أجمل ما قرأت مؤخراً

أجمل ما قرأت مؤخراً


12-31-2007, 06:45 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=150&msg=1199079931&rn=0


Post: #1
Title: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: هشام آدم
Date: 12-31-2007, 06:45 AM

_______________________

عـالم زجـاجي*
(قصة قصيرة)

بقلم: سمر نور

من خلف الزجاج يبدو العابرون كأناس من عالم آخر، يتحركون بإيقاع موسيقى لمؤلف مجهول أسمعها عبر مشغل الأسطوانات.. أحرك العالم الآخر وفقا لموسيقاي بينما أجلس أنا على المائدة أقطع قطعة الجاتوه بشوكة كبيرة الحجم أمدها لفمي فأشعر بشفتي غاية فى الدقة، ويحرك لساني فى بطء العجين ليذيب اللعاب الشوكولاته مع الكريمة والعسل فى القطعة التى اخترتها بنفسى فأمتص مذاقا فارقا، أرغب فى إغماض عيني والانسياق وراء هذا الإحساس الذى يولده تداخل نغمات البيانو مع الكمان فى تمازج وتنافر لكن يحلو لعيني النظر إلى إيقاع العالم الزجاجي.. لم يخرجنى من تلك الحالة إلا فكرة مارقة اقتحمت عالمى بغتة.. ماذا لو أن هؤلاء الناظرين إلىَ عبر الزجاج يتخيرون إيقاع حركة لسانى البطىء وأصابعى الناقرة على زجاجة الكوكا كولا وفقا لتناغم موسيقى مؤلف مجهول عاش منذ مئات السنين فى بقعة لم تطأها قدمي من قبل؟ أنا التى سارت ساعاتها بحكم قانون الصدفة.. من لم تختر شيئًا منذ بدأ يومها سوى قطعة الجاتوه وزجاجة المشروب!

أتلصص على الوجوه والأجساد خلف الزجاج فتشاغبنى تبدلاتها، يحملق فى وجهى رجل عجوز يحمل آلة العود فأصبح جسد العود الخشبي وتلامس أصابعى أوتاره برقة فيبادلنى العجوز ابتسامة شريك فى الحزن ويدير وجهه عنى بتمهل نغم شرقى فترتعش أوتار جسدى الخشبى برعونة أوتار جيتار يحمله غجرى إسبانى بشعر طويل ونظرة نزقة، يسلم العجوز الدفة فى يد شاب يمسك يد فتاة تلف خيوط الكلام فى بكرة صوف عملاقة لتغزل بلوفر وتلبس الشاب إياه فيخلعه فى سرعة تتواءم مع خطواته ويجفف عرقه السائل بنظرة غزل تجاهى فأتحول لسرير كبير من الدفء ومرآة شبقية تحمل صوراً لكل نساء العالم، أغلق باب غرفتى فى وجهه فأكون الفتاة التى سحقت صفعتها وجهه منذ قليل ويسرع الخطى أكثر بينما تقيد حركتى خيوط البلوفر الذى قذفته الفتاة على الزجاج فى غضب لتسلم الدفة ليد تلك الراهبة المرتدية صليبًا ضخمًا بحجم سكينة الجاتوه فيترامى إلى أذني صوت سوبرانو يتداخل مع البيانو والفيولينا.. أتحول إلى صبية ترسم قبلة على شفتى صبى، وأكون الصبى الذى يقذف الكرة خلف الشجرة ويختفى وتظل الصبية تبحث عنه حتى تمل فتبكى حتى ترتسم التجاعيد على أيقونة العذراء ويتيبس جذع الشجرة فلا ترويه دموع الراهبة الغزيرة فتطير بأجنحتى القوية إلى طائر بعيد وتسلم الدفة إليه فأتحول إلى صديقه ذى الجناح الكسير الملقى فى شرفة الجيران يغالب الموت، فأكون ملاك الموت الذى لا يعنيه أمره فى شىء فيتركه لما هو أهم ولا يعبأ بهذا الألم وتلك الوحدة ويقترب من عربة الأمن المركزى التى تمر أمام الزجاج فيسلم الدفة إلى أصغر عسكرى يلقى إلىَ نظرة مدهوشة ويبصق على الأرض دماء متخثرة لشخص ما، لأكون شخصا مجهولا ينزف دما وعصا العسكرى الصغير تشق رأسه فأعطيه خبزا ليلقى عصاه ويأكله بنهم جائع، أصير أوتارًا من الأحزان وسريرًا من الرغبة ودموعًا من الشفقة وموتًا غير رحيم وحلم طفولة وجرح وطن وخبز جائع وليلا طويلا من الألم، أضم قبضتي لأكسر زجاج العالم لكن قبضتي تعتصر أمام قسوته وتحيطنى الواجهة الزجاجية من الأربع جهات تقترب من مائدتى بخطوات كتيبة عسكرية تسحقنى بين ألواح أربعة، أتحول إلى حفنة من التراب بلا ماء وأكون نحاتًا يعجز عن أعادت تكوينى فيمزج دموع الراهبة بدماء الشخص المجهول بريشة الطائر ذى الجناح المكسور بخيوط الصوف وأوتار العود ليشكل لسانًا يمزج الشيكولاته بالكريمة بالعسل، وأذنان تسمعان موسيقى الفنان المدفون منذ مئات السنين وعينان ينغلقان على عالم يخصهما بعيدًا عن العالم الزجاجي وأكون جنينًا داخل رحم هارب من جسد أمى ليلضم أنسجته داخل جسد أبى بأمان يرى ويسمع ويتكلم ويقضم قطعة الجاتوه ليكبر ويصاب بداء النسيان فيستسلم للطلق وينزلق إلى العالم يراقب العازف العجوز والشاب المراهق والفتاة الغيورة والراهبة الحزينة والصبية الباكية والصبى المختفى والطائر الكسير والعسكرى المسكين والشخص المجهول الملتفين حول المائدة خلف الزجاج، أرغب فى الجرى بإيقاعى الخاص فوق شوارع المدينة الخالية.. لكن أعينهم سكين يرشق بقوة فى جسدى ليقتلنى.. يواصلون أكل القطعة التى اخترتها بنفسى وهم يرقبون جثمانى الملقى خارج زجاج عالمهم تشيعه نغمات موسيقى مجهول عاش فى مكان بعيد منذ مئات السنين ولا يعبأ به أشباههم العابرون.


(*) من مجموعة قصصية بعنوان "بريق لا يحتمل" لم تنشر بعد

المصدر: موقع كيكا الأدبي

Post: #2
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: الخير محمد عوض
Date: 12-31-2007, 06:50 AM
Parent: #1

هشام كل سنة وانت طيب والعفو والعافية يا زول

Post: #5
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: هشام آدم
Date: 12-31-2007, 07:00 AM
Parent: #2

______________________

Quote: هشام كل سنة وانت طيب والعفو والعافية يا زول


الأخ: الخير محمد عوض

كل عام وأنت بألف خير و "خيرهما من بدأ بالسلام"
العفو والعافية يا أخوي ...

Post: #3
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: أبو عبيدة البصاص
Date: 12-31-2007, 06:51 AM
Parent: #1

.
.
.
هشام ادم

تحياتي

هل تكفي كلمة شكراً على القصة والرابط

كل الود في كل عام

البصاص

Post: #7
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: هشام آدم
Date: 12-31-2007, 07:05 AM
Parent: #3

_____________________

أخي : أبو عبيدة البصّاص

لقد قرأت القصة في موقع (كيكا الأدبي) يوم أمس، وقد أدهشتني ملكة الكاتبة في استخدام وتطويع الصور الذهنية وتحريك الشخصيات بسهولة وسلاسلة. نمطها في الكتابة، يُشابه إلى حدّ كبير أنماط الكتّاب العالميين، مما يؤكّد أنّ هنالك في هذا العالم الفسيح مبدعون تحت أنقاض الجهالة القرائية، فلا نحن نقرأ لهم، ولا هم قادرون على كسر حواجز ديناصورات النشر. لقد أذهلتني هذه الكاتبة، ورأيت أنّ أقل ما يمكن فعله لهذه القصة الرائعة هو نشره والتعريف به، لأنها - أي القصة - تستحق النشر فعلاً. ولكنني فقط كنت أنتظر الإذن من الكاتبة، التي لم تتوانى في الموافقة أبداً.

بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الجميع في سودانيزأولاين أتمنى للكاتبة سمر نور التوفيق والتقدّم والنجاح.

أشكرك أخي أبو عبيدة وكل عام وأنت بألف خير

Post: #4
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: هشام آدم
Date: 12-31-2007, 06:57 AM
Parent: #1

______________________

سمر نور، كاتبة وصحفية مصرية

غلاف المجموعة القصصية

(من أعمال المجموعة القصصية)

جــدار

لماذا نمزق الصور قبل أن ننـزع المسامير المنغرسة فى اللحم! يجلسان متواجهين.. تستطيع الآن التقاط صورة بلا رتوش.. تستر الظلال جانبا من وجهه فى صورته المفضلة..
يرى الأعماق كالمرايا السحرية تعكس ما نراه بأشكال مختلفة فى كل لحظة.. تحب أن تمنحها الصورة سكون اللحظة المنتقاة.. تخشى أن تحاكى عالما لا يتوقف عن التبدل.. تنثر لحظات مقتنصة بلا ظلال فيخفى وجهه بيديه.. هكذا كان وكانت.. وكان الجدار..

اثبت مكانك.. تضبط عدسة الكاميرا بأنامل دقيقة، وتقتنص لحظة ثبات أخيرة تسربت من بين أصابعه المراوغة.. لا تعرف كيف طرقت تلك الدروب ولماذا تؤلمها عظام الجمجمة...
تحمل الكاميرا وصوره وتسير فى متاهات بلا خرائط، تضج الدهاليز بالعابرين.. عدسة الكاميرا منحتها الخلاص وقادتها إلى لحظة كشف فريدة لتنجو من بيت جحا... خرجت من شوارع الفوضى إلى ساحة الثبات... هناك تتناثر صورها الملونة فوق جدار قائم فى الخلاء.. تحملها حبال متدلية من مسامير بلاستيكية ملتصقة بالجدار، هناك مسامير حديدية تخترقه ولا تحمل صورا.. تدق مسمارا حديديا... يخترق الحديد الجدار الحجرى بصعوبة ويزداد ألم عظام الجمجمة.. لم تتوقف إلا حين نزت يديها دما.

تتجول عينيها بين لحظات حقيقية لم تبتذل فى طرقه الملتوية.. فى منتصف الجدار صورة لمجموعة رجال يلعبون النرد، تثبت الصورة تلك اللحظة التى تلمع فيها نشوة النصر فى وجه رجل أسمر يرتدى عباءة سوداء ويضع على ركبته طفلة سمراء تشاركه بفرحة تقفز من عينيها اللامعتين.. تمسك بيديها الدامية تلك الصور التى حملتها معها عبرالطريق، تتأمل ملامح رجل المتاهة فتجده كما تركته قبل الرحلة.. يخفى وجهه بيديه! يجلسان متواجهين.. تنـزع المسامير الصلبة من لحم الذاكرة وتلصق صوره على ندوب الجدار.

المصدر: موقع دار ملامح للنشر


Post: #6
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: أبو عبيدة البصاص
Date: 12-31-2007, 07:02 AM
Parent: #1

.
.
هشام كان لابد من عوده فمازال طعم الكيكه في فمي
فقررت اعادة المطالعة القصة
فاكتشفت طعم آخر لم اتذوقه في الاول

اعتقد ان هذا مايمسى بقمة الامتاع
ان تعيد اكتشاف ما اكتشفته سابقاً


عفواً لحظه :
هل تسمع معي تلك الدندنات


البصاص

Post: #8
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: Mubarak Eltayeb
Date: 12-31-2007, 07:15 AM
Parent: #6

شكراً أخي هشام
لأنك شاركتنا معك هذه القصة الممتعة
لك خالص ودي

Post: #9
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: هشام آدم
Date: 12-31-2007, 07:25 AM
Parent: #8

_____________________

Quote: شكراً أخي هشام
لأنك شاركتنا معك هذه القصة الممتعة
لك خالص ودي


أخي مبارك الطيّب

شكراً لك على مرورك وقراءتك لهذه القصة
وبالفعل فإنّ القصة تستحق القراءة والنشر
لأنها مختلفة تماماً عن أنماط القصة التي
نعرفها ونقرأ هذه الأيام

أجدد لك التحية والتقدير

Post: #10
Title: Re: أجمل ما قرأت مؤخراً
Author: هشام آدم
Date: 12-31-2007, 09:20 AM
Parent: #9

_______________________

مرّة أخرى إلى الأعلى
حتى تطيب لنا القراءة