وامتدادي في فضاءات ِالبراعة ِ,والكمال ِ
لا بد ّمن حربٍ تعيد صياغة الموتى,
وتعريف الحياة
لابد ّمن حرب ٍلايقاظ الطغاة ِ
لا بدّ من حرب ٍتغير عادة النسيان ,
والنوم الطويل على سراب الاكتمال ِ

لثقافةِ الحرب انتمينا,
واحتمينا بالمحابر ِ,
كي نرى حرب الحروب ِ,
مطلة ًفوق النصوص ِ ,
وفوقَ آفاق الخيال ِ

لا بد ّمن حرب ٍستنبتُ من شظاياها,
ضفائر من سيقبلن الزواج,
بموجة النيل اليتيمة,
وانهماراتِ الجلال ِ
لا بد ّمن حرب ٍتعلمنا الرحيلَ إلى الحروبِ,

على غواياتِ المحال ِ

لا بدّ من لا بد ّمن حرب ٍ,
لنكسرَ حلقة الصمت ِالمخيِّم ِفي خلايانا,
ونشهد َمولدَ الرؤيا الجديدة َمن جماجمنا,
وجمجمة السؤال ِ

أنا المشاّء ُ,
هل سأظل ّأنبح في المدى
أٌقعي طويلاً ,
كي أرى حربا ًتفسِّر لؤم اخوتنا الكبار ِ,
وبؤس ََهذا الارتحالِ ِ


هوامش:
"1:-الشاعر الفرنسي الشهير أرثور رامبو.
"2"-إشارة إلى سد مأرب.
"3"-زجاج ملون يعكس الضؤء,ويوضع أعلىالنوافذ في البيوت اليمنية.
"4"-مضغ القات.
"5"-البيت في الأصل للشاعر اليمني يزيد بن مفرع الحميري,وهو:
ألاليت اللحى كانت حشيشا فترعاها خيول المسلمينا.

Post: #21
Title: الوردة الرصاصية
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-06-2008, 07:30 PM

الوردة الرصاصية
قاسم حداد




1

في البدء كانت جنّة الرؤيا
أرى فيما أرى
تبكي صنوبرة على صحن المدينة , والخيام تجلل الرؤيا
أرى طرقا ستأخذني إلى طرق ستأخذني إلى طرق وبحرا
كالمدى
فيما أرى
كانت ستعشقني العذارى . سوف أصبح نجمة
في شرفة . لو نشرة المذياع قالت آخر الأخبار قبل الهجرة
الأولى
رأيت وما رأيت
مدينة تمشي و عذراواتها يفقدن عشاقا و يقتقن القميص
ويحترفن الغزل كي يفتقن ثانية
رأيت كما رأيت
لهن شاهقة الرؤى / لي منتهى شجر سيحنو فوق
جنتي المحاصرة المباحة / هل رأت تفاحة الفصحى قلنسوة
البلاغة غيمة الشعراء / كانت جنة الرؤيا بدايتي الأخيرة
هل رأت فيما رأيت
نهاية الهجرات / كل مدينة و جر ومنعطف السلالة
جيفة ترث الجزيرة
هل أرى وطنا يعيد الشكل , يمزج جنة الرؤيا بفوضاي
الجميلة , يخطىء المعنى معي , يهتاج في لهب السبايا
قالت الأخبار هجرتي الكسيرة في طريق كلها طرق مطوقة
بعذراوات
يحرسن المخيم بالدم العاري
ويسطعن انتشاء في دم لي
أو دم لغموض أخباري
لهن خفائف يخفقن فوق مخيم وكنيسة تنأى
رأيت صلاتهن جنازة
يعشقن فرسانا ويفتقن القميص
لكي يطيب الغزل . يفتحن الصدور . لهن جرح وردة في
القلب . يفضحن العواصم بالمخيم
هل أرى فيما أرى
مرآتي انهارت على حجر الطريق ورفقتي ينصبن أشراكا
يسمين الحراب حديقة والماء مأوى
يبتكرن نهودهن , يضعن في شرفات أحلامي حناجرهن
لي عشق مغامرة بلاد هيأت أسرارها
لذبيحة الرؤيا
أرى فيما أرى
مدنا تجرجر عارها ومدينة تستنفر الأسرى
ترصع جمرها مختالة
وتصيح بي في هودج الهجرات
لي ماء يقاومني لكي أنسى
لها ماء يسمى ملجأ وخديعة تئد
النساء
يطأن قلبي
كل ما ينسي يسمى جنة الرؤيا
لهن تميمة في طينة الجسد الطري / وكلما أنسى
أسمي وردة الفوضى عشيقتي الصغيرة . كلما أنسل
من ليل المدائن , من سلالة جيفة ترث الجزيرة
كلما
في جنة الرؤيا أرى مستقبلا
وأرى حفيرة


2

أسعفته اللغات ليحتمل الموت
كي يشهد الشرق مستسلما للغروب
حوله جوقة / ليس للشرق , لم يبق إلا صدى للقيود
التي تنحت العظم / إني بريء من الشرق
من قلعة من كهوف
بريء من الصمت مختبئا في الكلام
اللغات التي أسعفتني إلى الموت غادرتها
ألجأ الآن للخيمة الحرة المشتهاة
ألجأ الآن للتيه للمنتهى / ليس لي
للبيوت التي طاردتني
لجبانة ضاق بي قبرها
للمدى يحضن الطائرات المغيرة ليلا
ويغتالني

3

مشى في شهوة الفوضى
يواري كل شيء في فضاء الشرق في شكل له
لا يقبل الترميم
مشى في وحشة التهويم
لن يصل الكلام إليه
يمضي شاهقا يفضي لجنته التي أشهى
يؤالف أم يخالف
أم يؤدي طاعة للطقس في ردهات
هذا الكهف
لا تسأل
فقد أضحى بعيدا نحو جنته
وحيدا صار في حل من التنظيم
لن يصغي لمنعطف اللغات , تراثه تيه
ويخرج من جمال رماده شعب الشظايا
شهقة القنديل
جلجلة الكتابة والصدى
وفضيحة التنجيم
يمشي خارج التقويم
4

أسعفته / ولكنها حاصرتني
رمته على كوكب الليل / هاجرت كي أفضح الليل في
الشرق


لكنها
في غبار التراتيل كانت له
للذي نكهة الخبز في ساعديه
الذي يبدأ الشرق من لثغة في يديه
الذي
أسعفته اللغات وصلت عليه
التي أسعفتني شكتني لشرق النهايات / نحنو عليه
بشمس
رصاصية / ودعته / دعته لكي يقبل القتل , كي يحسن
اللغو واللهو
كي يستفيق الحطام الإلهي
لكنها حاصرتني

5

سألوه
واشتبكت جيوش فوق جثته
تلائم
أو تقاوم
طينة الجسد الرمادي احتمت بسلالة الشورى : تقاوم أو تلائم
طينة الجسد الطري تحاسرت
عبرت بلادا كالشواهد , راودتها شهوة المنفى
تلائم
عندما سألوه كانت نحلة الرؤيا تغيم بمقلتيه
وكان تاريخ يضلله الوضوح
سألوه
كان موزعا بين السقيفة واحتمالات الخلافة
واضطراب النص والفتوى
ومختلف الشروح
سألوه في شفق الوقيعة والمشانق كلها
كانت له : قاومت
لكن ما الذي يبقى
تقاوم لأجلك الرايات
موتك سيد
ستكون عبدا عندما لا تنحني في ظل قوس النصر
يبقى , ما الذي يبقى
تقاوم أو تلائم
جنة الرؤيا يداك
وكاحلاك على رماد بارد , قاومت أو لاءمت
كانوا يسألون الفقه والقانون والمتن الذي
كتبوا هوامشه وسدوه بجلدة كاسر
وجميع ما يبقى لك الآن
الكتابة والغياب
هذيت أو كاشفت , إن سألوك
قل لهم الجواب
هذيت أو حاصرت أسرار الذبيحة
سيد في الموت
لا دمك الذي يغري بأنخاب دم عبد
ولا العربية الفصحى ستبتكر البلاغة عندما ترثيك
قاوم
و احفظ الطين الطري
ولا تلائم
كلما سألوك
قاوم
سوف تهذي سيدا ويموت موتك
عندما نصبوا السرادق خارج الأسوار وانتظروا
لكي ينهار وقتك
أين صوتك دع لهم سعة لكي تصل القوافل مكة
بالقدس
تمتد القبائل
دع لهم , يطأون جثتك الفطيسة
كلما واصلت صمتك
فاتئد
سيكون في الطين الذي ليديك شاهدة
لتسمع عندما تهذي: يقاوم
أو يلائم
عندما تغوي يديك سفينة التيه
انفصل
دع فسحة كي لا تغادر جنة الرؤيا
وقاوم

6

رأيت يدين تشتبكان في جسد
رأيتهما ملطختين بالتلوين
صلصال وصورة عاشق وتفجع الحبلى/ خفائفها الجميلة سوف تسقط / من لها
ويدان تشتبكان في الجسد الطري . وجنة في الطين
رأيتهما
عشيق شاردة
ومخاضها يغري اللغات / خطيئة العربية الفصحى
لها
ولها خفائفها الجميلة . كدت من خوف عليها
من لها
مغدورة ويدان تشتبكان في جسد تفصته
الحروب . رأيتها
ورأيت فيها لحظة التكوين

7

أسرار فاكهة المساء , سريرة المأوى
ومحتملان
موت للذي ينسى
وموت للتذكر
سيد في القيد أرخى للمدائن من مدينته
سيهذي مثل شعب
من له / من لي بهاوية ليهذي
جنتي نعش على رئتيه
من لي / من له
طرق ستأخذني إلى طرق ستأخذني إلي طرق
وأحجار الطريق ستلبس اللحم الذي / قدمان عاريتان
في برد, وكل الأسلحة
تكتظ في أثر طريد
ربما هلعا / شريد
ربما ولعا
لها . قدمان
جنات , جحيم , ربما تنسى جميع الأضرحة
قدمان
هل قدم مقدسة الخطايا والخطى ابتهلت
لشيء ليس يسمع
ليس يغفر
خيمة أم خرقة في شهقة الصوفي
أسرار لفاكهة
ستنسى عندما تهتاج في شغف وترتطم الحجارة
بالمدائن و المدى
من للصدى
من لي بصارية تسملها المرافىء
للمرافىء
للمرافىء
إنه يهذي
يجانس أو يطابق أو يناقض
انه يهوي الى لغة الشرائك
من له قلب ستكسره المناديل الصديقة
أو له شعب ستخلعه الخوازيق الشقيقة
جنتي عرش على قدميه
محتملان
موت للذي ينسى
وموت للتذكر
سيد في القوس
يصغي للقرى ويقايض المدن الحبيسة بالأغاني
عندما ضاقت به , اتسعت له
و سعت لأكثر من دم
يمشي ويهذي
لم يكن قلبا له / جرحا
وكل رصاصة تأتي بظهر رصاصة
والقلب , هذا الجرح لا ينسى
ولا يتذكر القتلى
لعلي صرخة في أمة ثكلى
لعلي أمة ثكلى
لها من لي بذاكرة تحاصرني .. ولا تبلى
أتوا من فجوة في البحر
جاءوا من جنوب الوقت
كان الله لا يسهو
ولكن الجهات أتت مدججة
بما لا يذكر الجندي أو ينسى

8

وردة للبحر
أشكال لموت الأرض
عرش للذي يغزو
قالت واحتمت بالخنجر الدامي
لها قتل وللشعراء فاجعة الكلام
وللذي يموت قبر
لم يعد قبرا
هي الأرض التي للموت
للبحر المراكب والمدى , وممالك مالت على رئة لشعب
شب عن قبض اللغات
لها لأطفال, لمغامر ينجو . لهودجها المدائن
وهي تكبو غير عابئة . لشعب شط في تيه ويستثني
ويغفوا
غير عابئة وتكبو
من لها . من لي
أرى جثثا تسير وتحمل الرايات
تهتف في عباءات مغمسة بزيت الله . تهتف . والمساجد
لم تزل في سجدة الخوف الكئيبة . لم تزل في وهدة
ورأيت نعشا سيدا
لغة وبحر
والذي يرتد مرصود
له قيد وقبر
سيدي ملك على بحر
وذاكرة ستنسى عرشها , و عريشة أشهى
ومختبلون مأخوذون بالبحر المدجج
بالمدى العربي مثل القيد , بالقتلى
بمحتمل العواصم وهي في كيس الخراج
بأمة مصلوبة تهفو لموت سيد
ومقاصل أقسى .. وأعلى
لم تزل
مغدورة تهتاج في قوسين
شامخة بوجه الذبح , تصرخ
كالذبيحة في المدى العربي .. كلا

قال لي
ما أجمل القتلى
هناك موزعين على المداخل يحرسون قبورهم
وأنا على قيدي هنا
هل كنت مختلجا يواري عار ه
أم كنت مثل الوقت محتلا
من لي بذاكرة تحاصرني .. ولا تبلى

9

هودجها يميل
عدّل الفرسان هودجها / يميل
مليكة في غربة الشطآن
موغلة تعذبها القبائل
واحتمال الليل , والسفر الطويل
تختال في وجع
له في كل أرض خنجر
ومآتم منصوبة وفم قتيل
مرصودة للهتك , أطفال لها
ولها الصحارى والمدى العربي في قيد
وهودجها يميل
وحشة تبكي على وحش
وهودجها مليك الأفق
أعراس لها في مأتم القتلى
ولن تغفو
ولن يهتز بعد الآن هودجها الثقيل

10

رأيت رماده يرد يهزج يستعيد نثاره شجرا وتاريخا
ومحتملان
دار للذي دمه بروج الوقت
دائرة لمن ينسى
رأيت رماد إرثا لمعراج الصدى. د رجا لشعب شارد
في غربة الأمواج مثل التاج . كان رماده تاجا على شرق
النهاية وهي تبدأ . لم يكن ينسى عناصره . حريق غامر
وعرائس القتلى وبلدان لها مدن تقاتل أهلها وتحاصر
الشهداء , مرتدا من الأنقاض يخرج , لم يكن هذيانه تعبا
ولا فوضاه تذكرة الخديعة , كان في و له رمادا سيدا
ملك على كلماته. غنى . رأيت كلامه شجرا وتاريخا
ومحتملان
زوج للصبية حينما يتضاحك النهدان
في خجل ويكتظان بالشوق الشهي
زجاجة الرؤيا لمن ينسى ويغفر
عندما يهذي يصوغ رماده وطنا , وطينته الطرية أول
التكوين

11

شكل البرتقال وزينة الفوضى و خندقة القتال وعاشق
يحظى بعاشقة وقافلة من الأعداء
شامخة
كأن نقيضة الاسماء : تذكاراتها لغة
وللكلمات في أشكالها جنس الذبيحة وابتهالات
الغبار
وصورة للماء
خلوها دما فينا
يداها دورة الأفلاك
أبراج لها تاج
وهودجها يغطينا
دعوها تحضن الجرحى وتنتخب الضحايا
تفتدي , وتحاسب الموتى إذا ماتوا
دعوها حرة فينا
ستعطينا دماثتها لنشعل زيتها فينا
يداها برتقالة دارنا وحديقة لتهالك الأسماء
كانت عندما كانت هوت في حوضها مدن وأفراس
ونجم شاحب وشرارة الأنواء

12

فضحتنا مثلما سكينة تندس
هذا حلم وحش
ونختال به
نسأل من أين إلى أين ولا نسأل عن تاريخها الآتي
ولا تهتز في أحجارنا سنبلة للشك لا نشكو من الوحش
فجاءت
مثلما جنية تهذي لكي تلهو بنا
فضحتنا
فت ركنا للذي ينثال من أحلامنا
حرية الموتى
تركنا كوكبا في جسد الشرق لكي يختار من أيامنا
وتركنا ماءنا الغالي لكي نشرب من بئر المقابر
فضحتنا
والذي ينهار لن نرأف به
للفضح هذا الجسد
الهالك
هذا الجدث
المالك
لم يبق لهذا الشرق من وقت
سنبكي عندما يخطئه الهدم
افضحينا

13

أحجارها تاج على ذهب المدائن
صورة للماء
أخبار الحدائق في خبيئتها وليست جنة للنار
مدت لليتامى للمصابين ابتلاءا بالردى
مدت يدا
كانت تحاصر آخر الرايات في شرف القبيلة
من رأى مدنا مكدسة
رأيت هوادج القتلى على خشب عتيق
ربما العرب الذين
مدينة صارت وتختصر المدن
تمحو وتكتب
من رأى امرأة تلملم ظلها لتصد جيشا
من رآها - في قميص واحد
حلما ووحشا
من رأى عربا على عرب
سلالات , لغات
من رآها أمة منذورة
عرشا ونعشا

14

لهن تميمة الذكرى ومدخراتها
يمشين مصطبرات
ثاكلة وعذراوات
في قمصانهن غزالة مذعورة وجسارة الأسرى
سينسين الكلام . خيامهن الهتك . من أعطى
لفاكهة المساء سفينة مكسورة ومحا الهواء
وصاد ر الميناء
من أعطى النساء نوافذ الرؤيا وأطفأ نجمة
الأفلاك
من دمنا على يده
ومن يده على دمنا
ومن منا سيرسم آخر الأشراك
من للنسوة اللاتي بنين النهر والمجرى
لهن خديعة الذكرى
لهن الفقد والنسيان
من لي بعدهن ومن لهن عريشة بعدي
وحيدات على خشب المخيم
والمدائن تشحذ المنفى
ويرجع لي الصدى
وحدي
لهن القبر
لي قيد وللفوات أختام الطرائد
للموائد نخبة الأقداح
للرسل الكثيرة فجوة في التيه
مصطبرات
لا يمشين لا يمشي بهن الماء
عذراوات
من لي / ما الذي أسرى لمنعطف الخريطة
مشرقا كحمامة البشرى
غريبا غائبا
ومضرجا بتمائم الذكرى
أحايد بين موتين
انتهاء الأرض حتى قهوة المأوى
وخاتمة النشيد
بكت لي أو بكت في جنة تهوي على القدمين . قالت
ربما
وتشبثت بتهدج الفرسان
من لي بعدكم . خلوا خيولكم
تخب وخيموا عندي . دعوها
تحرس اللغة الجريحة
كي أموت وحيدة في حضن
فارسي الوحيد
بدأت بخاتمة النشيد بدأت في الذكرى
دعوني خائفا لو أنهم تركوا لقلبي حسرة الفقد الذي
ينسى
نسوني في نساء , خبأوني في سرير الغدر . لو أن السفائن
كلها ضاقت لكان القتل أجمل من يد مغلولة في وحشة
الصحراء
بكت عند الرحيل وكنت في الذكرى

15

بغتة تبرق أسرارنا
في دماء الكوامن في آخر الليل
من ليلة هيأتها التآويل , من قاتل , من مليك ملاك
من هناك
حيث أسماؤنا في بلاد
وأحبابنا القاتلون احتموا في بلاد
ونحن بلا مدخل للسماء
سيبقى على الموت أن يفتدينا
سيبقى لنا في القبور وأسرارنا فسحة للفضيحة
يبقى هلاك لنا
هل رأيت الجنائز تخرج محتجة
ورأيت الدماء المهانة في موتها
ورأيت السماء
تضيق بعصفورة الأنبياء
سيبقى هلاك
لنا بغتة هذه المزدهاة بتاريخها
طفلة في السبايا
لها في اللغات انتحار
وفي الشجر المستهام انكسار الغصون
لها في الجنون احتمال البقايا
ترى من لها فالسفائن في غربة البحر في جيئة
وزعتها القبائل في شهقة حرة .. أن تموت
طفلة صدرها في السيوف وأخبارها شغف للحياة
وقمصانها مثل شمس تطوف ملطخة مترعة
ببقايا الصباح وقهوتها للضيوف الغزاة
وميزانها غاية الأشرعة
طفلة راهقت
والسلاح تميمها
ظهرها في المخيم والأمة الراجعة

16

نهض الرماد كأنه ينأى
كأن شهيقه في زينة البحر
انتهى وقت
سيأتي آخر
فدخلت في نار العناق
سيذهبون الآن
من لي
من لهذي الخيمة المكسورة الوتدين
من يبقى يصد رصاصة الموت الأخير
بكيت في التذكار
كان البحر وحشيا وكنت ملطخا بالفقد
مازال الدم المهدور في كأس الشوارع في رؤى خشب
يمنعطف المواكب
كانت الرايات تجهش
سوف تذهب
من سيبقى
كنت في شفق من الذكرى
كأن السبي فينا مرة أخرى
كأن البحر لن يسع المراكب , والنوارس
سوف تغرينا بمقتبل الضياع
كأنما ينأى
ويحتكمون للفوضى
لهم أسرارهم ولهم بلاد
جنة الجرح التي رسم الملائك حولها سورا
سيحتكمون للفوضى
بلاد لم تزل
وحجارة تمشي
وقلب أثقلته كثافة الرؤيا / بكت لي
دع جوادك يرتوي
من زرقة النهدين
دعني
ربما بعدي ستحتدم الرماح
وبعدك الصحراء
قالت
كلما تنأى
سيحتكمون / تبدأ هذه الفوضى
يد في صخرة الوديان , سوسنة تسن براءة الأمواج
كنا فتية في وردة الفوضى
يعيدون الملامح للذبيحة
يستعيدون الطريدة
فتية للفقد منتصرون في أشلائهم
ويد على جرح
يد في جنة
ساروا على أسرارهم
كان الطريق يعيرهم ليد فترسمهم على حجر الطريق
ملك على الفوضى
وسيدة بلا عرش
و قافلة توزع جمرة الرايات , يخلعها الصدّيق
خطيئة الرؤيا
ستذهب
من لها / من لي
ستهرع عادة القتلى إلى حجر / دعوه
ذلك الحجر الجميل
دعوه
يبنون البلاد عليه / فوضاهم وجنتهم
لهم أسرار فاكهة ونهر سوف يكسر عادة المجرى
ويركض أو يشط
وربما ينأى
لنافذة تخبىء نجمة لليل
هل تسع المراكب كل هذا
الموج
دعني
دع دمي في وردة الفوضى
يفيض ويحتمي كطريدة النيران خلف الغابة / البركان
يحتكمون
قائمة القضاة
منصة الحكم
المحامون
الذبيحة والطريدة
شاهد الرؤيا
وحراس المدينة
لم يزل ينأى
تلاحقه المذابح
من له / من لي






Post: #22
Title: لا تصالح
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-06-2008, 07:36 PM
Parent: #21

لا تصالح!
أمل دنقل



لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!
(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تح𧄄م أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!
(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
(9)
لا تصالحْ

ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ

والرجال التي ملأتها الشروخْ

هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ

وامتطاء العبيدْ

هؤلاء الذي تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخْ

لا تصالحْ

فليس سوى أن تريدْ
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ
وسواك.. المسوخْ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ


Post: #23
Title: إن جُثَّتِ الحركات
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-06-2008, 07:57 PM
Parent: #22

إن جُثَّتِ الحركات
شعر : أحمد ضيف الله العواضي




( 1 )
إن جُثَّتِ الحركاتُ لا مُستفعلن يجدي ، و لا بلدٌ يحبّكَ يا فتى . هذا رخامُ الشِّعرِ أوله معلّقةٌ و آخرهُ أقل من الهباء . خسرتَ سيفكَ مرّتين . إلى الأمامِ ترى الفواكه و النساء دُمى من المطّاطِ ، هل تمضي القصيدةُ كلّما اكتملتْ إلى أقصى من امرأةِ الخيال . و هل سنمضي بعد تاريخٍ من الإسراء و المعراجِ و الفتحِ المبين إلى مدى أقصى من الشرطي في أفق القبيلة . جثَّتِ الحركاتُ . لا بلد يحبكَ يا فتى إلا الصحارى القاحلات و مطعم الغرباء . لا بلد يحبك يا فتى إلا رخام الشّعر أوله معلّقةٌ و آخره فضاء . أنتَ حرٌّ خذ من الحزن المفاجئ ريشَ أجنحة الغناء . و طر ، و غنّ أيما جهة ستألفُ وحشة الأسفارِ . لا بلد يحبّك يا فتى إلا المهرّج و النساء ، و آهة المطاط . لا شيءٌ يدل على طريقك غير ظلٍّ للمعلقة العجوز و ما تبقى في المضارب من تجاعيد البكاء .
( 2 )
متفاعلن . متفاعلن . في غيمة الأسفار خمس فوائدٍ . لا حلم إلا ما يخط على زجاج الرُّوحِ منعى للتأمّلِ في مرايا الكائنات . و لا زمان سوى المكان . فكفَّ عن دورانك العبثي كي يترتّب الحلم البطيء موشّحا . لا الروح ملَّ ، و لا الخفي من العوالمِ دلَّ أسفاري على بلدٍ أحب ، يدور في فلك القصيدة خطوتين إلى الأمام . فوائد الأسفار خمسٌ في مرايا الكائنات : دبيبُ نملٍّ فاعلن متفاعلن ، و جناح نحلِّ فاعلن متفاعلن ، و شذىً لأزهار ، و سنبلة تجود ، و غيمة الأحلامِ تهطِلُ كلّما فتَّشتَ عن بلد يحبكَ يا فتى ... متفاعلن متفاعلن ...
سترى المدى قفراً و فوضى الوقت أيتها القبائلُ و الدخان .
( 3 )
وقفَ الفتى في أولِ الأسفارِ مندهشاً يتمتمُ : ما أظنُّ أديم هذا الأقُّ إلا من رفات قبائل غابت لكي تتمسرحُ الطرقاتُ ثم تعود . ما جدوى الشجون ، و ما أظنّ أديم هذي الأرضُ إلا من حطامِ قبائلِ النخلِ العجوز . إلى الأمام لنودِّع الفوضى لجيلٍ بعدنا ، و نُقيلُ من أسمائنا الفوضى ، و نبكي كلما طارت إلى ما بعد أسوارِ الطفولةِ كلّ أسرابِ الحمام .
( 4 )
وقفَ الفتى في آخر الأسفارِ مضطرباً ينادي :
أيها البلدُ الجميلُ أنا المسافر كلما ( حجَّيتُ ) بالأشواقِ زُلفى .. لا أراكْ !
و أنتَ في روحي شِراعُ الغيبِ . ترتيبُ المشاعرِ لا يهم .
أنا أحبُّكَ .
كلما هيأتُ أغنيتي تفرُّ إليك . كيف تراكَ في أسفارها و أنا المسافرُ لا أراكْ .
و ليس لي إلا سراج الشّعرِ – حين تغيبُ في الظلماتِ – فاتحة التنبؤ .
أيها البلدُ المفصَّصُ بالنجومِ و بالشجونِ و آية الرمانِ . مالي لا أراكْ ؟
و كلما حاولتُ فاجأني فضاء الوقتِ . هل سأموتُ كي تحيا فيحييني هواكْ ؟
.. أنا هوىً متجدّدٌ في بعض صوتكِ أو صداكْ .
تعبتُ من شجني عليك ، و كلما وجهتُ ذاكرتي إلى جهةٍ تعود ..
كأنما الدنيا بلاد الله ليس بها سواكْ .
( 5 )
علّق هواكَ على هواكَ لتشعلَ الذّكرى . و غامر أيما جهة ستألفُ وحشةَ الأسفارِ لا الفوضى تعينُ و لا نظام الرَّي يمنحني الطعام . إلى الأمام .. ترى المهرّجَ كلما اشتدّ الظلامُ يغيب بين مواسم التنجيمِ . هل سنلملم الفوضى إلى الفوضى لجيلٍ بعدنا ؟ ليرى معلقةً من الفوضى على صدر المهرجِ كالوسام .
( 6 )
القلبُ أشعلَ غابة الذّكرى ليعرفَ ما يريد . و ياقة الجندي لا تقوى على حمل النبوءة . لا زمان لكي نقاوم ما استجد . و لا مكان لنزرع الأحلام و القمحَ الفقير إلى القبائل . أيها الوقت العجوز أتى المهرجُ يملأ الدنيا من الفوضى سنابل . لا جديد سوى الكلام يغيبُ في الضحك القتيل . أتى المهرجُ كلّما غنّى تكاثرَ . في مدى الفوضى تكاثرتِ القبائل و الجوارحُ و المهرّجُ . ما استجد يموتُ كي تتكاثر الفوضى و تتّسعُ القبائلُ . لا فتى إلا المهرّج . غاب في الضحك القتيل لكي نمرَّ إلى الأمام .
( 7 )
خرجَ الفتى في آخر الأسفارِ مُتَّشِحِاً خرافته و قال : سيعلمُ الأعرابُ أن القلبَ أصدقُ من جهات الأرضِ . لا جغرافيا الدنيا تعين و لا خطوطُ العرضِ تمنحني التأمّلَ و الأمان . أنا مزاجُ الغيم . ترتيب المواسم لا يهم . سأجمع الفوضى إلى الفوضى و أكتب إن للفوضى ( يدٌ سلَفَتْ و دَيْنٌ لا ينام ) .
( 8 )
إن جُثَّثِ الحركاتُ لا مستفعلن يجدي و لا متفاعلات . حروفُ جرٍّ تربك المعنى و تبدي آهة الشُّعراءِ . تلك سيوفنا صدِئتْ من التجويدِ . لا الإدغامُ أوصلنا إلى برِّ الأمانِ . و لا الوقوفُ مبرَّرٌ إلا لوصل سلالة الأحلامِ بالأوهامِ . و الصحراء حلم واحدٌ متكرِّرُ النظراتِ . لا التكعيب أوصلنا إلى ما بعد خيمتنا . و لا النّثر المشتتُ تحتَ أقدامِ المعلَّقة العجوز يشدّ أزر القادمين .
بأي نصرٍ سوف ندخلُ دار عبلة بالجواء . و أي وحي يقنع العبسي عنترة الفتى الفضّي . في آهاتِنا تتقاطعُ الكلماتُ . لكن القصائد أكثرُ الطرقاتِ إيلاماً إلى أطلالنا .
فقِفا لنبكي أكبر الأطلالِ في تاريخِ أمَّتنا
العدالةَ
و النِّظام ! .

Post: #24
Title: زيارة الموتى
Author: بله محمد الفاضل
Date: 02-06-2008, 08:03 PM
Parent: #23

زيارة الموتى
صلاح عبد الصبور



زرنا موتانا في يوم العيد
وقرأنا فاتحة القرآن، ولملمنا أهداب الذكرى
وبسطناها في حضن المقبرة الريفية
وجلسنا، كسرنا خبزاً وشجوناً
وتساقينا دمعاً و أنيناً
وتصافحنا، وتواعدنا، وذوي قربانا
أن نلقى موتانا
في يوم العيد القادم.


يا موتانا
كانت أطيافكم تأتينا عبر حقول القمح الممتدة
ما بين تلال القرية حيث ينام الموتى
و البيت الواطئ في سفح الأجران
كانت نسمات الليل تعيركم ريشاً سحرياً
موعدكم كنا نترقبه في شوق هدهده الاطمئنان
حين الأصوات تموت،
ويجمد ظل المصباح الزيتي على الجدران
سنشم طراوة أنفاسكم حول الموقد وسنسمع طقطقة الأصوات كمشي ملاك وسنان
هل جئتم تأتنسون بنا
؟
هل نعطيكم طرفاً من مرقدنا؟
هل ندفئكم فينا من برد الليل؟
نتدفأ فيكم من خوف الوحده
حتى يدنو ضوء الفجر،
و يعلو الديك سقوف البلدة
فنقول لكم في صوت مختلج بالعرفان
عودوا يا موتانا
سندبر في منحنيات الساعات هنيهات
نلقاكم فيها، قد لا تشبع جوعاًن أو تروي ظمأ
لكن لقم من تذكار،
حتى نلقاكم في ليل آت.


مرت أيام يا موتانا ، مرت أعوام
يا شمس الحاضرة الجرداء الصلدة
يا قاسية القلب النار
لم أنضجت الأيام ذوائبنا بلهيبك
حتى صرنا أحطاب محترقات حتى جف الدمع الديان على خد الورق العطشان
حتى جف الدمع المستخفي في أغوار الأجفان
عفواً يا موتانا
أصبحنا لا نلقاكم إلا يوم العيد
لما أدركتم انا صرنا أحطاباً في صخر الشارع ملقاة
أصبحتم لا تأتون إلينا رغم الحب الظمآن
قد نذكركم مرات عبر العام
كما نذاكر حلماً لم يتمهل في العين
لكن ضجيج الحاضرة الصخرية
لا يعفنا حتى أن نقرأ فاتحة القرآن
أو نطبع أوجهكم في أنفسنا، و نلم ملامحكم
ونخبئها طي الجفن.


يا موتانا
ذكراكم قوت اللقب
في أيام عزت فيها الأقوات
لا تنسونا .. حتى نلقاكم
لا تنسونا .. حتى نلقاكم.@