صديقنا سليمان قور ...لماذا تركت السلاح وحيدا؟

في واحد من تلك الصباحات
كانت الشمس قد استعجلت الشروق
والقمر وقد تاخر بعض الشيءفي ان يتواري خلف تلك
السحب الخجولة .
في ذاك لصباح
والمكان الجبهة الشرقية
والزمان قبل الف عام
والشمس والقمر التقيا على مرأي من
تلك الكتيبة التي يقودها الشاب سليمان
كان سليمان قور في نهاية العشرينات وقتها
وكان يحمل شهادة بكالوريوس في الزراعة من
ام الجامعات وبيده اليسري كان
يحمل مدفع رشاش
وكان قلبه الرقيق وعقله المتقد يمتلان بحب الوطن وحب الشعب
وكان النظام بليدا كعادته دائما
ودكتور جون بجده المعتاد
وعقله المتقد يكتب ويحارب ويخطب
لبناء السودان الجديد.
في ذاك الصباح وبعد ان توقف السلاح لبرهة
التقط جهاز الراديو في غرفة العمليات
التي كان يقودها بحنكة
الكوماندور الحلو عبدالعزيز الحلو
مكالمة من ارض المعركة سيكون لها وقعا سيئا في نفس
على جموع المقاتلين الذين كانوا ينتشرون
على طول الجبهة الشرقية وعرضها .
التقط الراديو في ذاك الصباح
حديث من داخل ارض المعركة
بين القائد الميداني ورئيسه الذي كان يتابع معه
من غرفة العمليات في الجانب الاخر من ارض المعركة

..يا سعادتك قبضنا على قائد جيش المتمردين وهو
برتبة ملازم اول ..التعليمات
شنو يا سعادتك ؟
فجاء رد سعادته فوريا
ادبح العبد من الوريد للوريد !!!!

وكان ذاك العبد هوالملازم اول
سليمان محمد سليمان قور
الذي تخرج قبل سنوات قلائل من كلية الزراعة
جامعة الخرطوم وكان من الكوادر النشطة جدا
بتنظيم الجبهة الديمقراطية بالجامعة .
قبل ان يخرج كغيره من ابناء جيله ويتوجه شرقا
حيث تشرق الشمس لينضم للواء السودان الجديد
ويتخرج برتبة ملازم اول كواحد من ابرز ابناء دفعته
في ذلك التدريب الشاق .

بعد سويعات من تلك المكالمة
انتشر الخبر على الطول الجبهة الشرقية وعرضها

ذبحوا كمرد سليمان

واقسم رفاقه وقتها
على التار .

للمناضل قور كل الاسي والاحزان
والتعازي الحارة يا صلاح علي هذا الفقد الجلل

العزيز المليح ... انك تفتح جرحنا في فقدنا
للشهيد سليمان قور الذي فضل ان يخوض غمار
حرب التحرر وهو من الشمال ومن عرب المسيرية
تحت امرة قائده الجنوبي جون قرنق دي مابيور
نهض قور وكما حكى لي بعد ان فك اسره - جاءني
في صحيفة الايام - وكنت لا اعلم عن ان قور كان
مأسورا ، حكى لي تفاصيل الاسر ، ثم غادرت انا
الى نيروبي احمل تلك البشارات للرفاق في الحركة
الذين سمعوا ان قور قد قتل في ذلك الاسر مع رفاق له
لم يصدقني عبد العزيز الحلو عبد الباقي مختار
ورمضان حسن وياسر عرمان ووليد حامد وياسر جعفر
وكنت اروي لهم اللقاء وجها لوجه في الخرطوم
ولحق قور بنا في نيروبي بعد ان اكمل رسالة الماجستير
في جامعة الخرطوم في الزراعة بعد ان انتهز فرصة
وجوده في الخرطوم ، وسكنا مع بعض في منزل واحد
نتحدث كثيراً يملأنا التفاؤل بتحقيق سودان جديد
وكان اكثرنا تفاؤل سليمان قور الذي ما انفك
يروي الصعاب خلال حرب التحرير والثورة ، وكان
يحلل لنا كيف ان التناقضات استطاعت الحركة في
داخلها تتعامل معها ...
يا صديقي المليح ، ان فقيدنا الشهيد قور رجل
لديه عزة نفس قل ان تجدها ودائما تجده يتحدث
عن كرامة الانسان ، واظنك تعلم انه كان متعبدا
ويصلي كل اوقات الصلاة ، وهو ايضا من الذين
امتلك ناصية المعرفة المنتجة في تطبيقها
وليت امتد به العمر وكنت اكرر له ان يكتب
تجربته الثرة التي كان يرويها لي منذ الجبهة
الديموقراطية وكيفية التحاقه بالجيش الشعبي
لتحرير السودان والحروب التي خاضها في شرق
السودان تحت لواء السودان الجديد ...
سليمان قور كان محبوبا وسط رفاقه وهو لا يحيد
عن مواقفه ... لقد هزم جلاديه خلال تعذيبه
انا في غاية الحزن ... ساعود لنروي بعضا
عنه ... وللمصادفة ومنذ ان افترقنا قور
وانا اواخر العام 2005 لانه غادر الى
كادوقلي لم نلتق وفي هذا العام كنت
في نيروبي اتي الاصدقاء ببعض اشيائي
التي تركتها خلفي من ضمنها دفتر
يخص العزيز قور فيه مدونات حول العمل السياسي
وخطة ما بعد نيافشا ....

عبدالكريم
وصديقي المصطفي سري
سأعود للكتابة عن المحطات التي
التقيت فيها
صديقناالشهيد سليمان
وواحدة من تلك المحطات يا مصطفى
شقتكم المشتركة بنيروبي
حيث كنت اهرب من اكل الخواجات المسيخ بالGuest House
بتاع المنظمة
لانعم بالعدس والحلة المسبكة بشقتكم
تلك مع حسين حلفاوي
وهجو والطاهر جقادو
وكان سليمان بتهذيبه الرائع فاكهة الجلسات .

مشيت الفراش بمنزل اسرة سليمان
فالتقيت اصدقائه ورفاقه القدامى
خالد جادين
فايز الشيخ

واخرون ..جاءوا ليبكوا هذا المناضل الاستثنائي ..

الصديق العزيز صلاح الامين ، اسف لقد ارتبكت في بادئ الامر
وكتبت المليح صديقنا الصحافي ، وهو ايضا يمكنه ان يدلو
بدلوه وهو ايضا كان معنا لفترة في نيروبي ، يعني العنوان
واحد والمقصد تابين لفقيدنا العزيز سليمان محمد سليمان قور
المقدم في الجيش الشعبي ... عزاؤنا الحار يا صلاح الامين
واتذكر ايامك معنا في نيروبي ... ننتظرك ... سلام يا كيكي
وكل عام وانتم بخير...

لا زال الرفاق في عجلة من أمرهم
يتسللون واحداً تلو الآخر
وفي كل الأوقات ليلاً ، نهاراً وفجراً
يرتحلون إلي مدن بعيدة ،، وبحار بلا شطآن
إلي حيث يرتاحون راحة أبدية ...
بعيداً عن الظلم والقهر والتهميش ...
نقول لهذا الجيفاري .... ليس بعد أوان الرحيل
ولكنه يتعجل أمره ويرحل في واحدة من ليالي الخرطوم
الباردة والكئيبة ،، دون وداع
يتعقب خطي الشي حتي في رحيله الباكر
وداعاً ايها الرفيق
وداعاً ايها الرفيق

زهير يا زناتي
تحيات

انتشر الخبر بسرعة وسط الرفاق
في ربدة ..اوقماييت ..مكيت ..و..و,,

وفي تلك اللحظات تداخلت عدة صور في لوحة
واحدة .
بعضها متناسق وبعضها متنافر

والزمن توقف

لكن قور كان قد اسر
اذن لم يذبحوا العبد كما

امرهم قائدهم.

...وفي احراش بوليفيا
قوة من الجيش البوليفي مدعومة بوحدة من ال CIA
تحيط بالمناضل الاسطوري ارنستو شيء جيفارا
بعد ان استشهد رفاقه
وهم يحملون اسلحتهم عاليا
في عبورهم النهر
وكانت تقودهم المناضلة تانيا او تمارا
رفيقة جيفارا الشهيرة .

عندما احاطت تلك الكتيبة المدرعة
بالقائد جيفارا
امرهم جيفارا بلهجة حازمة وقوية
وراسه مرفوعا عاليا للسماء

لاتضرب..

امامك الكوماندور ارنستو شيء جيفارا.
وتم اسره .
هكذا روي واحدا من الذين اسروا ذلك المناضل
الاسطوري
او الانسان الكامل كما وصفه جمال عبدالناصر .


كوماندرات الثورة المهدية يتحلقون
حول سيدي الامام المهدي لوضع الخطة
النهائية لاقتحام قصر الحاكم غرودون
واعطى سيدي المهدي تعليماته الاخيرة
غردون وراسه حيا ..
هز الكوماندرات رؤوسهم
وخرجوا في شأن الله .

بعد جلسة مجلس الحرب تلك بساعات
كان راس غوردون محمولا على حراب
مقاتلي الانصار من ابناء قبيلة
المسيرية . احضروه لسيدي الامام
المهدي وضعوه امامه .
لكن ماذا قال ابن اللوردات غردون قبل ان
تخترقه حراب هؤلاء المسيرية الاشاوس
هناك العديد من الروايات لكن اشهرها
ان غردون كان في كامل زيه العسكري ونيشاناته
في السلم الداخلي للقصر
وبلكنة اسكوتلندية قال
Oh my God .

اذن اللوحة الان في طريقها للوضوح .

فلقبيلة المسيرية تلك ينتمي قور عرقيا
فهو من ابناء قبيلة المسيرية الحمر

وفكريا ووجدانيا
انتمي قور
لقبيلة السودان الجديد
مثله مثل ارنستو شيء جيفارا
الارجنتيني الذي عبر العرق
وانتمي فكريا ووجدانيا
للثورة ,
فقد انتمي جيفارا للثورة الكوبية باكرا
وكان من الذين عبروا المحيط على
متن الباخرة المتهالكة قرانما .


بعد تلك المعركة بايام قلائل
سالتقي بواحد من الذين كانوا مع قور
حتي اللحظات الاخيرة من فقدانه في ارض المعركة
و سيحكي لي ما شاهده من تلك اللحظات وهو في ارض المعركة
ولن تكتمل الرواية الا لاحقا
عندما التقي سليمان قور
بعد سنوات عدة بمدينة نيروبي
في بواكير الخريف
ونحن نجلس معا في مكان ذو اضواء خافتة
في منطقة هالنقام بوسط نيروبي .

صديقنا سليمان قور ...لماذا تركت السلاح وحيدا؟

Quote: لا زال الرفاق في عجلة من أمرهم يتسللون واحداً تلو الآخر وفي كل الأوقات ليلاً ، نهاراً وفجراً يرتحلون إلي مدن بعيدة ،، وبحار بلا شطآن إلي حيث يرتاحون راحة أبدية ...